1671

112

Upload: kotob-arabia

Post on 22-Jun-2015

238 views

Category:

Education


19 download

TRANSCRIPT

Page 1: 1671
Page 2: 1671

قصص

ربيع الصبروت

:دراسة قزمحمد محمود عبد الرا

Page 3: 1671

طبقا لقوانني امللكية الفكريةא אא

א .אא

א א أو عـرب االنرتنـت(א اى أو املدجمــة األقــراص أو مكتبــات االلكرتونيــةلل

א )أخرىوسيلة אא.

.א א

Page 4: 1671

المحتويات ٣........................................... أغنية المساء

١٠...............................................مطاردة ١٦.................................................انبثاق

٢٠..............................................دم النهار ٢٢...............................................محاولة

٢٦..................................................تحول ٣٣................................العشاء األخير للجنرال

٤٣...................................أغنية المطر للمدى ٥٣.......................................خاطبة الهوانم

٦١..........................................الرجل األول ٧٥.................................................هوى ٨٥........................................عد الخالية المقا

٩٣............................دم ساخن ينبض في العرق ١١١.........................................لف ؤصدر للم

Page 5: 1671

سحبت . الممرضة الصغيرة فيزعق الطبيب الشاب ووقفت ساكنة . زجاجة البالستيك الفارغة فياإلبرة وغرزتها

.وصامتةنظرت نجية نحوه وهو منكفئ على المريض الغائب

..!) عليـه ييا خت (تحت تأثير البنج، وقالت بصوت خفيض هدت ورمقته بنظـرة ن تالتيوالتفتت ترقص حاجبيها لياسمين

لمت قطعة الخيش على المسـاحة وحملـت طبـق . سريعةالبالستيك الواسع وخرجت، وتبعتها نجية بعـد أن طبطبـت على كتف الممرضة، ثم قرصت المـريض علـى السـرير

). ييا حلو يا بو عل (المقابلة باب العنبـر أمـام همواج في جلستا على كرسيين

. األلمنيومدوالب مستطيل من

Page 6: 1671

أخرجت ياسمين وابور السـبرتو ووضـعته علـى الظهر، ورصت نجية كوبين بهما سكر، فيما كـان الطبيـب يخرج وخلفه الممرضة، أزاحت نجية كرسيها للخلف فتفاداه،

. ومر مسرعاً بغضب . وبدت كأنها لم تقصد ـ و نظرت خلفه ت أن يسـمعه غنت بصـوت حرص

الممر في وحينما اختفى ..) الدنيا حلوة وياك .. وياك.. وياك(، وأسـندت كوعهـا علـى حافـة المجاور، انخفض صوتها

السبابة بقوة ثـم تفلتهمـا في ، وأخذت تحك إبهامها يالكرس فتحدث طرقعة متوافقة مع النغمة المكتومة الخارجة من أنفها

..)برضاكي ا حبيب يي أنا راض .. جفاكي ف!.. صفاكي ف.. (ام تها من فردة الشبشب ترتفع من األم خلعي وبدأت قدمها الت

مثبتة عند الكعب، ترتطم بالبالط لتحل محل اإليقاع، وكانت ياسمين شاردة، ولكنها استجابت لنظـرة نجيـة المشـجعة،

اللحن بهزات خفيفـة مـن رأسـها، إلى الدخولي وأخذت ف كانتـا ..) اااال وانت األملطي أنا ليل ( إلىاوحينما وصلتا مع

قد غرقتا فعال في الشجن فتمايل النصـف العلـوي لنجيـة ـ مـد ي وأغمضت عيناها، واستطال الصوتان محشرجان ف

Page 7: 1671

ـ (أسيان قلبت ياسمين كفها تتأمل !). مل...والقلب قال إيه الع، اأحدثها حذاء الطبيب أثناء مروره صباح ي بكدر الخدوش الت

تمسح الطرقة، وحينما ي إذ أنها وه وأكلها الغيظ مرة أخرى، نظـر نحوهـا . يدها، لم يتوقـف وتشد!) آه (سمعها تصرخ . وواصل سيره

. تاهت النغمة فصمتت، وعادت لشرودها ، ..)وياك، وياك (تركت نجية تردد بمفردها الالزمة

. تالشى حتى وظل صوتها ينخفض ؟ي نمش- ؟! مش طايقة البيت- ـ ا تانفض الزوار، وأصـبح الطرقـة ي وحيـدتين ف

األرض، فترفع وجهها ي من التحديق ف األولىالطويلة، تمل . ترمقها وتحدق مكانهاي تنظر للثانية الت

يـالال (ورك ياسـمين على فجأة خبطت نجية بكفها ، وتحسست كل منهما صدرها، )نروح السيما، وبعدين نروح

وبدتا مترددتين بعد إحصاء الفلوس، ولكـن نجيـة فكـرت ونهضـت متجهـة )وال يهمك (ات، ثم همست بحرارة لحظ

.ناحية مكتب التمورجية عند نهاية الطرقة وعادت بعد دقيقة

Page 8: 1671

، يمبروك يا بو عل (مدخل العنبر وصاحت ي وقفت ف ..).الخروج بعد يومين

فـدخلت ) أنا؟ (غير مصدق كأنه انظر حسن مبتسم والمحـروس .. هو العنبر فيه غيرك يا جميـل (فاردة كفيها ..). ورقة بخمسة!.. طلع الحالوة!.. ربنا يشفيه؟

ن يالخارج حيث تجلـس ياسـم إلى كان حسن ينظر ن، ينبئان عن ساقين ان مدور اها العاري ا، رسغ يبجالبيتها البن . مرة خفيفة شهيةحجسم أبيض مشوب ب وملفوفتين،نظـر ) طلع (كتفه مبتسمة ي دفعته نجية بأصابعها ف

وشـجن، ىنظرة كلها أس إلى الشبقة نظرتهإليها وقد تبدلت قالت بسـرعة ال !) يقو.. يأنا متضايق قو (وهمس بتوسل

ـ (:مثيلتخلو من سخرية الت .. ؟يمالك يا جميل؟ إيه يا حبيبالـبطن على ، مسحت جالبيتها الزرقاء، ودارت كفها )بوسة؟ !)يالسادس يا قلبي دا انا ف (..المنتفخ

..!!نميياسي في نفس- ! نعم؟- . أنا تعبان خالص- : ، ثم أومأت ناحية السرير المقابل أطرقت-

Page 9: 1671

؟خألا و- !ي هو دار- والريسة؟- ! دول عشر دقايق!.. الغيها بقى يا نوجة-

معاك كام؟- !ا غيرها عشرة جنيه واهللا م- !ربنا يستر!.. طيب- كان المساء قد دخل، وانحنت نجية تحـت السـرير

.يالخال لياسمين زفتحة الباب تغم ي لمالءة، ووقفت ف فرشت ا

تريها طرف الورقة النقدية وتتأكد أن الطرقـة خاليـة، ي وه . هزت ياسمين رأسها وكأنها تفهم اآلن فقط كالم نجية

ثمـن كـوب ازائر أعطاها جنيه ي كانت قد هبت ف أخذتها من يدها واستلمت أذنهـا .. بربع جنيه وغازلها ي شا !..).ي أكلنا وشربنا يا روحالمريض وضيفه هما(

ظلت مترددة، وقرأت نجية ما يدور برأسها فجـاءت عينيهـا، وحينمـا رأت جفناهـا ي وجلست بجانبها تحدق ف

ظهر الدوالب، وأخذت تنقر على يرتخيان، استندت بكوعيها

Page 10: 1671

فتغضن ..)الجنينة، ادلع يا حسن ي يا حسن يا خول (بأصابعها .قةمهل مطرعلى وجه ياسمين، وقامت

الوجه النائم، ثم توجهـت ي واربت الباب، وحدقت ف . معصمها على نزل وقبضي سرير حسن الذإلى

ـ ي سحبها خلفه وغابا ف ي الظلمة تحت السـرير، وفـ .. (الخارج، خلف الباب المغلق، تغير صوت نجيـة وف ش

الشجن الخالص، ي وسقطت ف !..) عليناي يا كبد !! بقيناي ازا وظلت الريسة تسألها لها للمرة الثالثـة وباحت عيناها فهمتا،

، )تالقيـه راح السـيما ! آه.. حسـن؟ .. مين؟ (انتبهتحتى اختلط غضبها من استهتار نجية وعدم و وفغرت الريسة فاها،

ظهرهـا على وقوفها، مع دهشتها من الدموع النازلة، ربتت وغلب نجيـة !) يالك يا نجية؟ قاعدة لدلوقت ليه؟ ماتروح م(

: ا دون أن تسمع ردتظرت الريسة طويالالنشيج، وان ! فيه إيه؟- !ا أبد- ـ إلى مسحت خديها، وقامت نـور يءالمفتـاح تض

.نسيتهي الطرقة الذ فين حسن؟-

Page 11: 1671

.البلكونة بيشم هواي ف- ولم تجد الريسة بدا، فواصلت تفقدها لبقيـة العنـابر

وقامـت نجيـة فرفعـت !) ربنا معاها ! غريبة (تتمتمي وه، وأغلقـت ييين فوق الدوالب، ووضعت عـدة الشـا سالكر

بطيئة، تلتفت ناحيـة ىباب القسم بخط إلى القفل، ثم مضت السلم فوقفت ساهمة تبحث عـن إلى وصلت حتى باب العنبر

. تشتتي بقية اللحن الذ

Page 12: 1671

مطاردة

ـ ي عرف الحزن العميق عين . ولـم يبرحهمـا ي أموجهها كله على فرد غمامته ى حت ساكن فيهما كامال اأسبوع

. وكأنها مكروبة.. الركن سـارحة تفكـر ي في زونتنزل من فوق وت

عرفت برحيله الحزن الثقيل ألول مرة، ثـم ي الذي أبي تناج إلـى م نفسها تبحث عن حيلة تريحهـا، وتقـوم تصـعد كلت

!طول النهار طالعة نازلة ال شغلة وال مشغلة.. السطح . البيض فقس- . ت تضحك وكاد- ها من ذبح فرخة صغيرة اا تعنيه كلمت ورغم فهمنا م

أو ديك كل خميس، وتوفير للبيض، حيـث تكـون الفـراخ ـ ي الكبيرة قطعت، إال أننا لم نكن ندرك مواطن فرحها الحقيق

!) لحمة و بيض! يافرح يا سيد (مبتسمةي بغمزي أختي فتكتفينمـا األصغر بلهفة رؤية الكتاكيت الصغيرة، ب ي ويطلب أخ

اء بعينـين نـديتين السم إلى ا علينا، وترنو تنقل نظراته ي أم ..متمتمة بالعرفان

Page 13: 1671

ـ ي وصارت تبكر ف تجهيـز ي إطعامها، ثم تبـدأ ف ىإفطارنا، وعرفنا أن أجمل ما تفعله هو تربيتها، فـال نـر

لها الحب، أو ي ترمي ألق العينين إال وه ي سحبها تتبدد وينجل بريشها األصـفر الالمـع حولهاي تجري تنظف مكانها، وه

ف حول كفها المفرود، تنقر الحب المبلـول بصوصـوة ثتتكاعن العوض مستبشـرة بـالفرج بعـد ي مثل الزغاريد فتغن

. الصبر حتى العتمةي ف ا تقلص فرحها، وتدحرج ذاوي اويوم

سـوى نسمع منها الحزن معها، وصامت عن الكالم فلم لفنا .تمتمات فسرناها بجهد

!قنا خالص عرفت طري- .افقلت مغتاظ ! كان من األول- تقطيع ىلإواضطررنا أمام حيرتها، بعد جدل طويل،

ـ على جالبية قديمة وصلبها ح، طعودين من الغاب فوق الس . وقلنا راح التعب

ـ و ولكنها كانت فطنة للغاية ووقحة فبعد لفة ي احدة ف .اقتربتي األعال

Page 14: 1671

ثم ارتفعـت والفراخ، الكتاكيتحامت قليال ففزعت ونحن نرقبها من مكمننا ي فخطفت نصف دورة، وهمست أم

. العشةي ف ! شكل الطيارة أم نجمة- !)عفريت؟ (األصغري واستفسر أخ الكتكوت المبتعد عن لمة الكتاكيت، على فيما انقضت

صدرها مستكثرة أخـذه على صائحة تضرب ي أموانتفضت ترحت قضنا البعض فا هكذا أمام عيوننا، ونزلنا نتشاجر مع بع

.شراء مصيدة، ولكنها لم تقترب منهاي أختالبعد تتأملها، ثم اختفت حينمـا اكتشـفها على ظلت الرمادي صائحا بال انقطاع وعرفه األحمر العـريض الديك

بمقـدمها، بينمـا سطح العشة يتنبأ ي يعتل ايهتز، وكان دائم .تمرح خلف الفراخ الالهية األخرىالديوك ظهرت بغتة، . كرت بغارتها، وروعت الجميع اليوم ب

، وآخـر بالمنقـار، اتنقض، تضرب واحد ي ومنذ حلقت وه العرسة من خلف الطوب المرصوص ومسكت رقبة وبرزت على ورها وتكالبت الرمادي، وخرجت الفئران من جح الديك

..وركيه وجناحيه

Page 15: 1671

ـ إلى هرعنا ـ ي السطح، واسـتيقظ أخ ) ربكـة (ي ف وقفزواي، ل الجيران فدفعوا الباب الخارج ، وأقب االهرولة باكي

كانـت الطيـور متفرقـة ومنكمشـة، : السلم يتطلعون على امنطرحي بالتراب واألوراق، والديك الرماد اوالسطح معفر

األخرى وقد توقف جناحاه عن الحركة، بينما الديوك اينز دم ، وحركة القـش خلـف )تحت لتحت (الحافة تنظر من على

. دة خلف الحيوانات النهمةالطوب تتحرك مبتع . انت السبب- .السببي ه- !نامي هو الل- غيظهوأفرغ ي، وبعد معركة بيننا ضربت خاللها أخ

كـالم جارتنـا وقالـت متـرددة ي بضرب أخته، سمعت أم وزعت فيها الكتاكيت، كل مربعات بالطين وأقامت !) نجرب

رأتها فة العش إلدخالهامربع به خمسة، وصعدت قبل المغرب علـى ولم تقو . اصاعدة كالشبح بواحد، وأحد المربعات خالي

.كبح دموعها . ونزلت ىحملت ما تبق

Page 16: 1671

ـ .. م خاللهما نن لم ت ايوم ن سـاعة لـم وثمان وأربعهزلـت حتـى قلقة وحـائرة ي وه ٤٨من .. تعرف الراحة

.وغاضت عيناهاتاهت معالمها الجميلة، وتقاطيعها المنمنمة نسـيناها،

، ال أنجبتدخلنا تشيح بوجهها كأنها التعرفنا وكأنها ما كلما حتـى ر مكانهـا لم تغاد ! مات اآلن باكية كأنه ي أب تذكري تن

، ثم عادت بقفص، ا وأخذت منها نقود أذنهاي همست جارتنا ف بالكتاكيت النـافرة ودفعهـا داخلـه، اإلمساكي وساعدتها ف

ـ السـطح إلى رأسها، تصعد به على يوظلت تحمله أم ي ك .تراها الشمس

ال األخـرى تمسك عود حطب تهش به الفضـاء، و !) كنت الحتة س(:بحسرةي فتنظر نحوها أم يءتكف عن المج

. الحجرة إلى فتعود ضائقة! وكأنها سكنت قلبهاالقفص ساهرة ال تحيد نظرتها عن الريش تفتح باب .األصفراألرز المجروش، دافعـة مـن ي تضيف الماء وترم

اكبروا (:ونظرتها الملهوفة ناطقة عها نحو الجمع، يبتعد بإصب الدرجة األخيـرة للسـلم، على الصغير،ي ، بينما أخ !..)بقى

Page 17: 1671

عجـوز ال ي الفضاء كجنـد ي ف االلعب، وقرفص ممعن ي نس على يتزحزح عن حراسته، وأصابعه الصغيرة النحيلة قابضة

نبلته، وقد بانت تحت جلدتها حصاة صلدة مـدورة راحـت ـ ى كلما توال اتصدر صوت يبـدو ي عليها ضغط األصابع، الت

الطـالع ي حركتها وتكز بشدة مع صوت أم ي أنها تستجيب ف . ه السهرمن تحت مثل سرسوب ضوء شاحب أضنا

Page 18: 1671

نبثاقا

صـهدها المحاصـر .. ، الشمس لم تكن تتحرك أبدا ينزل من فوق يمأل الفضاء، ويصعد من التـراب الالسـع،

على ة بأنفاس السباخ طتئن بحملها، محا حافية المرأة القوية، وـ ة المصـلوب والذرة الطريق المتجه للترعة، ي جانب ا، كيزانه

الصغيرة ملتصقة بالعيدان مثل أطفال عطـاش، وشراشـيب . الورق مصقولة كحد الموسى

لرابع مـرة، واكتفـت ي ة تبك تسمرت الطفلة الالهث . فلم تتوقفالمرأة بالزعيق

اللحـاق ت من قنطرة الخشب، وتريد كانت قد اقترب . بعربة المندوه

ـ ي تتحرك ف ي الوحيدة الت العربة ي هذا القـيظ، والتوتظل جالسة سـاعتين ثالثـة .. آخر لحظة ي تفوتها دائما ف

..ويكون السوق انفض.. بمشنة الفاصوليا وكـل يـومين، ..فابتسم" جنبعلى " كلمت المندوه

بجالبية قديمـة ىان المغط المشوار بالمشنة، والباذنج ي تجر

Page 19: 1671

تصل فيلقاهـا حتى يرتفع لمتر عن الحواف، تسنده بخبرتها !..). أحسن من الفاصوليا.. (ا ويساعدها ضاحك

كانت العربة النصف نقل مركونة فارغة، وال أحـد شجرة التوت القصيرة عنـد مقـدمتها، حولهـا سوى هناك

تقضـم الماعز والخراف تشد بأسنانها األغصان الصـغيرة، عشها، والكبش الكبيـر، على فتهف اليمامة ي، الورق الطر

