الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

49
لاق خ لا ل ن ي الد ة ي صدر م ي ف ة ك ي ك ش ت حد و ل م ل ا مد ح ع ا ي) ب د.ر

Upload: -

Post on 31-Jul-2015

93 views

Category:

Spiritual


1 download

TRANSCRIPT

Page 1: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

الملحد و تشكيكه في مصدريةالدين لألخالق

د.ربيع أحمد

Page 2: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

الحمد لله رب العالمين ، والصالة والسالم على خاتم المرسلين وعلى أصحابه الغر الميامين ، و على من أتبعهم

بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فقد انتشر في عص33رنا م33رض اإللح33اد ، وه33و أح33د األم33راض الفكرية الفتاكة إذ يفتك باإليمان و يعمي الحواس عن أدل33ة وجود الخالق الرحمن ،و تجد المريض يج33ادل في الب33ديهيات و يجمع بين النقيضين ويف33رق بين المتم33اثلين ،ويجع33ل من الظن علما و من العلم جهال و من الحق باطال و من الباطل

حقا .

ومن عوامل انتشار هذا المرض الجهل بالدين و ضعف العقيدة واليقين واالسترسال في الوساوس الكفرية

والسماع والقراءة لشبهات أهل اإللحاد دون أن يكون لدىاإلنسان علم شرعي مؤصل .

ما هي إال أقوال بال دليل وادع3اءات بالوشبهات أهل اإللحاد ،ورغم ضعفها و بطالنها إال أنه33ا ق33د ت33ؤثر في بعضمستند

المسلمين لقلة العلم وازدياد الجهل بالدين ولذلك كان الب33د من كشف شبهات ومغالطات ودعاوي أهل اإللحاد شبهة تلو األخرى و مغالطة تلو المغالطة ودعوى تلو ال33دعوى ح33تى ال

ينخدع أحد بكالمهم وشبههم .

و في هذا المقال سنتناول إن شاء الله وقدر تشكيك المالحدة و الالدينين في مصدرية الدين لألخالق بالعرض

Page 3: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

وقبل بيان دعاويهم والرد عليها البد من معرفةوالنقد ،مفهوم األخالق ومفهوم الدين

مفهوم األخالق

األخالق مفرد كلم33ة خل33ق ،و الخل33ق عب33ارة عن هيئ33ة للنفس راسخة تصدر عنها األفعال بسهولة ويسر من غير حاج33ة إلى فكر وروية، ف33إن ك33ان الص33ادر عنه33ا األفع33ال الحس33نة ك33انت الهيئة خلقا حسنا، وإن ك33ان الص33ادر منه33ا األفع33ال القبيح33ة س̀ميت الهيئة التي هي مصدر ذلك خلقا سيئا، وإنما قلنا إن33ه هيئة راسخة ألن من يصدر منه بذل المال على الن33دور بحال33ة

.1عارضة ال يقال خلقه السخاء ما لم يثبت ذلك في نفسه

ابل33ة cا عن غيره33ا هي اآلث33ار الق cه eُزgيميeاألخالق و eوالذي يفصل ق الحس33ن عن الغري33ُزة e33ل eم، وب33ذلك يتم33يُز الخhللم33دح أو ال33ذ فاألكل مثال غريُزة، واإلنسان عند الجوع يأكلe بدافع الغري33ُزة وليس مما يمدح به أو يذم. لكن لو أنh إنس33انcا أك33لc زائ33دkا عنا، ألنه أثر لخلق في النفس kفعله مذموم cحاجته الغريُزية، صار م33ذموم، وه33و الطم33ع، وعكس ذل33ك أث33ر لخل33ق في النفس محمود، وهو القناعة. ك33ذلك ف33إن مس33ألة حّ̀ب البق33اء ليس33ت محالk للمدح أو الذم في باب الس33لوك األخالقي، لكن الخ33وف الُزائد عن حاجات هذه الغريُزة أثر لخلق في النفس م33ذموم، وهو الجبن، أما اإلقدامe الذي ال يصلe إلى حد التهور، فهو أثر

لخلق في النفس محمود، وهو الشجاعة .

104التعريفات للجرجاني ص - 1

Page 4: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

وهكذا سائرe الغرائُزu والدوافع النفسية التي ال تدخلe في باب األخالق، إنhما يميُزها عن األخالق كون آثارها في السلوكا طبيعية ليست مما تeحمد إرادة اإلنسان عليه أو تذم k2 أمور.

مفهوم الدين

الدين له عدة تعريفات منها الشرع اإللهي المتلقhى عن وضع إلهي سائق لذوي،ومن تعريفات الدين 3طريق الوحي

العقول - باختيارهم إياه - إلى الصالح في الحال والفالح في كل ما يتخذه الناس ويتعبدون له،ومن تعريفات الدين 4المآل

kأو باطال ،k5 سواء كان صحيحا.

23-22 - موسوعة األخالق لخالد عثمان الخراز ص 29 ص لسعود بن عبد العُزيُز الخلف دراسات في األديان اليهودية والنصرانية - 3

دائرة المعارف للبستاني مادة )دين(. - 4

10 ص لسعود بن عبد العُزيُز الخلف دراسات في األديان اليهودية والنصرانية - 5

Page 5: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

الشبه التي لجأ إليها المالحدة لتشكيك في مصدرية الدينلألخالق

لجأ المالحدة للعديد من الشبه للتشكيك في مصدرية الديناخترع الدينلألخالق فقالوا : وجدت األخالق قبل الدين ،و

األخالق مستمدة من احتياجات فلتنظيم المسيرة األخالقية اإلنسان إذا وجد بعض القيمبل اإلنسان و اهتماماته

الخلقية في الدين فإنها مأخوذة من المجتمع الذي ظهر به. هذا الدين

وقال آخرون : وجود بعض األخالق في بالد ال تدين بدين سماوي ،ووجود بعض األخالق في بالد يكثر فيها اإللحاد ،و

األخالق أي يوجد من هو انتشار الفساد في البالد اإلسالمية متدين وليس لديه أخالق ، بينما يوجد من هو ال ديني ولديه

. أخالق ،وهذا دليل على عدم مصدرية الدين لألخالق

واحتج بعضهم : أن الدين ثابت و أخالقيات بعض المنتسبين. إلي الدين تتغير مع الوقت

و قال البعض : ليس من األخالق قطع يد السارق و رجم الُزاني ،وكيف يكون الدين مصدرا لألخالق و يشترط شهادة

أربعة رجاال لتطبيق حد الُزنا فلو فعلها الشخص دون علم. ألحد أو أمام سيدات ال بأس بذلك ؟

كيف يضبطو قال البعض : ليس الدين مصدر األخالق إذ السلوك االجتماعي عن طريق التهديد بالعذاب األبدي

و عدم التخلق بالخلق السيئ ؟بواسطة كائن فوق الطبيعة ،و أسلوب الترغيّبتقديم رشوة للربخوفا من النار كأنه

في األخالق الحسنة بدخول الجنة والترهيّب من األخالق. السيئة بدخول النار ليس من األخالق في شيء

Page 6: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

ال يحق ألي دين أن يفرض رؤيته للفضيلةوقال البعض : األخالقية و اإلثم و السلوك الجنسي و الُزواج و الطالق و

التحكم في النسل أو اإلجهاض أو أن تسن القوانين بحسّب تلك الرؤية على بقية المجتمع ،والمبادئ األخالقية من

الممكن أن تكتشف في سياق التشاور األخالقي و. الديموقراطية

وقال البعض : العقل و اإلنسانية كفيالن بجعل اإلنسان اإلنسانية و دون حاجة ،ومن طبائعيتخلق بالخلق الحسن

لتوجيه ديني مباشر أو غير مباشر مسائل مثل تجريم القتل و السرقة و الخيانة المالية و الُزوجية و العالقات الممنوعة

، واألخالق موجودة في الضميربين المحارم اإلنساني ،والحاجة للدين كي يبين أن ممارسة جنس

المحارم و قتل اإلنسان هو شيء خاطئ يصور اإلنسان كأنهوحوش ، وإذا كان هذا الوحش موجوداk داخلكائن ال أخالقي

