a research on khayrÎ shalabÎ’s novel named “mawt...

18
İ.Ü. Şarkiyat Mecmuası Sayı 23 (2013-2) 213-230 A RESEARCH ON KHAYRÎ SHALABÎ’S NOVEL NAMED “MAWT ‘AB” شلبيري “موت عباءة “ لخي رواية دراسة فيحمدي علي محي أحمد يAhmed Yehia Ali Mohamed * Abstract: The novel is a kind of the art that belongs to the literature. This study depends on some of the modern narrative theory terms and examines one of the novels of the Egyptian author Khayrî Shalabî named (Mawt ‘Abâ/ Death of ‘Abâ). This study examines the case of the argumentation between the author and the realistic magical theory through this novel and the effect of this case in the social and cultural environment, in which the author and also the reader lives. Because the art is a mirror which we see and know the reality by it. The author Shalaby depends on a main place in this novel. This place is the village. Keywords: Khayrî Shalabî, the novel, the narrative, the criticism. HAYRİ ŞELEBÎ’NİN “MEVT ‘AB” ADLI ROMANI ÜZERİNE BİR ÇALIŞMA Öz: Roman, edebî türlerden biridir. Bu çalışma, modern anlatı teorisinin bazı terimlerine dayanarak Mısırlı yazar Hayri Şelebî’nin “Mevt ‘Abâ”adlı romanını inceler. Bu roman çerçevesinde, yazar ve gerçekçilik teorisi ara- sındaki tartışmayı ve bunun yazar ve okuyucunun da içinde yaşadığı sosyal ve kültürel çevreye etkisini inceler. Çünkü sanat, onunla gerçeğe baktığı- mız, hakikati bilmemizi sağlayan bir aynadır. Bu eserinde Hayri Şelebî, sadece ana bir mekâna bağlı kalmıştır. Bu mekân da köydür. Anahtar Kelimeler: Hayri Şelebî, roman, hikâye, eleştiri. * Ain Shams Üniversitesi, Alsun Fakültesi, Arap Dili ve Edebiyatı ([email protected]). ة السعودية.كة العربيمل ا-لك سعودمعة ا جا-ةت واللغاية ال كل-ةديثة والت الغا، قسم الارسية وآدالفالغة ا ال أستاذ مشارك

Upload: others

Post on 20-Feb-2021

1 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • İ.Ü. Şarkiyat Mecmuası Sayı 23 (2013-2) 213-230

    A RESEARCH ON KHAYRÎ SHALABÎ’S NOVEL NAMED “MAWT ‘AB”

    دراسة في رواية “موت عباءة “ لخيري شلبي

    أحمد يحيي علي محمد Ahmed Yehia Ali Mohamed*

    Abstract: The novel is a kind of the art that belongs to the literature. This study depends on some of the modern narrative theory terms and examines one of the novels of the Egyptian author Khayrî Shalabî named (Mawt ‘Abâ/ Death of ‘Abâ). This study examines the case of the argumentation between the author and the realistic magical theory through this novel and the effect of this case in the social and cultural environment, in which the author and also the reader lives. Because the art is a mirror which we see and know the reality by it. The author Shalaby depends on a main place in this novel. This place is the village.

    Keywords: Khayrî Shalabî, the novel, the narrative, the criticism.

    HAYRİ ŞELEBÎ’NİN “MEVT ‘AB” ADLI ROMANI ÜZERİNE BİR ÇALIŞMA

    Öz: Roman, edebî türlerden biridir. Bu çalışma, modern anlatı teorisinin bazı terimlerine dayanarak Mısırlı yazar Hayri Şelebî’nin “Mevt ‘Abâ”adlı romanını inceler. Bu roman çerçevesinde, yazar ve gerçekçilik teorisi ara-sındaki tartışmayı ve bunun yazar ve okuyucunun da içinde yaşadığı sosyal ve kültürel çevreye etkisini inceler. Çünkü sanat, onunla gerçeğe baktığı-mız, hakikati bilmemizi sağlayan bir aynadır. Bu eserinde Hayri Şelebî, sadece ana bir mekâna bağlı kalmıştır. Bu mekân da köydür.

    Anahtar Kelimeler: Hayri Şelebî, roman, hikâye, eleştiri.

    * Ain Shams Üniversitesi, Alsun Fakültesi, Arap Dili ve Edebiyatı ([email protected]).أستاذ مشارك يف اللغة الفارسية وآداهبا، قسم اللغات احلديثة والرتمجة- كلية اللغات والرتمجة- جامعة امللك سعود- اململكة العربية السعودية.

  • A RESEARcH on KHAIRy SHAlABy’S novEl nAMED “MAwt ‘ABâ”214

    الملخصإن الرواية لون من ألوان الفن ينتمي إىل األدب، وتعتمد هذه الدراسة على بعض مصطلحات النظرية املعرفية لعلم السرد احلديث، وهي تسعى إىل تقدمي قراءة مفسرة شارحة ألحد أعمال الكاتب املصري خريي شليب،

    أال وهي روايته “ موت عباءة”وتعاجل هذه الدراسة حالة اجلدل القائمة بني الكاتب ونظرية الواقعية السحرية من خالل هذه الرواية، وأثر هذه احلالة على البيئة االجتماعية والثقافية احمليطة بكل من الكاتب واملتلقي؛ بوصف الفن بصفة عامة مرآة وإحدى األدوات اليت ميكن النظر إىل الواقع ومعرفته من خالهلا، وقد اعتمد شليب يف عمله على مكان رئيس يقدم من

    خالله أحداث روايته وهو القرية.

    الكلمات المفتاحية: خريي شليب- الرواية- السرد- النقد.

    مدخل

    الرواية فن أديب يعتمد فعل القراءة اخلاص به على ما ميكن تسميته بـ)كسر النمط(؛ فال يتبىن نسًقا ثابتا يشيد عليه عامله، هو بنية احتمالية تكتسب مقومات اجلمال فيها من خالل خصوصية تشكيلها؛ لذا فإن تصدي الجماعة المتلقية ألي عمل حكائي تأتي منطلقة من فرضية تبدو دقيقة في مكانها – إلى حد كبير – تقول: إن لكل إبداع سردي قانوًنا خاصا يحكم بناءه على مستوى الشكل واإليديولوجيا؛ بحكم عهدية التجربة التي فرضت كلمتها على مخيلة الذات الصانعة له؛ فأدت إلى خروجه

    وفق بناء شكلي محدد..

    ويعد هذا القانون نتاجا لفعل االختيار الذي يقوم به هذا املبدع ويسري به يف ثالثة اجتاهات، األول: واقعي، والثاني: فين...إن عني األديب اإلنسان اليت ترصد وتلتقط وتسجل تأخذ من هذا الواقعي ما تراه عتبة تقف عليها لتعلن عن رؤية فكرية حمددة ختتار هلا من هذا السياق الثاين ما ميكن أن حيتضن هذه الرؤية يف إطار نوع فين بعينه ) قصيدة شعر/ رواية/ قصة قصرية/..إخل(، الثالث: لغوي عندما تشرع الذات املبدعة يف االنتقاء من نسق اللغة ما تتدثر به رؤيتها يف هذا الظهور اجلمايل هلا أمام القارئ.. ومن مث فإن فعل االختيار يبدو ذا طابع مجعي بالنظر إىل هذه احلركة ثالثية األبعاد اليت تأخذ روح الفنان يف رحلة بني حمطات عدة: الواقع، النوع األديب، اللغة..ومن هذه األخرية تعاود الرحلة حركتها باجتاه الواقع من جديد بعد أن أضحى هذا األخري بفضل عني

    األديب خلقا جديدا يتطلع إليه وعي القراءة عرب هذه الرؤية الفردية1...

    وتؤكد هذه الروح اجلمعية على شخصية املنتمي اليت تسم املبدع اإلنسان بصفة عامة؛ فالعملية اإلبداعية متثل انفصاال واتصاال يف الوقت نفسه، انفصاال ألن سياق الواقع يستحيل إىل حضور جديد من خالل هذا املبدع يغاير إىل حد بعيد حضوره املرجعي الطبيعي..واتصاال ألن املنتج الفين تواصلي يف جوهره ال ينطلق يف فراغ، بل ينشد فضاء يتلقفه ويقيم عالقات تفاعلية معه؛ خصوصا أن مادته اليت ُشكل منها يف األصل قد جاءت من هذا الواقع بدايًة؛ بناء على جتربة الفرد املبدع اليت تبلورت يف عالقته به؛ مث

    أصبحت سلطة ضاغطة على وعيه تفرض عليه حكايتها يف شكل جديد جيليه النوع الفين الذي يتبناه هلا2..

    وخريي شليب املولود يف العام 1938م بإحدى قرى حمافظة كفر الشيخ املصرية هو ابن لفن القص الذي يلتقي عنده الواقعي للوقوف على يتيح جماال واسعا الذي املفتاح القول: إهنا مبثابة اليت ميكن املقولة األثرية “أن تعيش لتحكي” باملتخيل عرب هذه شخصية الفنان عند هذا الرجل؛ فمن الوسيلة )احلياة/الواقع( تتحدد الغاية )املفعول ألجله/ احلكاية( اليت تستحيل عند خريي ورفاقه

    1 انظر: د. عز الدين إمساعيل، الفن واإلنسان، من ص 21 إىل ص23، طبعة 2003م، اهليئة املصرية العامة للكتاب، القاهرة. 2 انظر: روبني جورج كولنجوود، مبادئ الفن، ترمجة: د. أمحد مهدي حممود، تقدمي: د. ماهر شفيق فريد، الفن ومتثيل األشياء، من ص87 إىل ص89، طبعة

    2001م، اهليئة املصرية العامة للكتاب، القاهرة.

  • Ahmed Yehia Ali Mohamed / Şarkiyat Mecmuası Sayı 23 (2013-2) 213-230 215

    إىل غايات متثل املنجزات السردية اليت وفِّقوا يف إخراجها إىل فضاء احلياة املعيشة يف عملية ال ختلو كما قيل من طابع دائري يبدأ من الواقع وينتهي إليه.. وال تبتعد كذلك عن احلوار الذي قد يتطور ليصل إىل حد اجلدل بني طرفني أو أكثر لكل واحد موقف فكري

    وأسانيد تدعمه، هكذا حال الفن مع الواقع مع كل منجز – ينتمي إىل هذا األول – يقدر له الظهور3..

