البعث وثورة آذار

1

البعث وثورة آذارمروان حبش

م2011الطبعة األولىجميع الحقوق محفوظة للمؤلف

البعث وثورة آذار

حبش مروان2

مقدمة

واكب تكون ونشوء حزب البعث حركة التاريخ في الوطن العربي ونهل من التراث العالمي اإلنساني ومن تجارب الحركات

التي عبرت عن تطلعات شعوبها، ومن هذه المنطلقات بدأ حركته التاريخية الفكرية والنضالية كحركة حضارية شاملة لبعث

الحياة في األمة، وحركة سياسية أعطت للقومية العربية محتواها الحقيقي واكتشفت في الواقع العربي حقائق أصبحت اليوم

مسلمات، وهذا ما أهل البعث بمنهجه العلمي وتصميمه الواعي وأخالقيته النضالية لقيادة النضال العربي في بعض األقطار

العربية التي تعمقت فيها جذور البعث ونمت قواه الجماهيرية،ودعم حركات التحرير والتحرر في بقية األقطار.

وانطلق البعث من أن حركة القومية العربية باعتبارها حركة شعب مزق االستعمار وطنه واضطهده، ال يمكن إال أن تعتبر

نفسها جزءا ال يتجزأ من حركة نضال جميع الشعوب في العالمضد االستعمار.

،1949 إن الظروف التاريخية التي مر بها الجيش منذ عام وتعدد الحركات العسكرية التي جاءت ببعض الضباط إلى مراكز

سياسية ليسوا في مستواها ولدت لدى الكثير من الضباطتطلعات فردية نحو السلطة والشهرة والمجد الشخصي.

دخل الجيش في اللعبة السياسية نتيجة إدراكه سهولة اإلطاحة بالحكومات المدنية، وعثوره على الكثير من السياسيين

المستعدين لتغطية انقالباته. كان بعض الساسة يعتقد أن الجيش يجب أال يتدخل في

الشؤون الداخلية للبالد، بينما آخرون يقولون إن هؤالء يتناسون أن الجيش جزء من الشعب، وأن تعاون الجيش والسلطة

التنفيذية يسهم في إدراك الشعب أن الجيش ينتمي إليه، وإذا لم

3

نرد للجيش أن يتدخل فعلينا إتباع سياسة صحيحة والسير فيالبالد في طريق ال يمنح للجيش أي سبب للتدخل.

انطلق البعث من رؤية ثورية عندما حدد القوى األساسية للثورة، ومنها اتجه للعمل النضالي في القطاع العسكري ألن ما

يعانيه الشعب يمس هذا القطاع، وألن العمل الثوري يقتضيتحريك كل القوى في سبيل انتصار القضايا األساسية للشعب. إن رسوخ عواطف الجماهير العربية وشمولها تجاه الوحدة، جاء معبرا عن حقيقة تاريخية أساسية يعيشها الشعب العربي،

، التي كان1958هذه الحقيقة هي حتمية الوحدة. وإن وحدة للجيش دور رئيس في إنجازها ما تزال تلهب العواطف القومية

للجماهير العربية وتهز أعماقها. إن قضية الوحدة ما تزال تشكل مركز المشكلة السياسية

التي تعانيها األمة العربية. كما أن أزمتها الحقيقية هي أزمة وحدوية بامتياز، وهذه الحقيقة تظهر واضحة في القطر السوري وتكمن ليس في كونه المركز التقليدي العريق للنضال الوحدوي

فحسب، بل ألن دولة للوحدة قد سقطت وكانت سورية جزءا منها. وأدرك حزب البعث بعدها بأن هناك عالقة جدلية بين وجود

حركة شعبية وحدوية منظمة وبين وحدة ديمقراطية اشتراكية فعال، ولغياب

ذلك اإلدراك كان حل األحزاب، وانقالب االنفصال. على إثر سقوط حكم عبد الكريم قاسم في العراق على يد

شباط، وسقوط حكم االنفصال في سورية8حزب البعث في آذار، بدا8على يد عسكريي حزب البعث وحلفائه الناصريين في

وكأن القوى التقدمية قد رجحت كفتها في الوطن العربي، كما بدا أن الطريق أصبح ممهدا لالنتقال إلى مواقف ثورية فعال تنظر

إلى قضية الثورة العربية ككل، وتعالج قضية الوحدة، وقضية العرب األولى "قضية فلسطين" من خالل منظور الثورة وحده

ألن حل هذه القضية لن يأتي إال عبر منظورها وبموازاته. رغم أن التناقضات بين قوى التقدم وأنظمتها ليست أساسية

وال متنافية وتناقضها األساسي مع االستعمار وحلفائه، فإن الصراع واالقتتال بينها كانت له نتائج مشؤومة أدى إلى تمزقها

وشل قدرتها على مواجهة أعدائها الرئيسيين وتقوية القوى المعادية وقيام تحالفات تكتيكية بين بعض هذه األنظمة وأعدائها

أوقفت عمليا تقدم قوى الثورة العربية بل دفعتها في خطواتتراجعية.

إن حل التناقضات بين قوى التقدم كان يجب أن ينحى طريق التفاعل اإليجابي والتصحيح المتبادل ويبغي توحيد طاقاتها ودفعها

4

إلى األمام، وبهذا تنأى عن االنزالق إلى مستنقع المغامرات التيتنهكها وتستنزف قدراتها.

إن اقتتال القوى التقدمية والوحدوية داخل كل قطر عرقل السير نحو الوحدة والديمقراطية ونحو االشتراكية، وأفرغ

أنظمتها من مضمونها الشعبي الذي به وحده تتعمق الثورة وتستمر، ودونه يبدأ طغيان األجهزة األمنية لتثبيت النظام ودفن

مضمون الثورة. إن التعاون في الحكم بين البعثيين والقوى األخرى التي

يقوم على أساس ساهمت في انقالب الثامن من آذار، بدل أن من اإلدراك لخطورة المرحلة التي تمر بها قوى التحرر والثورة العربية وبضرورة جمعها في جبهة واحدة، ومن ثم تعزيز الثقة والتعاون فيما بينها، فإذا بجو من الشكوك والتآمر يتحكم في

سلوك بعضها للتسابق على مراكز القوى واالستئثار بالسلطة، وكانت النتيجة الحتمية لذلك هي فرط عقد المتحالفين، والتحول إلى عداء بلغ ذروته في ذلك اليوم الدامي يوم الثامن عشر من

.1963تموز إن القضية الفلسطينية، ستبقى محور اهتمام القوى العربية

الوحدوية التقدمية، وال يمكن عودة الحق العربي وسيادة السالم العربي إال من منظور الوعي الثوري لهذه القضية، وكلما وصلت

هذه القوى إلى موقع فعال في بعض األقطار العربية وشعرت قوى الصهيونية واالستعمار بالخطورة على وجودها ومصالحها حركت قواها للجم هذه القوى أو إزالتها من الواقع السياسي،

. 1967 و 1956ومن هذه الحقيقة كانت حروب لم تنجح شعارات إبعاد الجيش عن السياسة وعن المشاركة

في قضايا الشعب المصيرية، وعمد الحزب بعد الثامن من آذار إلى بناء تجربة الجيش العقائدي، أي أن يكون الجيش بتركيبته

العضوية والتزامه األيديولوجي معبرا عن عقيدة الحزب.8 إن الظروف التي أتت بها آذار جعلت للعسكريين دورا

أساسيا في قيامها وحمايتها مما ولد في نفوس البعض منهم إحساسا وشعورا بالوصاية والتسلط وفرض آرائهم على الثورة

والحزب و تهديد استقرارهما. لقد شهد التاريخ السياسي كثيرا من االنشقاقات في األحزاب

والحركات السياسية، وكثيرا ما تكون هذه االنشقاقات ناجمة عنحلول العالقات الشخصية محل العالقات الموضوعية الحزبية. لم يكن البعث في منأى عن االنشقاقات، وانتقلت الظواهر

المرضية والصراع ونشوء التكتالت حول بعض القياديين الحزبيين، من وإلى شقي الحزب المدني والعسكري، وغابت

5

العالقات الرفاقية من ثقة مطلقة وشعور بالمسؤولية، وهذا ما أتاح مجاال واسعا أمام بعض الرفاق القياديين للتمسك بمواقعهم

تحت يافطات أصبحت غير قابلة للحياة، ودفعت بقيادات شابة تحمل راية التطور والعالقات الموضوعية، بهدف نقل الحزب إلى

شباط23مواقع متقدمة، وهذا ما كانت تسعى إليه حركة 1966.

في منطلقاته النظرية أقر البعث بأنه كحزب )إذا لم يتسلح بأخالقية متينة فإنه ينقلب من حزب ثوري وحركة تاريخية إلى

عصابة سرعان ما يدب التناقض فيها، وتتضارب المصالح وتصبح حربا على بعضها وتتحطم كالزجاجة تفوح منها عفونة المصالح

الشخصية واألنانيات الضيقة(. واستمر بعض الحزبيين من العسكريين الذين غابت عنهم هذه األخالقية، يحملون روح

أيلول8المغامرة وتهديد الحزب، وهذا ما كان في عصيان 1966.

لقد كان قدرا مؤلما أن تضطر قواعد الحزب إلى حمل السالح واالقتتال بين بعضها، في الوقت الذي تتصارع فيه مع الصهيونية واالمبريالية والتخلف، ومن واجبها أن تجند كل طاقاتها لالنتصار

في ذلك الصراع، وأن تعي أن الثورة ليست مجرد سلطة تقدمية فحسب، بل هي سلطة تقدمية عليها أن تجهد لتكون معبرة عن

إرادة الشعب ومفهوم الحركة الثورية للسلطة، بكل حرية وطوعية، ولغياب هذا الواجب وذلك الوعي ضحى عبد الكريم

الجندي بحياته عسى أن يستيقظ الرفاق.

2011دمشق كانون الثاني مروان

6

حزب البعث العربيالنشأة والتكوين

يراود المتتبع لنشأة حزب البعث العربي االشتراكي، وما إن ما يملك عليه مشاعره كلها عندما يسير مع هذه النشأة خطوة

خطوة ويتحرى معالمها منذ البداية يشعر أعمق الشعور أن هذه الحركة- كما وصفها روادها المؤسسون- "تغرف من نبع أصيل

إنها دفقة كاملة من تدفقات الحياة، فيها منذ،من ماء طبيعيو غرفتها األولى جميع قسمات الحياة، جميع قسمات القوة، جميع

."أعضاء المخلوق الجديد إن حركة البعث منذ نشأتها حركة عميقة باقية، حركة كان البد وأن يتردد صداها في التاريخ، وأن تخط كلمتها في الحياة وتثير

مالمحها األنظار، وترسي بخطاها الجبارة الموعودة وهي ما تزال تحبو، إنها تحبو أصيلة أصالة الحياة، أصالة القوة القادرة على تجديد الحياة، أصالة الصبوة العميقة إلى المثل األعلى، تدرك مدها الجبار منذ قطراتها األولى وتشعر مع تباشير فجرها أنها

حركة الكالحركات وأنها تملك من القدرة على دفع الحياة مثل ما.في الحياة نفسها من دفع

لم تبدأ حركة البعث العربي عمال سياسيا اصطنعه عدد من األشخاص وأخذوا يملؤونه بالمحتوى واألهداف، وإنما بدأت صبوة

ر أمة ثم أوجدتيإلى االنقالب وانطالقة نحو الثورة وإدراكا لمص لهذا كله أطره القادرة على حمله وتنظيمه السياسي الذي يقلبه

إلى واقع ووجود. ولم يأتمر أفراد الحركة من أجل إيجاد حزب سياسي أو حركة سياسية يتداول في أمرها العديد من

7

األشخاص ذوي االتجاهات المتباينة ويبنون أهدافها بناء هندسيا جامدا بل تجسدت الفكرة التي يزأر بها الوجود العربي وينتظر

.من يستخرجها في أفراد قالئل وانغرست في جوارحهم الفكرةتجسدت

ووعيهم وأخذت تقلقهم وتحرضهم وتشع رويدا رويدا لتستقطبلئك الذين خلقوا ليفهموا الكلمة التي يقولهاومن حولهم جميع أ

الوجود العربي وليحملوا الرسالة التي يناديهم إليها هذا الوجود، وهكذا بدأت الحركة من الحياة، حياة األمة العربية ومعاني

لف حولها كل من اتصل بهذه الحياةتوجودها ومستقبلها وأخذت ، ووكل من يهيؤه تكوينه لحمل قدرها لم تكن الحركة تجميعا

اسة وال كانت من صنعيألشخاص قرروا أن يخوضوا غمار الس أفراد أرادوا أن يقودوا العمل السياسي وإنما كانت تعبيرا عن

عن ثورة ،وجود، عن آمال تعصف في أعماق النفس العربية أما، تستعر لتحطم الزيف والفساد وتخلق الكيان السليم

مبدعوها فهم كل الذين استطاعوا أن يدركوا المعاني العميقةكل الذين ثارت نفوسهم على الواقع الفاسدولذلك الوجود

.المريض لقد وجدت حركة البعث ليكون مؤسسها كل جماهير الشعب

لقد عبر من خاللها،العربي التي تفتحت على الغد العربي الكبير أفراد قالئل في البداية عن مطامح األمة بأسرها وعن إرادة

لم يكنوالشعب العربي بكامله، وعن صبوات الغد المشرق، هؤالء األفراد سوى مترجمين لمشاعر الماليين وممثلين للعدد

الكبير، لقد كانوا منذ البداية، وهم قلة قليلة، رسل الماليينلقد كانوا يشعرون، ةميشعرون أنهم يحملون مسؤولياتهم الجسي

أنهم رسل التاريخ العربي وأن التاريخ العربي هو الذي يتكلم على.لسانهم وأن المصير العربي هو الذي ينطقهم ويحركهم

من هنا كان عمل الحركة في بدايتها عمل تعرف وجذب، تعرف على النواة القادرة على االتصال العميق بجوهر الرسالة التي يلح

أخذت هذه النواة تتكون شيئا بعد شيء، والوجود العربي، عليها والتفت حول نداء األمة العربية، الطليعة التي تملك من عمق

الوعي العربي وبأس العقيدة وسمو الخلق ما يجعلها جديرة بأن تقتحم ساحة العمل السياسي بسالحها الفكري وسلوكها النضالي

متميزة عن القوة الوسطية التي رانت على الوجود العربي بعدوما لبثت هذه النواة حتى، عهود طويلة من التخلف واالستعمار

أدركت أن حركتها الصامدة ال تستطيع أن تبلغ أهدافها البعيدة وتكمل نضالها الشاق الطويل إال عن طريق تنظيم سياسي جدير

قادر أن ينقل عقيدتها إلى عمل منظم وأن يوجد اإلرادةوبفكرتها 8

إليمانها العميق، لذا قررتوالهادية المنظمة ،الشعبية السليمة فكرة الحياة والواقع، ال بد لكونها منذ البداية أن الفكرة القومية

أن تنقلب إلى عمل في الحياة والواقع، وأن العقيدة الناضجةهكذا انطلقت في التنظيمو، تحتاج إلى أداة منظمة إلنجازها

الحزبي ليكون هذا التنظيم هو الفكرة وقد انقلبت إلى واقع، وهو العقيدة وقد ملكت قنواتها التي تحيلها إلى قوة وتحفظ جهودها

.وتعبئ طاقاتها تعبئة منتجةحزب البعث العربي االشتراكي يقف كواحد من القلة التي إن

تستحق تسميتها من بين العديد من األحزاب السياسية التي انتشرت في الوطن العربي المعاصر وذلك بسبب عقيدته

تدور أكثر األحزاب األخرى في فلكبينما وتنظيمه وفعاليته، الشخصيات وهي على استعداد دائم للمساومة وقبول التسويات،

فإن البعث يؤكد كمدرسة للفكر على تأصيل مبادئه في العروبة .مع االستعانة بالمصادر االشتراكية اإلنسانية

نشأة وتكون حزب البعث العربي إن حزب البعث لم يكن مفاجأة للعرب من حيث المبادئ ومن

حيث الفلسفة القومية و السلوك ألن هناك منظمات وأحزابفجاء هو يحاول استدراك ما فات تلك، وجمعيات سبقته

األحزاب والجمعيات، وهو ليس امتدادا لها، بل آمن والمنظمات .بفكرة االنقالب على الواقع المعاش

ـ في العهد العثماني نظم العرب جمعيات تهدف إلى الدفاع1 عن حقوقهم أو استقاللهم الذاتي أو الكامل وكانت الموجة

القومية قد هبذ نسيمها على الدولة العثمانية التي كان أكبر وأهمعند العربشعب من شعوبها هو الشعب العربي وكان رد الفعل

مما دفع ببعض المفكرين والسياسيين، شديدا من سلوك األتراك جمعيات والنواب العرب في مجلس النواب التركي إلى تأسيس

سرية كان هدفها الدفاع عن الوجود العربي، ثم عن استقالل العرب وحقوقهم، وكانت جمعية الفتاة العربية أبرز المنظمات

مر الحلفاءآوأنشطها لهذا التحرك، وفي الحرب العالمية األولى، ت على العرب وثورة الشريف حسين بعد أن وعدوا بدعم أهداف

هم وخاصة وحدةتالثورة التي أعلنت استقالل العرب ووحد األساس، الحجاز ونجد وبالد الشام وإعادة مجد األمة العربية

الذي بنيت عليه الثورة التي انضم إليها وقادها العديد من الضباط العرب والمثقفين خريجي المدارس العليا وبعض شيوخ القبائل

العربية، ولكن الحلفاء كانوا قد تآمروا وقسموا البالد العربيةو ثم استعمروهاحسب اتفاقية سايكس- بيك .

9

كانت سورية من أبرز البالد العربية من ناحية الفكر السياسي أبان فترة االستعمار ائتالف والعمل القومي، وقد قام بها

لمجموعة من المنظمات الكبيرة والصغيرة القديمة والحديثة تحت اسم الكتلة الوطنية وهذه الكتلة قادت النضال ضد االحتالل

الفرنسي في سبيل االستقالل القطري ـ أي استقالل سورية ـ وما كانت تحركاتها بعيدة عن الفكرة القومية والوحدة العربية

لكن لم يكن مجال لبحث المسألة مع الدولة المستعمرة )فرنسا(لم يكن للكتلة، وفارتدى نضال الكتلة رداء القطرية أو اإلقليمية

الوطنية برنامج اقتصادي أو اجتماعي أو عقائدي، وإنما كان لها برنامج غير مسطر حفظه الشعب كله هو االستقالل التام ثم

ي أول األمر وبعد ذلك حصل تنازلفالوحدة السورية اللبنانية عن الوحدة مع لبنان واقتصر الشعار على االستقالل للقطر

.السوري إن كفاح هذه الكتلة كان عنيفا ضد الفرنسيين حتى أنها لم تعط فرصة للهدوء والراحة لهم ولكن حصل بعض الفتور في

بمجموعة من أعضائها، وخاصة الشباب منهم،نضالها مما دفع في بلدة قرنايل في1933إلى االنشقاق عنها، واجتمعوا عام

لبنان وأعلنوا تأسيس حركة سياسية أطلقوا عليها اسم عصبة .العمل القومي

عصبة العمل القومي لما لم تحقق الكتلة الوطنية مرامي المد العربي الذي لم يكن

يقبل الوقوف،كان البد من حركة جديدة هي عصبة العملولم يطلقوا على هذا هو األساس في نشوء العصبة ، والقومي

حركتهم اسم حزب، وكانوا بحسب بيانهم، قد ضاقوا ذرعا بعقلية التخلف واإلقطاع وبالشعارات السياسية الغائمة واالرتجال

وبالمواقف الفردية واالنتهازية التي كان يمارسها زعماء الكتلةلقد كان العنصر البشري فيالوطنية.

العصبة من فئات ذات مراكز اجتماعية وسياسية لها وجاهة وغنى ونفوذ، أي أن العصبة كانت حزبا أرستقراطيا إلى حد بعيد

،تهاومقتصرا على الوجهاء والمتنفذين والمثقفين، وكانت قياد إجماال، من رجال الدرجة الثانية في منظمة الكتلة الوطنية

.ومنزلتهم كانت بسبب مرحلتهم الزمنية وصغر سنهم إن المنظمات تقوم على دعائم ثالث: الهدف، واألسلوب،

والعنصر البشري الذي ينفذ األسلوب لتحقيق الهدف. واعتبرت ال يتجزأ وعملت على تحقيقالعصبة أن القضية العربية كال

الوحدة العربية، ثم كان ميثاقها واضحا من تحديد الوطن العربيكل الذين يتكلمون اللغة العربية ثم دمجهم واعتبار العرب

10

المغرب العربي في عداد األمة العربية، ولقد دعت العصبة إلى النضال وتفجير طاقات األمة العربية كاملة ومحاربة االستعمار

ينفي كل المياد . تميز أعضاء العصبة، من ناحية األسلوب، بعمل سياسي قومي منطلق من مبادئ محددة ودستور للعمل ونظام داخلي يسلك

.وفقه األعضاء أما من ناحية الفكر فقد اعتبروا القومية قضية مسلما بها

والعروبة هوية لكل عربي، واتخذوا من جملة )تحيا العروبة(.شعارا لتحيتهم

لم تعط عصبة العمل القومي لمفهوم القومية أي مضمون موضوعي وعرضته بتزمت، واعتبرت الديمقراطية هي الهدف

رغم أنهاالثاني، أما مفهوم العدالة االجتماعية فكان غامضا عندها ،مواطنلالمست إلى حد كبير حاجات الشعب العامة وضمنت ل

الحد األدنى من العيش الكريم وتسهيل سبل التعليمفي إعالنها، .والصحة والحياة الكريمة

انفرط عقد العصبة بعد مصرع رئيسها عبد الرزاق الدندشي الذي كان ملتهب الحماسة وعامرا بالحيوية واإلخالص، وبدأ

االنشقاق بين أعضائها وانصرف البعض عنها، كما أن البعض من قادتها كصبري العسلي وغيره لجأ إلى أسلوب المساومات مع

يمكن أن يسمى ما وعاد إلى صفوفها بعد أن نالالكتلة الوطنية )الترفيع(، إذ حصل عدد منهم على مقاعد نيابية أو وزارية أو

، وتحول من بقيعضوية في مجلس الكتلة أو ما هو شبيه بذلك منهم إلى تجمع سياسي بين أشخاص، وتهيأت الظروف لظهور

.حركات وتجمعات أكثر جذرية وجدية منها:الحزب القومي العربي -4

انفراط عقد بعد العصبة، قام حزب سياسي سري ضم عددا كبيرا من رجاالت العرب وخاصة الشباب منهم اسمه الحزب القومي العربي، ومن حيث أنه سري فإن جماهير الشعب لم

تنضو تحت لوائه. لكن أعضاءه كانوا يدخلون في كل المنظمات.ويلجون كل الميادين لتحقيق أهداف الحزب

إن المحتوى االشتراكي لهذا الحزب كان شبيها بمفهومه عند حزب العصبة وكذلك فهو حزب قد بدأ من فوق، أي أنه اعتمد

له نشاط في الحركات على شخصيات كالعصبة، أيضا، وكان .السياسية المهمة

تأسس الحزب القومي العربي )السري( في مؤتمر سري عقد ، للعمل دون1934في منزل محمد علي حمادة في بيروت عام

ضجيج، على تحرير أقطار الوطن العربي وتوحيدها بدولة واحدة11

من المحيط إلى الخليج، وكانت خطة عمل الحزب أن ينتسب أعضاؤه إلى األحزاب والهيئات العلنية، على أن يبقى والؤهم األول للحزب القومي العربي, وأن يعملوا بكل جهدهم على توجيه نشاط هذه األحزاب والهيئات لخدمة أهداف ومبادئ

.حزبهم تحديد الحزب لبالد العرب وتعريفه للعربي وألمة العربإن

متفق مع التعريف العام لعصبة العمل القومي وللبعث العربي.فيما بعد

كان أعضاء الحزب أكثر صلة بالعروبة العفوية العاطفية، كما أن انتشار أعضائه في كثير من المؤسسات القومية والحكومية كان سببا في توضيح معاني العروبة والقومية في أوساط كثيرة

.من المجتمع العربي التي كانت ميدانا لنشاطهم انتشر الحزب القومي العربي )السري( في سورية ولبنان

والعراق وفلسطين وشرقي األردن والكويت- وفق أدبياته- ومنعبد الرحمن الجوخدار و فهمي المحايري، وكانا)مؤسسيه

عضوين في اللجنة العليا لعصبة العمل القومي، ومسلم الحافظ ومنير الريس، من مكتب الشباب الوطني الذي كان تابعا للكتلة

الوطنية ،و فخري البارودي، عثمان الحوراني، جالل السيد، سعيد فتاح اإلمام، د. فريد زين الدين، د.عزة الطرابلسي، علي عبد

الكريم الدندشي، أسعد محفل، فرحان الجندلي، أسعد هارون، عدنان األزهري، ظافر الرفاعي،جمال علي أديب، هاني الصلح

وغيرهم من سورية، ود. قسطنطين زريق، أكرم زعيتر، درويش المقدادي ...من فلسطين، وصديق شنشل، صبحي العمري،

سعيد الحاج ثابت، عبد الرزاق شبيب، العقيد عبد الرزاق الصباغ ، العقيد كامل شبيب، العقيد محمود سلمان، العقيد فهمي السعيد ) وهؤالء العقداء عرفوا بالمربع الذهبي ( من

العراق، و تقي الدين الصلح، عادل عسيران،سليمان المعصراني،.ميشيل جحا، محمد علي حمادة...من لبنان

وحسب أدبيات هذا الحزب، فإنه هو الذي أسس النادي العربي في دمشق، وأنشأ العديد من المخيمات الكشفية، وأسس في

دمشق مكتب اإلعالم العربي، كما أنه هو الذي خطط ونفذ ثورة1941رشيد عالي الكيالني في العراق في أيار .

وألسباب وصفت في أدبياتهم باالنتهازية، انشق عن الحزب مجموعة من شباب حلب بقيادة ظافر الرفاعي ورمزي

األالجاتي، وأسست حزبا علنيا أطلقت عليه، أيضا، اسم الحزب .القومي العربي

12

كان عاما حاسما بالنسبة للشخصيات التي1938إن عام ارتبط اسمها بتأسيس حركة البعث العربي ولقد شهدت تلك

المرحلة سلسلة من الفشل ) الفشل في عقد اتفاقية فرنسيةـانتهت بإلحاق لواء، وسورية، وفشل حكم الكتلة الوطنية

االسكندرونة بتركيا نتيجة لمساومات الدولة المستعمرة "فرنسا" مع نظام أتاتورك التركي، وقد أدى ذلك بالطبع إلى إثارة أقوى

مشاعر النقمة والسخط لدى الشعب العربي وخاصة في سورية وساد جو من الغليان الوطني خصوصا في أوساط المثقفين

.واضطرم الشعور العربي إلى أقصى الحدود وقبل مؤامرة فصل لواء االسكندرونة عن سورية بعام تقريبا

وبعد أن أصاب التفكك عصبة العمل القومي، أسرع فرعها الذي كان أمين سره زكي األرسوزي إلى االبتعاد عنها وتحول في

إلى تجمع سياسي يحمل اسم "نادي العروبة1937إنطاكية عام " وأنشئت في هذا النادي مكتبة أطلق عليها اسم )البعث

سم )العروبة(االعربي ( وحملت الصحيفة التي أصدرها النادي . لقد كانت هذه المجموعة المنظمة إلى حد ما والتي كان على

رأسها زكي األرسوزي تعتبر من قبل السكان العرب، الناطق باسم الرأي العام العربي خصوصا في منطقة أنطاكية وكانت

تنظم المظاهرات الشعبية وتقف ضد االحتالل الفرنسيلواء وتندد بالضعف المهين لحكوماتالوالمطامع التركية في

الكتلة الوطنية، وبعد مؤامرة ضم اللواء إلى تركيا غادر األرسوزي مدينة أنطاكية متوجهين1938والعديد من العرب في نهاية عام

نحو دمشق، يحملون معاناة "الجرح " في كرامتهم الوطنيةعميق بالمرارة والغضبالوالشعور .

قبل الحرب العالمية الثانية بقليل وفي أثناء هذهوفي دمشق الحرب لعب األرسوزي دورا بالغ األهمية في الحركة القومية

وفي التيار الفكري، وخصوصا، بين الشباب والجيل الجديد، هذا الجيل الذي قدر له أن يدخل فيما بعد المسرح السياسي،

والتفت حول األرسوزي حلقة من الطالب والمثقفين الذين.أصبحوا فيما بعد من بين المؤسسين األول في حركة البعثكالهما كزكيوأما األستاذان ميشيل عفلق وصالح البيطار،

األرسوزي أنهيا دراستهما الجامعية في باريس، وهنالك نما.بالفعل تكوينهما الفكري ووعيهما السياسي

عندما كانا1928يقول األستاذان عفلق والبيطار أنه في عام تلميذين في الصفوف الثانوية كانت لديهما فكرة بسيطة للغاية

عن المشكلة السياسية السورية وكانت القضية الوطنية بالنسبة لهما تطرح من خالل نضال األمة ضد االستعمار، فالذين كانوا

13

يتعاونون مع سلطة االنتداب، أفرادا كانوا أم حكومات، تطلقن كانوا يقودون حركةيعليهم صفات الرجعية والخيانة، والذ

را إلى فرنسافاالستقالل كانوا يعرفون بالوطنيين. وعندما سا الحظا أن التعاطف مع قضية بلدهما كانت تأتي، أحيانا، من جانب

.الشيوعيين وبعض النواب االشتراكيين في البرلمان الفرنسيلبا السوربون "عفلق والبيطار " على قراءة بعض كتبادأب ط

كبار الكتاب والمفكرين الذين عرفوا بصدق ونبل أفكارهم، وباكتشافهما االشتراكية وجدا نفسيهما أمام تفسير جديد، كامل وأخاذ لجميع المشكالت السياسية واالجتماعية التي كان يعاني

منها العالم بشكل عام والعرب بشكل خاص، وتوصل عفلقتهما إلى تحديد مشكالت بلدهما فيءوالبيطار من خالل قرا

مشكلتين اثنتين: مشكلة قومية ناتجة عن السيطرة األجنبية، ومشكلة اجتماعية متأتية من خضوع المجتمع لالستغالل والجهل والمرض، ولقد عادا إلى الوطن يحمالن فكرة االشتراكية كتعبير

عن الغايتين اللتين أوقفا نفسيهما على تحقيقهما: مكافحة االستعمار األجنبي، ومكافحة الرجعية الداخلية بكل أشكالها، وأن النضال ضد المستعمر لن يكون صادقا وشامال ومجديا إال إذا كان

نضاال شعبيا وكذلك فإن النضال مرتبط، أيضا، أوثق االرتباط بحالة األمة الفكرية واألخالقية، وأنه لنجوع النضال ضد المستعمرر المفاهيم القديمة العقيمة ويهز البد من تهيئة انقالب فكري يغي

.النفوس إلى األعماق ويخلق لها نظرة أخالقية جديدة وجدية وكان األرسوزي قبلهما قد درس في السوريون ونال منها إجازة في الفلسفة، وكان يولي، أيضا، عناية خاصة لدراسة

التاريخ وفقه اللغة العربية، وقد قرأ أعمال الفيلسوف الفرنسي: برغسون، والفيلسوفين األلمانيين: نيتشه وفخته، وأشار إليهما

في كتبه بعبارات تنطوي على شيء من المديح، ويبدو أنه تأثر بـى اللغةحظ)فخته( واستقى منه مفهومه لألمة العربية الذي ت

-رغم طوباويته-ن أصالة األرسوزي معنده باألهمية األولى، وتك في كونه وضع نفسه فلسفيا على أرض الثقافة العربية، ولقد

كان يضع األمة العربية في المركز األول في فكره: )وتبدو األمة في الحدث العربي كوجدان قومي تصدر عنه المثل العليا وتقدر

بالنسبة إليه قيم األشياء(، ويصرح: )بأن العرب هم المجموعة البشرية الوحيدة الباقية أمينة على القيم الروحية التي أورثنا إياها

أبو البشر آدم(، ورسالة األمة العربية عنده: )رسالة إشعاع .اإلنسانية بأنوار الروح(

1938في تلك المرحلة، أي في أواخر ، التي شهدت تحوال ملحوظا في االختيارات والتوجهات السياسية لميشيل عفلق

14

ا( طريق العروبة وتعرفهما علىموصالح البيطار )باكتشافه ولكن الذي كان يصفهما بالشيوعيين، القومي زكي األرسوزي

.كان هنالك نوع من التقارب بين مفهومهم لألمة العربية في هذا الجو بدءا الدخول إلى أوساط المثقفين العرب

وتتابعت بينهما وبين بعض المثقفين اللقاءات والمناقشات والسيما مع كامل عياد وشاكر العاص، وجرت، أيضا، عدة

محاوالت لم تكلل بالنجاح، بغية إيجاد حركة سياسية موحدة، كان أهمها اجتماع عقده األساتذة )ميشيل عفلق، صالح البيطار,

شاكر العاص، ميشيل قوزما، أليس قندلفت( استقر الرأي فيه على إنشاء منظمة ولكنها ما لبثت أن انتهت بعد االجتماع األول

. و يمكن القول أن وجهات النظر المتباينة، كانت1939في عام القادة القوميينهؤالء سبب إخفاق هذه اللقاءات بين .

وقبل أسس زكي األرسوزي في دمشق - 1939في العام حزبا بزعامته أطلق عليهسفره إلى العراق للتدريس هناك -

، ولم تمتد حياة هذا الحزب إال مدةاسم الحزب القومي العربي ،(وهذا الحزب ال يمت بأية صلة إلى الحزب) السريقصيرة.

العربيحزب البعث وكانت مبادئ هذا الحزب هي نفسها مبادئ ، من العراقفي السنة التالية بعد عودته، الذي أسسه األرسوزي

الذي كان قد أطلق عليه اسم )بروسيا العرب (، وكان الطالب الذين هاجروا من لواء االسكندرونة -بعد مؤامرة إلحاقه بتركيا-

بمثابة نواة حزبه الذي كان قيد التأسيس، وحدد االجتماع تشرين29التأسيسي في يوم الذكرى الثانية لسلخ اللواء أي في

، وقال األرسوزي في خطابه في هذا االجتماع:1940الثاني )أرى أن نؤسس حزبا ونسميه البعث العربي وأقترح أن يقسم

.التنظيم إلى قسمين: سياسي وثقافي( ومن أبرز مبادئ هذا الحزب التي لم تكن أكثر من أسطر

:معدودات .أ: العرب أمة واحدة

.ب: الوطن العربي واحد ج: العروبة وجداننا القومي مهد المقدسات، عنها تنبثق المثل

.العليا وبالنسبة إليها تقد ر قيم األشياء.د : العربي سيد القدر

.هـ: الزعامة العربية زعيمها عربي واحد كانت هذه) المبادئ ـالشعارات ( أشبه بصرخة عنيفة ترفض

رفضا مطلقا ألنه،الواقع الذي كان األرسوزي وتالميذه يعيشونفيهايكن حياتهم الواقعية بعد الظلم الفادح الذي وقع عليهم لم

إشراقة ضوء واحدة فال غرو أن يصنعوا من خيالهم واقعا أخر15

ولم يكن لدى األرسوزي، يكون بمثابة بارقة أمل في المستقبل ها االقتصاديةتأية نظرة إلى االشتراكية بصور .

لم يستطع هذا الحزب، الذي لم يستمر أكثر من عامين، أن يستقطب إال اثني عشر طالبا جامعيا، وأكبر من هذا العدد بقليل

.من طالب التجهيز األولى أما عفلق والبيطار فقد أنشآ ندوة صغيرة يغلب عليها الطابع

الثقافي أطلق عليها اسم )شباب اإلحياء العربي، كانت تستهدف هذه الندوة تكوين نخبة من المثقفين تستطيع أن تحدث النهضة

.العربيةاندلعت الحرب العالمية الثانية وضرب الحظر ولكن سرعان ما

وبقيام، على جميع النشاطات السياسية والثقافية في سورية في العراق ضد االحتالل1941حركة رشيد عالي الكيالني عام

تردد صداها العميق في سورية،واإلنكليزي واألسرة الهاشمية وخالل هذه األحداث، أثارت على الفور حركة وطنية عامة

اندمجت مجموعة ندوة عفلق- البيطار وأغلب أعضاء مجموعة األرسوزي- باستثناء األرسوزي نفسه الذي لم يشترك في هذه

"حركة نصرة العراق"، وكان عمل الحركة- في حركة واحدة هي هذا التجمع الجديد من المثقفين والطالب هو تنظيم المظاهرات

الطالبية لدعم االنتفاضة في العراق وعلى الرغم من أن هذه االنتفاضة لم تعمر طويال فقد استمر عفلق والبيطار بعدها في

.ممارسة نشاطهما السياسي ضمن هذا التجمع العابر أو المؤقت، ومن باب المصادفة -حسبما يقول "جالل1942في عام

السيد"- إنه التقى مع األستاذ ميشيل عفلق واستمرت اجتماعاتهما وبحثا كثيرا من المواضيع الفكرية والنظرية، ثم أصبح

األستاذ صالح الدين البيطار ثالثهم في المنهج والتفكير وسائر النظرات. وفي وقت من هذا العام طرح األستاذ عفلق على

شريكيه فكرة تأسيس حزب جديد يكونون نواته والمشرفين على تنظيمه، وبعد اجتماعات الحقة تم االتفاق بينهم على أن يكون

.اسم الحزب ) البعث العربي( قدم األستاذان عفلق والبيطار استقالتيهما من1943في عام

التعليم، احتجاجا على القمع الذي كانت تمارسه سلطات المستعمر الفرنسي ضد الطالب, وفي الواقع فإن هذه السنة

.كانت نقطة االنطالق لتأسيس حركة البعث وفي تلك الفترة كان الحلفاء اإلنكليز والفرنسيون األحرار يحتلون سورية ولبنان وكانت جيوشهم معسكرة في مختلف

أنحاء المشرق العربي. وكانت الكتلة الوطنية على رأس الحركات المنادية باالستقالل دون أن يكون لها مرتكزات سياسية

16

وتنظيمية وكان إلى جانبها على الساحة السياسية السورية :أحزاب عقائدية أهمها

ـ الحزب الشيوعي السوري: كان في هذه الفترة في أوجانتشاره وكانت سلطات المستعمر تغض

الطرف عن نشاطه، ولكن هذا الحزب لم يكن يمثل الطموحات العربية ألمرين: أولهما، كونه حزبا ينادي باألممية ويرى في

،اوزته التطورات التاريخية، وثانيهماالقومية طرحا برجوازيا تج ارتباطه في سياسته وأطروحاته بالمركز األممي وبالتالي فإنه

ينفذ ويأتمر بتعليمات مركز األممية بغض النظر عن توافقها مع مصلحة الشعب والوطن، كما أن أيديولوجية هذا الحزب ال تنبع

من مثل وقيم الشعب العربي ولم ير الشباب العربي فيها ما يمثل طموحاتهم لذا بقي محدود االنتشار ولم يستطع أن ينتشر.إال بصعوبة وفي أوساط معينة وخاصة األقليات األثنية والدينية

ـ الحزب السوري القومي االجتماعي:كان هذا الحزب، على الرغم من الحظر االجتماعي المضروب عليه، يقوم بنشاط

سياسي واسع وينادي بوحدة ما أسماه "األمة السورية" التي وضمنها جزيرةتعيش في مناطق ما عرف بسورية الطبيعة

وبعد ذلك، العراق، وكان مؤسس الحزب أنطون سعادةقبرص، قد استمد كثيرا من أفكاره وخاصة البنية التنظيمية من األحزاب

.الفاشية التي كانت تنشط في أوروبا ـ حركة األخوان المسلمين:كانت على وشك التأسيس على يد

الشيخ مصطفى السباعي، وكانت هذه الحركة قد استمدت أفكارها من حركة اإلخوان المسلمين في مصر، وكانت تحاول

باستمرار إدانة النضال الوطني واألفكار التقدمية والقومية. وتعمل وفق أيديولوجيتها على إقامة التعارض بينها وبين االنتماء

القومي في محاولة للعودة إلى أيديولوجية الخالفة التي سقطت فكريا وسياسيا بعد تحرر األقطار العربية وانفصالها عن الدولة

العثمانية، وأخذت هذه الحركة تدعو إلى محاربة كل فكر قومي.وعلماني

في هذه الظروف تكونت)الحلقة( السياسة الجديدة وأطلق عليها شباب البعث العربي التي كان من أبرز وجوهها عفلق

وقد اتخذ األربعة،والبيطار وجالل السيد ومدحت البيطار المذكورون من أنفسهم لجنة تنفيذية لحزب البعث العربي وأعلنوا المباشرة بالتنظيم وقبول المنتسبين، وأعلن عفلق

في هذه السنة ووالبيطار، في بيان أصدراه، والدة الحزب، تقدمت هذه المجموعة بطلب إلى السلطة للحصول على

ترخيص بإصدار صحيفة خاصة بها ولكنها لم توفق في ذلك17

واقتصرت النشاطات الرئيسة للحركة، في ذلك الوقت، على الدعوة للفكرة العربية من خالل تنظيم االجتماعات الصغيرة العدد وبإصدار البيانات المعادية لالحتالل الفرنسي والمطالبة

.باالستقالل الكامل لسورية كان البعثيون األوائل يفضلون، دائما، استخدام عبارتي الشباب والحركة وكانت هذه األخيرة تعني لهم تعبئة وتوعية شباب األمة العربية، ووجدت هذه الحركة الفتية مناسبة تساعدها على رص

صفوفها وتوضيح هويتها ولفت االنتباه إلى وجودها في انتخابات ميشيل عفلق كمرشح األستاذ التي خاضتها بشخص1943تموز

استقالل ولم يكن الهدف هو الحصول على مقعد في البرلمانوكان، بقدر ما كان همها التعريف بتوجهاتها القومية والسياسة

البرنامج االنتخابي بمثابة المحاولة األولى لبلورة بعض االتجاهات السياسية التي تمخضت عنها أيديولوجية حزب البعث العربي،

مرشح الشعب: )ندخلوفي بيانه إلى الشعب قال عفلق االنتخابات ال باسم طائفة وال مدينة وال مصالح قريبة أو ظروف سياسية عاجلة بل باسم فلسفة قومية نريد أن تكون إفصاحا

.صادقا عن الحياة العربية في حقيقتها الخالدة .ـ نمثل الروح العربية ضد الشيوعية المادية

ـ نمثل التاريخ العربي الحي ضد الرجعية الميتة والتقدم .المصطنع

ـ نمثل القومية التامة المعبرة عن حاصل الشخصية ضد القومية .اللفظية التي ال تتعدى اللسان ويناقضها مجموعة السلوك

. نمثل رسالة العروبة ضد حرفة السياسةـ .(ـ نمثل الجيل العربي الجديد

وفي المناسبة نفسها وجه عفلق نداء إلى إخوانه المسيحيين داعيا إياهم إلى االنخراط في حركة القومية العربية وإلى اعتبار

ببيئتهم الطبيعية وتاريخهم واعتبار مرتبطةاإلسالم ثقافة قومية حياة الرسول العربي الكريم خالصة لحياة العرب ... وهي

.الممثلة للنفس العربية في حقيقتها المطلقة ومما يجب لفت االنتباه إليه أنه في هذه المرحلة أطلق ألول

مرة الشعار البعثي )أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة(، وذلك في بيان صادر عن األستاذين ميشيل عفلق وصالح البيطار

حول االعتداء على استقالل لبنان1943 تشرين الثاني 14بتاريخ . كما يجدر التنويه أن البيانات والنشرات كانت تصدر باسم

مكتب البعث العربي وموقعة إما فرديا أوثنائيا أو أكثر من "ميشيل عفلق، صالح الدين البيطار، مدحت البيطار، جمال

."األتاسي

18

كما أن أول بيان صدر باسم "حزب البعث العربي" هو بيان ،1945 حزيران 9بعنوان "لن يعود الفرنسيون الطغاة" بتاريخ

بعد العدوان الفرنسي على المدن السورية: دمشق، حماه،.حمص، حلب، دير الزور، الرقة، درعا

********** كان األرسوزي طموحا إلى أن يقود بنفسه كفاح العرب ويرى

بعينه تحقيق أهدافهم، كما يقول د. وهيب الغانم، ثم يستأنف كالمه قائال: )أخذ انقطاع األرسوزي عن الواقع يشتد يوما بعد يوم

وأخذت الشكوك والوساوس تحتل مكانا أوسع في نفسه، لقد تعب سياسيا، قاومه االستعمار بضراوة، كافحوه على جميع المستويات ماديا ومعنويا، بدأ يعيش حياة خيالية فيما يتعلق

بالواقع من شدة بؤس هذا الواقع وبدأ يزداد حساسية، فكان يكفي أن يرى أحد تالمذته يتلكأ عن اجتماع واحد حتى يشك

بسلوكيته ووطنيته، وهذا التعب المتواصل أبعده كثيرا عن أية.إمكانية لقيادة سياسية....(

1942أمام هذا الواقع بدأ )بعث( األرسوزي يتالشى منذ العام وانفض تالميذه من حوله على صعيد السياسة العملية، بل لقد

خرجوا عن طاعته واعتبرهم أنهم تخلوا عنه ألنهم بدؤوا ينتقلون من "بعثه" إلى البعث الثاني الذي أصبح المعبر الوحيد عن فكرة القومية العربية في دمشق وأخذت الطليعة تنضم إليه وهو يشق

.طريقهأن حزب البعث كان وهيب الغانم أحد تالمذة األرسوزي يرى

هو أداة الثورة العربية وال بد أن يستمر -رغم تعب ويأس األرسوزي الذي لم يعد قادرا على قيادة النضال السياسي- حتى لو لم يكن زكي األرسوزي على رأسه، لذا أنشأ حزبا جديدا في الالذقية باسم ) البعث العربي ( كان استمرارا لبعث األرسوزي من جهة، ومختلفا عنه من جهة ثانية، وإن غلب عليه طابع بعث

بدون األرسوزيولكن األرسوزي .، حسب قوله، في الالذقيةنمالقد مر نشوء )بعث( وهيب الغ

،1943بثالث مراحل: مرحلة التمهيد أو االستطالع حتى صيف ، ومرحلة1945مرحلة النشوء واالنطالق وامتدت حتى أواخر

1946وقد استغرقت عام في محافظة الالذقية االنتشار الواسع قاد المؤتمرع حتى ان1947بكامله والربع األول من العام

. في دمشق1947 نيسان 4التأسيسي لحزب البعث العربي في **********

من خصائص مرحلة تأسيس البعث أنه كان يرى أن العبء األكبر في النضال ضد االستعمار الفرنسي والرجعية المتعاونة

19

معه قد تحمله الطالب الذين كانوا في ذلك الوقت يشكلون القوى الحية والمناضلة في سورية، ويكونون، أيضا، العنصر

.المحرك للعمل القومي هذا الجانب الذي رافق تأسيس حركة البعث العربي كان له

عميق األثر في البنية النهائية للحركة سواء على الصعيد السياسي أم على الصعيد األيديولوجي ولسوف يطبع هذا األثر

.المرتبط بظروف النشأة والتكوين مجمل حياة الحزب فيما بعد إن تكوين الحركة من فئة الطالب والمثقفين كان وسيبقى إلى

فترة طويلة من السمات المميزة لهذه الحركة وكان مجال عملها وتأثيرها واسعا وفعاال في المدارس الثانوية والجامعة

السورية منبت الزعماء السياسيين ومعقل العروبة وموئل المعارضة ضد االحتالل األجنبي والقوى السياسية التقليدية، كما

.قال رئيس المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي جالل السيد العفوية والحماس من أبرز مظاهرتوفوق كل ذلك كان

ولم تعط إال قدرا يسيرا من األهمية لبنيتها الفكرية الحركة، والتنظيمية، وبقي ما يتحدث به وما يكتبه األستاذان عفلق

والبيطار هو الموجه الفكري والسياسي ألعضاء البعث، لذا لم يتم بناء جهاز حزبي صلب مسلح بمنطلقات فكرية وسياسية

واضحة ومتماسكة، ولسوف يترك ذلك آثاره لفترة طويلة على.الحزب خصوصا في سورية

لقد أرسيت القواعد األيديولوجية األساسية لحركة البعث أثناء ومن خالل1944ـ 1943المرحلة األولى من تأسيسها ما بين

خوض معارك متعددة، سواء على الصعيد السياسي أم على الصعيد األيديولوجي ضد جميع القوى السياسية التي كانت

موجودة دون استثناء، من الشيوعيين إلى اإلخوان المسلمين،.إلى السوريين القوميين مرورا بالكتلة الوطنية وقوة االحتالل

: معارك ونضال حركة البعث لقد خاضت حركة البعث قبل مؤتمرها التأسيسي وإنشاء حزب

معارك عديدة على الصعيدين1947 نيسان 7البعث العربي في :السياسي واأليديولوجي، من بينها :أوالـ على الصعيد السياسي

أ ـ معركة الجيش واالستقالل: أصدر مكتب ) البعث العربي (، هاجم فيه سياسة الحكمة1945 شباط 4بيانا، مؤرخا في

واللباقة التي تتبعها حكومة الكتلة الوطنية في مواجهة السلطات االستعمارية الفرنسية. ومما ورد في هذا البيان: إن الحكومة

استمرت في تطبيق أسلوبها المتقن في المفاوضات العقيمة... وكانت الحكومة تعلل خاللها الشعب باآلمال الكاذبة وال يتورع

20

رئيسها عن التصريح في مجلس النواب تارة بأنه استلم الجيش وتارة بأنه استلم بعض مصفحاته، وتارة أخرى بأن المفاوضات

تتقدم في سبيل استالمه ولقد طالب البيان باستالم "جميع كتائب الجيش" وبتشكيل حكومة إنقاذ قومية دستورية. فما كان من

الحكومة إال أن عمدت إلى زج صالح البيطار في السجن، وإحالته.إلى القضاء

ب ـ الحملة على شكري القوتلي: في بيان أصدره مكتب البعث، بعنوان )حول خطاب فخامة رئيس1945 آذار 8العربي في

الجمهورية( ومما جاء فيه: )إن رئيس الجمهورية يدلي بتصريحات ال تعبر كلها عن رغبات الشعب، وال تمثل إرادته القومية....ويعطي لنفسه حقوقا أكثر من التي يسمح له الدستور بها وكانت مناسبة البيان أن القوتلي ألقى خطابا في المجلس

النيابي تناول فيه موضوع الوحدة العربية وكشف عن دخوله في محور مع الملك عبد العزيز آل سعود والملك فاروق لمحاربة الوحدة العربية، بحجة محاربة مشروع سورية الكبرى، ورغبته

في عقد معاهدة مع فرنسا عمال بنصيحة )تشرشل( رئيس.الوزراء البريطاني

ولقد مارست السلطة الوطنية، بعد هذا البيان العنف ضد الحركة البعثية وقام وزير داخلية سلطة االستقالل بتقليد

إلىممارسات الفرنسيين، فاعتقل صالح الدين البيطار ونفاه ضاربا عرض الحائط بنصوص الدستورمدينة مدينة الميادين .

حركة البعث هي تعبئةاج ـ كانت المعركة الكبرى التي خاضته قواها كلها لإلسهام في النضال ضد االستعمار الفرنسي النجاز

االستقالل التام والتصدي لعدوان القوات الفرنسية على دمشق، ولقد تجددت هذه المعركة القديمة منذ أن وضعت الحرب

:العالمية الثانية أوزارها1945 أيار 16ـ أصدر مكتب البعث العربي في 1 أبرز ما بيانا

:جاء فيه نكث فرنسا بعهدها االنسحاب من سورية وتآمرها على

االستقالل بإرسالها جيوشا جديدة )إلى أرضنا بدال من تسليمنا .جيشنا ومن إجالء ما لها من قوى عسكرية(

سكوت الفئة الحاكمة عن مماطلة الفرنسيين وخداعهم بدافع السلطة الحاكمة أن تنهي المفاوضات، ومطالبةالجهل والنفعية

مع الفرنسيين في سبيل استالم الجيش السوري من دونبأية معاهدةاالرتباط .

21

ورأى البيان في اشتراك الشيوعيين السوريين مع الفرنسيين في جميع أنحاء سورية باحتفاالت النصر على ألمانيا، رأى في

.هذه االحتفاالت تحديا واضحا وقويا لالستقالل والكرامة القومية بيانا دعا فيه الشعب1945 أيار 20ـ أصدر مكتب البعث في 2 للوقوف صفا واحدا في وجه العدوان الفرنسي وتأييد الحكومة

الدستورية ما دامت قد " أفاقت من غفوتها وغفلتها، وأخذت،تسلك طريق الصواب في مقاومة العدوان الفرنسي بالحزم

وأعلن البيان عن تشكيل حركة )فرق الجهاد الوطني( من بين كما أشار إلى جرائم االستعمار الفرنسي في الجزائر،أعضائها

.وتونس ومراكش فضال عن جرائمه في سورية بعد قصف الفرنسيين1945 حزيران 9ـ أصدر البعث بيانا في 3

مدينة دمشق وامتداد عدوانهم إلى بقية األصقاع السورية،( وطالب بتشكيل )حكومةواواستهل البيان بعبارة )لن يعود

قومية( تقوم سياستها على برنامج يتلخص في رفض التعاقد مع فرنسا وقطع كل صلة معها وإجالء قواتها عن سورية ولبنان جالء

تاما والشروع حاال بتشكيل الجيش الوطني والتعبئة الشعبية لصيانة استقالل سورية التام واعتبار قضية سورية ولبنان قضية.واحدة والمطالبة بمحاكمة الفرنسيين المسؤولين عن العدوان وضح فيه "البعث" أن األزمة1945 آب 24ـ وصدر بيان في 4

القائمة في البالد ليست أزمة وزارية في جوهرها وإنما هي أزمة.نظام الحكم بكامله

هاجم1945 كانون األول 26ـ وفي بيان أصدره بتاريخ 5 هذا في"البعث" اتفاق بيفن ـ بيدو ورفضه رفضا قاطعا، ورأى

االتفاق البريطاني ـ الفرنسي االستعماري التفافا على استقالل .سورية ولبنان

بيانا أعلن فيه أن العرب في1946 آذار 4ـ أصدر البعث في 6 جميع أقطارهم يؤيدون مصر العربية في نضالها الصلب من أجل

هااستقاللها ووحدتها وجالء اإلنكليز عن أرض . برقية1946 نيسان 6ـ أرسل مكتب البعث العربي بتاريخ 7

موجهة إلى أمين الجامعة العربية والحكومات العربية احتجاجافيها أنها على عقد المعاهدة األردنية ـ البريطانية ألن أسوأ ما

.)تضمن للصهيونية اآلثمة تحقيق أغراضها في فلسطين( إلى إضراب عام1946 أيار 2ـ دعا البعث في بيان له بتاريخ 8

شامل، في يوم الجمعة الثالث من أيار، احتجاجا على قدوم اللجنة، التي عينتها حكومتا بريطانية والواليات المتحدة، إلى

فلسطين، والتي أعلنت مقترحاتها طالبة إرسال مائة ألف يهودي إلى فلسطين في الحال، وإباحة الهجرة الصهيونية المطلقة،

22

وإعادة حرية بيع األراضي لليهود، ورفض قيام حكومة عربية في.فلسطين

وجه البعث العربي برقية إلى األمانة1946 أيلول 24ـ وفي 9 العامة للجامعة العربية بالقاهرة يطلب فيها تدخلها السريع لوضع

.حد لعدوان فرنسا ولنصرة عرب المغرب نصرة فعالة : ثانيا ـ على الصعيد األيديولوجي

كانت عقيدة الحركة قد تبلورت وصدرت في كراسة في العام تحمل عنوان )أهداف وغايات( وكانت تعبيرا دقيقا عن1943

مستوى النمو الفكري الذي بلغته الحركة في تلك المرحلة المبكرة في البدايات. واألسس التي أرسيت في تلك المرحلة

:هي.ـ عقيدة البعث بالضرورة عقيدة شعبية

ـ عقيدة الحزب عقيدة ثورية انقالبية، ال تؤمن إال بالحلول.الجذرية

ـ عقيدة الحزب قبل هذا كله وفوق هذا كله عقيدة عربية، هدفها األول بناء الوطن العربي الواحد والقضاء على داء التجزئة

.الدخيل والنظرة األولى التي أطل منها البعث هي النظرة العربية

الشاملة، النظرة إلى واقع األمة ومستقبلها، والتطلع من خاللها.إلى الغد العربي الجديد، الغد الموحد القوي

: ثالثا ـ على الصعيد التنظيمي كان البد للتنظيم أن يعبر ويجسد النواحي األيديولوجية، ولذا فإن

:التنظيم يجب أن يكونومةرـ تنظيما شعبيا، يعتمد الجماهير الكبيرة المح .

ـ تنظيما ثوريا انقالبيا، يقوم على العناصر الثورية المناضلة. الصلبة

مجال فيه للتفرد، تنظيما ينطلق من ـ تنظيما ديمقراطيا ال .القاعدة إلى القمة، وتقوده قيادة جماعية منتخبة

تنظيما عربيا شامال، ال تنظيميا قطريا محليا، وهذا التنظيمـ العربي الشامل هو أول تطبيق عملي لمعنى الوحدة وأول السير

.المنظم في سبيلهاـ صدور جريدة البعث

،1943كان األستاذان عفلق والبيطار قد تقدما في سنة باسم مكتب البعث العربي بطلب امتياز إلصدار جريدة البعث

العربي، وماطلت الحكومات المتعاقبة بإعطاء الموافقة، و عملت على منع حركة البعث من إصدار جريدة ناطقة باسمها مدة ثالث

23

سنوات، بعد أن أصرت على أن ال تسمى الجريدة )البعث.العربي(

ولكن تلك المرحلة الغنية بالخطوات اإليجابية في حياة حركة البعث وفي نضالها السياسي وفي نمو تنظيمها وانتشارها بين الجماهير، حققت حدثا عظيما وانتصارا كبيرا بفوزها الحصول

على ترخيص بإصدار صحيفة يومية تنطق باسمها، وهي جريدة )البعث( التي أصبحت منذ ذلك اليوم لسان حال البعث )حركة

وحزبا( والناطق باسمه، سواء على صعيد المواقف السياسية أو يوم تموز3على الصعيد العقائدي، وصدر العدد األول منها

ومقاله االفتتاحي لألستاذ عفلق بعنوان "بذور البعث"،1946 تموز لألستاذ البيطار4وكان المقال االفتتاحي للعدد الثاني

."وعنوانه "مرحلة االنقالب ساء الفئة الحاكمة ما كانت تقوم به الجريدة من حمالت

نضالية لدعم الحريات العامة، وتمكين الشعب من انتخاب ممثليه بصورة مباشرة – تعديل قانون االنتخاب وجعل التصويت على

درجة واحدة-، فأقدمت بعد حوالي الستة أشهر من صدورها على،1946 كانون األول 18تعطيل الجريدة بموجب قرار لها بتاريخ

1947 كانون الثاني 22ولم يسمح لها بالصدور إال في . 1947 نيسان6 ـ 4المؤتمر التأسيسي

تقدم أعضاء الهيئة المركزية التنفيذية لحزب البعث )ميشيل تموز10عفلق، صالح الدين البيطار، مدحت البيطار( بتاريخ

، وعمال بأحكام المادة السادسة من قانون الجمعيات،1945 بطلب إلى وزارة الداخلية يعلمونها فيه بتأليف حزب البعث

القائم "على مبادئ قومية وأفراد تتمثل فيهم هذه المبادئ" كمابعض رجال الحكم نوه مقدمو الطلب بوجود نزعة سائدة عند

إلعاقة الهيئات واألحزاب التي ال يقوم من دونها حكم دستوريكما أبدوا أملهم أن تسيطر الروح الدستورية على النزعة، صحيح

الشخصية في مثل هذه الشؤون القومية، وأن يقابل الطلب بما يستحق من تقدير وترحيب وبعد نظر، فيرخص للحزب بأداء

.مهمته في جميع المناطق السورية وفي مختلف نشاطه .وأرفقت مع هذا الطلب نسختان من مبادئ الحزب ونظامه

كان الحزب قد نما في سورية، و خصوصا في1947في سنة الفئات المثقفة، وكان جل أعضائه من الشباب دون الثالثين،

وكان قد كسب سمعة بارزة في سورية كما وصلت سمعته إلى .األقطار المجاورة: األردن، لبنان، فلسطين، العراق

وسار الزمن مسيرته وخاضت حركة البعث، خالل ما يقارب السنوات السبع، أي منذ ظهورها، صراعا سياسيا يوميا ضد

24

االحتالل األجنبي والحكومات المتعاقبة للكتلة الوطنية والقوى السياسية األخرى، ولقد انتهت هذه المرحلة األولى من تكون البعث بعقد المؤتمر التأسيسي األول في مقهى الرشيد في

وساد االجتماع1947دمشق ما بين الرابع والسادس من نيسان جوا من الغبطة واالرتياح، وكان االجتماع مفتوحا لكل عضو عربي في الحزب ومن أي قطر عربي كان، وبلغ عدد الحاضرين ما يربو

:على مئة عضو، ولقد أقر المؤتمر خالل انعقاده ـ دستور الحزب الذي عرف حزب البعث العربي بأنه حركة

قومية شعبية انقالبية تناضل في سبيل الوحدة العربية والحرية:واالشتراكية وتضمن المبادئ األساسية

وحدة األمة العربية وحريتهاالمبدأ األول: .شخصية األمة العربيةالمبدأ الثاني: .

رسالة األمة العربيةالمبدأ الثالث: .منهاج الحزب في سياستهووكذلك تضمن المبادئ العامة

.الداخلية واالقتصادية واالجتماعية وفي التربية والتعليم اعتبر البعث أن المبادئ التي وردت في دستوره أنها وحدها

المستقاة من واقع العرب والقادرة على إنقاذهم، وأن هذه المبادئ هي مسألة بقاء أو ال بقاء لهم، وأن الدارس لدستور

.البعث يدرس به مبادئ الكفاح العربي وأهدافه كان ميالد البعث بدستوره إيذانا بقيام حركة تقدمية ثورية،

وطموحا إلى يقظة حضارية سيحققها العرب في جميع نواحي الحياة، وستظل هذه األهداف منارة إلى جميع المناضلين

الشرفاء وجماهير األمة العربية ونبراس األجيال تنير أمامهم طريق الكفاح القومي لتحقيق الواقع التاريخي الموعود لألمة

.العربية

مصادر البحث .سلسلة نضال البعث

قفي سبيل البعث لألستاذ ميشيل عفل . .البعث، جالل السيد

.البعث، سامي الجندي ملحق

صورة "تتضمن أهداف وغايات الحزب" أرفقت بالطلب المقدم، وتحمل تواقيع األستاذ1945 تموز 10إلى وزارة الداخلية بتاريخ

ميشيل عفلق، األستاذ صالح الدين البيطار، الدكتور مدحتالبيطار

25

26

دمج الحزبينوزواج لم يعمر

دمج الحزبين لم تترك لنا وثائق الحزب ما يشير إلى تفاصيل المفاوضات

التي جرت وانتهت إلى الدمج بين حزبي البعث العربي والعربي االشتراكي باسم حزب البعث العربي االشتراكي، وهناك بيان منشور في الجزء الثاني من سلسلة نضال البعث في القطر

، بعنوان عهد الشيشكلي الدكتاتوري،191السوري، الصفحة ودون تاريخ أو توقيع، يذكر فيه اسم الحزبين، ومما ورد فيه:

في أثناء حكم الشيشكلي، حدثت ثالثة أمور مهمة: األمراألول، هو إصرار قاعدة حزبي البعث العربي، والعربي االشتراكي، على االندماج باعتبار الحزبين يهدفان إلى الوحدة

والحرية واالشتراكية، ويصارعان أخطارا واحدة. وقد تم الدمج، وتوحدت القوى بانضمام الحزب العربي االشتراكي إلى البعث،

مما كان له أثر فعال في القضاء على الشيشكلي. واألمر الثاني، دعوة الحزب إلى جبهة وطنية، تم تكونها إثر

مؤتمر عام في حمص صدر عنها بيان يوضح أهدافها وغاياتها، وقد27

رفض اشتراك الشيوعيين في الجبهة، أما الحزب السوريالقومي فكان من دعائم حكم الشيشكلي.

أما الجبهة فلم تكن في الواقع ذات نشاط، على صعيد مختلفاألحزاب، وظل النضال السري والعلني يقوده حزب البعث. أما األمر الثالث، فهو أن الشيشكلي وضع دستورا يوطد

حكمه، ويوهم بحكم شعبي ديمقراطي. ضد حكم أديب1953 والبيان الذي صدر في شباط

حزب البعث العربيالشيشكلي، كان أول بيان يصدر باسم ومن خالل االسم الجديد نستدل على أن الدمج قداالشتراكي،

".1تم في هذا الشهر" إلى حركة نصرة العراق1940 من حركة اإلحياء العربي

إلى1943إلى حركة البعث العربي أو حزب البعث العربي 1941. 1947المؤتمر التأسيسي لحزب البعث العربي في نيسان

إلى الحزب1936 ومن حزب الشباب "المحلي" في حماة بعد إلى المؤتمر1950العربي االشتراكي على مستوى القطر في

. 1951األول للحزب العربي االشتراكي في آذار كانت أهداف وغايات الحزبين في مجاالت القومية والتغيير

االجتماعي متشابهة جدا. وكان المبدأ األول من المبادئ األساسية لحزب البعث العربي كحركة قومية

شعبية انقالبية "أن العرب امة واحدةـــــــــــــــــــــ

- على الراغب في معرفة بعض التفاصيل عن المحادثات التي قادت إلى الدمج1 العودة إلى ما كتبه كل من األستاذ جالل السيد في كتابه " حزب البعث العربي "

واألستاذ أكرم الحوراني في " مذكرات أكرم الحوراني " وما تناقله بعض من عاشواتلك الفترة، وخاصة من كان منهم في موقع قريب من قادة الحزبين.