.أي إنسان فلن ينفع ال الدين وال القوانين بالقضاء عليه

االفتراض بأ̀ن الخوف والطمع يدفعانوقال البعض : اإلنسان لعمل الخير أو اجتناب الش̀ر يصور اإلنسان كأنه ش̀رير� بالفطرة لذلك ال بد` من ترويضه بالقوة كالحيوان

. المتو̀حش

القول بأن األديان مصدر األخالق مسألة غيروقال البعض : عملية ال تصمد أمام التجارب الحقيقية على أرض الواقع

إن خصصنا األديان كمصدر لألخالق لوجودوقال البعض : نصوص أخالقية فعليه سنقول األديان مصدر القتل لوجود

تعاليم ترتبط بالقتل و أنها مصدر الحرب لوجود تعاليم. ترتبط بالحرب

لنفرض أن أمامنا عدة كتّب )التوراة، اإلنجيل،وقال البعض : القرآن، ...( كل منها يُزعم أنه الصحيح ويحتوي األخالق الصحيحة وفقط هو يمتلك هذه المعرفة. كيف سيكون

Page 7: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

بإمكاننا معرفة أي منها هو الصادق إذا لم نعرف أصالk ما تعنيه األخالق ؟ أي كيف يمكننا أن نقول أن كتاباk معيناk هو

الصحيح من وجهة نظر أخالقية إذا لم تكن لدينا فكرة مسبقة مستقلة عما يعنيه أن يكون حكماk ما أخالقياk أو ال؟

بأي معيار أستطيع أن أقول أن كتاباk معيناk صادق بحكم أخالقي ما )أو بكل أحكامه األخالقية( بدون أن أعرف ما

تعنيه األخالق؟ بالتالي من هنا ضرورة أن تكون المعرفة األخالقية سابقة ومستقلة وذات أولية على الدين ما يؤدي

. إلى أن الكتّب الدينية ال يمكنها أن تكون مصدراk لألخالق

الدين هو مصدر األخالق هي مقولة خاطئةوقال البعض : يتبع1ألنها تؤدي إلى تناقض ذاتي: لنفرض أن إنسان أ

فيتبع2 وأما اإلنسان أ1األخالق التي يمليها عليه دينه د . في حال اختالف الدينين2األخالق التي يمليها عليه دينه د

فيما يطالبان به بخصوص حالة معينة )كضرورة أو عدم ضرورة رجم الُزانية مثالu( فإن هذا يؤدي العمل ذاته سيكون

أخالقياk من منظور الدين األول وغير أخالقي من منظور الدين الثاني. أي أن الحكم الموضوعي على العمل نفسه لن

يكون ممكناk إذا كان مرجعنا فيما يجّب فعله أو االستنكافعن عمله هو فقط ما يسوغه دين معين أو غيره .

Page 8: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

األخالق قيمة مطلقة ثابتة

ال يعتريها التبديل من عصر لعص33راألخالق قيمة مطلقة ثابتة ش33أنها ش33أن األفالك وال من ش33خص لش33خص وال من بلد لبلد

. والمدارات التي تتحرك فيها الكواكّب ال تتغير بتغير الُزمان

و رغم أن العديد من الناس لديهم ممارسات أخالقية مختلفة، إال أنهم يتشاركون في مبادئ أخالقية عامة مثال، يتفق مناصري اإلجهاض ومعارضيه أن القتل أمر خاطئ، و لكنهم يختلفون حول ما إذا كان اإلجهاض يعتبر قتالk أم ال.

لهذا، حتى في هذه الحالة تثبت حقيقة وجود األخالقيات العامة المطلقة ، و ال يوجد مجتمع بكامله يمكن أن يرى أن زنا المحارم مسألة عادية و ليس أمرا مشينا ، نعم قد يوجد

بعض األفراد الشواذ الذي يرون أن زنا المحارم مسألة عاديةفالعيّب في هؤالء األفراد الشاذين وليس في المجتمع .

يوجد قيم أخالقية تحتفظ بقدر من التوافق العام والتصورو المشترك على أنها خير عند جمي33ع األمم كالعدال33ة و األمان33ة والكرم ،ويوجد قيم أخالقية تحتفظ بقدر من التواف33ق الع33ام

كالك33ذب ووالتصور المشترك على أنها شر عند جمي33ع األممالخيانة .

Page 9: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

وتجد جميع األمم والشعوب في ك33ل األزم33ان و ك33ل األم33اكن تحّب الخير وتمدحه و تك33ره الش33ر وتذم33ه ،و تحّب الفض33يلة و تك333ره الرذيل333ة وتحّب الص333دق وتمدح333ه و تك333ره الك333ذب وتذمه ،وتحّب األمانة وتمدحها وتكره الخيان33ة وت33ذمها ،وتحّب الشجاعة وتمدحها وتكره الجبن وتذمه ،و تحّب الكرم وتمدحه و تكره البخل وتذمه ،وتحّب االحترام وتمدحه وتكره االحتقار وتذمه ،وتحّب العدل وتمدحه وتكره الظلم وتذم33ه ،وال مع33نى للمدح وال33ذم ،وال مع33نى لحّب الخ33ير و ك33ره الش33ر إذ لم تكن

األخالق مطلقة .

وتجد جميع األمم والشعوب تشيد أو تك33افئ على فع33ل بعض السلوكيات الحسنة كالشجاعة والوفاء واإلخالص ، وتج33رم أو تندد أو تعاقّب على فعل بعض السلوكيات السيئة كالسباب و الفساد والقتل والغش ،وال معنى للثواب والعقاب إذ لم تكن األخالق مطلق33ة ،وال مع33نى للمكاف33أة و المعاقب33ة و التج33ريم

في غياب األخالق المطلقة .

و ال توجد أمة من األمم في أي وقت و أي زمان تجعل السرقة عمال بطوليا و ال توجد أمة من األمم في أي وقت و أي زمان تمتدح الكذب و ال توجد أمة من األمم في أي وقت

.و أي زمان تعظم الخيانة

و إذا كان الواحد منا يرى بعض السلوكيات فيرفضها ،ويقول أنها منافية لألخالق كقتل الرجل ألبيه أو سّب الرجل لشخص

Page 10: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

فهذا دليل على مطلقية األخالق و من خالل مطلقيتها حكمناعلى بعض السلوك أنه منافي لألخالق .

أهمية وجود قيم أخالقية مطلقة و ثابتة

إن وج33ود قيم أخالقي33ة مطلق33ة و ثابت33ة يجع33ل من الس33هل الحكم على بعض الس33لوكيات ب33الخير أو الش33ر ، بالخط33أ أو

مطلق33ة ولوج33ود مب33ادئ أخالقي33ةالصواب ،بالحسن أو القبح و نس3333تند في حكمن3333ا على يمكن أن نحتكم إليه3333اثابت3333ة

السلوكيات عليها .

و في وجود قيم أخالقية مطلقة و ثابتة يس33هل التمي33يُز بين السلوك المحمود والس33لوك الم33ذموم ،و يس33هل التمي33يُز بين الس33لوك الحس33ن و الس33لوك الق33بيح لوج33ود مع33ايير أخالقي33ة مطلقة و ثابتة يمكن أن تدلنا على السلوك الحسن والسلوك

القبيح .

و في وجود قيم أخالقية مطلقة و ثابتة يسهل التحفيُز على فعل السلوك المحمود و التنفير من فعل السلوك

المذموم ،و يسهل االلتُزام بالقيم األخالقية .