. نائم يلوك ما يسقط بقربهالحافـة علـى شمرت الجالبية، وارتكزت بركبتها

.الخلفية للصندوقأزاحت المشنة الثقيلة ببطء، ثم رفعت نصف الجالبية .. يمسحت عرقها، والتفتت نحو صوت البنت تناد ي، التحتانطريق، وسارعت تهـرول عائـدة فسـمعت ال على نلم تك

. الصوت من الغيظ، ننزلت، والعرق يتجمع من وجهها األحمر المحـتق

ـ خـط يختـرق ي والرقبة الملفوفة والعنق البض، وينزل ف . النهدين المكشوف أعالهما

.هناي تعال- . قال المندوه

Page 20: 1671

اتأكـل كـوز ي ظهر البنت الت على جلست تطبطب قـوالح الراكيـة لـم على كيزان بعةأر، وترنو نحو امشوي . ن يكشفان تخلصه من سروالها العاريوفخذاه.. تنضج

. عملت مشغولة واحمر وجهها، : ناولته للبنتاالسيالة وأخرجت قرشي دست يدها ف .جنب المشنةي اقعد.. عند العربيةي روح- علـى التمعت عيناه، وأمسك حافة جلبابـه يهفهـف

النظر إليه من أسفل بعينين مطـاردتين تختلس ي وه.. النارتريد االنفـالت مـن بـين الـوركين ي بغمامته السوداء الت

. المشعرين العربية عطالنة؟ - ؟ ينع ي- .عينيها، وكانت متلبسة بنظرتها فارتبكتي حدق ف .. انطلقت طيور النهدين، وكالغاب انتصب شـعرها ـ وطقطقت الكيزان .. جفنها وهو ينهض ىارتخ نارهـا ى علصهوة ي تنزلق خالل اهتزازة خفيفة، تمتط ي ه و اتقدت،ي الت

قاع الترعـة ىسحب شهباء، تنظر بطرف عينها النائمة، تر القادم بفوران ولهفة، يكتسـح هالجاف يرتعش أمام تيار الميا

Page 21: 1671

ما يصادفه، فتبتسم النجراف القش والحطب والموز التـالف حول الشجرة، وبنت ي بسهولة، ويمامة فزعة تحوم من األعال

ال يصل إليها، بينما الكـبش بحصىتقذف الخراف والماعز . ، استسلم للرقاديءلم يبق حوله شي الذ

Page 22: 1671

دم النهار

بعد أن غابت دقائق قليلة، عادت المـرأة الصـغيرة . الناشفة مهرولة

وتعتـدل ملهوجـة، ي مرت بين اللمة الكبيرة، تنحن ي االصطدام، وخلفها أم نبو ي خاطفة لتفاد التفافاتي وتدور ف

ـ تكلـم ي بجسمها الضخم، تخترق الحشد بصعوبة بالغة وه . نفسها

ا مـن بـاب الـدار، تكان الزحام يتكاثف كلما اقترب ارتكنت المـرأة تمسـح .. مدخل السلم على ويزداد صعوبة

علـى لفوق ورأت حماتها المترقبة منكفئة عرقها، ثم نظرت وتركتها تجاهد صاعدة ي، أم نبو إلى أشارت .درابزين السلم

توقفت أمام المقعد المدهون بـالجير حتى ال تكف عن الكالم .احديث

العتبة، وظلت إلى أفسح لهما الرجال والشباب لتصال والخيزران مرتفعة تهـش، وبغتـة انفـتح ي بالعصي األياد . دفعوهما برفق للداخل والباب،

Page 23: 1671

حة الساقين، خلفها براح الحافة مفتو على كانت نادية المرتبة الجديدة، وأمامها لتحت، األرضية التـراب مبلولـة

. وبعيدة مثل بئروعمتهـا ي، حماتها عند شباك السرير النحاس العـال

ـ الـركن ي بجانب الساق األيمن تمسك يدها، وتكلم الواقف ف . يدخن

ترفع ذيل الفستان األبيض ي وهي زعقت فيه أم نبو ناولهـا إصـبعه الخشـن . اقترب و السيجارة ىفألق.. لفوق

الظفر الغليظ القذر، ي ت حوله قطعة الشاش لتوار فالمتشقق فل ي يـا بـت وامسـك ي اتعدل (جنبهاي لكزت البنت بكوعها ف

!..) نفسكحمل ي هو نفسه الذ .. بن منصور ي عل كان العريس

مقعدهم بدار أبيها من ي شنطة والده حالق الصحة، ووقف ف .تسع سنين، اكان المقعد بال سرير وال دوالب، ولم يكن مـدهون . العشريني السادسة، وهو في كانت ف

Page 24: 1671

!). العصـفورة ي شـوف ! للسقفي بص (قالي هو الذ الموسـى وسعت ما بين الساقين، ومنصور استل ي وأم نبو . وقطع

، كشرت ا ولما رأته متردد )مهلك ىعل (يقالت أم نبو بللهـا . نادية وغاضت عيناها اصفر وجه .. وهبت فيه فتقدم .. ثم تنفست بقـوة، وتقبضـت عضـالتها .. العرق وغابت

النواجذ بغل فبرزت العينان تحملقـان بقسـوة، على عضتتوترها، أخذت تشد ذراعيها، تخلصهما خالل صـرخة ي وف

تتراجع مذعورة، وجاوبتها مـن خلـف البـاب ي حادة وه ه ويدفعه وهو يصوب إصبع ، ىالصغرالموصد، أمها وأختها

عنادها، تمكنت من إفـالت سـاق ي في دون أن ينظر، وه الشاش ي وانفجرت تضحك بفزع، محملقة ف ، ىضمتها لألخر

إصبعه المرتجف، ينزل بيـده المتدليـة بـبطء على الناصع .. شديد

Page 25: 1671

محاولة كنت أعـرف، ولكـن الفرصـة ي، لم يكن هذا يوم

. لالختيارمجاالي المفاجئة، لم تدع لبـاب إلى ويت الكتب والكراريس ونزلت من فوق ط

ـ ي مواجهتي الحوش فصارتا ف قصـدت ي أمام الفرن، ولكني منها وه ي باللم آخذ ي أن ينخلع عامال ي وقلب األخرىالجهة

يسارها، تمـد الملقطـة إلى تقطع عجين البتاو، وأمها تلتفت الشاروقة المتوهجة تصب القطعة المكورة بقلبـة ي الحديد ف ـ االبالطة، ثم تسحب وتستدير يمين على ماهرة ي البنتهـا الت

كفها من الطست، وعند اكتمـال ي تكون قد اقتطعت قطعة ف حق بـه مـاء، ي كف الملقطة ف ي رص البالطة، تضع خالت

علـى كفيها، ثم تعدل خصلة الشعر النازلـة سلوىوتفرك علـى الجبهة، وتمسح القش الناعم وفتافيت العجين الواقعـة

. والمزدحمة بالورد والخطوط الملونةالنظيفةي البيتالجالبيةلففت الحبل، وربطته ،يحضنت النخلة، وفردت يدا .هداخلي فأصبحت أنا وهي من خلف

Page 26: 1671

ي ابنة خـال سلوى أن اقنوبدأت الصعود برشاقة، مو لفت نظرها ولو مرة ي ف اخلسة، وكنت أرغب دائم ي إل تنظرـ .. واحدة ـ ي صحيح أنها كبرت وال تكلمن موضـوعات ي ف

الكبيـر حيـث يجلسـان ويقفـان ي طويلة كما تفعل مع أخ لـه، معنىوضحك سائب وهمس ال ي، ورغي بالساعات حك

بصصت من الشباك فرأيتها كلما استدارت ي قبل نزول ي ولكن . الشقة الجديدةي في حيث أقيم أنا وأخ ىتطلعت ألعلي خالت

، نيأسقط البلح مرت ي من الداخل بأن أخ ي زعقت أخت ـ طلعت فعال ي وارتبكت ألن ي وأوالد الشـارع يصـيحون ب

لهم عيدان البلح، فقلت بأننا لن نخلص مـن طـوب ي ألرموواصـلت الصـعود ، ى استو االنخلة بلح على العيال مادام السـعف ا جذور اللتين ألهبتهم ي مكترث آلالم قدم بخفة غير

سـحبت المقـص الطويـل ي، األعـال ي المقطوع، وهناك ف القطع، حينمـا انتصـب ي وشرعت ف ي، جانبعلى المربوط

. كالبرقكالسيف، ولسانه يدخل ويخرج ي نصفه العلولهـب إلـى وقد تحـول السـيف ي، وقع المقص من

. وجهي ىوالعرق البارد غطي، يتراقص، وغاض دم . حاولت الصراخ فلم أستطع

Page 27: 1671

لنصف النخلة، ثم قطع ي وظللت أهو ي، ارتخت يدا ي وأختي فهرولت أم !..) تعبان، تعبان ( الحبل، وسقطت أردد

باركات، وأنا ي الملقطة والتففن حول ي صائحتين، ورمت خالت فوجدتها تفـرك لسلوىي بطرف عين " تحت لتحت " أنظر من

واقفـة، وخلصـت ي وهي مهل تنظر نحو على كفيها وتقبل من يءوالتفتت بش ي، بعد أن تحسستن ي يدها من جالبيت ي أم

من الصـعود، فـردت ي لم تمنعن ي تالغضب تعاتب أختها ال طالع ليه؟ أخته قالت له البلح نزل مـن يـومين وال (يخالت

ـ إ سلوىوأقسمت !) سمع الكالم ثـم شـوحت ي، نها لم ترن إلـى وعـادت !) يا شيخ قوم تالقيها شوكة (بإهمال وضحك

فقلت وأنا ) هو فين؟ (الفأس وسألت ي الفرن، بينما أمسكت أم ثم قمـت ..) راح الشغل (مغتاظامن الخلف سلوى إلى أنظر

. فمسحت الجالبية وخرجت للعيال المنتظرين بالخارج

تحول

Page 28: 1671

. ابمجرد نزولنا من العربة، أخذ ينفخ ويتأفف ضـائق تـدلت يـداها، .. يدها ليمسكها فدفعها ألسـفل ىرفعت هد

. ناوانكسرت العين . وبقيت واقفة مكانها ساكنة ليه، ولكنه بصق وأوالدنا ناحيتنا، ثم استدارت إ تتلفت . ظهره

ـ ي أشعل سيجارة قبل رم يسـبقنا ىالعقـب، ومضنلحقـه حتى اوبعد مسافة، توقف مزمجر . بخطوته الواسعة

ـ ي يلكزن لما.. بالمشواري ونحن نجر ـ ي ف ي مـؤخرة رأس . ويعدو فنهرول الهثين!) يإمش(

. نصل إليه فيعاود الضرب بشدة وكان من قبـل عليه، ي ضربني الذي تحسست شعر

األوالد بأنه مثل ي عليه حينما عايرن ربتي الذي يقبله، ورأس . أمـي صمت ي آلمن و الناشف تورم اآلن، ي القلقاسة، وصدغ

. مقوسة، والشنطة الثقيلة تشدها لألرضالمتعبة، وتتبادالن نظـرة حانيـة، ي ترنو إليها أخت

!).يانكشح (وترفع يديها االثنتين هذه المرة فيصرخ فيها

Page 29: 1671

البيـت، إلى ن، ويقفز هو يريد الطيران االيدي ترتخ الناحيـة إلـى نا بنظرة حادة فـأدور ي، يشو ثم يتوقف ملوال

ويلسعها بالجريـدة ).يامش (هدىي فيزعق في ألم األخرى .العاريذراعها ىكفه أعلي الملفوفة فيغلبهـا .. الدموعي ويغرق ف يحتقن وجهها النحيف،

عـن عن نفسها، وبدال ي حرقة، تبك بي النشيج المحبوس فتبك !). ياسكت (يصيحفأمنا

، وال تستطيع كبح ، وجسمها الواهن يهتز تسكت قليال ..بالرعب فتئن، وتقشعر أجسادناحزنها الممتلئ

. اال نركبهـا إال نـادر ي انبهارنا بالعربة الت ىتالش الميسـورين، أو ألنـاس ي زيارة ألقارب أم ي حينما نكون ف

وكنا لسنوات نتحايل ، ىت فرحتنا بالرحلة األول سقط.. مهمينأنـا ي وأبكي، تتوسل أم .. عليه ليذهب معنا، أو يدعنا نخرج

.فيشيح بيده ويخرجي وأخت من شدة الحر، وخنقة ايعهذا العام، بعد أن بكينا جم

بالرفض، ولكـن بسـبب االشقة، زام، ورد هذه المرة أيض التـو ي وأخرجت ف يأسرعت أم.. جديد، فليس معه وال مليم

عينيه وتكاد تبتسـم ي تنظر ف ي من صدرها، فكته وه منديال

Page 30: 1671

دبرتهـا مـن :(وقبـل أن يسـألها قالـت !) معانا الفلـوس ( .اولم يجد مفر) المصروف

الحديقة، فسرعان ما ي ابتسم للقرد ونحن ف هورغم أن أن ابتسـامته يقـرأ الجريـدة، إال اجلس طول الوقت مكشر

ب للمتحف، وبعده شربنا عصير قصب، شجعتنا فطلبنا الذها ـ ىواشتر ـ ي لنا من الفلوس الت ي، أخـذها كلهـا مـن أم

جيبـه ي تنهد ودسه ف ي الباق ىسندويتشات ولب، ولما أحص مرة بـدل صنركب ميكروبا (ومترددةمبتسمة ي فعاجلته أم

، سـار عوبعد كالم ثقيل وكالم غير مسمو !) زحمة األتوبيس مسـند على بكوعه ا متكئ وظل طول الطريق .. جهة الموقف

امرأة طويلة شقراء تحمل طفـال ي يحدق ف ي، األمامي الكرس.. ملتصق بها زوجها، وال يكفان عـن الهمـس ي، أصغر من

دان وحجره، ويعـا على تداعب الولد، ويناغش البنت الفرحة .الهمس فتبتسم

لنا اهذه اللحظة واضح ي يكون ف ي يشرق وجهها الذ على ين الرقبتين، وشعرها المتهدل من الشق الضيق الفاصل ب

المكشـوف ا يتماوج من انثناءاتها فيلمع الجزء هكتفيها وظهر أبيض مشوب بحمرة خفيفة ومثيرة .. من جسمها حول الرقبة

Page 31: 1671

يحملق، ي سقف العربة، ويشب أب ي في مع ضوء لمبة السهار ضفيرتها على جنب ناحيته، قابضة على تتسحباني وعينا أم . مد بوزههو ي.. ةمالملمو

.. نـار على ال تكف عن الحركة كأنها تجلس ي وه الرجـل وامرأتـه أمامنـا . حركة بطيئة محاذرة مثل القطط

ـ ننكفـئ ي يواصالن الهمس والتبسم، ونحن بدورنا مـع أب . لألمام

الناشف، وال تجد ما تفعله ممتعضة تمص ريقها ي أم ـ ي ح وجهها األسمر بمنديل متسخ، وأب مسفت ه ال تحيـد نظرت

ـ نـه يبعي عن المرأة، والولد الصغير يطل بينهما ويغمـز لشعره األصفر الناعم وجبهته الواسـعة الالمعـة، ي فأحدق ف

..يوعيناه الشاسعتان ملونتان مثل البلالسلم، يقفز كل درجتين ثالثـة مـرة، إلى يتقدم أب

النور الضعيف النازل من فـوق، وحينمـا ي ونحن نتخبط ف حذاء بعد أن طوح بالقميص فوق السرير، دخلنا، كان يخلع ال

ـ على الجريدة ىورم مـن إسـقاط ي األرض، وما كاد ينته، ثم ا عليها ضرب وانهال ىهد إلى استدار حتى الجالبية عليه،

Page 32: 1671

، وهو يضرب ثم أصـرخ ا نحوه مأخوذ أتطلعوأنا ي، استلمن ..لكنها صامتة ظلت ترقبنا بهدوءي، أحاول االحتماء بأم

Page 33: 1671

لعشاء األخير للجنرالا

من ي دفع الباب الزجاج . جاء الرجل األصلع الطويل . أسفل بسن حذائه اللميع، ومن أمامه بإصبعه

توقف لحظة ينظر من فوق ثم ترك البـاب ينغلـق وتحرك صوب شلة كل ليلة من األوالد الصيع كمـا يقـول

. عنهمية، كل الحكا ! أنا لم أنهزم (خطبته المعتادة ي وقف يلق

أنـا ال أحـب .. الدنيا كلها كانت ضدنا !الناس خانتنا بقلوبهم ! بال فن بال لعب عيال (أمسك شعر الجالس أمامه ) هذا الشكل

!!). إحنا محتاجين رجالةونزل بعد يأسه من إخماد ابتسامتهم الساخرة، عبـر

دون ممر مقتطع خلف مقاعد القعدات المتناثرة، يهبط قلـيال ـ . او طبيعي درج بانزالق يبد ي اتجه صوب الركن البعيـد ف

ـ ةالبار، قامته المعتدلة بها انحناء ي خفيفة تهزه، ومشـيته التنهاية الخطوة كـأن شـوكة ي تنكفئ ف يبدو أنها كانت رشيقة

ساقه، مالمحه المحايدة تؤكد انتهاءه من معركة ي نغرست ف ا، والقرار األخير لـم يتخـذ، الم ينتصر فيها ولم ينهزم نهائي

Page 34: 1671

إلى لكنه بين االستسالم والمقاومة، ينزلق مع رغبة المنحدر و . نهاية مرصودة

. مساء الخير- . رده حتى قالها دون انتظار لوقوف اآلخر أو . أهال يا جنرال- رد الرجل القصير الممتلئ من ركنه بإهمال متعمـد،

يهم بالوقوف أو يفسح نالكنبة كم على ىوارتكز بيده اليسر . الحافة األخرى على يجلس رغم أنهمكانا

ترك الجنرال المقاعد الثالثة وجلس بجانبه بعـد أن قضم أظـافره ي المنضدة وبدأ ف على وسجائره نظارتهوضع