    ثالثية الوتد، األوباش، السنيورة، القانون: المقولة لهذه تبًعا أدركها خيري شلبي التي الحكائية الغايات ومن أشهر الخشخاش، وكالة الحلوجي، زهرة الطرشجي العتب، رحالت الورق”، لحس ثالثنا الكومي- ثانينا األمالي:”أولنا ولد-

    عطية، أسطاسيه... ومن مجموعاته القصصية: صاحب السعادة اللص، سارق الفرح4..

    عوامل فنية ميكن النظر إليها مجيًعا على أهنا قصص فرعية قد خرجت من رحم حكاية إطار تحتويها، هي هذا الحوار ذو الطبيعة المونولوجية بين خيري شلبي اإلنسان وشخصية القروي التي تمثل المرجع )الميالد/النشأة/زمن التكوين األول(؛

    فمن هذه الشخصية التي ما تفتأ تلقي بظاللها عليه ولد هذا الفنان..

    وقد بقي مؤثرا فيه هو وكثريين.. صوت حكائي وافد من أمريكا الالتينية هو جابرييل جارثيا ماركيز وواقعيته السحرية اليت كانت متكًئا منهجًيا أفاد منه – بدرجة كبرية – يف صياغة عوامله، من خالل االرتفاع يف التعبري اجلمايل عن الواقع من درجة املعقول )الصدق الفين( إىل رتبة أعلى بالغة اخليال )الرؤية السحرية للعامل(، اليت تتعانق مع حالة أسطورية عاشتها اجلماعة اإلنسانية يف عهودها األوىل قبل أن تواصل مسريها وصوال إىل متقدمة يف احلضارة ، ويف داخل هذا النسق الفكري تتم عملية تطوير للمحتوى الداليل ملا يسمى )التغريب/Defamiliarization والتخييل(، فالعني الفنية اليت تلتقط املرئي يف داخل السياق بتجلياته العديدة تتمدد لتتجاوز عتبة املعقول الذي ينقل الواقع حماكيا إياه يف ثوب ميكن قبوله لدى فضاء االستقبال إىل عتبة الالمعقول اليت تقرب هيئته يف داخل عامل الفن من فضاء ذي صبغة أسطورية شديدة امليتافيزيقية؛ ومن مث فإن هذه احلالة يف املعاجلة اجلمالية تعين أن للفن طابقني يرتفعان به عن أرض واقعية يرمقها بأدواته، ولكل طابق ساكنوه ممن يشيدون رؤاهم إزاء هذه األرض وفق هيئة شديدة

    اخلصوصية5..

    لكن هذه املعرفة املستقاة من عمليات قراءة سابقة إلبداع شليب تبقى مبثابة حكم سابق التجهيز أو فرضية حتتاج إىل أن تثبت وتتأكد أو يتم نفيها من خالل معاجلة رأسية تقوم على التحليل والتأويل ألحد عوامله الفنية، نعرف من خالهلا هل تنطبق عليها

    هذه الفرضية أم ال..

    وبالنظر إىل الداخل فإن لشليب آباء قصاصني، مثل: جنيب حمفوظ، يوسف إدريس، حييي حقي؛ فإذا كان حمفوظ قد اختذ من احلارة منطلًقا مكانيا لبناء الشخصية وفق دائرتني: حملية )مصرية(، وعاملية )إنسانية( فإن إدريس قد جعل للقرية املصرية وساكنها حًظا ال بأس به فيما قدمه من أعمال، وكال االثنني قد صاحب شليب فًنا يف مسريته، األول: )الشخصية املصرية/املدينة(، والثاين:

    3 انظر: د. حامد أبو أمحد، خريي شليب والواقعية السحرية، عدد ديسمرب 2010م، جملة اهلالل، القاهرة.www.Wikipedia.org ،4 انظر: دائرة املعارف العاملية على الشبكة الدولية

    5 انظر: د. صالح فضل ، منهج الواقعية يف اإلبداع األديب ، الفصل اخلاص بأمريكا الالتينية والواقعية السحرية ، من ص289 إيل ص315 ، الطبعة الثانية ، 1419هـ ، 1998م ، مؤسسة املختار ، القاهرة .

    وال شك يف أن هذه السمة املميزة للواقعية السحرية تأيت منسجة مع الطبيعة االستعارية للعملية الفنية بصفة عامة بغض النظر عن السياق اإلطار: الزمان، واملكان، والثقافة الذي منه تولدت هذه احلالة الفنية الذي جيعل منها يف وضعية جدلية مع هذا املصطلح األرسطي األثري )احملاكاة( فمن النقل من الواقع املعتمد على ركين التشبيه: املشبه )فن( واملشبه به )واقع( تأيت هذه الرؤية بالغة اخليال لتنسجم مع درجة بالغية أعلى من حيث الشحنة اخليالية، أال وهي الدرجة االستعارية اليت جتعل من املشبه عني املشبه به..وبالنظر إىل هذا العنوان املراوغ عند شليب: “موت عباءة” جند أنه يعكس عتبة فاصلة بني: ما يسمى بالوهم )الرؤية السحرية للعامل الواقعي(، و )الصدق الفين( املوافق بدرجة كبرية لفكرة احملاكاة الناقلة للواقع بطريقة تقنع الوعي املتلقي مبا يف هذا العامل الفين؛ لذا فإنه باملتابعة املتأنية ملفردات هذا املنتج لشليب يتبني - بالنظر إىل العالقة اإلحالية اجلامعة بني تركيب عنوان الرواية والعمل من الداخل - أن الراوي يسكن يف منطقة وسط بني هذه احلالة

    السحرية: موت عباءة/العنوان، وهذا االقرتاب مما هو تارخيي كما يظهر من كيفية تقدمي مستوى الرواية للشخصيات وتطورات احلدث احلكائي من الداخل..لبنان، مكتبة 1984م، الثانية، الطبعة واألدب، ص340، اللغة العربية يف املصطلحات معجم املهندس، وهبة، كامل احملاكاة: جمدي فكرة يراجع يف -

    بريوت.

  • A RESEARcH on KHAIRy SHAlABy’S novEl nAMED “MAwt ‘ABâ”216

    )الشخصية املصرية/القرية(، وإىل جوارمها ذات ثالثة عرفت بطبيعتها الساخرة وساعدهتا يف ذلك لغتها هي حييي حقي6..

    وتسعى هذه املعاجلة النقدية إىل الوقوف عند هذه الرؤية اليت يتقاطع عندها الواقعي الكاشف عن حركة اجلماعة املصرية يف النصف الثاين من تارخيها احلديث باملتخيل الراصد له واملعرب عنه من خالل أداتني مجاليتني يرتكز عليهما راوي شليب يف داخل هذا العامل الفين، مها “العباءة” وبداخلها أسرة هلا ظالهلا املرجعية هي أسرة “حشلة”، ويف الوقت ذاته بيان مدى التزام شليب مبا ُعرف عنه من تأثر هبذه املنهجية يف التقاط ما هو كائن يف دائرة الواقع احمليط باملبدع، أال وهي الواقعية السحرية؛ ومن مث الكشف عن مدى فاعلية التجربة املهيمنة على األديب يف إطار ظرفية زمانية ومكانية حمددة احتوته وألقت بظالل عليه؛ فظهر مرادفها يف صياغة فنية

    بعينها تتوسل بآليات ومقوالت حمددة يف عملية ختلقها وظهورها يف داخل سياق التداول..

    وتعتمد الدراسة يف معاجلتها على مرتكز منهجي يتسم بالتضافر؛ حبكم توظيفها ملقوالت تنتمي إىل حقول منهجية عدة، منها على سبيل املثال: علم السرد احلديث، ونظرية القراءة ...

    إًذا فنحن مع خريي شليب نتحرك ويف خلفية املشهد ظالل ال تفارقنا لذوات عدة حجزت أماكن هلا داخل املكتبة الثقافية املصرية والعاملية.. ويبدو أن هذا شأن كل ذات مبدعة يف مقاربتنا هلا سواء عرفنا على وجه الدقة من يقف يف خلفية املشهد أم مل نعرف..من هنا ميكن اإلفادة من مصطلح التناص ))Intertext وما يتعلق به من معان7 يف الوقوف أمام العملية اإلبداعية ومالبسات ظهورها عرب مستويني: الفاعل )الذات املنجزة للعمل( واملكونات املسهمة يف تشكيله على حنو يلقي بظالله على املستوى الثاين: املفعول )اإلبداع نفسه عند الكاتب( الذي ميكن أن نسمع يف رحلتنا معه أصداء لنصوص أخرى سابقة عليه جتعل دائما للماضي مكانة ال تتأثر ال غىن لالحق عنها يف وجوده..وهو ما جيعل من الكالسيكية )االرتباط بالسابق عموما( مسألة حتمية قدرية وليست اختيارا مقصودا؛ فكل حاضر يف جوهره ميثل يف بعض مالحمه نتاجا ملاض قد صنعه..وهو ما جيعل من احلاضر يف أحد جوانبه مبثابة إعادة قراءة وإنتاج للسابق، لكن بصيغ تبدو خمتلفة مبا يناسب ومعطيات الظرف الزمين اآلين الذي يشهد والدهتا

    ويف الوقت نفسه يتلقاها حال ظهورها..

    إًذا فإن هذه احلتمية الكالسيكية باالستشهاد بواحد مثل خريي شليب ال تقتصر على املاضي ببعده احمللي اإلقليمي )النسق احلضاري الذي ينتمي إليه الفنان( فحسب، بل متتد لتشمل ما ُأضيف إىل املكتبة اإلنسانية من رصيد وأفاد منه الصوت الفرد وهو خياطبنا من فوق منرب عمله، هذه التعددية إًذا قد تصل بنا إىل قناعة مفادها: أن كل فعل إنساين هو مبثابة مفعول به تضافرت وتعاونت على إنتاجه فواعل عدة، وما هذا الفاعل األخري يف السلسلة الذي يبدو أمام العيون الراصدة إال واحد منها؛ األمر الذي جيعل من كل منتج سردي على سبيل املثال مبثابة منت لسلسلة سند تسكن فضاء الرواية اخلاص به يف استلهام واستحضار واضح

    هلذا الشكل القصصي األصيل يف تراثنا العريب ويتجلى بوضوح يف )فن اخلرب القصصي(..