Page 11: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

يميُز اإلنسان بينو في وجود قيم أخالقية مطلقة و ثابتة السلوك الحسن و السلوك القبيح ، و يبحث عن أفضل

العالقات وأحسنها في معاشرة الناس ،و بذلك يتميُز سلوك و يحافظ اإلنسان على إنسانيتهاإلنسان عن سلوك البهائم

.التي يترتفع بها عن الحيوان

أهمية االلتُزام بالقيم األخالقية

إن االلتُزام بالقيم األخالقية ذو أهمية بالغة إذ مع االلتُزام الخير والصالح والصالحون، ويقل الشربالقيم األخالقية يكثر

.والفساد و المفسدون

و في وج333ود قيم أخالقي333ة مطلق333ة و ثابت333ة يتحلي أف333راد تجد الفرد والمجتمع يعيشون فيالمجتمع بها و يلتُزمون بها

سعادة إذ الكل يفعل الخ33ير ويجتنّب الش33ر فتنتش33ر الفض33يلة وتختفي الرذيل33ة و العيش في ظ33ل الفض33يلة يبعث الس33عادة

.والبهجة

و في وج333ود قيم أخالقي333ة مطلق333ة و ثابت333ة يتحلي أف333راد تجد الفرد والمجتمع يعيشون فيالمجتمع بها و يلتُزمون بها

طمأنينة و أمان و سالم إذ الك33ل يفع33ل الخ33ير ويتوقع33ه ممن.حوله

Page 12: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

و في وج333ود قيم أخالقي333ة مطلق333ة و ثابت333ة يتحلي أف333راد يتخلص المجتم33ع من ظ33اهرةالمجتم33ع به33ا و يل33تُزمون به33ا

النتش33ار الخ33ير و الثق33ةالقل33ق واالض33طرابات ال33تي تس33وده .المتبادلة واأللفة والمحبة بين الناس

أهمية اإللُزام بالقيم األخالقية

القيم األخالقي33ة ال مع33نى له33ا إذا لم تكن ملُزم33ة ،و ال أخالق ال يهتم اإلنس33ان ب33األخالق والب33دون إل33ُزام إذ ب33دون اإلل33ُزام

و بانع333دام اإلل333ُزام تنع333دم المس333ؤولية اهتمام333ا يعيره333ا ال33تي تل33ُزماألخالقي33ة ، وإذا انع33دمت المس33ؤولية األخالقي33ة

،وال يوج33د م33ا يحمل33ه على االل33تُزاماإلنسان بالعم33ل الخلقيضاعت األخالق فكل شخص يفعل ما يحلو له .

Page 13: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

مصدر اإللُزام األخالقي في غياب الدين

إذا كانت األخالق ال معنى لها دون إل33ُزام فم33ا مص33در اإلل33ُزام األخالقي في غي33اب ال33دين ه33ل ه33و الض33مير أم العق33ل أم

المجتمع أم المنفعة أم القانون ؟

و إن قي33ل مص33در اإلل33ُزام الض33مير ف33الجواب ال يكفي وازع الض333مير اإلنس333اني وح333ده لحم333ل اإلنس333ان على التحلي

وكث33يرا م33ابض33عف الض33مير فمن الناس من يتم33يُزبالفضائل والمواق33فتتغلّب العواطف واالنفعاالت والع33ادات والتقالي33د

،الخاصة والمصالح الشخصية في ضمائر الن33اس وأحك33امهم وقد يخطئ الضمير بسبّب العديد من المؤثرات ، وقد ينحرف

ف33يرى المنك33ر معروف33ابسبّب العديد من المؤثرات الخارجي33ة والضمير ليس ملكة معصومة من الخطأ ب33لوالمعروف منكرا

. يحتاج إلى من يرشده

يختلف في البيئ33ة الواح3دة وفي الجماع33ة الواح3دةو الضمير فما يمليه ضمير شخص قد ال يمليه ضمير شخص آخر ،و كما

األقط333ار،قي333ل : الن333اس في ك333ل العص333ور، وفي جمي333عkواح3دا kلحن33ا kيستشيرون ضمائرهم، ولكنها ال تسمعهم جميع3ا إذ أن ما يظهر عدالk وخيراk لبعض النفوس المخلصة في عصر

Page 14: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

خ33اص، ال يظه33ر ع33دالk وال خ33يراk لنف33وس أخ33رى، هي أيض33امخلصة، ولكنها عاشت في عصر آخر أو مكان آخر .

و إن قيل مصدر اإلل33ُزام األخالقي العق33ل ف33الجواب ال يكفي وازع العق33ل وح33ده لحم33ل اإلنس33ان على التحلي بالفض33ائل

و في جمي33ع األح33وال  ال ته33دي أص33احبهاف33العقول قاص33رة أحكام العقول متناقضة ، وما يحكم عليه شخص بأنه خ33ير ل33ه

،واألخالق عقليkا من منظور م33ادييحكم عليه آخر بأنه شر له .غير مربحة بل ضارة بل هي أكبر عّبء على صاحبها

من المؤثرات ، وق33د ينح33رفوقد يخطئ العقل بسبّب العديد ف33يرى المنك33ر معروف33ابسبّب العديد من المؤثرات الخارجي33ة

وق3د يص3اب عن3د بعض الن3اس بعل3ة من،والمع3روف منك3را العل33ل المرض33ية، فيعش33ى أو يعمى أو تخت33ل عن33ده الرؤي33ة،

العق33ل ليس ملك33ة معص33ومة منفيص33در أحكام33اk فاس33دة ،و.الخطأ بل يحتاج إلى من يرشده

و إن قي33ل مص33در األخالق و اإلل33ُزام األخالقي ه33و المجتم33ع ال يمكن أن يك33ون المجتم33عالذي يعيش فيه الف33رد ف33الجواب

إال إذا اعتبرن33امص33درا لألخالق وال مص33درا لإلل33ُزام األخالقي ليس ك33ل ف33ردأن ا أض33ف إلى ذل33ك المجتم33ع مجتمع33ا مثالي33

مندمجا في المجتمع فالقيم األخالقية تتباين داخ33ل المجتم33ع الواحد ،و لك أن ترجع إلى التاريخ لترى أن بعض األفراد من أنبياء ورسل ومصلحين كانوا مص33درا لقيم أخالقي33ة س33اعدت

المجتمعات على النهوض والتقدم .

Page 15: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

أع33راف الن33اس متغ33يرة وغ33ير ثابت33ة إذ تختل33ف األع33رافو باختالف الُزمان والمكان فما كان مألوف33ا متعارف33ا علي33ه في زمان أو مكان قد يكون منك33را ومس33تهجنا في زم33ان آخ33ر أو

آخر ، واألخالق تتمتع بالمطلقية والثبات في كل زم33انمكانومكان .

و اعتبار المجتمع مص33در األخالق و اإلل33ُزام األخالقي يجع33ل األخالق خاض33عة إلى م33ا تواض33ع علي33ه الن33اس في المجتم33ع ، وب33دال من أن تeح33دث القيم األخالقي33ة تح33والت في الواق33ع والمجتمع تصبح األخالق مج̀رد انعكاس لهذا الواقع وتبريراk له

و ماذا ل33و تواض33عوبالتالي تفقد األخالق مطلقيتها و إلُزامها الناس على جواز الُزنا و جواز اللواط وجواز زنا المحارم هل يل33تُزم الف33رد بمث33ل ه33ذه الس33لوكيات الفاس33دة أم يخ33الف

مجتمعه ؟.

المنفع33ةو إن قي33ل مص33در األخالق و اإلل33ُزام األخالقي ه33و ف333الجواب األخالق ال333تي تب333نى على المنفع333ة هي األخالق النفعي33333ة ،و األخالق النفعي333333ة ال تحم33333ل من األخالق إال

واعتب33ار المنفع33ة مقياس33ا لألخالق يجع33ل األخالقاس33مها ، نسبية ومتغيرة ، فيصبح السلوك الواح33د خ33يرا وش33را في آن واحد ، خيرا عند الذي حقق له منفع33ة ، وش33را عن33د ال33ذي لم يتحقق له منفعة وبالتالي ال يوجد خلق حميد و ال خل33ق رزي33ل

بدليل وجود قيم أخالقي33ة تحتف3ظ بق3در  وهذا مخالف للواقع من التواف33ق الع33ام والتص33ور المش33ترك كالعدال33ة و الفض33يلة

.والكرم

Page 16: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

و اعتب3333ار المنفع3333ة مقياس3333ا لألخالق يلغي األخالق ؛ ألن المنافع فالمبدأ الذي تستند إليه األخالق وتحتكم إليه مفقود

متعارضة ، وما ينفعني قد ال ينفع غيري مم33ا ي33ؤدي لح33دوث التن33ازع و اص33طدام مص33الح الن33اس بعض33ها ببعض وعم33وم

الفوضى .