ولها حقها الطبيعي في أن تحيا في دولة واحدة وأن تكون حرةفي توجيه مقدراتها، وفي منهاج الحزب

حول السياسة االقتصادية ورد: ا"لمواطنون جميعا متساوونبالقيمة اإلنسانية ولذا فالحزب يمنع استثمار جهد اآلخرين".

وتنص المادة األولى من المبادئ األساسية للحزب العربي االشتراكي على أن الحزب حزب قومي، انقالبي، اشتراكي، ديمقراطي، والمادة الثانية تنص على أن العرب امة واحدة وعليهم أن يؤلفوا دولة واحدة في وطن عربي واحد، وتنص

بأن الحزب يأخذ باالشتراكية العلمية كأساس لتنظيم14المادة الحياة االقتصادية في البالد العربية...... .

إن المنطلق القومي لمؤسسي كل من الحركتين، دفعهما ،1941لنصرة شعب العراق إبان ثورة رشيد عالي الكيالني

28

فتحولت حركة اإلحياء العربي إلى حركة نصرة العراق، وانطالقا من إيمان الحركة بأن ثورة العراق تناضل "من أمنية كل العرب"

دعمتها بالمال والسالح ودعت إلى التطوع في صفوفها، وبالتزامن مع هذه الدعوة دعا حزب الشباب إلى دعم الثورة

وإلى التطوع في صفوفها، وتطوع بعض الشباب من الحركتين " أكرم الحوراني، جمال األناسي... "والتحقوا بصفوف ثوار

العراق. تشابهت، أيضا، مواقف قادة الحركتين من المستعمر الفرنسي

في سورية، وخاصة الموقف من استعادة الجيش السوري منالفرنسيين، ومن تأسيس جيش جديد.

عن مكتب البعث العربي1945 أيار 16 ففي بيان صدر بتاريخ وموقع باسم ميشيل عفلق ورد "يا شعب سورية العربي، إنك إذ

تستقبل ممثل فرنسا بإضراب شامل، ووحدة قومية رائعة، استنكارا لما ينوي هذا الممثل فرضه، باسم دولته، على حريتك

واستقاللك من قيود، أفهمه أنك ال تزال تؤمن بأن االستقاللره بأن هذه األمة التي انتزعت من فرنسا يؤخذ وال يعطى، وذك استقاللها انتزاعا، بما أراقت من دماء، وقدمت من شهداء، وال

تزال هي هي، عربية األصل والسجية، تعشق النضال وتلداألبطال".

،1945 حزيران 9 وفي بيان صدر عن حزب البعث العربي في أي بعد العدوان الفرنسي على دمشق بعشرة أيام، بعنوان "لن

يعود الفرنسيون الطغاة"، يحذر الحزب الحكومة السورية من سياسة المماطلة والمفاوضة مع الفرنسيين، ويطالبها باسترجاع الجيش من الفرنسيين، وأن تقوم سياسة سورية الخارجية على

تعاون وثيق مع البالد العربية، وينتهي البيان بمطالب سياسيةمحددة.

وكانت24/1/1945 في جلسة المجلس النيابي السوري بتاريخ مخصصة لبحث موازنة وزارة الدفاع قال األستاذ أكرم الحوراني كلمة، ومما ورد فيها: "...لنفرض أن الفرنسيين لم ولن يسلموا

الجيش، فماذا يجب أن يكون موقف الحكومة وموقفنا نحن؟ يجب أن نستمر بالمطالبة بتسليم الجيش ولكن ما هي الوسائل التنفيذية الستالمه؟ هناك وسائل عديدة، فإذا امتنع األجنبي عن تسليمنا جيشنا فسنأخذه ونستلمه بالقوة ال بالواسطة، وعندها

يذهب دور المفاوضة ويأتي دور القوة "ندعو هؤالء الجنود والضباط الذين هم إخواننا وأبناؤنا إلى االنضمام لجيشنا الذي

نؤلفه، وسيندمج الجيش السوري بالجيش الذي سنؤلفه، وعندها

29

يرى الفرنسيون أن المواطن السوري ال يمكن أن يكون أداةالستعمار أمته وهو ابنها البار....

قال1/5/1945 وفي جلسة المجلس النيابي السوري بتاريخ األستاذ أكرم الحوراني: "هناك أمور جوهرية يجب أن تعرفها

األمة، فنحن ال نريد أن نغل عنقها بأي قيد وال أن نقيدها بأي عهد أو اتفاق قبل استالم الجيش، وهذه هي إرادة األمة التي أعربت

عنها واتفقنا عليها جميعا، إننا نسمع أن هناك اتفاقات ثقافية واتفاقات أخرى، وفي الوقت نفسه يقدم إلينا مشروع بتشكيل وزارة الدفاع، وإذا كان تقديمه يعني شيئا، فهذا الشيء هو أننا

صرفنا النظر عن قضية استالم الجيش، وإننا ننوي أن نشكل جيشا جديدا ولهذه النقطة من األهمية ما ال يجوز السكوت عنها

." إن فكرة التحالف بين التنظيمين كانت قد طرحت للمرة

وأعيد طرحها من1950، ثم طرحت عام 1947األولى عام . 1951جديد عام

في موقفهما1950 التقى الحزبان في أواخر شهر آب المعارض لتحويل الجمعية التأسيسية إلى مجلس نيابي، انطالقا

من أن أوضاع القطر تتطلب حل الجمعية التأسيسية بعد أنأنهت مهمتها وإجراء انتخابات جديدة.

وعمل نواب ووزراء الحزبين، بعد مظاهرات شعبية قادها حزب ، انطالقا من مبادئهما على ضرورة1950البعث في أواخر عام

تأميم الشركات والمؤسسات االحتكارية وأبرزها شركة الريجيومصرف سورية ولبنان.

وامتنع القادة في الحزبين عن أداء القسم الذي فرضهالشيشكلي على الموظفين وتعرضوا إلى الفصل من وظائفهم.

برقية مشتركة إلى باي تونس1952 ووجه الحزبان في أوائل يؤكدان فيها تضامن الشعب العربي مع تونس ومساندتها لنيل

استقاللها. إن هذا التماثل في المواقف والتطابق الكبير في دستوري

الحزبين، إضافة إلى أن جمهرة المنتسبين للحزبين كانوا من جيل الشباب الذين بدأت منهم بذور التفكير بإمكانية دمج الحزبين،

وتكونت لديهم قناعة أنه ال يجوز أن يتنافس حزبان لهما المبادئ واألهداف نفسها، ألن مثل هذا التنافس سيؤدي إلى إضعافهما وإلى تقوية األحزاب الرجعية والفاشية في الساحة السياسية

السورية والعربية. كانت مساعي الدمج الحثيثة تصطدم بعقبات نتيجة الختالف بعض المواقف بين نواب الحزبين في المجلس النيابي، ويقول

30

من كتابه "حزب البعث88األستاذ جالل السيد في الصفحة العربي":

)وكانت هذه المساعي تحبط في مجلس النواب، فالكتلة البعثية المؤلفة من ثالثة نواب كانت تختلف في كل األمور تقريبا مع كتلة ثالثية يرأسها األستاذ أكرم الحوراني، كما تصطدم الكتلة البعثية بتكتل عشائري من أقطابه أيضا السيد أكرم الحوراني....

وكل خطوة يخطوها دعاة الدمج كانت تعود إلى الوراء بسبب االحتكاك المستمر في مجلس النواب حتى كاد الدعاة يتملكهم

اليأس ويتخلون عن محاوالتهم(. ومن العقبات، أيضا، عدم إباحة حزب البعث تدخل الجيش في

السياسة أو إعطائه الحق في تصرفات كثيرة ال يعرف الشعب بواعثها، بينما كان األستاذ الحوراني وكتلته النيابية في موضع

االتهام، وخاصة، من قبل جالل السيد، بأنه الناطق باسم تجمع برلماني كان الجيش قد سعى لتأليفه بغية تكريس تسلطه على

البلد. كما كان بعض قياديي وقواعد حزب البعث يتهمون األستاذ

الحوراني بأنه كان وراء اإلجراءات القمعية التي اتخذها حسنيالزعيم تجاه قادة حزب البعث.

وفي الجهة المقابلة كانت بعض قيادات وقواعد الحزب العربي االشتراكي ال ترى بأن حزب البعث العربي حزب سياسي، بل هو أقرب ما يكون إلى مدرسة فكرية ثقافية. ورأي األستاذ الحوراني

في األستاذ جالل السيد سلبي جدا، فهو "شوفيني، عشائري، إقطاعي، صديق لنوري السعيد، ويعمل لالتحاد السوري العراقي بوصاية عبد اإلله وتحت عباءة المعاهدة البريطانية – العراقية"،

كما أنهما أشبعا بعضهما في المجلس النيابي عنادا وتحديا. عقد أكثر من اجتماع في دار األستاذ صالح البيطار ضم

األساتذة ميشيل عفلق - صالح البيطار - أكرم الحوراني - عبد الفتاح الزلط لبحث موضوع الدمج وما يتعلق بذلك من خطط،

من مذكراته: )وفي1495ويقول األستاذ الحوراني في الصفحة اجتماع آخر في بيت األستاذ صالح حضر جالل السيد فاستغربت

حضوره ألنه لم يكن موافقا على دمج الحزبين، ولكنني لم أعترض على وجوده، وقد توجه إلي خالل االجتماع بهذا السؤال:

ما رأيك بمشروع االتحاد مع العراق، وهل تقبل بذلك إذا تحرر العراق من المعاهدة البريطانية؟ قلت له: إنني أقبل بهذا االتحاد ولو كان تحت النظام الملكي، ولكن المشروع الذي عرض كان

يهدف إلى إقامة عرش آخر في سورية للوصي على العرش

31

العراقي األمير عبد اإلله، مما يتيح لبريطانيا أن تدخل سوريةضمن نفوذها(.

من كتابه90 وعن هذا اللقاء كتب األستاذ السيد في الصفحة حزب البعث العربي: )....استهل الحديث السيد أكرم الحوراني

فقال: إننا متفقون في كل شيء وليس بيننا خالف، ومن المصلحة الوطنية أن نكون حزبا واحدا بدال من حزبين وال داعي

للتمهل في عملية الدمج التي تخدم القضية من كل جوانبها(،وأبدى استعداده ليكون إيجابيا وظهرت عليه الحماسة.

وبعد أن أجاب األستاذ الحوراني عن بعض تساؤالت األستاذ السيد نافيا أن يكون له أي دور في انقالب الشيشكلي على سامي الحناوي هذا االنقالب الذي استهدف منع االتحاد بين

سورية والعراق، وأكد عدم معارضته ألي اتحاد بين القطرين، يقول السيد: )كانت هذه أول جلسة اقترب فيها قادة الحزبين

من حدود الدمج ودرسوا اإلمكانية جديا. وقد توالت بعد ذلك االجتماعات الثنائية أو الثالثية بين األعضاء من كال الحزبين على

مختلف المستويات. وكانت اللقاءات مستمرة لكن التقدم لم يكن مستمرا أو مطردا وإنما كانت تقوم العقبات كلما أوغلوا في

الجزئيات والتفاصيل. وكما كان في الحزبين عناصر تميل إلى الدمج فإن هناك عناصر تميل عنه وتتمنى أن ال يكون، وكان لكل من الفئتين حججه ومستنداته، وتوقفت االتصاالت بعض الشيء

عندما فوجئت البالد بانقالب كامل قام به العقيد أديب الشيشكلي عطل به الحياة النيابية وأوقف الدستور واعتقل أعضاء

الحكومة(. في اجتماع ضم قادة الحزبين )عفلق -البيطار - السيد -

الحوراني( مع أديب الشيشكلي بعد انقالبه الثاني في في منزله ورغم أن الشيشكلي تظاهر خالله بأنه29/11/1951

حليف للحزبين، لكن االجتماع لم يسفر عن االتفاق حول أية نقطة من نقاط البحث، وحسب قول جالل السيد إن القادة

أبلغوه: )إنك وحدك المسؤول فأكمل طريقك(، ثم أسفر الشيشكلي عن عدائه الشديد للحزبين ابتداء بإغالق جريدة البعث

واعتبار نشاط الحزب غير شرعي، ثم ما لبث أن اتخذ اإلجراء نفسه ضد الحزب العربي االشتراكي وإغالق جريدته

"االشتراكية". إن تلك اإلجراءات التي اتخذها الشيشكلي من ناحية، و قمع

حكمه من ناحية ثانية، كانا العامل األهم الذي أدى إلى تدخل بعض الضباط من أصدقاء الحزبين، و إلى زيادة ضغط القواعد

في تسريع عملية التفاوض لدمج الحزبين في حزب واحد، وإلى32

تشكيل لجنتين من البعث العربي "وهيب الغانم -فيصل الركبي - عبد البر عيون السود" ومن العربي االشتراكي "أنطون مقدسي

-عبد الفتاح زلط" لوضع أسس الدمج. من كتابه المذكور:102 يقول األستاذ جالل السيد في الصفحة

عقدت اجتماعات ثالثية -أي هو واألستاذان عفلق والبيطار- متوالية في قيادة حزب البعث العربي إلقرار الدمج بعدما تكاملت

الضغوط واشتدت حماسة المتحمسين له وكثرت االتصاالت بين أعضاء الحزبين، وكان الموقف في قيادة الحزب يشير إلى أنني

كنت في جهة وكان السيدان عفلق والبيطار في جهة، وكان األستاذان عفلق والبيطار يقومان باتصال مع أعضاء الحزب

الراغبين في الدمج ويجريان معهم المذاكرة حول الشروط وهمايبحثان األمر معي.

وكنت أنا متشددا ضد الدمج، ولم يكن زميالي أقل مني تشددا، لكنهما كانا يواجهان الضغط مباشرة من األعضاء ومن الجهات األخرى خارج الحزب فيلينان بعض الشيء بينما أنا ال أواجه ما

يواجها. وبعد مداوالت مستمرة بيني وبين الزميلين عفلق والبيطار عهدا إلي في أن أضع مشروع االتفاق والشروط التي

أراها لتحقيق الدمج. ويذكر األستاذ السيد األسس التي قدمها حزب البعث العربي

إلى الحزب العربي االشتراكي، وهي: -دستور الحزب الجديد هو دستور حزب البعث العربي.1 -النظام الداخلي للحزب الجديد هو المنهاج الداخلي لحزب2

البعث. -تصبح القيادة رباعية بعدما كانت ثالثية وذلك بانضمام األستاذ3

أكرم إليها. -سائر األعضاء من الحزب العربي االشتراكي يتقدمون بطلب4

انتساب إلى الحزب كل بمفرده، والقيادة تقبل من تقبل منهم وترفض ضم من ترفض إلى الحزب، وال يمكن قبول أعضاء

العربي االشتراكي في الحزب مجتمعين، بينما هذا الشرط ال يسري على أعضاء البعث العربي فهم أعضاء طبيعيون في

الحزب. -اسم الحزب هو حزب البعث العربي االشتراكي.5

من1493 أما األستاذ أكرم الحوراني فقد أورد في الصفحة مذكراته األساس الذي اقترحه لتوحيد الحزبين وهو:

أوال، أن يسمى الحزب الموحد حزب البعث العربي االشتراكي. ثانيا، أن نعتبر دستور الحزب العربي االشتراكي دستورا للحزب الموحد أو أن نضع دستورا جديدا، ألن دستور حزب البعث الذي

33

قد أصبح متخلفا عن6/4/1947وضعه في مؤتمره األول الدستور السوري من حيث مفاهيمه القومية واالجتماعية.

ثالثا، أن تكون قيادة الحزب ثالثية، ينصرف فيها اهتمام ميشيل عفلق على الشؤون الفكرية، وأن أتولى مع األستاذ صالح البيطار

المهمات السياسية والتنظيمية. ويستطرد األستاذ الحوراني قائال: )انتهت المفاوضات على دمج

الحزبين، بعد جلسات عديدة مع صالح وميشيل، وتم االتفاق علىهذين البندين:

أوال، أن تضاف كلمة اشتراكي إلى اسم الحزب الذي سيصبححزب البعث العربي االشتراكي.

ثانيا، تضع هيئات الحزب المسؤولة دستورا جديدا توضح فيهالهوية االشتراكية للحزب.

أما الشرط الثالث فقد صرف النظر عنه ألن المفاوضين أبلغوني أن األستاذ ميشيل تعهد بأن يصرف اهتمامه تلقائيا إلى

األمور الفكرية وال حاجة لهذا الشرط الذي يعتبره ماسا به شخصيا، فقلت لهم لم يدر بخلدي أن أسيء إليه، ولكنني

اقترحت ذلك ألنه أكثرنا كفاءة لتولي هذه المهمة. قابلت األكثرية من قواعد الحزبين، وفرع األردن لحزب البعث

العربي، عملية الدمج بارتياح كبير، وخاصة أن هذا الدمج كان بضغط منها، وكانت ترى أن الدمج حقق للحزبين نوعا من

التكامل في الحزب الجديد. كان الصراع بين الحزبين القوميين االشتراكيين التقدميين، ال

مفر، سيقوم على مستوى طرح الشعارات، وعلى مستوى التنافس على استقطاب األنصار الذين لهم األهداف نفسها، ولكن الدمج حقق وجود حزب قومي وحدوي اشتراكي واحد

تلتف حوله وتنضوي تحته القاعدة الشعبية. كان حزب البعث العربي، بغالبيته العظمى، حزب المثقفين

واألساتذة والمعلمين والطالب الجامعيين وطلبة الثانويات، وله انتشار في جميع أنحاء القطر وفي بعض األقطار العربية، وهذا ما

كان يفتقده الحزب العربي االشتراكي ذو القاعدة الفالحيةالواسعة في بعض محافظات القطر.

وكان حزب البعث العربي يعمل من خالل منطلقات عامة في الوحدة العربية والديمقراطية السياسية واالشتراكية، بينما كان حزب الشباب ثم "الحزب العربي االشتراكي" ينطلق من واقع

قائم في حماة وريفها، وكان األستاذ الحوراني مستفيدا من مقعده في مجلس النواب للمطالبة بحقوق هذه القاعدة الفقيرة

ضد بغي اإلقطاعيين وجورهم.34

كان لألستاذ الحوراني عالقات جيدة مع العديد من ضباط الجيش ذوي الميول السياسية القومية التقدمية، وهذا ما كان

يفتقده بل يحاربه قادة البعث العربي، ولقد لعبت مجموعة الضباط "من مؤيدي الحزبين" بعد الدمج دورا حاسما في

الوقوف ضد الرجعية السياسية والعسكرية، كما كان لها الدورالرئيس في قيام وحدة مصر وسورية.

واستطاع الحزب الجديد أن يلعب الدور الرئيس في إسقاط حكم الشيشكلي لصالح حكم ديمقراطي تقدمي، وفي إفشال

كل المؤامرات الرجعية الداخلية والخارجية، وفي حماية استقاللسورية والسير بها نحو الوحدة.

وحقق دمج الحزبين انتشارا أوسع لحزب البعث العربي االشتراكي في األقطار العربية األخرى، كما حفز الجماهير في تلك األقطار على تدعيم نضالها وتحقيق انتصارات ضد القوى الرجعية واالستعمارية، وإلى إسقاط سياسة األحالف ومناطق

النفوذ ومبدأ أيزنهاور....الخ. نائبا في مجلس16 وأصبح لحزب البعث العربي االشتراكي

، من بينهم نائبان عن مدينة دمشق1954النواب بعد انتخابات ألول مرة، وبذلك برز الحزب كقوة برلمانية تقدمية لها جماهيرها الكبيرة في الشارع السوري ولها تأييد واسع من القوى التقدمية

في الجيش، وهذا ساعدها على التصدي لألكثرية البرلمانيةالممثلة للقوى الرجعية ولجمها.

في جواب األستاذ صالح البيطار على أحد أسئلة مراسل ورد: كان تأسيس1954/ 21/8جريدة "الجريدة" اللبنانية في

ضرورة قومية....، وكان الشعب1943حزب البعث العربي عام قد فقد أمله بزعمائه الذين كشف استيالؤهم على الحكم في

فترتين اثنتين إبان االنتداب عن ارتباطهم الوثيق بالطبقة اإلقطاعية وسعيهم المتواصل لتأمين مصالحهم، أما اندماج

الحزبين: البعث العربي والعربي االشتراكي فأمر طبيعي ألنهما كانا يسيران في اتجاه واحد ضمن مبادئ متشابهة قائمة هي أهداف العرب في جميع أقطارهم وهي الحرية واالشتراكية

والوحدة العربية، ومما سهل اندماجهما وعجل فيه خوضهما معركة النضال ضد الديكتاتورية العسكرية التي

حاول الشيشكلي أن يفرضها على البالد. "نضال البعث الجزء".18-17الثالث ص

تحدث الدكتور1954 وفي اجتماع انتخابي في الشهر التاسع جمال األتاسي عن دمج الحزبين ومما قاله: ... ورأينا أنفسنا

ونحن طالب في الجامعة السورية نلتقي وفي أول مظاهرة جرت35

ضد الفئة الحاكمة مع رفاق أكرم الحوراني...، وأستطيع اآلن أن قد تشكل حزب1945أقول: إنه منذ ذلك اليوم، منذ مطلع عام

البعث العربي االشتراكي، ومنذ ذلك اليوم ونحن نلتقي في كل مناسبة وفي كل معركة من معارك النضال الشعبي...، حتى إذا

ما قامت أزمات االنقالبات العسكرية وظن الناس بعد إنشاء الحزب العربي االشتراكي وبعد قاعدته الشعبية النضالية

وامتدادها في مدن سورية وقراها، أن الحركة االشتراكية العربية أصبحت موزعة في سورية بين حزبين ومنهاجين وبين طريقتين في العمل والنضال، وجدنا أنفسنا وأمام أول أزمة شعبية، أمام أزمة الحرية إبان طغيان الشيشكلي وزمرته على البالد نلتقي

من جديد، وكأن القدر التاريخي ألمتنا ال يريدنا إال حزبا واحدا وإال عمال واحدا ومنهاجا واحدا وقاعدة شعبية واحدة هو هذا الحزب،

حزب البعث العربي االشتراكي.ر زواج لم يعم

من كتابه المذكور:104 يقول األستاذ السيد في الصفحة )كنت على مثل اليقين أن هذه الشروط -ويقصد األسس التي

قدمها البعث العربي للتفاوض- لن تحوز على القبول من جانب الطرف اآلخر وكنت كمثل المطمئن أن الصفقة لن تتم ولن

يكتب لفكرة الدمج بين الحزبين النجاح. وقد غادرت دمشق بعد ذلك عل عجل إلى مدينتي ألتلقى هاتفا

من األستاذ صالح الدين البيطار يخبرني فيه أن الشروط قدقبلت وأن الدمج قد تم(.

بعد اكتشاف تنظيم الضباط الموالين للبعث العربي االشتراكي أصبح أمر اعتقال قادة الحزب واردا وال بد لهم من اللجوء إلى

لبنان -بعد أن شكلت هيئة قيادية لقيادة العمل النضالي في ، واستغل األستاذ عفلق فترة1953الداخل- وكان ذلك في أوائل

وجوده هناك لتشكيل نواة حزبية في لبنان وغالبيتها من الطالب ومن بينهم الدكتور علي جابر وغسان شرارة وعبد الوهاب

شميطلي وحسان مولوي ومحمد عطا الله من لبنان وكان معهم سعدون حمادي من العراق وعلي فخرو من البحرين وعلي

خصاونة من األردن. وفي لبنان، خالل فترة لجوء األساتذة، عقدت سلسلة

اجتماعات بينهم وبين قادة الحزب في األردن " الريماوي ونعواس "، وبعض الحزبيين من لبنان، واقترح األردنيون أن

تسمى هذه االجتماعات "المؤتمر القومي األول". ومن لبنان بدأ القادة يكتبون البيانات المعادية لحكم

الشيشكلي ويسربونها إلى سورية.36

استجابت الحكومة اللبنانية لضغوط أديب الشيشكلي، وقامت باعتقال األساتذة الثالثة وترحيلهم إلى1953في منتصف عام

المنفى الذي اختاروه في إيطاليا. إن االختالف في العقلية وأسلوب العمل بين قادة الحزبين كان

له انعكاس كبير على ما حدث بينهم بعد الدمج. من مذكراته: )بعد1496 يقول األستاذ الحوراني في الصفحة

دمج الحزبين، شعرت منذ االجتماعات األولى أن األستاذين أصبحابعيدين عني أكثر من السابق، وأنهما يشكالن قيادة مستقلة(.

بدأ الخالف يبرز بين األستاذين ميشيل وصالح من جهة واألستاذ أكرم من جهة ثانية في لبنان، وعاد ليطفو مجددا في ايطاليا وانقطعا عن بعضهما ألكثر من شهر، وكان لكل منهما

اتصاالته الخاصة بأنصاره من الحزبيين في أوروبا. من ايطاليا إلى1953 وبعد عودتهما في شهر تشرين الثاني

دمشق، عاد األستاذ الحوراني إلى تفرده في العمل، في بعض األحيان، مثل تصريحه في جريدة التربية الحلبية الذي حمل فيه على الرجعية وعلى مشاريع االتحاد المشبوهة، وهذا ما اعتبره

األستاذان عفلق والبيطار خروجا على االنضباط الحزبي، كما شككا في الهدف من التصريح، وبهذا الوقت بالذات الذي كان

فيه الحزب طرفا رئيسيا في الجبهة الوطنية التي تشكلت، وفق.1953ميثاق مؤتمر حمص في منتصف شهر أيلول

أثناء اعتقال األساتذة الثالثة مع لفيف من شخصيات الجبهة ، كان األستاذان1954الوطنية في أواخر شهر كانون الثاني

عفلق والبيطار يعتبران نفسيهما منفصلين عن األستاذ الحوراني. من المذكرات: )قال1558ويورد األستاذ الحوراني في الصفحة

لي صبري العسلي بعد سنين: إن صالح وميشيل كانا يصرحان لهم "للمعتقلين" بأن تعاونهما معي "مع األستاذ أكرم" إنما هو

تعاون عابر، وأن البعث هو حزب مستقل عن العربياالشتراكي(.

في أعقاب سقوط نظام الشيشكلي مباشرة، أطلق سراح األساتذة األربعة "عفلق - البيطار - الحوراني - السيد " مع السياسيين من األحزاب األخرى والعدد الكبير من البعثيين،

% من بين المعتقلين، وعاد الحزب80وكانت نسبتهم تقارب الـ لممارسة نضاله العلني بعد ما يقارب العامين من النضال السري وهو مزود بثقة عالية وبتأييد قوي من الجماهير وبسمعة طيبة في

صفوف العسكريين والتقدميين. أخذ األستاذ ميشيل يعبر للبعض من خواصه عن ندمه على موافقته على دمج الحزبين، ويعتبر أن الدمج قد دنس طهارة

37

عقيدة البعث العربي وأبعده عن كونه مدرسة للتبشير العقائدي والفكري قبل أن يكون حزبا سياسيا، وقبل االنتخابات لمجلس

، قال األستاذ عفلق ألحد األعضاء1954قيادة الحزب في أيلول من الصف القيادي الثاني في الحزب: لقد اعتبر بعض الحزبيين

أن الخالف بيني وبين أكرم الحوراني خالفا شخصيا ووقفتم علىالحياد.

إن اندماج الحزبين في فترة النضال السري لم يتح لقواعدهما التعارف واالنسجام، ولذا أقيم حفل تعارف في أوائل شهر

لمناسبة افتتاح مقر الحزب الجديد في الطلياني1954نيسان وعودته إلى النشاط العلني، وفي هذا الحفل ظهر التباين في

كلمتي األستاذين عفلق والحوراني، حيث ورد في كلمة األستاذ الحوراني: )إن الديمقراطية ال يمكن أن تتحقق إال عندما يصبح

الشعب سيد نفسه، ولذلك فإن الحزب يتوجه إلى العمال والفالحين، إذ ال يجوز لفئة أو طبقة ال تعرف إال مصالحها أن

تعبث بمصلحة أغلبية البالد(. وجاء في كلمة األستاذ عفلق، التي أعقبت كلمة األستاذ

الحوراني: )إن حزبنا حزب انقالبي جدي ال يقوم على هواية وال يقبل في صفوفه الهواة، فالعمل في حزب انقالبي ليس هواية

وال ميال وإنما هو وظيفة هي أخطر من كل وظيفة، وهي كما عرفها الحزب منذ نشوئه رسالة... وليس التنظيم جمعا فحسب

وإنما هو خلق وإبداع، وليكن في بادئ األمر مختصرا عدديا، ليسفي هذا ضير ولكن ليكن جديا(.

بعد عودة القيادة الثالثية من إيطاليا بدأت تتسرب الشائعات عن وجود خالف بينهم، ودعا األستاذ عفلق هيئة القيادة "األعضاء القياديون في الفروع" لعقد اجتماع في منزله في حي الميدان، وبعد أن استعرض الوضع السياسي اتهم األستاذ الحوراني بأنه

يدبر النقالب على الشيشكلي من خلف ظهر القيادة، واقترح فك الدمج بين الحزبين، ولكن هيئة القيادة التي حملت عبء النضال

في غياب القيادة الثالثية، أثبتت بنضالها أن وحدة الحزب قابلةلالستمرار، ولم يتجاوبوا مع االقتراح.

استمر الخالف بين القادة بعد سقوط حكم الشيشكلي حول األسس التي يجب اختيار المرشحين باسم الحزب إلى عضوية

المجلس النيابي، وكان يرى األستاذ عفلق أن األستاذ الحوراني قد خدعه، وأنه طامع في االستيالء على حزب البعث العربي،

وعاد إلى تكرار رأيه القديم فيه أمام زواره، وهو رأي يعود إلى حينما طرح تنظيم األستاذ الحوراني في حزب البعث1947عام

العربي، وكان تقييمه له بأنه سياسي انتهازي أو سياسي مغامر،38

وطرح مجددا بين أوساط الحزبيين شعار فك الدمج، وبالمقابل كان األستاذ الحوراني ال يألو جهدا في تشويه صورة األساتذة

عفلق والبيطار وجالل السيد، وكان يعتبر أن األستاذ السيد وراءالكثير من أحابيل الدس وزرع الكراهية لفك الدمج.

كان األستاذ جالل السيد يجهد، دوما، ليروج رأيه الذي أورده بعد ذلك في كتابه "حزب البعث العربي" ومفاده: أنه ال يميل إلى

تضخم الحزب بطريق الدمج، وإنما كان أميل إلى ما يسميهطراز النمو والتكاثر الذاتي.

قاد تناقض القادة الحزب إلى أزمة داخلية، وأصبح محور نقاش األعضاء الموالين شخصيا للقادة وأحاديثهم يتركز على الخالف بين أعضاء القيادة وعلى أخالقهم وحياتهم الشخصية والطعن

والغمز واالتهام. أما موقف أكثرية أعضاء الحزب من الجيل الثاني، أي قيادات

الصف الثاني، إذا أجيزت تلك التسمية، كان يؤكد على: - ضرورة رأب الخالف في وجهات النظر بين األساتذة، أو1

تضييقه قدر اإلمكان وعدم تسريبه إلى قواعد الحزب. - إن مصلحة ساحة النضال السياسي في سورية وبقية2

األقطار العربية تستدعي استمرار حزب البعث العربي االشتراكيحزبا موحدا.

- ضرورة استمرار القادة الثالثة كقيادة للحزب وتعاونهم معا،3 لما في ذلك من قوة لتنظيم الحزب الموحد وانسجام أعضائه،

وذلك، أيضا، يعطي للحزب هيبة وقوة في الشارع السياسيالعربي.

-ضرورة خروج أعضاء القيادة من حالة الشخصنة وتجميع4 الموالين حول أشخاصهم، إلى تأسيس قيادة جماعية تقود

التنظيم الحزبي والعمل النضالي، بصفتها تلك. فرضت االنتخابات الحزبية المزمع إجراؤها لمجلس الحزب،

وضغط القاعدة الحزبية، واألحداث السياسية الداخلية والخارجية والمؤامرات التي يتعرض لها القطر، ضرورة التعايش والتعاون

بين القادة الثالثة، -كان األستاذ جالل السيد قد انسحب من - وغاب عن المسرح شعار فك1955الحزب في شهر آب

الدمج، وإن كان حديث القادة ال يخلو، أحيانا، عن الخالف بين عقليتين، وظهرت بوادر االتفاق في وجهات النظر حتى نهاية عهد

الوحدة. ومن بوادر الرضا والتوافق بين القادة كانت تلك اللقاءات

السرية في أواخر عهد الوحدة، بين ثلة من البعثيين، استجابة للرسائل التي وجهها األمين العام للحزب األستاذ عفلق من لبنان

39

إلى األستاذين البيطار والحوراني، ويحثاهما فيها على البحث فيإعادة تنظيم الحزب من جديد في سورية.

استمرت حوارات إعادة تنظيم حزب البعث العربي االشتراكي،.1962حتى انعقاد المؤتمر القومي الخامس في أيار

انتقد األستاذ الحوراني هذا المؤتمر لعدم حضور أي بعثي من القطر السوري فيه باستثناء األمين العام، كما انتقد بعض

مقرراته، وهذا دفع القيادة القومية المنتخبة إلى تقرير فصله مع بعض األعضاء من مجموعته، ولم تجد المحاوالت التي بذلت من

بعض ناشطي الحزب _رغم قرار القيادة القومية_ باستبعاد األساتذة الثالثة عن التنظيم وترك البت بوضعهم إلى أول مؤتمر

قومي يعقد بعد إعادة التنظيم في سورية حرصا على وحدةالحزب.

ملحق

Xحزبي البعث العربي و العربي االشتراكي ...زواج تموطالق غير شرعي

محمد السيد: 18/7/2009) كلنا شركاء (

قرأت بكل متعة، ما كتبه األستاذ مروان حبش حول اندماج الحزبين، وسرد بعض الوقائع التي ساهمت في تأسيسهما

واندماجهما وانفصالهما. وقد وجدت أن التصدي للحديث عن ماضي الحزب ومراحل

تأسيسه ونشاطاته، يفيد كثيرا في توضيح بعض النقاط واألمور، التي تم تجاهلها أو تشويهها، وبخاصة فإن البعض كتب أمورا غير دقيقة، والبعض قد نسب إلى نفسه إنجازات في تاريخ الحزب،

غير صحيحة وغير واقعية. وقد أطلعت على بعض تلك الكتابات، وأنا في ديار الغربة

الطويلة، وقد وجدت أن كثيرا من المواطنين والحزبيين المستجدين، يصدقونها، ألنهم لم يطلعوا على الحقائق، ولم

يستمعوا إلى الرأي اآلخر، وبخاصة من الذين عايشوا المراحل األول وساهموا في تأسيس الحزب في مختلف مراحل نضاله، وقد ازددت استغرابا بعد عودتي إلى بلدي حلب مؤخرا، عندما

وجدت معظم الحزبين الجدد، ال يعرفون شيئا عن ماضيه وقياداته، وتأثرت أكثر من عدم معرفة هؤالء الجدد في شمال سوريا، ألنهم ال يعرفون أي لمحة عن تأسيس الحزب في هذا

الشمال، ومن هم مؤسسوه، فاحتسبت أمري إلى الله، إلى أن وجدت كتابات األستاذ حبش، تتناول المراحل األولى، وأحسب أن

40

اسمه غير غريب عني، وقد كان في وقت من األوقات قياديا في الحزب، ولكنه لم يعش المراحل األولى، كما بدا لي من هذه

الكتابات، على كل حال، فهو مشكور على جرأته، ومشكور أكثر،الموقع االلكتروني الذي نشر هذه الكتابات.

البعث....وذاكرة قدامىالبعثيين

مروان حبش

في المنتدى االجتماعي بدمشق19/7 كنت مساء يوم األحد للتعزية بوفاة رئيسه المحامي مأمون الطباع، وجلست جانب

رفيق من قدامى البعثيين، أحمد الشهابي، وقال لي: كلما التقيت بالسيدة هاجر صادق، وهي من قدامى البعثيات، أعود إلى عام

أيام حكم حسني الزعيم وأتذكر ساعة حملناها، في1949 الجامعة السورية، على أكتافنا، ونردد بعدها وهي تهتف بأعلى

صوتها بسقوط حسني الزعيم. والتقت نظراتنا مع المناضلة البعثية هاجر واتجهنا نحوها إللقاء التحية عليها، وأبلغتها ما قاله

أحمد الشهابي، ونحن مع هذه الذكريات نقلت إليهما ما كتبه األستاذ محمد السيد، أطال الله عمره وأمده بدوام الصحة

،18/7وبصفاء الذاكرة، في نشرة "كلنا شركاء " الغراء بتاريخ وما كتبه األستاذ السيد كان مصدر سرور بالغ وفائدة كبيرة لي

ولكثير من مناضلي البعث الذين قرؤوه بكل متعة . وكما قال األستاذ السيد عني، فأنا لم أعش مراحل البعث

جباتا الزيت وهي من قرى المثلث1938األولى ألنني من مواليد الحدودي السوري اللبناني الفلسطيني، و قصدت دمشق عام

، طالبا في دار المعلمين، وانتسبت إلى حزب البعث1953 العربي االشتراكي في أواخر تشرين األول من ذلك العام، في فترة بداية اإلضرابات الطالبية ضد حكم الشيشكلي، وانتخبت

إلى مواقع قيادية في البعث، و1963قبل وبعد الثامن من آذار .1965إلى عضوية القيادة القطرية منذ عام

من المحزن أنه حتى اآلن ال يوجد لحزب البعث العربي االشتراكي تاريخ مكتوب يمكن للباحث ولغيره الرجوع إليه،

واستثناء من ذلك نذكر سلسلة نضال البعث التي تضم بعض بيانات الحزب وافتتاحيات صحفه ومقررات مؤتمراته القومية

وهي غير شاملة ومقتصرة على قطري سورية1963حتى والعراق، وهناك أيضا مذكرات بعض البعثيين ككتاب البعث

العربي لجالل السيد وكتاب البعث لسامي الجندي، وهناك بعض رسائل الدكتوراة التي قدمت عن حزب البعث، وكتاب تاريخ

41

حزب البعث لجون دفلين، ولكن ال يمكن اعتبار هذه المساهماتتأريخا لحزب البعث العربي االشتراكي.

إن كتابة البدايات لحزب البعث وحياته الداخلية وتاريخه الالحق، هو من الشمول والغنى باألحداث والوقائع واألفكار والنضال،

يحتاج إلى مجهود جماعي تقوم به مؤسسات مختصة، ليس في سورية وحدها بل في كل األقطار العربية وغيرها من البالد التي

انتشر فيها البعث، نستعيد فيه ذاكرة الرواد األول ونستحثها إلنجاز هذا الواجب الذي نتحمل مسؤوليته جميعا كقدامى

مناضلي حزب البعث هذا التاريخ الذي ال تلم به أجيال عدة في الوطن العربي، وما تعرفه يشوبه الخطأ إن لم أقل التشويه في كثير من وقائعه وأحداثه، وأرجو أن ال تكون مقولة "التاريخ يكتبه

المنتصرون" موجهة لمن يريدون التأريخ لحزب البعث. هناك أيضا ما يجب أن يتطرق إليه الذين يتصدون لكتابة تاريخ

البعث، وهو الحياة الداخلية للحزب، أي المناقشات والخالفات والصراعات والعثرات بين قادته وكيف تمكنوا من التغلب عليها ألن أمرا كهذا ضروري لألحزاب الجماهيرية، فهو تجربة ودروس

مستفادة، ويرسخ االحترام في نفوس البعثيين لقادتهم المناضلين حتى إن اختلفوا معهم فكريا أو تنظيميا أو سياسيا. كما أن فكر

البعث ال يعطي العصمة ألي من أعضاء الحزب حتى لو كانوا قادته أو مؤسسيه، ولعل هذا ما يميزه عن أحزاب تسقط صفة

القدسية على قادتها. وأنا أكتب عن البعث في بداياته، ال أستطيع االدعاء بأنني

سأوفق وأكتب الوقائع كما حصلت، ولكنني أكتبها كما أتذكرها، وهي وقائع عشت بعضها أو سمعتها ممن عاشوها أوبحثت عنها

في الوثائق المدونة عن البعث. ألقى األستاذ محمد السيد أضواء موجزة عن بعض األحداث،

كتحديده للشهر الذي تم فيه دمج الحزبين، وقضية إعطاء الفضل في تأسيس البعث ألشخاص ال عالقة لهم بذلك، وقضية رسالة األستاذ عفلق إلى حسني الزعيم، وقضية اتصال األستاذ عفلق ببعض الضباط وتهريبه إلى لبنان أبان عهد الوحدة، وسأحاول بدوري المساهمة في توضيح أوسع لهذه األحداث لما فيها من

منفعة للقارئ. موضوع تاريخ دمج الحزبين

ال يسعنا إال األخذ بالتاريخ الذي حدده األستاذ السيد كتاريخ ، ألنه1952للدمج وهو النصف األول من شهر تشرين الثاني

شارك بهذا الحدث وال بد أنه مرتبط عنده ببعض القرائن التي ارتكز عليها لتحديد ذلك التاريخ الذي كنت قد افترضته في

42

عن23/6/2009مقالتي المنشورة في " كلنا شركاء " بتاريخ ، ومن المؤسف نتيجة فقدان1953دمج الحزبين في شهر شباط

الوثائق أال يعثر الباحث على أية وثيقة في "نضال البعث"من. 1953 حتى شباط 26/1/1952

موضوع األستاذ زكي األرسوزي هناك قناعة عند بعض قدامى البعثيين، وال أدري الوقائع التي

بنوا عليها مثل هذه القناعة، بأن تشويها أو تجاهال لبعض الحقائق ، وجميع هؤالء، إن لم أكن مخطئا،1966عن البعث بدأ منذ عام

يشيرون إلى ما يتردد عن دور األستاذ األرسوزي في تأسيس حزب البعث، وبدوري، كقيادي في الحزب، أجزم، وحتى انقالب

لم تصدر أية وثيقة أو معلومة تشير إلى أن1970تشرين الثاني لألستاذ األرسوزي عالقة فكرية أو تنظيمية ببدايات اإلحياء أو البعث الذي أسسه األستاذان عفلق والبيطار، وثالثهما جالل

،1943السيد الذي كتب عن دوره معهما في التأسيس عام ويروي األستاذ جالل السيد في كتابه "حزب البعث العربي"، قد كنا في بحوثنا عن مبادئ الحزب وعناصره نعرض بعض األسماء

من المواطنين السوريين وسائر العرب، وكان يرد اسم السيد األرسوزي ولكنه كان يستبعد عن البحث باعتبار أنه تكون تكوينا قطعيا، وأنه ال يدخل المعاني االشتراكية في فلسفته السياسية،

وأنه أقرب إلى التفكير النازي بل أنه أقرب إلى التفكير الروماني في تقسيم الناس إلى عبيد وسادة، فهو يقسم الناس إلى

طبقتين: النبالء واألنذال. وهو فوق ذلك صعب االنضباط، عسير التنظيم.... وهناك بعض المدونات "تاريخ حزب البعث لجون

ديفلين- البعث لسامي الجندي...." التي تشير إلى اجتماع وحيد عقد بين األساتذة " ميشيل عفلق، صالح البيطار،1939عام

زكي األرسوزي، شاكر العاص، ميشيل قوزما، أليس قندلفت " وجمعيهم من خريجي الجامعات في فرنسا، تم التداول فيه حول

ضرورة إنشاء منظمة سياسية. وتؤكد المذكرات التي كتبها بعض البعثيين األوائل أن بعث

الذي لم يعمر إال فترة قصيرة ، ولم1940األرسوزي، أواخر يتجاوز عدد أعضائه العشرين عضوا. وهو بعث ال يمت بصلة إلى

البعث الذي انتسبنا إليه، وما هذه األقوال التي دونها الدكتور سامي الجندي في كتابه والتي تشير إلى وجود خطة قديمة

تهدف إلى اعتبار األرسوزي أبا روحيا للبعث، - وكما قيل لي من قبل بعض الرفاق الذين التقى بهم بعد خروجهم من المعتقل:

أنه اعتذر لهم عن الكثير من االتهامات التي وردت في هذا 1966 شباط 23الكتاب - وردد أنصار األستاذ عفلق بعد حركة

43

مثل هذه األقوال انطالقا من برنامج ثقافي للتنظيم الحزبي في القوات المسلحة ساهم فيه األستاذ األرسوزي وغيره من المفكرين القوميين "بعثيين وغير بعثيين"، وإذا تفوه بعض

البعثيين بدور لألستاذ األرسوزي فهو تعبير عن رأي لهم وال يلزم أحدا، وما قيل عن الرعاية التي أولتها قيادة الحزب لألستاذ

األرسوزي أثناء مرضه، فهو واجب تجاه مناضل قومي ووطنيكبير كاألرسوزي.

لقد كان األرسوزي ذو العاطفة القومية الملتهبة، أستاذي في دار المعلمين، كما كنت بعد تخرجي، وحينما أزور دمشق، أنضم في بعض األحيان إلى الحلقة المتجمعة حوله في مقهى الهافانا

وما كان يردده علينا كطالب في الدار استمر في ترديده على حلقة الهافانا وبأسلوبه الطلي: من تأثره بأستاذه الفيلسوف

برغسون وإعجابه بنيتشه وفيخته وهو الرواقي الساخر كما يقول عنه الدكتور سامي الجندي، وهو عاشق األفالم الهندية، و كانت قدرته على التشبيه والتمثيل كبيرة و تطال تالمذته من اللواء وخاصة الدكتور الغانم، وتطال كل السياسيين بتعدد انتماءاتهم ممن هم في السلطة أو خارجها، ونمت لديه فكرة المؤامرة،

حتى إذا وجد في طريقه قشرة موز فهي من فعل االستعمار أو ممن يناصبهم العداء وموجهة ضده، وتشرب بعض أعضاء حزبه بهذه الفكرة، ويحكي الدكتور سامي الجندي: )كانت لنا مكتبة

مألت رف النافذة المطلة على الشارع "في غرفة األستاذ األرسوزي"، سرق منها كتاب فأقمنا الدنيا وأقعدناها، واتهمنا

االستعمار بالتآمر على المستقبل العربي(. قضية البعث وحسني الزعيم

لقد صدر عن عميد البعث العربي األستاذ ميشيل عفلق في1949نيسان 4 بيانا مؤيدا النقالب حسني الزعيم وموضحا

األسس التي يجب أن تبنى عليها سياسة حكومة االنقالب، توضح كل ما من6/4وأعقبها بمذكرة موجهة إلى الزعيم بتاريخ

ن ما في شأنه تهديد المصلحة الوطنية أو إلحاق الضرر بها وتبي اتفاقية "التابالين" - التي هي قيد الدراسة من قبل الزعيم- من

إجحاف بحقوق الوطن، وما تتضمنه من أخطار جديرة بالعناية والحذر. وفي مذكرة ثانية موجهة إلى حسني الزعيم ومؤرخة

أيار وضح عميد الحزب، األسباب التي بنى عليها24بتاريخ الحزب موقفه اإليجابي من االنقالب ومنها إعادة المشروعية إلى

الحكم والسيادة والحقوق إلى الشعب بعد أن فقد الحزب آخر أمل بصالح العهد الماضي، وتشرح المذكرة مفاجأة البعث

بأعمال وتدابير مخالفة للتصريحات التي بدأ بها االنقالب وذلك44

يظهر في أمور كالتعيينات والتسريحات وفي تشكيل حكومة مبنية على أساس تجاهل كل النزعات السياسية التي تحملها

وتمثلها األحزاب، وفي إلغاء امتياز الصحف، ثم تستعرض المذكرة ما قام به قادة البعث من لفت نظر الزعيم خالل

مقابلتين معه إلى جملة أحداث من أبرزها المخاطر واإلجحاف في مشروع اتفاقية التابالين بعد أن فوجئ الشعب بتصديق

أعلن فيه أن كل30/6اتفاقية النقد. وفي بيان للحزب بتاريخ المذكرات واللقاءات مع حسني الزعيم لم تجد نفعا، وأقدم العهد االنقالبي على حل األحزاب السياسية، واعتقال بعض الشخصيات

من الشباب المناضل من أجل حرية الشعب، وحدد هذا البيانموقف الحزب بـ:

- عدم شرعية أي عقد أبرم في هذه الفترة ولم يكن صادراعن السلطة التشريعية المنتخبة.

معارضته ألي دستور ال يصدر عن مجلس تأسيسي منتخب-انتخابا حرا.

مطالبته بتشكيل حكومة ترضى عنها األحزاب التي مثلت-المعارضة في العهد السابق.

مقابل هذه المواقف لحزب البعث أقدم حسني الزعيم على اعتقال قيادته "اللجنة التنفيذية" األساتذة "ميشيل عفلق - صالح

البيطار - جالل السيد - وهيب الغانم.." مع عدد من أعضائه. يحمل عنوان )الشعب ال يعترف9/6وفي بيان للحزب بتاريخ

على االستفتاء الصوري واالنتخابات االسمية( ويدين األساليببعت في فرض هيبة الحكم وتجاوزت كل حد معقول التي ات

ويشير إلى التعذيب واإلهانة التي يلقاها قادته المعتقلون لجرأتهمفي قول الحق.

فوجئ الحزب وهو في أوج نضاله ضد حكم حسني الزعيم بأن عميده األستاذ عفلق وجه من المعتقل بالرسالة التالية إلى

حسني الزعيم: سيدي دولة الزعيم

إن هذه التجربة األخيرة القاسية قد علمتني أشياء ونبهتني إلى أخطاء كثيرة، لقد انتبهت إلى أننا بحكم العادة بقينا نستعمل

أسلوبا لم يعد يصلح في عهد اإلنشاء والعمل اإليجابي والحق أننا في قلوبنا وعقولنا أردنا هذا االنقالب منذ الساعة األولى وال نزال

نريده ونعتبر أن واجبنا هو في خدمته وتأييده ولكن األسلوب الذي اعتدناه طيلة سنين عديدة من المعارضة لالنتداب والعهد

السابق هو الذي بقيت آثاره في كتاباتنا وبعض تصرفاتنا وهو الذي أخفى عنكم يا دولة الزعيم حقيقتنا وأظهرنا بمظهر

45

المعارض لعهد وضعنا فيه كل آمالنا وصممنا على خدمته بتفانوإخالص.

سيدي دولة الزعيم إنني قانع كل القناعة بأن هذا العهد الذي ترعونه وتنشئونه يمثل أعظم اآلمال وإمكانيات التقدم والمجد لبالدنا فإذا شئتم فنكون

في عداد الجنود البنائين وإذا رغبتم أن نلزم الحياد والصمتفنحن مستعدون لذلك. سيدي دولة الزعيم

إن هذه المجموعة من الشباب الذي يضمها البعث العربي قد عملت كثيرا في الماضي لتكون قدوة في النزاهة والوطنية

الصادقة وإن ماضيها ليشفع لها عندكم يا سيدي لكي تعذروا ما ظهر منها من تسرع بريء وإن وراء مظهرها النزق نفوسا صافية

ومؤهالت كبيرة للخدمة العامة ما أجدر عهدكم أن يفسح لها مجال التفتح واإلنتاج، أما أنا يا سيدي الزعيم فقد اخترت أن

أنسحب نهائيا من كل عمل سياسي بعد أن انتبهت منه بمناسبة سجني إلى أخطاء في أورثتني إياها سنين طويلة من النضال القومي ضد االستعمار والعهد السابق وأعتقد أن مهمتي قد

انتهت وأن أسلوبي لم يعد يصلح لعهد جديد وأن بالدي لن تجدمن عملي السياسي أي نفع بعد اليوم.

سيدي دولة الزعيم أنتم اليوم بمكان األب ألبناء البالد وال يمكن أن تحملوا حقدا

ألبنائكم ولقد كان لنا في هذه التجربة تنبيه كاف ومفيد، واتركوا لنا المجال كي نصحح خطانا ونقدم لكم البرهان على وفائنا

ووالئنا. ميشيل1949حزيران 11 دمشق

عفلق ورغم كل ما قيل عن المؤثرات والتبريرات لرسالة األستاذ

عفلق وأهمها، أنها كتبت لحماية أعضاء الحزب من االعتقال، فقد كان لها انعكاس سلبي كبير على نشاط البعثيين وعلى انتشارلت عند الحزب حينذاك، وهي وإن تجاوزها الحزب، لكنها شك

األستاذ عقدة بقي يعاني منها وتتحكم بتصرفاته على الدوام حتى أنه بات يخشى النقد ويميل نحو التشبث برأيه ونحو اتخاذ موقف

تجاه كل من ينتقده. بعد هذه الرسالة تم اإلفراج عن األستاذ عفلق وبعد ثالثة أسابيع من االعتقال أفرج عن بقية المعتقلين، وسادت في

أوساط الحزبيين حالة من البلبلة واالنكسار النفسي. يقول األستاذ جالل السيد:

46

نشأت في صفوف الحزبيين تيارات مختلفة، ويعددها بـ: 1 - تيار متطرف ال يرضى إال بفصل األستاذ عفلق فصال تاما

من الحزب والتنصل من الرسالة واستنكارها شكال وموضوعا. - تيار أقل تصلبا وهو يرى أن المسألة لم تصل إلى درجة2

تبعث اليأس وتدمر الحزب وتهدد القضية القومية في الصميم. - تيار مستقل لم تأخذ المسألة عنده من االهتمام ما يجعلها3

موضوع بحث جدي. وكان رأي األستاذ ميشيل أن المسألة ال تقبل الحل الوسط.

فإما فصل من الحزب وإما سدل الستار على الرسالة واعتبارهاكأن لم تكن.

وبعد مداوالت بين عدد كبير من القياديين وكبار الحزبيين، كانت النتيجة: لم يكن في الرسالة خيانة. وليس فيها تآمر وليس

فيها أمور ال أخالقية أخرى. إن في الرسالة ضعفا في المناعة وقلة في المقاومة. وإن فيها ضجرا ووساوس وأوهاما ضخمت

القضايا الصغيرة فجعلتها قضايا كبرى. وبناء على ذلك تقرر سدللت التيارات هذه الفتوى. الستار عليها، وتقب

ويقول الدكتور سامي الجندي: )عندما خرج األستاذ من السجن جوبه بثورة من الحزبيين وحملة شعواء، رفضوا جميعا

كل تعليل أعطي لهم. كانوا مجمعين على أن الموت أفضل، وأن المهم أن يبقى شرف الحزب ورسالته، وأن شهيدا ينقلها لألجيال

خير من أحياء تراجعوا أمام التهديد بالتعذيب. )تنادى أعضاء الصف الثاني في الحزب إلى عقد اجتماع في

حمص مباشرة بعد سقوط حسني الزعيم وأجمعنا على ضرورة محاكمة األستاذ عفلق. وقر رأينا أن يكون عميدا مكانه الدكتور

وبات قدوة1947وهيب الغانم الذي لمع نجمه بعد انتخابات لشباب الحزب يتحدثون عنه، يحبونه ويؤمنون بقيادته. بعد ذلك

عقدنا اجتماعا ثانيا دعي إليه الدكتور الغانم، فرفض اقتراحنا متعلال أنه ال يستطيع ترك الالذقية. فاقترحنا أن يكون مركز

الحزب فيها أو أن يكون دمشق حيث تتسلم القيادة لجنة تنفيذية "اسم القيادة" جديدة فرفض ألنه كان يرى أن القائد يجب أن

يكون على راس قيادته واقترح أال يثار الموضوع(. كانت البادرة خطيرة، وهي إنما تدل على أن القائد ميشيل

عفلق قد انتهى وحل محله األستاذ الذي ظل الحزب على والئهله واحترام فكره، دون اإليمان بقدرته على الزعامة.

أما ما تختزنه ذاكرتي من أحاديث بعض من عاشوا تلك الفترة وكانوا مقربين من األساتذة: كان يدور صراع خفي بين األستاذين عفلق والبيطار، إذ أن األستاذ البيطار كان يرى أنه يجب أن تكون

47

منزلته في الحزب كمنزلة األستاذ عفلق، وتبلور ذلك بعد الرسالة، وطلب مع األستاذ جالل السيد فصل األستاذ عفلق من

الحزب، ولكن قياديي الصف الثاني في الحزب وأنصار األستاذ عفلق كانت لهم الكثير من المالحظات على سلوك وأطروحات

جالل السيد، وقاموا بحملة تشكك بقدرة األستاذ البيطار الفكرية والتنظيرية وأنها ال تساوي قدرة األستاذ عفلق، كما تناولت

حملتهم قدرته القيادية والتنظيمية ونجحت حملتهم هذه ال في رد االعتبار لألستاذ عفلق فقط واختياره عميدا للحزب بل أعطته

كامل السلطة التنفيذية، وأكد مجلس الحزب الذي انعقد برئاسة وحضره عبد1950نيسان 14- 11جالل السيد في الفترة ما بين

الله الريماوي وسليمان الحديدي وأمين شقير ) األردن ( وعلي جابر وجميل بزي )لبنان(، بعد مناقشات حادة بين األستاذين

تطرقت إلى مآخذ كل منهما على اآلخر، على تلك اإلجراءاتالتي دعمت صالحية العميد وحصرت القيادة فيه شخصيا.

بعد فترة وجيزة من انفضاض مجلس الحزب وجه عدد من أعضاء الحزب، " عريضة إلى القيادة يطالبون فيها التراجع عن قرار حصر السلطة التنفيذية بشخص العميد، وتشكلت محكمة حزبية برئاسة الدكتور مدحة البيطار للتحقيق مع مقدميها، ولم ينف األستاذ صالح اتصال كاتبيها به مع نفيه المطلق بأن يكون

محرضا عليها، وبعد انتهاء التحقيق رفعت هيئة القيادة توصية إلى العميد للبت فيها تنص على فصل األستاذين البيطار والسيد، ولكن العميد لم يحدد موقفه منها وغادر دمشق إلى البرازيل

حيث أقام هناك بضعة شهور.قضية الضابط داود عويس

تطرق األستاذ محمد السيد إلى اتصال األستاذ عفلق بالضباط المصريين أبان عهد الوحدة وخشية من اعتقاله تم

تهريبه إلى لبنان. حيث تعرف األستاذ1959 بدأت أحداث هذه القصة في ربيع

عفلق على ضباط من الجيش المصري منهم الضابط داود عويس وأثارها الرئيس ناصر في محادثات الوحدة الثالثية آذار -

حيث وجه حديثه إلى األستاذ ميشيل )إنكم طلبتم1963نيسان من الدكتور بشير العظمة وأحمد عبد الكريم أن يستقيال، وقد

طلبتم عن طريق داود عويس أن يستقيل عباس رضوان وتوفيق عبد الفتاح، وهما زيران محسوبان على المشير عامر، وإنني أعتبر هذه العمليات انسحاب من الوحدة. وإن داود عويس قد

نقل للمشير عن لسانك أن التفاهم مع المشير ممكن، ولكن مع عبد الناصر غير ممكن. وكان الغرض من ذلك خلق شعور معاد

48

في الجيش ضد جمال عبد الناصر وخلق تنظيم في الجيشيرتبط بحزب البعث(.

إن داود عويس هو مدير مكتب وزير الحربية المشير عامر، بتعيين المشير حاكما على22/10/1959وبعد صدور قرار بتاريخ

سورية قدم عويس معه وزار األستاذ عفلق في منزله أكثر من مرة، ونقل إليه رغبة المشير االتفاق مع حزب البعث للقيام

بانقالب ضد الرئيس جمال عبد الناصر، كما نقل إليه رغبة المشير بضرورة اتصال وزراء البعث مع الوزيرين عباس رضوان

وتوفيق عبد الفتاح لتقديم االستقالة مع بعضهم من وزارةالرئيس عبد الناصر.

أرسل األستاذ عفلق عبد الفتاح زلط إلى القاهرة كي يبلغ األستاذ أكرم عن هذا للقاء، ويقول األستاذ الحوراني في

مذكراته: قلت لعبد الفتاح بلغ ميشيل بما يلي: إن فعلته هذه ستمنح عبد

الناصر مبررا ليقضي علينا وعلى سمعتنا وسمعة الحزب فيالعالم العربي وسيظهرنا بمظهر المتآمرين على الوحدة.

وبلغ األستاذ ميشيل بأنني سأفاتح عبد الناصر بهذا الموضوع وأتهمه بوجهه بالتآمر علينا... وفي اليوم الثاني اجتمعت بعبد

الناصر في منزله وقلت له وأنا في غاية االنفعال: هل بلغ كرهك لنا وحقدك علينا، نحن الذين بذلنا كل ما نستطيع لرفع لواء

قيادتك وزعامتك على العالم العربي، حدا تتفق فيه مع المشيرعلى تكليف الضابط عويس لحبك مؤامرة ضدنا ؟

ويتابع األستاذ أكرم ما مفاده: إنه بعد يومين من المكاشفة سافر إلى دمشق، وقصد منزل األستاذ ميشيل في شارع أبي رمانة ليستفسر منه عما حدث فأبلغه أن الضابط عويس عنده

في الغرفة الثانية وسيأتي إليه بعد مغادرة عويس. وبعد مغادرة المذكور قال الحوراني لعفلق لقد نقل إليك عبد الفتاح

رسالتي....، ورغم ذلك لم يتراجع عفلق عن تأكيد صدق عويسوإخالصه.

وبعد أيام قليلة، وفي اجتماع مجلس الوزراء التنفيذي اتهم كلمن السراج وعامر األستاذ ميشيل بحياكة مؤامرة لفصل الوحدة. بعد هذا االتهام كان البد من اختفاء األستاذ ميشيل وتدبير أمر

خروجه من سورية إلى لبنان عن طريق حمص - طرابلس، وأقام هناك يمارس نشاطه كأمين عام للحزب سرا ومختبئا خشية

اغتياله من مخابرات السراج. ما زالت حقيقة هذه القضية التي ذهبت أسرارها الحقيقية مع

المشير عامر موضع تساؤل: هل هي حيكت بمهارة مخابراتية49

لإليقاع بالبعثتين؟ أم كان المشير عامر جادا بالقيام بانقالب على الرئيس عبد الناصر من سورية، وما دوره في الترتيبات التي

قادت إلى االنفصال؟. قضية انسحاب جالل السيد من الحزب

إن جالل السيد هو أحد األساتذة الثالثة الذين أعلنوا عن ، وترأس المؤتمر1943تأسيس حزب البعث العربي عام

، ونائب الحزب في المجلس1947التأسيسي للحزب نيسان . بدأ بعض قياديي الصف الثاني يوجهون1949النيابي السوري

التهم إليه بأنه يجر الحزب سياسيا للسير في ركاب سياسة حزب الشعب المعروفة بارتباطها بالعرش الهاشمي في العراق، كما كانوا يتهمونه بأنه شوفيني، وأن مقاالته في مجلة الثقافة التي كان يصدرها في دير الزور لم يتورع فيها عن احتقار القوميات

األخرى، و من االتهامات ضده، أيضا، أنه كان يشوه مفهوم الحزب لالشتراكية في أكثر من مقالة نشر بعضها في جريدة

البعث. تشكيل لجنة6/4/1955 أقر مجلس الحزب الذي انعقد في

تنفيذية من خمسة أعضاء لتنظيم الحزب، انتخب ثالثة أعضاء هم الدكتور مدحة البيطار ومنصور األطرش وخليل الكالس وترك

للقيادة اختيار االثنين اآلخرين ولم تعمر هذه اللجنة إال ثالثة شهور. 1955وانتهت إثر انعقاد الدورة الثانية للمجلس في آذار

وقع اصطدام بين البعثيين و السوريين القوميين في دير الزور أدى إلى مصرع أحد السوريين القوميين. أقنع جالل السيد أعضاء اللجنة التنفيذية والقيادة القومية بتفويضه معالجة الوضع، وبهذا

التفويض حانت له الفرصة للتخلص من منتقديه في الفرع، فأقدم على اتخاذ إجراءات منها حل فرع الحزب وترك المشكلة

للقضاء للبت في موضوع سقوط قتيل. قوبل قراره هذا بثورة من أعضاء الحزب في الفرع وعلى مستوى الحزب في القطر،

واعتبروا أن ما أقدم عليه جالل السيد يعتبر إدانة مسبقة للحزب كله، كما اعتبر حزبيو الفرع أن الهدف مما قام به األستاذ جالل

هو التخلص من قادة الجيل الثاني في الفرع الذين كانوا ينتقدون سلوكه وعالقاته على مستوى المنطقة، وسياسته بشكل عام.

وهرع قسم منهم إلى دمشق لمقابلة القيادة ووضعها بحقيقة ماينوي جالل السيد اإلقدام عليه.

سافر اثنان من أعضاء اللجنة التنفيذية "منصور األطرش، خليل كالس " إلى دير الزور لإلطالع على ما حدث ومعرفة

الدوافع التي كانت خلف البيان الذي أصدره جالل السيد ويشتم منه تحميل البعثيين مسؤولية الصدام مع السوريين القوميين،

50

وبعد عودتهما رفعا توصية إلى القيادة القومية بالتراجع عن قرار تفويض جالل السيد بمعالجة القضية وإلغاء اإلجراءات التي

اتخذها وتجاوز فيها صالحياته. كما قررت القيادة القومية تأليف مجلس مشترك من القيادة القومية واللجنة التنفيذية لمحاكمته.