    وتنقسم الدراسة إىل عدة حماور إىل جوار املدخل واخلتام:

    بنية العنوان: من معجم اللغة إىل معجم الدراما

    االستهالل: حسن التخلص من املتخيل إىل املرجعي

    مستوى الرواية واحلركة الدرامية للشخصيات

    شعرية العدد يف “موت عباءة”

    البنية املفتوحة للختام وأيديولوجيا اخلطاب

    6 خالد حممد منصور، فضاء القرية يف سرد خريي شليب، عدد ديسمرب 2010م، جملة اهلالل، القاهرة.7 انظر: د. حممد عناين، املصطلحات األدبية احلديثة: دراسة ومعجم، معجم املصطلحات، ص46، 47 ، الطبعة األوىل، 1996م، املصرية العاملية للنشر

    )لوجنمان(، القاهرة.

  • Ahmed Yehia Ali Mohamed / Şarkiyat Mecmuası Sayı 23 (2013-2) 213-230 217

    انفتاح النص الروائي

    أ - بنية العنوان: من معجم اللغة إلى معجم الدراما

    من داخل احلكايات الفرعية املتولدة من احلكاية اإلطار سالفة الذكر نتوقف عند عامل “موت عباءة”8.. والواضح للوهلة األوىل من خالل العنوان أنه بنية لغوية شديدة التوتر، ليس ألن فعل املوت إشارة إىل السكون الذي يأيت بعد حركة فحسب، لكن ألن هذا الرتكيب اإلضايف يأخذنا يف اجتاهني، األول: بنية النفي اليت ينطوي عليها؛ نظرًا الستحضار الداللة العكسية لـ”موت”.. الثاين: البيئة الريفية اليت يؤدي فيها هذا املضاف إليه “عباءة” دورًا ذا تأثري يف النسق السلوكي لبعض أفراده، ويف النظر إليهم؛ ومن مث تصنيفهم وفق رؤى هي يف احلقيقة أزمة تقوم على احلكم بناء على ظواهر األشياء دون تعمق كاف أو حىت عدم اهتمام جبواهرها؛ مبا يقود إىل نتائج قد تغيب عنها صفات الصحة والدقة.. وكأن هذه البنية اللغوية شديدة اإلجياز – بالربط بينها وبني كاتب مثل شليب عرف بسخريته يف التعاطي مع السياق الذي يستقي منه مادته األدبية – تلتصق بوجه ثان كائن يف الظل، إذا ما متت إضاءته جنده مكتوبا عليه “أزمة املظهر”.. ومن مث فإن هذا الدال األنثوي “عباءة” يعد مبثابة عالمة مجالية حتيل إىل مذكر امسه )املكان/الريف( ليكون منطلقا دراميا يؤسس السارد على عتبته عامله الفين وما ميكن أن يأوي إليه من رؤى تسري يف تشكلها بني فضاءين، األول: ميثله املكون الفكري للمبدع..والثاين: خيص الذوات املتلقية له وما يصدر عن وعيها من تصورات حبكم تفاعلها مع عامل األول..

    وسيتطلب هذا الوجه – حتديًدا - ولوًجا إىل أركان هذا العامل من داخله للوقوف على األبعاد اخلاصة به، يف عملية تقوم على إرسال من قبل هذا القاص الساخر نتلقف فيها األدوات اليت حنتاج إليها بنسب وأقدار يقررها هو – إىل حد كبري – مث نتوىل حنن يف هناية هذه العملية رسم البورتريه الذي يريد لنا أن خنرج به.. ننظر إليه شكال، مث نضع إىل جواره تعليًقا مناسًبا بطريقة كاريكاتورية

    ليست حكرًا على طرف بعينه، بل يصنعها االثنان مًعا بالطبع: املرسل واملتلقي..

    ب - االستهالل: حسن التخلص من المتخيل إلى المرجعي

    وأوىل تشكالت هذا املظهر)العباءة( جندها مع سطور االستهالل األوىل يف الرواية: “إما أن عرق اهليافة ممتد يف عائلتنا فحدث وال حرج حىت لقد يعجب كل أهل البلدة من أن اخلالفات اليت تنشأ بني أبناء عائلتنا تكون دائًما أبًدا ألسباب رمبا بدت لآلخرين تافهة غري موجبة للعراك..”9، إن هذا الصوت )الراوي( الذي يصحبنا يف رحلة القراءة يستهل حضوره هبذه اهليئة اجلمعية اليت يبدو فيها يف ثياب املتكلمني)حنن(.. وهي هيئة فرضت نفسها – بدرجة كبرية – على فضاء السرد يف معظم أجزاء العمل، ليس فقط ألهنا انعكاس فين للمكون الثقايف لشخصية شليب اليت تأثرت كثريًا إىل حد التشبع باألدب الشعيب وما ينضوي حتته من سري شعبية، كانت مبثابة الروح اليت انطلقت من البنية العريضة للجماعة على اتساعها لتعود إليها معربة عن آالمها، آماهلا، أحالمها للمستقبل، ولكن ألن شخصية القروي اليت حياورها خريي، ويستولد منها بشكل متجدد ربَّته احلكائية هلا طبيعة خاصة تنسجم وطبيعة البناء االجتماعي للبيئة الريفية – يف الغالب – الذي ميكن النظر إليه على أنه معادل مطور جملتمع القبيلة الذي تتقلص فيه مساحة احلضور الفردي – إىل حد كبري – لصاحل حضور الفت لألنا اجلمعية )حنن( اليت يستظل بظلها جمموع أفرادها.. ومن الواضح أن املقاربة السردية هلذه األنا اليت يقدمها شليب يف كثري من أعماله تعكس هذه الطبيعة الراغبة يف التماس مع أدب اجلماعة الشعبية؛ على الرغم

    من أنه يقدم فًنا معروًفا بانتمائه ألدب النخبة؛ وهو ما يضع فكرة الفصل النظري الصارم بني االثنني على احملك..

    إًذا فإن صوت الوعي اجلمعي املتدثر يف ظهوره بضمري اجلماعة )حنن( يعد انعكاسا دراميا للمجاز املرسل يف حقل البالغة بوجهيه: العالقة الكلية، والعالقة اجلزئية معا؛ إننا نستطيع عرب عامل شليب الفين أن نلمح مرونة جتعل كال العالقتني قابال للتحقق ومن

    8 انظر: خريي شليب، رواية “ موت عباءة”، طبعة 2000م، اهليئة املصرية العامة للكتاب، القاهرة.9 الرواية، ص9.

  • A RESEARcH on KHAIRy SHAlABy’S novEl nAMED “MAwt ‘ABâ”218

    مث القبول واالقتناع به؛ فصوت املبدع ميثل إشارة للشخصية العبقرية اليت حتظى بسمات خاصة تؤهلها للحديث باسم اجملموع وفيما يعنيه من قضايا، حبيث تكون يف موقع القلب منها الذي مينحها احلياة اليت تتجلى وتتأكد هبذا الصوت10؛ وهو ما جيعل هيئة الراوي على هذا النحو امتدادا للمالحم الشعبية اليت تظهر فيها بوضوح شخصية املخلص الذي جيسد الفن بصياغته الدرامية له األحالم اجلمعية اليت تتغيا هذه اجلماعة حصوهلا على أرض الواقع؛ فعندما يتحدث هذا املفرد من داخل هذا الوعاء )حنن( فإنه بذلك يؤكد على قيمة تواصلية تعتمد فضيلة اجلوار اإلجيايب بني اجلزء والكل الذي منه خرج، يف هنج حيمل كثريا من قيم مثالية تصاحلية تؤكد أن الفن الذي خياطب اجلماعة وهو يف داخلها أشد أثرا وأقرب إىل حتقيق رسالته من ذلك الذي يتحدث بعيدا عنها11؛ وهو ما يأخذنا إىل الصوت اجلمعي الناطق “عائلتنا..أبناء عائلتنا” الذي يدفع إىل البحث عن الذات الفردية الساكنة وراءه، يف جتسيد للمجاز املرسل ذي العالقة الكلية؛ فالكل يف النهاية ال ميكن أن يسري يف الزمان واملكان يصنع أفعاله ويشيد نسقه احلضاري الذي به حيصل على )هوية/ خصوصية( متيزه إال بناء على املنجزات الفعلية اليت تصدر عن الذوات الفردية اليت تسكنه...إن البحث يف الكل واجلزء، أو املفرد واجلمع هو يف جوهره حديث عن الواقع هبيئته التفاعلية اجلمعية يف األساس الذي يتطلب فنا يعرب عنه، وحديث عن الفن الذي يدفع باجتاه الوقوف عند السياقات املرجعية اليت يتمثلها بطريقته؛ ومن مث فإن التصفح املعريف لألنساق الواقعية املسكونة جبماعات بشرية خمتلفة اللسان والثقافة من خالل الرحلة بطابعها املادي والذهين واملعريف تأيت من خالل رافدين الصلة بينهما حتمية: مجايل )املتخيل الفين(، واجتماعي تارخيي )الواقعي احلقيقي(؛ لذا يكون ألطر املكان غوايتها؛ خصوصا يف أشكال التعبري املعتمدة على اللغة؛ بوصفها منشطا ودافعا لفعل الرحلة الذهين وما حيمله معه آليات استكشاف تكسر عن فعل القراءة أي طابع لزومي يغلقه على حدود النص فحسب وتتيح له فضيلة التعدي والتجاوز وصوال إىل األنساق الثقافية اليت ترتبط

    به ويتصل هبا بوشائج قرىب...

    وبالنظر إىل العباءة يف بنية العنوان واهليافة يف االستهالل نالحظ متاثال من النوع الصريف يعد عتبة ميكن االنطالق منها للتطلع َعالة(؛ إًذا فهناك صلة، ممن املمكن إدراكها بداًية على املستوى املعجمي12؛ إىل رؤية حياول املبدع صياغتها؛ فاالثنان على وزن واحد)فـَفاهلََيف من اإلبل بالتحريك ضامرة البطن، مع رقة اخلاصرة.. وهاف العبد، أي أبق؛ إننا أمام معنيني: الضمور)االنكماش( الذي ينسجم وجنس القماش الذي منه العباءة، الثاين: اهلروب الذي يعين تغري احلالة – عموًما – الذي ميكن استنتاجه من هاف مبعىن أبق13؛ وهو ما يطرح سؤاال إنشائيا يف جانب منه اخلرب)اإلجابة( عن مدى قدرة الفن على تعدد أشكاله عرب توظيفه للعبة اخليال على قراءة املرجع الواقعي بطريقة غري تقليدية تتفق وقدرته على حتصيل عالقات جديدة بني بعض أشيائه.. فمن )الفعالة/العباءة( بإظهار اهلمز كما يبدو يف اللهجة العربية عند بين متيم إىل )الفعالة/اهليافة( بتسهيلها وحتويلها إىل ياء لينة كما يبدو يف هلجة أهل احلجاز تظهر يف نسق مواز رحلة يقيمها راوي خريي شليب ليقيم على مستوى الفن نوًعا من التماثل الدرامي بني االثنني مبا خيدم

    وجهة نظر معينة؛ ليصبحا مبثابة وجهني لعملة)رؤية( فكرية واحدة..