؛ ألنه ينُزلهاو ربط األخالق بالمنفعة يحط من قيمة األخالق إلى مس33توى الغرائ33ُز ،والغرائ33ُز موج33ودة في اإلنس33ان و الحي33وان مع33ا فيص33بح س33لوك اإلنس33ان ال يتم33يُز عن س33لوك

. الحي3333333333333333333333333333333333333333333333333333333333333333333333وان

ال ه33و الق33انون ف33الجوابمص33در اإلل33ُزام األخالقيو إن قيل يكفي الق333انون وح333ده وازع333ا لحم333ل الن333اس على التحلي

يس33تطيع اإلنس33ان اإلفالتيمكن التحاي3ل علي33ه وب3األخالق إذ ،و سلطان الق33انون علىوالهروب من العقوبة تجاوزه و منه

الظاهر ال على الباطن والقانون قد يعاقّب المس33يء لكن33ه ال يكافئ المحسن ، و إذا ك33انت الق33وانين ع33اجُزةk عن أن تُزج33ر اإلنسان عن الشر والفساد بدليل كثرة الشر والفساد ، فهي

أشد� عجُزاk من أن تدفع اإلنسان إلى الخير واإلصالح.

ومن هن33ا ال يكفي ك33ل من الض33مير و العق33ل و المجتم33ع و المنفعة و القانون ألن يكون أحدهم مصدرا لإللُزام األخالقي ، و االكتف33اء بوض33ع ب33اعث واح33د لالل33تُزام أدعى إلى ع33دم

االلتُزام .

لو جعلنا طرق اإللُزام كل هذه الط33رق دون اإلل33ُزام ب33وازعو ال33دين فه33ذا ال يص33ح أيض33ا ؛ ألن الض33مير متف33اوت متغ33ير و العق33ول قاص33رة متفاوت33ة في إدراك م33ا ينفعه33ا و المنفع33ة

Page 17: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

نسبية فما ينفعني قد ال ينفع غ3يري و المجتم3ع متغ3ير و م3ا ه333و س333ائد في ه333ذا المجتم333ع ق333د ال يك333ون س333ائدا في مجتمعي ،والقانون سلطانه على الظاهر دون الب33اطن فالب33د من مصدر متعالي يهيمن على ك33ل ه33ذه المص33ادر و يرش33دها

ويوجهها ويقومها إذا إعوجت.

الحاجة إلى الدين في تأسيس األخالق و اإللُزام بها

إن القيم األخالقية ال معنى لها إذا لم تكن مطلقة وملُزمة ، وال تكون القيم األخالقي33ة ك33ذلك إال إذا اس33تمدت وجوده33ا و إلُزاميته33ا من مص33در متع33الي ،وه33ذا المص33در المتع33الي ه33و

وأم33ام ال33دين يص33بح اإلنس33ان أم33ام مرجعي33ة علي33ا،6ال33دين لألخالق بحيث يس333تند إليه333ا في تقري333ر ص333حة القواع333د

- نحن نتكلم عن الدين السماوي ال األديان الوضعية و باألخص الدين اإلسالمي 6

Page 18: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

والمب33ادئ األخالقي33ة من ع33دمها، و المب33ادئ ال33تي ج33اء به33ا الدين في المجال األخالقي مبادئ ثابتة ومطلقة وغير قابلة

، وع33ُزل القيم األخالقي33ة عن ه33ذا المص33درللتغ33ير والتب33دل فتص33بح خاض33عة إم33االمتع33الي ي33ؤدي إلى زوال حقيقته33ا

للض33مير المتقلّب المتغ33ير أو للعق33ل القاص33ر المتف33اوت أوللمنفعة النسبية أو للمجتمع المتغير غير المثالي.

وبغير الدين ال يهتم اإلنسان باألخالق وال يعيرها اهتماما ،و لم تشهد أمة أو جماعة التُزمت القيم األخالقية و تقيدت بضوابطها دون االعتماد على وازع يقودها إلى ذلك ، و ال

يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا االلتُزام إال الوازع الديني الذي يجعل اإلنسان يشعر اإلنسان بمراقبة

الله - سبحانه و تعالى - الدائمة و الشاملة له فالوازع الديني يعتبر أقوي إلُزام لإلنسان ،و هو خير ضمان

الستقامة الفرد في حياته .

و إن حض333ور ال333دين في مش333اعر الحّب والخ333وف والرض333ا والغضّب والرغبة والكره تنمي في شخصية اإلنسان مقاوم33ة االنحراف و الشر ، بينما خلو المشاعر من الت33دين ي33ؤدي إلى

وال33ذي يستش33عر أن الل33ه س33بحانه ، سهولة انحراف اإلنسان ه33و الحس33يّب وال33رقيّب يك33ون من أبع33د الن33اس عن الغش والكذب والظلم ،وال33ذي ال ي33ؤمن بإل33ه خ33الق حس33يّب ورقيّب

و يق33وليكون من أقرب الن33اس إلى الغش والك33ذب والظلم ، غريب333ا وال مجافي3333االبعض : إذا لم يكن إل333ه وال دين فليس

للواق33ع أن تعيث في األرض فس33ادا ول33و على حس33اب اآلب33اء ،ويق33ول آخ33رون : إذا لم يكن ل33ك دين فال م33انع أنواألبن33اء

تخونك زوجتك ويسرقك خادمك .

Page 19: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

و في المجتمعات غير الملتُزمة بالدين يمكن أن يقدم الناس على ارتكاب جميع أنواع األعمال المنافية لألخالق لكن الشخص المتدين حق التدين ال يمكن أن يفعل األعمال

المنافية لألخالق مثال ال يقبل أن يتعامل بالرشوة أو القمار أو أن يحسد أحدا، أو أن يكذب ألنه يعلم أن عليه مراقبة

أعماله وتذكر الحساب بعد الموت أماّ الشخص غير المتدينفال يمنعه شيء عن ارتكاب هذه األعمال .

و ليس كافيا أن يقول الشخص غير المتدين : أنا ال أؤمن بالله ولكنني ال آخذ رشوة أو أن يقول : أنا ال أؤمن بالله و

لكنني ال أقامر أو أن يقول : أنا ال أؤمن بالله ولكنني ال أسرق أو أن يقول : أنا ال أؤمن بالله و لكنني ال أزني و

السبّب أ̀ن اإلنسان الملحد الذي ال يخشى الله وال يستشعر رقابته، وال يخاف الحساب بعد الموت قد يرتكّب أي فعل من

هذه األفعال عند تغير المواقف أو األوضاع من حوله .

وإذا قال شخص ما : أنا ملحد ولكنني ال أزني فالشخص نفسه قد يرتكّب الُزنا في مكان يعتبر فيه الُزنا أمرا عاديا. وممكن للشخص الذي ال يأخذ رشوة أن يقول : إني أحتاج

المال فعلي أن أقبل الرشوة هذا إذا لم يكن في قلبه خوفمن الله تعالى.

وفي حالة غياب الدين ، فإن السرقة نفسها يمكن أن تصبح أمرا مشروعا تحت ظروف معينة فاإلنسان الذين ال دين له

Page 20: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

يمكن أال يعتبر - حسّب رأيه - أن أخذ المناشف وأدواتالُزينة من الفنادق سرقة.

و من ناحية أخرى فإن الشخص المتدين ال يظهر مثل هذا العمل ؛ ألنه يخشى الله ويعلم أن الله يعلم سره وعالنيته،

فالمؤمن يعمل بإخالص ويتجنّب المعاصي، ويمكن لملحد أن يقول : أنا ملحد ولكنني أتسامح مع الناس، فأنا ال أشعر

برغبة في االنتقام وال أكره أحدا ، ولكن في يوم ما يمكن أن يحدث شيء ما يجعله يظهر تصرفا غير متوقع منه، كأن

يحاول قتل شخص ما أو إيذائه ألن األخالق التي لديه تتغير الوازعوالظروف التي يوجد فيها ،وانعدامبحسّب البيئة

الديني عند الملحد يجعله كلما تحركت في نفسه شهوة أونُزوة سارع إلى قضائها .