إلى تقديم كتاب "إلى حزب21/8/1955مما اضطره بتاريخ البعث العربي االشتراكي بواسطة: حضرة األمين العام لحزب

البعث العربي االشتراكي الموقر" وهذا نصه: )ظهرت بوادر خالف بيني وبينكم في وجهات النظر، في ما يتعلق بالقضايا

القومية واالجتماعية والخلقية، ولما لم أستطع تصحيح الخطأ وفقا آلرائي ومعتقداتي فإني لم أجد بدا من االنسحاب من

الحزب. وآمل أن تبقى عالقات الود قائمة بيننا رغم االنسحاب. تعلمون يا حضرة األمين العام أني ضحيت بكل شيء في

سبيل صنع الحزب ورعايته فلما شب الحزب وترعرع تبين لي أنه أتى على غير الصورة التي رسمتها وعلى غير المثال الذي مثلته

في خاطري. إن إنسانا متجاوبا مع حاجات أمته مرهف الحس يستطيع أن

يتصور ما يعتلج في نفسي من حرق اآلالم لهذا االنسحاب. ولكنالقدر ال يغالب.

وختاما أرجو أن يسدد الله خطاكم ويلهمكم من أمره رشداوالسالم عليكم(.

جالل السيد

هناك واقعتان وردتا في مقالة األستاذ محمد السيد إحداها أن المكتب الذي استأجره الحزب بعد سقوط نظام الشيشكلي في

منطقة عرنوس هو منزل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر، ومن المعروف أن منزل الشهبندر يقع في منطقة دمشق القديمة بـ

"طالع الفضة" خلف بناء البطركية باتجاه ساحة الدوامنة وتحول اآلن إلى مطعم، بينما عيادته التي اغتيل فيها كانت في " الشهدا

" بحي الصالحية. ثانيتهما تتعلق بموعد عودة األستاذ عفلق من البرازيل، وال خالف

، أي بعد انتهاء1950أن سفره كان في النصف األول من عام وتوضح المعلومات أن1950جلسات مجلس الحزب في نيسان

إقامته دامت عدة شهور بينما هذه اإلقامة تمتد ألكثر من عام ونصف العام وفق ما ورد عند األستاذ محمد السيد وعودته كانت

بعد طرح قضية دمج الحزبين للمناقشة في وقت ما من عام1952.

51

30/7/2009 دمشق مروان حبش

البعث والقيادة القومية

ليس الهدف هو التأريخ للقيادة القومية كأعلى قيادة في تنظيم حزب البعث العربي االشتراكي، إال بما تستدعيه الحاجة. ويبقى

الهدف الرئيس هو معرفة الضرورة التي قادت الحزب لتكوين هذه القيادة ومسؤوليتها في تحقيق االنسجام بين مؤسسات

الحزب ومبادئه، وفي ترسيخ العمل المبدئي بالنضال الحزبي، والمحافظة على وحدة الحزب ككيان وكتوجيه، ورسم سياسة

واحدة للحزب تزيل كل تناقض بين القطري والقومي تجاهالقضايا القومية والعالمية.

52

إن عقيدة البعث كحزب عربي وحدوي اشتراكي هي األساس الذي يجب أن يبنى عليه التنظيم، وأسس التنظيم يجب أن تنبثق

من نظامه، وأسس النظام يجب أن تنبثق من عقيدته. يؤمن حزب البعث بقضية واحدة هي إعداد الشعب العربي في

جميع أقطاره للنضال من أجل الوحدة والحرية واالشتراكية، ونقطة البداية في هذا اإلعداد هي خلق الوعي الثوري في نفوس

الجماهير، أي إيقاظ روح التمرد على األوضاع االجتماعية واالقتصادية والسياسية القائمة التي تتناقض وأهداف الحزب،

وتحول دون نهضة األمة العربية وتقدمها. ويؤمن حزب البعث بقضية واحدة ووطن واحد للشعب العربي،

ويجب أن يجسد في تكوينه هذه النظرة، وهذا يوجب أن يكون تنظيمه وفق منهج نضالي واحد، وأن تكون ثقافته الفكرية

والنضالية ومواقفه السياسية وسلوكيات أعضائه صادرة عن إرادة واحدة وعن مركزية في التنظيم والتوجيه تنسق بموجبها

كل منظمات الحزب وقياداته في مختلف البلدان الموجودة فيها. وحرص البعث منذ بداية تكوينه على أن تكون لوائحه وأنظمته

الداخلية تجسيدا إليمانه، وأن إيمانه بالوحدة العربية يجب أن يتبلور عمليا في تنظيمه وفي انتشار هذا التنظيم في كل األقطار

العربية وعلى طبع كل تنظيمات الحزب ومؤسساته وأجهزتهبالطابع القومي.

مع بداية تكوين البعث العربي، ومن ثم بعد مؤتمره التأسيسي كانت "اللجنة التنفيذية" هي قيادة للحزب في سورية وفي بقية األقطار العربية التي للحزب فيها وجود، واستمرت هذه الصيغة

حيث اقتضت الضرورة تكوين قيادة قومية1954حتى حزيران قائمة على تمثيل منظمات الحزب في أقطار سورية، األردن، العراق، لبنان، وكان ذلك على خلفية الرسالة التالية "لم تنشر من قبل" من تنظيم الحزب في العراق والموجهة من األمين

وتاريخ2القطري فؤاد الركابي إلى األستاذ صالح البيطار برقم .1954أيار 17

حضرة األستاذ صالح تحية عربية.

في رسالتي هذه أود أن أضع نظرة القيادة القطرية في العراق إلى النتائج التي سببها أو التي سيسببها استمرار انعدام

قيادة قومية في الحزب. في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية األولى وامتدت حتى

يومنا هذا، ولدت في أجزاء عديدة من الوطن العربي أحزاب قومية واجهت مشكلتنا من الخارج وتلمستها تلمسا خفيفا من

53

السطح نتيجة لطبيعة تكوين وطريقة هذه األحزاب ونوعية العاملين فيها، وتركت جوهر المشكلة مطمئنا في مكانه بعيدا

عن التشريح العلمي والفحص الدقيق. ولذلك تعرضت هذه األحزاب لهزات متالحقة أماتت البعض منها، بينما عاشت البقية الباقية هزيلة ال تحظى بتأييد المناسبات حينما تتحرك عواطف

الجماهير، فال تجد متنفسا في غيرها فتتجه إليها مضطرة مجبرة. هكذا ظلت الجماهير العربية تتالقفها األمواج الحزبية بين مد وجزر، وترتفع إلى القمة، وإلى لحظات معدودة تارة، ثم تعود

فتهبط إلى القعر تارة أخرى، وظلت الجماهير العربية تائهة حائرة تتألم من الفساد وتغضب أو تتمرد عليه في مرات متالحقة

ولفترات تطول أو تقصر، ولكنها تعود فتجد نفسها في نهاية كل تمرد، أنها في حاجة إلى البدء من جديد ألنها لم تحقق شيئا، حتى

ولدت حركة البعث فنفذت إلى أعماق المشكلة وتلمستها منالداخل فاستطاعت أن تضع يدها على الحلول الجذرية المنقذة.

ولدت حركة البعث العربي، وكان في مقدمة ما وجدته فيها جماهير الشعب "النظرية القومية الجديدة" المعبرة عن المرحلة

التاريخية التي تجتازها األمة العربية. ولكن العمل الحزبي العربي في تنظيمه وتفكيره ونضاله

حظي بالتأييد األعظم، ألن الجماهير وجدت في هذا النوع من العمل الحزبي ضالتها المنشودة، وجدت فيه ما كانت تفتش عنه طوال هذه الفترة التي أعقبت الحرب العالمية األولى فلم تجده

واضح المعالم كما جاء في حركة البعث. سعى الحزب في سنوات الطفولة األولى إلى االنتشار، فبنى

له ركائز صغيرة في أجزاء عديدة من الوطن اتصلت القيادة العليا بهذه الركائز وساعدتها على النمو والرسوخ، ولما كانت

هذه الركائز صغيرة فقد كانت أعمالها النضالية والفكرية محدودة وضيقة وبالتالي كانت حاجاتها للتوجيه واالتصال بالقيادة العليا

محدودة وضيقة أيضا. كانت الرسائل التوجيهية على قلتها تكفي لربط هذه الركائز بالقيادة وبالتالي تضمن سير الحزب إلى حد

ما في اتجاه قومي سليم. ثم تنامت هذه الركائز وبلغ البعض منها درجة األحزاب الكاملة القوية، فتوسعت أعمال القيادات القطرية فيها سواء في داخل الحزب أم في خارجه في الوسط السياسي، حتى إن بعض هذه

الفروع استطاعت أن تصل درجة تصبح فيها أقوى األحزاب المحلية نضاليا، وتحملت مهمة القيادة الشعبية واستطاعت

النفوذ إلى المجالس النيابية.

54

وال بد لحفظ االتجاه القومي في الحزب، ذلك االتجاه الذي نحرص عليه أشد الحرص، من تطور القيادات القطرية بما يتالءم

واالتساع الجديد. قلت إن الرسائل التوجيهية كانت تكفي قبل سنوات ليس لنمو

الفروع فحسب، بل إلبعاد تأثير التيارات اإلقليمية الخطرة على القيادات القطرية أيضا، ولكن هذه القيادات أصبحت عليها

متطلبات واسعة، فهي تنظم الحزب، وترعى وتراقب وتوجه انتشاره ونموه، وهي تمثل مواقفه السياسية أمام األحزاب

والمنظمات، وتشعر بوجوب اتخاذ مواقف حزبية واضحة من كل حدث قطري وعربي وعالمي، ألنها ال تستطيع أن تترك حزبا له

قوته في المحيط السياسي دون رأي أو موقف واضح. ونتيجة النشغال القيادة العليا بحوادث سورية القطرية قبل

عهد الشيشكلي، أو في عهده األسود الذي استمر عدة سنوات، أصبح إشراف القيادة العليا ضعيفا ثم انقطعت الصلة تماما في عهد الشيشكلي، ولذلك زاولت القيادات القطرية جميع المهام

الحزبية صغيرة وكبيرة، قيادية أو توجيهية أو تنفيذية. إن ترك القيادات القطرية تعمل على تسيير فروع الحزب

بصورة كاملة ودونما مراقبة أو توجيه، سيبلور لدى هذه القياداتبعد فترة زمنية اتجاها إقليميا خطيرا.

إن خطر نفوذ االتجاهات اإلقليمية إلى داخل الحزب يجب أنيقضى عليه بأسرع وقت.

إن تكوين القيادة القومية ضرورة عاجلة وملحة ليس من المصلحة التساهل فيها، واآلن وبعد انهيار الدكتاتورية العسكرية في سورية أصبح في مقدور الحزب العمل على تثبيت الحزب

وتركيز اتجاهه القومي. ولكن ما نالحظه اليوم ما هو إال تكرار لما سبق أن الحظناه في عهد الدكتاتورية، فالقيادة العليا ما زالت كما كانت وتشغلها حوادث سورية عن كل شيء. وحزبنا كحزب انقالبي يجب أن ال يلهيه النضال في جبهة عن نضاله في الجبهات األخرى، يجب أن ال يلهيه نضاله ضد الرجعية في سورية مثال عن االنتباه إلى تركيز

تنظيماته الحزبية وتركها مبعثرة ال يربطها رابط. إن جميع فروع الحزب تعاني هذه المشكلة، فكل فرع تشغله حوادثه القطرية عن كل شيء تقريبا، وهي جميعها تريد اإلسراع

بتكوين قيادة قومية تشرف على أعمال الحزب إشرافا جديا. لقد الحظت ذلك بوضوح في زيارتي األخيرة إلى سورية ولبنان واألردن، ولذلك نرجو أن تضعوا التفكير الجدي في تكوين القيادة

القومية موضع البحث.55

أترك اآلن هذه النقطة ألنتقل إلى نقطة جديدة تهم فرع الحزب في العراق. إن القيادة القطرية العراقية في العراق

تشعر بوجود هبوط عام في المستوى الفكري بجميع تشكيالت الفرع. إن مرد هذا الهبوط يعود بالدرجة األولى إلى ارتباط متين بين المسؤولين في العراق والمسؤولين في الفروع األخرى، مما

جعل فرع العراق يعتمد في توجيهه الفكري اعتمادا كليا على نشرات قديمة معدودة، ولو كان هذا االرتباط منظما بالزيارات

والرسائل والصحف والنشرات الستطعنا االرتقاء بمستوىاألعضاء الفكري عن المستوى الحالي.

لقد وجدت القيادة القطرية في العراق أن الصلة المباشرة واالتصال المستمر مع أعضاء القيادة العليا يضمن إلى حد كبير

مواكبة فرع العراق للنمو الحزبي فكريا ونضاليا في جميع الفروعاألخرى.

وجدت القيادة القطرية أن أفضل طريقة لتنظيم الصلة المباشرة في الوقت الحاضر هو تنظيم سفر المسؤولين في

العراق بفترات متعاقبة للمكوث في سورية واألردن مدة تكفيهم لإلطالع والدرس، وقررنا بدء هذا المشروع بإرسال عضو القيادة القطرية المحامي فيصل حبيب الخيزران ليمكث في سورية مدة ال تقل عن الشهر الواحد، يكون خاللها على صلة دائمة ووثيقة مع

أعضاء القيادة العليا، ونرجو أن تنظموا له االتصال بالمسؤولين في جميع فروع سورية ألننا نرغب أن يكون إطالعه واسعا لينقل ما يكسبه من خبرات في العمل السياسي والتنظيمي والفكري

إلى العراق. نود أن نؤكد مرة أخرى على ضرورة االتصال به طوال فترة

بقائه، ألن هذه السفرة سفرة حزبية للدرس واإلطالع وسنواليسفر المسئولين في العراق إلى سورية بين فترة وأخرى.

مالحظات عامة: رسالة ضمنتها"1"سبق أن أرسلت بيد السيد يوسف الرويسي -1

بعض العناوين إلى المكتب القومي استلمنا رسالة من المكتب اإلداري العام في سورية ولم نجبه –2 حتى اآلن على رسائله ألنه لم يذكر لنا عنوانا للمراسلة أوال، وألن

صلتنا كما نعرف هي مع المكتب القومي، فقد سبق للمكتب القومي أن طلب إلينا عدم االتصال بأية تشكيلة حزبية غيره.

نرجو أن تنتظم صلتنا مع تشكيلة حزبية واحدة معينة، ونرجو تنبيه المكتب اإلداري العام إلى ضرورة عدم إرسال الرسائل الحزبية

إال بالعناوين التي سبق وأن زودنا بها المكتب القومي والتي أرسلتها مع السيد الرويسي. كما وأننا نحبذ إرسال الرسائل

56

الحزبية والنشرات والبيانات الداخلية بواسطة الشيخ دهام، إال في الحاالت االضطرارية المستعجلة حيث يمكنكم المراسلة

.بواسطة البريد استلمنا رسالة من المكتب اإلداري العام حول إرسالنا -3

النشرات الحزبية إلى الكويت داخل رزم الجرائد. نود أن نخبر المكتب بأن هذه الطريقة هي األسلم بالنسبة إلينا ألن وضعها

في مظاريف يعرضها للفتح من قبل الجهاز البوليسي في العراق، كما أن إرسالها بيد المسافرين إلى الكويت صعب أيضا

لعدم معرفتنا أشخاص وأوقات الغالبية الساحقة من المسافرين. رسالة بهذا المفهوم"2"سبق أن استلمت من السيد عوني فرسخ

وقد تأخرت عن اإلجابة عليها حتى اآلن بسبب انشغالنا الشديد.في العمل الحزبي خالل هذه الفترة

" بما أن3نود أن ينتظم إرسال جريدة البعث واالشتراكية" - 4 البعث يومية ووصولها إلى العراق بصورة منتظمة ودون تأخر أمر

صعب. لذلك ارتأينا أن يكون وصول البعث عن طريق االشتراكات، إلى أن نجمع أكبر عدد ممكن من المشتركين في

جميع أنحاء العراق تصلهم الجريدة بالبريد الجوي. أما االشتراكية فيمكن تنظيم وصولها ألنها أسبوعية، ولذلك نحبذ وصول عدد

.كبير منها لتوزيعه في جميع األسواق في العراق سيطلعكم األستاذ فيصل على حقيقة الوضع السياسي في - 5

.العراق والحياة الحزبية فيهوختاما تقبلوا أسمى تحياتي ودمتم للنضال

فؤاد ولما لم تحقق هذه الصيغة التمثيلية الهدف الذي من أجله تكونت القيادة القومية، بسبب تواجد ممثلي المنظمات في

أقطارهم، وانصرافهم إلى العمل التنظيمي والسياسي القطري، كان من نتائجه : عجز عن تأمين االرتباط بين المنظمات

.القطرية، وعجز عن تخطيط سياسة واحدة للحزب أصبحت الحاجة ملحة لتالفي هذا الخلل وذلك بانتخاب قيادة

قومية من مؤتمر قومي تقود الحزب وفق مقررات المؤتمر .وتوصياته وتكون مسؤولة أمامه

وأصبحت الحاجة لمؤسسة القيادة القومية أكثر إلحاحا بعد استالم الحزب الحكم في قطري العراق وسورية، وإلى جانب

مسؤوليتها في قيادة التنظيم الحزبي، أصبحت مسؤولة عن إدارة1963الحكم في الحدود التي قررها المؤتمر القومي السادس .

ورغم كل االتهامات التي وجهها بعض الحزبيين للقيادة القومية أو لبعض أعضائها عن مسؤولية سقوط حكم الحزب في العراق،

57

ورغم التناقض الذي حدث بعد ذلك بينها وبين القيادة القطرية. إنما ضرورة1966شباط 23في سورية وقاد إلى حركة

مؤسسة القيادة القومية، ولذات األسباب المذكورة في البداية، بقيت قائمة، ولتالفي التناقض السابق تكون ما عرف باالجتماع

المشترك للقيادتين وهو مسؤول عن تخطيط وقيادة سياسة الحكم ومواقفه في كل المجاالت الداخلية والخارجية، هذا

إضافة إلى مسؤولية القيادة القومية، وحدها، في قيادة الحزب.القومي

تشكيل مكتب سياسي من سبعة1969ولما تقرر في نيسان أعضاء، ينتخبهم االجتماع المشترك لمتابعة تنفيذ قراراته، كان

من بين المرشحين السبعة الذين فازوا بالتزكية، ثالثة من أعضاء .القيادة القومية من خارج القطر

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ من تونس، رئيس مكتب المغرب العربي في سورية، وهو صديق شخصي لقادة - 1

الحزب ويالزمهم باستمرار ، كما أن طالب الجامعة من البعثيين كانوا يناوبون في المكتب ويساهمون بمتابعة طباعة جريدة "كفاح المغرب العربي " التي يصدرها

المكتب وبتوزيعها وتأمين المشتركين بها في كافة محافظات القطر. - أحد مسؤولي الحزب في الكويت .2 - جريدة الحزب االشتراكي العربي قبل الدمج، واستمرت بالصدور بعد دمج3

الحزبين.

البعث وبعض القضايا

58

البعث واالنقالب على نظام حكمالشيشكلي

أراد أديب الشيشكلي بعد إعالن الدستور الجديد أن يظهر نفسه كحاكم ديمقراطي، وعلى خلفية مذكرة تقدم بها حزبا

، وافق للفئات20/6/1953الشعب والوطني إليه بتاريخ السياسية المناوئة لحكمه بأن تعقد مؤتمرأ لها في حمص، وانعقد

،1953/ 4/7هذا المؤتمر برئاسة الرئيس هاشم األتاسي بتاريخ وحضرته شخصيات من األحزاب الكبيرة الثالثة " البعث، الشعب، الوطني، وبعض الشخصيات المستقلة" وتركز محور المناقشات

فيه على ضرورة معالجة الحالة الراهنة التي تخيم على البلد، وتقرر االستمرار في مقاومة النظام القائم والعودة إلى

الديمقراطية وإعادة الحريات والحياة الدستورية السليمة. وبناء على اقتراح الرئيس األتاسي تشكلت لجنة ضمت

شخصيات تمثل الطيف السياسي للمؤتمر لدراسة مشروع10بيان يصدر باسم المؤتمر، ومما ورد في البيان:

- في ظل األوضاع التي اتخذت من سجن المزة ومن ضروب االضطهاد وفنون الجور واالعتساف غاية ووسيلة الستمرار بقائها، أعلن المسؤول عن تلك األوضاع عزيمته على وضع دستور جديد

للبالد يمنح لفرد واحد من السلطات ما لم يتوافر مثلها لملكمطلق من ملوك القرون الوسطى.

- إنه ال سبيل إلى اطمئنان المواطنين على حرياتهم إال بأنيتخلى ذلك المسؤول عما بيده من أسباب السلطة والحكم .

- إن هذا النداء هو نداء أمة صهرتها تباريح األلم وألف بين أبنائهاخوف المصير.

- إن دساتير األمم... يكون ميالدها في جو حر طليق... "و إال"59

فلن تكون إال سجل الرق وسفر العبودية. وقع المؤتمرون من حزبي الشعب والوطني والمستقلين

المعروفين بتأييدهم لمشروع االتحاد مع العراق البيان، ووقعه عن حزب البعث: جالل السيد، مدحت البيطار، خليل كالس، عبد

الفتاح الزلط، عبد الرحمن المارديني، منير العامودي، فوزيالصفوة، محمد عطورة.

كان مؤتمر حمص منطلقا لتأسيس جبهة وطنية عريضة ، ميثاقها الذي17/9/1953لمناوءة نظام الحكم، أعلنت بتاريخ

وقعه الكثير من شخصيات القوى التي حضرت المؤتمر كما وقعه عدد من شخصيات البعث العربي االشتراكي، وأعلن سلطان

باشا األطرش تأييده لبنود الميثاق التي شجبت الحكم الفردي، وأكدت على إقامة أوضاع دستورية جمهورية نيابية سليمة وعلى

إطالق الحريات العامة وضمانها، وعلى حماية االستقالل والسيادة القومية. ويكون بدء الشروع في تحقيق هذه المبادئ بمقاطعة

. 9/10/53االنتخابات المقررة بتاريخ رد الشيشكلي على تأليف الجبهة الوطنية بإصدار مرسوم

تشريعي ينظم تأسيس الجمعيات واألحزاب، وبذلك فقدت األحزاب "البعث، الشعب، الوطني، الشيوعي..." شرعيتها ألنها

رفضت أن تتقدم بطلبات ترخيص، ولم يبق في الساحة السياسية غير حزبي "حركة التحرير، والسوري القومي"

المرخص لهما بالنشاط. عاد قادة البعث الثالثة من منفاهم في روما واتصلت شخصيات

من الجبهة الوطنية بهم، وفي اجتماع لقيادة الحزب أفادهم منصور األطرش بأن أركان الجبهة الوطنية قرروا أن يكون

انطالق الثورة المسلحة ضد الشيشكلي من جبل العرب على أن تعم البالد جميعها، وأن العراق أبدى استعداده لدعم هذه الثورة بالمال والسالح والرجال. وكان رأي قادة البعث بعدم الموافقة

على هذه الثورة ألنها مشبوهة، وستعرض الجبل لكارثة وطنية. وكان البعث مدركا بأن مهمة إسقاط نظام الشيشكلي يقع على عاتقه بدرجة كبيرة، وأن اآلخرين من شركائه في الجبهة

الوطنية لن يشاركوه في النضال والتضحية. انفجرت اإلضرابات الطالبية التي قادها البعثيون بدءا من حلب

وانتقلت إلى الجامعة السورية وإلى جميع11/12/53بتاريخ مدارس سورية، ودامت أياما مليئة باالشتباكات العنيفة بين

الطالب وقوات األمن، وفي أعقابها اتخذت وزارة "المعارف"قرارات بفصل عدد من الطالب البعثيين من المعاهد والمدارس. في هذا الجو الذي بدأت فيه مالمح الغلبة في الشارع والجيش

60

لصالح حزب البعث حاول الشيشكلي التفاوض مع قادة الحزب، " ما يلي:1555وأورد األستاذ الحوراني في مذكراته "الصفحة

)زارني الضابط المتقاعد حسن مهنا وقال إنه موفد من قبل الشيشكلي لالتفاق معنا فعقدت القيادة معه اجتماعا في أحد

مقاهي المهاجرين. قال الضابط حسن مهنا دون مقدمات طويلة: إن الشيشكلي مستعد لحل المجلس وإلغاء الدستور وإعادة

الحياة الديمقراطية الشرعية على أن يبقى رئيسا للجمهورية، فانتظرت رد األستاذين فأجاباه دون تردد: أنه ال سبيل لالتفاق مع

الشيشكلي وأنه يجب أن يغادر البالد(. مع ازدياد المعارضة للحكم التي أخذت منحى مأساويا في جبل

العرب، ومع رفع وتيرة اإلضرابات الطالبية، قرر الشيشكلي كانون الثاني27وأعوانه إغالق الجامعة، كما قرروا يوم

القيام بحملة اعتقاالت واسعة لقادة األحزاب السياسية1954المعارضة وللقيادات الطالبية وأكثريتهم الساحقة من البعثيين. بدأ حزبا الشعب والوطني ترتيب أمرهما للقيام بانقالب على الشيشكلي من غير إطالع حزب البعث على نيتهما بقصد عزله،

وزاد التنسيق بينهما وبين العراق الذي بدأ بضخ األموال ونشر قوات عسكرية على الحدود بقيادة ضباط سوريين، وإرسال

الضباط السوريين الالجئين إليه بعد انقالب الشيشكلي وهم من مؤيدي مشروع االتحاد المشبوه مع العراق، وسيكون تسربهما بمساعدة االستخبارات البريطانية وعن طريق خطوط شركة

بغية االستيالء على الحكم. P .C .Iنفط العراق واعترف معروف الدواليبي الفار إلى بيروت في تلك الفترة

بأنه قبض مبلغا في حدود خمسة أو ستة آالف دينار من سياسي عراقي لسد المصاريف التي كان يتكبدها في سبيل مناهضة حكم

أديب الشيشكلي. وقال بأنه صرف هذا المبلغ على شراء بعض األسلحة والمتفجرات لتقويض الحكم الدكتاتوري الذي كان

يتحكم بالبالد. ن معاونا لعبد الحميد السراج في كان مصطفى حمدون قد عي

الشعبة األولى بقيادة الجيش الحتوائه، ولما فشلت هذه المحاولة صدر قرار بنقله آمرا لسرية مشاة في الفوج الرابع في حلب، ومن حلب بدأ النشاط النقالب عسكري ونجحت المساعي مع

القوات الموجودة في حلب ودير الزور والالذقية وفشلت المساعي مع آمر المنطقة الوسطى "حمص" ولكنه وعد بكتم

السر، ونكص العقيد فيصل األتاسي معاون قائد المنطقة الشمالية "حلب" وهو، أيضا، آمر موقع حلب عن االتفاق للقيام بالعملية االنقالبية. وتعليل ذلك أن حزبي الشعب والوطني كانا

61

يخططان للقيام بانقالب وحدهما بالتعاون مع حكومة نوري السعيد والضباط السوريين الفارين إلى العراق، ويعزالن حزب البعث، وهدف ذلك تنفيذ مخطط اتحاد سورية والعراق، ولكن

الظروف الطارئة أعادت فيصل األتاسي للعمل بعد وصول40معلومات مؤكدة بأن الشيشكلي وضع قائمة بتسريح ضابطا

وعلى رأسهم األتاسي وحمدون. بدأت العملية االنقالبية في الساعات األولى من صباح

باحتالل مصطفى حمدون لقيادة الموقع ومحمد25/2/1954 عمران لإلذاعة وبناء الهاتف، كما تم احتالل مبنى الشرطة

العسكرية والشرطة المدنية، واعتقل الضباط المناوئون والمحافظ وغيرهم، وأذاعت إذاعة حلب "التي من الصعوبة

التقاطها في المناطق الوسطى والجنوبية " بيان االنقالب باسم قيادة المنطقة الشمالية، ونادت فيه رفاق السالح في الجيش أن

يحذو حذوها ليتمكنوا من إعادة األمور إلى نصابها، وإلى أن يتحقق الهدف تعلن قيادة المنطقة الشمالية انفصالها عن حكومة الشيشكلي وتناشده أن يغادر البالد حقنا للدماء. ثم بدأت البيانات

الالحقة تذاع باسم قادة المناطق الشمالية والغربية والشرقية. وعصر ذلك اليوم أبرق النقيب أمين الحافظ آمر موقع درعا معلنا

تأييده مع وحداته العسكرية لحركة حلب. واستطاع الضباط البعثيون عدنان حمدون وكنعان حديد ومحمد هواش من

السيطرة على القوات الموجودة في السويداء وهي القوات الضاربة التي استدعيت من الجبهة والتي كان يعتمد عليها

الشيشكلي. استلم قادة االنقالب في حلب برقية من موقع دير الزور تفيد بتلقي معلومات رسمية من العراق عن وجود قوات مسلحة من

السوريين الذين تم تطويعهم على الحدود في لبنان واألردن بقيادة الضابطين محمد صفا ومحمد معروف وأنها سوف تعلن التحاقها بالحركة وتدخل سورية عبر الحدود اللبنانية واألردنية، مما دفع بالضباط البعثيين وقادة البعث في حلب إلى إفشال

مخطط حزبي الشعب والوطني وإذاعة بيان ورد فيه: )إن قيادة الثورة في حلب، تعلن للرأي العام العربي في سورية وفي سائر

أرجاء الوطن العربي، أن حركتها حركة وطنية تقدمية خالصة، وهي ترفض وتشجب وتقمع أي تدخل خارجي، وخاصة من

النظام السعيدي العميل في العراق، وعلى النظام العميل أن يعلم بأنه في حالة إقدامه على أي تحرك تحت شعار مناصرة الثورة، فإن الثورة ستحول قواتها نحوه لسحق تدخله. كما أن

قيادة الثورة تعلن بأن جميع المواطنين والقوات المسلحة مخولة62

بالقضاء على أي تسلل من الحدود اللبنانية أو األردنية، وكل من يعثر على أحد المجرمين محمد صفا أو محمد معروف مكلف

بالقبض عليه حيا أو ميتا(. أمام هذا التطور لألحداث وانضمام أكثرية وحدات الجيش

لحركة حلب، عقد أديب الشيشكلي في مقر سكنه "قصر حضره رئيس المجلس1954شباط 25الضيافة" اجتماعا عشية

النيابي مأمون الكزبري والوزراء ورئيس األركان الزعيم شوكت شقير وعدد من النواب وأبلغهم تصميمه على االستقالة، وغادر

سورية ليال متوجها إلى لبنان. نصت االستقالة التي كلف رئيس األركان بإذاعتها على الشعب

على ما يلي: )حقنا لدماء الشعب الذي أحبه، والجيش الذي أفتديه، والوطن العربي الذي أردت أن أخدمه بتجرد وإخالص،

أقدم استقالتي من رئاسة الجمهورية السورية إلى الشعب السوري العزيز الذي انتخبني ومنحني ثقته الغالية، راجيا أن

يكون ذلك خدمة لبالدي وأن يحقق وحدتها ومنعتها، ويأخذ بيدهاإلى قمة المجد والرفعة(.

وبعد منتصف هذه الليلة أطلق سراح المعتقلين السياسيين في سجن المزة، وكانوا قد قرروا بعد اجتماع لهم في ساعة مبكرة من صباح اليوم األول إلطالقهم في بيت صبري العسلي مغادرة

دمشق إلى حمص التي أصبحت مركز االنقالب بعد أن أعلن قائد منطقتها العسكرية التحاقه بالحركة خشية اعتقالهم مجددا من

قبل أنصار الشيشكلي، كما أطلق بعد ذلك سراح المعتقلينالسياسيين من السجون األخرى.

في دمشق وأذاعوا2 /26 تمرد بعض ضباط الشيشكلي يوم بيانا باسم رئاسة األركان يتضمن دعم رئيس الجمهورية بالوكالة مأمون الكزبري، وفي خضم هذه األحداث والمناورات أنذر قائد المنطقة الوسطى الكزبري والنواب باالستقالة ومغادرة الجميع

إلى مناطقهم. شوارع دمشق27/2 عمت التظاهرات الطالبية صباح يوم

ووصلت إلى مبنى المجلس النيابي واقتحمته وانهال المتظاهرون على النواب المجتمعين بالضرب وطردوهم من قاعة االجتماع، وأعلن نائب رئيس المجلس "سعيد اسحاق" استقالته واستقالة

أعضاء المجلس تلبية لطلب المتظاهرين، وبعد ذلك التحق قسم من المتظاهرين بالمظاهرات التي كانت قد حاصرت مبنى

اإلذاعة بشارع النصر وتعرضت لنيران غزيرة من المصفحاتالموالية ألنصار الشيشكلي.

انتهى تمرد أنصار الشيشكلي في دمشق بعد أن تخلت عنهم63

وحدات كثيرة من الجيش، والتحق رئيس األركان بحمص حيث اجتمع بقادة االنقالب ثم بالرئيس هاشم األتاسي وزعماء األحزاب

واتفقوا على استعادة البالد حياتها الديمقراطية على أساس. 1950دستور

وتوافد إلى حمص، أيضا، العديد من ضباط الجيش ومن بينهم بعض الضباط المسرحين في عهد الشيشكلي وعلى رأسهم العقيد عدنان المالكي، كما وصل إليها قادما من حلب العقيد

فيصل األتاسي لمؤازرة حزب الشعب في الوصول إلى قراراتتتوافق مع مخططاته بالتعاون مع العقيد محمود شوكت.

بدأت في منزل الرئيس هاشم األتاسي في حمص، وبعد تأكيد بعض كبار الضباط بأن الجيش سيعود إلى ثكناته، مشاورات

حثيثة لتشكيل وزارة ما بعد االنقالب، وأصر األستاذ ميشيل عفلق على أن يكلف السيد رشدي الكيخيا زعيم حزب الشعب بتشكيل

الوزارة، وأن حزب البعث لن يدخل التشكيلة الوزارية إذا تم تكليف شخصية أخرى بتشكيلها، ورفض رشدي الكيخيا اقتراح

عفلق، وبإخراج مسرحي كان متفقا عليه مسبقا بين حزبي الشعب والوطني أعلن هاشم األتاسي عن تكليف صبري العسلي

بتشكيل الوزارة التي اسبتعد حزب البعث نفسه عنها وسط دهشة وصدمة قواعد البعث من عسكريين ومدنيين وهم الذين

كان لهم الدور الكبير في إنهاء عهد الشيشكلي، واعتبروا أن اآلخرين، بمن فيهم قادة الحزب قد استغلوا نضالهم وتضحياتهم.

ولتبرير هذه "السقطة" ورد في تصرح لألستاذ ميشيل عفلق : )... ركز الحزب12/3/54لجريدة النصر الدمشقية بتاريخ

اهتمامه قبل تشكيل الوزارة على ضرورة االتفاق على منهاجها للفترة االنتقالية واعتبر دخول الحزب في الحكم أو عدمه أمرا

ثانويا(.

64

البعث واالنتخابات النيابية عام1954

أدرك البعثيون الشرك الذي سقطوا فيه بعد تشكيل وزارة صبري العسلي، وأنهم سلموا مقاليد البالد لحكومة رجعية لها

ارتباطاتها بالمخطط السعيدي - البريطاني، كما أدركوا التناقض بين واقع الحكومة وبرلمانها الذي لحزب الشعب فيه الكتلة األكبر

وبين قوة الشارع والجيش وهي للبعث والقوى التقدمية، وتبلور ذلك باعتقال الضباط المسرحين الذين دخلوا البالد من العراق

وحاولوا استغالل االنقالب لصالح القوى التي كانوا يعملون لحسابها "حزب الشعب وبعض عناصر من الحزب الوطني،

والمخابرات البريطانية وحكومة نوري السعيد"، لذلك بدأ البعثيون، بعد تراجع األستاذ ميشيل عفلق عن موقفه السابق،

الضغط إلعادة النظر في التشكيلة الوزارية وأن يتقاسم البعثيونوالشعبيون والوطنيون مقاعد وزارية بالتساوي.

بدأ البعثيون نشاطهم إلسقاط حكومة العسلي وكانت المظاهرات الطالبية هي بداية هذا النشاط، وتعرضت المظاهرة

الحاشدة التي حاولت اقتحام مبنى البرلمان إلى إطالق الرصاصمن حراس المجلس الذين كانوا يرابطون على سطح المبنى.

دعا فرع الحزب في دمشق أعضاءه الجتماع6/5/54 وبتاريخ سياسي كبير عرضت فيه قيادة البعث خطورة المرحلة وموقف

الحزب من األحداث التي تتعرض لها البالد وعن االنحراف الخطير في الحكم، هذا االنحراف الذي تم على يد الحزبين

الحاكمين، وعرض األستاذ صالح البيطار الموقف السياسي ورأي الحزب من الحكومة الحاضرة التي انحرفت عن الميثاق الشعبي

انحرافا خطيرا واستسلمت ألساليب الحكم الرجعي، وأخذت تلوح بالقضاء على الحريات تمهيدا لمعركة االنتخابات التي ال

تريدها حرة نزيهة، وحمل حزب الشعب مسؤولية إدخال البالد في هذا الطريق المحفوف باألخطار من قاعدة من يملك

الصالحية يحمل المسؤولية... وطالب بتنحية الحكومة عن الحكم وأن توفر على البالد تجارب جديدة أليمة وعهودا مظلمة وذلك

بقيام حكومة تطمئن الناخبين إلى أنهم سيكونون أحررا في( 243. ص2اختيار العهد المقبل. )نضال البعث. ج

كما بذل األستاذ كمال جنبالط جهدا كبيرا مع قادة حزب65

الشعب إلقناعهم بضرورة وجود حزب البعث في الوزارة، وقام األستاذ جالل السيد بعد خروجه من المعتقل بمسعى لدخول

ن لقادة حزبي الشعب والوطني المخاطر البعثيين الوزارة، وبيالتي ستواجهها الحكومة والبالد إذا لم يدخلها البعثيون.

نجحت هذه الضغوط والمساعي، واتفق على أن يكون لكل حزب ثالث وزارات، ولكنهم "الشعب والوطني" نكثوا باالتفاق وتذرع قادة حزب الشعب بأن الحزب الوطني رفض أن يتخلى

عن أي وزارة من الوزارات المخصصة له، وحاولوا تلطيف األجواء مع حزب البعث بأنه بعد أشهر قليلة سيتم استبدال هذه

الوزارة بوزارة أخرى تشرف على االنتخابات، وبهذه الوزارةالقادمة ستتحقق الصيغة المتفق عليها.

لم تستمر وزارة العسلي في الحكم إال حوالى ثالثة أشهر، كما انتهى التحالف الذي كان قائما بين حزبي الشعب والوطني

ألسباب عدة وفي مقدمتها المجزرة الدموية التي ارتكبها بحق بعضهما أنصار الحزبين في حي النيرب في حلب في األسبوع

.األول من الشهر السادس بدأت مشاورات أولية في القصر الجمهوري لتشكيل حكومة جديدة برئاسة رئيس حزب الشعب رشدي الكيخيا، وكان توجه

الكيخيا في التشكيلة الوزارية الجديدة التي ستشرف على االنتخابات بأن تكون الوزارة حيادية، مع التوجه بأن تضم، أيضا، وزيرا واحدا عن كل من األحزاب الثالثة شريطة أن يختار، هو،

.الوزير عن كل حزب بغية تحقيق االنسجام في الوزارة رفض قادة البعث، بعد أن استمعوا من األستاذ جالل السيد إلى ما دار بينه وبين السيد رئيس الجمهورية والسيد رشدي الكيخيا،

الدخول في التشكيلة الوزارية وفق الشروط الموضوعة، وما كان من السيد الكيخيا إال أن اعتذر عن المضي في المهمة التي

.كلف بها وعلى ضوء اعتذار السيد الكيخيا، أبدى األستاذ ميشيل عفلق،

في اجتماع للقيادة، خشيته من انفراد حزب الشعب وحده بتأليف الوزارة وما سيترتب على ذلك من مخاطر، لذلك كرس مفاوضا

البعث "عفلق والحوراني"جهدهما كي تكون الوزارة حيادية .بكامل أعضائها

تكلل هذا الجهد بالظفر، وتشكلت وزارة حيادية برئاسة األستاذ سعيد الغزي، كما اقترح المفاوضان البعثيان أكثرية أسماء الوزراء الذين نالوا االستحسان من رئيس الجمهورية ومن

مفاوضي الحزبين اآلخرين. وصدر المرسوم الجمهوري بتأليفها

66

، وصرح رئيسها أمام المجلس النيابي بأن1954/ 19/6بتاريخ الغاية األساسية لهذه الحكومة هي إجراء االنتخابات بأقصى

سرعة ممكنة، وفي منتهى حدود الحياد المطلق والنزاهة .الشاملة وتطبيق األحكام القانونية على الجميع بالمساواة

مع بدء إصدار التعليمات والتوجيهات الالزمة لتحقيق النزاهة والحياد في االنتخابات، ومع بداية اجتماع قيادات األحزاب لتسمية

مرشحيها، بدأت الشائعات عن نية الجيش في التدخل لصالح .مرشحي البعث، وعن مقاطعة حزب الشعب لهذه االنتخابات في هذه األجواء اجتمعت قيادة حزب البعث مع هيئة القيادة

)ممثلون عن قيادات فروع الحزب + رؤساء بعض مكاتب لمناقشة األسس المطلوبة في تسمية31/7/1954القيادة( يوم

المرشحين، وموضوع تدخل الجيش في االنتخابات، وموضوع عودة شكري القوتلي إلى البالد من منفاه االختياري، وموضوع

.مقاطعة حزب الشعب لالنتخابات ومما قاله األساتذة الثالثة في هذا االجتماع*، ألن المتكلمين

.اآلخرين لم يتعدوا في أحاديثهم عن توجيه أسئلة للقيادة :األستاذ صالح البيطار

إن غاية هذا االجتماع هي أوال البحث في موقف حزب الشعب .من االنتخابات، والثاني البحث في الترشيحات الحزبية

أما الموضوع األول، فقد تشكلت الحكومة الحيادية بموافقة األحزاب. وقد قدر رجال الحزبين أن الحكومة الحيادية ال بد وأن

تسير في ركابهما. ونحن وإن كنا ال نعتقد بأن هذه الحكومة يمكن أن تسمى حيادية بالمعنى الصحيح ألنكم تعلمون المالبسات

والظروف الداخلية والخارجية التي تؤثر فيها، وأن التشكيالت اإلدارية التي قامت بها هذه الحكومة، كانت غاية الحكومة منها

خلق شيء جديد، ولكنها أحدثت أزمة، وغضب حزب الشعب منها، وعلى األخص محافظ حمص، وهذا يعني أن حزب الشعب

شعر بأن نفس الحكومة ال يالئمه، وأن هذه الحكومة لن تسير في ركابه لذلك فقد أشاعوا أن الجيش يتدخل. ولما سألناهم عن

ذلك وطلبنا األدلة كانت األشياء التي ذكروها غير صحيحة، مثال .ذلك قضية مصطفى حمدون

وكذلك أشاعوا عن العقيد المالكي أنه يدور الغوطة من قرية إلى قرية للدعاية للحزب، ولكن سعيد حيدر قال بأني تقصيت

.الخبر، فوجدت أن العقيد المالكي لم يزر أي قرية هذه حجج وادعاءات يأتون بها لتبرير فشلهم، ومن المعلوم أن

هناك نقمة على حزب الشعب أكثر من الحزب الوطني، ومن المدنيين أكثر من العسكريين، وأن مرشحي حزب الشعب في

67

دمشق مثال هم فاشلون، لذلك فقد دعوا إلى المقاطعة مع رشدي الكيخيا الذي يؤثر امتناعه عن الترشيح على إضعاف

.مرشحي حلب باإلضافة إلى ذلك هناك قضية عودة شكري القوتلي، وكان رأي الجيش أن يؤخر القوتلي عودته مدة عشرين يوما، وتبنى رئيس

.الحكومة هذا الرأي وما حدث حتى اآلن هو مقاطعة حزب الشعب لالنتخابات، أما

الحزب الوطني فما زال يدرس الموقف، ونستطيع معرفة الرأي األخير لهذا الحزب ألنهم منقسمون، فبعضهم يريد دخول المعركة

والبعض اآلخر يريد المقاطعة. هذا هو السبب الذي دعونا من .أجله هيئة القيادة

:األستاذ أكرم الحوراني يجب بحث الموضوع بشكل كامل، وأعتقد أن المفتاح كحل

وإعطاء صورة واضحة عن مجريات السياسة قبل أديب الشيشكلي حتى اآلن هو االتفاق المصري اإلنكليزي األخير، وهو

نتيجة خطة مدروسة كانت على بساط البحث منذ مؤتمر واشنطن. وأعتقد أن خطة الغربيين بالنسبة إلى الشرق األوسط

مقررة قبل عهد أديب الشيشكلي، والحظتم قبل انقالب أديب الشيشكلي أن هناك تصريحا ألديب الشيشكلي نشر في جريدة "السوري" يثني فيه على شكري القوتلي، وكذلك تنشر برقيات

بتعزية شكري القوتلي وطلب عودته من قبل رجال مسؤولين .كهاشم األتاسي وعدنان األتاسي وفيضي األتاسي

إن تعليقي على هذا الموضوع هو أن الحكم المصري بعد االتفاق المصري- البريطاني سيتم دعمه، وهو يعطي برهانا على أن الغربيين سيدعمون الحكم في مصر. أما في سورية فالوضع األمثل في رأي الغربيين هو أن يقوم حكم مدني يؤيده الجيش،

ولذلك يجب خالص الجيش من عناصره التقدمية. وقد مهدواغ لذلك قبل االنقالب الذي قام به أديب الشيشكلي، وهذا شيء بل

إلى مسؤول في الحكومة السورية بأن عودة شكري القوتلي .مؤيدة من قبل األميركان واإلنكليز والفرنسيين

إن الحكومة التي تألفت بعد أديب الشيشكلي،حكومة العسلي، :استهدفت أمرين

القضاء على الحزب ضمن الجيش وإضعافه في الشعب، وكانوا يذهبون إلى التخلص من الضباط التقدميين بالتسريح واإلبعاد، ولكن الظروف لم تساعدهم، فالشعب قاوم حكمهم، وكذلك

.خافوا من الجيش وقضية محمد صفا دليل على ذلك، ألن هذه القضية عبارة عن

68

انقالب علينا وعلى الجيش لصالح شكري القوتلي باالتفاق مع عدنان األتاسي الذي يؤيد الهاشميين ومع أمين رويحة الذي يتكلم

.بلسان المحور السعودي وقد أخفقت خطة الحزبين الحاكمين، وكان ذلك السبب في

انسحابهم من الحكومة، وقد قامت الحكومة الحيادية بموافقتهم .الظاهرية، أما في الباطن فكانوا غير موافقين

بعد الحكومة الحيادية بدؤوا بعملية شعبية وهي الضغط بطلب عودة شكري القوتلي كي يلملموا شتات الرجعية عن طريق

االنتخابات إذا أمكن، وإن لم يقدروا عن طريق االنتخابات فبإحداث أزمة في الحكم، وقد وقف الجيش من ذلك موقفا

هادئا، أما حاليا فإن االندفاع الشعبي قد كان أكثر مما ننتظر وهو سيؤدي إلى هزيمة األقوياء من حزبي الشعب والوطني في

:االنتخابات. لذلك فالقضية تنحصر في أمرين أولهما: تأجيل االنتخابات وعودة شكري القوتلي كي يستعيدوا قواهم، وكان هذا االتجاه مؤيدا من قبل الشعبيين. أما بالنسبة

للوطنيين فالذي دعاه للتريث هو أمله بتسجيل بعض النجاح بعد انسحاب حزب الشعب. ورأيي أن الحزب الوطني سينسحب

.بسبب الضغط الخارجي أما مصلحة الحزب فهي أن تتأخر عودة شكري القوتلي إلى ما

بعد االنتخابات، ألن وجهة نظر الحزب إذا جرت االنتخابات في موعدها وضمن قوة انتخابية في المجلس فسيكون ظفرا كبيرا

.إلحباط المؤامرات جميعا ثانيهما: هو إضراب القضاة إلحداث بلبلة تدفع إلى تدخل

الجيش كي تقع البالد في الفخ الذي نصبوه، وإذا كان باإلمكان التغلب على الصعوبات الخارجية لتهديم البالد يكون ذلك بإشراك

.الحزب الوطني ويترتب على ذلك أن يكون موقف الحزب موقفا إيجابيا،كمنع عملية استمرار إضراب القضاة، ومنع التوتر لخلق جو مطمئن،

.وأرى االبتعاد عن العنف وتأزيم الوضع أما الناحية المهمة فعلى القيادة بما أوتيت من قوة أن تبعد

.الجيش عن استالم الحكم :وكانت أجوبة األستاذ الحوراني على بعض األسئلة هي

في حالة مقاطعة الحزبين فالخطر هو أن ال تبقى الحكومة، ألن - الحكومة تقول بأنها مفوضة من ثالثة أحزاب، فإذا قاطع حزبان

.فهي ستترك الحكم يوافق حزب الشعب على عودة القوتلي ألن حزب الشعب -

.متفق عمليا مع الحزب الوطني، أما ظاهريا فال

69

ظاهرا إن هناك تركيزا من السعوديين ضد حزب الشعب، ولكن - .التركيز الفعلي هو على حزبنا

إن اتفاق الحزبين ) الشعب والوطني ( على عودة القوتلي ألنه - بنظرهم هو أصلح الجميع فيما إذا تخلصوا من عناصر المقاومة

.في الجيش لكي يحكم شكري البالد حكما مدنيا عسكريا إن كثيرا من جماعة حركة التحرير مرتبطون بفرنسا التي هي -

.متفقة مع بريطانيا وأميركا ليس للحكومة الحيادية ارتباطات خارجية، وأن الذي يزيد من -

.إيمانها بالحياد هو طموح رئيسها إلى رئاسة الجمهورية إن الحزب الوطني يرى أن الفرصة قد سنحت له بعد مقاطعة -

حزب الشعب، ولكن الضغط الخارجي هو الذي يدفعه إلى .التشبث بأشياء تافهة كعودة القوتلي

:األستاذ ميشيل عفلق كان حزبنا قانعا كل القناعة بأنه يجب أن يقوم في البالد عهد

ديمقراطي بالقدر الممكن وأن نساعد عليه مهما كانت التضحيات. ولكن الحزب فوجئ بمؤامرة من الحزبين اآلخرين قد

تكون واعية وقد يكون فيها بعض الوعي والكثير من الغباوة والخضوع للمصالح اآلنية. فمن الناحية الموضوعية ال شك أن

الحزبين أجرما أكبر إجرام وخربا الوضع الذي كانت البالد مستعدة لقبوله وهو الوضع الديمقراطي نسبيا ونتج عن تهافتهما على الحكم أنهما وضعا خطة لتطهير الجيش لمصلحتهما ألنهما ال

يفهمان من ابتعاد الجيش عن السياسة إال أن يكون مؤتمرا بأمرهما. وهذا يعني، بما أن هذا النوع من السياسيين ليست لهم

عقيدة وليس لديهم حرص على المصلحة الوطنية فهم يريدون التخلص من العناصر المخلصة في الجيش كي يبقى الجيش من

.المرتزقة والجبناء إذا ففي الوقت نفسه الذي يتعرض فيه حزبنا لحرب كاسحة

في أوساط الشعب، تعرضت العناصر الوطنية في الجيش لمؤامرة من قبلهم ولتهديد لوجودها وحياتها. وقد وقع حزبنا في

ارتباك نتيجة لهذه الحالة ألن حزبنا حريص على أن يظل أمينا لسياسته وشعاراته القتناعه بأن كل تدخل عسكري في بالدنا )أي

في شؤون الحكم( ال يتأخر مدة طويلة حتى يتحول إلى أداة لالستعمار مهما كانت عناصره نظيفة. هذه القناعة جعلتنا نقف

مكتوفي األيدي تجاه مؤامرة حكم ما بعد االنقالب على العناصر التقدمية في الجيش، وصرنا نقنعها بأن هذا األذى مؤقت وعليهم

أن يتحملوه في سبيل مصلحة البالد. والواقع أن بعض هذه المساعي أثمرت بأن هدأت بعض التهدئة أعصاب الضباط

70

المهددين، وفي ذلك كثير من الواقعية ألن حزبنا إذا لم يسندهم فال يستطيعون أن ينجحوا، إلى أن تراكمت أخطاء حكومة

العسلي وظهرت مؤامرة محمد صفا الذي ألقي القبض عليه يوم تشكيل الحكومة الحيادية، فكانت عملية في منتهى البراعة،

.رفعت كل تهديد يقع على العناصر التقدمية في الجيش فنحن اعتبرنا أن هذه المسؤولية كانت مترتبة علينا والتي لم نكن نجد لها مخرجا، فال نستطيع أن نناصر هذه العناصر الطيبة

في الجيش وال أن نقف ضدها، وفي تقديري أن موقف هذه العناصر تحسن في الجيش فنتج عنه أن الحكومة الحيادية

شعرت بهذه القوة الموجودة إلى حد أنها حسبت لها حسابا .وكانت على تفاهم معها

وكذلك فإن الجهات العربية واألجنبية التي كانت تتصل في الجيش، وجدت أن القوة في الجيش أصبحت بيد العناصر

التقدمية ولذلك اتجهت نحوها، وبذلك صارت الحكومة واألركان .موضوع اتصاالت لم يقصدوا إليها

هنا على ما أعتقد صار شيء من غرور السلطة سواء عند الحكومة أم عند األركان بشكل بطيء، في حين كنا ننتظر أن

مجرد سالمة العناصر التقدمية في الجيش يريحنا، وأن هذا التهور وهذا الغرور حصل سواء من جهة األركان أم من جهة الحكومة.

وهنا يجب أن نتبين أن التهور ظاهره التأييد لنا وحقيقته تأييد .لغيرنا

تكلمت منذ أشهر مع بعض اإلخوان في الحزب بأن السياسة الجديدة هي إنجاح عدد كبير من المستقلين. إذا ظهر لي أن

األركان مطلوب منها أن تكون أكثرية المجلس من المستقلين .الضعفاء قابلين للشراء والسير في الركاب ومنهم حركة التحرير

هذا العطف علينا الذي أكثريته كالم، لو أنه كان جديا، كان يفرض على القائمين عليه أن يتكلموا، ولكني أرى أن سياسة

الجيش إما موصى عليها، وإما من ذاته، هي مكافحة حزب الشعب. ومن أجل ذلك ال بد لهم من االستناد إلى أحزاب أخرى.

لذلك فقد اتصلوا بالحزب )حزب الشعب( أكثر مما اتصلوا بنا . نائبا وكنا نحن على الهامش35وأطمعوه بـ

ولكي ينجحوا في خطتهم حاولوا أن يضمنوا سكوت حزبنا لكي يبقى حزب الشعب وحده أمامهم، ونحن ال نفرق عندنا بين جميع

المرشحين لالنتخابات سواء أكانوا مستقلين أم حركة تحرير أو حزب وطني أو حزب شعب. وإن حصول حزبنا على عدد قليل في االنتخابات هو كسب ال شك فيه، وفيه دفعة إلى األمام ألنه

71

.سيصل إلى ذلك بنتيجة نضاله هناك فرق بين أن يصل هذا العدد من حزبنا بنضاله أو أن يصل

موصوما بوصمة تدخل الجيش. وقد حصل هذا المحذور. وتفسيري لهذا المحذور هو أن سياسة الجيش ليست بريئة كل

.البراءة من االتصاالت الخارجية ومن ناحية أخرى فهو أن حزبنا من المؤسف غير منظم، هذا عدا عن المشكالت الداخلية المتناثرة هنا وهناك. فلو أننا تريثنا أكثر من ذلك وقلنا بأن تنظيم الحزب أجدى أكثر من أي شيء آخر، لكنا غيرنا كثيرا من أساليبنا في الدعاية والسلوك و لكان

تأثيرنا على الفئة التي تناصرنا أقوى وأشد. نتج عن ذلك أن هناك بعض أنصارنا متورطون، ومن جهة أخرى هناك كالم وأحاديث

.وتصاريح كنا في غنى عنها وكان يمكن بهذه األساليب المنظمة أن يرفع أصدقاؤنا في

الجيش الضغط عن الناخبين، ولو أجزنا هذا اإليحاء البسيط لكان .يجب أن يجري بمنتهى اللباقة

وماذا ننتظر من خصومنا سوى التضخيم، وسوى اإلشاعات واألقوال الكثيرة، أما الحكومة فاألشياء التي أجرتها ليس فيها شيء يذكر لمصلحة الحزب. و رغم ذلك فقد كان اجتهادنا بأن

مجرد ابتعاد الحزبين عن الحكم يكسبنا. إال أن هذه الحكومة وصمت بوصمتين: أوال، وصمة الضعف، وثانيا، وصمة االنصياع

.لتوجيه الجيش ويظهر أنه ليس لهذه الحكومة عمر طويل. فإذا قدرنا أن نقنع الجيش بتغيير أسلوبه، وكذلك إذا بقي الحزب الوطني إيجابيا مع االنتخابات فلن تكون لمقاطعة حزب الشعب أية قيمة. ولكن إذا

سقطت الحكومة فيعني ذلك أننا قد فشلنا تجاه هؤالء وإني ألتساءل لماذا وصلنا إلى هذا الحد؟

وكان من الطبيعي أن يكون حزب الشعب أقرب لنا من الحزب الوطني. إن التفريق ضروري بين حزب الشعب والحزب

.الوطني يجب أال نتجاهل المصلحة المؤقتة للحزب في هذا الظرف و إمكان االستفادة منه. والوقوف موقف االعتدال حيث ال نضطر

بعد االنتخابات إلى رمي التهم. إن المجلس المقبل لن يكون أكثر .فاعلية من المجالس السابقة

ولكن ما هو موقف الوسط المعتدل الذي ال يلجئ الحزب إلى التناقض فيما بعد؟ قد يكون الجيش متبنيا لسياسة أجنبية قد

:تكون ملطفة لوجود عناصر مخلصة. إذا عندنا نقطتان األولى: أن نحسب حساب المستقبل وأن نحاول بقدر اإلمكان

72

توفير االنسجام في موقف الحزب بين الحاضر والمستقبل .القريب

الثانية: المساعي الفعلية لدى الجيش والحكومة للتخفيف من االنجراف مع السياسة األجنبية، وهذه لها داللتها، إن في

.التشكيالت أو سواها وإذا كان الظرف إلى حد ما إيجابيا بالنسبة للحزب، فهو أكثر .إيجابية بالنسبة ألشخاص آخرين مكلفين بتنفيذ سياسة أجنبية إن مجال المساعي موجود للتخفيف من مساوئ االرتباطات

واالتصاالت، وال يجوز االنتقال المفاجئ بين خطة الحزب المعبرة عن حاجة عميقة في البالد وأهمها نزاهة االنتخابات. وعندما تصبح

.مراعاة للحزب على حساب النزاهة تتقدم المطالبة بالنزاهة األستاذ أكرم: ال مراعاة. موقف الحكومة وموقف الجيش ضد

.الحزب .األستاذ ميشيل: مراعاة موهومة في ذهن الحزب

.األستاذ أكرم: الحكومة تراعي الجانب اآلخر. مثال التشكيالت األستاذ صالح: الوهم عند شباب الحزب وخطر ذلك ناشئ عن

قصور الحزب في الدعاية. شباب الحزب يصدق أن هناك اتصاال بين الحزب والضباط في االنتخابات، مثل اتصال كمال مشارقة

في حادث المرفأ وارتكابه أشياء كثيرة. و الرأي أنه ال يجوز .السكوت عن هذه الدعايات بل وتصديقها

األستاذ ميشيل: صحيح أن للجيش سياسة عامة وأخرى خاصة. هل نحن ساكتون أم ال؟

.األستاذ صالح: نعم نحن ساكتون األستاذ ميشيل: السكوت غير جائز وسوف نطالب بثمن هذا

السكوت. األستاذ صالح: الجيش والحكومة هدف لكل الجهات. ضعف رئيس األركان. وضعف الحكومة.

الرأي: هو الحؤول دون تدفق األموال وسواه. األستاذ ميشيل: أكرم يقول إن االنتخابات لن يجري مثلها من

حيث النزاهة. األستاذ أكرم: مثل عن عطف الحكومة على الحزب.

.األستاذ ميشيل: الحكومة تعطف على أعداء الحزب .األستاذ أكرم: ال عطف على الحزب

األستاذ ميشيل: هل هذه االنتخابات نزيهة فعال أم كسواها؟ األستاذ أكرم: هل الحكومة تراعي جانبا لنقول لها ال نريد هذا

العطف؟ هل هناك تدخل من قبل الجيش في منطقة ما لصالح الحزب؟

األستاذ صالح: عصام المحايري يقول إن ضابطا كبيرا قال له أن73

.ال يرشح نفسه األستاذ أكرم: ننتهي أن ال الحكومة وال الجيش يعاوناننا. ما هو موقف الحكومة من التغييرات في زمن حزب الشعب؟ كيف

نهاجم الحكومة إن لم نقنع بأشياء نهاجم منها؟ كان حادث واحد: موقف الحكومة من عمال المرفأ. وهذا يزيل كل الدعايات

المغرضة. ليس للحكومة أي صبغة خارجية. يمارس على الجيش ضغط من قبل الدول العربية ومن قبل الدول األجنبية لعودة

شكري القوتلي. ويجب أن يقابل هذا من قبلنا بتوجيه أن ال يخضع الجيش لهذا الضغط. أما رئيس الجمهورية هاشم األتاسي، لن يسمح بمس أي موقف إذا كان لصالح حزب الشعب. علينا أن نلح بعدم تدخل الجيش قطعيا وأن نضغط ليثبت أمام الضغط

الخارجي. قناعتي أنه إذا استمرينا في اإللحاح لعدم تدخل الجيش فستكون االنتخابات أنزه بكثير من سواها، وكذلك الجيش

.فإن تدخله ال يعدو التصاريح وقدم األستاذ عبد الفتاح الزلط في االجتماع ما قاله وزير

:الداخلية إسماعيل قولي في مقابلة بينهما .أن حزب الشعب رغم بدئه باألزمة فهو يريد بناء الحكومة - 1

مساعي من رشدي الكيخيا لعدم إقدام الحزب الوطني على - 2 .المقاطعة

.صفوف الحزب الوطني مضعضعة وليس لديهم معلومات عنه - 3

:وعلى ضوء هذا العرض تساءل الزلط وتستقيل الوزارة؟20/8هل ستجري االنتخابات في

هل سيخوض الحزب الوطني المعركة؟ هل سينهي القضاة إضرابهم؟

في حال اتخذ الحزب الوطني المقاطعة، فأمام الحكومة موقفان: إما أن تستقيل، أو تؤجل االنتخابات. وهل ستستقيل

.الحكومة فورا بعد مقاطعة الحزب الوطني أو تستمر؟ األستاذ أكرم: الجواب الطبيعي أن تستقيل، وهم يتحملون

.موقفهم األستاذ صالح: نقرر نتيجة هذه اإلشاعات ضد الحزب هناك تبلبل في ذهن بعض األعضاء بأن الجيش و الحكومة في جانبنا. وهذا وهم يجب محاربته وناتج عن سكوت الجريدة ومسؤولية جهاز

.الدعاية األستاذ أكرم: يجب إعالن أسماء المرشحين بصورة مستعجلة.

:وأقترح أن يكون موقف الحزب إيجابيا كمنع استمرار إضراب القضاة -

74

.وجر الحزب الوطني إلى عدم المقاطعة .إيجاد جو من االطمئنان وعدم تأزيم الوضع -

على القيادة بما أوتيت من قوة أن تبعد الجيش عن استالم - .الحكم

.محاولة تأخير عودة شكري القوتلي - .انتهى نص محضر االجتماع، وهو محضر لم ينشر من قبل و البد من إلقاء الضوء على بعض المواضيع التي ناقشها

:المجتمعون موضوع مقاطعة حزب الشعب لالنتخابات: فوجئ الوسط - 1

السياسي بإعالن حزب الشعب عن امتناع أعضائه الترشيح لالنتخابات، وأشاع أن أسباب هذا الموقف تعود إلى نية الجيش

التدخل ضد مرشحي حزبهم وعدم التزام بعض الضباط ذوي .الميول الحزبية بعدم تدخل الجيش بالسياسة

أدرك البعثيون وغيرهم هدف تلك المناورة التي يقوم بها حزب :الشعب، وأنها ترمي إلى

المساومة على تأمين حد أدنى من المقاعد في المجلس - .القادم

الضغط على الجيش إليقاف التحقيقات في مؤامرة العقيد - .محمد صفا

.الضغط لعودة شكري القوتلي إلى البالد قبل االنتخابات - .العمل إلسقاط حكومة سعيد الغزي الحيادية -

ولتحقيق بعض هذه األهداف، وبدعم مطلق من الرئيس هاشم األتاسي، طلب الرئيس من رئيس الوزراء تأجيل آخر موعد

أيلول، تحت التهديد10 آب إلى 5لتقديم طلبات الترشيح من باستقالته من الرئاسة، وتعريض البالد إلى فراغ دستوري إذا لم

.تنفذ رغبته، مع احتماالت استالم الجيش الحكم استجابت الحكومة لطلب رئيس الجمهورية وبذلك أخذ حزب الشعب الفرصة الكافية كي يعود عن قرار المقاطعة، وهذا ما

.حصل بالفعل موضوع إضراب القضاة: أراد حزب الشعب تفجير األزمات - 2 أمام الحكومة الحيادية، فأوعز إلى أنصاره في مجلس القضاء األعلى تحريك القضاة لإلضراب بذريعة رفع رواتبهم، وكان من

بين المضربين القضاة المكلفون بالبت في الدعاوى المقدمة من قبل المرشحين المرفوضة ترشيحاتهم، وكان هذا األمر، أيضا،

من ذرائع تأجيل موعد قبول طلبات الترشيح، حتى ال يحرم .المعترضون من ترشيح أنفسهم

موضوع عودة شكري القوتلي: كانت القوى التقدمية في - 375

سورية، وبعض ضباط قيادة الجيش، وبعض قياديي الحزب الوطني، يريدون تأخير عودة القوتلي إلى ما بعد االنتخابات حتى

ال يلعب دورا في تكتل القوى الرجعية، ولكن جهودهم فشلت، وكانت عودته قد ترافقت مع إشاعات وأقاويل عن نية حزب

.الشعب بالتراجع عن قراره بمقاطعة االنتخابات في خضم هذه المناورات، وجلها موجه ضد حزب البعث، شعر

البعثيون، وخاصة العسكريين منهم بالغبن الذي تحاول القوى األخرى إيقاعه بحزب البعث وهو الحزب الذي كان العمود

الفقري بإسقاط حكم الشيشكلي، كما تولد شعور عند ضباط الجيش التقدميين بأنهم مستهدفون للتصفية من القوات

المسلحة، وهذا كان سببا في تفكير بعض الضباط البعثيين في مصارحة قادة الحزب بضرورة استالم البعث السلطة في

سورية. وفي هذا الصدد يذكر األستاذ الحوراني في الصفحة : من مذكراته1672

بعد الظفر الشعبي المنقطع النظير الذي القيناه خالل عملنا) في المعركة االنتخابية، أخبرني الدكتور فيصل الركبي بأن المالزم

محمد عمران ينتظرني في منزله ليحدثني بأمر خطير، فاستغربت مجيء عمران المفاجئ وتركه لقطعته العسكرية في

:دمشق، قال محمد عمران إن الدولة ستزور االنتخابات لمصلحة اإلقطاعيين، وإنه بات من الضروري أن نقطع عليهم الطريق بانقالب سريع قبل االقتراع،

وأن الجيش على استعداد تام.... واختتم األستاذ الحوراني المناقشة مع المالزم محمد عمران بقوله: نحن ال نريد منكم أن تقوموا بانقالبات... نحن نريد منكم إحباط كل مؤامرة انقالبية...