    ج - مستوى الرواية والحركة الدرامية للشخصيات

    وتعد هذه)العباءة/اهليافة( أيقونة تفتح للعني الرائية بابا تطل منه على واقع اجتماعي تشغله البيئة الريفية املصرية حتديًدا كما رمسها السارد يف هذه الرواية؛ فمن هذه اخلماسية على مستوى البناء اللفظي لكل من الكلمتني خرجت مخاسية أخرى على مستوى الراوي يف تقدميه منظومة السرد: عبد العائلة اليت ركز عليها البناء الدرامي متثلت يف مخس شخصيات ذكورية رئيسة تنتمي إىل

    املطلب، عبد النور، عبد الرشيد، الراوي بوصفه واحدا من أفراد هذه العائلة، إبراهيم..

    10 انظر: د. ألفت كمال الرويب، بالغة التوصيل وتأسيس النوع، من ص216 إىل ص219، عدد يوليو: 2001م، سلسلة كتابات نقدية، اهليئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة.

    11 انظر: أمحد رشدي صاحل، األدب الشعيب، من ص44 إىل ص48، طبعة 2002م، اهليئة املصرية العامة للكتاب، القاهرة.12 انظر: د. متام حسان، اللغة العربية معناها ومبناها، ص84، 85، وص312، 313، الطبعة الثالثة: 1418هـ، 1998م، عامل الكتب، القاهرة.13 انظر: ابن منظور، لسان العرب، مادة: َهَيف، املوسوعة الشعرية اإللكرتونية، إصدار 2003م، اجملمع الثقايف العريب، دولة اإلمارات العربية املتحدة.

  • Ahmed Yehia Ali Mohamed / Şarkiyat Mecmuası Sayı 23 (2013-2) 213-230 219

    إن العباءة إشارة رمزية مت إطالقها من جهة الفن باجتاه واقع تسعى إىل اختزاله؛ فنجدها قائمة مقام اجملاز املرسل ذي العالقة اجلزئية.. أوتشكيل استعاري إذا ما الحظنا حال التشخيص املوجود يف هذا الرتكيب اإلضايف الذي ميثل عنوان الرواية، أما عن اهليافة فيمكن أن نعدها غالفا فنيا حييل إىل املكون الفكري لذات رافضة)ساخرة( تتخذ من خالل إبداعها عموما موقعا جيعل العالقة بينها وبني عدد من مفردات عاملها احمليط تقوم على الضد، ال على الرتادف)التقارب/التأييد/القبول/النفاق الذي نطلق عليه أحيانا مسمى: الذكاء االجتماعي/السياسي(: “أنتم الشك مسعتم هذه احلكاية الشهرية اليت صارت مثال؛ إذ قال ولد ألبيه: مباذا تنصحين لكي أكون شخصية مهمة يف احلياة، فقال أبوه: تعال يف اهلايفة واتصدر”14، والراوي يف “موت عباءة” هو املنوط به تشييد هذا املوقع الذي ينوي املبدع سكناه؛ فاحلضور الدرامي للعباءة يتجلى من خالل دوائر عدة تبدأ من املفرد)اجلزء( وتنتهي إىل اجلمع)الكل( بامتداداته اليت تبدأ من القلة مث تنتقل إىل الكثرة: “هي عباءة من اجلوخ تركها أيب بني الكثري من أشيائه اخلاصة.. كانت مشهورة يف بلدتنا ضمن أربع أومخس عباءات مثينة يف كل أحناء البلدة، هلا تاريخ عريق منذ جيئ هبا من احلجاز على يدي جدي املباشر..سجلت ذاكرة بلدتنا قصة حياة عبائتنا يف قائمة كبار العائالت ذوي العباءات؛ فبفضلها صار جدي كبريا لعائلته

    حبق وحقيق حيث اكتمل املركز باملظهر الالئق”15.

    إن النظام اهلندسي الذي يسري عليه البناء الدرامي للرواية يبدأ من تعميم”عباءة” حيتاج إىل حتديد ندركه بداًية من خالل التعبري: عباءة جدي، ومنه إىل عباءة العائلة، مث العباءة يف القرية.. هذا التدرج الذي جيعل بطل الرواية احلقيقي)العباءة( يف املركز لعدد من الدوائر يأخذنا إىل النسق السلوكي اليومي الذي منه ُتستقى بعض مفردات ثقافة الفرد واجلماعة؛ فكثري من األشياء اليت حتصل منتمية إىل هذا النظام قد تبدأ صغرية ليس هلا حضور واضح واسع، مث بعد ذلك تتمدد مساحة هذا احلضور بناء على عمليات التواصل االجتماعي والتأثري والتأثر والتقليد ليصبح الفعل مع حركة الزمن جزءا مكونا للعقلية املهيمنة على اجملموع؛ إن “عباءة” نكرة تكتسب هويتها )تعريفها( بإنسان”أيب/جدي”، ومن الفرد إىل مجاعة صغرية “عباءتنا” ومنها إىل جمتمع أكرب “عباءتنا يف قائمة كبار العائالت ذوي العباءات”..وال شك يف أن وراء هذا التمدد فلسفة تدفع إليه، ميكن اقتفاء أثرها يف عبارة مثل: المظهر للذات)غالفها الظاهرة للبنية نفسه، جيعل يفرض ثقايف إًذا هو شكل الشخصيات وتصنيفها؛ في مجتمعنا ودوره في قراءة الفن الذي ولَّد على مستوى احلال)املظهر( أن جند هذا لذا فال عجب معينة؛ إليها وجهة الغري نظرة توجيه أثرا يف اخلارجي( نكرة”عباءة” يصبح أمرًا واقعا معرَّفا بنفسه دون حاجة إىل إضافة بعد أن أضحى من املسلمات االجتماعية: “ليس غريبا يف الواقع يف بلدتنا أن يرث اإلنسان مركزا مرموقا جملرد أنه ميلك العباءة”16، هنا تصبح هلذه احليلة الفنية وجاهتها عندما يأيت قرينا هلا يف سرد شليب)اهليافة(؛ فالعباءة يف الواقع: مكانة، سرت للعورة، مركز مرموق، تفضيل لبعض الناس على بعض؛ ومن مث فنحن أمام قصور يف الرؤية يساوي عيًبا يف الشخصية، والقصور ضمور)انكماش(، معىن يأخذنا إىل )اهلََيف( الذي ينتمي مع )اهليافة( إىل عائلة لغوية

    واحدة تندرج حتت اجلذر )هاف(..

    إننا ميكن أن نلحظ هذه الصلة الوثيقة اليت تربط عاملي الواقع والفن عموًما من خالل بناء إسنادي امسي؛ فإذا كان هبذا الواقع ظاهرة مهيمنة)العباءة( فإن عني الفن الرائية ترصدها وتنظر إليها مصدرة حكمها يف)هيافة(؛ إًذا العباءة هيافة، مجلة امسية تعكس عالقة متوترة بني ذات مثقفة وسياق اجتماعي قائم، ومن الواضح أن ما يف السياق مما ال ترضي عنه الذات ليس ابن حلظة حاضرة معيشة، بل له جذور يف املاضي جيدها القارئ من خالل عالمات نصية مثل: “تركها أيب”، “كانت مشهورة”، “هلا تاريخ عريق”، “سجلت ذاكرة بلدتنا قصة حياة عباءتنا”؛ ومن مث فإن مقاربة هذه الذات لسياقها تنطلق من فضاء تساؤيل يعتمد على سؤال املاضي)ماذا كان؟( وسؤال احلاضر)ماذا حيصل؟( مًعا؛ كي يراعي فضاء التلقي يف إجاباته)حلوله( ذلك؛ إن العقلية الناقدة هاهنا اليت متثلها ذات املبدع تنطلق من روح فلسفية تقتفي أثر العلل املسببة للمعلوالت فال تقتصر يف حركتها عند حدود احلاضر وحده إمنا تبحث عن أبعاده يف املاضي اليت متثل موروثات أسهمت بدورها يف تشكيل الوعي وصياغة العقلية اجلمعية يف عالقتها بنفسها

    14 خريي شليب، موت عباءة، ص9.15 الرواية، ص10، 11.

    16 الرواية، ص12.

  • A RESEARcH on KHAIRy SHAlABy’S novEl nAMED “MAwt ‘ABâ”220

    على املستوى الداخلي احملدود ويف نظرهتا للعامل17؛ ومن مث فإن خطاب السرد حيمل يف مدلوله حكم إدانة لكل من املاضي واحلاضر معا، وينفي بشكل بطريقة ضمنية عن بعض ما يف هذا املاضي صفة القدسية اليت جتعل االقرتاب منه من احملرمات.. فبديهية تواصل األجيال، أولنقل بتعبري أدق تداخلها حتتاج إىل التعاطي معها وفق هذا القول األثري الذي يتم توظيفه يف سياقات شىت “سالح ذو حدين”؛ فاإلرث املادي والفكري الذي يتم انتقاله من السابق إىل الالحق يقتضي مراجعة وتقييما يراعيان األثر الناجم عنه وقانون

    اللحظة الراهن وما يتطلبه..