أشـار حتـى منها ما يستر اللحم، وظال صـامتين ي بقي التبإصبعين داميين ومفتوحين كالقوس فهز الجرسون رأسـه،

. وصب كأسين حملهما إليهما عندك أخبار؟- سأل الجنرال وهو يمسك كأسه بإحساس من فعل ما

عليه لصاحبه، ولكن اآلخر أشعل سيجارة ولم يأخذ كأسه كما توقع الجنرال، وهكذا هرب مـن حتميـة الـرد، أو تعيـين

. المقصود بالسؤال

Page 35: 1671

. وال حاجة- ـ ي قال الرجل وهو يفرك العقب الذ ي أشعل منـه ف

جنرال أعراض العصـبية والتـوتر، ال على المطفأة، وبدت وساقاه تهتزان بتوال عنيف كندين عنيدين يتصارعان، وبذل

جبهتـه مـن مسـح ي هيبته، فما كاد ينته على ليحافظ اجهد، األخرى على ااتكأ للخلف ووضع ساق حتى وشاربه القصير

. الحافة العلوية للكنبة على برأسهاملقي األخيـرة يكيةاألمر من السيجارة ا عميق اسحب نفس

والتفت بغتة التفاتة خفيفة متقنة فرآه يحدق نحو الكأس بنظرة . ة وخبيثةمعملت

علـى شفتيه، وبدا الهم على ورفة االبتسامة الماكرة ، واقترب مـن احلقه ملح ىوجه الجنرال الممتعض كمن حش . جهة واحدة إلى البكاء وهو يعاود أسئلته المصوبة

. وتداخلت معالم وجهه!.وال إيه؟ي ماحدش جا- ! اهللا أعلم- . أقال الرجل فيما نظر الجنرال لساعته وأوم . اشرب كاسك-

Page 36: 1671

حلقه، ويبدو أنـه فضـح ي الكأس ف هقلب الرجل ميا . وسئنفسه، فقد ابتسم الجنرال براحة وطلب ثالثة ك

بـالقرب مـن المقعـد اتناول الثالثة ووضعها بعيد . نوأخذا يشرباي األوسط الخال

رفضت، والبنـت ي ه.. الصراحة حلوة يا جنرال - ـ ـ االثانية وافقت بشرط تدفع لها خمسين جنيه النصـف ي ف

...يساعة، وتعهدت إن لم تعطها فسأدفع لها من جيب : قال الرجل، وأسرع الجنرال بلهفة ..ي المهم ه- !ي يمكن تيج- علـى كان قد مر أربعة شهور، والجنـرال ينفـق

ـ المجموعة ي كلها من أجل لحظة حب من المرأة الوحيدة الت بعمـق، أحبهـا نه أيشعر ي المرأة الوحيدة الت .. تمنعت عليه

يقـول ي رفيقتها الدميمة الت إلى كل مرة يخفق، يتحول ي فو .وكانت أمام ضعفه تشعر بنفسها!) مشاعي د (عنها بقرف

، اتأخذ المبلغ وتشرب، ثم تنزل دون أن يحدث شـيئ أنه وهـو مـع السـمراء حتى رأسهي ششة ف مع األخرىو

ركـن ي القصيرة ال يزيد عن الحملقة باشمئزاز واالنطواء ف

Page 37: 1671

إلى من طعامها وشرابها، ثم تنزل ي تنته حتى االغرفة سارح دون أن يحقق لحظته، ولما لم اوها هو قد أفلس تمام .. البار يباع، ازداد اقترابها منه، ووعدته صراحة بتحقيق يءش يبق اآلخر يعقـب الرجل نكا و وقضاء ساعة معها فاستدان حلمه

!). وضربك فيها؟ إنت نسيت أمها! خناقه على القط يدور( ). تعرف؟ي ه(ا استفسر الجنرال منزعج ..الزم قالت لها قبل ما!.. أظن- . قبل أن يتابعاقال الرجل، ثم صمتا مع ولم ترحمها يـا ! ساعةي كانت تاخد النص جنيه ف -

!اباشالرجل، يكتشـفه ي محدقا ف ىهز الجنرال رأسه بأس

. للمرة األولىسـكت !. كنت لسه شباب، وانت عـارف بقـى - أنا بعت كل .، وشاب لهجته قدر من االعتذار لم يعتده امتنهد !! يءكل ش! يءش

:اأمن الرجل مبتسم !لكن أنا شايف فلوس!.. فعال-

Page 38: 1671

األلـف .. بياض على مضيت شيك ! استلفتها واهللا - . عليهمي قالتلي جنيه اللثم أعادها لجيبـه، . أخرج الرزمة وأراها له من بعيد

. ستأتيكان قد احتفظ بها لمن ي وأمسك الكأس الثالثة التووضعها ليتحسس جيوبـه، وعينـاه شرب نصفها،

.، وتقدمت المرأة البيضاء الطويلةحانفتي تتابعان الباب الذطب فيهم الجنرال منذ قليـل، أومأت لألوالد الذين خ

. ثم أقبلت وخلفها شاب ممتلئ وامرأة سمراء قصيرةوقف الجنرال فاردا كفه، وقد غلبته ابتسـامة شـوق

تجاعيد وجهه، والمرأة الطويلـة على لمعت بعينيه وأشرقت البيضاء غاضبة المالمح اآلن تالمس أصابعه، بينما السمراء

. اظل جالسي للرجل الذها يبتسمانبالقصيرة والشاب بجان لألمـام االمس الجنرال مقعده لوهلة، ثم وقف منحني

يجتاز المنضدة الفاصلة حيث تجلس المرأة البيضاء الطويلـة . مواجهة الرجل الصامتي المقعد األخير فعلى

. وجهها بنهم، وضحك بحرارةي حدق ف إيه؟ي تشرب-

Page 39: 1671

. م ترد المواجهة، ثم لوت بوزها ول ي نظرت للرجل ف .قالت المرأة األخرى

. أصلها صاحية من النوم- ، ا مقدم ا إضافي اأشار الجنرال للجرسون ومنحه بقشيش

ورغم جوعه فقد ابتسم ببالهة مؤكدا .. ألربعة اوطلب طعام . شبعه التامي المرأة الطويلة وجبة إضافية وه تأكلوا بنهم، وطلب

اعف البقشيش تضحك بقوة وإثارة فتفتحت شهية الجنرال وض البار، ونـزل ي يمتنع عن إحضار وجبات ف ي سون الذ للجر

الجهامة، وتتلبسـها إلى شراب ما بعد األكل، وبدأت تتحول . نظرة متنمرة تتفق مع حركاتها القلقة

كانت قد رفضت قتله بآلة، ولما أيقنت من ولهه بها، وتأكدت من إفالسه، اشترطت ألف ، ىوأنفق عليها كل ما تبق

. ه استدانها وقدمها لها ببساطة شديدةجنيحقيبتها وانصرفت، ثـم خـرج خلفهـا ي وضعتها ف . الشاب

رد ). نطلـع فـوق؟ (سألته المرأة السمراء مبتسمة ). مش قادر أل (بسرعة

Page 40: 1671

: الرجل الصامت بسؤال فيـه نغمـة اسـتئذان عقب ).احنا؟ي نمش(

علـى الكالم الكثيـر اليه الجنرال بتوسل كابح إنظر بإغماض عينيه، ىال يجرح كبرياءه بالبوح واكتف حتى شفتيه

وبعد قليل نهض الرجل والمرأة وغـادرا المكـان بهـدوء، فاه وأخذ يتمتم باحثا عن بقايا أظافره، والجنرال الساخط فغر

. وقد انطفأت األنوار البيضاء الساطعةانتبـه . وظلت اللمبات الصفراء الجانبيـة الخافتـة

ثم أشار ، ى وأشعل سيجارة كليوباترا من أخر االجنرال أخير منحـه الجنيـه . ا وخرج مصـاب اكان رقيب ي للجرسون الذ

: ورجاءوقال بتعبي المتبق . اقعد األخيـر، ثـم رآه قعد الجرسون يقتسم معه الكـأس

يغفو، ونقط زيت محروق تتسرسب عبر أخاديـده، فتركـه وبحـث عـن إشارة زبون، وحينما أفاق الجنرال قليال ي ليلب

.منديله بلهفة لم يجدهة السجائر األخيرة بفتش عل . ير بجانبه أحد لمتلفت ف

.فوجدها فارغة

Page 41: 1671

للحسـاب حيـث اوصعد وحيد . المنضدة على ألقاها . خشب مدور ومرتفعي كرس على ييجلس الساق

وهو اكانت الهزة المالزمة له قد ازدادت فبدا مترنح جهه، فاختلطت فيه مالمح يقترب، وتقوس ظهره أكثر، أما و

الطفولة الخائفة مع حزن وهم ثقيلين، وأخاديد تعمقـت ولـم الصبغة، وحينما هم باستخراج حافظته لم يخفها المعجون وال

الواسعة العميقـة، وقـد غـادر ي يجدها، وأمام نظرة الساق ـ اكرسيه وانتصب عمالق جيبيـه ي ، تدلت يـدا الجنـرال ف

لمه العيـال الصـيغ، وكـانوا الجانبيين وغارت عيناه، واست ينتظرون بفارغ الصبر لحظة االنتقام ليهدروا كبره المتسـلط

تقريع، ثم لفت النظر و عليهم كل ليلة بخطبة طويلة كلها سب تلـك ىهـو ي كل ليلة قبل وقوعه ف .. اعتباره قدوة لهم إلى

وبطـوالت غابرةأمامه، شرح ألمجاد ي المرأة، أو وقوفها ه وقع الجنرال (انطلق المحبوس بصدورهم و لم يسمعوا عنها،

صـوت الضـحكات وعلى !) عقبيه نار ي أينما حل فف ي الذفأخذا ساعته الثمينـة، ولـم ي الرنانة، أقبل الجرسون والساق

، آخر فانتزعا الجاكت، ثم دفعوه للخـارج فتلقفـه ايجدا شيئ

Page 42: 1671

ـ ي ن ف وأوالد صيع آخر ي، الشارع ركلوه بجانب الحائط يبكولما لـم يكـن ينتظـره أحـد .. وة السماء وراحت تمطر بق

ـ بالمنزل، وتحولت من فترة نظرات الرهبـة ي والرعـب فوالشفقة والشماتة، األسىنظرات متباينة من إلى عيون الناس

، وبجهد، تحسس افقد مأله إحساس طاغ بالوحدة والضآلة مع . جانبيه فتذكر أنه رهن مسدسه

وريـده، يقطعي علبة سالمون فارغة لك إلى مد يده ولكن قواه الخائرة لم تمكنه، حيث استسلم للغيبوبة، واقتربت

ـ .. كالب الليل الضالة، فيما كانت المرأة البيضاء هنـاك ي فالمقـابر إلـى ي يفض ا صخري االمدينة، تصعد منحدر ىأقص

وبيدها باقة ورد حمراء كاللهب أخذت تلتمع مع تساقط الرذاذ . مةتالخفيف، وارتحال السحب القا

Page 43: 1671

ىللمد.. أغنية المطر

عندما سار باتجاه المنزل الموصوف، لم يكـن هـذا .. قرار اتخذه، إنما هو مجرد االكتشاف أو التغيير على بناء

معها المرارة المالزمة لـه، ي هو كما حدد لنفسه، بصقة يرم . بل إنه لم يسأل عن هذا المنزل بالتحديد

عن مالمح يبحث. ضيقه وألمه المتواصلين ي كان ف يختلسـون سـاعة يفر إليـه الرجـال، ي وحدود العالم الذ

ما وصلوا إليه من قبل، البحث إلى وصل لكينونتهم، وهو قد . عن متنفس

إهـدار . من اإلهدار امزيدي كان كل يوم يبتدئ، يعن ن إوالشجاعة، فما ي بالرجولة، والوع واإلحساسلطعم الحياة

لـه المشابهذلك الشخص يتجسد أمامه حتى بيته، إلى يعودينكره هو ويحاول التخلص . ا وضائع ومكبال امهزوم.. اتمام

.االعادة والعرف، وينز صامت ى ناقلة لعدومنه فتدهمه زوجتهنتيجـة محاولـة منـه ي لم يكن هذا التجسد الـواع

للتفلسف وال الكفر بالنعم، وقد راجع نفسه مـرات ومـرات ولم . السرير مثل مخدة على صار يتكلم وامرأته بجانبه حتى

Page 44: 1671

علـى ىالعاشرة، حيث يكون مض ي ف - حينما تستيقظ –تكن نومها ساعة ونصف الساعة، تأبه لما تسمعه، وبعد حصـار

ت البيت، تتذكر أنهـا الصبح من أجل المصروف ومستلزما يرددها !" ال، ليس هذا بالهروب من المسئولية : "سمعته يقول

بينهما لم يقـم ن الحوار بعد كالم كثير بانفعال وتعجب، وأل علـى وباءت محاوالته معها بالفشل والتوتر، فقد تهادنا ايوم

..الصمت الدائمتوقف الشريط لحظة، وكفت عن محاصرته ريثمـا

. يعبر الشارعكان قد تجـاوز الثلـث األول بأعمدتـه الشـاهقة،

أخفت المداخل، وتراصت خاللهـا فترينـات ي التي والبواكلكهرباء، والمالبس الجاهزة، ورغم أنه لم وأدوات ا ، الحلوى

األولـى تحامه، إال أنه حاول وللمـرة قيكن يريد لصورتها ا استكمال الشريط بقدر من السخرية واالستمتاع يتخلل شعوره

. بالمرارة واإلحباطالحقيقة يشجع نفسه، ويبرر ما هـو مقـدم ي كان ف

. عليه !ذلك؟ إلى يدفعتني التي أليست ه-

Page 45: 1671

ـ أخرى سه، وكان يوقن بأن أشياء قال لنف ي معها هخجـل وتلصـص بتدفعه، وقد تأكد من ذلك وهو يشكو ي الت

لبعض زمالئه ورفاقه، ولما سمع ضحكاتهم وسأل، عـرف . ال يخلو من سذاجة- كما قالوا-أنه

!شوف نفسك أحسن تموت! الهم سواي كلنا ف-وقد اقتربت المناقشة من نقاط ال تنـاقش، صـمت،

شافوا أنفسهم فيها فلـم ي م يستعيدون بلذة، لحظاتهم الت وتركهبيـوت عامـة إلى يموتوا، فهذا يعالج حاله، واآلخر يذهب

تـزوج - تحت ثقل التربية والعرف -وشقق مفروشة، وثالث .اسر، أخرىمرة

اشـهر .. مما سمع ولكنه ظل يرفض بإصرار، حال قـين، حاول الصمود، كان خالله كل ليلة يحار بين طب اواحد

بـالعلقم، ويبتسـم إذ بالعسل، واآلخر متـرع يءأحدهما مل يتصور نفسه قبل الحوارات، أمام العلقم، بل ساقط فيه، ويلذ

امتالكه قدرة االختيار، أو اكتشافه لطبق - ما ا نوع -له اآلن . ثان يمنحه هذه القدرة، وسد منافذ الريح والشـجار بإلقائـه ااستيقظ مبكر

، وبين جنبيه سـره، ابيزة، وخرج صامت الترا على المطلوب

Page 46: 1671

وبعد نصف يوم عمل، راح كتلميذ وجلس بينهم يحوم حـول . اهقانتي الموضوع الذ

مش غالية قوى؟ ي أظن البيوت د- .ا أبد- ويمكن الحريم هناك بخيره؟- !ا طبع- أماكن مهجورة بقى؟ي في الزم البيوت د-شـوف يـا ! أمـاكن زحمـة ي قول ف ! يا راجل -

...دىسيي وحالما خرج، دونها ف بعض البيانات العامة، ىتلق

مطعم، وأقبل المساء بـرذاذ ي ف ىورقة، وراح سينما، وتغد خفيف منعش، فبدأ الشارع من أوله، وأخذت تساوره مخاوف

رفـع رأسـه يتأمـل .. أن يصادفه أحد األقارب أو الجيران ن ومكاتـب يالمحـام . لوحات األطباء، ووكالء االسـتثمار

لتصدير والعمالة والسفريات، سوداء معلقة بجـوار نوافـذ ا .دهر إلى واسعة، واطمأن

!مكتب سفريات!.. محام!.. باسأل عن دكتور-

Page 47: 1671

. قرب منتصف الشارع، كان قد اقترب مـن البيـت عن المـدخل الدكاكين والمحالت الكبيرة بحثا وقف يتفحص

ل التائه بين أكوام من بـاالت القمـاش والجـرادل واألحبـا . الناحيتين على والخراطيم

صوب الباب المفتـوح، وأحـس بعيـون اتقدم بطيئ ردهة ي نفسه بعدها ف ىالمدينة تحدق فيه فهرول خطوات ألف

كنبـة على قديمة ونظيفة، وامرأة بدينة بجوار السلم، تجلس . خشب مرتفعة ومفروشة بحرام من الصوف المخطط

ت لرجـل ليه، وأومأ إت مبتسمة دون أن تنظر لاعتدـ ىقصير، خرج من مدخل واطئ بجانبها وأت ي بزجاجة بيبس

. أمامهوضعها طلباتك؟- .واحدة سليمة.. واحدة!.. ي يعن-

الكلمة األخيـرة، ي وقد حارت ف صمتت المرأة قليال .اشرب :ثم هزت رأسها

أخرجت المرأة يدها . عشر دقائق ثقيلة ومخيفة مرت األولـى للمـرة ىصـدرها، ورأ ي بعد أن دست الفلوس ف

إلى الكوع فنظر حتى غوايش الذهب الكثيرة متراصة وبراقة

Page 48: 1671

، انحنت صبية كانت تتسـمع، اأخير.. والصدر األخرىاليد . هزت رأسها للمرأة من فوق درابزين السلم واختفت

ارتباكه الخفيف، وصعد خلف اابتسم وهو يقف مداري اتوقف بعـد بضـع درجـات ملتصـق ي القصير الذ الرجل

. لحائط، وبنت صغيرة ممسكة بفوطة ملونة تستقبلهباممر قصير مفروش بالكليم ومضـاء ي سار خلفها ف