أما اإلنسان المؤمن بالله واليوم اآلخر حق اإليمان فال يحي33د أبدا عن األخالق الفاضلة مهما كانت المؤثرات ، فأخالقه غير

،و ال33وازع ال33ديني عن33ده ومراقب33ة الل33ه والخ33وف منمتقلب33ة .ارتكاب اإلثم يجعله يتجنّب الوقوع في رذائل األخالق

Page 21: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

نظرات في كالم المالحدة والالدينين

اخترع الدينوجدت األخالق قبل الدين ،و قال بعضهم : ) األخالق مستمدة من احتياجات فلتنظيم المسيرة األخالقية

اإلنسان إذا وجد بعض القيمبل اإلنسان و اهتماماته الخلقية في الدين فإنها مأخوذة من المجتمع الذي ظهر

( ،و هذا الكالم غير صحيح إذ مبناه أن الدينبه هذا الدين جاء بعد فترة زمنية من وجود البشر ،و الدين موجود منذ

،وال يوجد على اإلطالق في أي عصرأن وجدت البشرية من العصور ، و ال في أي أمة من األمم مجتمع بال دين و ال

بال إله معبود حقاk كcانc أو باطالk فهناك اتجاه فطري إuلcى و كما قال البعض :أن يكون هناك دين ، و إله معبود

لقد وجدت وتوجد جماعات إنسانية من غير علوم وفنون و ذكر آخرون ، و لم توجد جماعة بغير ديانة وفلسفات

فكرة التدين لم تخل منها أمة من األمم في القديم وأن .الحديث

ال يضير الدين الحق وجود أديان باطلة فكل هذه أمورو طارئة واإلنسان قد تحيط به مؤثرات كثيرة تجعله ينحرف

إذا لم يهتد اإلنسان إلى الله تعالى و إلىعن الدين الحق ف الدين الحق فإنه يeعبgد نفسه ألي معبود آخر ليشبع في ذلك نهمته إلى التدين ، وذلك كمن استبد به الجوع فإنه إذا لم يجد الطعام الطيّب الذي يناسبه فإنه يتناول كل ما يمكن

أكله ولو كان خبيثا ليسد به جوعته .

Page 22: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

والدين ليس اختراعا بشريا بل عطاءا ربانيا من الله للبشر ليهدي البشرية ويوجهها ويرشدها إلى خير الدنيا و اآلخرة

.

وال يختص الدين بتنظيم السلوكيات األخالقية بل يختص بتنظيم جميع السلوكيات و جميع أمور الناس إذ يوجد

بالدين جميع أنواع التشريعات من تشريعات اجتماعية و تشريعات اقتصادية وتشريعات دولية وتشريعات جنائية

وتشريعات أسرية وتشريعات سياسية وغير ذلك منالتشريعات فالدين منهج حياة .

األخالق مس33تمدة من احتياج33ات اإلنس33ان ووال33ُزعم ب33أن اهتماماته زعم باطل وكالم بال دليل فأين الحاجة للتضحية و الفداء ؟ وأين الحاجة للكرم والجود ؟ وأين الحاج33ة لإليث33ار ؟ وأين الحاجة للعطف على الحيوانات ؟وأين الحاج33ة للعط33ف على الفقراء والمساكين والمرضى ؟ وأين الحاجة للتعاطفمع الناس ؟

والُزعم بأن القيم األخالقية الموجودة في الدين مأخوذة من المجتمع الذي ظهر به هذا الدين زعم باطل وكالم عار عن الصحة فكم عارض الدين أخالقيات المجتمع الذي وجد فيه والدين يصحح أخالقيات المجتمع فيرفض األخالقيات السيئة كالعري و زنا المحارم وزواج المثليين و اللواط و

. تبرج النساء والظلم والعدوان

وجود بعض األخالق في بالد ال تدين بدينو قال بعضهم: ) سماوي ،ووجود بعض األخالق في بالد يكثر فيها اإللحاد ،و

أي يوجد من هو متدين انتشار الفساد في البالد اإلسالمية بدين وليس لديه أخالق ، بينما يوجد من هو ال ديني ولديه

Page 23: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

( و هذاأخالق ،وهذا دليل على عدم مصدرية الدين لألخالق قول باطل إذ وجود بعض األخالق في بالد ال تدين بدين

سماوي ،ووجود بعض األخالق في بالد يكثر فيها اإللحاد ليس دليال على عدم مصدرية الدين لألخالق بل دليل على وجود دين كانت تدين به هذه البالد ،و هذه األخالق من بقايا آثار

.هذا الدين

وإن كان مصدر األخالق هو الدين إال أن ممارسة األخالق قدkتستمر مع غياب هذا الدين أو اندثاره فتظل األخالق موروثا

دينياk يمتد حتى بعد غياب الدين أو تشوه حقائقه كما تظل بعض التقاليد والعادات تنتقل بين األجيال برغم تغير األديان

والعقائد والثقافات، فتظل موروثاk ثقافياk مستمراk وإن جهلنا .أصله ومنشأه

يوجد من هو متدين بدين وليس لديه أخالق ، بينماوقولهم يوجد من هو ال ديني ولديه أخالق ليس دليال على عدم

ال يمكن وجودهامصدرية الدين لألخالق إذ األخالق كمبدأ بغير دين أما األخالق كممارسة أو حالة معينة من السلوك

.7 فإنها ال تعتمد مباشرة على التدين

واإليمان بالشيء ال يستلُزم العمل له و إن كان دافعا على العمل له فالناس تعلم و تتيقن أن النار محرقة و بعضهم يحرق نفسه بالنار و أيضا قد تجد أن الولد الذي يعلم أن

فالن أبيه ال يبر هذا األب و أيضا قد تجد أن الدائن ال يعطي المال للمدين و بعض الناس تعلم أن الُزنا يكون سبابا في

العديد من األمراض الجنسية و مع ذلك يرتكبه و بعض الناستعلم أن من قتل سيعاقّب من الحكومة و مع ذلك يقتل .

193اإلسالم بين الشرق والغرب للفيلسوف على عُزت ص - 7

Page 24: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

أن الدين ثابت و أخالقيات بعضواحتج بعضهم : ) ( والجواب أن تغيرالمنتسبين إلي الدين تتغير مع الوقت

أخالقيات بعض المنتسبين إلي الدين دليل على ضعف و ليس دليال على عدم مصدرية الدينالتدين عندهم ،

ففرق بين العلم بالدين وبين العمل بالدين أولألخالق ممارسة الدين فقد ال يعمل الشخص بما علم بسبّب هوى

في النفس أو شبهة أو مغالطة أو تعلق قلبه بشيء آخر ،وعلى سبيل المثال كثير ممن يدخن يعلم اآلثار السيئة

للتدخين ومع ذلك يدخن ،ومن يقتل شخصا يعلم أن القتل. مجرم دينيا وقانونيا ومع ذلك يقتل

ليس من األخالق قطع يد السارق و رجمو قال بعضهم : ) الُزاني ،وكيف يكون الدين مصدرا لألخالق و يشترط شهادة

أربعة رجاال لتطبيق حد الُزنا فلو فعلها الشخص دون علم ( و قطع يد السارق وألحد أو أمام سيدات ال بأس بذلك ؟

،وليس من األحكامرجم الُزاني من األحكام الدينية والعقوبة ، مغالطة وتُزييف فإدخاله في األخالق األخالقية

و غلظة العقوبة بسبّب غلظة الجريمة ،وعلى قدر الجريمةوهؤالءهذه العقوبات المغلظة الهدف منها التخويف والردع

المالحدة نظروا إلى غلظة العقوبة و لم ينظروا إلى شناعة. في شيءالجريمة وهذا ليس من العدل و اإلنصاف

أما قول بعضهم : )و يشترط شهادة أربعة رجاال لتطبيق حد الُزنا فلو فعلها الشخص دون علم ألحد أو أمام سيدات ال