    وسيواصل الراوي رحلته داخل عامل الفن فوق هذه املطية)العباءة( مبالزمة إحدى العائالت الريفية “حشلة” اليت يعد هذا الراوي السريي واحًدا من أبنائها، وال شك يف أن توظيف بعض مفردات معجم األسرة مثل: اجلد، األب، األم، اإلخوة، إضافة إىل التقدمي السردي بضمري املتكلمني أغلب الوقت يؤكد ليس فقط على السمة الشعبية املميزة لشليب يف كتاباته اليت تتجلى فنا يف كلٍّ مرتابط األجزاء )األسرة(، إمنا يشري كذلك إىل شخصية املنتمي اليت حيملها هذا الرجل يف أعماقه؛ فتبنيه موقف املعارض ال يعين خصومة تصل إىل حد االنفصال املطلق عن سياقه؛ فمن الوحدة الثالثة حىت الوحدة الثامنة األخرية من وحدات الرواية يركز الراوي عدسته على عائلته، ويبدو احلضور الدرامي لـ)العباءة/اهليافة( مرتكزًا لتشييد عدد من مناذج الشخصيات اليت متثل يف جمملها صورة للمجتمع املصري – بصفة عامة- يف مرحلة زمنية حمددة ذات مرجعية، ُيؤشر لبدايتها بثورة يوليو 1952م، أما حد النهاية – ذو داللة رمزية يف ذاته – فيبدو يف مرحلة االنفتاح السادايت وما تالها ببضع سنني.. ومن خالل احلركة الدرامية للشخصيات يف مجاعة حشلة يظهر جليا على املستوى املرجعي واقع يعرب عن حال العائلة املصرية – عموًما – هذا احلال املختزل فًنا يف هذا التالصق الدرامي )العباءة/هيافة(؛ فالبناء الدرامي للشخصيات على اختالفه حبكم اختالف وضعية كل منها مل يتخل أبًدا عن العباءة وحضورها يف الضمري اجلمعي هلذه العائلة؛ بوصفها متثل ثقال أساسيا يف منظومة القيم اليت تستلهم منها فكرها وعالقاهتا ببعضها البعض من جانب، وبغريها من جانب آخر، يتضح ذلك من خالل سلوك عبد املطلب أكرب إخوته ووارث العباءة وكبري العائلة بعد وفاة أبيه،

    وعبد النور األخ الثاين يف الرتتيب..

    وهذا الزمن املرجعي داخل بناء السرد ينقسم قسمني بينهما حد فاصل هو حادث وفاة الرئيس مجال عبد الناصر الذي ألقى بظالل قامتة على متاسك عائلة حشلة: “ظلت العالقة بيننا مسنا على عسل حىت دمهنا موت مجال عبد الناصر، فانقلب حال الدنيا ومال، انفتحت جحور كانت خمفية حتت األرض.. فجأة وعلى غري انتظار، أوتوقع أعطتنا الدنيا ظهرها يف لفة سريعة خاطفة”18، إن هذا املنطوق املفصلي من قبل الراوي خيرج بنا إىل واقع العائلة املصرية الكبرية املرموز إليها فنا بـ “حشلة” – هذا التعبري باملناسبة كان الرئيس السادات حيب إطالقه على الشعب يف عهده وكان ينظر إىل نفسه على أنه رب هذه العائلة أو كبريها – وما آل إليه أمرها بعد انقضاء عصر وجميئ آخر، يف عملية يتقاطع فيها املتخيل مع املرجعي إىل درجة التماثل التام؛ إن خريي شليب الذي ُعرف عنه احتفاؤه بالواقعية السحرية يضع هذه املعرفة على احملك؛ فينزل هبا من رتبة اليقني إىل رتبة الظن؛ فـ”موت عباءة” ليس هلا نصيب من الفانتازيا إال عنواهنا، هذا البناء االستعاري القائم على التشخيص، لكن الولوج إىل هذا العامل من داخله يقدم لنا يف الوقت ذاته خروجا خيص صاحب هذا العامل، إنه الرحيل بعيًدا عن السحرية بكل ما مييزها من وهم يف سبيل التأسيس لقراءة شديدة االقرتاب من الواقع إىل درجة االستغراق الكامل يف جزئياته19؛ فاخليال )الرمز( الذي يلعب عليه الكاتب يف روايته ال جند له تصنيفا نعنونه به إال )الصدق الفين( بفضل عالمات مرجعية يبدو أهنا فرضت وجودها على فضاء املتخيل؛ فالعباءة وما ترتبط به من عادات وتقاليد، واإلشارات إىل زمن ما قبل الثورة وما بعدها، وزمن االنفتاح وما آل إليه احلال املصري خصوصا ما حدث لبناء الطبقة الوسطى اليت منها هذا الراوي املتكلم، املكان )البيئة الريفية( الذي ميكن النظر إليه على أنه يأخذنا من طرف خفي إىل قرية شباس عمري، مركز قلني اليت منها شليب، يساعدنا يف ذلك راويه املتحدث بضمري املتكلمني)حنن(.. كل ذلك ميثل عالمات نصية تشدنا عرب آليات

    17 انظر: د. سيد البحراوي، قضايا النقد واإلبداع العريب، من ص30 إىل ص32، عدد ديسمرب 2002م، سلسلة كتابات نقدية، اهليئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة.

    18 خريي شليب، موت عباءة، ص55.19 د. عبد املعطي صاحل، د. منال غنيم، فصول يف السرد، من ص10 إىل ص12، طبعة 2008م، دار اهلاين للطباعة، القاهرة.

  • Ahmed Yehia Ali Mohamed / Şarkiyat Mecmuası Sayı 23 (2013-2) 213-230 221

    السرد إىل الواقعي أكثر من املتخيل، وكأننا أمام فيلم وثائقي، أو حتقيق صحفي نرى من خالله املشهد املصري يف جممله بني عهدين، جاء الثاين منهما أكثر سلبية كما يصرح بذلك الراوي يف”موت عباءة”، وقد استغرق التناول الدرامي له أربع وحدات من جمموع مثانية هي عدد وحداهتا؛ فمن املشهد املفصلي”موت مجال عبد الناصر” يظهر على الفور املعىن الثاين الذي مت الوصول إليه من الدال “هيافة” أال وهو تغري احلالة – بصفة عامة -، هذا التغري ميكن الوقوف عليه فنيا من من خالل منطوق راوي شليب “كل األكفاء رحلوا عن البالد يلتمسون الرزق واحلرية يف بالد ال تعرف شيًئا عن احلرية، أصبحت الوطنية قريًنا للسجن.. والشرف قرينا للفقر.. عاد عصر الباشوات بكل حذافريه، اصطلحت احلكومة مع إسرائيل، اصطلح الشعب مع التسيب والتفكك واالهنيار..

    اشتعلت األسعار، اتسعت الطموحات.. مل يعد يف بلدتنا رجال حقيقيون..شأن كل العائالت يف البلدة تصدعت عائلتنا..تلك كانت املزحة الكربى يف عائلتنا بسريان عرق اهليافة يف رجاهلا جيال بعد جيل”20.

    العائلة إىل املطلب( األكرب)عبد األخ مث األب، مث باجلد، ارتباطها املفرد: فمن العباءة؛ مع الراوي رحلة تكتمل هكذا املكان)القرية( أن واضًحا يظهر اتساعه( على املصري الكثرة)اجملتمع مجع النهاية يف مث القرية عائالت مث الصغرية”حشلة”، والعائلة)األسرة مبعناها التقليدي( ما مها إال حيلة فنية مت اعتمادها يف سبيل تشييد فين لرؤية شليب إزاء حركة األحداث يف مصر على مستويات عدة: سياسية، اقتصادية، اجتماعية بعد وفاة عبد الناصر، إن حركة اجلماعة املصرية يف الزمن، حتديًدا يف النصف الثاين من القرن العشرين ليست حركة انسيابية مرنة، بل ميكن نعتها باخلشنة الصلبة القابلة للكسر؛ وهو ما جيليه هذا احلدث الفارق الذي متت اإلشارة إليه عرب صوت الراوي، أال وهو وفاة مجال عبد الناصر، الذي ترتب عليه شرخ سيستحيل يف سياق الواقع إىل مظاهر شديدة املأساوية ستتجلى مظاهرها يف بون طبقي شاسع شطر اجملتمع إىل نصفني خصوصا بعد أن آتت سياسة االنفتاح السادايت أكلها لصاحل فئة بعينها، أما الطبقة الوسطى وما حتتها فقد أصاهبما التهميش إىل حد بعيد، فكان املصري االستسالم

    ملتغريات الراهن، أو الرحيل..

    إن هذه احلركة للجماعة يف الزمن يتبني من منطوق الراوي أهنا أخذت منحىن هابًطا حبكم اآلثار السلبية اليت تركتها فوق بنيان الشخصية املصرية؛ فكان هلا دور يف تشويهه – إىل حد كبري – وهو ما يطرح يف فضاء الداللة تصور: هل للهيافة اليت حتيل إىل ضمور الفكر – الذي يتحول مع الوقت إىل نسق ثقايف سائد- فتجعلنا هنتم بظواهر األشياء واألمور الثانوية، والفرعيات، وننزل

    شخصيات منازل ليست أهال هلا..إخل دور يف هذه احلركة السلبية؟..

    وتصل هذه الرؤية إىل الذروة مبا حتمله من شحنات فكرية وعاطفية تنطوي على إحساس شديد باملرارة؛ فهذه إحدى شخصيات احلكاية “عبد الرشيد” أخو الراوي يقول: “ يقولون إن مصر ال تنفع فيها حرب أهلية كلبنان، الواقع أن احلرب األهلية يف مصر ال مثيل هلا يف التاريخ، حرب بال بارود وال أسلحة تقليدية..هذه الفوضى االقتصادية، وهذه االهنيارات اخللقية هي األسلحة اليت ستنتشر بصورة مفزعة..إن االستعمار مل يرحل مطلقا من البالد، بل استبدل جنوده جبنود من أهل املستعمرات أنفسهم، العجيب

    أهنم رمبا كانوا أكثر والء من بين جلدته”21.

    إن الراوي يف “موت عباءة” شديد الوالء للمعىن املعجمي الساكن حتت اجلذر اللغوي “هاف” يبدو ذلك من خالل تعاطيه الفين معه..أما عن قصدية إيراد الدال “هيافة” وما حيمله من مدلوالت يف عقلية اجلماعة الشعبية ترتبط بـ: غياب اجلدية، السطحية، اللهو الزائد.. فهي ال تبتعد كثريا عن الداللة املعجمية؛ ومن مث عن الصياغة الفنية كذلك، كما أهنا مبثابة مغازلة يرضي هبا شليب أفق توقعات هذه اجلماعة اليت يقدرها كثريا22؛ وهو هبذا التوظيف السردي للمعجمي والشعيب يضع إبداعه يف منطقة وسط بني النخبة واجلمهور؛ مما جيعل منه على مستوى التشكيل والداللة معادال حكائيًّا لفن املقال الصحفي الذي خياطب - بناء على طبيعته وقناة

    االتصال احلاملة له - الفئتني مًعا..

    20 خريي شليب، موت عباءة، ص55، 56، 62.21 الرواية، ص79، 80.

    22 انظر: د. صالح فضل، بالغة اخلطاب وعلم النص، ص279، عدد صفر 1413هـ، 1992م، سلسلة عامل املعرفة، الكويت.