أحـد الزوايا، وحينما توقفت أمام ي بلمبات صفراء صغيرة ف .األبواب الموصدة، نقرت ثالث مرات بخفة، ثم تراجعت

ما منحه لها وانصرفت، وهو، واقـف على قبضت . ينتظراوحيد

خطا خطوة واحـدة .. ضغط ألسفل أمسك المقبض و . مواجهة الظالم المسيطري وتوقف ف

. عن مفتاح الضوء فسمع صوت امرأةارفع يده بحث .قفلا وادخل -

أغمض عينيه . نور باهر يءوحالما أغلق الباب، أض .سرير واطئ على اجسد عار تمام على وفتحهما

، ولم تمح االندهاشة المفاجئـة غضـبه، اكان غاضب وقد ي سألته باهتمام حقيق .. ان ودفء سألته عما به بحني وه

Page 49: 1671

عينيها لحظة دخولـه، ي كانت ف ي الت األولىتوارت نظرتها . واستكانت مكانها تلك النظرة األمومية العطـوف الصـادقة

على التمدد إلى الظهر على لمت ساقيها واعتدلت من رقدتها ..الجانب األيمن، وفردت يدها اليسرى

.قعدا -ـ على جلس الـبض ي حافة السرير يتأمل الجسد الفت

عينيها الهادئتين، وحزنـه مـع ي المكتمل، تستريح نظرته ف .عمقهماي الحزن الكامن ف

نحو الوضـوح ا فشيئ اويطفو شيئ يتجلىشفيف ىأسجاء من أجل لحظات من المتعـة، أو ي هو الذ .. والصراحة

. االنفجارالنسيان، أو تأجيل دة المبتورة، عن الصـمت لها عن امرأته البار ىحك

ـ ىرأ، ىوالثلج والحصار، عن الوحدة والغربة، وحينما انته ...تنهد وانتظر.. وجنتيها على الدمع

. هو وحده فهم، وترك نفسه للكفين توسدانه . لم تتكلم شعره وجسده فيما هربت رغبته، على اعتدلت وظلت تمسح

وقد ظلت تنسحب أمام الدفء والحنان الصريحين الصادقين، غير عادتها وخلعت عنه على عن روحها، نهضت ي أبانت ه

Page 50: 1671

يقبل دمعهـا، بدأ أوال .. الجبين، واحتوته على ثيابه، ثم قبلته مثل طعـم الـرذاذ ا، به طعم ملح خفيف، تمام ا ورائق اصافيغمـرة ي ف األولىتساقط عليه وهو قادم، ثم ذاب للمرة ي الذ

اسـه تؤكـد وحوالحب المكتمل، وأخذ قلبه يـدق بسـرعة، ورها، ومن فرط النشوة، أو من فرط اإلحسـاس بهـا ضح

ال تكف عن الهدهدة، واضطرمت دمـاءه ي وه، ىضاع، بك ـ ، ىجديدة وحارة فنهض إليها مرة أخر ي ال يريد لفتوته الت

االنتهاء، محاوال -هذا النحو على وأدهشته حضورها انبثقت،ها، البحث عن كلمات تفر منه وال يوقفها إذ يشـعر بصـغر

: اعينيها هامسي ، ظل يحدق فوحالما أفاق قليال ! حقبامرأة ! أنت امرأة-

جال يضعون الفلوس تحت المخدة، أو ركانت تترك ال الكوميدينو، وتعود بعد حمام قصـير وطعـام سـريع، على

، وتعاود التمدد، ولكنها اآلن تمسـك ذراعـه اتشرب عصير ، وبانت مالمـح اتماسك كان ينشده قديم ي بقوة، ملتصقة به ف

بالمرأة انسيها قبل عبوره الشارع فازداد التصاق ي امرأته الت ضاعفا أنهماانتبه اآلن أنه لم يعرف اسمها، وقد أدركت ي الت

الوقت المسموح به، انسلت برفق من مسـامه ثـم نهضـت

Page 51: 1671

مسرعة فاغتسلت وارتدت مالبسها، وألقـت بعـض النقـود تناقشا واتفقا، كان قـد السرير، وكأنهما على ومفتاح الحجرة

كأنه امالبسه ووقف يمشط شعره براحة وابتهاج، تمام ىارتد، وقبل اجتيـاز انظر كل منهما لآلخر مبتسم .. عريس جديد

. المدخل، أعطاها ذراعه فأدخلت يدها تلتصق بجانبهونزال فلم يأبها الستفسار المـرأة ضغط عليها بحنو

.الدكة مفاجأة ومندهشة على الجالسةأخرج مـن جيبـه كـل . ااستدار متذكر العتبة ىعل

..حجرها على الفلوس وألقاهاصـاحبه ي الشارع، والرذاذ الخفيف الـذ إلى خرجا

مطر، مطر خفيف إلى طوال الطريق وهو آت كالتائه، تحول األسود فيغسله، وأحس ببهجة لـم اإلسفلت على ورائق ينزل

مخضرة، والمطر كل األشياء الجامدة أشجار . يعرفها من قبل نفسه يترنم بلحـن ىالنازل برفق يتفجر من أعماقه هو، وألف

كأنها وجدت ضـالة ي حب قديم كان يعشقه قبل الزواج، وه . كانت تنشدها

بدأت تتذكر ي ترديد نغم األغنية الت ي اشتركت معه ف كلماتها اآلن، وبصوت مسموع، سارا يصفران ليخرج اللحن

Page 52: 1671

- بهمـا ىديهما الحيوية، وسـر ، ودبت بجس ا وجياش امتوافقـ طويال افتقداه دفء - متالصقين ا جديـد ا، واستشعرا طعم

وخالصـة، كلها حقيقية .. عرفاهاي لألشياء، ورائحة غير الت وقد اختلطـت دموعهمـا مـع ، معنىومفعمة بالحضور وال

قطرات المطر، تبادال نظرة وابتسامة، وارتفعت عقيرتاهمـا حضرت، وبتوافق وانسجام ي الت والكلمات ىانجلي باللحن الذ

تشبثا باللحن يعيدانه مرات كثيرة مع إضافات لحنية ودندنات ـ اأضفت عليه مزيد المـدى ي من التألق، وكلمـا أوغـال ف

ي لم يتخلص من أكل النمل ف االرحب، تباعد كدره، ولكنه أبد صدره، إذ تؤخره إفاقة عابرة، فيما يتساءل عن سـبب نهـم

انتهاء اللقاء، أم افتقـاده للطمأنينـة، أم النمل، هل هو حتمية .. مثل جرح، أو قطعة ليل ضالة.. هناك إلى تراها العودة

Page 53: 1671

خاطبة الهوانم

كانـت . من وراء طابور الحطب، بصصت هنـاك .تضخم فجأة، ووجهها األسمر المكرمشي واقفة بجسدها الذ

تقـدم . تلفتت ناحية الطريق، ثم انحنت تلـم الجلـة . وقف لصقها مـن الخلـف . عباديبن الحاج اي بيومنحوها

علـى وقد ارتفعت جالبيته من األمام، ورفع يده يمـر بهـا تقلصت مؤخرته راجعة للخلـف، وتقـبض .. شاربه النابت

صـبتين توجهه، فيما ظلت ساقاه ثابتتين بفعـل سـاقيها المن . أمامهما بالتحام مرتعش

، ثم ا وغائم وجه الولد منفعال لحظات قليلة بدا خاللها من بلـوغ الراحـة أو يءمؤخرة البنت بش على وضع كفه

. االمتنان أو الرجاء، وعاد للخلف خطوتين وجلس إيه رأيك يا فرحة؟ -

بفعل اللحظات السحرية الماضية، وامتأل اقال متأثر . صوته بتوسل تلميذ يترقب النتيجة

.ي مش بطال يا بوم- حتوافق؟ي تفتكر-

Page 54: 1671

نجرب كمان مرة بكرة، وتدفع .. بس ربنا يسهل، - ! خمسة جنيه

مبهم، ال تجـد حادثي ظلت فرحة منذ مقتل أبيها ف أخوهـا تخليع الذرة عند الفالحـين، وسـافر سوى ما تفعله النـاس علـى ءدولة عربية ولم يعد، وهجم الغال إلى الوحيد

. بأيدهميءفصاروا يخلعون ويعملون كل شـ السير سوى لم يعد أمام فرحة ي خلـف البهـائم ف

، بعد أن تمـر عند العودة ليال الغيطان، وتتبعها إلى طريقها . المرابط تلم الجلةعلى

كأنـه ورم ال يكـف صدرها الممتلئ . كانت قصيرة وردفاها المكتنزين يتضـخمان بشـره، ي، عن النمو العشوائ أحاديها مع الشباب والرجال، ذاع صيتها و ،ومن عودتها ليال ـ ة الوجه، فتسمعها تتكلم وأصبحت مكشوف ي مع الرجـال ف

ظهورها مـن على يتسمع، ترتم ي أمور الجماع، واللمة الت بجاحتها فال تقول للهـانم يـا ي وتمادت بعد ذلك ف ، الضحك

.كل واحدة باسمهاي وإنما تنادي، ستبعد انصراف فرحة مـن ي قالت زوجة الحاج صبح

.انها الطويلما سمعته من البنت ولس على دارهما معقبةأمام

Page 55: 1671

الجسم الرخيص ! ال السبب موت أب وال غياب أخ - ! رخيص

كانت وحدتها وفقرها، ثم سـمرتها وعـدم تناسـق . يكتشفوا رجولتهم خاللهاي جسمها مغريات للشباب ك

كـان حتى يتتبعها الشاب ويلتصق بها يفرغ ما لديه، من خلف اعائدة من الغيطان، سمعت صوت ي ذلك المساء وه

البوابة الجانبية، ووجـدت إلى انحرفتي، لحاج صبح منزل ا يـدها خمسـة ي ابنته القمر خلف عمود الفراندة، وضعت ف

:كلمة، وتلفتت ثم همست لها مبتسمةي جنيهات قبل أ إيه رأيك فيه؟ .. ني عبد الواحد خطبإسماعيل - ! كويس قوى-الغيط، ي انت ف ي يعني قصد!.. قصدي أل أل مش -

حلـو كـده ي لشباب وقف معاك، أقصد يعن اي وأكيد زيه ز ومالن؟

وظيفـة ي لقد عينت ف . انتبهت فرحة، وبرقت عيناها ي قالت بنغمة واثقة تش . اكتشفت لنفسها قدرات متميزة . جديدة

.بالخبرة والفهم

Page 56: 1671

القصـير ! بالعكس بقـى .. مش كل الطويل حلو - !المالن أحسن ألف مرة من الطويل النحيف

الكالم، ولفطنـة فرحـة لمغزىابتسمت البنت القمر ، بينما تـدرك ا معين اشيئي تصف وتصنف وكأنها ال تعن ي التيـد على ربتت البنت . الكالم ومعناه ىومن تحادثها مرم ي ه

، وعادت بعد دقيقتـين بقطعـة قمـاش فرحة تستمهلها قليال الخمسـة جنيـه ثمـن .. فهمت فرحـة .. ملفوفة قدمتها لها

.. السكوتالمعلومة، قطعة القماش ثمن وخالل شهور قليلة، أصبحت فرحة المرجـع الهـام واألساس لكل بنت تتأكد من رجولة شاب مـا، خطبهـا، أو

مثالي ت عينها عليه، وصارت جملتها لبنت الحاج صبح عوقسيدات البيوت وفتيات األسـر الموسـرة، ى لد ا حكيم وقوال الرائيكل مرة تقف فرحة أمام أحد هذه البيوت، يعرف ي وف

.. هذا البيتي أن خطبة تتم لفتاة فيديها النقـود ي فرحة، وسالت ف على كثرت الطلبات

فرحة، ولكن كيـف؟ سـألت ىوالهدايا، وكان ال بد أن تترق ولكن دون االبتعاد عن ي، أنه من حقها الترق نفسها، وتأكدت

Page 57: 1671

العشـش علـى الغيطان، وأصبحت بمالبسها الجديدة تمـر . م الجلةللي واألخصاص دون أن تنحن

تدخل العشة أو الخص، وينسل الشـاب مـن بـين له، بل تقف أمامـه وجهـا ي ال تنحن . القصب أو الذرة إليها

مرتبـك لوجه، مفتوحة العينين، جريئة، وهو منكس الـرأس ضاحكة فتطرد خجلـه، ويكلـل اللقـاء هحجر إلى تمد يدها

، باألحضان والقبالت الجاهلة من نهمها وتمتد اليد بالجنيهات بعينها مطمئنـة، أو تلـتقط زالسيالة، وتغم ي تدفعها فرحة ف

.بين الغضب وبين السخرية تبتسمي جنيهين من الفلوس وهـ بـاألحرى ي ومرة توهمت فرحة أنها أحبت، أو ه

ي كـان بـاد . الم يلتصق بها، ولم يعطها نقـود . اتمنت شاب . الخاصي الرجولة، وكانت تعلم بحبه البنة صاحب المستشف

أمامه وتوسطت له مرغمة، ولكن البنت ي ت فرحة وه ارتجفالمتعلمة، ضحكت باستهتار وظننتها دعابة ليلتها لـم تـذهب

ـ ي فرحة لتخبره، جلست ف ولـم تعـد ي، الظالم وحيدة تبكحينمـا اضـطرت مـرة حتى ألسابيع تعرف النوم المبكر،

مختصـرة ومهيضـة، ا ابتسمت ابتسامة صغيرة جد لالبتسامن إر تجلت عليه تعاسة كانت تخبئهـا، بـل وبدا وجهها أصف

Page 58: 1671

لسانها الطويل قصر، ونظرتها القوية العنيدة انكسرت، ويوم دمعت مرغمـة، وكـان قلبهـا ، أخرىعلمت بخطبته لفتاة

ي أنحائها، وه ي ف مذهوالي المتوتر المشحون باالنفعال يجر . عاجزة عن الحركة

لو عرف الناس، سـيموتون ،ماذا تفعل؟ لو أخبرته وبعد منتصف الليل سـألت نفسـها !) فرحة؟ (ن الضحك، م

وحدها تعلم أنه ي اآلن من أجله حيث ه ي هل تبك . واندهشتـ ي مهمتها، أم ه ي تزوج من لم يحب، أم ألنها فشلت ف ي تبك

من أجل نفسها؟ ابتسمت بسخرية ومـرارة، والصـبح رأت . الكظيم فغدت هزيلة نفسها شاحبة ونالها الحزن

وصـارت .. تبخرت النقـود حتى املزمت الدار أيا أشياء لم تعرفها من قبل، وتحولـت ي تحاور نفسها، وتفكر ف

شديدة، نظافة. أفعال لم تعهدها من قبل إلى الداري حركتها ف إلى الراديو الصغير تحرك مؤشره و ،هوبعد الكنس رش الميا

، وكفت ثرثرة اللسـان، فهـو محطة أغان لم تكن تعيها قبال كات محدودة وبطيئة حسبما تتطلـب دندنـة اآلن يتحرك حر . تسمعهي اللحن الحزين الذ

Page 59: 1671

.. ابنة رئيس المجلـس ي يد على جاءها الفرج اأخير –فصرفت، وكأنهـا من البنت وقبضت، ثم خرجت سمعتـ - يعلم اهللا أواخـر أيامهـا، وبعـد ي تدرك أنها تصرف ف

كـان . الغيطان إلى وخرجت العصر، لبست الجالبية الجديدة العريس ىالساقية لتر إلى مضت. قليلة ىوالخط احر الفح ال

ـ ا ونحيف اكان قصير .. كما خمنت ي ، والبنت مثـل البـدر ف . مواجهتهي وقفت فرحة ف.. تمامه

.وقعتك لبن يا مضروب! قلبيهو انت يا ! يووه-كتفه ضـاحكة، وسـحبت يـدها فمـرت ي دفعته ف

. فحملقـت الكبير يرتج يءحجره، وأذهلها الش على بإصبعهاثم عـادت مـع . كتمت بجهد شهقتها واستدارت فاغرة فاها

ي، للبنت عند الباب الخلف ي عند المغرب غائمة تحك ي المواش.. الغيطـان ي وعقب الزواج بيومين، وجدت فرحة مقتولة ف

الولـد النحيـف علـى رتتسـت أنهاوخرج الهمس المؤكد ، اتم الزواج وقبضت خمسين جنيه حتى البنت على وضحكت

ي ألن زوجها الذ ا العروس التعيسة، أنها قتلت ظلم أكدتفيما . فرحة يوم الساقية على ضحك. الطالق على أجبره والدها

Page 60: 1671

علـى حيث لف بين فخديه قطعة شاش كبيرة وقطن .. مستقيمة أدارت رأسهاأسطوانةشكل

وقد خرجت نسوة لم يراهم الشارع من قبل لتوديـع يومين من يحملها، فنزل ىمد على لم تجد ي جثمان فرحة الت

الباعة من كشك المحطة وحملوها، بينما تدافعت بنات األسر . الشبابيك يرمقن النعش بعيون دامعة إلى والعائالت

Page 61: 1671

األولالرجل

سرعة شديدة تكونت مجموعات متناثرة، وازدحم ي ف الشارع اآلن بوجوه العائدين من أعمالهم، ووجوه صحت من

عيون تتطلع مستفسرة، وعيون فاجأهـا الخبـر .. تونومها لل الوجوه استفسـارات وعلى الفراغ، ي فظلت محدقة بدهشة ف

. جديدةت مصوبة نحو الشبابيك المغلق بالدور اوخالل نظر

كانت همهمات وتمتمـات تسـربت منهـا كلمـات ي، الثان، !..دا حـال السياسـة !.. تالت سنة ي د: مصحوبة بالتعجب

. مما تذكره عنهما ثم تنفضاتعيد نتف أخرىولمة إثر ليلة موحلـة، ي لقد تزوجا دون إعداد أو تجهيزات ف

ي الفكهاني خمسة رجال، وعم حنف سوى ولم يحضر الزواج كـان . صعد إليهما بأكياس الفاكهـة وصـندوق بيـرة ي الذ