بأس بذلك ؟ ( فهذا الكالم ينم عن الجهل الشديد بالشريعة اإلسالمية و أحكامها فقد اشترط الشرع شهادة أربعة رجاال

تغليظاk على من يرمي شخصا بالُزنا ؛ ألنلتطبيق حد الُزنا شهادة المدعي قد يترتّب عليها قتل وعار دائم ،وليس هذا

سد` السبيل على الذين يتهمونلالشرط لجواز الُزنا بل األبرياء ظلماk، وكذلك سد` السبيل على الذين يريدون إشاعة

.الفاحشة في المجتمع

Page 25: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

c﴿تعالى : واإلسالم قد حرم الُزنا فقد قال ال cوا وeب cر تcق�نcى gالُز kيالuب cس cاء cسcو kة cش uاح cف cانcك eهhنu (32 اآلية اإلسراء:) ﴾ إ

رc وcالc ﴿ ،وقال تعالى : cا آخ kه�cلu عc اللhهu إ cم cونeد�عcي cال cينuذhال cو

gق cال�حuب hالuإ eهhالل cم hر cي حuتhال cف�سhالن cونeلeت نeونc يcق� وcمcنوcالc يcُز�ا kامcثc عcل� ذ�cلuكc يcل�قc أ ،وقال تعالى : ( 68﴾ ) الفرقان : اآلية  يcف�

ا ﴿ cمhنu ل� إ eا ق cمcا و cن�ه uم cر cهcا ظ cم cشuاحcو cال�ف cيgب cر cم hر cح

cنcطcل� ب gُزcنeم� يcا ل cم uهhاللuوا بeكuر أcن� تeش� cو gق cال�ح uي�رcغuب cغ�يcال�ب cو cث�مu اإل� cو cونeمcع�لcت cا ال cم uهhى اللcلcوا عeول eقcن� تcأ cو kاناcل�ط eس uهuاألعراف :ب ( )

( ،ومن المعلوم أن الُزنا من أفحش الفواحش33اآلية .وأشد الجرائم ، وأبشع المعاصي ، وأقبح الذنوب

كيف يضبطليس الدين مصدر األخالق إذ و قال البعض : ) السلوك االجتماعي عن طريق التهديد بالعذاب األبدي

و عدم التخلق بالخلق السيئ ؟بواسطة كائن فوق الطبيعة ،و أسلوب الترغيّبخوفا من النار كأنه تقديم رشوة للرب

في األخالق الحسنة بدخول الجنة والترهيّب من األخالق( و دعواهمالسيئة بدخول النار ليس من األخالق في شيء

يضبط عن طريق التهديد بالعذاب ال السلوك االجتماعيأن كالم مخالف للواقع فكم من شخص ارتدع عن فعل معصية

خوفا من عذاب الله يوم القيامة لكن الناس طبائع شتى منهم من يرتدع بالترهيّب و منهم من يرتدع بالترغيّب

ومنهم من يرتدع بوازع الضمير ومنهم من يرتدع بوازع العقل ومنهم من يرتدع بوازع السلطان ،والدين قد عدد

. طرق اإللُزام لمعرفته بطبيعة النفس البشرية

وقول بعضهم :) عدم التخلق بالخلق السيئ خوفا من النارو أسلوب الترغيّب في األخالقتقديم رشوة للرب كأنه

الحسنة بدخول الجنة والترهيّب من األخالق السيئة بدخول ( فيه تشويه للحقائقالنار ليس من األخالق في شيء

فالمؤمن يعبد الله و يتخلق بالخلق الحسن طاعة لله

Page 26: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

المتفضل عليه بالنعم و خوفا من العذاب وطمعا في الثواب فأين هذا الحال من حال المرتشي والراشي الذي يفعل

فعال مشينا ؟!! والناس تحّب و تمدح من يعبد الله خوفا من العذاب وطمعا في الثواب لكنها تذم المرتشي والراشي

فأين هذا من هذا ؟

و الرشوة كل مال دفع لذي جاه عوناk على ما ال يحل أما خوفا من العذاب وطمعا في الثوابالتخلق بالخلق الحسن

فهو فعل ما يستحسن أن يفعل – أي التحلي بالخلق الحسن - و يستقبح أال يفعل - أي عدم التحلي بالخلق الحسن -

فأين هذا من هذا ؟ والرشوة يترتّب عليها ضياع الحقوق وفساد المجتمعات و العبادة والتخلق بالخلق الحسن طاعة

لله وخوفا من العذاب وطمعا في الثواب يترتّب عليها سعادة الفرد والمجتمع و صالح الفرد والمجتمع فأين هذا

من هذا ؟

والملح33د يت33وهم أن أس33لوب ال33ترغيّب وال33ترهيّب يقل33ل من األخالق ،و كأن333ه يري333د أن يق333ول أن األخالق الحس333نة يجّب فعلها بصرف النظر عما يترتّب عليها من ج33ُزاء أو مكاف33أة و أن األخالق الس33يئة يجّب تركه33ا بص33رف النظ33ر عم33ا ي33ترتّب عليها من عقاب وهذه أخالق كان33ط و مث33ل ه33ذه األخالق إن تصلح لفئة خاصة أمثال كانط فإنها ال تصلح لجمي33ع الفئ33ات، واألخالق اإلس33المية ج33اءت لجمي33ع الفئ33ات مراعي33ة لجمي33ع

.8النفوس ولجميع الفروق الفردية

ومن طبيعة النفس البشرية محبة ما فيه نفعها ومص33لحتها واإلقبال عليه وكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمره33ا

يع33د الث33واب والعق33اب ه33و األس33لوب ال33ذي ، و والنفور منه يتفق مع الفطرة اإلنسانية ، وال33ذي ثبت ص33الحيته في ك33ل

،ورب33ط األخالق ب33الجُزاء أم33ر ض33روري؛ ألن33ه 9 زمان ومكان

289علم األخالق اإلسالمية لمقداد يالجن ص - 845بناء المجتمع اإلسالمي للدكتور نبيل السمالوطي ص - 9

Page 27: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

يُزيد قيمة األخالق كما تُزي33د قيم33ة الش33جرة ثمرته33ا وب33ذلك اختلفت األخالق اإلس33المية عن األخالق الكانطي33ة ال33تي ال ترب33ط األخالق ب33الجُزاء والمكاف33أة, واألخالق من غ33ير ج33ُزاء ومكاف33أة جاف33ة ال طعم فيه33ا أو قليل33ة الفائ33دة وناقص33ة

.10القيمة

ال يحق ألي دين أن يفرض رؤيته للفضيلة) وقال البعض : األخالقية و اإلثم و السلوك الجنسي و الُزواج و الطالق و

التحكم في النسل أو اإلجهاض أو أن تسن القوانين بحسّب تلك الرؤية على بقية المجتمع ،والمبادئ األخالقية من

الممكن أن تكتشف في سياق التشاور األخالقي و( وهذا الكالم فيه إجحاف لحق الخالقالديموقراطية

فالخالق له الحق أن يشرع لخلقه ما يصلحهم و هو أعلم،و لو ك̀ل فرد في المجمتع له الحق في بمصالح خلقه منهم

أن� يفعل ما يريد ويشتهي، وال يح̀ق للدين أ̀ن يمنعه فإ̀ن. ذلك سيستلُزم حدوث الهرج والمرج

وقول بعضهم : )والمبادئ األخالقية من الممكن أن تكتشف في سياق التشاور األخالقي و الديموقراطية ( كالم في

الناس بفطرتهم يحبون األخالقغاية السخف والسقوط ،و رون بفطرتهم uالحسنة كالعدل و الكرم والوفاء ، كما ينف

من األخالق السيئة كالكذب والغدر والخيانة ،وهل مثل هذه األمور تحتاج للتشاور ؟ إن من يريد التشاور في معرفة

األخالق الحسنة و السيئة كمن يريد التشاور في معرفة أن. الواحد نصف االثنين ،وأن النقيضين ال يجتمعان

وإن أرادوا التشاور في اإللُزام باألخالق الحسنة و اجتناب األخالق السيئة عن طريق وضع قانون فهذا القانون

سلطانه على بعض الظاهر فضال عن الباطن ،وهذا القانون

288علم األخالق اإلسالمية لمقداد يالجن ص - 10

Page 28: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

من الممكن التحايل عليه واإلفالت منه والقانون من الصعّبأن يطبق على كل األخالق .