هذا ما هو مطلوب من القوى التقدمية في الجيش، والشعب .(كفيل بدحر القوى الرجعية والرأسمالية بالوسائل الديمقراطية

76

البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية عام1955

في مرحلة ما بعد الشيشكلي ازداد الصراع على سورية من أجل ربطها بالمشاريع االستعمارية للمنطقة،وسخت عراق

الوصي عبد اإلله - نوري السعيد بدفع األموال قبل وبعد الشيشكلي لشراء ذمم بعض الشخصيات من عسكريين ومدنيين

سياسيين لتحقيق بغيتها، كما سخت السعودية بمالها ومصر بنفوذها السياسي بغية إبعاد سورية عن االرتباط بالمخطط

الهاشمي- البريطاني. كان حزبا الشعب والوطني يعتبران انتصارهما بعد االنقالب على الشيشكلي بإبعاد البعث عن التشكيلة الحكومية بحكومة

صبري العسلي فرصة ال يجوز تفويتها ألنها ستساعدهم على تنفيذ سياستهم في المجالين الخارجي والداخلي، كما

ستساعدهم على قلب موازين القوى في الجيش. غيرت االنتخابات النيابية ميزان القوى في الساحة السياسية، وأصبح للبعث كتلته البرلمانية التي ال يمكن تجاوزها، وتزداد إذا

أضيف إليها نواب القوى التقدمية وبعض المستقلين والقوة العسكرية والشعبية ذات األثر الكبير في الشارع السوري وفي

كونها ضابطا ألي توجه سياسي تريد الحكومة اتخاذه. كلف رئيس الجمهورية هاشم األتاسي السيد فارس الخوري

لتشكيل أول وزارة في العهد الجديد، بعد االنتخابات النيابة وبعد أزمة وزارية مصطنعة استمرت طويال، ولقد تم ترشيحه من قبل

77

حزب الشعب والحزب الوطني ليمررا من خالل حكومته صاحبة األكثرية الشعبية ما يرمون إليه، وتبين ذلك أثناء مناقشة البيان

الوزاري لهذه الحكومة، إذ اعترضت بعض الكتل النيابية على فقرات في ذلك البيان ومنها )تتعهد الحكومة بعدم إبرام أي حلف

أجنبي( وقال خالد العظم: )تستطيع الحكومة الدخول في مباحثات مع الدول األجنبية، ثم االعتماد على أكثريتها النيابية

لتغطية مواقفها، وهكذا تبرم االتفاق وتتم الرواية(. وطلب تعديل الفقرة لتصبح: )يعد رئيس المجلس -مجلس الوزراء- بعدم

الدخول في أية مفاوضات مع دولة أجنبية، وأنه يتعهد بأال يطلب من المجلس السماح له بذلك(. ويقول العظم: وافق الخوري،

ودمدم أعضاء حزب الشعب. حدد البعث موقفه من هذه الوزارة ببيان أصدره بتاريخ

، ومن أبرز نقاطه: )إن للخوري صالت وثيقة مع25/10/54 الفئات الرجعية، وإن اختيار رجل من خارج المجلس سابقة

خطيرة، وإن األزمة الوزارية لم تتعقد ألسباب شخصية، وإنما كانت بسبب البرامج االنشائية والخطوات الديمقراطية التي

يعيرها حزب البعث العربي االشتراكي االهتمام األول، في حين كانت بعض األحزاب والكتل البرلمانية تعتبر األزمة منبثقة عن رغبتها في إيصال مرشح معين إلى منصب رئاسة الجمهورية

السورية عن طريق المناورات) المقصود شكري القوتلي(، وإن بيان حزب الشعب الذي أذيع قبيل تكليف األستاذ فارس الخوري

وأعلن الشعبيون أنهم يقبلون بكل من يكلفه رئيس الجمهورية بتأليف الوزارة الجديدة بال قيد أو شرط، إنما هو مؤامرة

مفضوحة لم يعمد إليها الشعبيون إال بعد أن بقوا عدة أياميرفضون كل حل إنشائي لألزمة تمهيدا لهذا االختيار األخير. كان حزب الشعب ومؤيدوه، وبعض كبار شخصيات ونواب

الحزب الوطني، وأكثرية نواب العشائر الذين لهم صلة، أساسها المال الذي كان يغدق عليهم، مع عراق نوري السعيد ، هؤالء كانوا يقاومون التيار الذي كان يرى أن سياسة العراق تخدم

مصلحة البريطانيين وتؤدي إلى إزالة كيان الجمهورية السورية المتحرر، وإعادته إلى دائرة النفوذ األجنبي، وهذا التيار يلتقي في

تطلعاته مع مصر والسعودية في رفض مشاريع األحالفاالستعمارية.

امتد تفكير المتصارعين على سورية إلى الشخصية الرئاسية التي تناسبهم وتسهل لهم تنفيذ مخططاتهم في مرحلة ما بعد

الشيشكلي، وتم اتفاق مشبوه وعليه أكثر من تساؤل، بين حزبي الشعب والوطني المتنافسين والمتخاصمين سياسيا وشخصيا،

78

على شخص شكري القوتلي لمنصب الرئاسة األولى. كان القوتلي قد اختار بعد انقالب الزعيم مدينة اإلسكندرية

منفى اختياريا له، و ما إن تمت اإلطاحة بالشيشكلي حتى راودته اآلمال بالعودة إلى رئاسة الجمهورية، وبدأ نشاطه للعودة إلى

البالد قبل االنتخابات النيابية، وكان رئيس األركان الزعيم شوكت شقير يلعب في الخفاء دورا مؤيدا لهذه العودة، بينما يظهر في

العلن أن ذلك األمر يمكن أن يتحقق بعد االنتخابات. وفي تلك الفترة تكون محور عربي يجمع مصر والسعودية، وكان هذا المحور مؤيدا عودة القوتلي وداعما له، وفي منزل

القوتلي بالمنفى عقد اجتماع لبحث التطورات في سورية بعد االنقالب على الشيشكلي بأيام، حضره الملك سعود والرئيس محمد نجيب وقطبا حزبي الشعب والوطني : رشدي الكيخيا

وميخائيل ليان. ولكن هذا االجتماع لم يستطع التغلب علىمصالح الحزبين السياسية والشخصية.

كما أن االتفاق على اختيار القوتلي أجمعت عليه بريطانيا والواليات المتحدة وفرنسا مع بعض الدول العربية، وظهر دعم هؤالء من خالل زيارة السفيرين األميركي والبريطاني له، ومن

برقية فيصل آل سعود إليه لمناسبة العيد التي عبر فيها عن"تمنياته بتحقيق اآلمال".

عاد القوتلي إلى البالد قبل االنتخابات البرلمانية، ولم يستطع البعثيون والتقدميون من تأخير هذه العودة، ومنذ وصوله طرح

شعار وحدة الصف لتكتيل قوى اإلقطاع ورجال الدين وبعض السياسيين من أحزاب الشعب والوطني و السوري القومي

والتعاوني االشتراكي وشخصيات سياسية مستقلة وأخرى نقابيةبهدف:

- محاربة حزب البعث والقوى التقدمية األخرى، وخالد العظم1وأنصاره.

- تأمين أكثرية نيابية في المجلس النيابي المزمع انتخابه، وهذه2 األكثرية تؤمن له كرسي الرئاسة األولى. ولكن هذه المساعي لم

تكلل بالنجاح، وغادر القوتلي سورية إلى مصر ثانية. اتجهت أنظار البعثيين نحو التحالف مع خالد العظم ودعمه في

انتخابات الرئاسة األولى، وحول هذا التوجه يقول األستاذ أكرم : ) زارني الدكتور سامي1658ص2الحوراني في مذكراته ج

كبارة الخصم العنيد للقوتلي والذي كان يحظى بدعم شعبي قوي في أحياء دمشق وعرض علي إقامة جبهة انتخابية مع خالد

العظم في دمشق فوجدتها الفرصة السانحة إلحداث االنشقاق في صفوف القوى الرجعية... فعقدنا اجتماعات عديدة في بيت

79

خالد العظم حضرها األستاذ صالح البيطار واشترك فيها الزعيمشوكت شقير الذي كان يشجعنا على إقامة مثل هذه الجبهة...(. كان حزب البعث ينتقد باستمرار السياسة الداخلية والخارجية للقوتلي، وبسبب ذلك تعرض الحزب وقادته، وخاصة، في الفترة

األخيرة من والية القوتلي - قبل انقالب حسني الزعيم -العتداءات ظالمة وشرسة.

ناقشت قيادة البعث التي كانت تسعى كي يرشح حزب الشعب أحد أقطابه للرئاسة األولى، موضوع عودة القوتلي

وانعكاسات هذه العودة على الحياة السياسية السورية، وأبلغت رأيها حول انتخاب شكري القوتلي لرئاسة الجمهورية إلى

التنظيم الحزبي في النشرة الداخلية التالية: )يحدث دوما عند وقوع حادث يصدم الرأي العام أن يقع الناس حيارى في بحر من التأويالت المتناقضة التي أدت إلى وقوع هذا الحادث، وأن ينتهز الخصوم واألعداء هذه الفرصة بالذات لشن دعاية مركزة يحملون بها الشعب مسؤولية الحادث الذي صدم

الرأي العام. ونحن كحزب نضالي يعتمد في نضاله على قوى الشعب

المناضلة، نحمل في مثل هذه الظروف مسؤولية كبرى علينا أن نشعر كما شعر الشعب بأن ثمة نكسة قد حلت في البالد. ولكن

علينا أن نبين للشعب بأنه في نضاله ضد القوى الرجعية واالستعمارية ال بد وأن يصاب دوما بنكسات وأن انتصاراته ليست

دوما متوالية، وأن عليه أال يستسلم للتشاؤم وأن يرد عنه سهام الدعاية الرجعية المسمومة، وأن يعتبر أخيرا بأن القوى المادية الداخلية والخارجية قد تغلبت مؤقتا على القوى الشعبية فيهب ليعيد تنظيم قواه من جديد ويخوض المعركة المستمرة التي ال

يمكن أن تنتهي إال بالنصر الشعبي المؤزر. ألن غرض الدعاية المسمومة التي يقوم بها الخصوم واألعداء

في مثل هذه النكسات أن يجعلوا الشعب يشكك في صحة نظريته النضالية وسيادته التحررية، وأن يجعلوه يتراجع عن هذه

الخطة الثورية ويستسلم لسياستهم وقياداتهم، وبذلك وحدهمينالون ما يبتغون وهو قيام حكم رجعي قوي في سورية.

وعلى هذا نحلل الوضع الحاضر كما يلي: - البديهية األولى التي يجب أن تمثل دوما في مخيلتنا هي أن1

وضع البالد وأحد أجزائها سورية، وضع استعماري، بمعنى أن لالستعمار قوة في داخل البالد يعتمد عليها ويدفعها في توجيه

السياسة في اتجاهه أو في تعويقها عن السير في االتجاهالشعبي التحرري.

80

ومعنى ذلك أن الصراع قائم دوما بين القوى التحررية التقدمية التي تريد أن تحقق للبالد االستقرار والحرية واالشتراكية وبين القوى الرجعية المرتبطة باالستعمار، عن طريق المفوضيات

والبنوك والشركات والنظام الرأسمالي، فعند كل معركة أو عندبحث رصيد معركة ال بد وأن ندخل في الحساب قوى االستعمار.

- البديهية الثانية هي أن هدف االستعمار األساسي في مرحلتنا2 الحاضرة منع البالد من أن تخطو أية خطوة إنشائية أو بعبارة

أخرى منعها من أن تستقر استقرارا صحيحا حقيقيا، فاالستعماريعمل دوما على مستويين:

- إما أن يقيم أوضاعا دكتاتورية أو بوليسية وحكومات رجعية قوية تقمع كل خطوة تقدمية ألن الخطوة التقدمية ال يمكن أن تتم إال

بمشاركة الشعب وهذا ما يسمى باالستقرار الكاذب، وهذا مايقوم به في بعض أجزاء الوطن العربي.

- وإما أن يعطل، عندما يكون ذلك ممكنا، كل خطوة تقدمية نحو االستقرار الحقيقي عندما يلتقي الشعب بقيادة شعبية تفتح أمامه طريق االنطالق المنظم والعمل اإلنشائي، مثل هذا الوضع يتمثل

اليوم في سورية التي هيأت لها أوضاع خاصة جوا نسبيا من الحرية الداخلية، سمح للشعب أن يتصدى للرجعية واالستعمار

ويقف دون هجومها عليه كما جرى في االنتخابات األخيرة. إن كل ما تدعيه الفئات الرجعية من طلب االستقرار إنما من باب الدعاية، فسياسة القوى التقدمية في سورية بعد االنتصار

الذي حققته على الدكتاتورية هي أن تحيط هذا الحكم الديمقراطي نسبيا بسياج من التشريعات التقدمية واإلصالحات االقتصادية، ومثل ذلك يتحقق في جو من التعاون والسلم أكثر

مما يتحقق في جو من الصراع والحرب. ولكن االستعمار يأبى هذا االستقرار الحقيقي ألنه يهيئ للشعب قوة فوق قوته ويوطد هذه القوة، ولهذا فإن هدف االستعمار في سورية إبقاؤها في حالة االضطراب وإيقاع االنقسام بين صفوف

شعبها وصرفه نحو انشغال الفئات واألحزاب بعضها ببعضلمحاربة بعضها بعضا.

- إن االستعمار -كما قلنا- ال يتدخل بصورة مباشرة في توجيه3 سياسة البالد، وإنما يتدخل عن طريق الرجعية التي تمثل

المصالح االستغاللية والعادات والعقائد التقليدية، وهذه الرجعية لكي تستطيع خداع الشعب ال بد لها من طالء تقدمي في الظرف

التاريخي العلمي، كي تقسم الصفوف التقدمية وتقسم بالتالي القاعدة الشعبية، ألن الرجعية التي يستطيع االستعمار أن يعتمد عليها ال بد من أن يكون لها أتباع من غير ذوي المصالح من أبناء

81

الشعب، كي ال ينفضح أمرها بصورة سافرة. - إن حزب الشعب، بحكم مجيئه تاريخيا بعد الحزب الوطني،4

أي بحكم وجود أفراد من بين أعضائه يتمتعون بقوة شعبية ألنهم يعتنقون بعض األفكار التقدمية، هو الحزب المهيأ أكثر من غيره لقيادة الطبقة الرجعية في البالد، ولكن ال يستطيع أحد أن يشك

بأن سياسته لن تكون إال سياسة الطبقة الرجعية نفسها التي تلتقي مع سياسة االستعمار، ال ألنه يمثل مصالح هذه الطبقة

وحسب، بل ألن الكثرة الساحقة من أعضائه هم من ذوي المصالح الكبرى: "كبار المزارعين، كبار المالكين، وكالء شركات أجنبية، وكبار المقترضين من البنوك األجنبية، وكبار المساهمين

في الشركات الوطنية المرتبطة بمصالح االستعمار". 5 - لقد قيل إن طبيعة الظرف السياسي الحاضر تتطلب تعاونا

وثيقا بين حزب الشعب وحزبنا، وبذلك وحده يقدم حكما مستقرا مفتوحا نحو المستقبل وآخذا بتطور األحوال. وهو قول حق، بل هي خطة حزبنا السياسية التي أحيينا سلوكها منذ بدء هذا الدور التشريعي، ولكن هذا النوع من الحكم المستقر هو الذي ال تريد

الرجعية واالستعمار له أن يقوم كما سبق أن بينا ذلك، وهو ما يفسر فشل المحاوالت العديدة التي قام بها حزبنا مع حزب

الشعب. لقد جرت االنتخابات فكشفت عن تقدم الحركة االشتراكية وتراجع الفئات الرجعية، وكان من الطبيعي أن يتعاون حزبنا

وحزب الشعب وهما اللذان يؤلف كل منهما مجموعة منسجمة كبرى، عقب تلك االنتخابات التقت قيادة حزبنا مع النواب

الشعبيين التقدميين نسبيا على برنامج سياسي داخلي وخارجي، حين آن تشكيل الحكومة الرجعية التي ترأسها السيد فارس

الخوري. - ولكن حكمها تعثر عندما برز الهدف الخارجي الذي جاءت6

لتحقيقه وهو التعاقد الذي وضح للشعب خطره أثناء المعركة االنتخابية وكانت شعاراتنا ضده، وقتئذ رأت الحكومة أنها سارت

في خطتها بأسرع ما يلزم وأنها انكشفت أمام الشعب والمجلسفاضطرت لالستقالة.

ودخل حزبنا عنصرا أساسيا في حل األزمة الوزارية، معتمدا على قوة الرأي العام ضد األحالف األجنبية، واشترك في الحكم رمزيا ليدلل على أن االستعمار ليس قدرا مقدورا، وأن خططه

يمكن أن تفشل عندما تكو ن القضية موضحة في ذهن الشعب، وعندما يقودها حزب يعتمد على الشعب. وفي الواقع فإن

سياسة الحكومة التي اشتركنا فيها جاءت ألول مرة واضحة في82

الغاية الخارجية كل الوضوح. وألول مرة تعرض هذه السياسة في مؤتمر باندونغ وفي سان فرنسيسكو كما حددناها في الشعار

الحزبي: الحياد اإليجابي وعدم االنضمام لسياسة المعسكرين. - ومع ذلك، وخالل الحكم الذي اشتركنا فيه، كنا نقوم باتصاالت7

مع أعضاء حزب الشعب بقصد االتفاق على ميثاق قومي ومنهاج سياسي داخلي وخارجي يتضمن شعارات حزبنا تحقيقا لخطتنا، بأن اتفاقنا وحزب الشعب سيقيم في سورية االستقرار الحق ويحقق لها تقدما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وكان حزبنا هو

الذي يبادر دوما، ولكن أي اتفاق يتطلب موافقة الطرف الثاني، وكان حزب الشعب وقيادته الفعلية يتهرب دوما في اللحظة التي

يكاد االتفاق يصبح رسميا. - ولقد بدأت المعركة االنتخابية، وحزبنا يرى أن مركز الرئاسة8

في الظرف التاريخي الذي تمر به البالد مركز خطير. صحيح أن رئيس الجمهورية ذو صالحية ضيقة محددة في الدستور، ولكنه

يستطيع، والمجلس على ما هو عليه من انقسام، أن يلعب دورا كبيرا في السياسة، فيؤلف الحكومات التي يريدها ويضرب

األحزاب بعضها ببعض ويزيد االنقسام أكثر مما هو قائم. وحزبنا لم يجد من الممكن وال من الجائز أن يرشح أحدا منه. كما أنه

بطبيعته ضد ترشيح القوتلي للرئاسة لما يعلم عن سيئات ماضيه في الحكم وبصورة خاصة عن عبثه بالدستور. وبقي أمام حزبنا أن يختار بين خالد العظم ومرشح حيادي ومرشح شعبي، ومن بين هؤالء وجد الحزب في خالد العظم ضمانة أكبر مما يجدها في اآلخرين. ولكنه لم يتخذ قرارا بذلك ولم يغلق الباب أمام

البحث مع الفئات األخرى والسيما مع حزب الشعب في اختيار المرشح األنسب. وفيما يتعلق بالقوتلي صرح دوما بأنه أمام هذا

الخطر ال يتأخر حزبنا من أن يصوت للمرشح الشعبي، غير أن حزب الشعب كان يصم آذانه ولم يبادرنا في بحث هذا الموضوع، بل كان كبار أعضائه الذين طبخوا موضوع الرئاسة بصورة سرية

يوهمون نوابهم الشباب بأننا ) أي البعثيون ( ال نحيد عن خالدالعظم وال نقبل إال به، خالفا لتصريحاتنا الشخصية والرسمية.

وعندما قوي خطر ترشيح القوتلي، دعونا رسميا حزب الشعب الجتماع رسمي ولكنهم كانوا يماطلون خوفا من أن تفسد الخطة

التي رسموها وهي عدم ترشيح مرشح شعبي واقتراعهملمصلحة القوتلي.

- يتساءل البعض: ألم يكن من الممكن أن يتفق حزبنا مع9 حزب الشعب بأي شكل كان على مرشح منهم لقطع الطريق

على القوتلي؟ 83

إن في طرح هذا السؤال على هذا الشكل خطأ كبيرا ألن حزبا مثل حزبنا ال يستطيع أن يستسلم لحزب آخر، وكل ما يستطيعه

أن يلتقي معه في منتصف الطريق فاالتجاه السياسي هو العامل األساس في انتخاب الرئيس، وال يعود ثمة فرق كبير بين

المرشحين إذا استوى االتجاه عندهم. وحزب الشعب لم يأت ويفاوضنا على أساس الند للند، ونستطيع أن نجزم بأن حزب الشعب معنا في معركة الرئاسة، إنما كانت تملي عليه مصلحته كحزب رجعي انتهازي يراعي أول ما يراعي مشيئة االستعمار، واالستعمار حارب خالد العظم حربا ال هوادة فيها لمجرد سيره في االتجاه السياسي االستقاللي الذي رسمه

حزبنا. وحزب الشعب الذي يخاف أن يصبح مشبوها في نظر الدول األجنبية إذا ما نجح بأصواتنا بعد أن رفض الحزب الوطني

والكتل اليمينية تأييد مرشحه لم يجد أصلح من طبخ الرئاسةعلى الشكل الذي تم.

- والسؤال الصحيح الذي يجب أن نتوجه به إلى أنفسنا10 وحزبنا: هل فعلنا كل شيء لمنع عودة القوتلي؟ والجواب على

ذلك: ال. لقد كان على حزبنا أن يجعل من قضية الرئاسة قضية عامة

ويسلمها للشعب. فالقضية عندما يستلمها الشعب، عندما تصبح قضية شعبية، تكون دوما رابحة في حال النجاح أو الفشل. ألن

الوعي الشعبي الذي تخلقه القضية يزيد في نضالية الشعب ويهيئه أكثر بكثير للنضال المقبل. وقد كان قصور حزبنا كبيرا في

إيصال القضية ليد الشعب. واآلن، بعد أن أصاب هذه القضية الفشل، يقع على حزبنا

الواجب األكبر في أن يستخرجوا منه وفي أن يستمدوا منه حافزاقويا لنضال جديد وتفاؤل بالنصر األكيد:

أوال، على حزبنا أن يدرك أن هذه المعركة هي ثالث محاولة بعد االنقالب األخير حاول بها االستعمار تكتيل القوى الرجعية في

البالد ضد القوى التقدمية وبصورة خاصة عزل حزبنا وتطويقه. ثانيا، على حزبنا أن يفشل هذه المحاولة كما أفشل سابقتيها

وليس ذلك بمسايرة الفئات الرجعية والمساومة على شعاراته والتخلي عن سياسته، بل بزيادة اتصاله بالجماهير الشعبية

وبتوضيح الوضع السياسي العام وخفايا معركة الرئاسة بصورةخاصة، فالشعب ال يناضل وال يقاتل إال في سبيل قضية واضحة.

ثالثا، فضح موقف حزب الشعب وموقف نوابه في معركة الرئاسة أمام الشعب، حتى تضطرب صفوفه وتتخلى عنه قاعدته

ويضطر نوابه المخدوعون الذين ال تزال تربطهم بالشعب بعض84

الروابط أن يعودوا إلى صفوف الشعب ويبعثوا بالذين خدعوهم إلى صفوف الرجعية. وبهذا يكسب حزبنا عددا عديدا من القاعدة الشعبية التي كانت تظن حتى اليوم أن في حزب الشعب القدر

الذي ال بد منه من الوطنية والتقدمية وأنها لذلك تمشي وراءه(. 1954 تشرين األول

القيادة القومية اغتيل العقيد عدنان المالكي الذي كان1955 نيسان 22 في

معارضا شديدا لعودة القوتلي إلى الرئاسة، وبعد مدة وجيزة من اغتياله بدأ النشاط في الوسط السياسي من أنصار القوتلي

وأخذوا يروجون قرب عودته و نيته الترشيح للرئاسة مدعوما بذلك من مصر وقوى عربية وخارجية، بينما كان رأي قيادة البعث

أن خالد العظم هو الشخصية المناسبة للقوى السياسية العربية التقدمية، وتعزز هذا الرأي بعد البيان السياسي الذي ألقاه خالد

العظم بصفته وزيرا للخارجية فضح فيه السياسة البريطانية- األميركية والدول العربية السائرة في ركابهما، وأكد فيه على

المحافظة على استقالل سورية وسيادتها في ظل النظام الجمهوري الديمقراطي، وأن تعمل دائما لتجنيب سورية وبقية األقطار العربية أخطار السيطرة األجنبية، وأن سورية تستوحي

سياستها الخارجية، دائما، من مصلحة األمة العربية... و وضح أهداف الميثاق العربي الجديد، وأكد على السير بالدول العربية

نحو الوحدة العربية المنشودة، وأن سياسة سورية إيجابية إنشائية وترفض األحالف األجنبية، وتصر على الحلف العربي

الثالثي. عاد القوتلي إلى سورية في أواسط الشهر السابع من عام

، أي قبل موعد انتخابات الرئاسة بحوالى الشهر،1955 واجتمعت المتناقضات من مؤيدي مصر والسعودية ودعاة حلف

بغداد وأجمعوا على انتخاب شكري القوتلي الذي نجح في الدورة الثانية من االنتخاب. وعن كواليس هذه االنتخابات يروي مطيع

السمان في مذكراته "وطن وعسكر" أن رشدي الكيخيا قال له: )إن خالد بكداش جاءه موفدا من خالد العظم، بعد االقتراع األول

على رئيس الجمهورية، طالبا دعم حزب الشعب في انتخابه لرئاسة الجمهورية مقابل تعهده بأن تكون رئاسة المجلس النيابي

ورئاسة الوزارة لحزب الشعب أو إلى الذين يختارهم الحزبطيلة فترة وجوده في منصب رئاسة الجمهورية(.

85

86

إعادة تنظيم الحزب في االنفصال

،1947 لقد واجهت الحزب الذي اعتبر يوم السابع من نيسان عيدا لتأسيسه، واجهته سنوات نضالية أسفرت عن قيام وحدة

، كما واجهته أزمات عديدة، ولعل1958سورية ومصر في شباط مسألة قبول القادة الثالثة حل الحزب كشرط لموافقة عبد

الناصر على الوحدة كانت من المسائل التي أخذت حيزا كبيرا من اهتمام ومناقشات البعثيين، وكانت لها نتائج أدت إلى انقسام

الحزب إلى أجنحة متعددة، مازال يعاني منها. السير نحو الوحدة

، حين اجتمع1955بدأ ظهور المرحلة اإليجابية في عام الرئيس عبد الناصر مع النقيب مصطفى حمدون، الذي كان قد

التحق بدورة عسكرية في مصر، وفي هذا االجتماع أبدى عبد الناصر إعجابه بحزب البعث وحرصه عليه، ومما قاله: انتبهوا يا

حمدون ... إن الحزب مستهدف، إنهم يريدون استئصالكم. التقى األستاذان الحوراني والبيطار1956 وفي أوائل عام

)كانا عضوين في وفد برلماني يزور القاهرة( مع الرئيس عبد الناصر في منزله، وقال لهما: يجب أن تعتبروني واحدا منكم، أنا

أتتبع الحزب في سورية بمنتهى االهتمام. كانت بداية جسور التالقي إعجابا متبادال، ومن ناحية مصر _كما أورد هيكل في كتابه سنوات الغليان– إن الرئيس عبد الناصر قال

87

له: ) البد أن نكون على اتصال بكل القوى العربية التقدمية وإقامة جبهة عريضة، وأمامنا حزب البعث في سورية، آراؤهم

وطنية(. وتحدث باتريك سيل في كتابه الصراع على سورية "إن أول

جماعة سياسية، خارج مصر، منحت ثقتها لعبد الناصر، كانت حزب البعث، وأصبح البعث بعد تأميم قناة السويس في تموز

حليفا لعبد الناصر، حتى إن البعض كان يطلق عليه "حزب1956عبد الناصر".

وغاياته، وجعل بشكل دائب على تحقيق ذاته الحزب يعمل كان الصفة القومية فيه حقيقة دافعة منظمة وفعالة، ومن هذه الحقيقة مد الحزب جسورا قوية للتالقي مع مصر في عهد

الرئيس ناصر. في هذه الفترة أصبح البعث قوة فاعلة ومحركة لألحداث على مسرح الحياة السياسة السورية، وفي بيان له موجه إلى الشعب

، دعا ألول مرة وبشكل علني1956 نيسان 17العربي بتاريخ إلى الوحدة بين مصر وسورية: )إن نقطة االنطالق نحو الوحدة

التي تنبثق من النظرة القومية السليمة والتي يتطلبها واقعنا القائم، مع السعي لتوثيق التعاون بين الدول العربية المقاومة

لألحالف وذات السياسة الخارجية المستقلة والتي تحيط بها تلك الخطط االستعمارية هي في المبادرة إلعالن الوحدة بين سورية

ومصر(. كانون الثاني16 كان ذلك، بعد إعالن الدستور المصري في

، الذي نص في مادته األولى على أن "مصر دولة عربية1956 ذات سيادة، وهي جمهورية ديمقراطية، والشعب المصري جزء

من األمة العربية". كما دفع البعث بحكومة الميثاق القومي التي تشكلت برئاسة

التخاذ قرار بتشكيل لجنة1956صبري العسلي في حزيران للشروع في مفاوضات مع مصر لتحقيق اتحاد فيدرالي بين القطرين، والقى هذا القرار موافقة باإلجماع من المجلس

النيابي. كان تأكيد الحزب على السير نحو الوحدة ينطلق من أن المناخ السياسي في سورية كان قوميا تحرريا، وأن ممارسات الرئيس عبد الناصر كانت تستجيب للحركة التي أطلقها البعث، رغم أن األستاذين صالح البيطار وأكرم الحوراني حين التقيا مع الرئيس

، تحدثا إليه: عن إيمانهما بأن في1956في منزله في أوائل عام مصر تجربة عربية تقدمية وينظران إليها بعين الجد والتفاؤل،

وعن حرصهما جدا على نجاح تجربته وهذا ما يقتضي أن88

يصارحوه بما الحظاه من مواقف الشعب السلبية من الحكم،ويعتقدا أن السبب يعود إلى انعدام الديمقراطية(.

لقد تغاضت قيادة الحزب عن إبراز الجوانب الفردية واألمنية لنظام عبد الناصر، وتم التركيز على عروبته و على نضاله ضد

أخذ البعث1956االستعمار واألحالف المشبوهة، وبدءا من العام يعبئ الشعب لذلك، وأصبح حديث الوحدة مع مصر يحرك الشارع

السوري، من دون أن تقوم القيادة في مصر بخطوات التعبئة نفسها للشعب المصري، وبذلك الوقت كان البعث قد أصبح

القوة األساسية المؤثرة في تحريك األحداث على مسرح الحياة السياسية السورية، كما أصبح له كلمة مسموعة في داخل الجيش الذي كان له تأثيره على السياسة في سورية، وأن

عامل النفوذ الكبير الذي كان يتمتع به الضباط البعثيون على الجيش كان هو العامل األقوى في دفع غالبية ضباط الجيش إلى

المطالبة بالوحدة ووضع السياسيين جميعا أمام األمر الواقع. بدأ العمل من أجل الوحدة، وتتالت اللقاءات بين قادة البعث

كما كانت لقاءات كثيرة تحدث بين وبين الرئيس عبد الناصر، قوى وشخصيات سورية عديدة مدنية وعسكرية، وبين محمود

رياض سفير مصر في دمشق، والملحق العسكري المصري عبد المحسن أبو النور، وكانت نقطة الضعف أن البعث لم يكن

مسلحا بنظرية وإستراتيجية عمل، ولهذا لم يكن عند الحزب مفهوم علمي مدروس للوحدة التي يريدها وال خطة عملية

لتحقيقها، وليس لديه مشروع محدد بشأنها مع أنها "الوحدة" هي الحلقة المركزية في عقيدته، و بالرغم من أن األستاذ

أن الحزب يعد دراسة1956ميشيل عفلق قد أعلن في شباط لمشروع اتحاد فيدرالي مع مصر، ونتيجة لتطور األحداث جرى

بسرعة إعداد مشروع عند بدء مباحثات الوحدة يقوم على أسس فيدرالية، حمله وزير الخارجية األستاذ صالح البيطار إلى

القاهرة، ولكن لم يطرحه في المباحثات التي أجراها هناك. طريق عودته من األمم المتحدة، مر األستاذ صالح البيطار في

الذي أبلغه أنه يخشىعلى القاهرة والتقى الرئيس عبد الناصر للسيطرة علىبانقالبقيام بعض ضباط الجيش السوري

، ولذلك فهو يريد أن يتأكدالسلطة والحيلولة دون قيام الوحدةمن موقف الجيش قبل المضي في أية إجراءات عملية.

كما أن عبد المحسن أبو النور نقل الهواجس نفسها وخشية بعض الضباط يعارضونالرئيس ناصر إلى األستاذ البيطار بأن

قيام الوحدة، وسمى الضابطين أمين الفوري وأحمد عبد الكريم، وطرح عليهما1958/ 11/1يوم فاستدعاهما األستاذ البيطار

89

الموضوع، فأنكراه وأكد أحمد عبد الكريم بأنهما "مع الوحدة وال أن مجلس القيادة العسكري الذي يمثليرضيان عنها بديال، و

قيادة الجيش ومختلف وحداته والمناطق العسكرية مجمع على الوحدة"، ونتيجة لحديث األستاذ صالح البيطار اجتمع في اليوم

ابطا.ض 2نفسه، مجلس القيادة العسكري المكون من حوالي . تسارعت األحداث، ودخل أعضاء المجلس في مزاودات بين

بعضهم، ومنهم من كان يطالب بوحدة اندماجية، وأعدوا مذكرة باسم الجيش والقوات المسلحة تضمنت إجماع أعضاء هذا

المجلس على قيام الوحدة الكاملة مع مصر، وسمى مجلس القيادة وفدا من بين أعضائه للسفر إلى القاهرة في الليلة نفسها

لتقديم المذكرة إلى الرئيس ناصر، كما تقرر أن يقوم وفد آخر من مجلس القيادة بتقديمها، صباحا، إلى الحكومة السورية،

فوجئت الحكومة، باستثناء األستاذين الحوراني والبيطار، بأنو14طائرة ستقل وفدا من المجلس العسكري يضم ضابطا

ليال إلى مطار القاهرة لمقابلة الرئيس عبد12ستصل الساعة الناصر، وأن الوفد يحمل معه مذكرة تم إعدادها في دمشق،

وبعد حوار طويل بين مندوبين عن الرئيس ناصر وأعضاء الوفدوافق الرئيس على قبول فكرة الوحدة االندماجية بشرطين:

-حل األحزاب في سورية.1 -إبعاد الجيش عن السياسة. 2

ووضع أعضاء مجلس القيادة العسكري أنفسهم تحت تصرف الرئيس ناصر وتركوا له الحرية بتعيين أفراد هذا المجلس في

األمكنة التي يريدها أو تكليفهم بأي عمل يشاء، ثم سافر األستاذالبيطار إلى القاهرة واستكمل المباحثات.

عاد األستاذ البيطار من رحلته األخيرة إلى مصر وهو يحمل مشروع وحدة اندماجية بين القطرين، بدال من مشروع الحزب بقيام "وحدة اتحادية" مدعيا أن القيادة السياسية في مصر ال

تقبل غير ذلك، وهذه الوحدة الكاملة تقتضي حل المجلسين النيابيين في كل من سورية ومصر واستقالة الحكومتين، كما حمل األستاذ البيطار معه أيضا، طلبا من من القيادة المصرية بضرورة "حل األحزاب في سورية بما في ذلك حزب البعث"،

كي يتسنى لها التفكير في قيام الوحدة، ولقد وافق مجلس النواب السوري والحكومة السورية على تلك الشروط، وسافر الرئيس شكري القوتلي وأركان الدولة إلى القاهرة وتم اإلعالن

عن قيام الوحدة االندماجية. كانت الوحدة نتيجة لنضال الشعب العربي, وأن خطورتها

وأهميتها تؤثر على مستقبل الثورة العربية، وكان البعث داعية90

وحدة منذ نشأته، ولم تكن الوحدة مع مصر طوق نجاة وخالصا لسورية من أزمتها، ولم تكن هربا من المشاكل الداخلية، بل هي، مرض سوري، كما يقول األستاذ البيطار، وكان األستاذ

عفلق يرى أن هذه الوحدة ستحقق المعجزات وتغير وجه التاريخ، ويؤكد محمود رياض في كتابه "األمن القومي العربي" دور

البعث، ويقول: )لم يعرض عبد الناصر الوحدة على سورية ولم يفرضها، بل رأى أنها مؤجلة لمدة خمس سنوات، وكان البعث هو

الذي ضغط بشكل متواصل، وكان عبد الناصر يرى ضرورة التمهيد للوحدة(. ويذكر رياض، أيضا: )أن قادة البعث كانوا يرون

أن عبد الناصر هو أول زعيم مصري يدعو إلى القومية العربيةووحدة العمل العربي(.

إلى جانب العمل من أجل الوحدة، بدأ الحزب يطرح مع فكرة الجبهة القومية الشعبية1957الرئيس عبد الناصر عام

على نطاق الوطن العربي، وكان هذا الطرح نتيجة للسياق الجديد الذي دخلت فيه القضية العربية بعد أن أصبح شعار وحدة

النضال العربي الذي كانت تؤكد عليه كتابات الحزب ونشاطاتهحقيقة واقعة.

إن الوحدة التي هي حلم الجيل العربي، والتي هي أساس عقائدي من أسس وجود الحزب، قد كان لها عميق األثر في

تاريخ88نفوس البعثيين، ولقد نشرت جريدة البعث في العدد مقاال بعنوان مصر وسورية جمهورية1958 كانون الثاني 26

عربية متحدة، ومما ورد فيه )إن هذا المستوى من الوعي للقضية العربية الذي تجلي خاصة في مصر وسورية، وهذا الكفاح

الثوري الذي خاضه الشعب العربي في القطرين ومن حولهما الشعب العربي كله ضد االستعمار الغربي و"إسرائيل" هو الذي

أتاح للقطرين أن يحققا طرد األجنبي من أرضهما وأن يصمدا فيوجه مؤامراته المتصلة وعدوانه.

وكما اقترن فقدان الشعب العربي لحريته بتجزئة وطنه وتمزيقه يقترن اليوم تحررهما بالوحدة، فيتقدم القطران اللذان فصلت بينهما قرون طويلة من التجزؤ واالحتالل ليكمال الخطوة

التحررية بالخطوة نحو الوحدة وذلك بتحقيق الـ ج.ع.م بين مصروسورية(.

من جريدة البعث90 وكتب األستاذ ميشيل عفلق في العدد مقالة بعنوان "هذه الوحدة ثورة عربية1958 شباط8بتاريخ

وثورة عالمية، وضمانتها في استمرار ثوريتها"، ومما جاء فيها: )أن هذا

91

الظفر األول للوحدة العربية يجيء دليال ال على ثورية الوحدةفحسب، بل على ثورية القومية العربية في اتجاهها الجديد.

حاجة العرب إلى1958 إن الوحدة كحدث لبى في شباط االنطالق، وعبر عن أمانيهم وإرادتهم وكثمرة لنضال طويل، قدم

الشعب فيه تضحيات كبرى جعل الـ ج.ع.م في حمى العرب كلهم يتطلعون إليها ويعملون من أجل حمايتها. أما الحزب الذي اعتبر

نفسه أنه قد حقق أكبر خطوة قومية في تاريخ نضاله، خطوة الوحدة بين سورية ومصر، وجد فيما بعد أنه وقع في خطأ جسيم

عندما قبل حل تنظيمه داخل الجمهورية العربية المتحدة وتسليم قيادة تلك

الخطوة التاريخية إلى حكم الرئيس جمال عبد الناصر، الذي ظهر فيما بعد أنه كان بعيدا عن تفهم شروطها وبعيدا بصورة خاصة عن تفهم أهمية التنظيم الثوري للشعب وكونه ضرورة لتطبيق الوحدة وحمايتها ولتحقيق الثورة، كما ظهر أن الحزب لم يكن في مستوى الخطوة التاريخية التي حققها، فلم يعد لها اإلعداد الكافي كي يبقى الشعب هو المشرف على تطبيقها والمدافع

(.(1)عنها ضد انحرافات الحكم ومؤامرات أعداء األمة لقد أدركت قيادة الحزب خطأها عندما فصلت بين الوحدة والديمقراطية لدى قيام وحدة سورية ومصر بسبب تفاؤلها

السطحي في أن تؤدي الوحدة بصورة حتمية إلى الديمقراطيةوتفرض ذلك على الحكام .

حل الحزب شباط23أذاع األستاذ ميشيل عفلق األمين العام للحزب في

، أي في اليوم التالي لالستفتاء على الوحدة ورئاسة عبد1958الناصر البيان التالي:

عقد23/2/1958 "في الساعة السادسة من مساء األحد مجلس حزب البعث العربي االشتراكي بالقطر السوري اجتماعا استمع فيه إلى بيان القيادة القومية وقرارها بحل فروع الحزب

في الـ "ج. ع. م" وبذلك يعتبر حزب البعث في الـ ج. ع. م منحالبكافة منظماته ومؤسساته".

وارتجل األستاذ ميشيل خطابا في االجتماع الحزبي المذكور تناول فيه أسباب الحل وغاياته، وبرر الوحدة االندماجية بأن

األحداث تحركت بأسرع مما رسمه المشروع الذي أعده الحزب فتعذرت دراسته بعناية، وأخذ كل من األساتذة الثالثة يبرر سبب

قبول حل الحزب وهو االتفاق مع الرئيس ناصر على أن يتولى البعثيون قيادة التنظيم السياسي لدولة الوحدة "االتحاد القومي"

أو أن تكون هناك قيادة بعثية – مصرية، أو أن تطلق يدهم في

92

سورية، وقال األستاذ البيطار إن القيادة ستكون مشاركة بين السوريين والمصريين، وأن الرئيس ناصر قال: "إن تجربة مصر الحزبية حديثة – المقصود بعد ثورة يوليو – وحزب البعث مؤهلألن يعطينا تجربته، وأنا ال أعرف غير حزب البعث في سورية".

كان للبعث آماله ومطالبه، وكانت لدى القادة البعثيين آمال ببعثية التجربة في دولة الوحدة، ومن هذه اآلمال جرى حديثهم عن انتماء عبد الناصر إليهم، ويشير بعض الضباط البعثيين إلى

أن األستاذين أكرم الحوراني وصالح البيطار نقال إلى التنظيم البعثي في الجيش أن القيادة وافقت على حل الحزب ألن عبد

الناصر أقنعهما بأنه سيقيم اتحادا قوميا ليس بديال عن حزب البعث، ولكنه يقوم بدور حزب البعث، وقاال أيضا: إن عبد الناصر

كرر أمامهما عدة مرات بأنه يعتبر نفسه بعثيا، وقد .1962 أيلول 22(من بيان القيادة القومية 1)

قال عبد الناصر أمام األساتذة الثالثة: "إنني بعثي ومؤمن بمبادئ حزب البعث العربي االشتراكي، واعتبروني بعثيا رغم أنني ال أدفع اشتراكا للحزب"، وكان األساتذة الثالثة يكررون: "إن عبد الناصر

تنطبق عليه كل مواصفات البعث". ويرى المفكر المصري محمد عودة، أن البعث كان حزبا بال

قائد، وكان عبد الناصر قائدا بال حزب. انتقدت القواعد تخطي القيادة إلرادة الحزب، في مواقف

كثيرة، ولعل أخطرها قرار حل الحزب وأن األساتذة الثالثة لم يدعوا المؤسسات القيادية لمناقشة خطوة مصيرية كهذه، وهذا

يكشف عن الخلل التنظيمي في الحزب، وكان من المفروض بالقيادة الحزبية أن تدعو مجلس الحزب لطرح هذه الموضوعات المصيرية عليه، وأن تستشير قيادات الحزب في األقطار العربية

األخرى بطلب عبد الناصر حل الحزب في مركز ثقله في سورية, وأن المجلس الذي دعته القيادة لهذا الغرض لم يكن المجلس

المنتخب من قبل قواعد الحزب، وإنما كان مجلسا منتقى بشكل كيفي، ورغم ذلك برز بين الحضور من اعترض على قرار الحل،هموا بالعمالة والخيانة. ويقول فانهالت القيادة عليهم تهشيما وات األستاذ الحوراني في مذكراته: "إن عددا من الحزبيين خاطبوه بأنه ال يجوز حل الحزب دون توضيح وتبرير مكتوب يعمم على

الفروع الحزبية في سورية وعلى كل األقطار العربية". بعد اختالف البعث مع الرئيس عبد الناصر الذي انتهى باستقالة

، بسبب الهيمنة السياسية1959الوزراء البعثيين في كانون األول

93

وإبعاد الحزب الذي كان له الباع الطويل في تحقيق الوحدة،وكانت أسباب االستقالة، وفق الرؤية البعثية:

تجاهل الحكم للمنطق القومي. - اعتماد الحكم على شخص الرئيس واألجهزة الفنية-

والمخابراتية.عدم وجود أساس عقائدي للحكم. -إفراغ المنظمات النقابية من مضمونها. -االتحاد القومي جهاز تابع للسلطة والمخابرات.-

وكانت االستقالة تعني إعالن استحالة تصحيح أوضاع الحكم عن طريق المشاركة فيه، وعدم المشاركة في تحمل مسؤولية االنحراف رسميا، في الوقت الذي ال يتحمل البعثيون في الحكم

أية مسؤولية حقيقية عن هذا االنحراف، وعدم تغطية هذااالنحراف أمام الشعب.

تزايد نقد القواعد البعثية لقرار الحل، مما اضطر القيادة القومية، التي كانت تنشط من بيروت لعدم وجود تنظيم في

جاء فيها: "أن الوحدة بين1959سورية، إلصدار نشرة في آذار سورية ومصر لم تكن سهلة، ألن الوحدة فكرة ثورية يتطلب

تحقيقها تخطي كل االعتبارات المحلية والمصالح المرتبطة بالتجزئة، وإزالة كل ما خلفه وضع التجزئة من آثار في الفكر والثقافة، والتغلب على المشكالت والصعوبات التي تنشأ عن

الوحدة". كما أخذ القادة يطرحون أسبابا أخرى يبررون بها قرار حل الحزب، ومما كتبه األستاذ الحوراني في مذكراته: "كنا نأمل

بأن تدفع ثورة الوحدة جمال عبد الناصر في طريق تبني أيديولوجية حزب البعث واستكمالها، من خالل بناء االتحاد

القومي كتنظيم ثوري وحدوي متقدم على البعث، والذي كان يمدنا بهذه األحالم ما كنا نعانيه داخل الحزب من مشكالت

وهشاشة الجبهة الوطنية التي تزايدت بعد أن ساءت العالقة مع الحزب الشيوعي واالتحاد السوفييتي، حيث بلغ إحراجنا حدا ال

نرى فيه من مخرج إال اإلقدام على انقالب يتولى فيه حزب البعث العربي االشتراكي الحكم، ولكن الحزب لم يكن قادرا

على تحمل أعباء الحكم بمفرده في سورية، باإلضافة إلى مايؤدي إليه حكم الحزب الواحد من نتائج".

أما األمين العام للحزب األستاذ ميشيل عفلق، فقد تحدث في ، قائال: "لم1962المؤتمر القومي الخامس الذي انعقد في ايار

يكن الحزب يجهل أن النظام القائم في مصر لم يكن نظاما ديمقراطيا، وهو مع ذلك تحمس للوحدة واعتبرها، كما اعتبرها

الشعب العربي كله، عمال تاريخيا ... وقال: "نقطة مهمة94

وأساسية كان الحزب يعرفها وال يصرح بها، يعرفها ويغالط نفسه عند1958أحيانا في التغاضي عنها... هي أن الحزب في أوائل

قيام الوحدة لم يكن موجودا الوجود الحقيقي السليم ... إن الحزب كان يعاني من التناقضات والضعف والميوعة والهجانة، بمعنى أن أصالته الثورية قد شابتها الشوائب التي فعلت فعلها

الكبير. كانت عناصر كثيرة في الحزب، وأقصد في سورية بالدرجة

األولى, والموضوع كان محصورا في سورية بالذات، كانت ترى في تحقيق الوحدة إجازة لها من النضال وإراحة وخاتمة ومفترجا

للمشاكل المستعصية في الحزب.... وأضاف: وأما القبول بحل الحزب فكان خطأ بال شك وخطأ كبيرا، إال أنه، في واقع األمر، كان تكريسا لشيء موجود وحاصل ... المقصود أن الحزب في ذلك الوقت كان يعاني من عوامل التناقض والتشويه واالنحالل

بداخله مما كان ينذر بأنه سيحل نفسه، فلو افترضنا بأن الحزب كان موجودا بتكوين سليم، وباتصال وثيق حي مع الشعب، هل

تعتقدون أن قرار الحل كان سينفذ بتلك السهولة التي نفذ بها؟". وأخيرا، يمكن إيجاز ما تقدم بأن البعثيين فوجئوا بالشرط الذي وضعه الرئيس عبد الناصر كي يوافق على الوحدة، أال وهو شرط حل األحزاب في القطر العربي السوري، وهذا يعني بالتحديد حل تنظيم حزبي البعث والشيوعي، ألن األحزاب األخرى لم يكن لها

امتداد جماهيري على الساحة السورية، وأن السبب في ذلك القبول، هي الثقة التي كان يوليها قادة الحزب للرئيس عبد

الناصر، الذي كان يبدي إعجابه بالفكر القومي االشتراكي لحزب البعث، خالل لقاءاته مع قادة الحزب، بعد حرب السويس، وألن البعث كان المهندس الرئيس للوحدة، ظن بأنه سيكون صاحب

اليد الطويلة في دولة الوحدة، وما حماس البعث القومي لزعامة عبد الناصر المطلقة إال دليال على أنه كان قد حصل على تأكيدات

حول هذا األمر.أزمات الحزب بعد الوحدة

كان قادة الحزب الثالثة، يشعرون بالخطر من عدم ارتباط قواعد الحزب بهم، وأن هذه القواعد بدأت تفقد ثقتها بهم بسبب استسالمهم لصراعاتهم في وقت أحوج ما يكون فيه الحزب إلى

التماسك. بدأت تتبلور في أوساط الحزب فكرة ضرورة1957 منذ ربيع

الدعوة إلى مؤتمر قطري لطرح جميع قضايا الحزب السياسية والفكرية والتنظيمية، والنتخاب قيادة قطرية للقطر السوري

تموز9يستبعد منها القادة الثالثة، ولقد عقد هذا المؤتمر في 95

، وأدان الهوة العميقة التي تفصل ما بين القيادة والقاعدة،1957 ونبه إلى ضرورة االبتعاد عن العمل السياسي التجريبي، الذي كان يمارسه الحوراني هذا العمل غير المرتبط بأية عقيدة أو

منطلقات نظرية، والذي يشكل حقال خصبا لالنتهازية والمغامرة، كما نبه المؤتمر إلى غموض المنطلقات النظرية للحزب مما أدى

إلى نشوء تيارات مختلفة فيه، بعضها يلتقي مع الماركسيين، وبعضها مع االشتراكية الديمقراطية، وانتخب المؤتمر قيادة قطرية لقيادة التنظيم في القطر السوري، لم يكن أحد من

القادة الثالثة بين أعضائها، بينما استمروا في قيادتهم القوميةللحزب وفي إدارة العمل السياسي له وتوجيهه قوميا.

محاطا بأوضاع صعبة، فتنظيم الحزب1959 كان الحزب عام في سورية قد حل بقيام الوحدة، وفي األردن كان الحزب خارجا

من نكسة تعرض بسببها لهزة عنيفة بعد قيام االنقالب الملكي تموز في14الرجعي ضد حكومة سليمان النابلسي، وكانت ثورة

العراق قد انحرفت على يد عبد الكريم قاسم والشيوعيين عن أهدافها القومية، مما أدى إلى نكسة قومية وتعرض الحزب في العراق إلى إرهاب منظم واسع النطاق، وفي تنظيم الحزب في

األردن اتضح وجود اتجاه يقوده عضو القيادة القومية عبد الله الريماوي، ويؤيده أمين قطر العراق فؤاد الركابي، وكان هذا

التيار يحاول أن يستولي على التنظيم القومي، مستغال فرصة غياب القيادة القومية التي أصبحت بحكم المحلولة بعد حل

التنظيم في الـ ج. ع. م وانسحاب أعضاء القيادة القومية المنتمين لهذا التنظيم منها باستثناء األمين العام، وكان هذا االتجاه يهدف إلى جعل مهمة الحزب مقصورة على تحقيق

الوحدة وإلى جعله تابعا لحكومة الـ ج. ع. م ومجرد صدى لها، ويدعو إلى استقالل التنظيمات القطرية عن القيادة القومية،

وأدى ذلك إلى حصول وضع مرتبك في قواعد الحزب وتنظيماته، يضاف إلى ذلك أصابع االتهام التي توجه نحو األمين العام ووطأة

نقد قرار الحل دون الرجوع إلى مجلس قومي أو إلى قيادات الحزب في أقطار سورية واألردن والعراق ولبنان على أقل

تغطية1959تقدير، تجاه ذلك كله، حاول األمين العام في عام قرار الحل بقالب شرعي وبحث األزمات المستجدة ورسم

سياسة لمواجهة الوضع العربي، خصوصا في العراق واألردن، ولوضع أسس تنظيمية جديدة. فشكل لجنة تحضيرية من بعض

الحزبيين من مختلف المنظمات الحزبية ساعدته في إدارة شؤون الحزب وفي التحضير والدعوة إلى عقد مؤتمر قومي،

آب27عرف بالمؤتمر القومي الثالث، دامت جلساته ما بين 96

، ولم يحضر هذا المؤتمر ممثلون عن قطري1959وأول أيلول سورية ومصر لعدم وجود تنظيم حزبي فيهما، وكان مندوبو لبنان يشكلون أكثرية الحاضرين ولم يأت من العراق إال مندوبين اثنين،

وتعذر حضور أكثرية مندوبي بقية األقطار العربية، ولقد أكد المؤتمر: )أن الحزب ال يزال عند مسؤولياته الخطيرة في ترسيخ

أسس الـ ج.ع.م والدفاع عنها والتعاون الوثيق مع قيادتها في تحقيق أهداف الشعب العربي ورسالته(. كما قرر فصل عبد الله

االريماوي والمؤيدين له، ولكي يتحلل القادة الثالثة من مسؤولياتهم التاريخية التي نجمت عن قرار الحل، اقترح األمين العام على المؤتمر الموافقة على قرار القيادة القومية السابقة

بحل التنظيم الحزبي في الجمهورية العربية المتحدة، واتخذ القرار التالي: )إن مؤتمر الحزب القومي، الذي انبثقت عنه

القيادة الجديدة، قد أعلن موافقته على قرار القيادة السابقة بحل الحزب في الـ ج. ع. م، وقد اتخذ هذا القرار، باعتباره أول

مؤتمر قومي يعقد بعد قرار الحل المذكور(. ، كتبت جريدة الصحافة الصادرة في1960 شباط 22 في

، مقاال افتتاحيا ضمنته خالصة رأي398بيروت في عددها رقم الحزب في وضع الـ ج.ع.م وفي الوحدة، وكان الظرف آنذاك

يتسم بظهور األخطاء الجسيمة التي ارتكبها الحكم، وهي: )اإلقليمية، الدكتاتورية، معاداة الحركات الشعبية التقدمية التي قامت الوحدة بنضالها(، وقد ارتأت القيادة القومية للحزب أن

تنتقد هذه األخطاء الجسيمة التي تهدد وحدة الـ ج.ع.م بأسلوب بناء وغير مباشر، توضيحا لموقف الحزب الذي كان يرى في واقع

الحكم القائم أنه:أ ـ تجاهل المنطق القومي في الوحدة.

ب ـ فردي يعتمد على شخص الرئيس عبد الناصر واألجهزةالمساعدة من الفنيين وأجهزة االستخبارات والدعاية والضغط.

هـ ـ يعمل علي تزييف مطالب وآراء الحزبيين السابقين والحزب. ورغم ذلك كان الحزب يعتبر الجمهورية العربية المتحدة قوة قومية كبرى يسندها في المواقف التي يلتقي معها، ويوجه لها

النقد البناء في المواقف التي يختلف عليها، بقصد تطويرها وزيادة فعاليتها في النضال القومي. وكان الحزب يرى أنه ليس

من مصلحة القضية القومية فتح أي معركة بين الحزب وقادة الجمهورية، وضرورة تجنبها بكل قوة. لقد خلق قرار حل الحزب

في الـ ج. ع. م هزة عنيفة في األوساط الحزبية وفي الرأي العام المؤيد للحزب، لم تتضح خطورتها إال بعد زوال موجة الحماسة

الكبرى التي رافقت حدوث حدث الوحدة، ومما زاد من خطورة97

هذه الهزة، عدم وضوح مبررات هذا القرار الخطير بالنسبة للقاعدة الحزبية، ال بل حتى بالنسبة للقيادات، كما أن التطورات التي حدثت في الجمهورية العربية المتحدة خلقت انطباعا شامال بأن هذا القرار كان خاطئا من أساسه، وأنه جاء يؤكد مدى ضعف القيادة الحزبية وتردي وضع الحزب العام. كما أن أزمة الثقة هذه

تعدت أشخاص القيادة إلى الحزب نفسه وازدادت عمقا بعد انتكاس الوحدة، هذا التقييم كان قد أقره الحزب في المؤتمر

. 1960القومي الرابع الذي انعقد في أواخر صيف لذا فإن قرار المؤتمر القومي الثالث المتعلق بحل الحزب لم

يكن معبرا عن إرادة قواعد الحزب، وأعيد النقاش بشأنه في المؤتمر القومي الرابع الذي انعقد في بيروت في شهر آب

، بعد محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم، وتقرر : 1960 آ – يعتبر المؤتمر القومي الرابع، قرار المؤتمر القومي الثالث الذي أقر حل الحزب في الـ ج. ع. م قد اتخذ على أساس األمر

ر عقائديا خطوة حل الحزب، التي اتخذتها الواقع، ال قرارا يبر.1958العناصر القيادية الحزبية في سورية عام

ب _ والمؤتمر القومي إذ يدين قرار حل الحزب من الناحية العقائدية، يستنكر األسلوب غير الثوري الذي أملى مبررات هذا

القرار الذي جاء اعتمادا على الوعود والنوايا، ال نتيجة دراسة علمية للواقع االجتماعي والسياسي وإمكانيات تطوره واالعتماد

على الضمانات الشعبية للقوى الثورية. ج – ويؤكد المؤتمر إيمانه بأن حزبنا حركة أصيلة في حياة

األمة العربية، مسؤولة عن حاضرها ومستقبلها، ال حركة مرحلية غايتها تحقيق األهداف المنصوص عليها في الدستور أو تحقيق

جزء منها. د – ويدعو المؤتمر القومي القيادة القومية إلى العمل والنضال

من أجل بناء الحزب بناء ثوريا يجعله في مستوى رسالتهومسؤولياته القومية.

كما ناقش المؤتمر األوضاع في الـ ج. ع. م ومما قرره: "يرى المؤتمر القومي الرابع أن األوضاع الداخلية المفروضة على

الشعب العربي في الـ ج. ع. م والتي تتميز بانعدام حرية التنظيم الشعبي والنقابي وسيطرة أجهزة المخابرات وشل كل

تحرك شعبي، هي أوضاع واحدة يرزح تحتها الشعب في إقليميه، كما يرى المؤتمر أن الرغبة الشعبية لتبديل هذه األوضاع واحدة في كال اإلقليمين، لذا فإن المؤتمر القومي، آخذا بعين االعتبار

الشكل االنفصالي الذي يمكن أن تتخذه دعوة الديمقراطية والعمل الشعبي إذا اقتصر عليها في اإلقليم الشمالي، يقرر

98

ضرورة طرح مطلب الديمقراطية على نطاق الجمهورية العربيةبإقليميها كمطلب تتبناه الجماهير في كال اإلقليمين".

منذ قيام الوحدة، وبعد حل الحزب، انقسمت القواعد الحزبية إلى عدة اتجاهات، ولقد ثابرت بعض شخصيات الحزب على

لقاءات غير رسمية بين بعضها، وتكثفت هذه اللقاءات بعد استقالة الوزراء البعثيين من الحكم، وبناء على اقتراح األمين

العام للحزب، عقد أول اجتماع شبه رسمي، بشكل سري، بين في منزل األستاذ1960شخصيات قيادية حزبية في كانون األول

شخصية حزبية20عبد القني قنوت في دمشق، حضرته حوالى تمثل أكثر محافظات القطر السوري، وظهر بين المجتمعين

رأيان: رأي يقول بالعمل من أجل إصالح األوضاع من خالل إطار الوحدة ودون تعرضها للخطر، ويمثله األستاذ صالح البيطار، ورأي

آخر يرى أن ما تم بين سورية ومصر ليس وحدة وإنما تمصير وطغيان القطر الكبير على القطر الصغير، ويمثله األستاذ أكرم

الحوراني، واتفق المجتمعون على ضرورة إعادة النظر في فكر الحزب وتنظيمه وتوضيح أيديولوجيته بعد تحديدها، ثم تتالت

االجتماعات وتقدم األستاذ صالح البيطار في أحدها بورقة تحتوي فقرة حول النقاط الفكرية الرئيسية التي يجب على31على

الحزب أن يحدد مضامينها ومواقفه منها، ولقد ألقت هذه النقاط الضوء على الغموض الفكري الذي يشكو منه الحزب، وكان محور النقاش هو الوضع التنظيمي للحزب وإجراءات عودة

تكوينه في سورية. وفي نهاية المناقشات توصل المجتمعون إلى ضرورة إعادة

التنظيم الحزبي بشكل سري في سورية، وأجمعوا على أن الوحدة قد فرغت من مضمونها القومي، وأنه ميؤوس من

استمرارها، ولكنهم قرروا أنهم سيقفون ضد أي عمل يمكن أن يؤدي إلى فصل الوحدة بين القطرين، وأنهم سيسعون إلى إقامة

وحدة اتحادية مع مصر بمضمون ديمقراطي. إعادة تنظيم الحزب في سورية في فترة االنفصال في أوائل فترة االنفصال وقبيل انقسام البعثيين في سورية، ونظرا لعجز القادة الثالثة عن التوصل إلى اتفاق على موقف موحد فيما بينهم، نشط بعض قادة التنظيم البعثي العسكري،

وخاصة بشير صادق ومحمد عمران، إلقناع القادة الثالثة بضرورة الدعوة إلى اجتماع حزبي لمناقشة القضايا المطروحة وانتخاب قيادة شرط أال يرشح أحد منهم نفسه إليها، مع استمرار دورهم

في ممارسة توجيه التنظيم والسياسة العامة للحزب، وهذه المحاولة كانت منطلقة عن حسن نية والتزام بروح المحافظة

99

على الحزب وسالمة دوره القومي وتجاوز الحزب ألزمته الداخلية وتفادي خطر االنقسام وعودته إلى ممارسة دوره الطليعي في

النضال ضد االنفصال، وبعد عدة لقاءات نجحوا في مسعاهم، واتفق على أسماء الحضور، وانعقد )شبه المؤتمر( في شباط

في منزل الدكتور أحمد بدر الدين في دمشق، وكان جو1962 االجتماع صاخبا، وانفجر الخالف بين القادة الثالثة رغم الجهود

الكبيرة التي بذلت للتوفيق بينهم، كما أن أغلب الحضور طالبوا بعدم تدخل القيادة القومية واألساتذة الثالثة في إعادة تنظيم

الحزب في سورية، وأثار هذا الرأي أعصاب األستاذ صالح البيطار ودفعه إلى أن يعلن رفضه القاطع لذلك، وقال: إذا تم ذلك،

سأشق هذا الحزب ولو لم يمش معي إال خمسة أعضاء، وفشلهذا اللقاء وبرزت بوادر االنشقاق الالحق.