العريس قد تجاوز الخامسة والخمسين، وكان هو وأقرانه فقط سمه، حيث يجمـع بيـنهم العمـر باي ينادون عم حنف ي الذ

ي ن بمعرفته لعم حنف ياألخرالواحد، ويزيد األستاذ مدحت عن

Page 62: 1671

للحزب، وكان امنذ سنوات طويلة، منذ كانت هذه الشقة مقر الجرائد المعارضة ويخطب ي األستاذ مدحت ما يزال يكتب ف

..الجماهير أيام االنتخاباتي فجاجات كان صديقه فؤاد قد شاركه المظاهرات واالحت

أسطورة، أنهما إلى تحولتي تقول حكايتها الت و قبل أن تمنع، حياتهما باالمتنـاع ي رقم اثنين وخمسين ق باالضراباحتفال

ي قذفت طلباتهما ف حتى ا واحد اعن الطعام، ولكنهما ظال يوم وجهيهما فشربا البيرة طوال الليل وهمـا يتبـادالن قـراءة

.. محاكمة المسئول عن زيت الطعام القاتل (المطالب المفككة مصـر متخفيـة إلـى محاكمة المسئول عن دخول إسرائيل

ـ ي محاكمة المخابرات الت .. بالصوب الزراعية ي تورطت فـ يأمري يـد على تكتم أمر انتشار اإليدز .. وإسـرائيلية ي ك

بالسـجن أطلـق ي مصري محاكمة المسئول عن مقتل جند وقبـل ) الحدود مع طابـا اإلسرائيليين عند على الرصاص

..المستشفى إلى عليهما ونقالي الفجر، كان قد أغمي ن مدحت وفؤاد جسدان ف إ، اوتقول األسطورة أيض

لباس، وأن ما ال يجمعه الحزب الحاكم، يجمعه المعارض مع ومدحت قد أسس هو وفؤاد مع آخرين، .. ةاالشتراكيقليل من

Page 63: 1671

التراب، وظل فؤاد القومية والوحدة وتحرير إلى يدعو احزبصـار الرجـل حتى كل المناسبات ي يلهج بفضائل صديقه ف

الحزب، وقد زار مدحت كأنشط مؤسـس، جميـع ي األول ف .مع رؤساء أحزاب األقلية ىالعواصم العربية، والتق

ولة عربية عن أثناء زيارة د في وقيل بأنه سئل مرة من ي تعاننحن نعلم أن دول العالم الثالث : "الديمقراطية، فقال

ي أي من عدم النضج الفكـر ي غياب الديمقراطية، كما تعان مـع هـذه الـنظم ليسـت ي المراهقة الفكرية، ولكن مشكلت !". الديمقراطية فحسب إنها الفساد

ـ .. الفساد يقصد ي وسألته صحفية شابة عن أ ي سياس ؟ ...اجتماعيأم

.!!" وال يتجزأيءكل شي الفساد فساد ف: "فقالآلـة على حفية المعارضة، شابة تعمل كانت مع الص

كتبتها لها، وسمعت مـا قالـه اطباعة، جاءت تعطيها أوراق األستاذ مدحت، ورغم أنها لم تفهم ما يعنيه فعقـب انتهائـه

. صفقت بحرارة

Page 64: 1671

التصفيق ي نظر الجميع نحوها، ورغم هذا استمرت ف االقتراب منها ودعوتهـا إلى بل واتسعت ابتسامتها مما دعاه

. الفندقي شاء معه فللعوعندما قرر العودة لمعرفته بمصير حزبه وتشـتت

، االحقيقة مضطر ي وكان ف .. أعضائه، عرض عليها صحبته .. ه للنساء لم يذق امرأة تشعره بكينونته مثلها قإذ أنه رغم تذو

ـ ىلقد أعط بهـن قبـل ىحياته للمبادئ والحزب ومن التقـ الغروب لم يمنحن لحظة حنـان وال رشـفة م واآلن ، ةتع

.لم تترددي أشد الحاجة إليها، وهي بالتحديد هو فبلدها باالتفاق مع نظيره ي وقيل بأن الحزب الحاكم ف

إذا حتى بقايا مقاومته على يتقضي بلده، قد دسها عليه ك ي ف . آخريءشي عاد ووجد نثار حزبه تشتت ال يفكر ف

نحـو األربعـين، عربيـة ي في ، فهةأما الست نوج أسـس على نسيت الكتابة وآالتها، وحافظت .. األنوثةكاملة

. الحزب المنهارإقامة الطقوس الخاصة بميعاد اجتمـاع على واظبت . أعضاء الحزب

Page 65: 1671

المخلـص، فـؤاد سوى صحيح أنه لم يكن يحضر ولكنها كانت تقوم بتنظيف المقاعد وترتيبهـا، ورص أوراق

ـ ي الترابيزات، وتناد على بيضاء وأقالم يصـعد في عم حنف وقد حرصـت .. صندوق البيرة وأكياس الفاكهة بنفسه حامال

كان يعالج خاللها مـدحت ي خالل الشهور الت حتى ذلكعلى سـاعته ي الميعاد، وأينما كان فؤاد، ينظر ف ي فف، ىبالمستشف

.اويخرج متمتم .اجتماعي عند-

هو اآلخر للسياسـة فتجـرأ ي وتفتحت شهية عم حنف ..ااع اجتمةوطلب من الست نوج

:قالت بلكنتها الفصيحة .ي ال يصح يا حنف- ! يوم غير يوم األستاذ فؤاد يا ست-

ـ .. بعد انقطاع فؤاد سوى اولكنه لم يجتمع حق ىمض :غيابه أسبوع، ولما سألها مدحت قالتعلى

!السياسةي نه فشل فأ يظهر - على ولما حاول معها، أدارت له ظهرها، وقامت من

: يقها مقطبةت رصم. حافة السرير

Page 66: 1671

!عندك غير الكالم مابقاش- ..البلكونة إلى دخلت المطبخ، وخرجت

.ي اتنين كيلو موز يا حنف- ..ودون أن يلتفت أو يرفع رأسه، وزن وشال وطلع

ـ ي كنا ف منـاداة ي أولها، فلم ندر لماذا تقبل عم حنفكان يهيج ويزعق إذا ما ي الست نوجة باسمه هكذا، وهو الذ

السـت نوجـة ي وال لماذا لم تـدل ! ؟ااسمه مجرد ناداه أحد ب !السبت بالحبل كما كانت تفعل من قبل

حمل األكياس وصندوق البيرة وصعد، ولكنـه لـم ..ينزل

ىوقد ظل بعد عودة األستاذ مدحت مـن المستشـف طويلة، يحوم أسفل البلكونة، وكان يتحدث عنه ا بمرضه، أيام

علـى دحت، فقد كان بمودة حقيقية ويذكر نضاله بخير، أما م عضو أو صديق فكان بين ي أ.. فراشه ينتظر كل يوم زيارة

الحين واآلخر، ينظر من خلف الشباك الموارب، ويميل للتأكد معنـى عليه، أما ساعات القيلولـة حيـث ال ى ناد اكأن أحد

لالنتظار، فقد كان شريط السنوات الماضية يعبر أفقه الجانح .شاطئ التأملإلى

Page 67: 1671

تجديد المبايعـة لفتـرة رئاسـية على فتاءقبل االست رابعة، اشتغلت الوزارات واألجهزة بجد لحـث المـواطنين

ـ ": اإلدالء بأصواتهم، ورددت بحمـاس لشـهور على ي أخقلهـا .. قـل نعـم أو ال . أقرب لجنـة إلى المواطن، اذهب

ـ وعقـب ..."الديمقراطيـة ي صريحة، المهم مشـاركتك فمنـازل إلـى رف طريقهـا المبايعة، كانت أجهزة األمن تع

:حتىمن قول ىالمعارضة، أو هؤالء الذين أدركوا الالجدو رصد األسـماء غيـر ي الشهير ف ي الطعم الثالث ى إذ تفان !ال

المـاكر ي، القديم الجديد، والنشـط الـواع ي الموافقة، الثالث أمين الحزب ورئيس جمعية التنميـة وشـيخ البلـد، .. اللبق

ـ ـ ي الوحيـد الـذ يوهكذا تأكدت الحكومة أنن ي قـال ال ف !).الحزب

..بعدها سافر للعمل، أو النتظار فرصة أخرىالوظائف العليـا، وضـاق ي وظهرت حركات نقل ف

ل الحياة، كان ك ىكثيرين ولما جاءت المبايعة مد على العيشالتقدم ي بالحزب، ويطمعون كغيرهم ف أعضاء أعضاء اللجان

. أراض جديدةخطوة نحو المقاعد المرموقة، أو التهام

Page 68: 1671

حينما عاد مدحت، وجد رفاقه قـد عقـدوا صـفقة مبـالغ ماليـة على مصالحة مع الحكومة، حصلوا بموجبها

ـ حـين ي وشقق وسيارات، مع بعض االمتيازات اإلدارية، ف فضل البعض اآلخر اإلقامة بالخارج، بينما انضم العديد منهم

..الحزب الحاكمإلى منـه، امقربين جد بأنه أحد ال والمعروف، ىأما موس

، قريته، وأقـام عليهـا منـزال ي قطعة أرض ف ىفقد اشتر للتسمين، ثم أطلق لحيته، وصار ال يـتكلم عـن اومشروع

مع ضابط اانتخابات أو فساد، بل إن أحدهم أكد أنه رآه كثير ـ ي النقطة وشيخ البلد وأمين الحزب ورئيس المجلـس المحل

ه الجرائد عن وفاق نشرت اورئيس جمعية التنمية يلوكون كالم مع العدو وعن اإلرهاب، وقد عرض الضابط عليه الجرائـد

إلـى ، وكان كلما خال اشيئ يتعاطىأنه ال افنحاها بغم مؤكد رفقائه المخلصين وسألوه عن تحوله هذا، أقسم أنـه حضـر

ة والدة أحد الضباط، وكانت تربطـه بأسـرته عالقـة زجناـ وطيدة، وبعد شهر من الوفاة، شاهدها أطـراف ي بعينيه ف

نه ال قبـل أي الشوارع الخالية، وهذا يعن ي العاصمة تتسول ف .لهم بحيل الحكومة

Page 69: 1671

أما مدحت، فقد لحق بالشقة مقر الحـزب، وتـزوج األصل للسياحة، وظال مـن ي جاءت معه ف ي الست نوجة الت

الشقة بعد أن دفع قرشين لصـاحبها مـن فلـوس ي يومها ف .سكن إلى زوجته وغير طبيعتهاـ ي خلع عم حنف عـن لحيتـه ىشاله األبيض، وتخل

االبتسام، ولما نقلت السـت إلى القصيرة، وأصبح أكثر ميال ـ إلى نوجة مكان االجتماع ي الحجرة الصغيرة، جلب عم حنف

الفرش، وبعد العشاء يغسـل يديـه على يجلس ا صغير اولدـ على ووجهه ويمسح اشعر رأسه القصير، ثـم يعبـئ كيس .، ويهمس للولدبفاكهة يختارها

. حغيب ساعة زمن. بالك من الفرشي خل- :ولما يستفسر الولد

وان حد سأل أقول إيه؟ - .. يجتمع-

ويمسح شاربه، ثـم يحمـل الكـيس ي يقول عم حنف . ويصعد

، وتبدلت حياته هبـت الـريح اتمامي تغير عم حنف عرفناه بصوته ي الذي لم يعد هو عم حنف . فلحقتها، وتجددت

Page 70: 1671

صار . مشاجراته، وشعر ذقنه الطويل المهوش وكثرةالخشن خشونته وعرف االبتسام وجهـه، تبددت. ا ونظيف ااآلن حليق

بلـده، حيـث إلـى كان ينزل خالله ي يوم األجازة الذ حتى بيت ي ، فقد استأجر حجرة ف ازوجته وأوالده، لم يعد موجود

من وأكثر قديم داخل حارة ضيقة متفرعة من سوق الخضار، قد فوجئنا به عصر يوم يزيل أكوام الزبالة من جانـب هذا ل

بصفيحة مياه وكوز ورش الطريق، وتعلـم، ىالفرش، ثم أت رنم به فهم ما يت اوقد حاولنا كثير ! من أين، الغناء ي لسنا ندر ـ علـى بعد أسابيع حين كان يجلس سوى فلم نتبينه ي الكرس فرصة االقتـراب، وفهـم ا يدندن، وأتيحت لنا أخير امغمض

المطا ل طاي، ما ل يا الال يا .. يا ما ل الشا م (كلمات متناثرة ـ )يتعال حلوة يا ل إذ ، ى ووضح أنه يتذكر الكلمات أو يتهج

كان ينطق الحروف متباعدة وبقدر من الصعوبة، ولكن بلـذة .خاصة يحسها هو وحده

أما بعد أن عرفت قدمه الصعود، فقد أتقـن الغنـاء، طال المطال (ا أحدي كأنما يناد وصار يترنم، بصوت مسموع

يمد الحروف وينغم، ثم ..) طال وطول، وال بتغير وال بتحول . يعيدها بطرق مختلفة

Page 71: 1671

وس ء، وبدأت ر اوعصر ىبغتة، توقف الغناء، ضح كان األستاذ مدحت يقف بين . تطل من خلف شبابيك مواربة

. ايقدم له كرسي ي وبين باب البيت، وعم حنف ي فرش عم حنف يقـدم ي اه يومها يجلس وقد بدا عليه الشفاء، وعم حنفلقد رأين .. من الموز، ويوقف بائع العرقسوس ليصب لهمـا اله إصبع

صحيح أنه لم يغن، وغابت ابتسامته، ولكنه لم يكـف عـن شقته فجلس إلى صعد حتى االحتفاء بالرجل، وظل يرحب به

إلى يعاد عم حنف حتى مكانه يدخن، ولم يمض اليوم الثالث ـ ( من الحث والريبة والتردد يءناء ولكن بش الغ وال ي، جننتين

حـدثت حتـى ولم يكد يتوقف الغناء ..) وال باسالك ي تنسين . الضجة

فراشـه على شقة األستاذ مدحت فرأيناه إلى هرولناالسقف بعينين مدهوشتين، وزوجته الست نوجـة، ي يحملق ف

مسـك، ال تعرف مثلنا اللطم والعويل، تقف محاولة الت ي والتي وهمس بكلمات عزاء وتشجيع، وه امقعدي قدم لها عم حنف

ـ ي غمغمت حامدة ربها، بينما نظرتها ال تغادر عين ي عم حنفشعر بنوع من الحرج واالرتباك فتركها ونزل ريثمـا ي الذ . وكيل النيابةي ينته

Page 72: 1671

. تجمعت كل االستفسارات واألسئلة حول نقطة واحدة تسكن الشقة المقابلـة، ي الت التف الجميع حول طالبة الجامعة

قالـت . كانت تقف أثناء كشف الطبيب ومعاينة الوكيل ي والت : باقتضاب

وشـفت ي، ، وسـألون الـورق فعـال ي بصيت ف - أو امش فـاكرة كمـد ! المكتوب، لكن الكلمة نفسها فالمهمة

!خنقا؟وكأنها لم تقل شيئا، راح الجميع يستنتجون الكلمـة،

وأخذت أقوال، ثم راح كـل وجاء صحفيون ورجال شرطة، تنظيف الشارع ورش المياه، وبدلت ي في ، وبدأ عم حنف شيء

ـ ظهرتالست نوجة مالبسها و ي بالفسـاتين الملونـة والميني همس مقتضب وأده عم حنف ىسر،والميكرو والبنطلونات،

الجانبين، على الشقق المطلة إلى بزيارات ليلية وهدايا اسريع على ىجني مدحت هو الذ تبه أن عمود مجهول، أكد كا ي وف

حدث هذا منذ سنوات حينما أكد لصـحفية يهوديـة، .. نفسهسؤالها، أنـه يتوقـع تحلـل على األمانية الجنسية وفاتنة رد

دويـالت إلـى ستتجزأ"أمريكا عقب انتهاء القرن العشرين

Page 73: 1671

.. ويابانيــة وألمانيــةأخــرى ىعرقيــة، وســتظهر قــو .!!"وإسالمية

من وفاة أو مقتل األستاذ مـدحت، ابعد أربعين يوم .. لم نعرفه للحظات .. زوجته نوجة على يدخلي كان عم حنف

بدلة أنيقة وشعر مدهون ومصفف بعناية وسـجائر أجنبيـة، ـ ! وصرنا نتبادل النظرات الحائرة ـ ىهل هو هكذا وتخف ي ف

ـ امتخفيي الجلباب المدة السابقة، أم أنه هو عم حنف زيـه ي فحضره العديد من الصحفيين ورجال ي لذالحفل ا ي الجديد؟ وف

ـ ىاألحزاب واألعمال وممثلو القنصـليات والسـفارات أدلزوجته بتصـريح مقتضـب إلى قبل صعوده ي األستاذ حنف

ـ اوخطير، إذ أكد بأنه سيرسل زوجته الجديدة النهمـة قريب إلـى وسوف يعيد هـذه الشـقة ، ىلتعيش مع زوجته األول

ـ ا نضالي ا ثوري ابحيث سيؤسس حز ي، طبيعتها األول ، ا عالميجنـوب القـارة، ي مكتبين، أحدهما ف - كبداية - سيفتح له كل هذا بعد أن يجدد شـبابه .. دولة عربية شقيقة ي واآلخر ف

ىاشتري للرجل الذ اوقال هامس . ويعيد إليه الحيوية المفتقدة : صناديق فاكهته

!! سمعت أن المرحوم لم يكن له ما للرجال-

Page 74: 1671

ـ لم يعرف اوأبد وال ي، أحد من أين جـاء عـم حنفاشـتهر ي أسباب مجيئه، كما لم نعرف لماذا ترك صالته الت

ولم يسأل أحد عن سبب اختياره .. أول مجيئه بالحفاظ عليها هذه الليلة، وعقـب ي هذا المكان لرص أقفصته وأسبتته، وف

رضوان، آخر ي كرسيه مرع على انصراف المدعوين، مات ـ . عضاء الحزب المنحل أصدقاء مدحت، وأحد أهم أ ي مرع