ليس لها سلطان على النفوس، وال تقوم علىوالقوانين أساس من العقيدة واإليمان كما هو الحال بالنسبة لإلسالم،

ولهذا فإنh النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما وجدت فرصة لذلك، وقدرة على اإلفالت من مالحقة القانون وسلطان القضاء، ورأت في هذه المخالفة إتباعا

ا لرغباتها. kألهوائها وتحقيق

ا، بل ال بeدh له من kالقانون ال يكفي أن يكون صالح hإن ضمانات تكفل حسن تطبيقه، ومن أول هذه الضمانات إيجاد ما يصل هذا القانون بنفوس الناس، ويحملهم على الرضى

به، واالنقياد له عن طواعية واختيار.

وال يحقق مثل هذه الضمانة مثل اإلسالم؛ ألنه أقام تشريعاته على أساس اإليمان بالله واليوم اآلخر ورسوله

محمد -صلى الله عليه وسلم، وأن االلتُزام االختياري بهذه.11التشريعات واحترامها هو مقتضى هذا اإليمان

العقل و اإلنسانية كفيالن بجعل اإلنسانوقال البعض : ) اإلنسانية و دون حاجة ،ومن طبائعيتخلق بالخلق الحسن

لتوجيه ديني مباشر أو غير مباشر مسائل مثل تجريم القتل و السرقة و الخيانة المالية و الُزوجية و العالقات الممنوعة

، واألخالق موجودة في الضميربين المحارم اإلنساني ،والحاجة للدين كي يبين أن ممارسة جنس

المحارم و قتل اإلنسان هو شيء خاطئ يصور اإلنسان كأنه كائن ال أخالقي وحوش ، وإذا كان هذا الوحش موجوداk داخل

(أي إنسان فلن ينفع ال الدين وال القوانين بالقضاء عليه وهذا الكالم باطل و مخالف للواقع فمن الناس من ال ينفع معه وازع العقل و ال ينفع معه وازع الضمير اإلنساني وكم

من أناس خالفوا عقولهم وباعوا ضمائرهم بسبّب الهوى50-49- أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان ص 11

Page 29: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

،ومن الممكن أن ينحرف العقل والضمير عنوالشهوة الحق بسبّب بعض المؤثرات ولذلك البد من موجه ومرشد

. للعقل والضمير حتى ال يحيدا عن الحق

أما قول بعضهم : ) الحاجة للدين كي يبين أن ممارسة جنس المحارم و قتل اإلنسان هو شيء خاطئ يصور اإلنسان كأنه

فهذا الكالم ينم عن الجهل الشديدوحشي ( كائن ال أخالقي فالدين ال يعرفنا األخالق الحسنة واألخالق السيئةبالدين

فقط بل يلُزمنا بفعل الخلق الحسن و اجتناب الخلق الرذيل و يعرفنا ثواب الخلق الحسن وعقاب الخلق الرذيل و يشجعنا

على فعل الخلق الحسن و اجتناب الخلق الرذيل وبذلك يكون الدين عونا في إيقاظ الدوافع النبيلة في النفس

. البشرية و عونا في إخماد دوافع الشر في النفس البشرية

وألن من الناس من يقل عنده الوازع الديني ومنهم من ال يجدي معه وازع الترغيّب والترهيّب ومنهم من ال يجدي معه

وازع العقل ، ومنهم من ال يجدي معه وازع الضمير لذلك نوع الشرع طرق اإللُزام فمن ال يجدي معه وازع الدين قد يجدي

معه وازع المجتمع اآلمر بالمعروف الناهي عن المنكر ، و. من ال يجدي معه وازع الدين قد يجدي معه وازع السلطان

) وإذا كان هذا الوحش موجوداk داخل أيأما قول بعضهم : إنسان فلن ينفع ال الدين وال القوانين بالقضاء عليه ( فهذا

الكالم مخالف للواقع والتاريخ فكم غير الدين مجتمعات كانت تألف المحرمات وترتكّب المحظورات وتفعل الموبقات

. ،وكم غير بعض المصلحين مجتمعاتهم

االفتراض بأ̀ن الخوف والطمع يدفعانوقال البعض : ) اإلنسان لعمل الخير أو اجتناب الش̀ر يصور اإلنسان كأنه ش̀رير� بالفطرة لذلك ال بد` من ترويضه بالقوة كالحيوان

من طبيعة( ،وهذا الكالم فيه تشويه للحقائق إذ المتو̀حش النفس البشرية محبة ما فيه نفعها ومصلحتها واإلقبال عليه

، ووكره ما يضرها ويؤذيها ويفسد عليها أمرها والنفور منه

Page 30: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

يعد الثواب والعقاب هو األسلوب الذي يتفق مع الفطرة. 12 اإلنسانية ، والذي ثبت صالحيته في كل زمان ومكان

و الجُزاءات المترتبة على السلوكيات األخالقية تعد من أقوى الح333وافُز وال333دوافع القوي333ة إلى االل333تُزام ال333دائم ب333القيم األخالقية ، ذلك أن33ه بق33در م33ا يع33رف اإلنس33ان قيم33ة الش33يء يلتُزم به وبقدر ما يعرف العواقّب الوخيمة لس33لوكيات س33يئة يتجنبها ، وهذا وذلك يدفعانه إلى مُزيد من التضحية من أج33ل

.13 التمسك بالقيم في هذه الحياة

اإلنسان بطبيعته يتصرف في كثير من األحيان وفق الخوف و و الطمع, فهو يفعل أمرا طمع33ا في ش33يء معين و ال يفع33ل أمر آخر خوف33ا من ش33يء معين ،و على س33بيل المث33ال يعم33ل اإلنسان طلبا للمال ويُزيد في عمله ويجد طمعا في الحوافُز والترقيات وال يتأخر عن عمله خوفا من الجُزاءات فه33ل ه33ذا السلوك سلوك مذموم ؟ ،والطالّب يذاكر طمعا في النج33اح و خوف33333ا من الرس33333وب فه33333ل ه33333ذا الس33333لوك س33333لوك مذموم ؟،والسائق يلتُزم بإشارات المرور خوف33ا من الغرام33ة

فهل هذا السلوك سلوك مذموم ؟

القول بأن األديان مصدر األخالق مسألةوقال البعض : ) غير عملية ال تصمد أمام التجارب الحقيقية على أرض

إذ الدين موجود منذ ( وهذا الكالم مخالف للحقائق الواقع على اإلطالق في أي عصر،وال يوجد أن وجدت البشرية

ومن العصور ، و ال في أي أمة من األمم مجتمع بال دين ، يمثل االهتمام باألخالق قاسماk مشتركاk في جميع

األديان ،وال توجد ديانة إال وهي تدعو أتباعها إلى االلتُزامبالقيم األخالقي̀ة على اختالف في التفاصيل .

45بناء المجتمع اإلسالمي للدكتور نبيل السمالوطي ص - 12289علم األخالق اإلسالمية لمقداد يالجن ص - 13

Page 31: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

ولم تشهد أمة أو جماعة التُزمت القيم األخالقية و تقيدت بضوابطها دون االعتماد على وازع يقودها إلى ذلك ، و ال

يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا االلتُزام إال الوازع الديني الذي يجعل اإلنسان يشعر اإلنسان بمراقبة

الله - سبحانه و تعالى - الدائمة و الشاملة له فالوازع الديني يعتبر أقوي إلُزام لإلنسان ،و هو خير ضمان

وبغير الدين ال يهتم اإلنسانالستقامة الفرد في حياته .باألخالق وال يعيرها اهتماما

إن خصصنا األدي33ان كمص33در لألخالق لوج33ود ) وقال البعض : نصوص أخالقية فعليه سنقول األديان مص33در القت33ل لوج33ود تعاليم ترتب33ط بالقت33ل و أنه33ا مص33در الح33رب لوج33ود تع33اليم

( وهذا الكالم تشويه للحقائق فال33دين مص33درترتبط بالحرب األخالق ؛ ألنه منهج حياة وضعه الله للبشر لس33عادة ال33دارين

الدين عقيدة وعم33ل وال33دين عقي33دة وعب33ادات ومع33امالت،و ، والكالم عن األخالق الديني3333ة ف3333رع عن الكالم عنوأخالق

الدين فإذا ثبت باألدلة أن دين معين ه33و ال33دين الح33ق فالب33د من اإليمان واالنقياد والتسليم لكل ما جاء به هذا ال33دين من عقائد وعبادات ومعامالت و أخالق ، و عُزل القيم األخالقي33ة

فتص33بح خاض33عة إم33اعن ال33دين ي33ؤدي إلى زوال حقيقته33ا للض33مير المتقلّب المتغ33ير أو للعق33ل القاص33ر المتف33اوت أو

للمنفعة النسبية أو للمجتمع المتغير غير المثالي.