عقد التنظيم القومي، دون ممثلين عن القطرين السوري والمصري، مؤتمره القومي الخامس في حمص في منزل

، حدد فيه المؤتمر موقف1962خلوصي األتاسي، في شهر أيار الحزب من جريمة االنفصال، ونضاله من أجل إعادة الوحدة، كما أجمع أعضاء المؤتمر القومي على ضرورة إعادة التنظيم الحزبي

في سورية فورا، وكان بعض األعضاء يرى أن تقود القيادة القومية كقيادة قطرية هذا التنظيم، وأن تبدأ بإنشاء حلقات تابعة

مباشرة لها، بينما ارتأى آخرون أن تبادر القيادة القومية إلى تعيين قيادة قطرية تقوم بهذا الدور تحت إشرافها، وأخيرا اتخذ

المؤتمر القرار التالي: تكليف القيادة القومية الجديدة بالمباشرة فورا في إقامة-1

تنظيم للحزب في القطر السوري. تقوم القيادة القومية بتعيين قيادة قطرية مؤقتة، تختار من-2

العناصر السابقة التي تتمتع بالنشاط والكفاءة واإليمانالعميق بعقيدة الحزب، تقوم بتنظيم القاعدة.

يراعى في بناء التنظيم الجديد تجربة الحزب التنظيمية-3السابقة، والقرارات التي يتخذها هذا المؤتمر.

يصار إلى دعوة القاعدة الحزبية في التنظيم الجديد إلى-4 انتخاب مؤتمر قطري ينتخب قيادة قطرية محل القيادة

القطرية المؤقتة وذلك في أقصر وقت ممكن. المواقف السياسية ترسمها القيادة القطرية المؤقتة-5

باالشتراك مع القيادة القومية في المرحلة االستثنائية.ومن التعديالت التي أدخلت على هذا القرار، التعديل التالي:

100

آ – ال يشترط تكوين القيادة القطرية المؤقتة في سورية من السوريين فقط، بل يجوز للقيادة القومية أن تطعم هذه

القيادة بأعضاء حزبيين من األقطار األخرى. ب – أن تحرص القيادة القومية حرصا شديدا ومنذ البدء على

.اعتماد السرية التامة في عملية التنظيم في سورية استاء األستاذ أكرم الحوراني، الذي استمر على موقفه في

تأييد حكم االنفصال، من إهمال األمين العام للحزب له، وعدم دعوته إلى حضور المؤتمر القومي الخامس، ومن تهجمه عليه،

واتهامه باالنتهازية، والعمل على تكريس االنفصال، مما دفعه إلى، باسم حزب البعث، أعلن فيه1962 حزيران 18إصدار بيان في

عدم اعترافه بكافة إجراءات ما سماه )تنظيم عفلق(، و منها المؤتمر القومي الخامس، واستغلت القيادة القومية المنتخبة من المؤتمر المذكور، رفض األستاذ الحوراني لمقررات المؤتمر من

.خالل البيان المذكور، وقررت فصله مع مجموعته من الحزب بعد المؤتمر القومي المذكور، استمر بذل الجهود للمحافظة

على وحدة البعثيين في إطار تنظيم واحد، وتم عقد اجتماع آخر )25شبه مؤتمر( في منزل الدكتور سامي السقا في دمشق في

، أي بعد انعقاد المؤتمر القومي الخامس، حضره1962حزيران مندوبون عن االتجاهات الحزبية كلها - باستثناء الذين التزموا

الخط الناصري - بهدف مناقشة أزمة الحزب التنظيمية وانتخاب قيادة للقطر السوري، ولم يدع أحد من األساتذة الثالثة لحضوره،

وكان هذا االجتماع يلقى دعما من األستاذ الحوراني بغية كسب الحاضرين إلى موقفه، وانتخب المجتمعون قيادة قطرية مؤقتة من تسعة أعضاء )رياض المالكي، منصور األطرش ،عبد الغني

قنوت، سليمان الخش، فايز الجاسم، خالد الجندي، خالد الحكيم، حميد مرعي، سامي السقا(، ولكن منصور األطرش وخالد

الحكيم رفضا االنضمام إلى هذه القيادة، و اتفق من بقي من األعضاء على إرسال مذكرة إلى األمين العام للقيادة القومية

للحزب األستاذ ميشيل عفلق يطلبون فيها االعتراف بهم كقيادة- أن االجتماع1قطرية، ولكن األمين العام رفض ذلك بسبب:

.غير شرعي.عدم وجود تنظيم حزبي في القطر السوري -2

.ـ أن الحوراني هو وراء هذا االجتماع 3ن لهذه القيادة المنتخبة من ذلك االجتماع أن األستاذ تبي

الحوراني اعتبرها مرتبطة به وتؤيد أطروحاته، ونشأ الخالف بين أعضائها وتميز من عرفوا بالقطريين عن جماعة األستاذ أكرم،

كما أن عبد الغني قنوت عاد إلى االشتراكيين العرب، وكانت101

حصيلة هذا االجتماع تكريس االتجاهات الثالثة في تنظيمات منفصلة.

انقسم البعثيون في سورية1961بعد نكسة الوحدة في أيلول :حيال الموقف من االنفصال إلى خمسة أقسام رئيسية

ـ جناح القيادة القومية: الذي كان يرى أن القيادة القومية التي 1 العمل على إصالح1961قررت في اجتماعها في شهر آب

أخطاء الحكم من خالل إطار الوحدة ومحاربة أية دعوة انفصالية هي رمز قومية الحزب، وكان هذا الجناح يعتبر أن أية دعوة

لالنفصال هي مؤامرة ضد الثورة القومية العربية شكال ومضمونا، وتبنى هذا الجناح رأي القيادة القومية بوجوب إصالح الخطأ من

.الداخل ومن خالل إطار الوحدة وبعد نكسة الوحدة كان يرى ضرورة النضال ضد حكم االنفصال وإعادة الوحدة مع مصر وفق أسس جديدة بمضمون ديمقراطي

واشتراكي واضح وعلى أساس اتحادي، ودعت األمانة العامة، إلى1962 حزيران 30الحزب القومي في بيان لها بتاريخ

تشكيل جبهة من الحركات العربية التقدمية وعلى رأسها قيادة الثورة الجزائرية واالتحاد الوطني للقوات الشعبية في المغرب

مع حزبنا للضغط على نظام الحكم القائم في مصر من أجل تطويره بسرعة نحو الديمقراطية والمفهوم القومي السليم

.للوحدة العربية واإلفادة من دروس التجربة األولى وانتكاستها ـ جناح الحوراني: الذي أيد االنفصال وشارك في الحكم منذ 2

أيامه األولى وحتى سقوطه، وبعد فصل القيادة القومية األستاذ الحوراني ومؤيديه من الحزب بسبب أطروحته الرافضة لعودة الوحدة مع مصر في ظل حكم الرئيس عبد الناصر من ناحية،

والختالف الظروف المحلية بين االقطرين من ناحية أخرى. ومواقفه هذه تتناقض مع مقررات المؤتمر القومي الخامس، شكل تنظيما باسم حركة االشتراكيين العرب، بدال من االسم

الذي كان يحمله التنظيم قبل دمج الحزبين في شهر كانون األول، وهو الحزب العربي االشتراكي الذي كان قد أعلن في1952

5/3 /1951 . ـ الجناح الذي أطلق عليه اسم )القطريون(، وهم مجموعة من3

الناشطين البعثيين كانوا قد بادروا في أواخر عهد الوحدة إلى القيام باجتماعات غلب عليها الطابع الحزبي ناقشوا خاللها ما

وصلت إليها الحال في دولة الوحدة عامة، وفي سورية خاصة، كما ناقشوا ما آلت إليها حال البعثيين، وبعد أن تبلورت معالم

االنشقاق بين البعثيين السوريين، شكلوا تنظيما خاصا بهم ، أطلقوا عليه اسم "التنظيم األساسي للبعث"، ضم أكثر قياديي

102

النسق الثاني من البعثيين في محافظات حماة ـ دير الزور ـ الالذقية ـ الحسكة، وكانت غالبية هذا الجناح تعتبر أن قرار حل تنظيم الحزب في سورية، وهو التنظيم األم، يعني انسالخ جزء

أساسي عن جسم الحزب منه، وقد حملهم هذا، على التفكير في التماس األسلوب النضالي الثوري إلعادة تنظيمه، وكانت القرينة

في ذلك أن المرة األولى التي شعرت بها القاعدة الحزبية بالتحرر من عبء القيادة هي زمن النضال ضد حكم أديب ،1953الشيشكلي، يوم التجأ القادة الثالثة في أوائل شهر شباط

إلى لبنان ومن ثم إلى إيطاليا، تاركين القواعد الحزبية تقود نفسها بنفسها، واستطاعت تلك القواعد أن تخطو في ميادين

النضال خطوات واسعة، وبذلك زال وهم القواعد بأنه ال مفر من وجود القادة الثالثة على القمة لضرورات العمل النضالي، كما

رأوا أن االنفصال واقع يجب استغالله والمباشرة في النضال من أجل إزالة العوائق التي أدت إلى نكسة الوحدة، وحمل هذا

الجناح القادة الثالثة قسما من مسؤولية االنفصال بقبولهم حل الحزب في قطري سورية ومصر، وبالتالي مسؤوليتهم عن تشتت الحزبيين وضياعهم وعن عدم قدرتهم على النضال

كتنظيم لحماية الوحدة، وكما ذكر قبال، انتخبوا في اللقاء الذي تم في منزل الدكتور سامي السقا، قيادة قطرية مؤقتة مهمتها

إنجاز التنظيم خالل أربعة أشهر، ومن توجهات ما سموه "مؤتمرهم": ال وحدة مع الديكتاتورية، ألن العقلية التي تحكم

في القاهرة هي نفسها لم تتبدل رغم نكسة الوحدة، وكانوا في هذا الطرح يلتقون مع جناح الحوراني، بينما يلتقون مع التنظيم

القومي بااللتزام بقومية الحزب، ويلتقون مع التنظيم البعثي العسكري الذي كان يشاركهم في أطروحتهم بضرورة عدم

مشاركة األساتذة الثالثة في قيادة إعادة التنظيم. وورد في البيان الصادر عن "مؤتمرهم" المذكور أن الواجب

األول هو )إعادة بناء الحركة الشعبية في سورية، وأن على الحركة الشعبية رفع لواء النضال الشعبي الشامل، وتضامن

القوى الشعبية في الوطن العربي(. ـ الجناح الناصري: عقد عدد من البعثيين ذوي الميول الناصرية4

في حمص، ناقشوا خالله1961اجتماعا لهم في شهر حزيران األوضاع العامة واألخطاء التي ترتكبها أجهزة الحكم الناصرية،

ومدى خطورتها على مستقبل الوحدة وارتأوا إرسال مذكرة بذلك إلى الرئيس ناصر، ولكنها لم تنجز قبل االنفصال، وفي آذار

، اجتمع عدد منهم في منزل ذوقان قرقوط في دمشق،1962 وأرسلوا مذكرة بمقررات االجتماع إلى األستاذ ميشيل عفلق

103

األمين العام للحزب، مقترحين العمل بها، ألنها تمثل رغبة القواعد الحزبية، حسب رأيهم، وتطرقت المذكرة إلى أخطاء

الحكم الناصري، إال أنها طلبت من القيادة القومية، باعتبار البعث حزبا قوميا وحدويا قبل كل شيء، أن تصدر بيانا تطالب فيه

بإعادة الوحدة فورا وتأييد الرئيس عبد الناصر خاصة وأن الرئيس ناصر، الذي كانوا يرون فيه شخصية كاريزمية ودمجوا بين الوحدة

وشخصه، بعد نكسة االنفصال سيكون أكثر تفهما لضرورة وجود التنظيم الحزبي، وفيما إذا أخذ البعث مبادرته في إعادة الوحدة

فسوف يكون هو التنظيم الحزبي الذي يعتمد عليه. لم تستجب القيادة القومية لما ورد في مذكرتهم، وفي تعميم

، أجابت1961لها على الجهاز الحزبي في أوائل كانون األول على اقتراحات وردت من الرفاق، وفيما يلي بعضها: أ -طلب عدد من الرفاق إصدار بيان يوضح موقف الحزب "العقائدي" من األزمة وبإعالن تأييده للوحدة

وشجبه لالنفصال. ب -طلب عدد آخر من الرفاق تأييد الرئيس عبد

الناصر ... إن مثل هذا البيان ال يصدر إال ردا على اتهام الحزب

بالعمل ضد الوحدة، ويعني تحويل المعركة إلى تأييد شخصوفي ذلك انحراف عقائدي.

16حوالي 1962 تجاه ذلك تداعى في أوائل تشرين األول بعثيا سابقا منهم وقرروا تأسيس حركة لهم سميت بـ)طليعة الحركة

الوحدوية االشتراكية( وربطوا حركتهم بالسفارة المصرية فيبيروت، وبمحمد نسيم مسؤول المخابرات في السفارة.

- التنظيم البعثي العسكري: إن بعثرة الضباط البعثيين بعد6 قيام الوحدة ونقل أصحاب النفوذ منهم إلى وظائف مدنية، وإبعاد

اآلخرين إلى القطعات العسكرية في اإلقليم الجنوبي )مصر( ، إلضعاف النفوذ البعثي في الجيش، أشعرتهم هذه اإلجراءات

بالغبن الكبير الذي لحق بهم من جهة، وبخطورة إفراغ الجيش األول )جيش سورية( من العناصر التي ناضلت بل ساهمت في

فرض قيام الوحدة على مصير الوحدة، من جهة ثانية، وحين الحت بوادر الخالف بين البعث والرئيس ناصر، بادرت عناصر

عسكرية بعثية بمحاولة لرأب الصدع، واقترحوا على القادة الحزبيين تدارس الموقف الخطير وإيجاد حل له يحفظ وحدة البلدين، ومعالجة األمور بمواجهتها وليس الهروب منها، ولكن

األمور بقيت كما هي، وكان هذا آخر رباط يشد البعثيينالعسكريين إلى القادة الثالثة.

104

أسفرت اللقاءات التي تمت بين الضباط البعثيين المبعدين إلى اإلقليم الجنوبي )مصر( عن تأسيس ما عرف باللجنة

العسكرية التي أخذت على عاتقها في أواخر عهد الوحدة، االتصال بالضباط البعثيين، وتم إنشاء التنظيم البعثي العسكري وكان منطلقه هو الدفاع عن دولة الوحدة مهما كانت األخطاء

والتصرفات، ولكن مواقعهم لم تكن تسمح لهم القيام بدور أكثرحسما في تالفي االنهيار، ومقاومة دابر االنفصاليين.

ناقش قادة هذا التنظيم شعارات الحزب واتفقوا على مضامينها من وجوب حماية الوحدة بالعمل الشعبي الديمقراطي،واالشتراكية بمنع االستغالل، وإقامة أسس العدل وتكافؤ الفرص.

بعد االنفصال تم تسريح أكثرية الضباط البعثيين العائدين منمصر، من منطلق أنهم يشكلون خطرا على الحكم الجديد.

نشطت اللجنة البعثية العسكرية في تنظيم العسكريين، من بقي منهم على رأس عمله في القوات المسلحة أو من سرح منهم أو نقل إلى وظيفة مدنية، ونأى هذا التنظيم بنفسه عن الصراعات القائمة بين األجنحة البعثية المختلفة، و رغب في

تجاوز أمراض الحزب القديمة، وكان يعتقد أن العلة تكمن في القيادة التاريخية ولذلك ينبغي تجاوز تسلطها الفوقي والتحرر من

تصرفاتها وخالفاتها الشخصية، واتباع عمل حزبي مستقل، والتعاون مع القاعدة البعثية، و)بناء صياغة موضوعية لعالقات

أفراده وأجهزته تمهد لظهور صف جديد من القادة األكثر التصاقا بالحزب وقواعده، وأكثر قدرة على التعبير عن إرادته(، وتستطيع

هذه الصيغة التصدي للمؤامرات االنفصالية في الحزب، وفي الوقت نفسه بقي هذا التنظيم سريا يحاور جميع األجنحة، دون

أن يعلن عن تنظيمه، و يسعى إلى توحيد صفوفها، ومعالجة أسباب اختالفاتها، ووجد هذا التنظيم في مقررات المؤتمر

القومي الخامس تقاربا كبيرا مع وجهة نظره. إلى جانب هذه األقسام الرئيسية ظهرت تجمعات بعثية أخرى،

وأشهرها: - اللجنة الجامعية وتضم عددا من الطالب البعثيين في جامعة1

دمشق، وتركزت جهودها على ضرورة وجود تنظيم واحد في القطر السوري، وخاصة بما عرف بجناح القيادة القومية وجناح

القطريين، وبعد عدة لقاءات لها مع مسؤولي التنظيم في بمذكرة لكل من القيادة26/7/1962الجناحين ، تقدمت بتاريخ

القومية وقيادة القطريين تضمنت أسسا لحل األزمة التنظيميةفي الحزب:

المنطلق هو دستور الحزب وليست البيانات. 105

القضايا التطبيقية تبحث داخل التنظيم ال خارجه. عودة العضو السابق إلى الحزب يكون على أساس إيمانه

بالدستور وانسجامه معه فكريا وتنظيميا وسلوكيا ونضاليا، وبعدهعن تيارات الرجعية والناصرية والمخابرات.

اإلصرار على وحدة القاعدة السليمة الثورية قطريا وقوميا. أن تنظيمين ألهداف واحدة وفي قاعدة سليمة واحدة أمر غير مشروع، وفي سبيل الوصول إلى وحدة القاعدة السليمة الثورية

يجب تجاوز كل الشكليات. الحل هو في تشكيل هيئة واحدة سليمة نظيفة ليس على

اتجاهها أو سلوكها أي مأخذ ومتفق عليها من قبل المؤتمر واألعضاء السليمين والقيادة القومية، وتتولى هذه الهيئة الواحدة

إقامة تنظيم ثوري واحد لقاعدة سليمة ثورية واحدة. -بعض البعثيين في محافظة درعا تقدموا بمشروع إلى2

القيادة القومية وإلى قيادة القطريين، يدعو الجناحين إلى ضرورة االتفاق على لجنة مؤلفة من خمسة رفاق تكون مهمتها

الطواف على المحافظات وتسجيل أسماء الرفاق البعثيين ويستثنى من ذلك من التزم التوجه الناصري والمباحثيين والذينأساؤوا لسمعة الحزب، ثم إجراء انتخابات حزبية لمؤتمر قطري.

–انضم إلى هذا الرأي بعض بعثيي محافظة السويداء3 ومنطقة القنيطرة.

وبالتنسيق مع اللجنة الجامعية تقدموا إلى القيادة القومية وإلى قيادة القطريين بمشروع موحد يتضمن الموافقة على النقاط

الخمس الواردة في مذكرة اللجنة الجامعية، وتبني إبعاد األساتذة الثالثة عن التنظيم في القطر السوري، وأن مصيرهم يقرره

مؤتمر قومي للحزب. وافق ممثلو الجناحين على ما ورد في المشروع المذكور، وعلى لجنة مؤلفة من سبعة رفاق يتم اعتمادها من القيادة القومية، مهمتها الطواف على المحافظات وتسجيل أسماء

الرفاق البعثيين - عدا من التزم التوجه الناصري والمباحثيين والذين أساؤوا لسمعة الحزب – واإلشراف على إجراء انتخابات

لمؤتمر قطري، ونتيجة االتصاالت تم التوافق على أسماء أكثر% من أعضاء اللجنة.75من

أعلن ممثال القيادة القومية الدكتور حمدي عبد المجيد وهاني الفكيكي، بأن القيادة القومية ستدعو إلى اجتماع إلقراره، وأنها

كانت قد وافقت عليه في اجتماع سابق. أما قيادة القطريين فقد تراجعت عن كل ما تم التوصل إليه،

اشترطت اعتراف القيادة1962 /13/8وفي كتابها بتاريخ 106

القومية بها فورا، وفي هذه الحالة فقط يمكنها أن تتفق مع القيادة القومية على تشكيل لجنة من األعضاء البعيدين عن

الخالفات الشخصية لكي تساعد "القيادة القطرية" أي قيادتهم،في تصنيف األعضاء وإعدادهم لالنتخابات المقبلة.

أوقفت القيادة القومية الحوار مع التنظيم القطري بعد الشرط الذي وضعته قيادة ذلك التنظيم، وكان مفاجأة وموضع دهشة للساعين إلى وحدة التنظيم، ألنه لم يطرح أثناء االتصاالت التي

جرت قبال، ودفع موقف القطريين هذا، بأكثرية بعثيي الجامعةودرعا والسويداء والقنيطرة إلى االلتزام بتنظيم القيادة القومية.

-مجموعة صغيرة جدا ادعت تبنيها الفكر الماركسي، وكان4 أبرز أعضائها عبد الرحمن منيف، وحضر عدد منهم اجتماع

. 1962حزيران كل جناح من تلك األجنحة في طريقه على إثر ذلك مضى

العراقي في الخاص، وبعد قيام الحزب القومي بثورته في القطر شباط، حزم التنظيم البعثي العسكري أمره والتزم بالقيادة8

القومية. ، التي قادها التنظيم العسكري1963ثورة الثامن من آذار بعد

الملتزم بالقيادة القومية، جرت انتخابات حزبية، على عجل، في التنظيم المدني في القطر السوري على مستوى الشعب، تمهيدا

مؤتمر قطري في أوائل شهر أيار لعقد مؤتمر قومي، وعقد ، انتخب قيادة قطرية وممثلين إلى المؤتمر القومي، ولم1963

يؤخذ بنتائجه. ثم جرت انتخابات حزبية من مستوى الفرق أطلق عليه1963الحزبية، وعقد مؤتمر قطري في شهر أيلول

المؤتمر القطري األول، حضره األعضاء المنتخبون من التنظيم العسكري، وأوصى هذا في القطاع المدني، وممثلون عن القطاع

المؤتمر، بقبول قواعد القطريين والوحدويين االشتراكيين، تنظيمهم كأفراد في الحزب، وأقر المؤتمر القومي وإعادة

، هذه التوصية،1963األول السادس الذي عقد في تشرين إلعادتهما وبدأت القيادات الحزبية في محاورة هذين الجناحين،

إلى الحزب، ولقد تم إعادة جميع أعضاء الجناح القطري تقريبا،وإعادة بعض أفراد من الوحدويين االشتراكيين.

107

مالحق

حزب البعث العربي االشتراكي أمةعربية واحدة ذات رسالة خالدة

القيادة القومية أيها الرفاق

لقد جاء في دستور الحزب ما يلي: حزب البعث العربي االشتراكي حزب شامل تؤسس له فروع في سائر األقطار

العربية وهو ال يعالج السياسة القطرية إال من وجهة نظر من المبادئ األساسية1المصلحة العربية العليا. الدستور: المادة

وجاء في النظام الداخلي للحزب أن وحدة الحزب الكاملة وحقيقته القومية االشتراكية االنقالبية تعتبر أساسا لنظرية الحزب

. 1في التنظيم والعمل. النظام الداخلي: المقدمة- بند وجاء في النظام الداخلي للحزب أن القيادة القومية هي أعلى

سلطة قيادية في الحزب تشرف على كافة شؤونه ذات الطابع والمستوى القومي ويخضع لها الحزب وكافة هيئاته ومنظماته

كما أن صالحيات5 الفقرة 18وقياداته. النظام الداخلي: المادة القيادة القومية وواجباتها تشمل قيادة المنظمات الناشئة قيادة قطرية، حتى تصبح منظمات قطرية تمارس قياداتها صالحيات

القيادة القطرية الكاملة وقيادة الفروع التي تفقد إمكانية قيادة نفسها قطريا ألي سبب قيادة قطرية، حتى تزول األسباب.

8 من الصالحيات التنظيمية للقيادة القومية مادة 2، 1الفقرتان ، وجاء في البند الخامس من نفس الفقرة أن صالحيات5فقرة

108

القيادة القومية وواجباتها تحقيق الوحدة القومية للحزبوالفعالية له في عقيدته وتنظيمه ونضاله.

من كل هذه النصوص نالحظ أن الحزب ينطلق في تنظيمه من نظرة قومية تعتبر الوطن العربي وحدة حقيقية وتعتبر وحدة

الحزب التنظيمية وحفظ هذه الوحدة التنظيمية ال تقل أهمية عن وحدته الفكرية والنضالية ألنها تجسد بشكل عملي إمكانية وحدة

األمة العربية في كيان سياسي واحد. وإن الخروج من هذه الوحدة التنظيمية ال يقل خطرا عن الخروج على وحدة الحزب

الفكرية ومحاربته بقصد تدميره ويعتبر إساءة للحزب تنطبق عليها عقوبة الفصل. النظام الداخلي فصل العقوبات الحزبية

.4، 3، 2، 1 بند5الفقرة وإن حزبنا الذي خاض معارك نضالية عنيفة في أكثر من قطر

عربي، والذي ناضل طويال حتى أصبحت له شخصيته القومية المتماسكة، استطاع كنتيجة للجهود التي بذلها أن يغدو بحق أكبر قوة شعبية منظمة في الوطن العربي، تتجاوز تنظيماتها الحدود

اإلقليمية وتعطي البرهان الحسي على إمكان تحقق الوحدة العربية الشاملة، بتحقيق وحدة النضال الشعبي

المنظم. إن حزبنا ذا الشخصية القومية المناضلة وصاحب التاريخ

النضالي المشرف والوجود الفعلي المنظم، لقادر في كل وقت على سحق أعدائه وكشف مخططاتهم وإظهار حقيقتهم للشعب

مهما برعوا في التستر وراء شعاراته. وإن الحزب ليحارب بعنف وإصرار كل محاولة لتمزيق هذه

الحقيقة القومية لوجوده، فال يسمح بأن يكون الشخص، أي شخص فوق الحزب وال أن تسود المصلحة الخاصة أية مصلحة

على مصلحة الحزب، وهو يعتبر الخروج على نظامه وتجاوز قيادته القومية من قبل أي عضو أو أية جماعة ال يقل عداء

وخطورة عن التآمر السافر عليه والخروج العلني على دستوره. أيها الرفاق:

ال بد لنا أن تكون هذه المقدمات واضحة في األذهان ونحن نتصدى لكشف المحاوالت التي يقوم بها بعض االنتهازيين من

الحزبيين السابقين، الذين يريدون أن يفرضوا بطرق غير شرعية، وجودهم كقادة على رأس الحزب في سورية ليحولوه من

منظمة قومية شعبية انقالبية هي أمل أمتنا في الوحدة والحرية واالشتراكية إلى مجموعة غوغائية من األتباع واألزالم تصلح

لكسب المناورات السياسية، وتنصيب حكام يسايرون الرجعية ويكرسون الروح االنفصالية فيشوهون بذلك حزب البعث باسم

109

البعث ويزعزعون ثقة جماهير شعبنا بحزبها المناضل حزب البعث العربي االشتراكي. مع أن النظام الداخلي للحزب واضح النص على أن االشتراك في الحكم أو تحمل مسؤولية في أي

قطر إنما يعود تقريره إلى القيادة القومية وحدها، وال يمكن أن يتم من قبل بعض األشخاص بالمناورة على الحزب وقيادته القومية دون أن يكون ذلك السعي مغرضا ومنافيا ألهداف

الحزب. أيها الرفاق:

كان البد من كل هذه المقدمة قبل أن نستعرض وقائع ومالبسات االجتماع الذي تم مؤخرا في سورية وأراد له بعضهم

أن يكون "مؤتمرا حزبيا قطريا" ليخدعوا الرفاق عن حقيقة نواياهم فهم يتسترون بشعار التنظيم الثوري للحزب في سورية ليمنعوا تشكيل الحزب بصورة صحيحة تجعله بحق جزءا ال يتجزأ من الحزب القومي، وحامال لتاريخ الحزب ومسؤولياته ومساهما في متابعة النضال لتحقيق أهداف أمتنا في والحرية واالشتراكية و الوحدة وهم لم يخرجوا عن طورهم ويتجاوزوا القيادة القومية

ومقررات المؤتمر والنظام الداخلي للحزب ولم ينشطوا في حملة الدس واالفتراء على الحزب وقياداته، سالكين أساليب

الكذب والخداع، إال ألنهم يعرفون أنفسهم حق المعرفة ويعلمون جدية القيادة القومية في تحمل مسؤولياتها ومباشرتها بتنظيم

الحزب على أسس ثورية صحيحة وسليمة، تكفل للحزب وحدته القومية وتبعدهم عنه بوصفهم من االنتهازيين الذين ال يستحقون

يضع المصلحة الحزبية فوقشرف االنتماء لحزب كحزبنا. المصلحة الشخصية والقرار الحزبي فوق الرأي الشخصي ويجعل

من مقدمة2. )الفقرة العالقات الحزبية عالقات موضوعية حزبيةالنظام الداخلي(.

وال بد لنا لكي ندرك خطورة محاولتهم وطبيعة الروح المعادية للحزب التي انطلقوا منها، من أن نستعرض وقائع هذا )المؤتمر( من حيث األصل والموضوع والشكل ونكون قادرين بالتالي على إعادة الرفاق المخلصين الذين يمكن أن ينجرفوا بتيار االنفصالية

والال حزبية إلى جادة الصواب وحتى نستطيع فضح المتآمرين على الحزب وأعداء وحدته القومية، والرامين إلى جعله ألعوبة

بأيديهم نسجل الوقائع التالية: – من المعلوم أنه في حالة غياب التنظيم الحزبي في أي1

قطر من األقطار تقوم القيادة القومية بمهمة اإلشراف المباشر لقيادة ذلك القطر بواسطة قيادة مؤقتة تعينها القيادة القومية

وكما جرى في قطر1959كما جرى في قطر األردن بعد مؤتمر 110

العراق بعد محاولة االغتيال التي أدت إلى غياب جميع قيادات الحزب فيه، ففي الحالتين قامت القيادة القومية بمهمتها

النظامية. 1962 وفي المؤتمر القومي الخامس الذي عقد مؤخرا في

تقرر إعادة التنظيم الحزبي للقطر السوري وكلفت القيادة القومية بمهمة اإلشراف المباشر واختيار الشكل المالئم لهذه العودة. ولما كانت ظروف القطر السوري معقدة لطول غياب

الحزب وردود الفعل العنيفة التي أصابت الكثيرين من الحزبيين السابقين بسبب الروح الفردية في العمل الحزبي وبسبب حل الحزب وانتكاسة الوحدة والمواقف المتناقضة التي ظهرت بعد

االنفصال، هذه األمور بمجموعها دعت القيادة القومية أن تتريث في تعيين قيادة مؤقتة وتبذل جهودا مباشرة لالستفادة من كل

اإلمكانيات والمحاوالت المتوفرة. وقد وجدت فيمن أسموا أنفسهم "لجنة تحضيرية" لالجتماع الذي دعي "بالمؤتمر

القطري" مجاال حيويا ونافعا يساعد في بناء الحزب لو توفرت حسن النية لديهم فاتصلت بهم وحاولت إقناعهم باالنضواء تحت

لواء الحزب ومساعدة القيادة القومية في مهمتها. – إن المشرفين على جمع المؤتمر استغلوا الرغبة الصادقة2

لقاعدة الحزب المتممة لعودة التنظيم عكازا يتوكؤون عليهللوصول إلى أغراضهم.

– سبق عقد هذا المؤتمر "حملة أكاذيب وافتراءات موجهة3 ضد المؤتمر القومي الذي عقد مؤخرا وضد القيادة القومية التي

انبثقت عنه وكلفت بتنظيم الحزب في القطر السوري على أسس ثورية صحيحة، مثل إشاعة انسحاب وفد العراق من

المؤتمر وإشاعة وجود مفاوضات بين الحزب وعبد الناصر وغير ذلك من اإلشاعات التي ال تتفق مع الحقيقة والتي يعلم مروجوها كذبها، ولكن المصلحة الشخصية والطبيعة االنتهازية ال تتقيد بأي

خلق حزبي فتبيح ألصحابها التزوير والكذب على رفاقهم بل على أعلى سلطة شرعية للحزب والممثلة لوحدته وهي: "المؤتمر

القومي والقيادة القومية". – اللجنة التحضيرية التي هيأت "للمؤتمر" كانت قد اتصلت4

بالقيادة القومية واتفقت معها على جدول أعمال محدد، وعندما حضر ممثل القيادة القومية إلى "المؤتمر" فوجئ من قبل اللجنة

بوجود عناصر فيها ال يمكن للقيادة القومية أن تقر وجودها بالحزب أصال كما فوجئ بجدول أعمال يختلف تمام االختالف عن جدول األعمال الذي سبق االتفاق عليه مع القيادة القومية. فقد

كان جدول األعمال المتفق عليه ينص على ما يلي:111

أ – توضع شروط يتفق عليها المؤتمرون حول تقييم األشخاص الذين يدخلون التنظيم الحزبي واألشخاص الذين يمنع دخولهم كمستزلمين ألشخاص آخرين والعناصر التي ساهمت بإفساد التنظيم الحزبي السابق والعناصر التي تحوم الشكوك حول

سلوكها االجتماعي والسياسي والحزبي. ب – يختار "المؤتمر" من بين أعضائه لجنة تتعاون مع القيادة

القومية الختيار مجلس قطري وهذا المجلس يختار من بين أعضائه قيادة مؤقتة للقطر السوري تحت إشراف القيادة

القومية على أن يبقى المجلس قائما حتى استكمال االنتخاباتالحزبية.

ج – بعد إجراء االنتخابات وانتخاب القيادة القطرية لسورية على القيادة القومية أن تدعو لمؤتمر قومي لكي يتسنى لقطر سورية

أن يمثل فيه. ولكن جدول األعمال الذي وضعته "اللجنة التحضيرية" من وراء

القيادة القومية نص على ما يلي:أ – إقرار نظام داخلي سوري.

ب – رسم سياسة قطرية وقومية، حتى ولو كانت مناقضة لسياسة الحزب القومية التي تنفذها القيادة القومية بناء على

مقررات المؤتمر القومي.ج – التوقيع باألسماء على إنشاء الحزب.

وواضح أن مثل جدول األعمال هذا يخرج بـ"المؤتمر" من كونه اجتماع حزبيين أعضاء في حزب البعث العربي االشتراكي يقرون

مبادءه ونظامه الداخلي ويخضعون لقيادته القومية، إلى اجتماع له صفة تأسيسية لحزب جديد هو غير حزب البعث العربي

االشتراكي مهما اتخذ لنفسه من أسماء وشعارات. – وقد ظهرت في "المؤتمر" حقيقة الروح المعادية للحزب5

التي تحرك الموجهين فيه فادعى البعض "أن هذا المؤتمر هو أعلى سلطة وليس هناك من سلطة أعلى منه" وصرح البعض

بأنه في حالة عدم اعتراف القيادة القومية بشرعية هذا المؤتمر فهناك نية عند البعض وخصوصا من الداعين لهذا المؤتمر

لالتصال بأقطار الحزب األخرى للعمل على شق الحزب. فهم يريدون أن يرهبوا الحزب وقيادته القومية ويفهموها بأنهم قادرون على التخريب في حال رفضها االستجابة لضغطهم االنتهازي، غير الشرعي والال حزبي. ولكن القيادة القومية تثق بأن حزبنا العظيم

صاحب التاريخ النضالي المشرف والذي يعتبر وحدته القومية فكريا وتنظيميا من أهم المكتسبات القومية التي حققها ومن أهم

112

الوسائل التي تزوده بطاقة ضخمة لمتابعة النضال في سبيلتحقيق أهداف شعبنا في الحرية والوحدة واالشتراكية.

إن القيادة القومية تثق بأن حزبنا سيتجاوز هؤالء المخربين وأنهم لن يالقوا غير االزدراء والوعي لطبيعة محاولتهم من أي عضو منظم وتثق أنهم لن يالقوا في القطر السوري نفسه إال

الرفض لطلبهم من قبل كل الرفاق المتمسكين بحزبهموالمصممين على النضال ضمن منظمة الحزب القومية.

والقيادة القومية بدورها ال يعقل وال يمكن أن تخضع لمثل هذا الضغط االنتهازي غير الشرعي الال حزبي الذي يحاول ممارسته بعض الخائفين من مصيرهم المؤكد مصير المنبوذين من ساحة النضال القومي المشرف ومن صفوف الحزب المتراصة، وهي

قادرة استنادا لوعي المنظمات الحزبية ومتانتها وإلى وقوف األكثرية الساحقة من الرفاق في سورية إلى جانب الحزب ضد

أعدائه على سحق هذه المحاولة ورد كيد خصوم الحزب إلىنحورهم.

– لقد اتسم جو "المؤتمر" بالفوضى وكانت التكتالت والروح6 المعادية للحزب واضحة فيه لم تخف على أي شخص حضره.

– لم يكن هناك أي نظام أو انضباط ولم تعط للرفاق فرصة7 كشف المناورة بل سلقت "القرارات" بجو إرهابي مشحون.

– لقد سبق لبعض من طبخوا عملية "المؤتمر" أن عملوا8 "لفك الدمج" وإعادة الحزب العربي االشتراكي، ولكنهم تراجعوا عندما أيقنوا بأنهم سينتهون بمجرد حجب الثقل المعنوي للحزب قوميا عنهم إلى حزب إقليمي ينحصر نشاطه في مناطق محددة

من اإلقليم السوري. – كما أنه سبق لبعضهم في عهد الوحدة وخالل المناقشات9

المطولة التي دارت آنئذ إلعادة تنظيم الحزب في سورية أن طرقوا موضوعات فكرية مناقضة لفكر الحزب، فأكرم الحوراني

ينتقد المبدأ األساسي األول من دستور الحزب القائل: "إن العرب أمة واحدة لها حقها الطبيعي في أن تحيا دولة واحدة وأن

تكون حرة في توجيه مقدراتها ولهذا فإن حزب البعث العربي االشتراكي يعتبر الوطن العربي وحدة سياسية اقتصادية ال تتجزأ

وال يمكن ألي قطر من األقطار العربية أن يستكمل شروط حياته منعزال عن اآلخر". يقول أكرم الحوراني بالحرف "العرب أمة واحدة صحيح على عيني وراسي ولكن هل من الضرورة أن يعيشوا في دولة واحدة؟" ويفلسف أزالم أكرم هذه النظرة

االنفصالية بنظرة الوحدات األربع فالوطن العربي برأيهم يتكون من كتل جغرافية طبيعية هي الهالل الخصيب والجزيرة العربية

113

ووادي النيل وشمالي أفريقيا وعلى الحزب برأيه أن يقبل هذه الحقيقة ويعمل إلنشاء وحدات سياسية ضمن هذه الوحدات

الجغرافية ثم ينشئ بين هذه الكيانات نوعا من التعاون. وظهر في المقاالت التي نشرت مؤخرا ألكرم الحوراني ما يشير إلى مثل هذه اآلراء الخطيرة ولكن رهافة الحس القومي لمجموعالحزبيين ولجماهير الشعب هي العائق دون اإلفصاح عن ذلك.

أيها الرفاق: إن وقائع "المؤتمر" ومعرفتنا باألشخاص الذين طبخوا عمليته وأرادوا من ورائه أن يضعوا أنفسهم حاجزا بين القيادة القومية

وبين أعضاء الحزب السابقين في سورية وأن يخرجوا تنظيم الحزب في سورية على شاكلتهم تنظيما سوريا انفصاليا يرفع

الشعارات ليتاجر بها ويوصلهم إلى مقاعد الحكم وبالتالي يجعلهم قادرين على السير بالحزب كله نحو االنحراف االنتهازي

االنفصالي. إن معرفتنا لوقائع هذا "المؤتمر" ولألشخاص الذين كانوا عاملين له وموجهين فيه ال تزيدنا إال تصميما على السير بتنظيم الحزب في القطر السوري على أساس ارتباط العضو

بالحزب وحده وعلى أساس القبول بدستوره والخضوع لنظامه الداخلي. ولن يكون لمثل هذه المحاوالت أي أثر على الرفاق

المخلصين الصادقين مع أنفسهم ومع شعبهم والمؤمنين أن أهداف أمتنا في الوحدة والحرية واالشتراكية ال تكون سائرة في

طريق التحقيق إال على يد الجماهير الشعبية المنظمة بقيادة حزبها الموحد قوميا والناظر لنضاله وسياسته ومواقفه في كل قطر من زاوية المصلحة العربية العليا وحدها. وإن حزبنا بما له

من تراث ومن قوة يستمدها من وحدة تفكيره وتخطيطه وتنظيمه تكسب أصغر حلقة ترتبط بقيادته القومية قوة أمنع

وأقدر على الثبات والصراع من قوة أي تنظيم إقليمي انفصالي وانتهازي ألن النصر أخيرا لقضية الشعب ولحزبه المناضل

لتحقيق أهدافه في الحرية واالشتراكية والوحدة. إن القيادة القومية برغم كل ما تقدم جابهت هذه األجواء

والمواقف السلبية بروح إيجابية بناءة مقدرة بذلك الظروف والتعقيدات التي جابهت وتجابه الحزب وأعضاءه وأرادت أن ال

تتشدد باستعمال الحق آملة أن تصل إلى الحقيقة لتكشف العناصر ذات الدوافع االنتهازية وتعزلها وتفضحها فقبلت باستمرار

اللقاءات مع الذين أسموا أنفسهم "القيادة القطرية المؤقتة" قصد إفهامهم أن عملهم هذا خروج على نظام الحزب وعلى

وحدته وأنهم سائرون في طريق خطر ال يستفيد منه إال أعداء الحزب من رجعيين وشيوعيين وعمالء االستعمار، ومنذ اللقاء

114

األول أبلغتهم القيادة القومية بأنها ال تعترف بشرعية المؤتمر وعليه فإن لقاءاتها معهم هي في سبيل االطالع على اآلراء

المختلفة. وبدال من أن يقدر هؤالء مصلحة الحزب ويلجأوا إلى الطريق النظامي الحزبي، فاجأوا الحزب عن طريق الصحف بخطوتهم

التخريبية بانتحالهم صفة تمثيل الحزب. إن من طبيعة األحزاب الثورية أن تلفظ أثناء مسيرتها النضالية الصاعدة، العناصر االنتهازية والمصلحية والمحترفة، المتساقطة

على دروب النضال محاولة أن تختصر طريق النضال الثوري بسلوك المسالك السهلة للوصول إلى أهدافها الرخيصة. وإن

تجربة حزبنا خالل حياته النضالية قد أبرزت محاولتي الريماوي والركابي في تخريب الحزب عندما وجدت في نظام عبد الناصر

مرتكزا لها ومشجعا على محاربة الحزب باسم الحزب. وإن المحاولة الحالية ما هي إال امتداد لتلك المحاوالت التخريبية مهما

اختلفت شعاراتها. إن وحدة الحزب يجب أن ترتكز إلى أسس سليمة تعتمد وحدة

الفكر ووحدة التنظيم ووحدة األسلوب والحزب يرفض تلك الدعوات إلى الوحدة المزيفة التي تعتمد سلوك التوفيق

االنتهازي الذي كان هو العامل األهم في تهديم الحزب فيالسابق.

إن تطهير الحزب من جيوب الردة المتعفنة عنصر أساسي لتطوير الحزب وبناء وحدته على ترجمة ثورية ألهدافه في معاداة جدية دائمة لقوى الرجعية والشيوعية والعمالء وواجهاتهم الدينية

والسياسية وفي معاناة دائمة لمشاكل الشعب األساسية وتبنصريح وجريء ألهدافه وآماله.

أيها الرفاق: إن حزبنا هو أمل الشعب وجهازه الفكري والتنفيذي األكبر،

رة، ولكنها متشعبة مبعثرة وشعبنا بدون الحزب طاقة ثورية خي ضائعة، في خضم االنفعاالت واالندفاعات الال مجدية، ولقد جاء

حزبنا ليفتح لهذه الطاقة الخيرة مجرى سليما ويجمعها فيه ويدفعها إلى تحطيم العقبات وبناء المستقبل ومن هنا كانت

مهمتنا أصعب مهمة ألننا يجب أن نتوجه إلى الماليين العربية كلهاونسير معها لتحقيق أهداف األمة...

فلتستمر هذه الطاقة في مجراها الثوري السليم. ولتتسع هذه اآلفاق، ولنكن قادرين على التأكيد للشعب، بأننا كلما انفتح أمامنا أفق مألناه وسرنا لنفتح أفقا جديدا، وأننا كلما

115

مضى بنا الزمن أصبحت أسلحتنا أقوى ووسائلنا أجدى وأصبحالمستقبل أقرب.

فلنسر في طريقنا وماليين العرب معنا. ولنناضل جميعا بحزم وإصرار لبناء حزبنا على أسس ثورية

نظامية متجاوزين األخطاء واألساليب التي أدت إلى تنظيم الحزب، كي يكون بحق أهال لحمل أعباء النضال االشتراكي

التقدمي. لنناضل في سبيل سحق زمرة الردة واالنحراف واالنتهازية.

ولترتفع راية حزبنا عالية خفاقة في سوح النضال ضد الرجعية واإلقطاع والعمالء واالنتهازية. وفي سبيل تحقيق أهداف الجماهير

في الوحدة والحرية واالشتراكية. نشرة سرية وخاصة باألعضاء فقط حزب

البعث العربي االشتراكي 1962 حزيران

القيادة القومية

حزب البعث العربي االشتراكيأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة

القيادة القوميةنشرة سرية خاصة باألعضاء فقط

أوال حقيقة االتصاالت التي جرت بين القيادة القومية من جهة وبين فريق من الحزبيين السابقين في سورية

والذين انفردوا بعدئذ بإقامة تنظيم قطري غير شرعي- ودون موافقة القيادة القومية- من جهة ثانية.

أقرت القيادة القومية تعيين لجنة مؤلفة من ثالثة أعضاء تتولى مهمة إعادة التنظيم في سورية وزودت بالتوجيهات والتعليمات

المستوحاة من قرار المؤتمر القومي الخامس المتعلق بهذاالموضوع.

وبدأت اللجنة مهمتها باستطالع الجو العام فزارت القادة السابقين وناقشتهم حول كثير من القضايا، ومنها األسس التي سيقوم عليها إعادة بناء الحزب من جديد وإيضاح الطريقة التي

يمكن أن توصلنا لذلك، واستأنست بآرائهم، وحصلت لقاءات

116

واجتماعات مع حزبيين كثيرين وبشكل ندوات وشبه مؤتمرات على مستوى القطر، فاتضح لها بأن هناك شلال وكتال وفئات،

وتنظيمات في بعض المحافظات. ولمست اللجنة أن البعض لم يعد يفكر بعقلية حزبية وال يتحدث باسم المصلحة الحزبية وال يتفهم روح النظام الداخلي وال ماهية التنظيم ومكانته، وهذا

البعض ال يلتزم، وأنه منساق وراء األشخاص وكأن الروح الفردية داخلة في تركيب العمل الحزبي. هذا من جهة ومن جهة أخرى،

فإن ما تركه حل الحزب في نفوس األعضاء من أثر عميق، وتكليف البعض باتباع سلوك ال حزبي والضغط والطغيان

واإلهانات التي تعرضوا لها في حكم عبد الناصر، وموقف بعض القادة السابقين من االنفصال وتضارب مواقفهم وتصريحاتهم،

والمحاوالت الفاشلة التي قامت بها القيادة القومية السابقة إلعادة التنظيم ومساهمة بعض أعضائها في إذكاء روح الحقد

والكراهية وتغذية االنقسام وتعميقه، وحملة التشهير ببعض أعضائها. كل هذا خلق نوعا من القلق واالرتباك عند الرفاق

السابقين، وجعل تحديد الموقف يزداد صعوبة وتشويشا مما عقد العمل أمام اللجنة وعرقله لفترة من الزمن. فعملت اللجنة على جمع المعلومات وتلقي التقارير عن معظم الرفاق وخاصة الذين مارسوا مسؤوليات قيادية، باإلضافة إلى دراسة للوضع الحزبي

والسياسي وأثره على موقف بعض الرفاق. وقطعت اللجنة شوطا بعيدا في االتصاالت وعقد الندوات

واالجتماعات وتلقي الدراسات والمعلومات ووقفت على كل اآلراء واألفكار والمواقف والتقديرات، وخرجت بنتيجة واحدة

إن بناء الحزب يجب أن يكون على أسس جديدة سليمةمؤداها: صحيحة، تتجاوز كل األمراض التي عاشها الحزب سابقا، دون

إغفال لما تركته ترسبات الماضي من أثر. وبدأت اللجنة عملها التنظيمي فعال على مستوى القاعدة،

فشكلت حلقات تنظيمية في دمشق تحت مسؤوليتها المباشرة ودرب أعضاؤها على العمل الحزبي السري مع األخذ بمبدأ

االلتزام الحزبي واحترام النظام الداخلي وتطبيقه، ليكونوا مهيئين لتولي مسؤولية تنظيم حلقات أنصار أو أعضاء وفعال نجحت في

هذا المجال. ومرد ذلك ما لمسته اللجنة من سالمة القاعدة وحرصها وحماسها الشديدين إلعادة التنظيم رغم األجواء الملغومة

وحمالت التشهير والتزييف والتضليل التي يعيشها القطر السوري بسبب االنقطاع الطويل عن العمل الحزبي المنظم. واستمر

عمل اللجنة على المستوى القيادي أيضا، وبدأت بإعداد قوائم117

بأسماء األعضاء الذين مارسوا مسؤوليات قيادية ويصلحون أن يكونوا أعضاء في المجلس القطري والقيادة القطرية المؤقتة،

معتمدة في التقييم على التقارير والمعلومات التي تردها، وعلى معلوماتها المباشرة نتيجة االتصاالت واللقاءات وعقد الندوات

واالجتماعات لوفود على مستوى القطر كله، ثم إخضاعهاللتمحيص والتدقيق بحذر شديد.

وفيما هي في زحمة العمل، فوجئت بتقديم مذكرة معدة من قبل اللجنة التحضيرية التي هيأت الدعوة إلى عقد ما يسمى

بـ"المؤتمر القطري" تضمنت اتهامات للقيادة القومية بالتبعية والناصرية، وبتشويه للبيان األول وتضمنت اتجاها معاديا للحزب

وخروجا على وحدته القومية كالدعوة لمؤتمر قومي تأسيسي وإعداد نظام داخلي للقطر السوري...

واتفق على تحقيق لقاء مع أعضاء اللجنة التحضيرية لمناقشة مذكرتهم ومحاولة الوصول إلى ما يحقق وحدة الحزب، ويجنبه

كل ما يسيء إلى سمعته، وشجب اإلقدام على مثل هذا اإلجراء الذي يؤدي إلى شق الحزب أو إلى فرض نفسه كتكتل على

الحزب ليضعه أمام األمر الواقع، وخرج المجتمعون أخيرا، باتفاق على جدول أعمال للمؤتمر، إن التزم به الرفاق السوريون

السابقون المجتمعون فسترسل القيادة القومية ممثلين عنها لحضوره، وإذا خرجوا عليه فال مبرر لحضورهم وال يبقى للقيادة

القومية أية عالقة، وأن الداعين والمشرفين على "المؤتمر" سيتحملون النتائج المترتبة لوحدهم. مع التأكيد على أن هذا

االجتماع سيكون مجرد لقاء لتبادل وجهات النظر وال يمكن أن يعطى صفة مؤتمر حزبي وال حتى اجتماع حزبي رسمي، وعليه ال

يردد الشعار. وعقد ما يسمى بـ"المؤتمر القطري" في اليوم الثاني من

اللقاء وحضر ممثالن عن القيادة القومية ومعهما البيان الثاني ليطلبا قراءته على المجتمعين، وأصرت اللجنة التحضيرية على

تثبيت جدول أعمال جديد غير المتفق عليه مع ممثلي القيادة القومية ورفضت قراءة البيان الثاني للقيادة القومية على

"المؤتمرين"، عند ذلك أبلغ ممثال القيادة القومية أعضاء اللجنة التحضيرية بأنهما سينسحبان ما داموا تراجعوا عن كل ما كان قد

اتفق عليه، فرجوهما البقاء لئال يتأثر جو المؤتمر، ولتوفر حسن النية عندهما استجابا للرجاء مع اإلعالن أمام اللجنة التحضيرية بأن وجودهما هو كمستمعين فقط، وليس كممثلين أو مؤيدين،

وبانتهاء الجلسة األولى لم يحضرا بعدها أبدا.

118

انبثقت عن هذا االجتماع "قيادة قطرية مؤقتة" مؤلفة منتسعة أعضاء ومجلس قطري مؤلف من ستة عشر عضوا.

والمالحظ أن إدراج اسمي رفيقين كانا غائبين خارج سورية أثناء انعقاد المؤتمر وترشيحهما وانتخابهما عضوين في "القيادة القطرية المؤقتة" له معناه، حيث أنهما اتفقا سابقا مع محضري

اجتماع الحزبيين السابقين وقبل أن يسافرا، على تكوين لجنة تتولى مهمة االتصال بالقيادة القومية لتنسيق العمل معها وأخذ

موافقتها واطالعها على كل خطوة أو إجراء ولذلك بعد رجوعهماشجبا كل إجراءاتهم.

ومن الخارقات أيضا، أن أحد أعضاء "القيادة القطرية المؤقتة" لم يمارس مسؤولياته كعضو سوى لمدة شهرين فقط سبقت

حل الحزب. وكان االجتماع متناقضا في تكوينه، فلم يخل ممن يسمون من قبلهم بالمستزلمين، والذين ادعوا محاربتهم

أ "للمؤتمر" وعمل وإبعادهم عن التنظيم، واألكثر من هذا فقد هي له بعض الضباط المسرحين من الحزبيين السابقين ومن ورائهم

السيد أكرم الحوراني. وعندما بلغ سمع الرفاق المتمسكين بوحدة الحزب والحريصين

على سالمته، بأن "المؤتمر" المنعقد يدعي تمثيل كل القطر، سارعوا لحضور جلساته، وليسمعوا المؤتمرين صوتهم ورأيهم في الداعين لـ"المؤتمر" وأنهم ال يمثلون إال أنفسهم، ولكنهم

منعوا من الدخول، فأصروا مما حمل المؤتمرين على تهديدهم باستعمال القوة، فاضطروا إلى االنسحاب حفاظا على سمعة

الحزب ولئال تتسرب أخبار مثل هذا التصادم إلى أعداء الحزب، فتستغل للتشهير والشماتة، والعتقادهم بأن القاعدة المخدوعة

والتي حضرت "المؤتمر" ستعود إلى صفوف الحزب حتما. ويبدو أن "القيادة القطرية المؤقتة" وقعت تحت تأثير ضغط القاعدة المندفعة بإخالص نحو ضرورة إعادة التنظيم، مشعرة إياها بالعمل الخاطئ الذي أقدمت عليه، وعلى مدى خطورة

النتائج المترتبة فأرسلت وفدا للوساطة يتصل بالقيادة القومية، ويستطلع رأيها في الموضوع، بمحاولة للوصول إلى تسوية وحل

للقضية. ولم تتجاهل القيادة القومية ذلك ولم تشدد في استعمال صالحياتها وذلك حرصا منها على القاعدة السليمة المخلصة

المندفعة إلعادة التنظيم بأي شكل كان، حيث استغل الداعون لـ"المؤتمر" هذا الحماس بأسلوب ال حزبي متجاهلين وجود الحزب، وخارجين على وحدته القومية، وهؤالء المخدوعون

الحسنو النية يشكلون األغلبية في "المؤتمر" وأن الندفاعهم119

الخاطئ أسبابه التي ذكرت سابقا، وأغلب هؤالء الذين اتصل بهم وفهموا حقيقة األمر انفصلوا عمن نصبوا أنفسهم قادة، من أجل هؤالء دخلت القيادة القومية في مناقشات رغم تأكيدها للوسطاء

على عدم شرعية "المؤتمر" للقاء بممثلين عن القيادة القومية وتم ذلك فعال وابتدؤوا الحديث الذي اتسم ظاهريا بنوع من

اإليجابية مما أدخل التفاؤل في نفوس أعضاء القيادة القومية فجاء ردهم إيجابيا مخلصا، حملهم على االنفتاح بنوع من الثقة، فعرضوا قائمة بأسماء من هم أهل ليكونوا أعضاء في المجلس

القطري وطلبوا طرحها فوافق الجميع. وبدأت مناقشة األسماء وكل من يشك فيه أو يوجه له طعن إما أن يشطب اسمه، أو يطلب المزيد من المعلومات عنه فتم

االتفاق على أسماء خمسة وعشرين عضوا، ولما كان المقرر أن يكون عدد أعضاء المجلس ثالثين عضوا، أخذت القيادة القومية على مسؤوليتها تكملة العدد. ولما بدئ بمناقشة تسمية أعضاء القيادة القطرية المؤقتة، وطرحت أسماء قيادة "المؤتمرين" التسعة واستبعد قسم من أعضائها وطرحت أسماء أخرى من قبل ممثلي القيادة القومية طلب إيقاف المناقشة ألن القيادة القومية قررت أن تنتخب قيادة قطرية مؤقتة أو تعين من بين

أعضاء المجلس القطري وأن تبقى سرية. ولقد نبه أحد ممثلي القيادة القومية بتكرار بأن ما يتوصل إليه

من نتائج ال يكون ملزما للقيادة القومية ولكنه سيكون عونا لها وتسهيال لمهمتها، وربما تأخذ به أو بأغلبيته أو بقسم منه، وأن

القيادة القومية ستمارس صالحياتها وواجباتها باإلشراف المباشر المستمر ولن تتردد باتخاذ اإلجراءات الكفيلة بحماية الحزب إزاء كل ما يوجب ذلك، وأبدى مندوبو القيادة القومية أملهم أن يكون جميع األعضاء السابقين عونا للقيادة القومية في كشف األخطاء

وكل ما يتهدد لحمة التنظيم ووحدة الحزب.قاء في اليوم الثاني انتهى الحديث عند هذا الحد، وحدد موعد لل فتم اللقاء وتلي على مندوبي "المؤتمر" قرار القيادة القومية ما

نصه: )قررت القيادة القومية دعوة المجلس القطري لالنعقاد يوم الجمعة القادم الساعة الثامنة مساء النتخاب أو تعيين قيادة قطرية مؤقتة ولدراسة الموقف ووضع خطة للعمل(. فاكفهرت وجوههم وساد نوع من الوجوم، وال تدري القيادة القومية ما هي

األسباب... فبدأوا الحديث وقالوا: لم ننته بعد من مناقشة وتسمية أعضاء للقيادة والمجلس القطري، فكان الجواب

ستنتخب القيادة أو تعين من بين أعضاء المجلس القطري، وقد تم االتفاق على تسمية خمسة وعشرين عضوا وباإلمكان تكملتها

120

إلى الثالثين والسيما أن القيادة القومية عندها قوائم باألسماء مع المعلومات الكافية عنها، فأجابوا: لنعد النظر باألسماء ... فكان

الرد: سبق وأننا اتفقنا على خمسة وعشرين اسما فأصروا، وبدئ بقراءة قائمة األسماء التي استكملت إلى الثالثين، وإذا بمندوبي القيادة القومية يفاجأون باستبعاد أو وضع عالمة استفهام على خمسة وعشرين اسما، فدهشوا لألمر واستفسروا عن السبب

فلم يحظوا بجواب مقنع سوى أن خ-ج) خالد الجندي( كان يردد بأنه ملتزم بقرار "مؤتمرهم" الذي انتخب ستة عشر عضوا

لتشكيل المجلس القطري، بأن يكونوا جميعا أعضاء في المجلس القطري الذي تعمل له القيادة القومية فساد جو من االضطراب

والهياج بسبب هذا الموقف الذي أقل ما يقال عنه أنه زعزع الثقة وزرع الشك، وفي هذا الجو الذي ال يمكن أن يتوصل فيه

إلى أية نتيجة اتفق على تكليف عدد محدود ليقوم بالمهمة وحدد موعد للقاء في اليوم التالي، وتم ذلك، وبدئ من جديد بمناقشة

أسماء المؤهلين لتحمل مسؤولية عضوية مجلس قطري ولقد فرغ من ذلك تقريبا، وانتقل البحث إلى مناقشة من هم

المؤهلون ليكونوا أعضاء في القيادة، وأخبرهم ممثل القيادة القومية بأن ما يزيد على الخمسة عشر عضوا مرشحا لهذه المسؤولية وستعين القيادة القومية من بينهم أعضاء القيادة

القطرية، أو أن يترك الموضوع للمجلس القطري لينتخب من بين أعضائه، فرغبوا بأن تطرح األسماء وتناقش، فطلب منهم أن

يطرحوا األسماء التي يرغبونها وبدئ في مناقشتها وانتهى النقاش إلى تجديد اللقاء في اليوم التالي، وتم ذلك وكان يالحظ

في كل هذه اللقاءات بأنهم لم يجرأوا على الصراحة والوضوح بحقيقة موقفهم وما يريدونه فتكشف في هذا اللقاء السر الذي

يكمن وراء مواقفهم المتناقضة بين يوم وآخر، وإذا بالقيادة القومية تفاجأ بالتصريح بأنهم يريدون ضمانة أكيدة لسالمة وجدية التنظيم، وال يتحقق ذلك إال عن طريق حصولهم على األكثرية في

كل من المجلس القطري والقيادة، ويجب أن يضمنوا ذلك من اآلن، وأما الجناحان اآلخران وهما جناح "أكرم الحوراني" وجناح "ميشيل عفلق وصالح البيطار" فيمثالن بأقلية ضئيلة، إذا اندمجا

في خط سيرهم كان بها وإال فيجب التخلص منهما بالتدريج. عندها تكشفت الخطة للقيادة القومية بأنهم يريدون أن

يفرضوا وصايتهم على الحزب في سورية وأن يفرضوا وجودهم على الحزب قوميا، وال يخفى ما لخطورة من يدخل الحزب بتكتل

وبالتزام مستقل عن التوجيه الحزبي فإنه حتما سيسير على

121

عقلية التكتل وااللتزام وإن كان ذلك يخالف مواقف الحزبوآراءه ومبادءه، ولقد ساد الجو نوع من التوتر إثر موقفهم هذا. ومع كل ذلك حدد موعد للقاء آخر في اليوم التالي لالستمرار

بمناقشة أسماء األعضاء. وفي اليوم التالي فوجئت القيادة القومية بصدور بيانهم على

صفحات الجرائد بخطوطه التي أقرها "مؤتمرهم" وبمقدمته لرياض المالكي الذي يعلن فيها: مولد التنظيم الجديد بعد أن

تطهرت صفوف الحزب من أدوار الفساد والمنحرفين الذين هم .20/6/1962 تاريخ 5025قلة... )جريدة النصر العدد

ومما يؤكد أنهم الزالوا سائرين في طريق الهدم والتخريب، مؤكدين انشقاقهم وخروجهم على وحدة الحزب القومية، وأنهم

أعادوا طبع البيان بدون الشعار ووزعوه على نطاق واسع ولربماعلى مستوى قومي.

ثانياأنباء عن التنظيم الحزبي في القطر السوري

– شكلت قيادة قطرية مؤقتة في سورية.1 – تشكلت قيادة لفرع دمشق ومارست أعمالها بتشكيل قيادة2

لمكتب العمال، وقيادة للمكتب المهني، وقيادة للجامعة، وقيادةللتنظيم الفرقي، وكذلك للتنظيم النسوي.

وقد تشكلت حلقات حزبية تضم عناصر حزبية قيادية مؤهلة لبناء الحزب من جديد على أسس تنظيمية وثورية متينة، وكذلك

تشكلت حلقات تشمل عددا كبيرا من األنصار. ويتوقع أن يتضاعف هذا العدد كثيرا، ولكن الدقة في االختيار هي التي تجعل

قيادة الفرع أكثر بطئا في التنظيم.مت قيادة الفرع مدينة دمشق إلى مناطق وقطاعات، لقد قس وجردت ومشطت جميع الحزبيين السابقين وصنفتهم إلى مراتب

حسب كفاءتهم ونوعيتهم وأهليتهم لتحمل المسؤولية في هذه المرحلة. وعينت في كل منطقة لجنة قيادة مؤقتة مهمتها االتصال بالرفاق ورفع المعلومات وتوزيع البيانات وتوضيح

مواقف الحزب. ستقوم قيادة فرع دمشق بحملة لجمع التبرعات لجريدة

البعث، كما ستقوم بحملة واسعة لالتصال بقواعد الحزب وعقد مؤتمرات وندوات حزبية لها لتوضيح األمور والرد على اإلشاعات واألكاذيب التي يروجها بعض الحزبيين السابقين الخارجين على

وحدة الحزب القومية وخطه السياسي السليم. أما بالنسبة للمناطق األخرى والمحافظات، فقد تم االتصال

بجميعها تقريبا، وعقدت الندوات والمؤتمرات للحزبيين السابقين122

ووضحت لهم أكثر األمور مما زاد في انشدادهم للقيادة القومية، ومما دفعهم إلى نبذ نهائي للعناصر التي ما تزال تكذب وتزور

على القاعدة الحزبية السليمة. وقد تشكلت في أكثر المحافظات قيادات محلية وأعضاء

ارتباط بالقيادة القطرية المؤقتة، وقد وزعت بيانات ونشرات القيادة القومية بشكل واسع مما ساعد على توضيح الموقف ورد

األكاذيب. لقد اشتدت الخالفات بين هذه العناصر المخربة وبين القاعدة

الحزبية من جهة وبين بعضها البعض من الجهة األخرى، فلقد حاول بعض األعضاء ممن حضروا "مؤتمر" المنشقين إصدار بيان

بشجب بيانهم السابق وتنصلهم منه وهم في صراع مع قيادتهم التي تحاول بكل الوسائل تضليلهم وخداعهم وبدأ بعضهم يتهم

اآلخر باالنتهازية....الخ. إن اهتزاز القاعدة الحزبية ونبذها لهم أضعف موقفهم ودفعهم

بمحاولة االتصال بالقيادة القومية الستئناف المفاوضات ثانية وللتمويه على القاعدة وكسب الوقت. ومن الناحية األخرى اندفعوا بحملة تضليل واسعة حول قوتهم والتفاف القاعدة

حولهم واعتراف القيادة القومية بهم...الخ.1962 تموز

نص مذكرة اللجنة الجامعية لحل أزمة الحزب حزب البعث العربي االشتراكي أمة

عربية واحدة ذات رسالة خالدة13/8/1962

إلى الرفاقتحية عربية وبعد:

تقرير اللجنة الجامعية عن نتيجة اتصاالتها لحل األزمة الحزبية فيالقطر السوري

بمذكرة لكل26/7/1962: تقدمت اللجنة الجامعية بتاريخ أوال:من القيادتين القومية والقطرية، وهذا نصها

بعد أن وصلت األزمة الحزبية في القطر السوري إلى الحالة المعروفة كتب قسم كبير من البعثييين في جامعة دمشق

عريضة لمعالجة األزمة ووضع الحل السليم لها، وبعد مقابالت عدة مع أعضاء القيادة القومية والقطرية ومع رفاق كثر توصل

123

الرفاق في الجامعة إلى حل سليم ألزمة الحزب حسب تقديرهم وهو الذي ينحصر في العريضة التي اطلع الجانبان على نصها الرسمي مع بعض النقاط اإلضافية التي تلخصها

:النقاط الست التاليةأ - المنطلق هو دستور الحزب وليست البيانات.