ي، بأحـد المقـاه امات جوع .. ا، والمتفائل دوم االصامت أبد حيـث ال نعـرف ي مشرحة المستشف إلى ونقله أوالد الحالل

ما تم بشأنه فقط تذكرنا كلمات األستاذ مدحت عنه اآلنحتى ... إنه ضمير الحزب: أثناء المؤتمرات

Page 75: 1671

هوى

اليـوم، سـوى اإلشـاعة لم تتأكد العائلة من صدق ، ثم إنه الطارق الثالث شيءفرفضها لهذا العريس، فسر كل

!لطلب يدهاـ ألسـفل ي هز األب، كبير العائلة رأسه، وظل ينحن

حافـة على ا ليعاود االنحناء، وهو يجلس مربع ويرتفع قليال توقفت الحركة، وصـاح وبغتةالكتاب، ي الكنبة كأنه طفل ف

الصالة يعيد أمـر األب إلى األوسط هرول ابنه . يطلب ابنته وإظهـار ت إفـراغ غضـبه المكبـو محـاوال بطريقته هو

عتبة الحجرة على عبها وقبعت ي سقط قلب األم ف . شخصيته زائغة، بينما لمت البنت شعرها وغطته بشال أصفر، وتقدمت

الصالة يأكله الغيظ وينط من ي حجرة الجلوس، والولد ف إلى .عينيه الشرر

. اقعدي-

Page 76: 1671

علـى قال األب دون أن ينظر نحوها فجلست البنت . الحصيرة رافضة العريس ليه يا بت؟- : األب ىحمي زعق أخوها ف .ي انطق- .اوزه اتجوز مش ع- !يا بنت المركوبي اخرس- :ساقيهاي انفجر األب ولكزها بعصاه الغليظة ف .عجبك الواد الصايع األعرج - -..... !انطقي - :وشعر األب بفشل هذا األسلوب فأالن قليال علـى ىثم ناد !.. ي يا بت الواد فارس مالوش ز - .امرأته

!بنتكي يا ست شوفي تعال- .دخلت األم، وقبعت بجانب ابنتها

Page 77: 1671

شاب طالع من جامعة، وإعفـاء ! انت ى فهميها بق - مـش أعـرج !! من الجيش، وعنده شقة، ودارهم بالمسـلح

!وبدبلوم :ت البنت ريقها وسبقت أمهابلع طالع من الجامعة بالغش وهو نفسـه قـال كـده، -

!! بناهـا ي والشقة أبوه الل ! وطالع من الجيش بالرشوة، خيبة .األب على اورغم صوتها الخفيض، فقد كاد الرد قاسي

!!كالم الناس صحيح يا بنت الكلبي يعن- . رفع عصاه فنهضت متجهة نحـو البـاب . ونهض مؤخرتها، وكأنها لم تشف غليله، استدار على لعصاوهوت ا

.كتفهاي امرأته ولكزها فإلى .يا بتي خد! ة وانت عارفة وساكت- :الولد إلى أشار التوتة عند الجرف لمـا الطـل ي خدها اربطها ف -

! هاقينشفها، وان طلع صوتها اخنتوقفت إثر ندهة أبيها، ي استدار الولد ناحية البنت الت

أخيـه ي عيني ذراعها بقوة، ونظر ف على قبض. العتبةعند

Page 78: 1671

بحبل متين، وسار ىالشونة، أت إلى األصغر ففهم الولد ونزل . خلفهما

، واربت الشباك المطـل دامعةدخلت المرأة حجرتها الترعة، عاد الولد الكبير، فيما كـان الصـغير يرقـب على

مثل ي رأس المرأة شريط حياتها منذ كانت ف ي البنت، ودار ف نـار إلـى الظـالم ي شبحها المقيد ف تحولي تها الت عمر ابن

تسـتعيد قسـمها ي مسحت دموعها وه . صدرهاي تجددت ف المخبـأة، أشـيائها الدوالب تفتش عن إلى ووعدها، وقامت

، أخـرج حجرةالي بعد دورتين ف اوكان الرجل قد جلس متعب ـ ي يحدق ف اعلبة الدخان، وظل صامت ي السحب السوداء الت

كاثفت بين األرض وبين السقف، بطيئة الحركة، متماسـكة ت علـى ، والولد يعيد شيءكأنها اكتسبت لزوجة تنفره من كل

بـالقرب منهـا أخيه وثاقها، وترك إحكاممسامعه باقتضاب .، ثم يحل مكانهيستريح هو قليالحتى

، إبراهيم مع أختهكان الولد أول من سمع عن لقاءات ا من مرة ففشل، وحار كثير أكثر صمت ضبطهما ي وحاول ف

بين ما كان يسمعه وبين ما يراه، فأخته ال تغـادر الـدار إال الترعة وتنـزل البلـد بالنهـار ي والمالبس ف ي لغسل األوان

Page 79: 1671

للترعة، أو ي الشط الشرق على دارهمي ويكون إبراهيم هنا، ف . غيطهم المجاور للداري ف

ر، كـان فوق هامات الشج احالما زحف القمر مرتفع فانفك طويال اوأخذت البنت المقيدة نفس الولد الحارس قد غفا،

استدارت بصـعوبة . توتر الحبل المشدود حول جسمها قليالعلـه ينتبـه .. قذف طوبة بقـدمها ي ناحية المياه، وفكرت ف

حركت إصبعها الكبير فاصطدم بكتلة الطين الناشفة ! إبراهيمـ وانشق ال .. قالت آه . حول جذع الشجرة اء أسـفل فـروع م

.الشجرة وبانت الرأس. ا أسـبوع ه تحبس الميا اكانت آخر ليلة للترعة، وغد

جافة بال مياه، يجلس خاللها بين الشجر والغـاب، أيامسبعة الرجـال ي يرف قلبه، وتحوم خواطره بين شاطئين، يحدق ف

من طين لقطع السبل، كـل اوالنساء والصبية يقيمون سدود واقعة أمام حقلهم، والسمك الصغير يصاد المساحة ال ي أسرة ف

.العكرةه المياي فالركب تدفع المياه حتى الوحلي سيقانهم المغروزة ف الشاطئ وإبراهيم مشـغول مـع إلى ينط السمك ي الواقفة ك

ي تـأت .. القناطر لفـتح البوابـة ي في خياله، يحث عمال الر

Page 80: 1671

ـ .. العروقي ، دم سخن ينبض ف هالميا فتنبعـث يءمـاء يجالبعـد علـى نسمات، وتشقشق عصافير القلب، تدب فيهما ال

بغابة كبيـرة، تمـدها ي تأت. بعد نوم الدار ىتقوم هد . الحياةالشاطئ، ويترك هو عكازه إلى فوق سطح الماء من الشاطئ

يشـق . بلباس فوق الركبـة ىويبقبين الغاب، يخلع مالبسه ب ، وال يضر ا كتمساح أو قرموط سمك، ال يرفع ذراع هالميا

. بقدم، ومن بين الغاب وأشجار التوت، تمد يدها تشده إليهـا يلتصقان، وتتأمل العيون المشرعة بشوق ما بالداخل كأنهمـا

. نحو الشرقالم يلتقيا من زمن، والعمر يصعد بطيئ ! القمر رايح عندكم- ! كل ليلة بانتظره ألنه طالع من عندك- .نوره أجملي باشوفك ف- ! منورةامييره ألنك دا باشوفك من غ- وأصبحت رأسـه عنـد ي، تسلق خرطوم ماكينة الر الحافـة، علـى اصعد زحف . أمسكها فرفعت ساقيها . قدميها

تـدافع .. حجره وطوقته باكية على وحين فك وثاقها، سقطت وانفك الليل الطويل شعرها يسـتره، ، اصدرها الممتلئ الهث

. وذاقا طعم دموعها بين الشفاه الملتحمة

Page 81: 1671

سـوى الجيشي لم يشغل بال إبراهيم منذ إصابته ف ـ على مياه الترعة، وكان دائم السخط ي القوانين العشوائية الت

سبعة أيام بال فائدة، ال يكف عن البحث هتحبس كل هذه الميا هذه المشكلة، فليس مـن المعقـول أن على كيفية التغلب ي ف

يستطيع ال االشاطئ مقيد على فيجلس هتجف الميا ! يظال هكذا فعلـت مـا عليهـا ى الواقفـة، وهـد هاجتياز متر من الميا . العبور أثناء امتالء الترعة ي تساعده ف ي واخترعت الغابة الت

حدق طويال . العينيني نهري الواسعة، وحدق ف تأمل جبهتها تتحسس ساقه المصابة، وتمسح شعره وصدره، ولكفيها ي وه

ـ ي ف ي المتوهجة تسر وأنفاسهاالبضتين طراوة، ي بدنه تزك .فتوته

سمع الديكة ألول مرة قرب الفجر، وذهب ي الولد الذ . ا وحزينا من الغيط صامتادون نوم وعاد مبكر

أبو الفضل ولـم ي كان قد عمل المستحيل لبنت بيوم تملكه اليأس، ولما حتى ظلت ترفضه دون سبب واضح . تلن

هصف البنت، أسـر لصـديق ي أمه ف ىأضنته المكابرة، ورأ !)أغانيكله لعب عيال وكالم .. بال حب بال كالم فارغ(

Page 82: 1671

ألول مرة كومة من أعـواد ىذهب خلف البيت فرأ اب مقلوعة، محطمة ومرمية، وغطاء الماكينـة المشـمع غال

حمـرة . المياه نضرة إلى وأخته ترنو ، األرض على امفروشفك رباطهـا .. مجلوة وهادئة ، ىالخدين الملتهبين يكللهما الند

. لم يربطه، وساقها أمامهي ذالكان األب قد سرح لحظات قليلـة، مـرت خاللهـا الدار إلى فتاة صغيرة، يصحبها من الدار ي وه امرأته ةصور

دون كلمة، وتجلت أمامه حقيقة بسيطة، كانت خافيـة رغـم بحنان المرأة اإن امرأته لم تشعر يوم : وضوحها الشديد اآلن

.ت معه بال حيويةأطاعته وعاش. وال دفء الزوجةالداخل تبدو هشة وحزينة ولكـن ي وكانت امرأته ف

أعماقها فرحة ألن عنادها المستتر أثمر مع ابنتها، فقد عاشت من تحـب، ىتتزوج هد .. تحلم بتحقق نفسها من خالل ابنتها

من زمن، وظلت ي وال تؤخذ سبية كبهيمة الذبح كما أخذت ه جات، وتشحن العقـل زجاي من يومها كظيمة، تعبئ الحزن ف

ـ ي الصغير عبر األيام بالتدبير والتشبث، ويزداد أوراها وهأمهاتها السابقات قد مللن من الحضور إليها كأطيـاف، ىتر

يقظتها مكبالت، يلجم الحزن ألسنتهن، ي وصرن يطاردنها ف

Page 83: 1671

ـ ي واألياد ومالمـح صـراخ واسـتغاثات ، ىمرفوعة ألعل ل مـرة تتعـرف كي وجوهن البائسة، وكانت ف ي محفورة ف

من اوجه جديد لم تستطع تبينه من قبل، أو تفاجأ به آتي على أمها وجدتها وخاالتهـا إلى الضباب، ينضم إلى الظالم البعيد

..وحماتها، وجارات كثيرات نسيت أسمائهنتسألها عـن هـذا الـدمع دىصوت ه على وتنتبه

ـ ي عينيها وف ي في المتحجر، وهذا الحزن األبد أبيهـا ي عين :، وترداعيون ناس البلد جميعي خويها، فوأ

.ي وراثة يا بنت- !األفراح واألعياد؟ي ف حتى - :عمق عينيها متنهدةي فتنظر بلهفة ف .حبيبتييا ي بكرة تعرف- بوغت ي أبيه الجهم، والذ على دخل الولد خلف أخته

ـ كلمة واحدة ويخرج، والبنت م ي به يلق ه مثـل نتصـبة أمام الرجل يكرر الكلمـة غيـر مصـدق، ونظـره الوتد، فأخذ :االفراغ ال يعود أبدي الشاخص ف

!!....أجوزها له!! أجوزها له- ..فانكفأوحاول إمساك العصا

Page 84: 1671

لم يجد الولد ما يفعله بعد صمت أبيه الطويل، خرج لف الصالة مرات عديدة، ثم دخـل الحجـرة . غيظه اكاظم

الهـواء، ي العصا ف المقابلة يضرب األرض بقدمه، ويطوح ب أبيـه بعصـا ي التلفزيون الغال على ينفخ ويبصق، ثم ينهال

حجرة أبيه، مسحت وجهها، ووقفت خلف ي الغليظة، وأمه ف حديد الشباك حيث تمر سحابتان مثقلتان وواطئتان، وطيـور

لم تتمالك المرأة فضحكت، ثم دارت . مهل على بيضاء تعبر ومؤخرتها، تتحسـس كعبيها ىتر حول نفسها، ومالت أكثر حجرة ليس بها سواها، ومالمح ي صدرها وتعاود الدوران ف

. هال تعرفكابية لوجه جامد

Page 85: 1671

المقاعد الخالية

:قالت

ال بكـاء وال .. احملوه برفق، وامضـوا بخشـوع " رأس الغيط الكبير تحت النخيل، ثم على أنيموه هناك . عويل

ـ ه ومـا عليـه، اجلسوا كرجال، يعرف كل منكم حده، ما ل ..."ومعرفة الحدود ال تفصل بينكم

الشعر األبـيض هالشال حول رأسها فتا ي لمت طرف عيناها بالسـماء، يكللهـا صـمت شال، وتعلقت لبياض ا ي ف

العتبة وإلقاء على الوقوف سوى شامخ لم نستطع أمام رهبته . نظرة، ثم االنصراف

ـ تنفيذ أمرها، ي عودتنا من الغيط، والبدء ف حتى ي هزوجة الجد الكبير، عميد العائلـة، وكبيـر البلـد، اختلفنـا

تركـوا المنـدرة الكبيـرة . وتشاجرنا، واحتكم عقالؤنا إليها وارب أحدهم الباب، ومدوا أعنـاقهم . حجرتها إلى وتوجهوا

لم يجـرؤوا . وعادوا دون كلمة ، ظمأىلحظات فبدوا كجمال

Page 86: 1671

صـمت اجتياز الفاصل بين عالمين وجـرح غاللـة ال على . المهيب والنجوى

ـ ابعد أيام، انقطع نداؤها طلب ي للطعام، وفـرح أخلم يخف أحدهم سعادته، بل أظهروها ي، الكبير وأوالد أعمام

بعضنا ارتياحه لغيـاب األسـئلة ى، ودار شماتةبتبجح كأنها . والتوجيهات

تباعدت بنا اآلراء، ونأت السبل، وابتسم أخيب مـن اأمام أبيه وأعمامه، وقال ضاحك رى أخ على ا ساق افينا واضع : بسخريةعـايزين !.. يعرف طريقه ي وكل ح ى نقسمها بق -

! نعيش يا عالم : احمر وجه عم سالم وصاح !إنت اتجننت؟!! شوقي واد يا - خوته، آباؤنا وأعمامنا بـأن إولكنه فوجئ كما فوجئ

ثالثة من أبناء أعمامه يجلسون بثبات، وينظـرون ي شوق عم على سالم، ومال ي فأزاح عم اغاضبى موسي تقدم عم . حدبت

على خده األيمن، ثم على بعنف فأوقفه وصفعه هجذب. شوقي : ه األيسر، وقال دون أن يتخلص من هياجهدخ

Page 87: 1671

. الكالم بين الكبار، والكل يطلع بره- علـى يوقف شـوق . ظهره ناحية الباب ي ودفعه ف

ا نظرات ماكرة بها حـث العتبة واستدار جهة الثالثة، وتبادلو :انتظرت لحظات، ثم قلت لعمى، شيءلفعل

.. ممكن نشترك معاكم ونتكلم بأدب- :بسخريةي وخانه ذكاءه فرفض، بينما صاح شوق إيه أدب يا مفعوص انت؟ ي يعن وكنت ال أدرك أبعاد التقسيم مـن حيـث جـودة -

عة وال ما لدينا من أرض لم تزل تاب ي، األرض أو سهولة الر ..المبانيأو قيمة اقتراب قطعة ما من ي لإلصالح الزراع

على وهكذا كون األربعة المشاغبون جماعة وأصروا رأيهم واندفع كل أب يضرب ابنه وعلت األصوات المتداخلة

زداد التـوتر ابالسباب واللوم، ودخل الجيران بلهفة وتطلع و ضـرب علـى األصغر تحث زوجها ضاحكة ي وامرأة عم

..الجميعوتباعدت خطانـا عـن . انفض االجتماع دون اتفاق

احتواها المرض بعد أسابيع، وصرنا نسمع ي حجرة الجدة الت أخبارها من أوالد الدار وبناتها، ينقلونها عن أمهـاتهم، ثـم

Page 88: 1671

ـ ي توارت صورتها من عيوننا، وغدت عند التذكرة نقطة فتخير كلمـات امجبري جد إلى كلما دخل ي كان شوق . الخيال

لوة واخترع قفشات مضحكة ورغم هذا يلوي جدي رأسـه ح . يخرجواي ويشيح بإيماءة ألقرب أبنائه ك

يقـذف اأن حيله لم تنجح فيخرج ساخط ي يفهم شوق والدار والبلد كلها، وحينما ذاعت لياليه ي كلمات جارحة لجد

بالشـكوى يجأر ي الفاحشة، وأصبح مكشوف الوجه، أخذ جد : يصيحاوصوته الواهن مبحوح الشيطان، اسمكأنه سمع

.بن الكلبا أخرجوه - ال يخرج، ولم يتورع عن مطاردة النساء ي لكن شوق

والفتيات ليل نهار، واستطاع بدهاء احتواء ثالثة مـن أبنـاء يختلسون من مصـاريف األرض، ثـم ينتزعـون . أعمامناسهراتهم يتبـارون ي ، ويشترون الحشيش والبيرة، وف اجهار