لنف333رض أن أمامن333ا ع333دة كتّب )الت333وراة،) وق333ال البعض: اإلنجيل، القرآن، ...( كل منه33ا ي33ُزعم أن33ه الص33حيح ويحت33وي األخالق الص33حيحة وفق33ط ه33و يمتل33ك ه33ذه المعرف33ة. كي33ف سيكون بإمكاننا معرف33ة أي منه33ا ه33و الص33ادق إذا لم نع33رفkما تعني33ه األخالق؟ أي كي33ف يمكنن33ا أن نق33ول أن كتاب33ا kأصال

Page 32: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

معيناk هو الصحيح من وجه33ة نظ33ر أخالقي33ة إذا لم تكن ل33ديناkم33ا أخالقي33ا kفكرة مسبقة مستقلة عما يعنيه أن يكون حكم33ا أو ال؟ ب3أي معي33ار أس33تطيع أن أق3ول أن كتاب3اk معين33اk ص3ادق بحكم أخالقي ما )أو بكل أحكامه األخالقية( بدون أن أع33رف ما تعنيه األخالق؟ بالتالي من هنا ضرورة أن تكون المعرفة األخالقية سابقة ومستقلة وذات أولية على الدين م33ا ي33ؤديkإلى أن الكتّب الديني33333ة ال يمكنه33333ا أن تك33333ون مص33333درا

إذ الكالم عن األخالق ( ،وهذا الكالم سفسطة باطلة لألخالق الدينية ف33رع عن الكالم عن ال33دين ف33إذا ثبت باألدل33ة أن دين معين هو الدين الحق فالبد من اإليم33ان واالنقي33اد والتس33ليم لكل ما جاء به ه33ذا ال33دين من عقائ33د وعب33ادات ومع33امالت و أخالق ، و صدق الدين يستلُزم صدق التعاليم ال33تي ج33اء به33ا والتي من ضمنها التعاليم األخالقية ،و صدق ال33دين يس33تلُزم أن تكون تعاليمه مص33در للعقي33دة ومص33در للعب33ادات ومص33در

للمعامالت ومصدر لألخالق.

والمعرفة األخالقية ال تستقل بنفسها في تأس33يس األخالق إذبل تحتاج إلى الدين ،وال يمكن أن نستغني بها عن الدين

القض33ية ليس33ت مج33رد معرف33ة الحس33ن والقبح للس33لوك األخالقي فقط فم33ا فائ33دة العلم بحس33ن الص33دق م33ع ع33دم التحلي به ،وما فائدة العلم بقبح الكذب مع اقتراف33ه وعلي33ه فالمعرف3333ة األخالقي3333ة ال ت3333ؤتي ثمرته3333ا إذ لم يعم3333ل بمقتضها ،وكي تؤتي المعرفة ثمارها البد أن تك33ون ملُزم33ة وهذا قدر زائد على المعرفة يتم33يُز ب33ه ال33دين عن المعرف33ة إذ األخالق الديني33ة ملُزم33ة ،واألخالق الديني33ة ي33ترتّب عليه33ا

ورب33ط األخالق ب33الجُزاءث33واب وعق33اب أي مرتبط33ة ب33الجُزاء يُزيد قيمة األخالق ،و األخالق من غير جُزاء ومكاف33أة قليل33ة

الفائدة وناقصة القيمة.

Page 33: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

الدين يعرفنا األخالق المحمودة و يلُزمن33ا به33ا و يحث علىو عونا في إيق33اظيكون فعلها و يبين ثواب االمتثال بالفعل و

دوافع السلوك الحمي33د في النفس البش33رية ويعرفن33ا ال33دين أيضا األخالق المذمومة ويلُزمنا بتركها ويحثن33ا على تركه33ا و يبين عقاب عدم االمتثال بالترك ، و يك33ون عون33ا في إخم33اد

دوافع السلوك المذموم في النفس البشرية .

ولم تشهد أمة أو جماعة التُزمت القيم األخالقية و تقيدت بضوابطها دون االعتماد على وازع يقودها إلى ذلك ، و ال

يوجد وازع ينجح في حمل الناس على هذا االلتُزام إال الوازع الديني الذي يجعل اإلنسان يشعر اإلنسان بمراقبة

الله - سبحانه و تعالى - الدائمة و الشاملة له فالوازع الديني يعتبر أقوي إلُزام لإلنسان ،و هو خير ضمان

وبغير الدين ال يهتم اإلنسانالستقامة الفرد في حياته .باألخالق وال يعيرها اهتماما

الدين هو مصدر األخالق هي مقول33ة خاطئ33ة) وقال البعض : يتب33ع1ألنه33ا ت33ؤدي إلى تن33اقض ذاتي: لنف33رض أن إنس33ان أ

فيتب33ع2 وأم33ا اإلنس33ان أ1األخالق ال33تي يمليه33ا علي33ه دين33ه د . في ح33ال اختالف ال33دينين2األخالق التي يمليها عليه دين33ه د

فيم33ا يطالب33ان ب33ه بخص33وص حال33ة معين33ة )كض33رورة أو ع33دم ضرورة رجم الُزانية مثالu( فإن هذا يؤدي العمل ذات33ه س33يكون أخالقي33اk من منظ33ور ال33دين األول وغ33ير أخالقي من منظ33ور الدين الثاني. أي أن الحكم الموضوعي على العمل نفسه لن يكون ممكناk إذا ك3ان مرجعن33ا فيم3ا يجّب فعل33ه أو االس3تنكاف

( وه33ذاعن عمله ه33و فق33ط م33ا يس33وغه دين معين أو غ33يره الكالم سفسطة فمن المشاهد أن أهل ك33ل مج33ال معين ق33د يختلف3333ون في الحكم على ش3333يء معين لكن ه3333ذا ال ينفي

Page 34: الملحد و تشكيكه في مصدرية الدين للأخلاق

مصدريتهم في الحكم على هذا الشيء ،وعلى س3بيل المث33ال م33ريض يش33تكي من أع33راض مرض33ية لم33رض معين يمكن أن يذهّب لخمسة أطباء كل منهم يشخصه غ33ير اآلخ33ر ب33ل عكس اآلخ33ر ه33ل يمكن أن ننفي مص33درية األطب33اء في الحكم على المسائل الطبية بسبّب هذا االختالف ؟ ،ومث33ال آخ33ر مس33ألة قانونية تعرض على عشرة مستشارين كل منهم يحكم فيه33ا غ33ير اآلخ33ر ب33ل عكس اآلخ33ر ه33ل يمكن أن ننفي مص33درية المستشارين في الحكم على المسائل القانونية بس33بّب ه33ذا

االختالف ؟

الذى بنعمته تتم الصالحات .و الحمد للههذا

مراجع المقال :

أصول الدعوة للدكتور عبد الكريم زيدان

اإلسالم بين الشرق والغرب للفيلسوف على عُزت

التعريفات للجرجاني

بناء المجتمع اإلسالمي للدكتور نبيل السمالوطي

لسعود بن عبد العُزيُز الخلف دراسات في األديان اليهودية والنصرانية

علم األخالق اإلسالمية لمقداد يالجن

موسوعة األخالق لخالد عثمان الخراز