ب - القضايا التطبيقية تبحث داخل التنظيم ال خارجه. ج - إن عودة العضو السابق للحزب يكون على أساس إيمانه

بالدستور وانسجامه معه فكريا وسلوكيا ونضاليا وبعده عنالتيارات الرجعية والناصرية والمخابرات.

د - اإلصرار على وحدة القاعدة السليمة الثورية قطريا وقوميا. هـ - إن تنظيمين ألهداف واحدة وفي قاعدة سليمة واحدة أمر

غير مشروع، وفي سبيل الوصول إلى وحدة القاعدة السليمةالثورية يجب أن نتجاوز كل الشكليات.

و - الحل هو في تشكيل هيئة واحدة سليمة نظيفة ليس على اتجاهها أو سلوكها أي مأخذ ومتفق عليها من قبل المؤتمر

واألعضاء السليمين خارج المؤتمر والقيادة القومية وتتولى هذه الهيئة الواحدة إقامة تنظيم ثوري واحد لقاعدة سليمة ثورية

واحدة. قد تمت المقابلة األولى حسب موعد رسمي مع القيادة - 1

/ رفيقا وبين25القطرية بين عدد من بعثيي الجامعة يقدر بـ/ الرفيقين المكلفين من القيادة القطرية وهما الرفيق خ، ج )خالد

الجندي( والرفيق ف، ج )فايز الجاسم( حيث تمت الموافقة الكاملة على هذه النقاط الست وأعلن الرفيقان أن القيادة

القطرية على استعداد أن تستقيل بمجموعها وشرطهم الوحيد أن تكون الهيئة المقترحة سليمة االتجاه وقالوا أيضا: إن هذا

.الحل المقترح بنقاطه الست هو سليم وثوري وهو هدفنا جميعا تم االجتماع الثاني حسب موعد رسمي أيضا مع القيادة القومية

في اليوم الثاني من المقابلة األولى بين عدد من الرفاق الجامعيين حوالى الثالثين رفيقا وبين الرفيق ح، ج )حمدي عبد

المجيد( والرفيق هـ، ف )هاني الفكيكي( وقد دام االجتماع حوالى األربع ساعات والنصف. وبعد استعراض موجز لألزمة

الحزبية الماضية والحالية نوقشت النقاط الست المكتوبة نقطة فنقطة مناقشة واسعة معللة ثم اتفق عليها جميعا، ولكن

الرفيقين طلبا مدة ثالثة أيام إلعطاء الجواب الرسمي حول الحل.المقترح وأضافا إن اقتراحا مشابها لهذا الحل قدم لجهة ما

روجع مندوبا القيادة القومية في الوقت المحدد وبعد - 1 مناقشات مختلفة حول بعض القضايا الحزبية قال الرفيق )هـ(:

124

يشبه هذا الحل المقدم من الرفاق هناك لجنة ستبحث حال الجامعيين. فطلبنا منه أن تشترك الجامعة بأعضاء ثالثة منتدبين

كي يراقبوا األمر عن كثب، ولكننا آثرنا فيما بعد أن نعمل منفردين حتى ال نكون مكلفين من أحد الطرفين وفي هذا

االجتماع لم نتلق الجواب الرسمي من القيادة القومية. حيث ظل الجواب شخصيا يمثل مندوبي القيادة القومية ثم روجع مندوبا

القيادة القومية فكان الجواب إن اللجنة المخولة قد وافقت على مقترحاتكم ألنها لمست أن الحل الذي تنشدونه ليس توفيقيا وال

هو تسوية وإنما هو حل ثوري سليم وقد تركت لكم حرية اتباع األسلوب الذي تختارونه للوصول إلى الهيئة السليمة الواردة في اقتراحاتكم في البند السادس وأيضا، حرية أخذ الرأي والتشاور

والتعاون مع من تريدون ونأمل أن ال يطول الزمن وأن نعلم .النتائج تباعا

اجتمع عدد من الرفاق الجامعيين من الذين كانوا دوما - 2 يفوضون من أكثرية رفاقهم المكلفين المتفقين على النقاط

والداعين لها وبعد أن استعرضوا النتائج التي حصلوا عليها من حيث موافقة القيادة القومية والقطرية ومن حيث التبني الكبير

لهذه النقاط من الرفاق الكثر في الجامعة والمحافظات بعد هذا انتخب المجتمعون الرفاق التالية أسماؤهم: م. س - ع. ج - ش.

.ق - ي.ش - ح. م - والرفيقة س. ك :مهمة اللجنة - 3

ا - وضع النقطة السادسة موضع التنفيذ بعد أن أصبحت النقاط الخمس متفقا عليها وبعد أن جرت الموافقة على الحل المقدم

في النقطة السادسة وبقي فقط االتفاق على األسماء للهيئة.المقترحة

ب - اإلسراع واالتصال الدائم بالرفاق المقيمين والمسافرين.إلبالغهم النتائج الكاملة

ج- لقد تعهدت اللجنة الجامعية بتبني التوجيه التالي: تتبنى اللجنة تبنيا كامال إبعاد األساتذة الثالثة مع بعض الرفاق القياديين الذين

يتعارضون فكريا أو سلوكيا أو سياسيا أو نضاليا مع النقاط الست الواردة في المذكرة. إبعادهم، مؤقتا عن التنظيم في القطر

السوري ريثما يأتي مجلس حزب منتخب ويبت في أمرهم قبول.هؤالء الرفاق أو رفضهم

لقد اتصل الرفاق الجامعيون بكثير من الرفاق أعضاء المؤتمر - 4 وبالرفاق من خارج المؤتمر وكان التشجيع كبيرا على سالمة هذا

.الحل

125

لقد ارتأت اللجنة الجامعية أن تكون الخطوة األولى من عملها - 5 إخبار قيادتكم بملخص اتصاالت الرفاق الجامعيين الكثر ومن ثم

طلب جداول مباشرة من مجموعة من الرفاق ومن قيادتكم لمعرفة األسماء المتفق عليها مبدئيا والسليمة اتجاها وسلوكا

والمتفقة مع ما جاء في نص المذكرة المتفق عليها والمرفوعة إليكم. وقررت اللجنة أن تبقى األسماء سرية فال يطلع أحد من

الرفاق على ما قدمه الرفاق اآلخرون. وأما المراحل التالية.فتحدد فيما بعد

إن رجاء اللجنة كبير في موافاتها بالموافقة على الخطوات - 6.وإعطائها الجداول المطلوبة كما نرجو أن ال تتجاوز المدة يومين

ثانيا - لقد تلقت اللجنة من القيادة القومية جوابا شفويا الجواب الخطي التالي:5/8/62بالموافقة، ثم تلقت بتاريخ

إلى اللجنة الجامعية، تحية عربية، إن القيادة القومية مسؤولة عن وحدة الحزب القومية وحريصة

على أن ال ينال منها أو يخرج عليها أي رفيق أو مجموعة حزبية.كما أن القيادة القومية مسؤولة عن وحدة الحزب في

داخل كل قطر وحريصة على حمايتها والمحافظة عليها شريطة أن ال تتخذ وحدة الحزب القطرية ذريعة لهدم أو تهديد وحدة الحزب القومية وفي الوقت نفسه فإن القيادة القومية التي

كلفت وألزمت بقرار المؤتمر القومي بإعادة التنظيم في القطر السوري تقديرا وتفهما منها لصعوبة الظروف التي مر بها الحزب

منذ حل تنظيمه إلى اآلن لم تقابل بعض المواقف السلبية لممثلي الحزبيين السابقين، الذين اجتمعوا في مؤتمر قطري دون موافقة القيادة القومية، بمواقف سلبية مثلها بل تركت

الباب مفتوحا للوصول إلى حل يتالفى االنشقاق الذي حدث مع المحافظة على سالمة االتجاه والحرص على أن تكون وحدة

حقيقية ثورية ال سطحية شكلية. لذلك وافقت على اللقاء مع الممثلين بعد تدخل لجنة وساطة

في القضية وهي مقدرة أن الظرف وحراجة الموقف وقوة المعركة القومية تستوجب بعض التنازالت بحدود ال تتعارض

والمصلحة الحزبية ولكنها فوجئت بانقطاع من يمثلهم ألسباب ال زالت تجهلها وتاله إصدار بيان على صفحات الجرائد بمقدمة

تعلن مولد التنظيم الجديد بعد أن "تطهرت صفوف الحزب منأدران الفساد والمنحرفين".

ومهما كانت الدوافع التي تكمن وراء هذا الموقف فهو ال يخدم سوى أعداء الحزب وال نعتقد بأن الرفاق المخلصين ممن حضروا

126

المؤتمر موافقون على هذا اإلجراء، ومتى كان االختالف حولموقف سياسي يبرر االنشقاق؟

لقد درست القيادة القومية مذكرتكم التي تتصف بالتقدير المسؤول لطبيعة المرحلة وتعبر عن تفهم ألزمة الحزب التي

استعصت بسبب إغفالها والتستر عليها سابقا وتركها دون معالجة فالقيادة القومية توافقكم على كل ما جاء في البند األول بمجمل

فقراته ألنه ينطوي على حل ثوري سليم وينسجم واألسلوب الجديد الذي تنتهجه ونطالبكم بأن تباشروا االتصاالت ألخذ رأي

من تشاؤون والتعاون مع من تريدون على أن تتوفر فيهم الشروط الواردة في المذكرة ونأمل أال يطول الزمن ألن الوقت

ليس معنا وأن تطلعونا على النتائج تباعا. ولنا ملء الثقة واألمل في أن ما ستتوصلون إليه من نتائج

سليمة سيلقى التأييد والموافقة من القيادة القومية ما دام رائد الجميع المصلحة الحزبية وقد عبرت القيادة القومية عن ثقتها

بأن أطلعت الرفيق )ج( على مسعى خاص يستهدف حال مشابها ولم تمانع في تنسيق العمل مع من هم قائمون بهذا المسعى

ولكنكم آثرتم أن تعملوا منفردين. وفي هذا المجال نؤكد لكم عدم وجود أية عالقة لألساتذة

الثالثة بشؤون التنظيم الجديد ومن يكون تنظيمه تابعا للقطر السوري يعود أمر البت في قبوله أو رفضه األولي إلى الهيئة

نفسها )يحتفظون بأمر الدفاع عن أنفسهم( والنهائي إلى المؤتمر القطري المنتخب الذي سيدون تجربة الحزب ويدين من يشاء

من أعضاء وقيادات ... وستطرح أمام المؤتمر القومي االستثنائي الذي سيدعى إلى االنعقاد وبعد إنهاء المؤتمر القطري

أعماله للبت فيها. ولم تجد القيادة القومية ضرورة لتقديم قوائم بأسماء الرفاق

المؤهلين ألن يكونوا أعضاء في الهيئة المقترحة وذلك ألن التنظيم سري وال يمكن كشفه وأنتم أول من يقدر خطورة

ومسؤولية ذلك. ولثقتها بكم وحتى ال يقال في المستقبل بأنكم خضعتم لتأثير

شخص أو فئة هذا باإلضافة إلى أننا متأكدون من أنكم تعرفون الرفاق القياديين السابقين وتقدرون المسؤولية حق قدرها. وكلنا

أمل في أنكم ستقترحون أسماء األعضاء المؤهلين فعال لهذه المهمة وبحيث يتحقق التجاوب بينكم وبين تقديرات القيادة

القومية والقاعدة الثورية السليمة. ولرسالة أمتنا الخلود القيادة القومية

5/8/1962 127

: لم نتلق من القيادة القطرية جوابا خطيا وإنما تلقيناثالثا جوابا شفويا كما عرضه الرفيق ر. م )رياض المالكي( أمين سر

القيادة القطرية ويتلخص فيما يلي:إنه ال يزال هناك خالف في االتجاه. أ-

وكان رد اللجنة على هذا: - لم يبق فرق كبير بين القيادة القطرية التي قالت "ال وحدة مع1

الديكتاتورية" ومع ما جاء في جريدة البعث في العدد الثاني "الوحدة بدون حرية حقيقية".

المنطلق هو26/7/1962- لقد ورد في المذكرة الجامعية 2 الدستور وليس البيانات وأيضا، القضايا التطبيقية واتجاه الحزب التطبيقي لدستوره تبحث داخل التنظيم ال خارجه، أي يجب أن

تقره القاعدة اعتبارا من الحلقة حتى مؤتمر الشعبة ومؤتمرالفرع ومؤتمر القطر.

ب - قال الرفيق )ر. م(: إن مقترحاتكم سليمة ولكنها -ب تتعارض مع مقررات المؤتمر الذي انتخب مجلس حزب

وقيادة قطرية فالقيادة غير مخولة عمليا بالموافقة على مثل.هذه المقترحات ألن مهمتنا فقط هي تنظيم الحزب

وكان رد اللجنة ما يلي: - إن شروط العضوية في المذكرة هي نفسها شروط العضوية1

في مقررات المؤتمر القطري. - إن بعض المقترحات في المذكرة المتعلقة بـ)المنطلق هو2

الدستور والقضايا التطبيقية تبحث داخل التنظيم(، هي أعنف وأسلم من مقررات المؤتمر وموقف القيادة القومية وإذا كنتم غير مخولين بالموافقة على مثل هذا الحل الوارد في المذكرة

فبإمكانكم دعوة المؤتمر كي يتم ربط التنظيم القطري بالتنظيم القومي... حيث أهم مقررات المؤتمر هي أن المجتمعين يقررون

عودة التنظيم في القطر السوري كجزء من التنظيم القومي لحزب البعث العربي االشتراكي وعلى القيادة القطرية أن تتصل

فورا بالقيادة القومية لتأمين ربط التنظيم القطري بالتنظيمالقومي.

ج - لقد قال الرفيق )ر. م(: إن الرفيقين عضوي القيادة القطرية )خ. ج و ف.ج( غير مخولين بالموافقة على مقترحاتكم

وكل ما خوال به هو شرح أسباب الخالف، وكان رد اللجنة: نحن الرفاق الجامعيين قد طلبنا االجتماع بالقيادة القطرية ال

بأشخاص يمثلون رأيهم الشخصي وكان عدد الحاضرين في ( رفيقا جامعيا وباالتفاق23االجتماع مع عضوي القيادة القطرية )

128

معهما صيغت النقاط الست ثم تليت بعد الصياغة ووفق عليهاباإلجماع.

وقال الرفيقان: إن القيادة القطرية مستعدة أن تستقيل بأعضائها السبعة وكان شرطها هو أن تكون الهيئة سليمة االتجاه والسلوك، أي أن ال تصبغ الحزب بصبغة ناصرية. ولوال موافقتها لما قابل الرفاق الجامعيون القيادة القومية وبحثوا معها النقاط

الست المتفق عليها. د- قال الرفيق )ر. م( إن القيادة القومية هي المسؤولة عن عدم ربط التنظيم القطري بالتنظيم القومي. وكان رد اللجنة :

إننا فعال لم نتوصل إلى معرفة من هو السبب في قطع المفاوضات، وكما قال الرفيق: إننا سنسرع بدعوة المؤتمر

القطري المنتخب فور انتهاء التنظيم وهو الذي يقرر. ألن القيادة القطرية المؤقتة مهمتها إنهاء التنظيم ومدتها أربعة أشهر. وكان

رد اللجنة: عندما ينتهي التنظيم يتكون مؤتمر قطري منتخب وقيادة قطرية منتخبة لكل من التنظيمين القطري والقومي

ويصبح من المتعذر الربط ألننا ال نعلم نوعية األشخاص الذين سيضمهم كل من التنظيمين القومي والقطري ولذلك فنحن نأمل

دعوة المؤتمر الذي انتخبكم ليبحث هذا الموضوع. : حضر وفد منتدب من الرفاق من محافظة حوران رابعا

ويضم حوالى الثالثة عشر رفيقا وقدموا للقيادتين المشروع التالي: االتفاق على لجنة مؤلفة من خمسة رفاق مهمتها

الطواف على المحافظات وتسجيل الرفاق الحزبيين بعد حذف الناصريين والمباحثيين والذين أساؤوا لسمعة الحزب ثم إجراء

انتخابات لمؤتمر قطري، وقد وافقت القيادة القومية على اقتراحاتهم ثم عادوا إلى محافظتهم وتلقوا دعوة عن طريق

الرفيق )ن. ع( بوجوب الحضور ألن القيادة القطرية قد وافقت على اقتراحهم وقد حضر عدد من الرفاق في حوران وعن

مجموعة جبل العرب التي جاءت للغرض نفسه. الرفاق: )ع. م- م. ب- س. س(، وقد اتصلت اللجنة الجامعية بهم فور حضورهم لتوحيد االقتراح. وبنتيجة االجتماع المشترك تقرر الموافقة على

النقاط الخمس من المذكرة الجامعية وتبني إبعاد األساتذة الثالثةعن التنظيم الجديد في القطر السوري.

: لقد اجتمعت اللجنة المشتركة مع الرفيقين: )س وخامسا ف( حيث طلبا أن تدعى القيادة القطرية أو أعضاء منها لالجتماع

بالقيادة القومية وحل الموضوع مباشرة على أن يدون كل ما يجري في محضر رسمي وبحضور اللجنة المشتركة ثم اجتمع الرفيق )ح. ع( عضو القيادة القومية الذي أجاب بأنه ال يملك

129

منفردا تقرير مثل هذا الموضوع وقضية اللقاء ليست مشكلة وليست صعبة عندما يجري االتفاق التام على أسماء اللجنة

ومهمتها وهذا شأنكم كلجنة تفرض الحل الذي تقتنع بأنه لمصلحة الحزب ريثما يعرض هذا األمر على القيادة القومية فعلينا أن ال نضيع الوقت وإنما يجب أن نتفق على األسماء. وانتقلت اللجنة

المشتركة فورا إلى بيت الرفيق )ف( عضو القيادة القطرية وبحثت معه هذا الموضوع، وقد عرضت اللجنة بعض األشخاص وهو بدوره عرض جدوال خاصا باسمه الشخصي وجمعنا جداول

شخصية من بعض الرفاق اآلخرين المحايدين أو أعضاء في تنظيم القيادة القومية فوجدنا األسماء المشتركة تصل دوما إلى

% خمس وسبعون بالمائة وفي اليوم التالي باالتفاق مع75نسبة الرفيقين )ف. ج- م. س: مصلح سالم( الذي هو من أعضاء

المؤتمر القطري صيغ االقتراح التالي عدا البندين العاشروالحادي عشر اللذين هما من وضع اللجنة:

تقديرا للظروف الحرجة التي يمر بها حزب البعث العربي االشتراكي وفي هذه الفترة الحاسمة من تاريخ األمة العربية وحفاظا على وحدة الحزب السليمة قطريا وقوميا وبناء على

موافقة القيادتين القومية والقطرية على تشكيل لجنة في القطرالسوري لإلشراف على انتخاب مؤتمر قطري نقترح ما يلي:

- عدد أعضاء اللجنة سبعة أعضاء.1 - أعضاء اللجنة: )ف.ع. س- ف. ر- م -ع. ن- ش. ع –ع.ع-2

س.ع(.مهمة اللجنة:

- تسجيل أسماء الرفاق في كل محافظة المنظمين وغير1 المنظمين ممن تنطبق عليهم شروط العضوية الواردة في

المذكرة المقدمة من اللجنة الجامعية. - االستعانة بتنظيم كل من القيادتين القومية والقطرية على2

أن تسهل القيادتين مهمة اللجنة في هذا الشأن. - للجنة مطلق الصالحية بقبول العضو أو رفضه على أن تبت3

المحكمة الحزبية المنتخبة من المؤتمر القطري المنتخب بالقبولأو الرفض النهائي.

- إجراء انتخابات لمؤتمر قطري على أساس الجداول المعدة4 من قبل اللجنة.

- تنتخب كل محافظة ممثليها للمجلس القطري بإشراف5 اللجنة.

- تحدد اللجنة عدد ممثلي كل محافظة في المؤتمر القطري.6

130

- تنهي اللجنة عملية االنتخاب خالل مدة أقصاها شهر أيلول7 القادم.

- تشرف اللجنة على التوجيه الحزبي وخاصة على جريدة8 البعث.

- تفوض اللجنة بمهامها من قبل كل من القيادتين القطرية9 والقومية.

– يعتبر المؤتمر المنتخب جزءا من التنظيم القومي للحزب.10 - تعتمد اللجنة وتسمى بقرار يصدر عن القيادة القومية.11 ورفع االقتراح إلى كل من القيادتين القومية والقطرية بتاريخ

13/8/1962. فكان الجواب من عضو القيادة القومية الرفيق )ح. ع( شفويا:

- ال اعتراض على أسماء اللجنة المقترحة المؤلفة من سبعة1 رفاق وإن كان األفضل أن يعدل بعضها بأقوى منها.

- إن الحل مقبول 2 - ال حاجة للفقرة التاسعة من الحل المقترح ألن مضمونها3

وارد في الفقرة الثانية وإذا كان المقصود هو إعطاء كتاب خطي للجنة السباعية كي يمتثل األعضاء المنظمون في تنظيم المؤتمر

لما تطلبه اللجنة المذكورة فال مانع. - ستدعى القيادة القومية إلقرار هذا، ألنها كانت قد وافقت4

على هذا الحل المقترح في اجتماع سابق. - ارتأى تغيير نص المؤتمر القطري المنتخب و)التنظيم5

القطري(. وكان جواب القيادة القطرية خطيا كاآلتي:

13/8/1962 تحية عربية، جوابا لكتابكم المؤرخ في إن المؤتمر القطري لحزب البعث العربي االشتراكي المنعقد

كان تلبية حقيقية لحاجات الحزب العقائدية1962في حزيران والتنظيمية.

وإن القيادة القطرية المؤقتة المنبثقة عن هذا المؤتمر تمثل إرادة أكثرية القاعدة الحزبية في القطر السوري وهي تقوم

بصالحياتها منذ انتخبت ولقد حاولت القيادة القطرية المؤقتة أن تربط التنظيم الجديد بالحزب قوميا تنفيذا لقرارات المؤتمر

القطري غير أن موقف القيادة القومية بتأثير بعض أعضائها قد حال دون هذا الربط لذلك فقد تابعت القيادة القطرية المؤقتة

أعمالها التنظيمية والسياسية. وعلى الرغم من أن القيادة القومية قد اتخذت ذلك الموقف السلبي وأصدرت نشرة داخلية اعتبرت المفاوضات استدراجا

131

للقيادة القطرية واتهاما ووسيلة للطعن بها وحشدت النشرةباأللفاظ النابية البعيدة عن الروح الحزبية واألخالق العربية.

على الرغم من هذا فإن القيادة القطرية المؤقتة تستطيع أن تبحث مع القيادة القومية شؤون التنظيم والمؤتمر القطري بعد

أن تصدر القيادة القومية فورا اعترافها بالقيادة القطرية المؤقتة وفي هذه الحالة يمكن أن تتفق القيادة القطرية مع القيادة

القومية على تشكيل لجنة من األعضاء المتماسكين البعيدين عن الخالفات الشخصية لكي تساعد القيادة القطرية في تصنيف

األعضاء وإعدادهم لالنتخابات المقبلة. والخلود للرسالة. أقر هذا البيان المجتمعون من اللجنة الجامعية باإلجماع وهم

الرفاق: )م. س- ع. ج- ي.ش- ح. م- س. ك(* واتفقوا على إطالع أي رفيق راغب في معرفة ما جرى، على هذا البيان واتفقوا أيضا

على أال تعطي اللجنة حكمها وإنما تترك لكل رفيق أن يحكمبنفسه.

والخلود لرسالتنا. القيادة13/8/1962

القطرية

*مصطفى استنبولي – عبد الرحمن الجمل – ياسين شكر -حديثي مراد – سلمىكيالني

اللجنة العسكرية* بعد قيام الوحدة بين سورية ومصر، طلب عبد المحسن أبو

النور، الملحق العسكري في السفارة المصرية قبل الوحدة ومعاون قائد الجيش األول ) الجيش السوري ( بعد الوحدة، من

العقيد البعثي مصطفى حمدون قائمة بأسماء البعثيين من الضباط في الجيش، بهدف تسليمهم مراكز حساسة في

132

القطعات العسكرية حسب وعده، أو كما أوحي إليهم، وانطالقا من ثقتهم به، أعطي قائمة تضم الضباط البعثيين المعروفين

بنشاطهم _ أي ليس أسماء كل الضباط البعثيين _ ولكن هؤالء الضباط فوجئوا بصدور أوامر نقلهم على دفعات إلى الجيش الثاني ) الجيش المصري ( وتهميشهم، دفع هذا األمر بالبعض

نهم من استمرار التواصل منهم إلى البحث عن الوسائل التي تمك بين بعضهم والمحافظة على معنوياتهم، ووجدوا أنه ال بد من

تشكيل لجنة من بينهم لتحقيق ذلك األمر. لم يكن الهدف من تشكيل اللجنة العسكرية في اإلقليم الجنوبي "مصر" القيام بتنظيم هؤالء الضباط المنقولين، بل حماية لهم خوفا من أن يقعوا فريسة أجهزة مخابرات دولة الوحدة، أو يحبطوا نتيجة

التهميش الذي عوملوا به. تشكلت اللجنة العسكرية من الضباط البعثيين : بشير صادق، رئيسا، ومزيد هنيدي، وممدوح شاغوري ,

وعبد الغني عياش، ومحمد عمران. وبعد فترة نقلوا جميعهم _ باستثناء محمد عمران _ إلى السلك

الدبلوماسي، وبعدها بادر عمران إلى االتصال برفاقه لتشكيل لجنة جديدة، ولألسباب نفسها التي دفعت إلى تشكيل اللجنة

السابقة، وتألفت اللجنة الثانية من: محمد عمران، صالح جديد، عبد الكريم الجندي، حافظ األسد، منير الجيرودي، أحمد المير

محمود، عثمان كنعان. إن الذين أسسوا اللجنة العسكرية لم يرد بذهنهم إال انتماءهم السياسي، أما االنتقاء فقد تم على أساس مراعاة السالح الذي

يخدمون فيه ومراعاة تواجدهم في القاهرة أو بقربها. في بداية فترة االنفصال، أصدرت قيادة الجيش قائمة بتسريح

ضابطا من البعثيين، ومن بينهم كل أعضاء اللجنة، مما63حوالى دفع باللجنة العسكرية إلى زيادة عدد أعضائها بإضافة الضباط »الرائد حمد عبيد _ الرائد موسى الزعبي_ النقيب محمد رباح

الطويل« إلى عضويتها، وهم من الضباط الذين لم تشملهم قوائم التسريح، والنقيب حسين ملحم ) مسرح (، وقررت تطوير

نشاطها بالبدء بتنظيم العسكريين البعثيين )العاملينحين(، بعيدا عن التيارات البعثية المدنية التي كانت والمسر

تتحاور حول األسس التي يجب إتباعها إلعادة تنظيم الحزب. ، اعتقـــل عـــدد كبـــير من1962 آذار 28في أعقـــاب أحـــداث

الضباط المســرحين والعــاملين ومن بينهم أكثريــة أعضــاء اللجنــة تم،1962العسكرية، وتم إطالق سراح بعضهم، وفي شهر تمــوز

أيضـا، اعتقــال عــدد من الضـباط الوحــدويين )بعثــيين وناصـريين( بتهمة القيام بــانقالب، ومن بين المعتقلين كــان المقـدم المســرح

133

ــة العســكرية محمد عمران والرائد عئمان كنعان من أعضاء اللجن _،1963_لم يفرج عنهمــا إال في منتصـف شــهر شــباط من عــام

وفي هذه الفترة اســتلم أقــدم الضــباط، المقــدم المســرح صــالح جديد رئاسة اللجنة، وكان لــه مــع المقــدم المســرح عبــد الكــريم الجنــدي والرائــد المســرح أحمــد المــير محمــود، والرائــد موســىــادت إلى انقالب ــتي ق الزعبي، الدور الرئيس في كل الترتيبات ال

. 1963الثامن من آذار بعد انقالب آذار، أضــيف إلى اللجنــة العسـكرية كـل من النقيبــق ــاج علي والنقيب توفي ــطفى الح ــاطوم والنقيب مص ــليم ح س بركات، ثم أضيف إليها العميد أمين الحافظ الذي أصبح رئيسا لها

والرائد أحمد سويداني. واعتبرت هذه اللجنة نفسها قيــادة حزبيــة للتنظيم الحــزبي في القوات المسلحة، وركزت همهـا الـرئيس على االهتمـام بـالقوات المسلحة وعلى وضــع ثقلهــا، أحيانــا، في حســم الصــراعات الــتي

كانت تقع بين قيادات الحزب والحكم. لقد ضعف الدور السياســي للجنــة بعــد اتهامهــا ألحــد أعضــائها، اللواء محمـد عمـران عضـو القيـادتين القوميــة والقطريـة ونـائب رئيس الوزراء، بالقيــام باتصـاالت مـع قــوى وشخصــيات سياســيةــك، ــاطاته تل ــباب نش ــا على أس ــا أو اطالعه ــرار منه ــذ ق دون أخ

إبعاده وتعيينه ســفيرا فــوق العــادة1964وقررت في أواخر عام في إسبانيا، وتسفيره فورا، دون الرجــوع إلى القيــادات الحزبيــةــات ــبب االتجاه ــك، وبس ــيزة من ذل ــترة وج ــد ف ــؤولة، وبع المس المتعددة التي بــدأت تتصــارع في الحــزب والــتي شــملت أعضــاء اللجنة العسكرية، وتبلورت في االتجاهين اللذين تمثال في الجيش بشخص كل من الفريق أمين الحافظ واللواء صــالح جديــد، يمكن

القول: إن دور اللجنة قد انتهى تماما. قــرر المــؤتمر القــومي الثــامن الــذي انعقــد في أول شــهر

1965، حل اللجنة العســكرية، وفي شــهر حزيــران 1965مايس اجتمع مؤتمر حزبي للضباط البعثيين في معسكر القابون وانتخب مكتبا عسكريا مرتبطــا بالقيــادة القطريــة, ويعمــل تحت إشــرافها كــأي مكتب من مكاتبهــا، وتم انتخــاب كــل من المقــدم موســى الزعبي، المقدم مصطفى طالس، المقــدم حســين ملحم، الرائــدــد محمد رباح الطويل، الرائد جمال جبر، الرائد طالب خلف، الرائ عبدو الديري، ويضم المكتب في عضويته، أيضا، وبحكم مناصبهم، كال من قائد الجيش، ورئيس األركان، وقائد القوى الجويــة، وقائــدــكرية، القوى البحرية، وقائد الجبهة، ومدير إدارة المخابرات العس

134

ومدير إدارة شؤون الضباط، وأصــبح هــذا المكتب بأعضــائه لجنــةلشؤون الضباط في قيادة الجيش، وعضوا في مجلس الدفاع.

ولقــد تم تعــيين كــل أعضــاء اللجنــة العســكرية، من كــانوا قــد انتخبــوا إلى عضــوية القيــادة القطريــة أو إلى عضــوية المكتب العسكري أو من لم يكونــوا في هــاتين المؤسســتين، أعضــاء في

.1965 أيلول 1المجلس الوطني للثورة الذي عقد في ـــــــــــــــــــــ

* - من كتاب مروان حبش في قضايا وآراء – حوار شذا المدادالقرار األكثر إثارة للجدل*

حل الحزب، وكلمة األمين العام األستاذ ميشيل خاضت القوى التقدمية في سورية وفي طليعتها حزب البعث العربي االشتراكي سلسلة من المعارك على الصعيدين الداخلي

وهي1958والخارجي، توجت كلها بمعركة حاسمة في شباط قيام الوحدة االندماجية بين مصر وسورية.

لقد فرض البعثيون في الميثاق القومي الذي تبنته األكثرية البرلمانية تطوير العالقات مع مصر حيث يشمل مختلف

المجاالت التي يمكن توحيدها أو تنسيقها في الشؤون االقتصادية والسياسية والثقافية، وتضمن البيان الوزاري الذي تقدمت به

حكومة التجمع القومي التي شكلها صبري27/6/1956بتاريخ العسلي إلى البرلمان ذلك الميثاق، وتمسك مندوبو حزب البعث

على أن ينص البيان الوزاري بشكل ال لبس فيه على تحقيق االتحاد بين مصر وسورية، وفي جلسة لمجلس النواب السوري في شهر تموز من العام ذاته أقر المجلس باإلجماع االتحاد مع

مصر، كما عمل الحزب جاهدا لتكريس زعامة عبد الناصر الذيبدأ نجمه يسطع في الفضاء العربي.

طلب وزراء البعث ) صالح البيطار وخليل1957 في مطلع كالس ( من مجلس الوزراء االستمرار في بذل الجهود لتحقيق

االتحاد مع مصر. عكفت قيادة حزب البعث على وضع مشروع لالتحاد

الفيدرالي، وفي تصريح لألستاذ أكرم الحوراني نشرته جريدةن فيه األسس التي يؤسس11/12/1957الرأي العام بتاريخ بي

عليها المشروع، وهي: رئيس واحد، نائب للرئيس، مجلس نيابي اتحادي ومجالس نيابية قطرية، توحيد التمثيل الخارجي والدفاع

الوطني .... األمم كان وزير الخارجية األستاذ صالح البيطار يحضر جلسات

المتحدة، وبعد انتهائها عرج على القاهرة والتقى الرئيس عبد الذي أسر له عن خشيته من قيام بعض ضباط الجيشالناصر

135

للسيطرة على السلطة والحيلولة دون قيامبانقالبالسوري ، ولذلك فهو يريد التأكد من موقف القوات المسلحةالوحدة

السورية قبل المضي في اتخاذ خطوات عملية نحو الوحدة. وبعد عودته إلى دمشق اجتمع معه الملحق العسكري المصري اللواء عبد المحسن أبو النور ونقل إليه الهواجس نفسها وأبلغه تخوف

الرئيس عبد الناصر عن معارضة بعض أعضاء مجلس القيادة قيام الوحدة، وسمى له أسماء هؤالء الضباط، وعلىالعسكري ل

/11/1معهم يوم إثر هذه المعلومة اجتمع األستاذ البيطار ، وطرح عليهم خشية الرئيس ناصر من موقفهم تجاه1958

الوحدة الموعودة، فنفوا هذه المعلومات وأكدوا بأنهم مع السير أن مجلس القيادةلهوا نحو الوحدة وال يرضون عنها بديال، وأكد

العسكري الذي يمثل ______________________________________________________

في موقع "كلنا شركاء"7/6/2009*مقالة للمؤلف نشرت بتاريخ قيادة الجيش ومختلف وحداته والمناطق العسكرية مجمع على

معالوحدة، ونتيجة لهذا االجتماع األستاذ صالح البيطار اجتمع في اليوم نفسه، مجلس القيادة

ابطا.ض 2العسكري المكون من حوالي . تسارعت األحداث، ودخل أعضاء مجلس القيادة العسكري في

مزاودات بين بعضهم، ومنهم من كان يطالب بوحدة اندماجية، وأعدوا مذكرة باسم الجيش والقوات المسلحة تضمنت إجماع أعضاء هذا المجلس على قيام الوحدة الكاملة مع مصر، ومما

ورد في مقدمة المذكرة: "الوحدة بين مصر وسورية إن هي إال ضرورة قومية مستمدة من ماض وحاضر ومستقبل مشترك ما

بين أمة واحدة عربية وذلك تحقيقا لوحدة شاملة واحدة فيالعصر الحديث.

وقد عبر القطران عن إرادتهما في الوحدة الكاملة في شتى المناسبات القومية وخاضا في سبيل ذلك معارك ضارية ضد الرجعية الداخلية واالستعمار الخارجي حتى توصال إلى هذه

المرحلة التي تمكنا فيها من إعالن إرادتهما رسميا على لسان ممثليهما في كال القطرين في الجلسة التاريخية المنعقدة في

".1957 تشرين الثاني 18دمشق، في سمى مجلس القيادة، ومن غير علم السياسيين، وفدا من بين أعضائه للسفر إلى القاهرة في الليلة نفسها لتقديم المذكرة إلى

الرئيس ناصر، كما يقوم وفد آخر من هذا المجلس بتقديمها "المذكرة"، صباحا، إلى الحكومة السورية، وفوجئت الحكومة،

باستثناء األستاذين الحوراني والبيطار، بأن طائرة أقلت وفدا من

136

12 ضابطا ستصل الساعة 14المجلس العسكري يضم ليال لمقابلة الرئيس عبد الناصر، وأن الوفد يحمل معه مذكرة تم

إعدادها في دمشق. ال يشك األستاذ أكرم الحوراني بالضغط الذي مارسه عبد الحميد السراج على بعض أعضاء مجلس القيادة العسكري

وإيحائه لهم بأن حزب البعث يعد مؤامرة لالستيالء على السلطة،مما دفهم لتشكيل الوفد العسكري والسفر إلى القاهرة.

كان أول اجتماع لهم بعد وصولهم إلى القاهرة مع المشير عامر وتحدث أعضاء الوفد السوري مطالبين بالوحدة االندماجية

فورا، وبعد حوار طويل دام ثالثة أيام بين مندوبين عن الرئيس ناصر وأعضاء الوفد، اجتمع الرئيس ناصر معهم وأوضح لهم

الفوارق القائمة بين الوضع السياسي والعسكري في القطرين، وسأل البعثيين في الوفد فيما إذا كان حزب البعث

يقبل بحل نفسه؟ اتفقت إجابة أعضاء الوفد على ما طرحه الرئيس عبد الناصر بأن هذه التحفظات ال تشكل عائقا أمام تحقيق الوحدة، ووضعوا أنفسهم تحت تصرفه ليقرر بشأنهم ما يرتئيه مناسبا، وبعد نقاش

قصير وافق الرئيس ناصر على تحقيق الوحدة بين القطرينبشروطه، وهي:

– وحدة اندماجية ال اتحاد وعلى أن يكون الحكم رئاسيا ال1برلمانيا.

- حل األحزاب في سورية.2 - إبعاد الجيش عن السياسة، وتأكيدا لذلك وضع مجلس القيادة3

نفسه تحت تصرف الرئيس ناصر وترك له الحرية بتعيين أفرادهفي األمكنة التي يريدها أو تكليفهم بأي عمل يشاء.

اجتمعت قيادة الحزب القومية مع القيادة13/1/58 في يوم القطرية ومجلس الحزب وأقروا مشروع االتحاد الفيدرالي الذي

قدمته اللجنة الحزبية التي كلفت بإعداده وتولى عبداللهالريماوي تالوته مادة مادة، بعد إدخال بعض التعديالت عليه. تبنى مجلس الوزراء السوري مشروع حزب البعث، وكلف

وزير الخارجية األستاذ صالح البيطار بالسفر إلى مصر للتباحثمع الحكومة المصرية بشأن االتحاد بين القطرين.

إلى القاهرة وبرفقته سفير18/1/58 سافر األستاذ صالح يوم مصر في سورية محمود رياض، وفي اجتماعاته مع الرئيس عبد

الناصر لم يطرح معه المشروع الذي يحمله بذريعة أن وفد مجلس القيادة العسكري كان قد أنجز اتفاق الوحدة االندماجية،

وخشي من خسارة أي إنجاز وحدوي في حالة طرح مشروع137

االتحاد الفيدرالي، ومن هذا المنطلق صرح أكثر من مرة للصحف المصرية عن قيام الدولة العربية الواحدة، وعن حل األحزاب

السياسية في سورية. / عاد األستاذ البيطار إلى دمشق، وفي مساء22/1 بتاريخ

اليوم نفسه اجتمع مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية السيد شكري القوتلي واستمع إلى االتفاق الذي تم بينه وبين

الرئيس عبد الناصر بشأن توحيد البلدين. يتحدث األستاذ أكرم الحوراني عن مزاودة ومناورة

2506الرأسماليين ومن بينهم خالد العظم، ويورد في الصفحة من مذكراته تصريحا لخالد العظم نشرته جريدة "الصرخة"

جاء فيه: "إننا نريد الوحدة بين سورية ومصر19/1/58بتاريخ وحدة كاملة شاملة، وأن تتوحد الدولتان بدولة واحدة، ألن هذا

النوع من الوحدة صميمي أكثر وأشمل من غيره". ويستنتج األستاذ الحوراني: "أن هذه هي الصورة التي تعلل حماسة الطبقة اإلقطاعية والرأسمالية للوحدة مع مصر، كما

كانت أمال في نظر التجار لزيادة األرباح، وذلك بحل حزب البعث العربي االشتراكي وإقصائه عن السلطة، وهو األمر الذي كان يعدهم به ويؤكده لهم رجال المخابرات المصرية والمسؤولون

.2507في مصر". المذكرات ص كما يؤكد: "أن رجال السياسة من شكري القوتلي إلى صبري العسلي إلى رشدي الكيخيا إلى أصغر شخص من الموالين لهم،

كانوا يعتقدون أن الحكم سيؤول إما إلى حزب البعث وإما إلى الجيش وأن الوحدة مع عبد الناصر هي الحل الوحيد أمامهم"

.2518المذكرات ص أما أعضاء حزب الشعب والكتل البرلمانية المعارضة لحزب

البعث ولحكومة التجمع القومي فقد أخذوا وعدا من مبعوثي الرئيس عبد الناصر بإقصاء التجمع القومي و كبار ضباط الجيش

عن الحكم في سورية. الجزء الثالث من مذكراته144 يقول خالد العظم في الصفحة

حين ذهب رئيس الجمهورية والحكومة إلى مصر للتوقيع على اتفاق الوحدة: "جاء للسالم علي فريق من أبناء عمي فوجدتهم

مستبشرين فرحين لقيام الوحدة بين سورية ومصر، ولما سألتهم عن سبب هذا الشعور قالوا: "إن البالد سوف تتخلص من

البعثيين االشتراكيين ومن التجمع، فقلت لهم إنني أشك بإمكان إبعاد هؤالء عن الحكم القادم، وعلى فرض تحقيق ذلك فهل

يعادل التخلص من أخصامنا السياسيين زوال دولتنا واستقاللحرياتنا؟".

138

يبدي األستاذ الحوراني دهشته "من إلحاح األستاذ صالح على مصطفى حمدون ضرورة التفاوض على وحدة اندماجية، وذلك

حين جاء إلى بيتي وكان عندي األستاذ صالح ليبلغنا عن قرارالمجلس العسكري".

ن األستاذ صالح البيطار بعد عودته من مصر أمام اجتماع ضم بي قياديين حزبيين من سورية والعراق واألردن ولبنان أن الرئيس

عبد الناصر اشترط لقيام الوحدة التامة شرطين وهما: حلاألحزاب السياسية، وأن يضع قادة الجيش أنفسهم تحت تصرفه.

ويذكر األستاذ الحوراني أن المجتمعين وافقوا باإلجماع على حل الحزب، وأنه شاهد بأم عينيه بعد انتهاء االجتماع عبد الكريم

زهور يعانق جمال األتاسي فرحا، وسمع منهما جملة: "الحمد لله،خلصنا من الحزب".

ابتهج عبدالله الريماوي لقرار حل الحزب، ألنه كان يظن بأنه أصبح المرشح األكثر حظا ليصبح األمين العام للحزب في األقطار

العربية. كان األساتذة الثالثة يأملون استنادا إلى وعود جمال عبد

الناصر أن يكون االتحاد القومي حزبا موحدا للقوى التقدمية فيالقطرين، وقائما على مبادئ حزب البعث.

كانت انتقادات مختلف منظمات الحزب تعبر عن الممارسات السلبية ألجهزة عبد الناصر، وعن خيبة األمل في قرار حل

الحزب. بينما كان آخرون يرون أن قادة الحزب بتناقضاتهم كانوا

يشعرون بثقل وطأة الحزب عليهم وبالتشرذم واالنقسام الذي حل بالحزب وهذه فرصة قل نظيرها فليكن حل الحزب في

فإن الحل قد يقع بال ثمن سبيل قضية مقدسة هي الوحدة، وإال إذا استمرت أوضاع الحزب على ما هي عليه، ألنه، حسب رأي

البعض، ظهرت في الحزب بوادر تيارات مختلفة يلتقي بعضها مع التفسيرات الماركسية وبعضها مع النازية والفاشية وبعضها مع األحزاب االشتراكية الديمقراطية، والتبس في أذهان الكثيرين

مفهوم الرسالة الخالدة بالدعوة اإلسالمية …. وأصبح اتهام بعض الحزبيين لبعضهم البعض باالنحراف عن عقيدة الحزب أو التعلق بالزعامة الشخصية أو االرتجال، من األمور الدارجة على ألسنة

الحزبيين. وكان بعض البعثيين يرون أن األستاذ ميشيل تحمل مسؤولية الموافقة على قرار حل الحزب مع بقائه أمينا للحزب المنتشر

في األقطار العربية ومنظماته في بقية بلدان العالم للتخلص من دمج الحزبين، وكان يطالب بعد االنقالب على حكم أديب

139

الشيشكلي مباشرة بفك الدمج، ومما ورد في تقرير كانت قد لطرحه على مؤتمر قطري1957أعدته لجنة تحضيرية عام

للحزب مزمع عقده في وقت ما من العام نفسه : "إن الذريعة التي يتذرع بها دعاة االنقسام هو أن الحزب ليس وليد تجربة

واحدة بل جاء نتيجة لدمج حزبين مختلفين ، ويبدؤون من نقطة هي أن عملية الدمج هذه لم توفق ، واليوم وبعد مرور أكثر من

خمس سنوات على دمج الحزبين ، نجدنا مضطرين لمعالجة هذه الناحية ألن دعاة االنقسام ما زالوا موجودين ضمن الحزب ومن

أعضاء الحزب السابقين …". ويورد عضو القيادة القومية الدكتور جمال الشاعر في كتابه

،1959"سياسي يتذكر": قال األستاذ ميشيل، في شهر شباط في أحد اجتماعات اللجنة التحضيرية التي تعد لعقد المؤتمر

القومي الثالث: "في أواخر مراحل المباحثات عن الوحدة بين مصر وسورية

فاجأني الرئيس عبد الناصر بموضوع حل األحزاب، ولم يترك لي المجال للعودة إلى القيادة القومية أو المؤتمر القومي عمال

بالنظام الداخلي للحزب واضطررت أن أعطي الجواب بالموافقةفي الجلسة نفسها".

لم يكن حل الحزب لدى بعض القياديين مأسوفا عليه، ألن هناك تعويضا منتظرا لهم وهو احتمال تسلمهم زمام السلطة فيسورية نظرا لدورهم الكبير في قيام الوحدة ومنهجهم الوحدوي. حدث تذمر في قواعد الحزب من قرار الحل، ومنهم من اعتبر الحل غير شرعي ألن نظام الحزب ال يسمح بذلك، وألن الحزب

الذي يعتبر استمرار وجوده شرطا لتحقيق وحدة العرب، وقع فيمفارقة دون ريب وهي أن زواله أصبح شرطا لتحقيق الوحدة.

ولقد وجد القادة الثالثة الذين اتخذوا قرار حل الحزب مبرراتقرارهم بالحل بأن:

– حل األحزاب شرط وضعه عبد الناصر لقيام الوحدة.1 – الحل سيشمل فرعي سورية ومصر فحسب وليس الحزب2

كله. – االتحاد القومي سيكون اإلطار الذي سيمارس الحزبيون فيه3

نشاطهم السياسي بعد قيام الوحدة. هناك بعض البعثيين ممن أصبحوا مؤيدين للرئيس عبد الناصر، يتغاضون عن شهادة جميع أعضاء وفد مجلس القيادة العسكري

بأن شرط حل األحزاب فرضه الرئيس عبد الناصر، ويقرؤون، خطأ، أقوال عبد الناصر في مباحثاث الوحدة الثالثية بين مصر

، ويتجاهلون أن1963وسورية والعراق في شهري آذار ونيسان 140

األستاذ صالح البيطار حينما وصل إلى القاهرة حامال مشروع الوحدة الفيدرالية، كان كل شيء بحكم المنتهي بين الرئيس

ناصر ووفد مجلس القيادة، وهذا التوضيح يوجب قراءة ما دارفي المباحثات المنوه بها بشكل صحيح.

قال الرئيس عبد الناصر: لما بدأت الوحدة هل قلتو الحزب مايتحلش ؟

الكالم اللي أنا با قولو دلوقتي بأن هذا االتجاه كان خطأ، وانالحقيقة كان يجب أن يكون كذا.. ما في حدا اقترح هذا الرأي.

السيد ميشيل عفلق: باعتقد أنه بدون الحل ما بتكون تصير وحدة.…

الفريق لؤي األتاسي: يعني جايز افتكروا أنه عملية تسهيل للحكم … يعني بافتكر أنه كان تسهيل لطريقة الحكم حتى يوصل

للنظام األفضل فقرروا حل الحزب في سورية.السيد صالح البيطار: هذا كان رأينا.

الرئيس عبد الناصر: ليه ما اتكلمتوش.السيد صالح البيطار: في اللجنة قلنا.

الرئيس جمال عبد الناصر: ال … ال … بعد الوحدة ، بعد الوحدةبفترة .

السيد صالح البيطار: آه …صحيح . الرئيس عبد الناصر: ال.. أنا بتكلم على قبل الوحدة … نحنا قعدنا

واتكلمت ويانا … أنت الوحيد اللي قعد معانا. السيد صالح البيطار: بس نحن قلنا بأن االتحاد القومي فكرة بحد

ذاتها سليمة إذا كان له مضمون ثوري بمعنى أنه ما في مانع نجمع كل من هو وطني بشرط أن تكون القيادة ثورية ... وبعبارة

أخرى تكون الطليعة هي العمود الفقري له... هون صار في اختالف …أنت تقول انه ال أنا أعتبره بكامله هيئة يجمع

المتناقضات. تاريخ87 أوردت جريدة البعث في مقالها االفتتاحي في العدد

ضرورة تماثل األوضاع في القطرين وتحقيق17/12/1958 االنسجام بينهما، ومما ورد في هذه االفتتاحية: )….وكل ما يعتبر عائقا في سبيل االتحاد، من أوضاع خاصة في سورية، فإن إرادة

الشعب مجمعة على إزالته وتذليله، وإن الوضع الدستوري في مصر، وهي القطر األكبر واألقوى، إنما يصح أن يكون أساسا

لالتحاد ونقطة البداية فيه، وإذا كان عدم تماثل األوضاع السياسية بين مصر وسورية يعتبر عثرة، وعائقا، فإننا أول من

يطلب ويعمل لتطبيق ما يحقق تماثل األوضاع السياسية فيالقطرين(.

141

أدركت قيادات وقواعد الحزب بأن ما ورد في هذه االفتتاحية يعني أن تقوم األحزاب بحل نفسها، وهذا ما دفع بهم الحضور

إلى دمشق لالستفسار والتساؤل عما إذا كان باإلمكان إيجاد صيغة بديلة عن حل الحزب، وأمام تزايد إلحاح الحزبيين بضرورة عقد اجتماع لمجلس الحزب يناقش فيه هذا القرار، وافق األمينالعام األستاذ ميشيل عفلق على عقد اجتماع عام بشروط ثالثة:

– أن يكون االجتماع بعد إجراء االستفتاء الشعبي في سورية1ومصر على قيام الوحدة.

– عدم اعتبار جلسات االجتماع رسمية بسبب حل الحزب بعد2قيام الوحدة.

– عدم إجراء أي نقاش في الجلسات.3 وبناء على هذه الشروط تم توجيه دعوة عامة تشمل بعض

أعضاء من مجلس الحزب وأعضاء ليسوا من المجلس حتى ال يأخذ االجتماع صفة رسمية، وتقرر أن يكون زمن االجتماع في

ومكان انعقاده في مقر قيادة الحزب في2/1958 /23الحلبوني.

حضر االجتماع حوالى الخمسين عضوا، ومن القادة الثالث حضره األمين العام فقط، وأطلق بعض البعثيين على كلمة

األستاذ ميشيل في هذا االجتماع "خطبة الوداع"، وبناء على طلبه لم تنشر هذه الكلمة لمبررات تذرع بها حينذاك، وبعد سنوات

وافق على نشر قسم منها في كتابه "في سبيل البعث" تحت من283 -275عنوان "الوحدة ثورة تاريخية" الصفحات

- الطبعة الرابعة.1970منشورات دار الطليعة- بيروت- تموز وبعد مضي أكثر من نصف قرن على هذا الحدث، البد من نشر

القسم اآلخر المتعلق بحل الحزب وباالتحاد القومي المزمع إنشاؤه بديال عن التعددية السياسية، ليطلع قدامى البعثيين

وغيرهم من القراء عليه. )… ونستطيع القول إن الحزب والثورة في مصر وصال خالل سنوات قليلة، ولكن من خالل أزمات صعبة وظروف عاصفة

وخطرة، وصال إلى تفاهم والتقاء، إذا لم أصفه بأنه تام، فهو يكاد يكون تاما بكل معنى الكلمة، وهذا الفارق في األسلوب والبداية

بين الثورة وبين حزب البعث إن كان في الماضي لم يمنع من حصول هذا التفاهم والتالقي فليس ما يوجب أن يبقى ويستمر ، ليس ما يوجب أن تبقى الثورة بعيدة عن طريق الحزب الثوري

الشعبي وهذا ما أصبح في حكم القناعة المنتهية عند رجال الثورة، أي أنهم مقتنعون بأنه ال بد من تدعيم هذه النتائج التي

حصل عليها الشعب، واإلستناد إلى قوة الشعب باعتبارها القوة142

األساسية في صنع الثورات وفي صنع التاريخ. لذلك عندما تم االتفاق على توحيد مصر وسورية لم يكن ثمة مشكلة بالنسبة

إلينا عندما قضى االنسجام والتماثل في الوضع السياسي للدولة يكون في سورية أحزاب متعددة بل أن يسري نظام الجديدة أال

االتحاد القومي. لم يكن ثمة مشكلة لسببين:

األول: إننا بكل بساطة نعتبر الوحدة أكبر كسب يمكن ألمتنا أن تحققه في هذا الظرف، ألن هذه الوحدة فيها من الطاقة الثورية ما سيفجر في كل مكان على أرض هذه الجمهورية الجديدة وفي

األرض العربية الواسعة كلها، سيفجر طاقات، ال تحسب، من الوعي ومن النضال ومن التقدم. فإذا أي قيمة تبقى لوجود

أحزاب أمام هذه الخطوة وما ينتظر منها فحسب بل لتوكيدها وتعميقها وتوعيتها ألنها ستنقل العرب إلى مستوى جديد أرفع من

كل ما عرفوه حتى اآلن. الثاني: إن حل الحزب لم يكن شرطا طرح وال تضحية قبلنا بها

في سبيل هذا الكسب العظيم، وإنما هو حل من جهة وتكوين منجهة أخرى.

قلت لكم بأن رجال الثورة في مصر مقتنعون بعد تجارب وتردد ودراسة وصلوا إلى أنه البد من العمل على الطريق نفسه،

طريق الوعي، طريق العقيدة، طريق النضال الشعبي المنظم. واالتحاد القومي هو مجال تطبيق هذه القناعة وهذه الفكرة، فما

أن نحسن ملء هذا اإلطار الجديد بنشاط ووعي علينا إال وحماس. فالحزب هو حركة تاريخية للوطن العربي كله وال يمكن

أن ينحجب أو يزول أو ينسحب ما لم يحقق أهدافه ورسالته. فالحزب موجود في الوطن العربي، أما في هذا الوطن الصغير

الذي هو الجمهورية العربية المتحدة ، فالحزب باق كعقيدة ألن جمهورية كهذه ولدت من نضال عقيدتنا من النضال الشعبي، من نضال التحرر، من نضال االشتراكية، ال يمكن أن تكون لها سياسة وأن يكون لها اتجاه مختلف عن العوامل التي أوجدتها وساهمت

في تكوينها. واالتحاد القومي سيحمل عقيدة البعث كما نقدر ونعتبر. أما تنظيم البعث فسينحل ولكن البعث كقيادة على أوسع

مدلول لكلمة قيادة، وكقاعدة تشربت هذه العقيدة على طول السنين وجربت هذه العقيدة من خالل النضال فعندما تدخل االتحاد القومي ستعمل بالروح ذاتها، وسيدخل آخرون، ألن

االتحاد القومي سيجمع عناصر كثيرة، المفروض أن ال يسمح للعناصر الخائنة والفاسدة بالدخول إليه، ولكن هناك عناصر

وسط ليست بالرجعية وال بالتقدمية ينقصها شيء من الوعي،143

فيمكن لالتحاد القومي، كما نتصور، أن يقوم بتربية هذه العناصر وأن يختار أحسنها وأن يكسبها إلى االتجاه الثوري التقدمي.

وهكذا يكون ذوبان حزب البعث أو فرع حزب البعث في االتحاد القومي، بمعنى من المعاني، مثل توسيع لنشاط البعثيين، مع

العلم بأن األسلوب سيختلف والعقلية يجب أن تتطور ألن العمل اإليجابي هو المطلوب، ألننا طهرنا البيت ولم يعد هناك أجنبي، والمفروض أنه لم يعد مكان لوجود عمالء لألجنبي يستطيعون

التخريب والتآمر، فأكثر العمل إن لم يكن كله، ينصرف إلى البناء وهذا يتطلب تطويرا للعقلية والنظرية دون أن ينسينا ذلك قيمة األهداف التي لم تتحقق بعد وبقية أجزاء الوطن العربي التي لم تتحرر بعد، وال نشك لحظة بأن جمهوريتنا الجديدة سيكون نصف

عملها على األقل منصرفا إلى المهام القومية الواسعة لتحرير وتوحيد األقطار العربية األخرى، وعملنا إذا، سيكون في

المجالين: في البناء الداخلي، وفي النضال في األقطار العربيةاألخرى إلى أن تتحرر أمتنا.

أيها األخوان: إذا قدرتم حق التقدير أهمية الدور الذي ساهم كل واحد منكم

أنتم الحاضرين وكل رفاقكم في هذا الحزب وجميع أفراد الشعب المؤيد والمناصر لحركتنا، إذا قدرتم أنكم ساهمتم بدور تاريخي

كل حسب استطاعته وقدرته وفي حدود عمله، فإنكم ستدركون بأن الذي ساهم في صنع هذه الوحدة ال يجوز له وال يحق له أن

يبتعد، وإنما هو أجدر من أي كان بأن يكمل العمل وأن يكمل الصنع والبناء، وهذا هو الشيء الطبيعي والمشروع الضروري ألنه

ليس أعرف من الصانعين بما يجب أن يصنع في المستقبل، وليس أكثر غيرة وأكثر إخالصا على هذه الوحدة والجمهورية

الجديدة من الذين ناضلوا في سبيلها. فالطبيعي أن يكونوا، هم، في الساحة والمعركة لكي يكملوا عملهم ولكي ال يتركوا المجال

والفراغ تملؤه عناصر أقل صلة بالنضال منهم وأقل غيرة علىالوطن منهم.

هذا ما أردت أن أقوله لكم وأعتقد وأشعر دون أن أسأل أحدا منكم بان هذه المرة هي األولى التي تشعرون فيها بالتجاوب التام مع األحداث ومع قيادة الحزب ومع الحزب، وأشعر أنكم مطمئنون إلى أن حل الحزب ليس شيئا ننظر إليه مع فرحتنا بالوحدة التي تحققت بشيء من األسف، إن هذا الحل لفرع

الحزب هو منسجم كل االنسجام مع هذه الثورة، وبداية جديدة للعمل بوحي العقيدة، وهي العقيدة نفسها التي ال تتبدل، ولكن بشروط أسلم وجو أنظف وفي إمكانية لالنتقاء واالختيار أقوى

144

من الماضي. كدنا مع ظروف النضال وضغط القوى االستعمارية نفقد حرية االختيار فنتغاضى عن أشياء وأشياء، واليوم تتاح وتنفسح الفرصة

لبداية ناصعة غنية باإلمكانيات، وأعتقد بأننا مرتاحون لهذا،متفائلون، ومحققون أمل أمتنا فينا.

وفي نهاية الجلسة، ورغم أن االجتماع لم يكن لمجلس الحزب،أذاع األستاذ ميشيل عفلق باسم مجلس الحزب، البيان التالي:

عقد مجلس23/2/1958"في الساعة السادسة من مساء األحد حزب البعث العربي االشتراكي بالقطر السوري اجتماعا استمع

فيه إلى بيان القيادة القومية وقرارها بحل فروع الحزب في الجمهورية العربية المتحدة، وبذلك يعتبر حزب البعث في

الجمهورية العربية المتحدة منحال بكافة منظماته ومؤسساته". كان قرار القادة الثالثة ) عفلق – البيطار – الحوراني ( بحل

الحزب، القرار األكثر إثارة للجدل، وظهر ذلك بشكل واضح في القرارات المتناقضة بشأن حل الحزب للمؤتمرين القوميين

الثالث والرابع، وكذلك عند القاعدة الحزبية في سورية أثناء محاولة إعادة تنظيم الحزب في القطر ومطالبة أغلب هذه

القاعدة بإبعاد القادة الثالثة عن التنظيم ومحاسبتهم حزبيا فيأول مؤتمر قطري منتخب يتم انعقاده بعد إعادة التنظيم.

وورد في تقرير عن أسلوب العمل الحزبي قدمته القيادة القومية وأقره المؤتمر القومي الرابع: "لقد خلق قرار حل

الحزب في الجمهورية العربية المتحدة هزة عنيفة في األوساط الحزبية وفي الرأي العام المؤيد للحزب، ولم تتضح خطورتها إال

بعد زوال موجة الحماسة الكبرى التي رافقت حد ث الوحدة. ومما زاد من حدة هذه الهزة عدم وضوح مبررات هذا القرار

الخطير بالنسبة للقاعدة الحزبية ال بل حتى بالنسبة للقيادات، ومن جهة ثانية فإن التنظيم الحزبي في سورية كان بالنسبة

للحزب بمثابة الموجه األول، وحل الحزب في القطر الذي لعب الدور األساس في النضال الحزبي، زعزع إيمان عدد من

الحزبيين باستمرار الحزب وبالنضال الحزبي مضافا إلى ذلك أن التطورات التي حدثت في الجمهورية العربية المتحدة خلقت

انطباعا شامال بأن هذا القرار كان خاطئا من أساسه، وأنه جاء يؤكد مدى ضعف قيادة الحزب السياسية وتردي وضع الحزب

العام ...".

145

146

استقالة الوزراء السوريينفي عهد الوحدة

أخذ البعثيون كالم الرئيس عبد الناصر لهم قبل الوحدة على محمل الجد، فلما طرح عليه األستاذ صالح البيطار رؤيته بأن

قيادة الوحدة يجب أن تكون مناصفة بين السوريين والمصريين، وافق الرئيس ناصر وقال طبعا: "إن تجربة مصر الحزبية حديثة وحزب البعث مؤهال ألن يعطينا تجربته وأنا ال أعرف غير حزب

البعث في سورية". الحظ البعثيون أن كل ما تم الحديث حوله واالتفاق عليه تغير بعد شهرين من قيام الوحدة، كما أن أجهزة عبد الناصر األمنية

وجدت فرصتها في انتخابات االتحاد القومي، إذ قامت بتزوير نتائجها، واتخذت منها وسيلة إلضعاف شعبية حزب البعث

وقياداته، وإنجاح الفئات اليمينية والرجعية ورجال المال، كمايقول األستاذ أكرم الحوراني.

حاول وزير الثقافة واإلرشاد اإلقليمي األستاذ رياض المالكي "البعثي"، دون جدوى، وضع حد للتجاوزات المتكررة التي يقوم

بها مدير االستعالمات عدلي يكن حشاد "مصري" الذي يريد تهميش الوزير وفرض سيطرته على الوزارة، كما أراد أن يمارس

ف باإلشراف على مديريتي اإلذاعة والدعاية صالحياته كوزير كل واألنباء، ولكنه تلقى أكثر من مرة رسائل بأنه وزير تنفيذي في نظام رئاسي و ال يحق له أن يصرح تصريحات سياسية، وعلى إثر ذلك ألغى الرئيس عبد الناصر هذا التكليف وربطهما بوزير

الدولة لشؤون الرئاسة في القاهرة، وبعدها جاءت انتخابات االتحاد القومي واعتبر الوزراء جميعا مرشحين حكما، ونجح

147

المالكي عن حي المهاجرين ورغم دعوته أكثر من مرة لحضوراجتماعات لجنة الحي لكنه اعتذر عن تلبية تلك الدعوات.