. ودائما يبدأ الكالم باقترابهم من الحجر العاشر .. بصيد النساء تسبق الغيبوبـة، كيـف ي لحظات اليقظة الت ي يقص األول ف

الذرة فانهارت مقاومتها ي وفاجأها ف ي تسلل خلف امرأة رشد يكمل فيأخذ الجزء األخير ي تحت ثقل رجولته وال يدعه الثان

يف عن الرجولة ويلضم به اقتناصه المرأة شاكر، ويشرح ك

Page 89: 1671

ـ اكانت تصرخ أمام تيار فحولته الجارف، ودائم ي مـا ينتهـ ي الحك ي بمعرفة يبدأها المهزوم بتطـويح الجـوزة، أو رم

وجه اآلخر، وال تنفض السهرة ال بتدخل أصحاب ي زجاجة ف الفرح، أو الجالسين للشرب دون دفع مليم، والصبح تنتشـر

.. من خوارق وأعاجيـب ض شائقة ومضحكة تت االقصة قصص كان ي كل لسان، وخلت المندرة الكبيرة الت على تنا اآلن سير

.يتصدرها الجد من الناسالدار وفتح المندرة، نظـر إلى عاد وكلماي، اغتم أب

ها الفارغة، ومصمص شفتيه، ثم جذب الباب بهدوء ئأرجاي ف إلى يبص خلفه .. أحد يءوتركه دون إغالق كأنما يتوقع مج

كل يوم يفـتح ويحـدق .. ا حزين اصامتي باب الدار ثم يمض ، لـم اثم إنه أخيـر ! إلنبات رجال من أرض المندرة اانتظار شـيء يعد يسأل عـن لم، ف إخوته، وفعل كما يفعل ايجد بد

كانـت ليلـة حتـى واهتم بالحديث عن حاله دون إفصاح، الصـالة، ي في الجمعة، رصت حلل الطبيخ، ووضعت الطبال

ـ ج. عادوا من الغيط حتى وجلسنا صامتين سـالم ي لس عم) جـوه (قالـت . لجاءت امرأته وسألها عن العيا حتى اساكت

حجرتهم، وأخذتنا الدهشة ألنه لم يسأل واحـدة إلى وأشارت

Page 90: 1671

ـ هـذه ي ممن يقفن حوله، ولكونها حبست أوالدها هكذا، وفامرأته فأجابت كمـا ىموسي الليلة بالذات، وبدوره سأل عم

وزعـت الحلـل ..مجابهة صامتة ألجمتنـا .. أجابت األولى . ولم نأكلي، والطبال

تقسيم على ، واتفقن اكانت نساء الدار قد اجتمعن سر ـ ي األرض والمعيشة، ووضح رضوخ الكبار، إذ جلـب عم

اليوم بناء أقام الحوائط الفاصلة بين كـل حجـرتين، ىضحداره أعمـامي أصبح لكل واحد من . وانفتحت أبواب جانبية

ت الحدود ئشالغيط أن ي تقل، وف الصغيرة ومواشيه، وبابه المس وسها، وكان ءرعلى وغرس الحديد ، ىبين كل مساحة وأخر

تسوية شكل العائلة أمام البلد، ولكننا لم على ال بد من االتفاق المهمات والمناسـبات، ي الختيار كبير مثلنا ف ي رأ إلى نصل

النـزاع مـن وبدأي، ويكون العمود والواجهة كما كان جد ، لم األقارب واألغراب، ا ومدوي ارة كان حاد جديد، وهذه الم ..أن تختار كل أسرة كبيرها على واستقرت اآلراء

ا كان، وما كان أسوأ من الكوابيس، فبعد ليلتين هذا م ك بجانب أبواب الدور الصـغيرة، كالد على فقط، كان يجلس

.المنعزلة والمتجاورة، الفريق الخائب

Page 91: 1671

اق سهره ولهوه، دكة، وأبناء أعمامنا رف على يشوف .. كنبة مفروشة بالكليم المزركش على كل واحدال يكلمون بعضهم البعض، ال ي موأعماي لم يزل أب

على النساء وال األطفال، وقد ظن كل واحد أن اآلخر حصل اجاموسة أو قيراط ال يستحقه، بينما ظلت النساء يتشاتمن أيام

صت البنها نألن هذه أخذت عشة فراخ كانت للجدة، وتلك اقت ..جالبية

ي شـا . الخارج، جوزة رايحة وجـوزة جايـة ي وف القاعدة العريضـة على رأس كل واحد، ى وقهوة، وفوق، أعل

شـقاء للشباك، كاسيت، ومواويل كلها ليال وعيون، رغم أن !النهار اآلن أسود من كل ليل

من أحدهم فتكف الجوزة عن االنتقال، ي يغضب شوق يل الخشنة، بينما اآلخر يرفع صـوت المواوبويرتفع الصوت

ـ .. الطيور ىجهازه بالمعايرة تبح بها مطربة تهو ي قـال أب : وهو داخل بالغضب الفوارامنفجر

! شغل عيال- ي قوهب األربعة يدافعون عن هيبتهم، وتصالح شـو

ا له، وطلبوا جميع اكان منذ لحظات غريم ي مع ابن عمه الذ

Page 92: 1671

ضـحك ! كانـت ليلـة . بهـم لوقف استهتار العائلة ااجتماعـ ىظهورهم وبك على استلقوا حتى يأعمام لـم يبـك . يأب

بصوت مسموع، لكنه حينما أطلت الدموع من عينيه، غـادر ـ . ي، والذ بباب جدت االحجرة كظيم كلمـا اوكان يزداد حزن

شاهد أهل البلد واألغراب يمرون أمام الدار دون التفات كأن .. ال يجلساأحد

الكبار سوى ن األبواب المتخاصمة ، لم يصل بي اوأبد يعمل بقوته، ينقل الجوزة ا يتيم االجدد، الذين جعلوا بينهم ولد

المعسل، ولم يكن ي أو يشتر ي بالشاي هناك، ويأت إلى من هنا مشـوار إلى يبدو بينهم الخالف إال حينما يبعث أحدهم بالولد

البعد، والجوزة ال تكف عن التنقـل، على فيتشاتموني، سرحن ندخل أو نخرج قد استبدلنا الميل الخفيف بانحناء، بينما ون

الموصـد، ولكـن ي الجلوس لصق باب جدت على يداوم أب . لم يأتوا إلينااالناس أبد

Page 93: 1671

א א

العرق ي دم ساخن ينبض ف

ي هو ذلك القص المكثف الذ - عندنا -القص الخالص فهو . بالطول أو القصر دخل فوليس للتكثي . يتضوع شاعرية

أو الملمـوس ي غير المرئ شيءمن خالل انبعاث هذا ال ي يأت غير ا يضيف أبعاد ا مهم االنفس تأثير ي يحدث انبعاثه ف ي الذ

شكلته لتبيانهـا إن ي أضعاف الكلمات الت إلى متوقعة تحتاج . ذلك سبيال إلى استطاعت - عند بعض كتابها - وقد حرصت القصة القصيرة

الحد من عدد الكلمات منساقة إلى ا التكثيف، فاتجهت هذعلى تتواءم تمام المواءمة مع ما تقص ي وراء القصيدة الجديدة ك

ولـم تعـد القصـة . له فتكون مساوية وموازية وبديال . عنهأعمال بعض عشاقها، بل إن منها ما ي تتجاوز بضع جمل ف

بد يعيد بها ع ي الت" بدورة: "شكلت من جملة واحدة مثل قصة ،يولـد " اإلنسان : م حيدر صياغة مقولة أناتول فرانس يالحك

". ويتألم، ويموت

Page 94: 1671

مختارات فصـول، " انكسار الحروف " مجموعةي وف من بضع " عصر العلم :" يشكل ربيع الصبروت قصة ١٩٨٨

ومعظـم قصـص . بأكملـه ابها عصر ي جمل قصيرة يحتو . مجموعاته تنحو هذا المنحى

وغايتنـا . الغموض إلى ايانتيار التكثيف أح ويجرفه لكـن التجـارب .. فبغيره ال يـتم اإليصـال . الوضوحي ه

ي ومهمـا تغيـا الصـوف . الشاعرية تماثل التجارب الصوفية السهولة واليسر، فإنه يقف عند نقطة مسـتغلقة وعسـيرة ال

ي ف ا مبهم ايتمكن عندها من الكشف، وإن أحسسنا به إحساس الزمان ولـو على التغلب على تساعدناي التي لحظات التجل

. روحانيعالم شبه ي لفترات قصيرة، والعيش ف إلـى - بالضـرورة -وتميل تجـارب الصـبروت

قارئـه ةبيد أن رموزه ال تغيب عن فطن . االستعانة بالرموز ي القصة الت ي ف" القط األسود " أن ا، فيلحظ القارئ سريع اغالب

بتالبيـب يمسك ي الذ األسود هو الحظ العاثر أو اسمهتحمل هو " الناموس"وأن . االقصة، وال يستطيع منه خالص شخص

كان المساء قد بـدأ : "خناق يومه على تطبقي الت المضايقاتالنـور، إلى ايتسلل من النوافذ، وكان الناموس يدخل مسرع

Page 95: 1671

نفسه ي ببالدة، ثم يحك جسده ف ي والقط األسود يتثاءب ويمتط فأطفأ المصـابيح أراد أن يتخلص من الناموس أوال ".. اأمر

ـ على وقبض ن إالشـقة، ومـا ي قطعة قماش وأخذ يدور فوجـد حتى طرده واستدار يفكر فيما يجب عمله إلى اطمأن

قدمه، فتناول المقشة وانهال عليه بها، ومـا ي القط يتمسح ف الخـارج وأغلـق بـاب إلى تأكد من موته فدفعه حتى تركه

إلى كن القط يعود حدوث تغيير ما، ل إمكانيةي الشقة، وفكر ف .الظهور من جديد ويثب عليه فجأة

ـ ي لقصة الت اي ف" الظل"ويقوم لهـا، ااختارته عنوانوفقـد الظـل ". القط االسـود " :قصةي ف" القط األسود " بدور :قصةي ف معنىواستعمله الكاتب بهذا ال . فقد الهوية إلى يرمز

ي ومض:"ييقول الشخص المحور ". أسنة الحدود على الحب"وأشباح الخفـر ! األمي دمي تتقطرين ف . وحديفوقفت ي ظل

أسـال عـن . الليلـي الدرك ي يقتحمن. تضبب معالم الطريق يتجـاهلون . اليمين نحـو بيتـك إلى ييومئ صدر . هويتي فال يحرص " الظل"قصة ي في أما الشخص المحور ". هويتييريد أن يغير من قدره . قدها ف إلى بل إنه يتوق .. هويتهعلى يالصقه ما زال ظلـه : برك العجز اآلسنة ي ذف به ف يقي الذ

Page 96: 1671

ـ . يقفز ألعلى ي يجـر .. دون جـدوى ىيحاول أن يظل أعل. عـدوه ي يصرخ، يصرخ، ويسرع ف .. الظل وراءه ي فيجر

؟"كائه ووقع خطواته الالهثةيرتفع صوت بانكسـار :"مجموعةي المتوحد ف ي والشخص المحور ايظل مـذبوح . اءويتربص به المس ". الوحدة"تقتله " الحروف

. المساء يدخل قوقعته ليظل ينزف ي وعندما يأت .. طيلة يومه هذه القوقعة لنشاهد الشـخص ي ف اويحدث الصبروت شرخ

فقد كل ما يؤنس إلى "وحدة" :بقصة ىوقد انته . حال انهزامه ي مثل حوذ االقطط هربت منه، فلم يجد حيوان حتى ..وحدته

لمساء صـورة مسـتقلة كما أفرد ل . يبثه أشجانه " تشيكوف" قصصـه ي بعد ف ي فبدت كمقدمة لما سوف يأت . حملت اسمه

والنـاس ، ىالطيور تعود من رحلة النهـار شـبع . األخرىيحملون تعب اليوم فوق أجسادهم المنهكة ثم يخمـد ، ىجوع راح شـيء كل .. قصة حب راحت ىالمغنية تنع : "شيءكل

تفـت اخ.. أمـامي جمع األطفال من بغتةانفض .. وانقضىـ . طائرات الورق والكرة المـرح، ىصمت الصياح وانقض

خفت .. األخرىي والشمس غابت ه . الهشي والغضب الطفل

Page 97: 1671

كل ما كـان مـن النـور . النور وشاب الضوء سمرة نحيلة "..انتظر الشرفةي في ووحد.. شيءكل .. يشحب وينحى

، ال ينالها ا عند الصبروت مسألة ترفيه تمام فةوالشر الفتـاة . قصصهي وال مكان للمحظوطين ف . إال المحظوظون

معنـى لم تكـن تعـرف " ارتحال الطاهرة والقمر "قصة ي ف اشخوصه ال تعرف منفتح ". المصطبة"الشرفة فقالوا لها إنها

خنقـوه . الكنهم اغتالوا السطح أيض " السطح"األفق غير على المسلحة ليحكموا الحصـار حولـه منـذ األسمنتيةبالغابات ـ ي كان الصب " األفق المجهول " :فييفاعته ي يسعد بإرسال فكان . السطح إلحضار كمية من البصل أو الحطب إلى مهمة

أفكاره الطازجة، ويتلفـت نحـو أشـجار ي يجلس فوقه يناغ ـ تسـكنها ي الكافور الضخمة، ويعد جماعات أبو قـردان الت

ثـم . قطعتهـا ي المسافة الطويلة الت ي ويظل مشدوها يفكر ف حافة النهر ويحلم بأعشـاش على يزة العجوز الجم إلى يتلفت

ما تستهويه فقد كان يهتم يوليست الطبيعة فقط ه . العصافيرى من الصغرى وأختهاالفصل ي أمل زميلته ف ىير. باإلنسان

سطحهم، ثم تتلفتان خلسة على تضعان الحب والماء للطيور الصباح وهم ي وكانت أمل تقول له ف . وتداعبان الديك الكبير

Page 98: 1671

فكـان يبـتهج ،"السطح على أنا شفتك ":طابور المدرسة ي فهذا كان منذ خمس سنوات، أمـا . ويشعر بالزهو بين زمالئه

ودار . السماء الواسعة الممتدة لم تعـد كـذلك فحتى.. اآلن واألسماء هنا . ببصره فلم ير أمل وأختها والشيخ فوق المئذنة

. إشارات لها داللتهامرحلة مبكرة من ي مر ف وشخوصه تصطدم بالواقع ال

وقـد . حياتهم، ويحاطون بالظلم ويذوقون القهر منذ يفاعتهم ال أقرانهم الذين يملكون مـا على داخلهم حقد أسود ي يتولد ف

وعلى زمالئهم الذين يصعدون وال يصعدون، وعلى يملكون، جيرانهم الذين يسافرون وال يسافرون، فيتمنون الموت لهم أو

مـن ذويهـم حتى يسلم هؤالء الشخوص وال. االنتقام منهم . أمـي ي سـورتن " :وأقرب الناس إليهم الذين يسيرهم األنانية

بتميمة ضد غدر العدو وتميمة ضد الحسد ولم تفطن ي حصنتن ). أسنة الحدود على الحب ("مالئكة البشر.. لغدر الصديق أو

يجيـد الصـبروت ي الذ. الوتر المنفرد للفقد وعلى بين أن محصـلتها النهائيـة .. د المضامين تتعد. العزف عليه

نشعر بالفقـد " صحوة الغروب "ي ف. الخراب والدمار : واحدةولم يكـن بيـع ".. بيع الجمل ي حينما قرر أب :"من أول جملة

Page 99: 1671

األغنية األردنية الشهيرة من أجل سداد المهر ي الجمل كما ف وبهذا . وسد فم األب الطامع، وإنما من أجل ضرورات الحياة

البيت المستور كما ينبئنـا بـذلك إلى ر يتسلل الخراب القراصـدرها ضـربات على يضربت أم " :عجز الجملة األولى

ظللنا : "نهايتها حتى ولنتابع الفقرة ". مفجوعة متوالية وملتاعة ـ . نياألخرعيون ي ال ينظر أحدنا ف اأسبوع ي لم تشـتعل ف

ـ .. بتقديم الجـبن القـديم أميواكتفت . الكانون نار بن أو الل ".مكرهة صامتة

ال تخرج " الحروف انكسار" :مجموعةي واألطعمة ف . اإلعدادي جهد كبير ف إلى ال تحتاج ي عن األلوان الشعبية الت

ـ " المساء: "قصةي ف ي نشاهد المرأة السمراء الضـامرة وهوعلـى " ا قديم ا أسود وجبن اخبز: الحقلي زوجها ف إلى تحمل

ـ " الث حبـات مـن الخبز األسود المدور الجاف وضعت ثيحمـل " السحور على دعوة"ي وف. من باب الترف " الطماطم ". العيش والخيار والطماطم"الجنود كان غـداء الجمعـة " ارتحال الطاهرة والقمر : "وفى

" وحـدة : "وفى". الفول و الخس والجبن :"المصطبة على ادائمالجـبن والخيـار ونصـف : "الوحيد القطة بطعامـه ي يغر

Page 100: 1671

:وفـى . تتشـممه وتتركـه -طبيعة الحال ب -لكنها" الرغيفكشك العيش الفينو وقلـن لىتزاحمت الريفيات ع " .. السوق"ي نه رخيص، وبائعات المدينة يضحكن كل واحـدة تشـتر إ

ـ . لنفسها ثالثة أرغفة وطعمية وسردين ـ نجلس حلقـات ي ف ". لوال السوق لما أكلن مثل هذا الطعام": صغيرة يتندرن

ـ ا إلى ومع تسلل الخراب ي لبيت يبدأ عمل النـذير ف ليس العـراف القـديم - هنا -والنذير. الفقرة التالية مباشرة

انقلب نباح " ومن الوفاء والوالء . الكفيف وإنما الحيوان األقدم وهنا يسـتعين الكاتـب بـالموروث ". عواء إلى الكلب ليال

فينقبض وجه األم ويسخر األب من سذاجتها ألنهـا ي الشعبالقصة موسيقاها من وتكتسب" ولغة الكالب تصدق الخرافات "