  • A RESEARcH on KHAIRy SHAlABy’S novEl nAMED “MAwt ‘ABâ”222

    ويبدو أن هذا املوقع الوسط ينسحب على اللغة – أيًضا – فلغة شليب يف هذه الرواية تعد مزجًيا من الفصحى والعامية مًعا اتساقا مع البيئة الريفية وعدد من شخوصها واملستوى الثقايف الذي وصلوا إليه23، وانسجاًما مع شخصية كاتب مثل شليب منفتحة على كل فئات العائلة املصرية، كما أن الفكرة احملورية للرواية ليست مهَّا خيص شرحية بعينها، يضاف إىل ذلك أسلوب الكاتب الذي

    يعد امتدادا لكثريين مثل حييي حقي الذي يشغل مكانا يف منطقة التكوين الثقايف هلذا الرجل..

    ومن منظور بالغي ميكن القول: إن هناك مقوما يساعد - بدرجة كبرية – على التماسك النصي هلذا العامل الفين تكشف عنه هذه العالقة املنطقية )القرابة/األخوة( الرابطة بني شخصيات أسرة حشلة، وتتمدد هذه القرابة مرتقية من معناها املباشر القريب إىل ما هو أعلى منه بالنظر إىل ما هو ثقايف واقعي تارخيي يظل اجلماعة املصرية يف عمومها وما جيمع عناصرها من قواسم ثقافية مشرتكة، تأيت هذه األسرة الفنية اختزاال هلا بدرجة كبرية؛ ومن مث فنحن بصدد ما ميكن تسميته جبناس درامي من النوع الناقص؛ فهناك مواطن اتفاق شكلية ظاهرة تربط هذه العناصر ذات الطابع اإلنساين، وإىل جانبها مواطن اختالف جتعل لكل شخصية قدرًا من اخلصوصية يف رحلة العمر ويف املصري الذي تؤول إليه، وباإلحالة إىل ما هو خارج النص السردي جند ذلك جليا يف مسلمة االختالف احلياتية الكائنة بني أفراد األسرة البشرية على اتساعها؛ على الرغم مما جيمعها من مناطق اتفاق، مبعثها النفس الواحدة اليت ُخلقوا منها

    مجيعا، وقد جاء سياق الفن موازيا ومنسجًما معها

    د - شعرية العدد في “ موت عباءة”

    لنا عاملا تراجيديا يف ثياب ساخر ضاحك عرب متوالية سردية الواقعية يقدم إننا مع خريي شليب أمام كاتب مهموم شديد استغرقت مثاين وحدات؛ فإذا كان الدال )كبيس( يطلق على السنة الزائدة يوًما، وبشئ من التوسع ميكن إطالقه على الشهر الزائد يوما، وكذا بطريقة سحرية ميكننا أن نسقطه على أسبوع العائلة املصرية يف “موت عباءة”؛ فاحلركة النزولية للحدث وما ترتب عليها من تصدع تعين أننا أمام واقع مأساوي )كبيس( مبا جيعل النظرة إىل الزمن تتجاوز حدود املنطق وصوال إىل درجة من الالمعقول، الفاعل املرسل هلا بداًية يبدو ألول وهلة يف احلالة النفسية اليت تقف خلف هذه النظرة؛ فأسبوع أسرة “حشلة” طويل، هذا الطول تبلور يف عدد األجزاء املكونة لعاملها الفين )8(، هذه القراءة العددية املنطلقة من احلالة النفسية للراوي بادئ ذي بدء ليست ببعيدة

    عن الذات املبدعة يف تراثنا الشعري اليت وصلت بأزمتها النفسية إىل رؤية سحرية للزمن تتجاوز هبا حدود املعقول؛ فقالت:

    وليل أقاسيه بطيئ الكواكــــــبكليين هلم يا أميمة ناصـــــب

    وليس الذي يرعى النجوم بآيــــب24تطاول حىت قيل ليس مبنقـــض

    24

    وتلقي هذه احلالة حبممها على شخصيات الرواية وتبقى مهيمنة حىت سطورها األخرية؛ فهاهو ذا الراوي حيكي عن نفسه قائال: »كان باب دارنا مفتوًحا على مصراعيه ،دخلت ُ،ال أحد يف املندرة غري صمت رطيب ثقيل الوطء يصدك عن الدخول ...راحت عيين متسح جو احلجرة اليت خيمت عليها الكآبة ،اصطدمت عيين بالعباءة ،كانت متدلية من املشجب كشبح هزيل ،كظل لكبري

    قوم تبخر واضمحل ،سرعان ما انقسم شبحها إىل عديد من األشباح املتكررة ..وكانت عيناي قد امتألت بالدموع25«.

    23 انظر: د. السعيد حممد بدوي، مستويات العربية املعاصرة يف مصر، من ص89 إىل ص95، طبعة دار املعارف بالقاهرة، دون تاريخ.24 انظر: شعراء ما قبل اإلسالم، النابغة الذبياين، املوسوعة الشعرية اإللكرتونية.

    25 خريي شليب، موت عباءة، ص92، 93، 94.

  • Ahmed Yehia Ali Mohamed / Şarkiyat Mecmuası Sayı 23 (2013-2) 213-230 223

    إن هذه الشبحية تكريس لواقع شديد الوطء على نفس الراوي أكثر منها احنيازا إىل الفانتازي؛ لقد استحالت هذه احلالة املأزومة بعد موت عبد الناصر وسطوة قيم جديدة خلفها عهد االنفتاح إىل تفكك أسري أفضى إىل موت ببعدين: مادي ومعنوي يتدثر بثياب الرحيل واهلجرة؛ فلم يبق إال الفراغ والصمت الذي حل حمل احلضور املادي للشخصية؛ لذا فإن من املنطقي فنًّا ظهور هذه األشباح؛ بوصفها مواليد طبيعية حلالة املوت هذه؛ وبوصفها إسقاًطا مجاليا على الواقع – بدرجة كبرية – فالشخصية املصرية اليت كان هلا يف عصر مضى حضور ذو طابع متعد يسعى إىل جتاوز فضاء احمللية الضيق )فكرة القومية العربية على سبيل املثال يف زمن عبد الناصر( قد تعرضت لنوع من التشويه واالستالب الواضحني بعد ذلك؛ فكانت العاقبة أن وجودها احمللي ذاته أضحى حمل شك.. ومن مث يصري الراوي أكثر إقناًعا عندما حييل هذه احلياة الربزخية إىل واقع مادي ملموس ومصدق معرب عنه مبشهد امتالء العني بالدموع استعداًدا للبكاء وتأكيًدا يف الوقت نفسه على سطوة الزمن املضارع وبقاء احلال الواقعي على ما هو عليه حىت

    إشعار آخر...

    هـ - البنية المفتوحة للختام وأيديولوجيا الخطاب

    هذه احلالة الصفرية )الفراغ/ الصمت/ العدمية( اليت تتمثلها الدراما الروائية يف “ موت عباءة” حتيل إىل الروح الثورية الكامنة يف عمق شخصية الفنان26، وجتعل من نظرته الراصدة الناقدة لبعض مفردات السياق املرجعي مبثابة معول هدم ملا هو قائم يف حماولة لتأسيس بناء مغاير مكانه؛ لذا فإن حمطة الوصول اخلتامية اليت انتهى إليه راوي شليب ليست هنائية بشكل مطلق، بل تعكس نفًسا قلقة إىل حد بعيد تتغيا ما بعد طور اهلدم هذا؛ وهو ما جيعل من البنية املفتوحة للخامتة مبثابة تشكيل درامي لنسق تساؤيل مفاده: ماذا بعد..؟ وهو نسق ينشد واقعا يفرتض أن يتلقفه ليحيل هذا اإلنشائي إىل خربي بالفعل املادي املتجسد على أرض الواقع؛ فإذا كان عامل الفن املعتمد على اللغة يف تكوينه لسان قال يرصد بطريقته ويعرب فإن املنجزات الفعلية لألفراد يف داخل العامل تعد إىل حد كبري لسان حال ُيرجى أن يكون بآثاره أبلغ وأفصح وأكثر قدرة على التأثري يف عملية البناء احلضاري من لسان القال هذا؛ فإذا كان الفن قد قال كلمته بطريقته يف الواقع، فإن املنتظر من هذا األخري أن يعلق ويقيم ويصدر رد الفعل الذي يناسب هذه الكلمة اجلمالية يف إطار القانون احلاكم لطريف هذه الثنائية )لسان القال ولسان احلال( وبينهما يتحرك وعي القراءة مبرونة ذهابا وإيابا يقرأ االثنني مًعا ويضيف إىل رصيده على املستوى الفردي الذايت، وقد يتطور األمر ليصل إىل سياقه القريب ومجاعته كلها، عندئذ تكون

    هذه الروح الثورية اليت تسكن يف أعماق عامل الفن ومنوذجه “ موت عباءة” عند شليب قد آتت أكلها..

    إن سرد خريي شليب هبذه الرؤية يلقي بثقله يف عملية النقد اليت يقوم هبا على السلطة السياسية زمن ما بعد عبد الناصر، الذي ميكن القول: إن الشخصية املصرية قد تعرضت فيه لعمليات تفريغ وتصفية معنوية حملتواه الداليل وصارت جمرد قشرة أو مظهر خال إىل حد كبري من كثري من مفردات اجلوهر القيمي الذي تشكل يف رحلتها احلضارية عرب الزمن..هذا املظهر نفسه قد تعرض للتآكل حىت استحال يف خامتة عامل الفن إىل فراغ ينشد مواجهة حقيقية تزيل هذا الصفر وتعيد إىل هذا الكيان وجوده من جديد، وفقا

    هلذه املقولة املنطقية: أنا أثور إًذا أنا موجود...

    إن احلركة الدرامية هلذا الراوي املشارك وللشخصيات اليت تدخل معه يف صلة قرىب تشكل قوام األسرة املصرية على مستوى السرد تعد حركة نزولية إىل حد كبري، ويبدو أن الراوي قد هيأ وعي القراءة لذلك منذ العنوان والدال “موت” الذي جيعل من بنية العنوان وعالقتها بالتشكيل السردي من الداخل قائمة على آلية االسرتجاع اليت يتعانق فيها صوت الراوي مع حتوالت احلدث الواقعي ومتغرياته ليقدما تفسريا هلذا املوت )النتيجة(..وبااللتحام مع هذا الصوت جند أن هذا الواقعي قد تعرض لعملية ختييل له جتلت يف

    هذا الدال املكاين “عباءة” الذي تضافرت يف تكوينه كل من: معجم اللغة ومعجم الفن معا..