تجاه رفض المالكي التهميش وإصراره على ممارسة صالحياته كوزير، وهذا موقف ال يرضي الرئيس الذي أصدر قرارا في شهر

، يقضي بإقالته.1959أيلول في1959 على إثر إقالة الوزير المالكي اجتمع في شهر أيلول

الزبداني، بعض البعثيين القياديين، األساتذة عفلق والحوراني والبيطار ومصطفى حمدون وأمين المنظمة الحزبية في لبنان

عبد الوهاب شميطلي، لدراسة وتقييم األوضاع في دولة الوحدة وفي نهاية المناقشة تبلور رأي بضرورة استقالة الوزراء البعثيين

من الحكومة. وعقب هذا االجتماع، قابل أكرم الحوراني بعد عودته إلى القاهرة، الرئيس عبد الناصر وأبلغه أن أواصر الوحدة بين

الشعب في اإلقليمين دب في أوصالها الضعف والوهن، بسبب المركزية الشديدة التي تعالج بها شؤون سورية، ونشاط أجهزة

المخابرات الطاغي لكتم أنفاس المواطنين الذين بدؤوا يشعرون بتسلط إقليم على آخر، والفراغ السياسي الذي لم يستطع

االتحاد القومي أن يمأله. واقترح عليه بصفة شخصية التراجع عنالوحدة االندماجية وتطبيق صيغة االتحاد الفيدرالي.

22 بعد هذا االجتماع بفترة، أصدر الرئيس عبد الناصر بتاريخ تشرين األول، قرارا بتعيين المشير عبد الحكيم عامر حاكما عاما

في سورية وتخويله كل صالحيات رئيس الجمهورية. في أعقاب جلسة للوزراء المركزيين المصريين والسوريين

تشرين29في قصر القبة برئاسة الرئيس عبد الناصر بتاريخ الثاني، جرى نقاش حول ما تقوم به إسرائيل من أعمال لتحويل نهر األردن، وكان موقف الرئيس ناصر، بسبب حاجته للمعونات

األمريكية، غير حاسم، وكان هذا الموقف هو الدافع األخير لتقديماالستقاالت.

تقدم نائب رئيس الجمهورية، وزير العدل المركزي أكرم الحوراني، والوزراء البعثيون، المركزيون واإلقليميون )صالح

البيطار- مصطفى حمدون- عبد الغني قنوت( باستقاالتهم في. 1959 كانون األول 24

استدعى وزير الدولة علي صبري، بتوجه من الرئيس ناصر، الوزيرين المركزيين السوريين أمين النفوري وأحمد عبد الكريم الستطالع رأيهما حول استقالة الوزراء البعثيين، فكانت إجابتهما

"بضرورة رفض االستقالة كمخرج لألزمة، ألن البعث أحد الدعائم األساسية لتهيئة ظروف قيام الوحدة، وهو مسؤول اآلن أمام

148

هذه الجماهير عن مصير هذه الوحدة". كما أكدا له اتفاقهما التام مع الوزراء البعثيين حول األسباب الموجبة التي دعتهم لالستقالة،

وهي: "عدم التكافؤ والمساواة بين اإلقليمين، وعدم إشراك السوريين في السلطة على مستوى الجمهورية بإقليميها، وعدم

وضوح نظام الحكم بسبب تداخل السلطات وإبطال فعاليات أجهزة الدولة وتحول النظام الرئاسي إلى ديكتاتورية مطلقة

تعتمد أساسا على األجهزة األمنية، وتحول الحكم في سورية إلى إدارة مصرية صريحة وصلت ذروتها بتعيين المشير عامر حاكما مطلق الصالحيات، واقترحا تشكيل لجنة عليا لدراسة المشاكل

التي نشأت منذ قيام الـ ج. ع. م ووضع الحلول لها. بعد يومين من هذه المقابلة قبل الرئيس ناصر استقالة الوزراء

البعثيين، ولم يول رأي من استطلعهم أي أهمية. علل عبد الناصر أسباب استقالة البعثيين بأنها " كانت بغرض

فرض قيادة حزب البعث رأيها عليه، وأنه ال يمكن أن يرضخ لمثل هذه األساليب، وال يقبل مشاركة أحد في المسؤوليات والحقوق التي خوله إياها الشعب عند االستفتاء على الدستور والرئاسة...

وأنه ال يهتم باستقالة الحزبيين ألن الشعب إلى جانبه"، و"الشعب حين نادى بالوحدة إنما نادى بإلغاء الحزبية"، كما اعتبرها انسحابا من الوحدة، وأعقب ذلك حملة إعالمية قامت بها وسائل اإلعالم

على حزب البعث. فوجئ الشعب في سورية بوصول الرئيس عبد الناصر وبرفقته

رئيس مجلس األمة أنور السادات، برحلة بحرية إلى مدينة الالذقية قبل أيام من حلول موعد الذكرى الثانية لقيام الوحدة،

وقيل إن هذه الزيارة المبكرة كانت بسبب وصول معلومات إلى الرئيس ناصر مفادها أن السياسيين السوريين من مختلف

االتجاهات الحزبية يعزمون تقديم مذكرة إلى الرئيس يطالبون فيها بإلغاء االتحاد القومي ومجلس األمة المعين، وإلغاء المكتب الخاص الذي أسسه عبد الحميد السراج، وإلغاء قانون الطوارئ المفروض على أراضي الجمهورية، وإطالق الحريات، وتشكيل

حكومة انتقالية مهمتها إجراء انتخابات نزيهة. كان استقبال عمال المرفأ للرئيس باهتا، واتهم البعثيين بأنهم

حرضوا العمال على عدم المشاركة في استقباله، وصدر أمر بتسريح رئيس النقابة البعثي خالد الجندي. ومن هناك ألقى

خطابا شن فيه هجوما عنيفا على البعثيين، ولقد قال في خطابه: "إن الذين يحاولون أن يفرقوا أبناء هذه األمة هم الحزبيون

والمستغلون ولن نسير بأي حال وراء حزبي قتل قلبه الحقد والبغضاء، ألنه يريد أن يرفع الشعارات ليتحكم أو يحكم أو ألنه

149

يريد أن يسيطر على هذه األمة وال يريد أن يحقق أهدافنا، إننا ،ومن يقف في طريقنا سندوسه بالجزمسنحقق أهدافنا

وإن الوحدة السورية المصرية هي اليوم أقوى من كل وقت مضى... ال أقول أسماء ولكن كل واحد منا يعرفهم، ونحن

نعرفهم واحدا واحدا وأنتم أدرى وقد عرفتم أالعيبهم السياسية". ويقصد الرئيس البعثيين، واعتبر استقالتهم طعنة له وجريمة في

حق الوحدة. بعد حوالى األسبوع من قبول استقاالت البعثيين، وفي جلسة

لمجلس الوزراء المركزي والتنفيذي المصري برئاسة الرئيس عبد الناصر، خصصت لمناقشة خطة التنمية لوزارة الشؤون البلدية والقروية، حدث فيها تجاوز وتهميش الوزير المركزي

أحمد عبد الكريم، إذ قال الرئيس: "من ال يريد التقيد بالحدودالتي رسمتها له فما عليه إال أن يستقيل".

في اليوم التالي لتلك الجلسة، قدم الوزير أحمد عبد الكريم استقالته إلى رئيس الجمهورية، وعلى إثر مقابلة الرئيس للوزير

واطالعه على أسباب استقالته طلب منه تأجيلها على أمل معالجة تلك األسباب، و لما لم يتحقق أي شيء من هذا األمل

وتضامن معه في تقديم1960 أيار 2تقدم ثانية باستقالته في االستقالة الوزير أمين النفوري، وقبل الرئيس استقالتيهما في

اليوم نفسه، وبعدهما ولألسباب نفسها قدم وزير الصحة المركزي السوري الدكتور بشير العظمة، ونائب وزير الخارجية

الدكتور فريد زين الدين استقالتيهما.

150

فترة االنفصالالبعثيون والناصريون

تموز18حتى 1961أيلول 28من 1963

1961 أيلول 28انقالب االنفصال اعتبر عبد الحميد السراج، أن تعيين المشير عامر حاكما

لسورية وله كامل صالحيات رئيس الجمهورية، اعتبر ذلك بداية النهاية له ولسلطته األمنية التي أرهب بها شعب سورية، وعين الرئيس بعض كبار الضباط السوريين وزراء تنفيذيين إلضعاف

سطوته وهو ما أكد مخاوفه، وبدأ الصراع يزداد حدة بين السراج وهؤالء الوزراء العسكريين الذين طلبوا من الرئيس عبد الناصر أثناء اجتماعه معهم في القاهرة، التقليص من صالحيات السراج وسلطاته الواسعة، ولكن الرئيس عين السراج رئيسا للمجلس

التنفيذي في سورية ورئيسا للمؤسسة االقتصادية إضافة إلىوزارة الداخلية ورئاسة اللجنة التنفيذية لالتحاد القومي.

، قرر الرئيس عبد1960 تموز 23 على إثر قرارات التأميم في الناصر إلغاء المجلس التنفيذي في سورية وإدارة شؤونها من

القاهرة مباشرة، وتعيين عبد الحميد السراج نائبا لرئيسالجمهورية للشؤون الداخلية.

151

لم يرق للسراج هذا المنصب الجديد الذي ال صالحيات له، لذلك قرر العودة إلى دمشق، وبدأ الصراع بينه وبين المشير

يطفو على السطح، خاصة، بعد تصريح المشير أنه بحكم صالحياته هو المسؤول عن اإلتحاد القومي في سورية، فما كان

من السراج إال اإلعالن بأن االتحاد القومي هيئة منتخبة، وهذه الهيئة كانت قد انتخبته أمينا لسرها، وفي اجتماعه مع أعضاء

اللجنة التنفيذية شكا السراج لهم بأنه في منصبه الجديد لم يجدأي عمل له.

أخذ السراج يحرض أعوانه الذين زرعهم في األجهزة األمنية، وأعضاء االتحاد القومي النتقاد نظام الرئيس عبد الناصر

ولمقاومة المشير عامر، كما حرض بعض النقابات ليقوموا بإضرابات، تجاه ذلك أصدر الرئيس ناصر قرارات بدمج االتحاد

القومي وبتوحيد األجهزة األمنية في اإلقليمين، وأصدر وزير الداخلية قرارا نقل بموجبه بعض ضباط األجهزة األمنية إلى القاهرة، ولكن هؤالء وبإيعاز من السراج امتنعوا عن التنفيذ

وتمردوا على األوامر، فأمر المشير عامر بإلقاء القبض عليهم وإحالتهم إلى المحكمة بتهمة التمرد. وهذا ما دفع السراج إلى

. 22/9/1961تقديم استقالته يوم عمت الشائعات في سورية عن عزم السراج القيام بانقالب

ضد الرئيس ناصر، وساهمت قوى عديدة معادية لنظام الرئيس ناصر في ترويجها، وفي هذا الجو المليء بالغيوم قام عدد من

الضباط الذين قربهم إليه المشير عامر، وسلمهم مناصبحساسة في القوات المسلحة بدال من الضباط البعثيين*، وعرفوا بـ "الكتلة الدمشقية" برئاسة المقدم عبد الكريم

بانقالب 1961 أيلول 28النحالوي، في *البد من ن التنويه بالمحاوالت الكثيرة التي قمنا بها مع المسؤولين العسكريين في

مصر إلثارة االنتباه إلى خطورة الموقف، خاصة بعد أن تأكد لناأن هناك دعوة لمخطط انفصالي، تهيئ له العناصر الرجعية في الجيش السوري، التي تمكنت من احتالل

مراكز حساسة في قطاعاته. ولكن هذه المحاوالت لم تؤد إلى نتائج جدية لمعالجة 18الموقف المتفاقم. اللواء محمد عمران- تجربتي في الثورة-ص

أدى إلى فصل الوحدة. /14 و 5 اعتبرت قيادة حزب البعث في بيانين لها صدرا في

أيلول قد كشف من28 أن ما وقع في سورية يوم 1963/ 10 جهة، عن مواضع ضعف الحكم في ااـ ج.ع.م ومن جهة أخرى، وضع قضية الوحدة على بساط البحث، وخاصة قضية أسلوب

تحقيقها والمحافظة عليها،كما اعتبرت أن ما وقع في سورية كان انقالبا رجعيا فتح باب سورية لمخاطر استعمارية قوية وسيدفع

إلى ضرب القوى التقدمية وعزلها وتعطيل فعالية الشعب

152

الثورية، ودعت القيادة القومية، لمجابهة تلك المخاطر، إلى تشكيل جبهة قومية واسعة تحفظ للشعب وحدته الوطنية، كما

دعت القوى الوحدوية الديمقراطية في سورية،ألن تضع في مقدمة مطالبها موضوع الحريات الديمقراطية والجبهة القومية، وحين ينتصر الشعب في موضوع الحريات لن يختار غير الوحدة

طريقا، كما دعت القيادة إلى ممارسة النقد الذاتي من قبلالحزب.

كانت باكورة عمل النحالوي، بعد تشكيل الوزارة الثالثة في عهد االنفصال برئاسة معروف الدواليبي، أن تقدم إلى مجلس

ضابطا وطلب تسريحهم أو120الدفاع بقائمة تضم حوالى الـ نقلهم إلى وظائف مدنية بذريعة "تنظيف الجيش من

السياسيين"، وكانت األكثرية الكبيرة من هذه األسماء ضباطا ينتمون إلى حزب البعث، ووافق مجلس الدفاع على تسريح

ضابطا من القائمة، من بينهم أكثر أعضاء اللجنة62ونقل العسكرية، وبقي اآلخرون ممن وردت أسماؤهم في القائمة

لعدم وجود معلومات موثوقة تؤكد انتماءهم للبعث. رفضت القاهرة أن تمد يدها ألية حكومة من حكومات ما عرف

بعهد االنفصال، والدخول معها بمفاوضات جدية، وتمادت في حمالتها اإلعالمية، ورغم ذلك، سافر وفد من الضباط الذين نفذوا

حركة االنفصال ضم "العميد زهير عقيل, العقيد محمد منصور، الرائد فايز الرفاعي" وبالتنسيق مع النحالوي إلى القاهرة، وطرح

الوفد على الرئيس عبد الناصر االعتراف بالوضع الحالي في سورية ليصار إلى االنتقال لمعالجة عودة الوحدة وفق أسس

جديدة، وعاد أعضاء الوفد، مرة ثانية، إلى القاهرة واجتمعوا مع الرئيس عبد الناصر الذي أملى شروطا رآها ضرورية للبدء بالمباحثات، وأولها العودة إلى الوحدة ألن في ذلك انتصارا

للقومية العربية، وأيضا, معالجة أوضاع الضباط الذين سرحوا عقب انقالب االنفصال، والمقصود "جاسم علوان وحكمت الداية

وكاظم زيتونة ورفاقهم من ذوي االتجاه الناصري"، ولم يشملهذا المطلب الضباط البعثيين المسرحين.

رجع أعضاء الوفد إلى دمشق برأي مفاده: أنهم ال يرون ضرورة للسرعة بخصوص عودة الوحدة ويجب التفكير بهذا

الموضوع. وقررت قيادة الجيش تأجيل البحث بشأن مفاوضات الوحدة

إلى فرصة أخرى، وشاركهم الرئيس السوري ناظم القدسي هذاالرأي.

153

نشر األستاذ محمد حسنين هيكل، عن عمد، في جريدة األهرام نصوصا عن المحادثات، ومما ورد في النصوص المنشورة،

"وكيف نعيد الوحدة، هلتساؤل للرئيس عبد الناصر: نعيدها بانقالب جديد؟ في الحقيقة ال أتصور أن يحدث

ذلك ... وصحيح أن العودة للوحدة بانقالب قد يرضي شعورنا جميعا ... ولو قام انقالب وحدوي في سورية

أعادها إلى الوحدة فورا، إن الجماهير العربية التي صدمها ما حدث في سورية سوف تهب حماسا لها مرة

.ثانية" لقد أوحى الرئيس عبد الناصر بضرورة القيام بانقالب، وفي

الوقت نفسه كان جهاز االستخبارات المصري ينسق مع مجموعة من الضباط السوريين الناصريين للقيام بانقالب على االنقالب

وإعالن إعادة الوحدة كما كانت، ومن دون إعالم الضباط البعثيين الذين كانوا ينسقون معهم، كما أن النحالوي وكتلته، وتحت شعار

عودة الوحدة، كانوا يطمحون إلى حكم سورية بأسلوب أديب الشيشكلي نفسه، وكان النحالوي على يقين تام بأن عبد الناصر لن يقبل حتى مجرد التفاوض وفق األسس المطروحة من قبل

الوفد السوري. ساد التوتر بين الكتل العسكرية في الجيش، من جهة، وبين

بعض هذه الكتل وخاصة كتلة النحالوي وحكومة الدكتور معروف الدواليبي، من جهة ثانية, ونشأت بينهم خالفات حادة أدت إلى

مطالبة النحالوي وكتلته بـ: - إلغاء المراسيم التي أعيدت بموجبها بعض الشركات

المؤممة إلى مالكيها السابقين. - إقالة الحكومة واالستعاضة عنها بحكومة حيادية غير سياسية،

ومن ذوي االختصاص. - حل المجلس النيابي الذي يعمل كجمعية تأسيسية، بعد

ستة أشهر من تاريخ انتخابه. لم يوافق رئيس الجمهورية الدكتور ناظم القدسي على

تبني أي من تلك المطالب مستقويا بكتلة أخرى من ضباط الجيش الذين ال يرون رأي زمالئهم اآلخرين،

ووضحت لهم،أيضا, أهداف النحالوي الذي استمر في مناورته وبدأ في عقد عدة لقاءات مع سياسيين محسوبين

على االتجاه الناصري مثل "هاني الهندي، نهاد القاسم، راتب الحسامي، فريد زين الدين"، وكان هؤالء يتحدثون

عن ضرورة العمل المثمر إلعادة الوحدة، ونتيجة تلكف الدكتور فريد زين الدين بإعداد مشروع اللقاءات كل

154

للمباحثات المزمع إجراؤها مع الرئيس عبد الناصر، وعلى ضوء ذلك عقد أبرز ضباط الجيش اجتماعا لهم في

مدرسة المدرعات في القابون، للتداول فيما تم االتفاق عليه مع السياسيين الناصريين، وانقسم المجتمعون إلى

فئتين، مؤيد ورافض, كما أن أكثريتهم استهجن طرح نائب رئيس شعبة المخابرات العميد شرف الزعبالوي،

المتضمن "ضرورة القيام بانقالب تعاد على إثره الوحدة، خشية من المد الوحدوي الذي قد يطيح بالجميع بصورة

مفاجئة"، وعارض اآلخرون ذلك التقييم واستهجنوه، وخاصة العقيد زياد الحريري الذي أكد بأن لواءه خال من

أي ضابط ناصري، وانتهى االجتماع من دون أن يحققالنحالوي مأربه.

155

1962 آذار 28انقالب

بعد أن نضجت فكرة االنقالب في ذهن كتلة النحالوي ورسمت 28/3/1962خططها، تحركت في الساعات األخيرة من ليلة

عدة مفارز عسكرية وباشرت باعتقال القسم األكبر من أعضاء المجلس النيابي، وأعضاء حكومة الدواليبي، وأحضر رئيس

الجمهورية د. ناظم القدسي إلى مبنى قيادة الجيش ووافق على تقديم استقالته بناء على طلب النحالوي، وتم اعتقاله في سجن

مستشفى المزة العسكري، وبدأت اإلذاعة السورية بإذاعة أيلول وفحواها ضرورة إصالح28بالغات عسكرية تتمة لبالغات

وتصحيح االنحراف الذي حصل. ة في الجيش، وكل كتلة فيه ظهرت بوادر االنقسام جلي

اعتبرت أن الوقت قد حان لتنفيذ مخططاتها, وكانوا جميعهم متفقين، من دون اتفاق سابق، على اإلطاحة بكتلة النحالوي،

كخطوة أولى للتمهيد للخطوة الثانية. كانت القاهرة على علم مسبق بما سيقوم به النحالوي

ومجموعته, وأبلغت أنصارها من الضباط الموجودين في القاهرة أو في دمشق، لالستعداد والتحرك في اللحظة المناسبة والقيام بانقالب على االنقالب لصالح نظام عبد الناصر، فاتصل الضباط

المسرحون الموجودون في القاهرة بالمقدم المسرح محمد عمران رئيس اللجنة البعثية العسكرية، المتواجد،حينها، في لندن

لمعالجة ابنه، وطلبوا منه ضرورة العودة، فورا، إلى دمشق، واللجنة في ذلك الوقت لم يكن لها أي ارتباط تنظيمي أو تنسيق

مع قيادة الحزب، ولكنها كانت تتفق مع تقييم القيادة القومية لألحداث، وكانت كتلة الضباط الوحدويين )ناصريون وبعثيون(، من منهم في الخدمة أم كان مسرحا يخططون لالنقالب على

الحكم االنفصالي وإعادة الوحدة على أسس جديدة. كان االتفاق مع قائد موقع حمص العميد بدر الدين األعسر، بأن

،1/3- 31يجتمع الضباط الوحدويون المسرحون عنده ليل ليسيطروا على اللواء المدرع الخامس المرابط في حمص

بمساعدة بعض الضباط العاملين فيه، وفي الوقت نفسه تكون قد تمت السيطرة على الوحدات العسكرية في حلب وفي

المنطقة الشرقية والساحلية، وبعد ذلك يأتي التأييد لحركتهم من القطعات العسكرية األخرى. ولكن العميد األعسر باالتفاق مع

الضباط الناصريين قام بحركته قبل يوم من الموعد المتفق عليه، آذار ليضعف الضباط البعثيين ويمنعهم من31-30أي ليلة

السيطرة على اللواء، ورغم ذلك وصل الضباط البعثيون156

المسرحون "النقيب مصطفى طالس والنقيب مصطفى واستطاعوا بالتعاون مع3/ 31عمران ..." إلى حمص يوم

الضباط البعثيين العاملين في اللواء " المالزم أول أدهم كنيفاتي والمالزم أول موسى العلي والمالزم أول خالد بدوي ..." اقتحام

اللواء وفرض سيطرتهم عليه، وامتعض العميد األعسر منسيطرة البعثيين على اللواء.

والتحق في حمص، أيضا،كل من الضباط المسرحين من أعضاء اللجنة العسكرية "المقدم محمد عمران والرائد صالح

جديد والرائد عبد الكريم الجندي والنقيب حافظ األسد" كما كانقد وصل إليها، من قبل، العقيد المسرح الناصري جاسم علوان.

تشكلت قيادة العصيان من العقيد جاسم علوان والمقدممحمد عمران وبرئاسة العميد بدر األعسر

الذي أبلغ قيادة الجيش، بعد أن تمت السيطرة على اللواء الخامس المدرع، عن حركة العصيان وبأنها موجهة ضد انقالب النحالوي بعد أن تبين أن غاية االنقالبيين التسلط على الحكم،

كما قال: "إنه يتكلم باسم جميع قطعات المنطقة الوسطى وباسم كثير من الضباط المسرحين الذين توافدوا إلى حمص

لدعم العصيان". بعد اتصاالت بين قائد الجيش والعميد األعسر قدمت له فيها

الوعود ، كما مارس بعض السياسيين المناوئين للوحدويين عليه الضغوط، تراجع األعسر عن مواقفه، وبذريعة واهية، أفرغ اللواء

الخامس من الضابطين طالس وعمران. أيد ت القطعات العسكرية التي يسيطر عليها الضباط

الوحدويون )بعثيون وناصريون( في الجبهة والسويداء وحلب والالذقية مطالب حركة حمص، وأولها تسفير النحالوي وكتلته

خارج سورية، بينما طالبت القطعات العسكرية المحيطة بدمشق "والموالية للمقدم النحالوي"، القضاء على تلك الحركة وعدم

الرضوخ لمطالب القائمين بها، واستغلت الكتل العسكرية األخرى هذا االنقسام ودعمت قيادة الجيش في دعوتها لمؤتمر عسكري

. 1/4يعقد في حمص عصر يوم خلقت الدعوة للمؤتمر بلبلة وتشويشا بين صفوف الضباط من

مؤيدي عصيان حمص، وكذلك بين الضباط الوحدويين في الوحدات العسكرية، بينما أدرك الضباط الوحدويون المسرحون،

وخاصة الضباط البعثيين منهم، أن هذا المؤتمر لن يكون في صالحهم، لذلك قرروا االستمرار في حركتهم التي كان مقررا لها

نيسان، ووصل إلى حلب الضباط البعثيون31/1أن تكون ليلة المسرحون، من بينهم "عبد الكريم الجندي، أحمد المير محمود،

157

أحمد السويداني، محمد شنيوي، مصطفى طالس، مصطفى شربا، حسين زيدان، حسين ملحم، عزة جديد، عدنان دباغ، رئيف

علواني.....". ثم وصل إليها كل من المقدم محمد عمران، والعقيد جاسم علوان، بينما توجه الرائد صالح جديد والنقيبحافظ األسد إلى الالذقية للسيطرة على المنطقة الساحلية. كان الرائد حمد عبيد، عضو اللجنة العسكرية ورئيس مركز

التدريب في حلب، هو المسؤول العسكري الحزبي في المنطقة الشمالية، وبالتنسيق مع البعثي المالزم أول محمد إبراهيم

العلي، قام األخير بالسيطرة على كتيبة المظليين، وبالتعاون مع بعض الضباط من كتيبة المغاوير، تمت السيطرة على مقر قيادة

بعد حادث1/4المنطقة في الساعات األولى من صباح يوم مؤسف ذهب ضحيته أربعة من ضباط الجيش كانوا متواجدين في

المقر، كما تمت السيطرة على اإلذاعة في حلب وبدأت بإذاعة البالغات والبيانات باسم إذاعة الجمهورية العربية المتحدة،

:وطالبوا بـ- تطهير قيادة الجيش من الفئة المخربة المارقة .

- العمل على تحقيق أمل الشعب في إعادة الوحدة بين شطري الجمهورية العربية المتحدة وفق أسس متينة وقواعد

ثابتة. وطلبوا من قطعات الجيش تأييد حركتهم، وأيد قائد المنطقة

الشرقية العقيد لؤي األتاسي حركة حلب، ثم وصل إليها ليتزعمالحركة التي كانت الغلبة فيها للبعثيين.

عقد المؤتمر العسكري في حمص وختم اجتماعه في وقرر:2/4الساعات األولى من صباح يوم

تسفير عبد الكريم النحالوي مع بعض أنصاره من الضباط إلى -2/4خارج القطر وفي مدة أقصاها مساء يوم .

إعادة الوحدة على أسس مدروسة سليمة وواضحة تضمن لكل - بلد كرامته وكيانه وتجنبه أخطاء الماضي على أن تطرح هذه

.األسس لالستفتاء الشعبي تشكيل حكومة مدنية، ال يكون من بين أعضائها من له اتجاه -

.حزبي يعرف به، أو أي من العسكريين معالجة أوضاع الضباط المسرحين وفق أسس تضمن أمن -

.ومصلحة الجيش والقوات المسلحة إلى ثكناتها فور31/3عودة القطعات التي اشتركت بحركة -

.إقرار قيادة الجيش هذه المقررات توصية بالعفو العام عن العسكريين الذين اشتركوا في حوادث -

في مختلف المناطق العسكرية ,1962 /31/3يوم السبت 158

وتسوية أوضاع العسكريين الذين توفوا أو أصيبوا أثناء هذه .الحوادث

اعتبر الضباط الوحدويون أن قرارات المؤتمر العسكري كانت موجهة ضدهم وتهدف إلى التخلص منهم ومن مجموعة النحالوي

معا. بعد تلك المقررات، ودعمها من فريق من العسكريين كان

مؤيدا لعصيان حمص وحركة حلب، ضعف التأييد لحركة حلب،ومما زاد من ضعفها ما قام به العقيد جاسم علوان.

تسلل العقيد المسرح جاسم علوان مع بعض أنصاره إلى اإلذاعة، وسهل له المالزم أول عبدالله عمرايا، الذي كان مكلفا بحراسة اإلذاعة، الدخول وقام بإذاعة بيان باسمه كقائد الجيش األول )الجيش السوري( أعلن فيه عودة الوحدة فورا، وبأنه يذيع من اإلقليم الشمالي، وطلب من السفير المصري في لبنان عبد الحميد غالب االتصال بالقاهرة إلرسال تعزيزات عسكرية تدعم

حركته. فوجئ الشركاء البعثيون وغيرهم من الضباط بهذا البيان الذي أدى إلى بلبلة الصفوف في قطعات الجيش ولكن "سبق السيف العذل"، وكان ذلك الفعل، سببا إلجهاض تلك الحركة بسرعة, ألن

أغلبية ضباط الجيش ال يقبلون بإعادة الوحدة كما كانت، وهذا التصرف سهل لقيادة الجيش إرسال اللواء المدرع الخامس، الذي قام كان قد قام بالعصيان في حمص، إلى حلب إلنهاء العصيان فيها، كما قامت الطائرات بتدمير مرسالت اإلذاعة

الموجودة في سراقب. اعتبر البعثيون تصرف جاسم علوان ومجموعته غدرا بهم، كما

غدر األعسر، من قبل، بالوحدويين وأمرهم بعد أن استغلهم بمغادرة حمص، كما اعتبر عبد الكريم النحالوي ومجموعته أن

الرئيس عبد الناصر وأجهزة المخابرات المصرية قد غدرت بهم وخططت مع الضباط الناصريين، ومن خلف ظهر البعثيين،

لإلطاحة بهم بعد تنفيذ حركتهم. استغلت الكتل العسكرية المناوئة للنحالوي وللوحدويين، هذا

الوضع, وحسمت األمور لصالحها، وجمدت العمل ببعض مقررات مؤتمر حمص، بذريعة ما حدث في حلب بعد اإلعالن عن المؤتمر

العسكري، وأصدرت قيادة الجيش األوامر بمالحقة أولئك الضباط، وأكثريتهم من البعثيين، الذين اشتركوا في عصياني

حمص وحلب، تمهيدا لمحاكمتهم.

159

في أعقاب تلك الحوادث عقد المؤتمر القومي الخامس لحزب ، في1962البعث العربي االشتراكي في أواسط شهر أيار

حمص، وفيما يتعلق بالوحدة قرر أن: "الوحدة ليست إلحاق قطر بآخر، بل هي انطالق في طريق

وحدة عربية شاملة فال بد من تعزيز دور الشعب العربي فيسورية في القيادة والتوجيه.

تجديد الوحدة يوجب إطالق حرية الشعب وتعزيز التنظيمالحزبي والنقابي والمهني.

الحزب يطالب حكومة سورية ومصر بمباشرة االتصال ورسمالخطوات لوضع الوحدة موضع التنفيذ".

التزم تنظيم العسكريين البعثيين بتلك المقررات، من دونارتباطهم تنظيميا بقيادة الحزب.

آذار وما أعقبها من أحداث، تقرر إعادة28 على إثر حركة ، وخول بصالحيات13/4الدكتور ناظم القدسي إلى الرئاسة يوم

السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعد أن تقدم أكثر من نصفالنواب باستقاالتهم بناء على طلبه.

وكانت الخطوة األولى بعد عودة الرئيس القدسي هي تشكيل ، ضمت16/4حكومة جديدة برئاسة الدكتور بشير العظمة يوم

في عضويتها أشخاصا محسوبين على الناصريين والبعثيين, أعلنت فيه وجهة نظرها5/6وأصدرت الحكومة بيانا يوم

بالطريق الواجب إتباعه إلعادة الوحدة مع مصر، وضرورة بذل الجهود من أجل وضع األسس الكفيلة بضمان الوحدة وتكوينها

تكوينا يمكنها من البقاء واالتساع، وتمهيدا لذلك أوعزت إلى وسائل اإلعالم السورية بالكف عن المهاترات اإلعالمية, ولكن

القاهرة شنت هجوما إعالميا وأهملت نداء حكومة العظمة، وبمقال في جريدة األهرام كتب محمد حسنين هيكل "إن القاهرة ال تفاوض إال حكومة يثبت تعبيرها عن إرادة سورية, بعيدة عن أي

ضغط". ورغم ذلك أوفدت الوزارة وزير خارجيتها األستاذ عدنان األزهري إلى القاهرة لمقابلة المسؤولين هناك والتداول في األمور التي تراها القاهرة مناسبة للمباشرة بمباحثات تضم

مندوبين عن الحكومتين ووضع األسس الالزمة للوحدة المنشودة، ولكن األزهري عاد بقناعة مفادها أن القاهرة غير

مستعدة للدخول في مفاوضات، واستقال من منصبه. على إثر فشل مساعي التقارب الوحدوي الذي تبنته وزارة

العظمة في بيانها الوزاري، بدأ رئيس الجمهورية والفئات العسكرية والمدنية التي تقاوم إعادة الوحدة برئاسة الرئيس عبد

الناصر، بوضع العراقيل أمام الوزارة الجديدة لإلطاحة بها، ومن160

المشاكل التي أرهقت هذه الوزارة، هروب عبد الحميد السراج في منتصف شهر حزيران من سجن المزة، و واإلضرابات

العمالية التي حدثت في شهر تموز في الشركات الكبرى في دمشق وفي شوارعها وفي حلب، بسبب تعديل القانون المتعلق بتنظيم شؤون العمال في القطاعين المشترك والخاص، وطالب

الضربون بأسقاط الحكومة. وأشاعت أجهزة أمن االنفصال أن أجهزة المخابرات المصرية في بيروت هي التي أوعزت إلى القوى الناصرية للقيام بإضرابات في مدينتي دمشق وحلب، وتطويرها لتشمل المدن السورية وإجبار الحكومة االستعانة

بالجيش، وحينها يسيطر الجيش على المرافق العامة فيالعاصمة وكبريات المدن ويعلن إعادة الوحدة.

وازداد الضغط من القدسي وأنصاره لعودة المجلس النيابي آذار، حتى انتهى28المنحل وإلغاء كل ما تم االتفاق عليه بعد

األمر باستقالة وزارة العظمة.

مؤتمر شتورا

في الخطاب السنوي الذي ألقاه الرئيس عبد الناصر في لمناسبة عيد ثورة يوليو، قال:1962تموز 26اإلسكندرية بتاريخ

" إننا اليوم أيها األخوة ونحن نحتفل بأعيادنا ننظر إلى الشعب السوري في اإلقليم الشمالي من الجمهورية العربية المتحدة، فهل تمكنت هذه الرجعية وهل تمكن االستعمار، أو هل تمكنت

أموال حسين من أن تقضي على روح الشعب السوري؟".161

وعلى إثر الحمالت اإلعالمية التي كانت إذاعتا القاهرة وصوت العرب وبعض الصحف المصرية ترفع من وتيرتها حتى وصل األمر بأن كتب مصطفى أمين في جريدة األخبار التي يرأس

تحريرها، "منذرا رئيس الوزراء السوري بشير العظمة بالقتلوالسحل وأنه سيلقى مصير نوري السعيد في بغداد".

اعتبرت الحكومة السورية تلك التصرفات تدخال في شؤون سورية وتهديدا لرجاالتها وتحريضا إلثارة الفتن، وتقدمت بتاريخ

بشكوى إلى جامعة الدول العربية طالبة عقد اجتماع عاجل29/7 للبت بمضمونها، على أن يكون االجتماع في أي بلد عربي غير

الجمهورية العربية المتحدة. عقد مجلس الجامعة العربية جلساته في شتورا في لبنان

آب، وتشكل الوفد السوري من شخصيات القت22بتاريخ أكثريتها في السابق الغبن والتهميش من الرئيس عبد الناصر،

مثل: خليل كالس، أمين النفوري، عبد الغني قنوت، عبد العزيزالعلوني، ممدوح الشاغوري.

وترأس وفد المتحدة السوري أكرم الديري، وضم في عضويته من السوريين جادو عزالدين، طلعت صدقي، والمذيع توفيق

حسن. حصلت في الجلسة اتهامات ومهاترات بين الوفدين، ثم

انسحب وفد المتحدة، وأصدر مجلس الجامعة، بعد منتصف الليلقرارا أعلن فيه:

عدم استطاعته النظر في الشكوى المقدمة من- الحكومة بسبب تغيب وفد الجمهورية العربية

المتحدة. تظل هذه الدورة االستثنائية مفتوحة على أن تعقد-

في وقت آخر. على الدول األعضاء بذل الجهود الحترام ميثاق-

الجامعة.

عصيان كتلة النحالوي العسكرية

آلت تلك األحداث والمصاعب التي واجهت حكومة العظمة إلى تقوية الفئة التي تمثل اليمين المتطرف في الجيش ورجال السياسة، وتحارب فكرة إعادة الوحدة تحت حكم الرئيس عبد

162

الناصر، وباشرت تلك الفئة نشاطها وبدعم من الرئيس ناظم أيلول،17القدسي إلسقاط حكومة العظمة، وتم لها ذلك في

وتم كذلك إبعاد الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي عن مراكز القيادة، واإلجهاز على ما تبقى من مقررات مؤتمر حمص،

وفي الناحية األخرى خطط النحالوي لالنتقام من الضباط الوحدويين ألنه اعتبر أن الرئيس عبد الناصر قد غرر به وخدعه

ثانية، واستغل النحالوي اتصال الضابطين السوريين الناصريين، الوزير أكرم الديري و العقيد السابق وفيق اسماعيل - كان قد

نقل إلى السلك الدبلوماسي- به في بون، وتحدثا إليه بأن الرئيس عبد الناصر ال علم له بما حدث في حمص وحلب )حركتا

العصيان ( وأنه فوجئ باألحداث تماما، كما حثه على العودة معمجموعته إلى دمشق بأية واسطة.

استغل النحالوي هذا االتصال، وبدءا من شهر أيار طلب من اثنين من ضباطه، وهما صدقي العطار وصفوان جبري، التظاهر

بالتعاون مع الضباط الوحدويين للتخطيط النقالب وفي الوقت نفسه طلب منهما القيام بإعالن الوالء لقيادة الجيش وإبالغها عن

كل تفاصيل االتصاالت التي سيجريانها، بهدف التخلص من الضباط الوحدويين وإزاحتهم من ساحة الصراع ليخلو له الجو ويعيد الكرة لإلطاحة بالنظام القائم، وبالفعل وبواسطة عضو

االتصال السوري الناصري مع السفارة المصرية في لبنان اجتمع الضابطان في بيروت وألكثر من مرة، مع محمد نسيم، مسؤول

المخابرات المصري، وطلبا منه التعرف إلى العسكريينوالمدنيين الوحدويين كي ينسقا معهم، واستجاب لطلبهم.

لضابط من كتلة النحالوي مع رئيس18/7 وفي اجتماع يوم اللجنة العسكرية البعثية المقدم المسرح محمد عمران، بين

المقدم عمران لذلك الضابط بأن الكتلة البعثية قوية في وحدات الجيش الموجودة حول دمشق، وعقب الضابط مؤكدا لعمران

بأن البعثيين، أيضا، يسيطرون تمام السيطرة في حمص وخاصة في اللواء الخامس، ثم أكد له محمد عمران بأن التعاون ما بين

الكتلتين ستكون له نتائج حسنة، وأن البعثيين ال صلة مباشرة لهم مع القاهرة وأنهم يعملون من دون توجيهاتها، وفي اجتماع ثان

بين عمران وضابط آخر من كتلة النحالوي، تكلم22/7يوم محمد عمران عن الوحدة ومفهومها وأسسها، وفق ما ورد في قرارات المؤتمر القومي الخامس للحزب، وأهمية توحيد الرأي حول العناصر االستعمارية والمتعاونة مع االستعمار واالنتهازية، وتتالت االجتماعات بين عمران والضباط والمدنيين الوحدويين

163

وبين ضباط النحالوي الذين تعرفوا إلى أسماء عدد آخر منالضباط، في الخدمة وخارجها.

بين الرائد وصفي العطار، المتعاطف25/7 وفي لقاء تم يوم مع اإلخوان المسلمين ، وبين الرائد البعثي عثمان كنعان، طلب العطار منه أسماء المندوبين من الضباط الواجب التعارف بهم

قبل الحركة حسب االتفاق مع محمد عمران ووعده بتسليمه األسماء المطلوبة في اجتماع الحق، ونشط ضباط النحالوي

باالتصال مع الوحدويين من العسكريين والمدنيين واتفقوا معهم، بعد مسح شامل للقوى العسكرية، على ضرورة تنفيذ الحركة

في آخر شهر تموز أو أول شهر آب على أقصى تقدير, وتبادلوا كلمة السر للتعارف )زهر الزيزفون(، وقال الناصريون: "إن يوسف مزاحم هو موجه حركتهم، وإن هناك عددا من ضباط

أيلول متعاونون معهم، وإن البعثيين و المقدم زياد28حركة الحريري وكتلته سيشتركون في الحركة، ولكنهم يخشون

استغالل الحركة من البعثيين أو من الحريري". على إثر خطاب الرئيس عبد الناصر المشار إليه في الفقرة

السابقة، أدرك البعثيون أن الناصريين يريدون استغاللهمواإلطاحة بهم وبكتلة الحريري وكتلة النحالوي بعد نجاح الحركة.

قامت قيادة الجيش وقوى األمن الداخلي باعتقال القسم األكبر من العناصر الوحدوية )عسكريون ومدنيون( التي كانت

ستقوم بالحركة، وبذلك تكون كتلة النحالوي قد انتقمت من بعضناشطي الكتلتين الـ "البعثية والناصرية"، وصفت حسابها معهم.

بدأ النحالوي، مجددا، يخطط النقالبه التالي، وفي الوقت نفسه تسارعت جلسات المحكمة الخاصة التي كانت قد تشكلت

نيسان،2-1 آذار و 28لمحاكمة المتهمين بأحداث حمص وحلب وحكمت1963وأصدرت أحكامها في الشهر األول من عام

باإلعدام على الفار جاسم علوان ، وعلى المالزم أول محمد ابراهيم العلي، وبالسجن المؤبد على المالزم أول محمد سعيد دباح، وعلى اآلخرين "لؤي األتاسي، حمد عبيد, حسن شهوان،

" بالسجن من سنة إلى عشر سنوات.000محمد حاج رحمون بعد استقالة وزارة العظمة، وتشكيل وزارة جديدة برئاسة خالد

العظم ومن بين أعضائها، خليل كالس وعبد الحليم قدور من مجموعة األستاذ أكرم الحوراني، ومنصور األطرش "مرتبط بالقيادة القومية ورفض المشاركة"، ابتدأت فترة جديدة من البلبلة والفوضى السياسية والتناحر على كل األصعدة وفي

مختلف المجاالت داخل الوزارة وبين أفراد القوات المسلحة وفي الشارع، وحدثت معارك دامية بين طالب جامعة دمشق

164

أثبت فيها الطالب الوحدويون مدى قوتهم، كما هوجم رئيس الوزراء وصحبه بالحجارة وحبات البندورة الفاسدة أثناء زيارتهم

لمدينة درعا، وحدثت إضرابات شعبية في بعض المحافظاتالسورية.

وفي هذه الفترة من حكم وزارة العظم ألغي قانون الطوارئ في سورية باستثناء منطقة الجبهة، كما عاد المجلس النيابي

،1950لالجتماع لجلسة واحدة أقر فيها إعادة العمل بدستور وحل نفسه.

استمرت كل الكتل العسكرية بنشاطها للوصول إلى غاياتها، واستلم الرائد صالح جديد رئاسة اللجنة العسكرية البعثية بعد اعتقال المقدم محمد عمران, كما واصل النحالويون، وكذلك

الناصريون العمل لتنفيذ انقالب. وفي هذه الفترة، وبعد ما جرىفي حلب، فتر التنسيق بين البعثيين وبين الناصريين.

بعد االعتقاالت التي تمت في صفوف الضباط البعثيين وبعض الناصريين، قررت لجنة الضباط في قيادة الجيش إيفاد عدد من

كبار الضباط "زياد الحريري، موفق عصاصة، مسلم الصباغ، سليم شرف وآخرين" إلى االتحاد السوفييتي إلتباع دورة

عسكرية، ولكن هؤالء الضباط طلبوا شطب أسمائهم واعتذروا عن السفر، وكذلك قررت تلك اللجنة إحالة عبد الكريم النحالوي

ورفاقه، ممن أوصى مؤتمر حمص بإبعادهم عن سورية، إلى التقاعد وتعيينهم في مالك وزارة الخارجية واتخاذ التدابير الالزمة

لمنع عودتهم إلى سورية حتى يصبح الوقت مالئما. نشاطا محموما للترتيب1963 بدأ النحالويون في أوائل عام

النقالبهم, والحظ البعثيون والناصريون ذلك وأوهموهم بأنهم سيشتركون معهم بقصد توريطهم "والعين بالعين"، وكذلك

تظاهرت كتلة مطيع السمان ومحمد التل ومصطفى الدواليبيبتأييدهم، بهدف التخلص من قوتهم في الجيش.

تسلل العقيد عبد الكريم النحالوي، الذي كان يرى في نفسه أنه "خلص البلد من أكبر طاغية وأقسى حكم ديكتاتوري"، مع الضباط مهيب الهندي و فايز الرفاعي وفخري عمر وهم من

1الضباط الذين قرر مؤتمر حمص العسكري الذي انعقد في نقلهم من الجيش إلى وزارة الخارجية وترحيلهم1962نيسان

من مخفر "باب1963 / 1 / 10فورا خارج سورية، تسللوا يوم الهوى" على الحدود السورية – التركية ودخلوا البلد، وأوعز

النحالوي إلى بعض أنصاره في القطعات العسكرية القريبة مندمشق، قطنا والكسوة والقابون، للقيام بحركة عصيان.

165

،1963 / 1 / 13 نفذت القطعات الموالية عصيانها ظهر يوم هم من الضباط الدمشقيين ومن ذوي الرتب وطالب قادتها، وجل

الصغيرة، قيادة الجيش بـ: -إعادة العقيد عبد الكريم النحالوي ورفاقه إلى الجيش وإلغاء

أمر نقلهم إلى وزارة الخارجية. -إخراج ثالثة من الضباط، اللواء وديع مقعبري – العميد خليل

موصلي – العقيد عدنان عقيل، المتهمين بميولهم الشيوعية، من لجنة الضباط.

-تنفيذ مقررات مؤتمر حمص التي لم تنفذ حتى اآلن. نيسان2-1 -اإلسراع بمحاكمة الضباط المتهمين بحركة حلب

وتنفيذ األحكام التي ستصدر بحق الذين ارتكبوا جرائم القتل أثناءالحركة.

-الدعوة إلى وحدة فورية مشروطة مع مصر شريطة تبديلقيادة الثورة المصرية.

تحركت القوى العسكرية التي أوهمت جماعة النحالوي باالشتراك معها، وأعلنت عن تأييدها لقيادة الجيش وضرورة

تحطيم العصاة، وتحرك رتل من قيادة الجبهة يضم دبابات ومشاة كم من دمشق لمراقبة30ومدفعية، تمركز في سعسع على بعد

التطورات ومنع النحالوي من تحقيق أهدافه، وبذلك لم يعد أمامالعصاة سوى االستسالم.

وغادر النحالوي14/1/1962 انتهى عصيان كتلة النحالوي يوم ضابطا،30ورفاقه سورية، وأعقب ذلك اعتقال ما يقارب الـ

وأحيلوا إلى القضاء بناء على قرار مجلس الدفاع، وبالتوازي مع ذلك صدرت عن رئيس األركان اللواء نامق كمال الئحة تنقالت

لضباط صغار شملت من بقي من الضباط الموالين للنحالوي منقطعاتهم المجاورة لدمشق إلى قطعات بعيدة عنها.

أيلول وهو28 وبرز تناقض آخر بين من بقي من كبار ضباط التناقض بين العميد مطيع السمان قائد قوى األمن الداخلي،

الذي أصبح مركز قوة، وبين قائد الجيش وعدد آخر من ضباطالقيادة،

إجراء6 22/2/3 وألجل ذلك قررت لجنة الضباط بتاريخ ن بموجبها العقيد زياد تشكيالت وتنقالت جديدة ببعض المراكز عي

الحريري ملحقا عسكريا في بغداد، وأنهي ندب العميد مطيع السمان إلى قوى األمن الداخلي ووضع تحت تصرف القيادة

العامة، وعين العميد الناصري راشد قطيني رئيسا لشعبة.1/3/1963المخابرات، على أن تنفذ هذه التشكيالت اعتبارا من

166

1963 آذار 8انقالب

يقول الفريق عبد الكريم زهر الدين في كتابه "ذكرياتي عن ، يوم عصيان1/1962 /13 آذار بدأ منذ 8االنفصال" إن انقالب

الكتلة النحالوية، ولعل في هذا القول نصيبا من الحقيقة. مع بداية هذا العصيان اجتمع رئيس الجمهورية ناظم القدسي مع رئيس الوزراء خالد العظم وأكرم الحوراني وعصام العطار و

اللواء عزيز عبد الكريم وزير الداخلية وأسعد محاسن ورشاد برمدا وآخرين، ومن العسكريين الفريق زهر الدين واللواء نامق

كمال واللواء مقعبري و العميد مطيع السمان، للتداول فيما يحدث، ومما قاله الرئيس القدسي وأورده العميد السمان في مذكراته "الله يخرب بيتكم يا عسكر، رايحين تضيعوا استقالل البالد بتصرفاتكم ...."، كما أخذ قادة الجيش يكيلون االتهامات

لبعضهم البعض، وتركزت تلك االتهامات بأن بعض الضباط الكبار كانوا على اتفاق مع النحالوي بهدف اإلطاحة بالبعض اآلخر،

وخاصة بقائد الجيش عبد الكريم زهر الدين، كما ادعى المتمردون أن أكثرية الوحدات العسكرية في الجيش تدعم

مطالبهم، وقاد هذا األمر إلى تقديم قادة الشعب في األركان العامة استقاالتهم تلبية لرغبة المتمردين، وبخطوة ذكية قرر

العسكريون البعثيون والناصريون واللواء زياد الحريري، وخاصة

167

في مناطق الجبهة والسويداء والقطيفة وحمص والالذقية، إعالندعمهم لقائد الجيش.

ومع انتهاء عصيان النحالوي، أصبح واقع الحال في سورية ال يحسد عليه نظام الحكم القائم، وهو الواقع الذي مهد الطريق

لنجاح انقالب الثامن من آذار، وكان الحال: - سلطة تنفيذية متناقضة وخاصة التناقض بين رئيس الجمهورية

ورئيس الوزراء ، حتى بات ال وجود أو فاعلية لها. - حالة التسيب والفوضى في الجيش بسبب التناقضات بين قادته

الكبار، ومحاولة أكثريتهم التنصل من الدفاع عن العهد، وعدم قدرة قيادة الجيش على فرض احترامها في صفوف القوات

المسلحة. - التناقض المستمر، منذ بداية االنفصال، بين قيادات الجيش

والحكومات المدنية. - خلو الجيش من أكثر أنصار االنفصال، بعد التصفيات التي قام

بها من نفذوه لبعضهم البعض. - الحالة الوحدوية الشعبية "المدنية والعسكرية" الرافضة لحكم

االنفصال. - انقالب العراق الذي قام به حزب البعث على نظام عبد الكريم

، وكان له دور كبير في زعزعة أنصار1963 شباط 8قاسم فيحكم االنفصال من مدنيين وعسكريين.

آذار -28رغم محاولة استغالل الناصريين للبعثيين مرتين في نيسان، وفي اإلعداد النقالب النحالوي ومجموعته أواخر1-2

، تبينت رغبة الناصريين في التخلص من البعثيين فيما1962تموز لو نجحت محاوالتهم، رغم ذلك بقي التنسيق بين الضباط

الوحدويين لالنقالب على الحكم، وبعد التشكيالت األخيرة فيقيادة الجيش حدثت تطورات هامة:

-ارتباط أعضاء اللجنة العسكرية مع القيادة القومية للحزب واطالع األستاذ صالح البيطار على قرب قيامهم

بانقالب وبدؤوا التنسيق معه. - تمرد زياد الحريري على أمر تعيينه ملحقا عســكريا بعــد بــذل مســاع مكثفــة معــه، قــام بهــا األســتاذ صــالح البيطــارــه ــة وأن ــه إلى نجــاح الحرك ــد، وطمأنت والمقــدم صــالح جدي

مرشحهم الستالم منصب كبير عقب االنقالب. - انسحاب الناصريين من التحالف مع البعثيين، وبدأ راشد

قطيني بمحاولة إقناعهم بأنه لم يعد هناك لزوم لالنقالب بعد استالم عدد من الضباط الناصريين مراكز مهمة في

168

قيادة الجيش وأصبح باإلمكان المساهمة في ترتيب الجيشبما يخدم أهدافهم.

أدرك البعثيون أن طرح راشد قطيني سيؤدي إلى انقالب ناصري يهدف إلى تصفيتهم, كما أن القطيني من خالل

موقعه الجديد سيدفع إلى تسريح من بقي في الخدمة من الضباط البعثيين الذين بدئ بإعداد قوائم بأسمائهم لعرضها

على قيادة الجيش, ولن يتورع عن إخبار قيادة الجيش، بمخطط االنقالب وهو العارف بكل التفاصيل، وحينها يسهل

له الطريق لتحقيق غايته. لم يبق أمام اللجنة العسكرية البعثية وزياد الحريري من مفر إال تنفيذ حركتهم، وأبلغت قيادة الحزب بواسطة األستاذ صالح عن موعد تنفيذ االنقالب، كما اجتمع صالح جديد و عبد الكريم

مع قيادة التنظيم1963 /6/3الجندي وأحمد المير محمود ليل الذي عرف باسم التنظيم القطري وأبلغوهم، أيضا، بقرب موعد

االنقالب وأن اللجنة العسكرية ترغب إليهم االلتزام بالقيادة القومية وعودة الوحدة إلى الحزب، وهكذا بدأ السباق مع الزمن.

انتشرت الشائعات وعمت عن انقالب عسكري وشيك الوقوع، وفي اجتماع لمجلس الدفاع األعلى، خاطب رئيس الوزراء خالد

العظم رئيس الجمهورية بقوله : "فخامة الرئيس، هناك أمور خطيرة أرى ضرورة إبالغكم عنها لمعالجتها، وهي أن كثيرا من الناس يتحدثون عن قرب وقوع انقالب، ويسندون المصدر إلى

بعض الضباط". ولمناسبة حلول عيد الفطر، زار قائد الجيش قيادة الجبهة في

القنيطرة، وحين اجتماعه بلفيف من الضباط تظاهروا بدعمهم له ينفذ العقيد الحريري أمر التحاقه كملحق عسكري وطلبوا منه أال إال بعد تنفيذ العميد السمان وآخرين أمر قيادة الجيش، كما قال له العقيد الحريري: "أنا الوحيد الذي يمكنه حمايتكم، ألننا نشعر

بأن المؤامرة قد استوت وهي تهدف اإلطاحة بكم بالدرجةاألولى، ثم بجميع العناصر الوحدوية والتقدمية في الجيش".

أجمع العسكريون البعثيون على تعويم اسم العقيد زياد الحريري كقائد لالنقالب، وبدأ اتصاالته بالضباط من أبناء دورته العسكرية لطمأنتهم على مستقبلهم في الجيش وعلى إغرائهم

بمناصب مالئمة. وبدأ السباق مع الزمن للتحرك قبل أن يتم اعتقال الضباط

5الذين وردت أسماؤهم في تقرير أحد ضباط المخابرات بتاريخ آذار، بأن هؤالء الضباط يخططون النقالب وشيك، وقبل أن تعمد قيادة الجيش على نقل من بقي من الضباط البعثيين في الجيش

169

إلى وظائف مدنية، وقبل تنفيذ أحكام اإلعدام وغيرها من األحكام التي صدرت بحق بعض الضباط- وكلهم من البعثيين والناصريين-

وخاصة1962نيسان 1 آذار -28الذين اشتركوا في أحداث أحداث حلب، بسبب استثناء األفعال والجرائم التي جرت فيها

تتبعات قضائية، سواء أصدر فيها حكم أم كانت ال تزال قيد التحقيق أو المحاكمة لدى السلطات القضائية من المرسوم

الذي وقعه رئيس1963/ 4/3تاريخ 79التشريعي رقم . (1)الجمهورية ناظم القدسي والقاضي بالعفو العام

أبلغ العميد راشد قطيني العقيد6/3 في هذه األجواء، وبتاريخ زياد الحريري انسحاب الناصريين من التنسيق معه، كما نصحه

بالعدول عن أي تفكير باالنقالب. بعد هذا اللقاء مباشرة، وفي منزل الرائد محمود الحاج محمود في جادة الخطيب في دمشق، اجتمع الحريري ومعه من أنصاره

عارف الجاجة ومحمود الحاج محمود ببعض أعضاء اللجنة العسكرية "صالح جديد، عبد الكريم الجندي، موسى الزعبي،

والنقيب البعثي مصطفى الحاج علي، والمالزم أول البعثي سليمان حداد"، لتسمية الوحدات التي ستتحرك نحو دمشق،

فق أن يكون التحرك ليل ، وإبالغ7/3-6وتحديد موعد التحرك، وات الضباط بالوحدات في المناطق العسكرية األخرى للسيطرة على

وحداتهم في الموعد المحدد. ولكن قبل أن ينفض االجتماع فوجئ المجتمعون بقرع على باب المنزل وكان القارع ضابط مخابرات على رأس دورية اقتادت، من الباب،النقيب محمود

الحاج محمود للتحقيق معه. تم االتفاق عل تجميد كل اإلجراءات التي تقررت، وخرج

المجتمعون من المنزل على عجل، وقرر العقيد الحريري ومن معه من ضباط الجبهة "الجاجة والحاج علي وحداد" التوجه فورا

نحو القنيطرة، خشية االعتقال، واستقل العقيد الحريري ومعهالمالزم أول حداد سيارته، واستقل الرائد الجاجة

والنقيب الحاج علي سيارة المالزم أول مفتخر الشرع الذي كانينتظرهم في الخارج وفي طريقهم

نقلوا المقدم صالح جديد إلى حي المهاجرين حيث منزل الرائدحافظ األسد.

بعد وصول الحريري إلى مقر قيادة الجبهة في مدينةالقنيطرة، بدأت مشاوراته مع الضباط، من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قبل أن ينشر في الجريدة1963 آذار 8( تم سحب هذا المرسوم التشريعي يوم 1)

الرسمية، ويصبح ساري المفعول.

170

البعثيين ومن أنصاره، واستمرت االتصاالت في اليوم الثاني ، وألحوا بأكثريتهم، وخاصة الرائد الجاجة والمالزم أول حداد،7/3

على عدم إضاعة الوقت و ضرورة التحرك الفوري. وفي دمشق اجتمع بعض أعضاء اللجنة العسكرية في منزل الرائد موسى

الزعبي في منطقة القصور، وخلصت االتصاالت بينهم وبين ، وتقرر8/3العقيد الحريري إلى التحرك مع بدء منتصف ليلة

سفر المقدم المسرح عبد الكريم الجندي إلى القنيطرة للتنسيق مع العقيد الحريري وتوزيع المهام على الذين سيشاركون في

التحرك نحو دمشق. اتفق الحريري وعبد الكريم الجندي وعدد من الضباط على

أسماء الضباط والوحدات في الجبهة والسويداء وازرع التيف النقيب مصطفى الحاج علي ستتوجه نحو دمشق، وكل

والمالزم أول مفتخر الشرع بالسفر إلى ازرع والسويداء إلبالغأمر التحرك للضباط البعثيين في الموقعين.

وفي دمشق أبلغت اللجنة العسكرية أحد أعضائها النقيب محمد رباح الطويل- قائد فوج مدفعية م/د المرابط في

معسكرات القطيفة - السيطرة على معسكر القطيفة بالتعاون مع الضباط البعثيين في المعسكر، كما كلف المقدم أحمد المير محمود بالدخول إلى مدرسة المدرعات في القابون بالتعاون مع

ف الرائد غازي أبو عقل والضباط اآلخرين المؤيدين لالنقالب، وكل بعض الضباط البعثيين في إدارة المركبات بدمشق بنشر بعض

اآلليات على مدخل دمشق الشمالي لعرقلة دخول أي قوات مؤيدة لالنفصال، و تم تبليغ العديد من الضباط البعثيين العاملين

وأصدقائهم التأهب للسيطرة على وحداتهم أو تجميدها في معسكرات قطنا والكسوة وحمص والالذقية، وأبلغ، أيضا، الضباط المسرحون االستعداد لاللتحاق بالوحدات التي كانوا فيها، وأبلغت

اللجنة العسكرية، األستاذ صالح البيطار، بموعد التحرك، وهو بدوره أبلغ بعض قادة الحزب، وانتظر ومعه األستاذ منصور

األطرش وآخرون، في منزل أحد أعضاء الحزب في الميدان،وصول القوات إلى دمشق *.

في7/3 بعد اجتماع العقيد الحريري والمقدم الجندي عشية مبنى نادي ضباط القنيطرة مع الضباط الذين تم اختيارهم

للتحرك - مع التنويه بأن العقيد الحريري بقي في القنيطرة، وغادرها إلى دمشق بعد وصول القوات إليها وسيطرتها على

الوضع - توجهوا إلعداد وحداتهم، وكانت تلك الوحدات موزعة بين القطاع الشمالي "مسعدة"، ومن الضباط المكلفين بقيادتها، الرائد بهجت الخاير، النقيب عبد الرحمن حاج عبيد، المالزم

171

األول سليمان حداد ....، والقطاع األوسط "العليقة" ومن الضباط المكلفين بقيادتها المقدم أسعد الحكيم، النقيب بسام

عبد النور، النقيب محمد الحاج محمود، المالزم األول مصطفى العيسى، المالزم األول عبد الرزاق العلي، المالزم مصطفى

الفالح..... ومدينة القنيطرة مركز القيادة، ومن الضباط المكلفين بقيادتها المقدم

المسرح عبد الكريم الجندي الذي أصر على الدخول إلى كتيبة المدفعية وقيادتها، المقدم عبد الوهاب قطيع، النقيب فؤاد منذر،

، على أن تنطلق تلك الوحدات بعد المالزم أول مظهر الجندي... منتصف الليل ويكون جسر الرقاد مكان تجمع لها ومنه االنطالق

.(1)نحو العاصمة كان النقيب سليم حاطوم، الذي لم تطله أوامر التسريح بعد

عودته من مصر، قد نقل إلى إحدى مفارز الحرس الوطني على خط الجبهة في القطاع الجنوبي، وكانت مهمته في تلك الليلة

قيادة كتيبة المغاوير المتمركزة في ضواحي القنيطرة، واستطاع في الوقت المحدد الدخول إليها والسيطرة عليها بالتعاون مع

الضباط وصف الضباط البعثيين في هذه الكتيبة المعروفة بكتيبة البعثيين، ولقد خدم في هذه الكتيبة منذ بداية تأسيسها كثير من ضباط البعث، منهم محمد رباح الطويل وسليم حاطوم والدكتور

(2)ابراهيم ماخوس .... وبعثنوا الكثير من أفرادها وصل النقيب مصطفى الحاج علي والمالزم أول مفتخر الشرع إلى مدينة ازرع واتصال بالضباط البعثيين في الوحدات العسكرية

التي ستتوجه نحو دمشق، ومنهم المالزم أول محمود حمرا والمالزم أول يوسف نعيسة وآخرون، وعلى إثر ذلك تم االتصال

مع المالزم أول كاسر محمود ليلتحق فورا مع سائقي دبابات الكتيبة الذين كانوا يخضعون لدورة تدريبية في دمشق، إلى

مركز الكتيبة في ازرع. وحدد مسار هذه الوحدات: إزرع - الشيخ مسكين - دمشق، وكلف المالزم أول كاسر محمود بالسيطرة على الوضع في

المنطقة "ازرع – درعا". أثناء استعداد تلك الوحدات، وصل آمر اللواء العقيد عبد الوهاب السباعي قادما من دمشق إلى مركز قيادته في السويداء مرورا

بازرع و فوجئ بما يجري فيها من استعداد عسكري، وأمرهم بالكف عن عزمهم، و إال سيبلغ قيادة الجيش، ولكن الضباط اقترحوا عليه االتصال بالعقيد الحريري، ولما لم يفلح بإقناعه

للعمل مع ضباط االنقالب، اضطر الضباط إرساله إلى مقر اللواء تحت الحراسة المشددة ورافقه النقيب الحاج علي إلى مكتبه،

172

بينما بقي المالزم أول الشرع في ازرع ليرافق الوحدات إلىدمشق.

أصر العقيد عبد الوهاب السباعي، على عزمه تبليغ قيادة الجيش، وعاد إلى لهجة تهديد الضباط المتواجدين في مكتبه

"النقيب الحاج علي، النقيب عبد الغني برو، المالزم أول كمال األسود"، ورفع سماعة الهاتف بغية االتصال، ودفع هذا اإلجراء

بالمالزم أول كمال األسود إلى سحب سماعة الهاتف من يده، وتقرر حجزه في مكتبه تحت إشراف الضباط البعثيين

.الذين سيبقون في اللواء "برو، األسود، علي غانم"ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( بعد انتهاء االجتماع، مر علي في المنزل المالزم أول مظهر الجندي- ويقع المنزل1) وأبلغني بساعة الصفر، وكان هو و كتيبته من بين الوحداتمقابل نادي الضباط -

.المختارة للتحرك كان بعضهم، وخاصة في فترة االنفصال،على اتصال معي بشكل دائم، للتزود( 2)

بمنشورات الحزب. اجتمع النقيب مصطفى الحاج مع الضباط البعثيين في اللواء

وحددوا مسار هذه الوحدات **: السويداء-شهبا - دمشق و ممن رافقه في النزول إلى دمشق النقيب جميل حسن والمالزمون

أولون: عبد الكريم عمار وسليم حسن وعبد الرحمنالخطيب ......