على تتابع قرارات البيع، وكأنها جملة موسيقية واحدة تتكرر دور الغـنم لـنفس ي فبعد بيع الجمل يـأت . امتداد المعزوفة

أخذت األم تهزج وتنوح . سداد نفقات البنت المتعلمة : السببي انهدمت أم ":وكان كل ما سمعه االبن منها . أسيانة مكلومة

ىوحين تم غسل الجثمان نظر حوله لير ".. بعد أسبوع واحد بوه قد تكور بجوار الحائط وكان أ . من سيحمله فلم يجد غيره

ـ ي ومن خالل الدموع كان شبح أب ":المهدم يقضـم امهزوم

Page 101: 1671

رماد تذروه إلى يخترق ويتحول .. شيءكل ي ينته".. إصبعهـ : المقضوم فيحمل داللتين عأما اإلصب . الرياح بع فهـو إص

ـ - ذات الوقت ي ف -الندم، وهو لهـم إلسـكان ي كل ما تبق . عضات الجوع

إلـى بهذه األسرة المستورة المسالمة ىأودي ما الذ طبيعة بشرية جسدته وحب الذات . إنها األنانية .. هذه النهاية؟

إلـى كل صديق يحاول أن يدفع صديقه بقوة " العبور: "قصة وكان. بر األمان إلى بوراألمام للع إلى الخلف، ويدفعه الذعر

أن -والتاريخيي إطارها االجتماع ي ف - البنت المتعلمة على تترك التعليم لمساعدة األسرة، لكنها كشـفت النقـاب عـن

.. الجامعة ورفعت الحجاب عن وجهها ي دخلت أخت ":أنانيتها :وبعد أن باعوا الجمل والغنم ولم يعد هناك ما يباع، قالـت

ىذه العبارة المركزة يجسد الكاتب مـد وبه.. انظروا حولكم ". ونظر أبوها حوله وقرر قطـع النخلـة . تجذر األنانية فيها

نهاية القصة تشـير ي وف. األمي وكانت هذه النخلة المثمرة ه ي في أخت" :نظرة الكلب ي الفتاة متجسدة ف إلى أصابع االتهام ". يرمقها الكلب بنظرة منكسرة . زائغة العينين ي المدخل العار

إلـى البنت الـزائغتين ليشـير ي ويمتزج عنوان القصة بعين

Page 102: 1671

فقـد كانـت .. واقعها ولكن بعد فـوات األوان إلى انتباههاويشاركها األب هذه الصـحوة .. صحوة الغروب .. الصحوة . المتأخرة أملنا قط أسود ..وعرافنا كلب يعوى ورغم هذه الشحنة الرهيبة من اليأس القاتـل، فثمـة

ـ انتفض ل ي صب ي لمقاومة، أو لنقل للدفاع كما عبر الكاتب ففإذا كان حب الذات غريزة بشرية، فالدفاع هنا ". دفاع: "قصةال يصدر عن إرادة حرة، وإنما عـن أزمـة ي غريز اأيض

نقاوم بها المدرعات والسـيارات العسـكرية، ي وأسلحتنا الت خشـبة سـوى والطائرات والطلقات، واالنفجارات، ليسـت

ة والدبابات تقبل عليه مـن وجعته الرمال الساخن وأ" :متفحمة اقتربت منه وبجانبه أعيرة وصواريخ فوق رأسه، كل صوب

كان يدرك . تهرس األرض بغضب مجنزرات حديدية صماء .. وتلفت حواليه والمجنزرات تقتـرب ، ءيالبكاء لن يج .. أن

. بقية من قطعة خشـب محروقـة سوى شيءلم يكن بجانبه ..". المجنزراتاوقف مترقبيده وي تناولها ف

Page 103: 1671

وقد كان للقصة القصيرة شـرف التنبـؤ بانتفاضـة تعيش واقعها بعمق يمليـه ي فه.. أكثر من عمل ي فالحجارة

واندحارات الوطن ومحاوالت البحـث ي ليها انتماؤها القوم عنا قصة مبكرة لمحمد السيد سالم نستطيع توقد طالع . عن مفر

أن االنتفاضة كانت تعتمـل ىلنر الرؤىهذه إلى أن نضمها طائفة من ى لد ١٩٦٧الصدور قبل الهزيمة النكراء عام ي ف

الطريق الصـحيح وسـط . الكتاب استشرفت، بثاقب بصرها " ذبالة ضـوء "قصةي في فالصب. الصخب والفترينات الجوفاء

سـوى من المقاومة، ولم تكن أمامه من وسائلها الم يجد مفر كتابة الملصقات، فبثها ي في داألعزل وتمثل هذا التح ي التحد

قلبه من هتاف ي وكل ما ف "قلبه من كراهية للعدو ي كل ما ف ـ ".. القاهرةي لكل ملك ورئيس اجتمع من أجله ف ي وهذا يكف

لحظة خاطفة جاب بملصقاته ي وف. أوصالهمي لبث الرعب ف علـى ظهره فتدحرج ي شعر بضربة غادرة ف حتى الشوارع

ي الباقية، ولـم يأبـه بتـوال أحضانه األوراق ي األرض وف وكـان يشـعر بلـذة " الضربات، فقد كان قلبه وفكره هناك

تقاوم بعناد ذلك ي وه.. واطمئنان غريب وهو يرقبها .. عميقة ..." القاسيالصقيع

Page 104: 1671

* * * المبتسـم : "مجموعاتي تأت" انكسار الحروف "وبعد

و" ظمأ البحـر ").. ١٩٩٥ ("ظل الصمت " )..١٩٩٠ ("ادائمالعشاء األخير :"وتهتم مجموعة ). ١٩٩٨ ("عن القمر البحث "

أغنيـة "وتفتتح المجموعة بقصة . الجنسيةبالعالقات " للجنرالعام، حيث تبيع بعض ىمستشفي تدور أحداثها ف ي الت" للمساء إلـى وتـتطلعن ، ىمات أو التومرجيات الجنس للمرض دالخا

يتها بالخارج بجالب " ياسمين" إلى كان المريض ينظر . األطباءن ينبئان عن ساقين ملفوفتين، ان مدور اها العاري ارسغ" البني

" نجيـة " وتعتقد. فيشتهيها" ةفوجسم أبيض مشرب بحمرة خفي السادس ي دا أنا ف " :بطنها المنتفخ على أنه يريدها فتضع كفها

وتحصـل ". ياسميني في نفس: " فيصارحها برغبته "!ييا قلب ـ . آخر عشرة جنيهات كانت معـه على منه تحـت ي وتنحن

ـ . السرير لتفرش المالءة زثم تقف عنـد فتحـة البـاب تغمطرف الورقة النقدية ترددت ياسمين ثـم تريها ي لياسمين وه

ويبدو أنها كانت عديمـة . الظالمي فقامت على مهل وغابا . مرة لهاأول هذه نالخبرة، إن لم تك

Page 105: 1671

صورة امرأة مسـتهترة، ي أما نجية فيقدمها الكاتب ف ي ويفتتح المشهد وه . األطباء، وال تهتم بالريسة تى ح تداعببصوت حرصت أن يسـمعه " الدنيا حلوة وياك : "أغنيةتردد

وبعد اختفائه تطرقع بأصابعها وتضـبط . الطبيب عند مروره ـ حتى اإليقاع بقدمها، ـ اللي شاركتها ياسمين الـدخول ف ن ح

وبإشارات عابرة من المؤلف نشعر . بهزات خفيفة من رأسها وقد تلحق بها ياسمين . نجية تعيش مأساة ال يفصح عنها بأن

فقد تنبهت الريسة رغم ضيقها بهـا لـدموعها، . بحكم العوز وقامـت "وواصلت تفقدها لبقية العنابر ، اظهره على فربتت

ي، ووضعت عدة الشا . نجية فرفعت الكرسيين فوق الدوالب ت بطيئة، تلتف ىباب القسم بخط إلى وأغلقت القفل، ثم مضت

السلم فوقفت ساهمة تبحث إلى وصلت حتى ناحية باب العنبر ". تشتتي عن بقية اللحن الذ

ـ " انبثاق"ي وف ن ئنشاهد امرأة حافية القدمين قويـة تـ ي كانت تريد اللحاق بالعربة الوحيدة الت . بحملها ي تتحرك ف

تظل جالسة بمشنة و آخر لحظة، ي هذا القيظ، وتفوتها دائما ف ـ . لها قد انفض يكون السوق خال الفاصوليا ساعات هـذا ي ف

ـ "اليوم كانت العربة نصف النقل خالية ىالباذنجـان المغط

Page 106: 1671

حتـى عن الحواف تسنده بخبرتها ابجالبية قديمة يرتفع متر الحظ مـا تشـير إليـه ..". اتصل فيلقاها ويساعدها ضاحك

رأت ابنتها تأكـل . ؟؟؟؟؟؟؟إيحاءاتالفاصوليا والباذنجان من قوالح الراكية، وفخذاه على وترنو أربعة كيزان ،اكوزا مشوي

ريان يكشفان تخلصه من سرواله، فاحمر وجهها، ودست االع وطلبت منها أن تجلس بجوار المشنة عند ايد ابنتها قرش ي ف

تختلس ي النار، وه على مسك حافة جلبابه يهفهف أو. العربةعينيهـا، وكانـت متلبسـة بنظرتهـا ي حدق ف " :إليهالنظر .. طيور النهدين، كالغاب انتصب شـعرها انطلقتكت، بفارتنارهـا على وطأطأت الكيزان .. جفناها وهو ينهض ىارتخصهوة ي خالل اهتزازة خفيفة، تمتط تنزلقي اتقدت، وه ي التقاع الترعـة ىاء، تنظر بطرف عينها النائمة، تر بهحب ش س

القادم بفوران ولهفة، يكتسـح ه تيار الميا أمامالجاف يرتعش ما يصادفه، فتبتسم النجراف القش والحطب والموز التـالف

حول الشجرة، وبنت ي بسهولة، ويمامة فزعة تحوم من األعال ال يصل إليها، بينما الكـبش ي تقذف الخراف والماعز بحص

". استسلم للرقادشيءلم يبق حوله ي الذ

Page 107: 1671

وكان تحدث عن هذه الحيوانات والطيور قبـل بـدء مركونة فارغـة، وال ) كذا (ة النصف نقل كانت العرب ":الفعل

شجرة التوت القصيرة عند مقدمتها، حولهـا سوى أحد هناك الماعز والخراف تشد بأسنانها األغصان الصـغيرة، تقضـم

عشها، والكـبش الكبيـر على فتهف اليمامة ي، الورق الطر ـ نائم، يلو ي ك ما يسقط بقربه، وتتناثر المفردات الريفيـة ف

والذرة ":اهذه القصة نلتقط تشبيها ملهم ي وف. معظم قصصه أطفـال الصغيرة ملتصقة بالعيـدان مثـل ا كيزانه ةالمصلوب

". عطاش، وشراشيب الورق مصقولة كحد الموسىالقصـة ي ف إليهاأشار ي الترعة الت فويتفرغ لوص

وغدا تحبس كانت آخر ليلة للترعة، ".. هوى" :السابقة، بقصة افة بال مياه، يجلس خاللهـا بـين ج أيامسبعة . أسبوعاالمياه

الشجر والغاب، يرف قلبه، وتحوم خواطره بـين شـاطئين من طـين االرجال والنساء والصبية يقيمون سدود ي يحدق ف

حقلهـم، أمـام المساحة الواقعـة ي ف أسرةلقطع السبل، كل سيقانهم المغروسة . العكرة هالمياي والسمك الصغير يصطاد ف

إلى ينط السمك ي فع المياه الواقفة ك الركب تد حتى الوحلي فـ ي مشغول مع خياله، يحث عمال الـر وإبراهيمشاطئ، ي ف

Page 108: 1671

ـ ي تأت.. القناطر لفتح البوابة ي الميـاه، دم سـخن ينـبض فماء يجئ فتنبعث النسمات وتشقشق عصافير القلب، .. العرق

. ؟.."البعد الحياة على تدب فيهماي الـذ ي رونشعر بعراقة فالحنا عندما يصف ماء ال

دم سخن "الترعة بأنه ي حرمت منه األرض لفترة ثم انساب ف أن أهلها ويريد إبراهيمتحب ي الت ىوهد". العروقي ينبض ف

إلى يكانت تأت . شجرة التوتة ي يزوجوها بغيره، ويربطونها ف بغابة كبيرة، تمـدها ي تأت. بعد نوم الدار ىتقوم هد " :الترعة

،ويترك هو عكازه ئلشاطا إلى فوق سطح الماء من الشاطئ يشـق . بلباس فوق الركبـة ىيخلع مالبسه ويبق . بين الغاب

المياه كتمساح أو قرموط سمك، ال يرفع ذراعه وال يضرب . التوت، تمد يدها تشده إليهـا وأشجارومن بين الغاب . بقدم

وتتأمل العيون المشرعة بشوق ما بالداخل كأنهمـا ، يلتصقان ". نحو الشرقا يصعد بطيئالقمر ولم يلتقيا من زمن،

"محاولـة " و "مطاردة ":فيي الجو الريف ىوال ننس لـزواج " هـوى " :فيوإذا كان كاتبنا تعرض ". دم النهار "و

. تعـرض لعمليـة الختـان " ردم النهـا "ي ، فف االبنت غصب :قصةي حياتنا ف ي ويواصل سعيه للبحث عن تأثير الجنس ف

Page 109: 1671

الغانيات أن تنتقم إحدى فقد أرادت ". العشاء األخير للجنرال "بـه ى، فأفلسته وألق امن الجنرال لتعذيبه أمها عندما كان شاب

. رده من ساعته وبعض مالبسـه الطريق بعد أن ج ي البار ف يعالج قضـية هـروب الرجـال مـن "..أغنية المطر :"وفى

:وفـى . الغانيات لعدم تجاوبهم مع الزوجـات إلى زوجاتهم . بالدعارةتختلط السياسة " الرجل األول"

مهنة جديـدة لـم على نتعرف" خاطبة الهوانم :"وفى حـادث ي فأبيهامنذ مقتل " فرحة "فقد ظلت : نعرفها من قبل

. تخليع الذرة عنـد الفالحـين سوى غامض ال تجد ما تفعله وهجم الغالء . دولة عربية ولم يعد إلى وسافر أخوها الوحيد

أمـام ولم يعد . همي بأيد شيءالناس فصاروا يعملون كل على . الغيطـان إلـى طريقهاي السير خلف البهائم ف سوى فرحة

". الجلة"المرابط تلم على بعد أن تمر وتتبعها عند العودة ليال كانت قصيرة، صدرها الممتلئ كأنه ورم ال يكف عن النمـو

ومن عودتها لـيال . ن يتضخمان اوردفاها المكتنز ي، العشوائشوفة الوجه، تـتكلم مـع وأحاديثها مع الشباب، أصبحت مك

ـ ي أمور الجماع، واللمة الت ي الرجال ف علـى يتسمع ترتمكانت وحدتها وفقرها، ثـم سـمرتها " :ظهورها من الضحك

Page 110: 1671

يكتشفوا رجولتهم ي وعدم تناسق جسمها، مغريات للشباب لك كان حتى "يتتبعها الشباب ويلتصق بها فيفرغ ما لديه . خاللها

لبنات خمسة جنيهات، وطلبت ا إحدىذلك المساء، إذ أعطتها !.. قصـدي أل أل مـش " :منها أن تكتشف رجولة خطيبهـا

الشـباب وقـف ي زيه ز وأكيدالغيط، ي انت ف ي يعني قصدي وأصبحت هذه ه ..". حلو كده ومالن؟ ي أقصد يعن ي، معاكوجـدت : "حدهم فقتلت أأن جاء يوم خدعها إلى ة فرحة لشغ

أنهـا لمؤكـد وخرج الهمـس ا .. الغيطاني فرحة مقتولة ف تـم حتـى البنت على الولد النحيف، وضحكت على تسترت

العروس التعيسة، أكدت، فيما االزواج وقبضت خمسين جنيه . أنها قتلت ظلما ألن زوجها الذي أجبره والدها على الطالق

، حيث لف بين فخديه قطعـة ضحك على فرحة يوم الساقية ت رأسها أدارشكل اسطوانة مستقيمة على شاش كبيرة وقطن ". حجرة كما كانت تفعل إلى عندما دفعت يدها

Page 111: 1671

صدر للمؤلف المؤلف – طبعة محدودة -١٩٨٣ – قصص –الماء -١ - مختـارات فصـول -١٩٨٨ -انكسار الحروف -٢

. الهيئة العامة للكتاب

- قصص عربيـة -١٩٩٠ قصص –المبتسم دائماً -٣ .الهيئة العامة للكتاب

٩٠ نصوص – ١٩٩٣ – رواية -قبض الجمر -٤

المكتبة -١٩٩٣ – دراسات -قضايا القصة الحديثة -٥ . الهيئة العامة للكتاب-الثقافية

.١٩٩٧ – مكتبة األسرة – طبعة ثانية - دار سعاد -١٩٩٣ رواية - على هامش النصر-٦

. الصباح للنشر هيئة) أصوات (-١٩٩٥ – قصص - ظل الصمت -٧

. قصور الثقافة الهيئة العامة-١٩٩٥ رواية - سبيل سيد الماء -٨

. للكتاب

Page 112: 1671

.٢٠٠٢ – مكتبة األسرة – طبعة ثانية - مختارات فصول – ١٩٩٨ – قصص – ظمأ البحر -٩

. الهيئة العامة للكتاب دار-١٩٩٨ – قصص - البحث عن القمر-١٠

. المعارف . دار المعارف-٢٠٠١ – طبعة ثانية

دار المعارف٢٠٠٢ – قصص - الماسة العجيبة-١١ - دراسات- اللغة والتراث في القصة والرواية-١٢

الهيئة العامة للكتاب -٢٠٠٣ قيد النشر

قصص - غربان الليل- مالمح القصيدة الحديثة - رواية . يد فى العتمة ضوء بع-

:لألطفال القرد والميزان- . حكايات األبطال-