    وقد اكتسب هذا الثابت املكاين بعدا حركيا بفضل الشخصيات اليت تدثرت به فمنحته البطولة الفعلية اليت تسهم بشكل مؤثر

    26 انظر: د. سيد البحراوي، قضايا النقد واإلبداع العريب، من ص250 إىل ص255.

  • A RESEARcH on KHAIRy SHAlABy’S novEl nAMED “MAwt ‘ABâ”224

    يف صناعة احلدث وتطويره..وهذا يقودنا إىل القول بأن البطولة عند خريي شليب الكاتب الشعيب ليست فردية، لكن مجاعية حبيث ال ميكن التوجه بالتقدير أو باللوم للذات الفردية مهما كان موقعها ومكانتها وتأثريها يف السياق؛ ومن مث ميكن القول بناء على التشكيل اجلمعي لفضاء الرواية عرب ضمري املتكلمني )حنن( وهذا احلضور أليقونة املكان )العباءة( وتلبسها بالشخصيات: إن صناعة األزمة

    يف جوهرها صناعة شعبية؛ لذا فإن مساعي إزالة آثارها متثل فعال شعبيا كذلك تنهض به اجلماعة يف جمملها..

    والشك يف أن هذه الرؤية املتشكلة فنا متثل تطويرا ونقدا يف الوقت ذاته آللية تشكيل األبطال يف املالحم الشعبية العربية، مثل: “سيف بن ذي يزن”، و”علي الزئبق” و “عنرتة بن شداد” ..وغريها؛ إن البطولة هاهنا فردية، يضاف إىل ذلك اكتساب الفرد لصفات عبقرية سحرية حبكم كونه احلامل اجملسد ألحالم اجلماعة يف اخلالص والتغيري...سرد خريي شليب جيادل هذه املنجزات الفنية الشعبية عرب إبداعه ليقدم قراءة مجالية أكثر منطقية وقربا من الواقع من هذه الصيغة السحرية لفكرة البطل اليت قد تبتعد هبا عن رسالة

    الفن احلقيقية اليت حيرص وجيب عليه أداؤها من خالل آلية املمكن، ال املستحيل اليت يناقش هبا قضاياه...

    إًذا فإن خريي شليب املتأثر – إىل حد كبري- بالوافد من عند جابرييل جارثيا ماركيز يقدم قراءة عكسية هلذه السحرية اليت نقرأ من خالهلا سياق املرجع اخلارجي املتعلق باجلماعة؛ فنجده يف عامله “ موت عباءة” يعتمد صيغة الضد إىل حد كبري ، يظهر ذلك يف هذا التضافر الدرامي بني: الريف، العباءة، أسرة حشلة وشخوصها اخلمسة اليت قام عليها عماد العائلة املصرية يف روايته، وكأن مساحة )املراوغة/ احلرية الفنية/ التخييل( اليت يلجأ إليها املبدع عادة وهو حييل بعض مفرداته العامل اخلارجي إىل رموز يصعب كشف هوايتها27 تأيت يف مراحل بعينها فتضيق هبا نفس الفنان ويرفضها قلمه املبدع فيلجأ إىل ما ميكن تسميته األسلوب املكشوف الذي يتناسب وطبيعة الظرف الواقعي الذي ال يتحمل هذا االرتفاع بالصيغة الفنية إىل مراتب قد تعزهلا متاما عن اجلماعة املنوط هبا احلركة ورد الفعل بال أي تأخري إلزالة مأساة هذا الواقع..قد يكون ذلك نوعا من انفالت األعصاب وعدم القدرة يف حلظات بعينها على كبح مجاح االنفعاالت؛ فتخرج اللغة األدبية يف تدثرها بأحد فنون األدب يف تشكيالت أقرب إىل الطابع التارخيي التسجيلي، ميكن

    الوقوف بوضوح عند هذه احلالة يف “ موت عباءة” لشليب ...

    ويدفع هذا اخلتام املفتوح إىل القول بأن الوعي اإلبداعي الذي ينشد مبنجزه غاية تتجلى يف احلضور املتواصل املتجاوز حدوًدا زمانية ومكانية وثقافية معلومة ال يقف متجمًدا عند هذه احلقبة التارخيية بعينها يف قراءته اجلمالية هلا؛ لذا فإن اخلتام هبذه الكيفية يف تشكيله يعد مبثابة أداة يعتمد عليها الراوي يف سبيل ذلك؛ إنه جيادل فكرة التطهري األرسطية هبذه الكيفية املفتوحة؛ بغية الوصول إىل ما ميكن تسميته تثوير الوعي لدى املتلقي حبيث ميكث يف حالة ذات صبغة فحولية قادرة على التأثري والتغيري يف سياقها عاملها الواقعي باستمرار؛ وهو ما ينسجم متاًما مع هذه البنية التساؤلية املتولدة عن ذلك النوع من اخلتام )ماذا بعد؟(؛ ومن مث فنحن بصدد عامل سردي ينفتح هبذه احلالة الثورية اليت يؤسس هلا مع املتلقي على األسرة اإلنسانية يف عمومها بعيًدا عن أطر حمددة من ناحية الزمان واملكان، ومن الواضح أن هذه احلالة - بالنظر إىل تلك السمة اجلمعية املميزة للراوي - تبدو أكثر اتساًعا ونضًجا؛ إذ تتغيا إحداث تغيري يف الواقع اجلمعي، وهي - ال شك - مرحلة أكثر تقدًما تأيت تالية لثورة من نوع خاص هي ثورة الذات على نفسها رغبة يف إعادة تشكيلها برؤى مغايرة؛ إًذا فإن صفحة الفن املكتوبة ومنوذجها “موت عباءة” من املنتظر أن يعقبها صفحات تسطرها

    أفعال الوعي املستقبل هلذا الفن يف داخل العامل اخلارجي على اختالف ألسنة أهله وألواهنم وثقافتهم.

    و - انفتاح النص الروائي

    وتعد هذه القراءة الفنية اليت يقدمها الراوي يف سرد شليب جتسيدا ملا ميكن تسميته بأدب التحوالت الذي يرصد أحوال التغري اليت متر عليها الذات )الفردية/ اجلمعية( بني مرحلتني أوأكثر28؛ فتكون بذلك مبثابة املخضرم الذي عاش عهدين، لكٍل مساته اخلاصة

    27 انظر: د. رمضان بسطاويسي، اإلبداع واحلرية، من ص88 إىل ص92، عدد فرباير 2002م، سلسلة كتابات نقدية، اهليئة العامة لقصور الثقافة، القاهرة.28 انظر: د.سيد حممد قطب وآخرون، أدب التحوالت: دراسة يف العالقة اجلدلية بني اجلمال واأليديولوجيا، من ص8 إىل ص11، الطبعة األوىل، 2005م،

    دار اهلاين للطباعة، القاهرة.

  • Ahmed Yehia Ali Mohamed / Şarkiyat Mecmuası Sayı 23 (2013-2) 213-230 225

    اليت تلقي بظالهلا قطعا على رحلة الذات احلياتية..هذا التشكيل الدرامي للمخضرم نقف عليه يف “موت عباءة” من خالل أسرة حشلة والتصاقها هبذا الدال املكاين ذي الطابع املتحرك “العباءة”..وتتبدى مالمح هذا التحول عرب خط مرجعي فاصل رصده الفن وفقا لرؤية كاتبه، أال وهو )موت مجال عبد الناصر( الذي وجلت اجلماعة بعده طورا جديدا بقوانني ومعطيات أثرت بشكل بالغ يف تركيبة املنظومة القيمية للجماعة ويف ترتيب اهلرم االجتماعي ومتاسكه.. وهو ما جيعل من إبداع شليب امتدادا لقراءات مجالية سابقة اختذت من مسرية اجلماعة املصرية يف النصف الثاين من القرن العشرين )حمور/ موضوع( اهتمامها، على سبيل املثال: رواية “ صح النوم” لألديب حييي حقي الذي خياطب الشخصية املصرية من فوق منربه احلكائي هذا ناقدا سلبيات مازالت راسخة يف قلب هذه الشخصية متوارثة من حقبة اإلقطاع29؛ على الرغم من أن هناك ثورة قد حدثت )1952م( كان يؤمل من ورائها أن تسهم يف جمادلة كثري مما هو قائم يف الوعي اجلمعي وتغيريه إىل األفضل..يظهر ذلك للوهلة األوىل منذ العنوان الذي حيمل يف طياته نداء تنبيهيا ال خيلو من طابع ساخر مييز حقي، يعكس هذا النداء موقفا ناقدا رافضا حلالة اجلمود اجلمعية هذه على الرغم من هذا احلدث املفصلي

    الذي مر على الشخصية فنقلها زمنا من مرحلة إىل مرحلة..

    ويقف مع سرد حييي حقي عمل آخر جياوره يف الرؤية – بدرجة كبرية – منتميا أيضا إىل هذا النوع )أدب التحوالت( إنه رواية “اللص والكالب” لنجيب حمفوظ الذي يقدم من خالل إحدى شخصيات عامله الفين “رءوف علوان” منوذًجا للكاتب الرافض مفيدا من مكون فلسفي ميثله بعض مفردات املذهب الوجودي يف الفكر30... إن رءوف علوان على مستوى القص يقدم منوذجا للشخصية النامية املتطورة، لكن بشكل سليب؛ فبعد أن كان متبنيا لقضايا الفقراء منحازا إليها يف مواجهة سطوة األغنياء لدرجة تشجيعه للضحية احلقيقي يف داخل الرواية “سعيد مهران” على السرقة بوصف ذلك حربا مشروعة إلعادة التوازن االجتماعي الذي اختل نراه يتنكر ملبادئه هذه بعد أن حصل على امتيازات مادية، وأدبية واجتماعية، بل ويتحول إىل عدو يناصب هذا الضحية “ سعيد مهران” العداء ويتعقبه ويصري عضوا مشاركا يف منظومة املطاردة اليت انعقدت ألجل القضاء عليه..إن رءوف علوان يقدم يف عامل حمفوظ السردي منوذجا سيئا للثورة اليت سرعان ما تنقلب على األيديولوجيا اليت قامت تدافع عنها وتنتصر هلا؛ فتكون هي

    أول من يتخلى عنها وحيارهبا..

    والشك يف أن ثورة يوليو وما حدث بعدها قد ُوِضعت يف ميزان النقد الفين بأشكال عديدة تعكس يف جمملها جتارب الذوات الفردية اليت قامت عليها، وتفاعل الوعي الفردي الذي يتجسد يف شخصية الفنان األديب مع الوعي اجلمعي بشقيه احلاكم واحملكوم؛ فمن خالل السلوك الدرامي للبطل يف كل من: “صح النوم” و”اللص والكالب” نقف على هذه احلركة اليت تتعرض لعثرات وهزائم تظهر جبالء قصور التجربة الثورية الواقعية وتؤكد على الفجوة احلاصلة بني الرؤى النظرية اليت انطلق الفعل الثوري على أرض الواقع من وحيها، وما حصل بعد ذلك من تغريات تنبئ عن اهنزام هلذه الرؤى ووصول التجربة يف مسريها يف الزمن إىل طريق مسدود حتتاج معه إىل حالة ثورية نشطة يف حماولة لتصحيح املسار...هذا الطريق املسدود يلحظه املتابع يف “موت عباءة” مع حالة الفراغ

    والعدمية اليت هيمنت على البيت املصري اجلمعي؛ وهو ما يتطلب فعال إجيابيا يعيد احلياة إليه من جديد..

    وما سبق يؤكد على هذه احلركة املوازية اليت تتخذ لنفسها مواقع تتجاوز حدود النص املعروفة..هذه احلركة جيليها نشاط الوعي املتلقي الذي خيتار لنفسه نقطة بداية تسبق عنوان النص الذي ال يعدو أن يكون جزًءا من نتاج حيتويه سابق زماين ومكاين وثقايف يشكل - بدرجة كبرية - اإلطار املسبب خلروج هذا املنتج اللغوي الذي تتجلى أماراته يف البداية من خالل تركيب العنوان، مث تنطلق هذه العملية يف القراءة يف حالة من االلتحام مع العمل حىت تصل إىل هناية هذا الناتج متجاوزة إياها إىل اخلارج وصوال إىل حمطة ختام ميكن نعتها بالقلقة غري النهائية ختص القارئ - إىل حد بعيد - ورؤيته اليت تتغيا أن تقدم صورة كلية يف ظل ما ميكن تسميته خربة تستغرق يف تكوهنا زمنا وتعتمد يف قوامها على روافد تأيت من قبل الذات املبدعة، وأخرى من قبل املتلقي نفسه ورصيد

    جتاربه، الذي ميثل قيمة مضافة حلالة قراءة مستها املضارع الذي يتجدد وال يقف عند حد31..

    29 انظر: حييي حقي، صح النوم، طبعة 1995م، اهليئة املصرية العامة للكتاب، القاهرة.30 جنيب حمفوظ، اللص والكالب، طبعة دار الشروق، دون تاريخ.

    31 ومن مث فإن مسرية القراءة يف تفاعلها مع املوضوع/النص تعتمد على مسطح للرؤية حيتوي هذا العامل الفين بالنظر حتديًدا إىل مرحلة ما بعد انقضاء النص إذ

  • A RESEARcH on KHAIRy SHAlABy’S novEl nAMED “MAwt ‘ABâ”226

    واتساٍقا مع هذه العملية ميكن القول - بقدر من اإلفادة من مصطلح االشتقاق يف الدرس اللغوي - إن هذه اجلماعة الفنية يف فن شليب “أسرة حشلة” تعد مبثابة مشتق درامي مجايل من جذر ميثله سياق الواقع وما حيصل فيه؛ إن تعامل الراوي يف احلكاية مع شخصياته جيعل منها صيغة ليست ببعيدة يف حضورها عن مؤثرات تقبع خارج النص؛ ومن مث فإن الفعل )َوَقَع( ذا الصبغة املرجعية ميثل دافعا منبًئا بفعل آخر يتخذ يف هيئته جتليات متنوعة، هو الفعل )أَْبدَع(، وما بني االثنني مسافة يربزها الزمان واملكان وما حيمالنه من قيم معرفية ترتبط باحلركة التارخيية للذات اإلنسانية بشقيها الفردي واجلمعي وما خيرج عنها من آثار حتتاج إىل رصد وتسجيل بآليات حتددها اجتاهات هذا الفاعل املعين هبذين األمرين؛ فإذا قمنا بتوظيف رؤية البصريني فيما يتعلق باملصدر )األصل( الذي خترج منه املشتقات )الفروع( ميكن القول: إن احلالة املصرية يف عمومها وجتردها مرتفعة فوق الراهن الزماين متثل لدى القاص ومنوذجه شليب مصدرا يستقي منه مشتقاته احلكائية، وإذا قمنا بتوظيف رؤية الكوفيني اليت تنظر إىل اجلذر الثالثي املعرب عن َعَل( بوصفها أصال خترج منه الفروع )املشتقات( ميكن القول: إن األحداث اليت مرت هبا اجلماعة املصرية صيغة املاضي الغائب )فـَيف فرتة ما بعد ثورة يوليو حىت وفاة الرئيس مجال عبد الناصر متثل جذرا قد خرجت منه هذه الصيغة الروائية “ موت عباءة”32 وال شك يف أن هذه الرؤية تبدو منسجمة - إىل حد كبري - مع داللة القطع اليت تسكن الفعل )قص(؛ فالقاص/احلاكي يتعامل مع موجود سلفا هبيئة معينة، يأخذ منه ويشكله يف خلق جديد يكشف جمسدا هذا الفعل النتيجة )أبدع( الذي يتقاطع عنده كل من

    ينتمون إىل عامل الفن.

    خاتمة

    نظرة الفن إىل سياق الواقع بصفة عامة تقوم على ختييله، أي االرتفاع به من حالته املرجعية الطبيعية إىل حالة جديدة تشري إليها طريقة صياغته؛ وما يشجع على النظر إليه بطريق مغايرة تسهم يف إثرائه، عندما تتاح للقارئ الفرصة لالطالع إليه بعني جديدة

    ختتلف عن املألوف..

    حركة احلدث الواقعي تسري ومبوازاهتا حركة أخرى ترصدها وتسجلها وفق منطقها اخلاص جيليها الفن بأشكاله التعبريية املتنوعة؛ ومن مث تستحيل الذاكرة اجلمعية احلافظة للحدث ذاكرتني، األوىل: تارخيية تسجيلية تنتمي إىل حقل التاريخ، والثانية: مجالية تعتمد

    على لعبة اخليال تنتمي إىل الفن بأنواعه..

    تعكس هيئة الراوي يف “ موت عباءة” الذي يقدم منظومة السرد – يف الغالب – متدثرا بضمري املتكلمني )حنن( رؤية يف املنهجية النقدية للعامل وكيف تكون، مفادها أن الناقد احلق إمنا يتصفح قضايا سياقه االجتماعي من داخلها، وهو متواصل منتم

    وليس معزوال بعيًدا عنها..

    تؤسس هذه املنهجية للروح الشعبية املميزة خلريي شليب ، يتضح ذلك يف التشكيل الدرامي للبطل يف “ موت عباءة”، فالبطل

    ال تبدو على هيئة واحدة ثابتة حبكم تعدد جتارب القراءة واختالف أحوال هؤالء القراء من حيث املعرفة والثقافة؛ انسجاما مع مقوالت صاحبت انتشار منهج قراءة النصوص يف طور ما يسمى مبا بعد احلداثة يف النقد األديب احلديث، مثل: النص وميالده املتجدد اليت تعد مبثابة نتيجة هلذه املقولة “موت املؤلف” اليت أثارت جدال واسًعا منذ ظهورها يف أوساط النقاد الغربيني والعرب مًعا؛ إذا إن مساحة احلرية اليت حيظى هبا القارئ يف ظل عالقة فاعلية مهيمنة تربطه بالعمل قد جعلت منه أشبه بند مساو يف القدر هلذه الذات املبدعة اليت أجنزت موجوًدا يف دنيا الناس وحان الوقت كي تتخلى عن مساحة حضورها بالكلية لترتك لذات أخرى مهمة الكشف عما خيبئه من حمتويات داللية الوصول إليها يأيت من خالل هذه الصيغة اللغوية الظاهرة..ومن مث فإن مصطلح التناص الذي يشري إىل هذا االنفتاح من قبل النص على نصوص وسياقات أخرى يقع يف دائرة هذه الرؤية املستوعبة واحملتوية لعمل األديب - إذ ليس بالضرورة أن يشري الكاتب تفصيال أو صراحة إىل منابع ساعدته يف تشييد بنيان عمله - يتسق مع ما ميكن تسميته بعدسة القارئ ذات القدرة على استيعاب ما حول النص فيما خيص صاحبه )خارج النص/سياق املبدع(، مث تقدمي رؤية حاكمة تتميز بصبغة كلية للنص )ما بعد ختام النص/ اخلارج املتعلق باملتلقي(، وتتفق هذه الرؤية املرتبطة بنظرية القراءة مع

    منطلقات فلسفية تقوم عليها مستقاة من مقوالت واحد مثل: هوسرل، ومارتن هيدجر، وأجناردن..وغريهم.www.ofouq.com ،انظر: إيان ماكلني، التأويل والقراءة، ترمجة: خالدة حامد )بغداد(، جملة أفق متخصصة يف الدراسات األدبية والنقدية -

    32 انظر: د.متام حسان، اللغة العربية: معناها ومبناها، ص166، 167.

  • Ahmed Yehia Ali Mohamed / Şarkiyat Mecmuası Sayı 23 (2013-2) 213-230 227

    هنا ال يبدو يف ثياب املفرد الواحد، إمنا يظهر يف ثياب اجلماعة؛ فالبطولة يتقامسها أفراد أسرة حشلة اخلمسة، اليت هي يف جوهرها مبثابة جماز مرسل فين خيتزل اجلماعة املصرية يف مسريها احلضاري، خصوصا يف النصف الثاين من القرن العشرين..

    املالحظ على هذه الروح بالنظر إىل هذه الرواية حتديدا أهنا ال تستنسخ السابق عليه وتكرره، بل جتادله وتضيف إليه وتطوره؛ فالبطل العبقري احلائز على صفات التفرد يف السري الشعبية على سبيل املثال ال مكان له يف هذا العامل الفين عند شليب، والذي يساعد على ذلك الرؤية املتبناة من قبل الكاتب؛ فالبطولة هاهنا أزمة تدفع إىل اخلروج بعيدا عن حدود الفن والتطلع إىل الواقع

    املتلبس هبا الذي حيتاج إىل اجلماعة يف جمملها لكي يتخلص من مظاهرها الضاغطة املعرقلة خلطواته..

    هذا احلال الفين الذي تعكسه “موت عباءة” يؤكد على هذه اهليئة األسلوبية ذات الصبغة الدرامية املعتمدة على )االلتفات(؛ إن الذات املبدعة ال تستغرق نفس