في منزل الدكتور محمد الخش،6/3 التقى مساء يوم األربعاء بعض أعضاء اللجنة العسكرية "صالح جديد، عبد الكريم الجندي،

أحمد المير محمود" مع بعض قادة ما عرف بالتنظيم القطري وبعد أن أطلعوهم بأن االنقالب بات وشيكا، اقترحوا عليهم إعالن التزام تنظميهم بالقيادة القومية، واعتذر هؤالء عن تلبية االقتراح

فورا حتى ال يوصموا باالنتهازية، مع التزامهم الكامل بدعماالنقالب العتيد وعودتهم إلى التنظيم القومي فيما بعد.

تم االتفاق في اللجنة العسكرية وفي اجتماع الحريري - الجندي في القنيطرة على دعوة الضباط الناصريين لالشتراك في الوحدات العسكرية التي تم اختيارها للزحف نحو دمشق، وقد استجاب العديد منهم لهذه الدعوة، كما أن العميد راشد

قطيني "ناصري" بعد أن أدرك أنه ال مفر من تحرك قوات الجبهة التحق بمكتبه في األركان الستقبالها وتسهيل مهمتها في

السيطرة على مبنى قيادة الجيش. قام بعض أعضاء اللجنة العسكرية بمراقبة محاور وصول

الوحدات إلى دمشق، ولقد تأخر وصولها بعض الوقت مما أثار بعض المخاوف لدى بعضهم، ولكنها زالت مع أول الفجر حيث

بدأت طالئع االنقالبيين دخول المدينة من المحاور المحددة،173

وتأخر لبعض الوقت إذاعة الموسيقى العسكرية التي تمهد عادة " ويعرف مستمعو اإلذاعة من سماعها أن أمرا قد1للبيان رقم "

حدث. حان موعد نشرة األخبار األولى، وبدأت الموسيقى العسكرية، وأعلن المذيع للمستمعين انتظار بيان مهم. وكان األستاذ صالح البيطار قد وضع اللمسات األخيرة على هذا البيان، الذي أذاعه

المالزم أول سليمان حداد، ويعلن عن قيام القوات المسلحة بالثورة على عهد االنفصال وإنهائه، وأعلن البيان باسم المجلس

الوطني لقيادة الثورة، ومن نصه يتبين أن الغلبة في االنقالب هي للبعثيين، حيث ورد في المقطع قبل األخير منه "ولكن الصياد، الشعب أدركها فقامت انتفاضة جيشه الباسل لتصحح األوضاع

،وتقوم االنحراف وتضع سورية العربية في طريقها الصحيح الذي2 "، كما أن البالغ رقم طريق الوحدة والحرية واالشتراكية

صدر عن المجلس الوطني تضمن إعادة ضباط مسرحين إلىالخدمة، كانت غالبيتهم العظمى من البعثيين.

لم تفلح محاوالت بعض الضباط المحسوبين على عهد االنفصال بالتصدي لقوات االنقالب، حيث حلقت طائرات من مطار المزة

العسكري إلرهاب الوحدات التي دخلت إلى دمشق، فكلف العقيد الحريري الذي وصل دمشق صباحا، المالزم أول محمود حمرا الذي كان قد وصل على رأس سريته المدرعة إلى ساحة

األمويين، التوجه بوحدته نحو المطار والسيطرة عليه. وهناك محاولة قائد قاعدة الضمير الجوية العقيد الطيار هيثم

قصف بعض الوحدات العسكرية أو لقصف محطةلالمهايني، اإلرسال اإلذاعي في الصبورة، وتحركت وحدة عسكرية صغيرة )

دبابات ومشاة ( من معسكر القابون بقيادة المقدم أحمد المير والرائد غازي أبو عقل نحو تلك القاعدة الجوية، وحين وصولها أرسل قائد القاعدة الضابط الطيار عمر صنوفة للتعرف على

هوية الوحدة وقادتها، ثم اجتمع المقدم المير محمود مع العقيد المهايني ووضح له أن االنقالب ليس ناصريا وطلب منه التعاون

مع الحركة، ولكنه اعتذر وفضل إحالته على التقاعد، وكان له.(1)ذلك

آذار باللجنة العسكرية8تنحصر القوى التي خططت النقالب وبعض الضباط البعثيين العاملين، والعقيد زياد الحريري وأنصاره،

ورغم ذلك لم يحتكر االنقالبيون هذا االنقالب لوحدهم، بل دعواالقوى السياسية الناصرية للمشاركة، وهذه القوى تتألف من:

- حركة الوحدويين االشتراكيين، وغالبية أعضاء هذه الحركة من البعثيين، ولهم امتداد بعدد قليل من الضباط في الجيش، وأبرز

174

هؤالء الضباط العميد درويش الزوني، رئيس إدارة القضاءالعسكري.

- حركة القوميين العرب، كان من الضباط المحسوبين عليهم في الجيش العقيد منيب الهندي، شقيق زوجة عبد الكريم النحالوي، والرائد فايز الرفاعي، وكانا من أبرز الضباط الذين نفذوا انقالب االنفصال على الوحدة، وممن بقي لهم في الجيش النقيب منيب

الرفاعي شقيق الرائد فايز الرفاعي. - الجبهة العربية المتحدة، أو ماعرف "بالشركة الخماسية" ألن هذه الجبهة تتكون من خمس شخصيات سياسية: الدكتور عبد

الوهاب حومد، راتب الحسامي، علي بوظو، " وهؤالء الثالثة كانوا أعضاء في حزب الشعب قبل الوحدة" نهاد القاسم، عبد الصمد

الفتيح، وليس لهذه الجبهة تنظيم في الجيش. - التيار الناصري، ويشمل قطاعا واسعا من الجماهير، كما يشمل

العديد من الضباط في القوات المسلحة، وأبرزهم العميد راشدقطيني، والعميد محمد الصوفي .... ولكن هذا التيار ال تنظيم له .

تم االتفاق على ترفيع العقيد لؤي األتاسي، السجين المحكوم لمجلس قيادة الثورة، عليه، إلى رتبة فريق وتسميته رئيسا

وتسمية العقيد زياد الحريري بعد ترقيته إلى رتبة اللواء رئيسا ألركان الجيش. وفي اللقاء بين الشخصيات السياسية والقادة

، لم ينجح الناصريون بتسمية 3 /8العسكريين عصر يوم مرشحهم نهاد القاسم لتشكيل الوزارة، ألنه كان قد تم االتفاق

مسبقا، بين الضباط البعثيين والعقيد زياد الحريري على مؤسسات الحكم الالحقة. وتقرر تسمية األستاذ صالح البيطار

رئيسا لمجلســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بشأن السيطرة على قاعدة الضمير الجوية يروي باتريك سيل في كتابه األسد -)1( الصراع على الشرق األوسط، نقال عن لسان الرئيس ا ألسد: أرسلت إليهم

مبعوثا برسالة تحذيرية بأنني سأباشر القصف إذا كانت هناك أية مقاومة، وبعد بضع دقائق جاء اثنان من ضباطهم في سيارة ليقترحا التفاوض، فهرعت على

الفور معهما إلى حيث آمر القاعدة وقلت له: لقد انتهى األمر بالنسبة لكم،ونحن ال نريد أن نقتل أحدا ولكن ما لم تستسلموا فإننا سنستعمل القوة.

أسماء أعضاء الوزارة التي9/3الوزراء، وأعلن في يوم السبت وزيرا بعثيا بمن فيهم الرئيس. 11ضم عشرين وزيرا، بينهم

بدأت البيانات تصدر باسم "المجلس الوطني لقيادة الثورة" ولم يكن لهذا المجلس من وجود، وهذا ما دفع ببعض ضباط االنقالب المحتشدين في مبنى األركان وحوله للمطالبة بعقد اجتماع يضم بعض الضباط بهدف إنهاء الفوضى القائمة، وتم

آذار، وممن اجتمع في إحدى قاعات مبنى8االجتماع مساء يوم األركان الضباط:

175

لؤي أتاسي، راشد قطيني، محمد الصوفي، أسعد الحكيم، عبد الكريم سوادي، جميل فياض، درويش الزوني، كمال هالل، فواز محارب، عبدالله رزوق، عبد الوهاب قطيع، عادل حاج مراد، زياد

الحريري، عارف الجاجة، محمد الحاج محمود، محمود الحاج محمود، فايز موسى، زياد حمضمض، عبد الرحمن حاج عبيد،

محمد عمران، صالح جديد، عبد الكريم الجندي، موسى الزعبي، حافظ األسد، أحمد المير محمود، محمد رباح الطويل، عزت جديد، سليم حاطوم، سليمان العلي، بهجت الخاير، مصطفى الحاج علي، فؤاد منذر، مفتخر الشرع، سليمان حداد، محمود

حمرا، مصطفى العيسى، غسان حداد، فهدالشاعر، عبد الرزاقالدردري....

تم االتفاق في هذا االجتماع، الذي ترأسه العقيد فهد الشاعر، على تشكيل مجلس وطني لقيادة الثورة برئاسة الفريق لؤي

( عضوا نصفهم من العسكريين20األتاسي، ويتكون من ) والنصف اآلخر من المدنيين، ويكون مناصفة بين البعثيين والقوى األخرى، وسمعت بعض اقتراحات من المجتمعين، رافقها ضجيج

ومماحكات، وانبرى العقيد محمد عمران طالبا من الحضور الصمت، وأعلن أسما ء المرشحين من العسكريين لعضوية

محمد عمران و صالح جديد وموسى الزعبيالمجلس وهم : "بعثيون", راشد قطيني و فواز محارب و كمال هالل ودرويش

الزوني "عن القوى الناصرية "، وزياد الحريري و غسان حداد و فهد الشاعر "عن المستقلين". والتزم الجميع بهذا االقتراح، كما

تمت مكافأة العميد محمد الصوفي بترفيعه إلى رتبة الفريقوتعيينه وزيرا للدفاع.

: إضافة إلى أسماء الضباط الذين وردت أسماؤهم في تنويه هذا النص، فإن الواجب يقتضي التنويه بأن هناك آخرين كثر من الضباط العاملين والمسرحين الذين ساهموا في نجاح االنقالب، إما من خالل نزول وحداتهم إلى دمشق، أو من خالل التحاقهمصبيحة االنقالب بوحدات عسكرية للسيطرة عليها أو تجميدها.

ــــــــــــــــــــــــــــــ * يقول منصور األطرش في سيرته الذاتية " الجيل المدان " )في بداية األسبوع األول من آذار أرسل النقيب سليم حاطوم حسن الفاعوري "بعثي، من القطاع الجنوبي في الجبهة " لتبليغ األستاذ منصور األطرش أن االستعدادات أصبحت كاملة وساعة الصفر

قريبة جدا ، ويسألهم من تريدون أن يكون رئيسا للدولة ، وكان النقيب سليم يفضل أنيكون األستاذ صالح البيطار.

و في مساء السابع من آذار أخطرني األستاذ صالح بساعة الصفر ....وذهبنا جميعا إلى محلة الميدان وبتنا ليلتنا هناك في منزل الرفيق ممدوح نصيرات حيث وافانا احد الضباط المسرحين ....وقضينا ليلتنا نستطلع األخبار .....حتى قدم إلينا الرفيق أحمد

سويدان " يعثي، صحفي "وأفاد أن االنقالب تم بهدوء... (

176

** دخلت القوات العسكرية القادمة من السويداء دمشق حوالي العاشرة صباحا، بعد انتظار لبعض الوقت بالقرب من قرية الست زينب، وبناء على توجيهات المقدم صالح

جديد كلف بعضها بحراسة المصرف المركزي، وبعضها اآلخر التمركز في ساحة المرجة، وفي طريقه التقى النقيب الحاج علي بشقيق ممدوح نصيرات وأبلغه أن

األستاذ صالح ومن معه ينتظرون في بيت شقيقه في بستان البختيار، وتوجها معأ إلى المنزل، ويقول النقيب الحاج علي: كان القلق باديا على وجه األستاذ صالح للتأخر في

دعوته إلى األركان، و بعد خروجي توجهت إلى مبنى األركان وبلغت المقدم صالحجديد، فأجابني: سيتم استدعاؤه بعد قليل .

المحادثات من أجل الوحدة فصائل عسكرية متعددة تحالفت بدوافع مختلفة لوضعإن

نهاية لحكم االنفصال وإعادة الوحدة وهي: -البعثيون : كان لهم تنظميهم الحزبي داخل القوات المسلحة،1

من فترة ما قبل الوحدة، وأعيد هذا االرتباط بين الضباط المنقولين إلى اإلقليم الجنوبي بقيادة اللجنة العسكرية، ولكن

ليس على أسس تنظيمية، وفي فترة االنفصال أعيد التنظيم من جديد، وبقيادة اللجنة التي تم توسيعها وشمل الضباط الذين

177

سرحهم العهد االنفصالي والضباط الذين ما زالوا في صفوف الجيش، ولهذا التنظيم التزامه، كما له منطلقاته الواردة في

أدبيات الحزب حول إعادة الوحدة. - العقيد زياد الحريري: كان هدفه تحقيق طموحه والوصول إلى2

مركز قوة يمكنه من حكم سورية مباشرة أو من خلف الستار. 2 - الناصريون: كان هدفهم، مع بعض التباين بين تنظيماتهم، هدفا

سياسيا آنيا وهو إعادة الوحدة الفورية بين سورية ومصر. آذار صرح عضو في مجلس قيادة الثورة في8 في ظهيرة يوم

سورية: )أيها األخوة المناضلون من أجل ا لوحدة والحرية

واالشتراكية.... بعد مضي شهر على ثورة الشعب في العراق وفي هذا اليوم نمد يدنا إليها, تحية ثورة عربية إلى ثورة عربية

مجيدة. أيها العرب في كل مكان، إن صوت الحق الذي يجلجل اليوم

في دمشق يلتقي بصوت األحرار في الجمهورية العربية المتحدة وفي العراق والجزائر واليمن على صعيد المحبة واإلخاء العربي

لخنق أبواق االستعمار وعمالئه ...(. ورغم إدراك القاهرة أن االنقالب بعثي، وأنه ليس هو االنقالب الذي تريده، أعلنت في اليوم نفسه تأييدها لالنقالب في تصريح

على لسان وزير الثقافة واإلرشاد القومي الدكتور عبد القادر حاتم وبتكليف من الرئيس عبد الناصر. وأعقبت ذلك التصريح

برقية تهنئة من القوات المسلحة في الجمهورية العربية المتحدة, وصلت إلى المجلس الوطني لقيادة الثورة9/3وفي صبيحة

رسالة من الرئيس عبد الناصر فيها: "حمد لله الذي نصر شعب سورية ونصر بثورتها حركة النضال ا لعربي ... وأنه لشرف لي،

وأنا أقدم التهنئة القلبية إلى شعب سورية وجيشها بنجاح الثورة، أن أنقل اعتراف الجمهورية العربية المتحدة بنظام الحكم

الوطني الجديد في سورية". وفي رسالة جوابية، رد المجلس الوطني لقيادة الثورة:

السيد رئيس الجمهورية العربية المتحدة المحترم. "... إن المجلس الوطني يعتبر االعتراف بالحكم الوطني الجديد في سورية بداية للقضاء على االنفصال، واستئصال أسبابه من الجذور إلى األبد وبناء وحدة عربية قوية األركان

تقدمية المحتوى راسخة في جذورها الشعبية حاملة ضماناتحمايتها وتطويرها".

وضع العراق في ظل حكم البعث كل إمكانياته لدعم الحكم الجديد في سورية, وفي بيان عراقي سوري مشترك صدر يوم

178

, أكدا فيه محاربة أية سياسة يمكن أن تؤدي إلى خلق13/3 محاور متعددة بين األقطار العربية المتحررة، كما عبرا عن

إرادتهما المطلقة في ضرورة توسيع التالقي الذي تم بين القاهرة وبغداد ليشمل األقطار العربية الثالثة، "الجمهورية العربية

المتحدة، والجمهورية العراقية، والجمهورية السورية"، وفيضرورة توحيد الخطط بوضع أسس الوحدة بين األقطار الثالثة.

ويبدو واضحا الخطاب البعثي في نص الرسالة الجوابيةالموجهة للرئيس عبد الناصر وفي نص البيان السوري العراقي

كان الرئيس عبد الناصر متمسكا بثابتين، األول: أنه ال يقبل إال ،1961 أيلول28بوحدة تعيد األمور إلى ما كانت عليه قبل

حزب البعث. والثاني: أنه ال يقبل بوحدة يؤسس لها آذار عدم إقامة وحدة مع أي من8 وكما كان ثابته، قبل

حكومات االنفصال فإنه بقي على الثابت نفسه بعد آذار واكتفى بتبديل الجهة, وال يجب أن يغيب عن الذهن، دور أجهزة

المخابرات ودور الذين كانوا يرتزقون من لبس ثوب الناصرية ويوهمون أصحاب القرار في المتحدة بقوتهم وقدرتهم على الفعل، ومن هنا تكونت ثوابت الرئيس ناصر، إضافة إلى أنه

تناسى أن البعث يحكم العراق, وهذا كان مصدر خشية له وظن أن وحدة مع بلدين يحكمهما البعث يعني إضعافا له, وفي هذه

17/4 حتى 14/3األجواء بدأت مباحثات الوحدة التي امتدت من بين الجمهورية العربية المتحدة والجمهورية العربية السورية والجمهورية العراقية، وكما كان الرئيس ناصر يفاوض ضباط

أيلول ليغطي على نشاط الضباط الوحدويين لالنقضاض على28 الحكم، فانه اتبع األسلوب نفسه في المباحثات الحالية، يفاوض ظاهريا ليمهد األجواء للناصريين ويمكنهم من اإلطاحة بالبعثيين

في سورية وفي العراق، وهذا ظاهر فيما قاله الرئيس ناصر في افتتاح أول جلسة للمباحثات, إذ تساءل: "المطلوب منا اآلن أن

نقيم وحدة مع حزب البعث، أم مع سورية؟ إذا كان حزب البعث هو الذي يحكم سورية وستكون الوحدة معه فأنا على غير

استعداد للبحث على اإلطالق". قال الرئيس ذلك بحضور الوفد العراقي البعثي، وخلو الوفد السوري من أي بعثي, ولكنه يعلم أن االنقالب في سورية هو

للبعث. كما طرح الرئيس ناصر سؤاال آخر:

"هل الفكرة من وراء الوحدة الثالثية، هي موازنة الجمهورية العربية المتحدة بالعراق بحيث ال يحدث كما كان البعث يقول

تسلط مصري وحتى يحدث توازن في الوحدة؟179

هل هذه مناورات سياسية ؟ هل الهدف هو مناورة حزبية بحيث يكون هناك صوتان للبعث ضد صوت واحد غير بعثي هو

مصر؟". وحاول الرئيس عبد الناصر أن يدق إسفينا بين بعثيي العراق

وبعثيي سورية، وكان كل جهده في هذه المرحلة من المباحثاتمنصبا على التجريح بالبعث.

لم يكن خافيا على البعثيين مآرب الرئيس عبد الناصر، وكانالحزب قد طرح مفهومه للوحدة العتيدة, ويعني هذا المفهوم:

"وحدة متكافئة – تنظيم طالئعي ثوري – القائد هو الشعب المنظم – الوحدة الثالثية يجب أن تتوج بقيادة جماعية بالفعل – اإليمان المطلق بأن التنظيم الشعبي هو وحده األساس الراسخ

للوحدة". ألن الوحدة من وجهة نظر الحزب هي قضية ثورية، أسلوبها

ثوري وصاحبها الشعب وهو مفجرها وموجهها. ولكن المرتبطين بأجهزة المخابرات المصرية, وبعد تلك

الجولة من مباحثات الوحدة بدؤوا يطرحون شعارات استفزازية، مثل: "نريد وحدة ثنائية، أي استبعاد العراق، ال حرية وال أحزاب – ال دراسة وال تدريس إال بعودة الرئيس ...". وقبل المرحلة الثانية

نيسان أصبح الشارع السوري6من المباحثات التي بدأت في مشحونا بتلك الشعارات االستفزازية تمهيدا النقالب ناصري على

البعث. 6 وبناء على طلب الرئيس عبد الناصر بأن يكون في وفد

نيسان ممثلون عن حزب البعث ومجلس قيادة الثورة، تشكل عضوا ومن بينهم عن البعث: "صالح البيطار، شبلي17وفد من

العيسمي، محمد عمران"، وفي اجتماع الوفود الثالثة تركز النقاش على عتاب بين الرئيس عبد الناصر واألستاذ صالح البيطار، بلغ أحيانا حد التجريح بالبعث وقادته, وكان األستاذ

البيطار يتحمل كل ذلك كي ال يعطيه ذريعة إلفشال المفاوضات،ومما قاله الرئيس ناصر:

مارس ردك على علي8 "انتم ما كنتوش عاوزين وحدة بعد , وقال الثالث نقط في13 مارس وال يوم 12صالح السعدي يوم

مشروع التعاون بين الدول العربية وأنت رديت عليه بالموافقة ...معنى هذا أنكم عايزين وحدة كده، بوضوح أي واحد

بسيط التفكير كان يقول كده بعد أنت ما رديت على السعدي وقلت إن هذا ما يدور بخلدنا وهذا ما يجول بتفكيرنا". وأجاب األستاذ البيطار: "ما حد يجبرنا نسوي وحدة، صدقني وما أحد

يجبرنا أن يكون لنا رأيان ونحن هذا شيء قلناه", ويعني الرئيس180

ناصر بالثالث نقط، المشروع العراقي للتعاون بين الدول العربية، وينص على: 1963 /12/3المتحررة والذي نشر يوم

-وضع مشروع بيان مشترك مع الشقيقة الكبرى الجمهورية1 العربية المتحدة ومع الشقيقات الجزائر واليمن والجمهورية

السورية, تخول الجيوش العربية في الدول العربية المتحررة حق التدخل واإلنزال واجتياز حدود أي بلد من البلدان العربية الخمسة عند تعرضه ألي عدوان خارجي أو مؤامرات داخلية استعمارية أو

رجعية تهدف إلى اإلطاحة بالحكم التقدمي في البلدان المذكورة.تشكيل قيادة عسكرية مشتركة وإلحاق ضباط ارتباط بهذه -2 القيادة يمثلون دوائر األركان العامة في الجيوش الخمسة، ووضعقوات مشتركة تحت أمرة هذه القيادة، ويكون من اختصاصها وضع سياسة موحدة للتجنيد والتسليح والتدريب والتصنيع .العسكري وتوحيد األنظمة والمصطلحات العسكرية

-تشكيل قيادة سياسية عليا للتخطيط السياسي في3الدول الخمس.

إن استمرار هذا االستفزاز لقادة البعث من الرئيس ناصر، طيلة مراحل المباحثات، هو ما كان يثير االنتباه، وكذلك رفضه

إقامة أية صيغة وحدوية مستقلة بين الجمهورية العراقية والجمهورية السورية، منطلقا من أن ذلك إذا ما حدث يعني منافسته عربيا ودوليا, وتأكيده لما كان يردده "ال وحدة مع

البعث"، وكأن هذه الجملة هي كلمة السر للناصريين كي يبذلوا كل جهد لإلطاحة بالبعثيين، ولهذا بذلت أجهزته قصارى جهدها

.لإلطاحة بالبعث في القطرين لم تكف أجهزة اإلعالم في المتحدة عن الهجوم على حزب

البعث، طيلة مراحل المحادثات، رغم االتفاق على فتح صفحة بيضاء، ورغم المطالب التعجيزية التي كان يضعها، ولكنها ذللت

بالتروي، حتى ال تبقي للرئيس ناصر ذريعة لالنسحاب من.المفاوضات

كان الوفد السوري يلح في المفاوضات على ضرورة إقامة نظام برلماني حسب نسبة عدد السكان وإشراك العناصر

الوحدوية غير المنظمة في أحزاب. بينما أصر الجانب المصري على ضرورة تكافؤ تمثيل القوى

التي تدعي الوحدوية، وعلى منح صالحيات وسلطات واسعةللرئيس.

رفض الرئيس ناصر االقتراحات السورية، وأصر على اقتراحاته، ولفترة يومين من النقاش، وحتى ال تنتكس المباحثات

ويحقق الرئيس مبتغاه، وافق الوفد السوري على المطالب181

نيسان, وحدد16/17المصرية, ووقع بيان الوحدة الثالثية ليل أيلول موعدا لالستفتاء على الوحدة الثالثية وقيام17يوم

الجمهورية العربية المتحدة الجديدة. اعتبر البعث هذا الميثاق حدثا مصيريا ومن الضرورة الدفاع

عنه وتمتينه وتطويره، بينما اعتبره مدعو الوحدة ستارا لما كانوا يخططون له: قلب نظام الحكم الذي هم شركاء فيه، وتنفيذ

اغتياالت بقادة البعث من مدنيين وعسكريين. خالل المباحثات التي كانت تجري بين الوفود الثالثة, كشفت

اتصاالت يقوم بها بعض القادة العسكريين الناصريين مع الملحق العسكري المصري في عمان والسفارة المصرية في بيروت تمهيدا النقالب ناصري، مما اضطر المجلس الوطني )وليس

البعثيون وحدهم( التخاذ إجراءات في أواخر شهر نيسان، تقضيبنقل بعض الضباط المتورطين إلى وظائف غير عسكرية.

وبالتوازي مع اإلعداد لالنقالب، طرح بعض الناصريين الذين جاء بهم البعث ليشاركوه في الحكم شعار "تكافؤ القوى في

الحكم"، بغية كسب الوقت وإرباك النظام الجديد قبل أن ترسخجذوره.

ولما اكتشفت خيوط المؤامرة, واضطر المجلس الوطني إلى تغيير مواقع المشتركين فيها، وإلحراج الحكم وبالتنسيق أو بأوامر

10/5من القاهرة، تقدم الناصريون باستقالتهم من الوزارة يوم ولكنهم أبدوا استعدادهم لسحب استقاالتهم بشرط إلغاء قرار

المجلس الوطني حول نقل العسكريين وتلبية مطالبهم فيالتكافؤ.

5/ 11 على إثر تلك االستقاالت، كلف المجلس الوطني يوم الدكتور سامي الجندي، الذي أعاد ارتباطه بالبعث بعد أن انسحب

من حركة الوحدويين االشتراكيين، احتجاجا على تلقيهم األوامر من القاهرة، بتشكيل وزارة جديدة ولكنه لم يستطع، وقدم 13/5اعتذاره بعد يومين، وأعيد تكليف األستاذ صالح البيطار يوم مجددا بتشكيلها وضمت بعثيين ووحدويين غير منتمين إلى

تنظيمات، ومستقلين.

182

ما بين اللجنة العسكرية واللواء زياد الحريري

ترقى االتصاالت بين العقيد الحريري واللجنة العسكرية، من ،1966االنقالب على حكم االنفصال، إلى أوائل شهر شباط

حيث زار النقيب مصطفى الحاج علي، وهو أحد ضباط اللواء الذي كان قائده العقيد زياد الحريري، المقدم المسرح صالح

جديد في منزله والتقى عنده مع العقيد المسرح محمد عمران، وطرح عليهما فكرة التعاون مع العقيد الحريري، وكان من رأي المقدم صالح جمع معلومات أكثر حول هذا التعاون بينما حبذه العقيد عمران، وتابع كل من النقيب الحاج علي والمالزم أول

سليمان حداد قائد سرية االستطالع في اللواء المذكور هذا.المسعى وبدأت االتصاالت

مت اللجنة في مجال تقييمها لضباط القوات المسلحة قي العسكرية البعثية العقيد زياد الحريري بأنه وطني، وغير مسيس،

وطموح، لذا قررت التعاون معه ومفاتحته للقيام بانقالب ضد حكم االنفصال مقابل تحقيق طموحه بتعيينه في منصب عالي

المستوى. على تمتين مركزه بعد الثامن من آذار بدأ زياد الحريري يعمل

في السلطة ليصبح الرجل األول, وظن أن اقتران اسمه بانقالب آذار يساعده على الوصول إلى غايته، وأخذ يركز مؤيديه في

المرابط في منطقة الكسوة، وأصبح قائد اللواء70اللواء ورئيس أركان اللواء وثالثة من قادة الكتائب من أنصاره، وتهيأ له

الجو بعد نقل بعض الضباط الناصريين في منتصف شهر أيار إلى السلك الخارجي, وكان للواء زياد موقف سلبي منهم،1963

وازدادت هذه السلبية، خاصة، بعد تهديد بعض الضباط الناصريين المرابطين قريبا من مبنى األركان، منهم الرائد عبد الوهاب

183

قطيع بقصف المبنى وطرد الحريري، كما كان للواء الحريري موقف سلبي من الفريق لؤي األتاسي، أيضا، ألنه كان يطمح إلى استالم موقعه كرئيس لمجلس قيادة الثورة، كما كان له الموقف

السلبي نفسه من العقيد محمد عمران. الحريري يخطط لتنفيذ انقالب لصالحه، على أن ينفذ خاللبدأ

-20فترة ذهابه مع وفد رسمي إلى الجزائر، في الفترة ما بين حزيران مستغال وجود المقدم صالح جديد معه في الوفد. 26

بدأت اتصاالته بزيارات للواء سبعين واالجتماع مع قائده والضباط الموالين له في أواخر شهر أيار، وتكررت الزيارة ثالث

مرات وكان توقيت هذه الزيارات بعد منتصف الليل. رصد الضابط البعثي النقيب هالل الراهب رئيس سرية

االستطالع والمسؤول األمني في اللواء هذه الزيارات، وفي الزيارة الثانية اتصل الراهب بالمقدم صالح الضللي والرائد علي

مصطفى "بعثيان وقائدا وحدات في اللواء نفسه" وأطلعهما على زيارات اللواء الحريري واقترح عليهما مباغتة المجتمعين وذهابهم

"الثالثة" لحضور االجتماع، وبدخولهم تغير الحديث نحو ضرورةالحذر واليقظة وأحاديث عامة أخرى.

في الزيارة الثالثة للواء الحريري اتفق مع أنصاره على أن ينقل النقيب الراهب من اللواء، وطلب من المقدم صالح جديد،

معاون مدير إدارة شؤون الضباط إعداد أمر النقل بذريعة أنالراهب يستهتر بأوامر قائد اللواء العقيد حسن جالغي.

تجاهل المقدم جديد طلب الحريري الذي عاد وأكد على إعداد أمرنقل الراهب إلى إحدى التشكيالت العسكرية في الجبهة،

وحينها أعد المقدم صالح جديد األمر بنقل الراهب ونقل ضابطينآخرين من أنصار الحريري.

بعد سفر الوفد الرسمي إلى الجزائر، وصل أمر النقل إلى قائد اللواء الذي استغل هذه الفرصة وطلب من الراهب تنفيذ

األمر وتكتم على أمر نقل الضابطين اآلخرين، ولما تبين للنقيب هالل الراهب ما هو القصد خلف تكتم آمر اللواء، أبلغ قيادة

التنظيم البعثي في الجيش التي أوعزت إلى المقدم الضللي والرائد علي مصطفى باستنفار وحدتيهما، وطلبت من النقيب

الراهب عدم تنفيذ األمر ما لم ينفذه اآلخران. اتهم كل من قائد اللواء ورئيس أركانه المقدم جميل الجندي النقيب الراهب بالتمرد على األوامر، وتجاه رفض األخير لهذه التهم واتهامه لقائد اللواء بأنه، هو، المتمرد على األوامر وتم

تبادل التهديدات بينهما.

184

توجه الجالغي والجندي إلى مبنى األركان لمقابلة قائد الجيش الفريق لؤي األتاسي وإعالمه بتمرد الضابط الراهب ومؤازرة الضباط البعثيين في اللواء له، وفي هذا الوقت حرك الضللي

ومصطفى والراهب وحداتهم وأحكموا سيطرتهم على اللواء، كماتم اعتقال العناصر الموالية للحريري.

أمام هذا الواقع اتصل الفريق األتاسي بالعقيد محمد عمران آمر اللواء الخامس في حمص، وبالعقيد حمد عبيد قائد قوات البادية، وبالنقيب سليم حاطوم قائد كتيبة المغاوير، كما اتصل

بالمقدم الضللي ليعلمه بأنه قادم إلى اللواء على رأس وفدللتعرف إلى أسباب ما حدث.

قدم النقيب الراهب للوفد تقريره بدءا من زيارات الحريري التآمرية للواء، مرورا بعجز قائد اللواء عن القيادة وقيامه بتجميع العناصر الموالية حوله وتكتمه على أمر نقل الضابطين اآلخرين،

كل هذه األسباب دفعت بهم إلى التصرف الحالي. انفعل العقيد جالغي وهو يستمع إلى نقد له من ضابط أدنى رتبة، وتقدم للقائد العام باستقالته شفويا، فوافق عليها فورا

وأحاله إلى التقاعد ونقل المقدم جميل الجندي إلى السلك الخارجي، وأمر الضابطين المنقولين مع الراهب بتنفيذ أمر

نقلهما وألغى أمر نقل النقيب الراهب، وكلف المقدم الضلليبقيادة اللواء بالوكالة.

عاد الوفد من الجزائر، وأدرك الحريري أن ترتيبات محاولته االنقالبية باءت بالفشل، وتوترت األجواء بينه وبين البعثيين، وبدأ يخطط للقيام بعصيان في اللواء السادس بالقطاع الشمالي من

الجبهة في "مسعدة"، وهو اللواء الذي كان قائدا له قبل أن يصبح رئيس أركان الجبهة، ونشط في هذا األمر واتصل

بالضابطين البعثيين النقيب سليم حاطوم والمالزم األول سليمان حداد، ظنا منه أنهما من أنصاره، وعرض عليهما مخططه

بالذهاب بصورة سرية إلى اللواء والعصيان فيه ولو اضطر األمرإلى االختباء في صندوق سيارة *.

أبلغ النقيب حاطوم اللجنة العسكرية، وهو أحد أعضائها،بما يخطط له الحريري، وأبلغ األعضاء من اللجنة في المجلس

الوطني المجلس بما ينوي اللواء زياد فعله، ولم يقتنع األستاذ صالح البيطار باألمر إال بعد أن حضر النقيب سليم وأكد هذه

المعلومات على مسمعه، كما أكدها له المالزم األول سليمانحداد.

على ضوء هذه المعلومات قرر المجلس الوطني لقيادة الثورة نقل اللواء الحريري إلى مالك وزارة1963 حزيران 23يوم

185

الخارجية وتعيينه سفيرا متجوال فوق العادة في أوروبا، كما نقل عددا من الضباط الموالين له إلى السلك الخارجي * *.

حزيران ترفيع26 وقرر المجلس الوطني لقيادة الثورة يوم العميد محمد أمين الحافظ وزير الداخلية إلى رتبة اللواء وتعيينه

رئيسا لألركان العامة للجيش والقوات المسلحة إضافة إلى سمي اللواء أمين1963 / 7/ 13منصبه كوزير للداخلية, وفي

الحافظ وزيرا للدفاع، وهو المنصب الذي كان يشغله الحريري،إضافة إلى منصبه كرئيس لألركان العامة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ بناء على تعليمات من قيادة الحزب وبالتعاون مع قائد الجبهة العقيد مزيد هنيدي، *

تم تسيير دوريات من الحرس القومي في القنيطرة لمراقبة مفارق الطرق التي يمكن الوصول منها إلى مقر اللواء السادس في مسعدة وتفتيش صناديق السيارات التي

يشك بأمرها، ودامت العملية حتى تسفير اللواء الحريري خارج القطر. من طريف األمر أن الرئيس عبد الناصر قال في الخطاب الذي ألقاه بمناسبة* *

نيسان: فضلوا يرفعوا يفط القيادة17ثورة تموز وأعلن فيه انسحابه من ميثاق الجماعية فين هي القيادة الجماعية ؟ ... بعثوا واحد على الجزائر ورجعوه على بره هي

دي القيادة الجماعية دا حكم الغاب حكم الوحوش هي اذا كانت دي القيادة الجماعيةالله الغني .

تموز الدامي18اإلعداد ليوم

ز بين االنزالق التدريجي من كان الحزب في فترة الوحدة يمي انتقاد لنظام الحكم إلى التشكيك بفكرة الوحدة مع الشعب

العربي بمصر و بقيادة عبد الناصر. كما كان ينقد االتجاه العاطفي السطحي الالواعي "أي البعثيون

الذين شكلوا في فترة االنفصال حركة الوحدويين االشتراكيين" الذي يدعو للوحدة لمجرد أنها وحدة دون االهتمام باألسس التي

تبنى عليها وبالشروط والضمانات التي تحميها وتنميها. وكان الحزب يرى أن القوى الناصرية التي شاركها معه في

الحكم والتي كانت توجهها القاهرة، لم تستطع أن تستوعب معنى تجربة الوحدة السابقة ودروسها، وحاولت أن تكسر ميزان القوى لصالحها بغية تركيز نظام في دولة الوحدة الثالثية, وعندما فشلت

186

في ذلك وأدركت أن البعثيين في العراق وسورية ال يسيرون ضمنتموز.18مخططها قامت بمحاوالت عدة كان آخرها ما حدث يوم

آذار، يحاول8 كان الرئيس عبد الناصر ومنذ األيام األولى لقيام أن يقلب ميزان القوى في سورية ويسلم مقاليد الحكم فيها

ألتباع يتميزون بالطاعة العمياء والتنفيذ غير المشروط، وكانت هذه المحاوالت تبغي في نهاية المطاف إعادة الوحدة الثنائية

السابقة وإقصاء القطر العراقي عنها. آذار، فوجئ8 في أول اجتماع للفصائل التي ساهمت بانقالب

البعثيون وكان مثار دهشتهم حين طرح بعض ممثلي فصائل الناصريين اسم السيد "رشدي الكيخيا" زعيم حزب الشعب قبل

الوحدة لرئاسة الوزارة، كما حاولوا أن يستلم أحد ممثليهم "نهادالقاسم" هذا المنصب، ولكنهم تأكدوا أن هذا األمر محسوم.

ثم تصارعت الفصائل الناصرية )القوميون العرب، الوحدويون االشتراكيون، الجبهة العربية المتحدة( بين بعضها على المقاعد الوزارية وكل فصيل منهم يريد إلغاء الفصيلين اآلخرين. ونتيجة

ساعة، حتى حسم األمر وخصص24لذلك تأخر تشكيل الوزارة لكل فصيل منهم مقعدان وزاريان، ولزياد الحريري نفس العدد,

على أن تكون لهم نفس النسب في المجلس الوطني حينتشكيله.

كما تبوأ بعض العسكريين الناصريين مراكز قيادية في قيادةالجيش وفي الوحدات العسكرية. 11/3 ساعة, وفي يوم 48 لم يمض على تشكيل الوزارة

اكتشف البعثيون مؤامرة يخطط لها الناصريون، وتقضي بقصف مبنى قيادة الجيش بالمدفعية المضادة للطائرات وقتل الضباط الموجودين فيه, وتم تجاوز هذه المؤامرة بتبديل مواقع بعض

المشتركين فيها, حتى ال تشوب محادثات الوحدة المزمع بدئهاخالل أيام، أية شائبة.

منذ بداية المفاوضات مع الـ ج.ع.م للوصول إلى صيغة متينة للوحدة، كان الرئيس عبد الناصر يعمل دوما على تأزيم األمور

لتفشيل المفاوضات وإعطاء مبرر لمن يدعون بأنهم أنصاره لإلطاحة ويوهمونه بأن لديهم القوة، لالستمرار في لعبة التآمر

بالبعثيين، وهو األسلوب نفسه الذي مارسه مع مفاوضيه منضباط النحالوي، سابقا، وللهدف نفسه.

باستثناء المنظمات الناصرية الثالث، كان ما عرف بالتيار الناصري من غيرهم تيارا عاطفيا يضم الكثير من االنتهازيين والوصوليين، ولكن هذا التيار يشترك مع تلك المنظمات في

187

خصومة البعث وفي ديماغوجية الطرح، وإذا خال أحد قادة تلكالمنظمات إلى أحد المسؤولين يبدأ بالتآمر على اآلخرين.

حرك الناصريون مظاهرات في بعض المدن السورية، ترفع الشعارات االستفزازية, من غير إدراك بأن الوحدة الفورية

27وشعار المشروعية وعودة األمور إلى ما كانت عليه يوم يتعامى عن أخطاء الوحدة وينسى التجربة وضرورة1961أيلول

االستفادة منها، كما أن المهاترات لم تتوقف رغم توقيع ميثاق نيسان، ولم تدرك األجهزة المصرية بأن الوحدة فوق17

األشخاص واألحزاب وأن جو اإلثارة والتشكيك والشتيمة الذيتمادت القاهرة في ممارسته، يثير األحقاد.

تسللت بعض العناصر المخربة إلى المظاهرات التي حدثت في حلب وهاجمت بالسالح مخافر الشرطة واستولوا على بعضها

مما اضطر قوات حفظ النظام إلى ردعهم بقوة السالح. وتم االحتكاك بين البعثيين والناصريين في دمشق ثالث مرات،

يوم زيارة وزير الدفاع الجزائري العقيد هواري بومدين في في ساحة قصر الضيافة. ويوم هاجم حشد1963نيسان 1

ناصري في بداية األسبوع الثاني من نيسان، مقر جريدة البعث الواقع في أول شارع خالد بن الوليد وكان المقر بمثابة مكتب لقيادة الحزب أيضا. واالحتكاك الثالث واألهم كان في جامعة

، وفي المرات الثالت كانت الغلبة بجدارة1963 أيار5دمشق في للبعثيين رغم التفوق العددي للناصريين، ولكن البعثيين تفوقوا

بسببين، األول: أنهم منظمون، والثاني بسبب إيمانهم العميق بمايعتقدون به.

بالرغم من كل ما كانت القاهرة تعمد إلى فعله إلبقاء التوتر قائما وخاصة بعد استقالة الوزراء الناصريين، أرسل المجلس

الوطني وفدا برئاسة الفريق لؤي األتاسي إلى القاهرة عسى أن يقنعها بالتراجع عن هذه الحملة التهويشيه، ولكن المشير عبد

الحكيم عامر الذي قابله لغياب الرئيس ناصر, أصر على تسليم القيادة للمؤتمرين بأمر القاهرة، ورجع الوفد من دون إحراز أي

تقدم. وفي تلك الفترة, لبى الرئيس اليمني عبد الله السالل دعوة

المجلس الوطني لزيارة سورية واقترح عليه التوسط مع الرئيس عبد الناصر من أجل عقد لقاء بين القاهرة ودمشق وبغداد, ولكن

الرئيس ناصر رفض االقتراح، ورغم ذلك أوفد المجلس الوطني وفدا إلى الرئيس الجزائري أحمد بن بيلال، ووفدا آخر إلى العراق للغرض نفسه، ولكن القاهرة بقيت على مواقفها، ثم تأكدت نوايا

الرئيس عبد الناصر ورغبته بنقض ميثاق نيسان تمهيدا لتنفيذ ما188

كان قد تم تخطيطه، أي اإلطاحة بالبعث, وهذا ما نقله المهدي بن بركة رئيس االتحاد الوطني للقوات الشعبية في المغرب، بأن

القاهرة تريد نقض الميثاق, إذا لم يعد الضباط الناصريون إلى الجيش، واقترح المهدي بن بركة تشكيل لجنة رباعية للتحكيم،

من الجزائر واالتحاد الوطني المغربي واالتحاد االشتراكي العربي وحزب البعث العربي االشتراكي، ورحب النظام السوري بذلك، بينما رفضته القاهرة, كما أن القاهرة رفضت وبإصرار عقد أي

نيسان17اجتماع للجان التي كانت قد تشكلت نتيجة لميثاق .(1 ))لجان الوحدة –لجان عسكرية(

األحداث الدامية

في اليوم السادس من شهر آذار أبلغ الناصريون البعثيين والعقيد الحريري أنهم يفضلون إرجاء الحركة والتسرب قليال قليال

إلى األركان العامة ووحدات الجيش ما دامت قيادة الجيش نفسها تسعى لتعيين الناصريين في مواقع نافذة، وهذا سيسهل

عملية القيام بانقالب أبيض، ولكن الحقيقة كما توضحت فيما بعد. (2) آذار11أنهم كانوا يعدون للقيام بانقالب لوحدهم في

ويؤكد الرائد البعثي فؤاد منذر الذي كانت كتيبته الـ م/ط ترابط أمام مبنى الجامعة السورية، بأن الرائد الناصري شايش

ليعمل معهم في حركة1963 آذار 9التركاوي اتصل به يوم انقالبية، أو يبعد كتيبته عن مكان تواجدها، وذلك مقابل أي مركز

يريد استالمه، وأخبر الرائد منذر رفاقه بهذا االتصال. : "في مطلع364 و363 وورد في مذكرات صالح نصر ص

، كان التقييم1963شهر تموز/يوليو الذي تقدم به جاسم علوان إلى الرئيس عبد الناصر يشير إلى أن

احتماالت نجاح حركة مسلحة ضد الوضع البعثي القائم في سورية، بالرغم مما اكتسبه من قوة

خالل األشهر األخيرة، أمر ضعيف االحتمال وقد يكون من األفضل المرور بفترة هدوء مناسبة تساعد على تدعيم التنظيم الوحدوي والتمكن من التأكد من سالمته، غير أن عبد الناصر كان يرى أن كل يوم يمر يدعم فيه البعث مركزه، ومن ثم فإن سرعة العمل

ضده أمر واجب". وبعد عودته إلى دمشق، قام جاسم علوان، قائد االنقالبات

الجهيضة، بتحديد ساعة الصفر للحركة في الساعة الحادية تموز لتنفيذ االنقالب وأخطر عبد18عشرة صباحا من يوم

الناصر بذلك. وفي حال نجاحه يعلن االنقالبيون إعادة الوحدة كما ، ومن هذا المنظور وافق الرئيس عبد1961 أيلول 27كانت قبل

189

تموز،18الناصر على استقبال وفد من المجلس الوطني صباح برئاسة رئيسه الفريق األتاسي، وعضوية الدكتور سامي الجندي،

العقيد فهد الشاعر، والعقيد محمد عمران، وكان هدف الوفد إجالء الغموض الذي أحاط بالوحدة الثالثية وأمال بأن يعيد الرئيس

ناصر النظر في قراره، وتأكيد أن موقف سورية لم يتبدل وهوالحرص على ميثاق الوحدة االتحادية الثالثية، واإلصرار

على تنفيذه، وأن تحقيق الوحدة يتم بالتعاون والتفاعل بينالثورات وتعايشها واإلقرار بوجودها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ( نسي الرئيس كم نقل وسرح من الضباط البعثيين أيام الوحدة.1 ).112(سامي الجندي – البعث-ص2)

وصل الوفد إلى اإلسكندرية حيث كان يقيم الرئيس ناصر، وعزل عن وسائل االتصال واإلعالم وهو ينتظر االجتماع مع

الرئيس، وبعد أن اطمأن الرئيس إلى أن الرصاص بدأ يدوي في ، التقى بأعضاء الوفد، وما أن بدأت18/7دمشق ضحى يوم

المباحثات حتى دخل أحد موظفي الرئاسة وقدم للرئيس ورقةصغيرة اطلع عليها وأبلغ الوفد أن انقالبا حدث في دمشق. أصبح معروفا أن انقالبا وشيك الوقوع سيقوم به الناصريون، وكان التوجيه للعسكريين البعثيين بضرورة تواجدهم الدائم في

وحداتهم إلحباط تلك المحاولة, وحين توافرت كل المعلومات عن الخطة االنقالبية، وعرفت قيادتها "جاسم علوان، محمد الجراح، محمد نبهان، رائف المعري ، يوسف مزاحم"، شكلت مفارز من

األمن العتقالهم، ولكنهم كانوا قد تواروا قبال، إلى المقر الذي سيقودون منه انقاليهم، وبدال من أن يدركوا بأن أمرهم أصبح

مكشوفا, وأن اإلقدام على عمل عسكري هو مجرد حماقة فاشلة ولن ينتج عنها إال سفك الدماء، رغم ذلك استمروا في

توه. تنفيذ ما كانوا قد بي /18-17 حاولت بعض العناصر العسكرية المسرحة الدخول ليل

إلى معسكر المعضمية ومعسكر القابون، وتم إلقاء القبض عليها7قبل تمكنهم من ذلك.

علم المقدم7 /18 وفي الساعة العاشرة والربع من صباح يوم صالح جديد رئيس لجنة شؤون الضباط بأن النقيب المسرح محمد

نبهان، من أنصار السراج، وبعض العناصر المدنية بدأت تتوافد إلى مقر سرية خدمات األشغال العسكرية، المحاذي من جهة الشرق

لمبنى قيادة الجيش، وباالتفاق مع بعض العناصر في تلك السرية وزعت األسلحة على الوافدين، فطلب المقدم جديد

من الرائد توفيق بركات رئيس فرع األمن العسكري في190

المخابرات العسكرية، التأكد من الخبر و في حال صحته اعتقالالنقيب نبهان.

استدرج الرائد بركات وبرفقته المالزم مصطفى الفالح النقيب نبهان ورافقه إلى مبنى قيادة الجيش، ولم يبد أية ممانعة خوفا من

إحباط المخطط وكشف المؤامرة، وتم اعتقاله في سجن المزة اللواء أمين الحافظ، وزيرالعسكري، وبدأ التحقيق معه بإشراف

الداخلية، رئيس األركان. وفي الوقت نفسه بدأت عناصر مدنية أخرى من كتيبة الفدائيين

الفلسطينيين المنحلة، وبعض العسكريين المسرحين تتجمع في البساتين المواجهة لمبنى قيادة الجيش من الجهة الشمالية

الغربية "شارع نهرو وحديقة تشرين ومنطقة الحواكير حاليا"، كما سيطر بعض العسكريين بقيادة العقيد هشام شبيب على مدرسة اإلشارة "مبنى كلية المعلوماتية حاليا"، وفي ساعة التنفيذ اتصل

مساعد في الجيش من عناصر اإلشارة باألركان العامة معرفا عن نفسه بالعقيد بحري كلش، منذرا ببدء االنقالب ومهددا كل من

يعترضه. قامت العناصر المحتشدة في مبنى األشغال العسكرية وفي

البساتين بمهاجمة حراسة األركان وسرية المراقبة المتواجدة في المعرض وحول مبنى اإلذاعة، التي قام أحد الناصريين العاملين

فيها بتعطيلها عن البث ساعة بدء الهجوم، كما قام المتواجدون في مدرسة اإلشارة بمؤازرة المهاجمين وإطالق وابل من الرصاص من

مواقع تشرف على ساحة األمويين، وعدا ذلك لم يكن بمقدورهمالسيطرة على أية قطعة عسكرية.

على إثر هذا الهجوم، انطلق المقدم صالح جديد إلى مدرسة المدرعات في القابون وقاد سرية الدبابات التي يقودها النقيب

صبحي إبراهيم إلى موقع مدرسة اإلشارة في البرامكة، وأشرفعلى عملية إنهاء هذا التمرد، كما شارك في القضاء عليه كل من:

فرع الشرطة العسكرية بأمرة الرائد أحمد سويداني.سرية دبابات األركان بأمرة النقيب محمود حمرا.

سرية المراقبة بأمرة النقيب سليمان حداد. كتيبة المغاوير المتمركزة حول اإلذاعة بأمرة النقيب سليم

حاطوم. بأمرة الرائد علي مصطفى. 70كتيبة مدرعات من اللواء

بأمرة النقيب سليمان العلي، وكانت مهمتها22كتيبة المغاوير تنظيف البساتين من العناصر المتمردة.

191

كما ساهم الحرس القومي الذي كان قد صدر مرسوم تشكيله في المحافظة على األمن في شوارع المدن الكبرى26/6بتاريخ

لمنع أي أعمال تخريبية. هكذا تم إحباط هذه المحاولة االنقالبية بسرعة بعد أن سالت دماء غزيرة وبريئة، وطوقت العناصر التي ساهمت فيه وألقي

القبض على عدد من المهاجمين المسؤولين عن سفك الدماء. القاضي110 ومساء ذلك اليوم الدامي صدر المرسوم

بتشكيل مجلس عرفي في دمشق وفي المدن األخرى عندما تدعو الحاجة، وباشر المجلس العرفي في دمشق برئاسة المقدم

،19/7صالح الضللي جلساته في سجن المزة العسكري يوم شخصا من22وأصدر أحكاما باإلعدام، رميا بالرصاص، على

عسكريين "ضابط واحد وهو العقيد هشام شبيب رئيس8بينهم أركان سالح اإلشارة، وخمسة برتبة مساعد، وإثنان برتبة رقيب

مدنيا من الكتيبة12من سالحي اإلشارة واألشغال العسكرية" ، والفدائية المنحلة.

وبعد ذلك تشكلت محكمة عسكرية استثنائية برئاسة المقدم أيضا, وحاكمت رؤوس المؤامرة بعد أن تم إلقاء القبض،الضللي

تشرين األول، الحكم باإلعدام على18عليهم، وصدر في يوم "جاسم علوان ومحمد الجراح ورائف المعري ومحمد نبهان". وبناء على طلب الرئيس عبد الناصر في مؤتمر القمة األول

أطلق1964 كانون الثاني17-12الذي انعقد في القاهرة ما بين سراحهم بمرسوم عفو، وتم تسفيرهم إلى القاهرة، عدا محمد نبهان الذي آثر السفر إلى الجزائر لعالقات تربطه وتربط عائلة

زوجته بمسؤولين من جبهة التحرير أيام حرب االستقالل. بعد فشل هذا االنقالب الدموي أصدر رئيس الوزراء األستاذ صالح البيطار بيانا حول هذه المحاولة االنقالبية جاء فيه: "لقد وقع اليوم ما كنا نتوقعه من أيام، بل من أشهر، من قبل من

آذار وتنكروا لها وارتدوا عنها، فارتدوا عن أحد8أنكروا ثورة مقومات الوحدة الثالثية، نعني الثورة التي قضت على االنفصال،

على الردة االنفصالية، وشقت للوحدة أوسع طريق ليدخلهاشعبنا العربي من أوسع باب.

لقد كنا دوما على يقين بأن ما يبيت ليقع ال بد وأن يقبر في مهده. وهكذا كان، لقد قضي على الفتنة النكراء وعلى الجريمة

التي ارتكبها المتآمرون بحق الشعب وبأهدافه القومية". 22 بعد فشل هذه المحاولة االنقالبية، أعلن الرئيس ناصر يوم

تموز23 نيسان، وفي خطابه يوم 17تموز، انسحابه من ميثاق صب جام غضبه على البعث وثورته في سورية، وعاد إلى ترديد

192

اسطوانته القديمة: "... إذا كان حزب البعث هو اللي بيحكم سورية، وحدة مع حزب البعث متأسف، أنا متأكد بعد ثالث شهور حايرجع حزب البعث بأساليبه ووسائله حايهدم كل حاجة، ال وحدة مع حزب البعث الفاشستي أما الوحدة فهي مع الشعب السوري

المناضل إحنا وقعنا االتفاقية مع سورية موقعناهاش مع حزب البعث وال يمكن بأي حال من األحوال أن نتعامل مع الفاشيست

مع مغتصبي إرادة الشعب". أيلول، وهو الموعد الذي17 وفي بيان للقيادة القومية بتاريخ

نيسان، ورد: "ولكن الرئيس17كان محددا لالستفتاء على ميثاق عبد الناصر لم يكن راضيا ومقتنعا بمفهوم الوحدة الثالثية بل كان

ينشد عودة الوحدة الثنائية السابقة بدون أي تطوير بغرض رد اعتباره الشخصي بالدرجة األولى ولذلك اعتبر توقيع ميثاق

الوحدة الثالثية مأتما له وألعوانه كما اعترف بذلك فيما بعد لكل من الوفدين السوري والعراقي، ونظرا لعدم إيمان الرئيس عبد

نيسان وبأسسه كانت النقاط التي اعتبرها17الناصر بميثاق الحزب ثغرات في الميثاق تعتبر بنظر الرئيس عبد الناصر

ضمانات لسيطرته وحكمه بينما اعتبر الضمانات التي نص عليها الميثاق ثغرات تهدد محاولته في إعادة الوحدة الثنائية وتبدد

تجربته في القطر المصري". تموز28يوم ، أي بعد عشرة أيام، من عودة الوفد من القاهرة

، تقدم الفريق لؤي األتاسي باستقالته من رئاسة مجلس1963 قيادة الثورة متذرعا بأن البعث هو الحاكم ورئيس المجلس يجب

أن يكون بعثيا، وبعد اعتذار األستاذ صالح البيطار عن أن يكون رئيسا للمجلس، وإصراره على أن يكون الرئيس عسكريا، تمت

/12. وفي (1)تسمية اللواء أمين الحافظ لهذا المنصب 255 صدر المرسوم 11/1963

بترفيع المقدم صالح جديد إلى رتبة اللواء وتسميته رئيسا لألركان.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

.20/4/1964رفع إلى رتبة الفريق بتاريخ )1(

193

1966 شباط 23حركة

الدواعي واألسباب المقدمة

بدأ الحزب فكرة لخصت السياق التاريخي للتجربة العربية المعاصرة في شعارات )الوحدة والحرية واالشتراكية(، وطرحت

هذه الفكرة نفسها على أنها الخط المعبر عن )اإليديولوجية العربية الثورية( التي تشكل دليال للعمل العربي، وأساسا لتغيير

بد، المستغل والمتخلف،عصورة الواقع العربي المجزأ، المست ولقد ولدت حركة البعث من هذه الفكرة، أي من السياق

التاريخي للثورة العربية المعاصرة، وفي اليوم السابع من نيسانعث العربي االشتراكي.ب، تأسس حزب ال1947

لقد ولد الحزب وسيطرت العفوية والتأثر االنفعالي على أفكاره وتنظيمه،كما حاول قادته ربط األعضاء بهم شخصيا بدل

كونيارتباطهم بمنظمات ومؤسسات الحزب، ودون إدراك بأن المرء متعصبا لشخص ما، يعني تكريس شكل من أشكال

االغتراب الذاتي، وحتى لو استطاع المرء أن يستبدل هذا الشكل الوجودي بشكل آخر أكثر وعيا، فسيبقى يحمل في أعماقه بعض البقايا الثقيلة من ذكرى ذلك الشخص الذي كان معبودا في يوم

194

مضى من األيام، وأدى هذا األمر إلى أزمة ثقة مزمنة فيالحزب، عرفت بأزمة القيادة التاريخية.

حتى المؤتمر ا 1941-1940إذا كانت بدايات حركة البعث من لتأسيسي، أساتذة وتالمذة، أو زعماء وأنصارا، فإن األساتذة

والزعماء لم يقروا بأن هذا األمر يجب أن يكون قد انتهى بدءا، وأن التالمذة واألنصار قد تحرروا1947من السابع من نيسان

من هذه العالقة في العمل الحزبي، ألن المؤتمر التأسيسي أقريوضح مبادءه وأهدافه، كما وضع الئحة تنظيمية للحزب دستورا

تحدد السلطة المسؤولة عن كل تطور فكري ونضالي، ال األفراد مهما كان مستوى وعيهم أو موقعهم أو دورهم في نشأة الحزب

وتأسيسه، وهذا يجب أن يقود إلى اإلقرار بأن المؤسس الحقيقي للحزب هو األجيال الثورية المتعاقبة التي حملت المبادئ في

محور كل فعالياتها ونشاطاتهاهذه المبادئ ضمائرها، وأصبحت لنشر أهداف البعث ووضعها موضع التطبيق، تلك األجيال البعثية

التي تمرست بالنضال ونهلت من الثقافة واستوحت من واقع الشعب، وحفزها إخالصها العميق إلى التضحية والعطاء، ولكن

العالقات فيما بين القيادة وأعضاء الحزب بقيت عالقات شخصية غير موضوعية، وعلى أساس تلك العالقات كانت قيادة الحزب التاريخية تنشئ قيادات األقطار والفروع والشعب لتظل ضامنة

لنفسها السيطرة على القيادة والزعامة، وحتى مؤتمرات الحزب، فقد كانت مؤتمرات قليلة ومعطلة الفعالية وغير قادرة

على السير بالحزب إلى األمام، ألنها كانت كيفية وغير قائمة علىابي، وإذا قامت على شيءخمبدأ انت

من ذلك، فإن أسس االنتخابات، إنما، توضع قبيل انعقاد المؤتمرات بأيام معدودات ليصار إلى تهيئة األشخاص المناسبين لعضوية تلك المؤتمرات، كما كانت قيادة الحزب التاريخية تحل قيادة حزبية في هذا القطر أو ذاك، وتقيم مقامها قيادة أخرى

بحجة ضرورات العمل السري، أو دون حجة، وظلت تسهل الطريق أمام من تنحيهم عن القيادات للخروج من الحزب واالنتفاض عليه وتشكيل جماعات وتكتالت مناوئة له، وبهذا

األسلوب، بدا، وكأن القيادة التاريخية تعمل على وأد الحزب، بدل أن تكرس قيادة من له تجربة نضالية في الحياة داخل الحزب،

كما أن ذلك خلق نزيفا دائما للطاقات النضالية التي هدرت ودفعت إلى الضياع، لكي يبقى الحزب في حجم معين وتحت سقف محدود وغير قادر على أن يأخذ دوره ويضع بين أيدي الجماهير أهدافه بوضوح وأن ينظم تلك الجماهير في معركة للوصول إلى ما تبغيه وأن يقودها بوعي وكفاءة، بسبب عدم

195

وجود دليل نظري واضح ومتنام مع األيام، مما نجم عنه بقاء بقاء والقيادات الحزبية قيادات الهثة، إلى حد ما، وراء األحداث،

الحزب غير قادر على أن يحل محل كل التكتالت السياسية اإلقليمية )الثورية منها والوطنية( التي كانت منتشرة في األقطار

العربية، وأن الذين انتسبوا إلى حزب البعث، في أيام نضاله السلبي،كان واضحا قي أذهانهم، أنه ستقع على هذا الحزب

مسؤولية قيادة الشعب وتفجير الثورة العربية. على هدي مبادئه1941-1940 بدأ نشاط الحزب بين عامي

الموجزة التي تضمنت كل ما بني عليه دستوره فيما بعد، وخاصة أهدافه في الوحدة والحرية واالشتراكية، وكان هذا النشاط يتركز في القطر السوري لعدم وجود منظمات حزبية في بقية األقطار، باستثناء أفراد في قطري األردن ولبنان، إضافة إلى الطلبة الذين كانوا يدرسون في الجامعة السورية، من العراق واألردن ولبنان،

وكان لهؤالء دورهم في تأسيس منظمات للحزب في ، تناضل1954أقطارهم ،الحقا، وبقيت قواعد الحزب حتى عام

وتقاد من قبل قيادة منظمة الحزب في سورية التي كانت قيادة للحزب كله، وكانت منظمات الحزب في أقطار األردن ولبنان

، بمثابة الفروع التابعة1950-1947والعراق، التي تأسست بين للقيادة الحزبية السورية، حيث مركز ثقل التنظيم الحزبي، رغم حضور بعض القياديين الحزبيين من تلك األقطار مجالس الحزب في القطر السوري للتشاور في القضايا المطروحة، السياسية

والتنظيمية، ولتلمس ما يجب عمله في المستقبل، ولكن ذلك لم يتخذ شكال تنظيميا وعالقات موضوعية، بل كان يتم بشكل أبوي، كما أن تلك المجالس أو اللقاءات كانت شكلية وعديمة الجدوى

وتستخدم من قبل القيادة التاريخية الستمرار سيطرتها علىالحزب.

الشك أن تنظيم حزب البعث، كان منذ بدايته تنظيميا قوميا، رغم عدم وجود قيادة قومية، ولقد نشأت فكرة وجود قيادة

،1953قومية منفصلة عن مؤسسة قيادة قطر سورية في عام في بيروت، أثناء لجوء قادة الحزب إلى لبنان، وأن االجتماع

بحضور1953الحزبي الذي انعقد في حمص في تشرين األول مندوبين عن منظمات الحزب في سورية والعراق ولبنان

واألردن، قرر الدعوة إلى عقد ، اعتبره الحزب1954مؤتمر قومي كبير في شهر حزيران

مؤتمره القومي الثاني- وعلى إثر رسالة أمين منظمة قطر العراق فؤاد الركابي- تم فيه االتفاق بالتراضي على تسمية قيادة

قومية من سبعة أعضاء، بقيت على رأس عملها في قيادة196

الحزب إلى أن تم وألول مرة انتخاب قيادة قومية في المؤتمر.1959القومي الثالث

شباط25 في قطر سورية وبعد سقوط حكم الشيشكلي في ، وبعد المؤتمر القومي الثاني، تم انتخاب مجلس للحزب،1954

من سبعة أعضاء، خمسة منهم منتخبونوتشكلت قيادة قطرية انتخب مجلس للحزب1957، وفي تموز معينونواثنان منهم

في سورية قيادة جديدة من تسعة أعضاء، ولم يرشح أحد من وكان مفروضا أن يتجدد انتخاب أعضاءاألساتذة الثالثة لعضويتها،

هذا المجلس كل عامين وكذلك انتخاب قيادة وأعضاء للمؤتمر القومي، غير أن القيادة التاريخية قد ألغته من الوجود، ولم تدعه

إال مرة واحدة عقب انتخابه،كما أنها لم تحدد الدعوة النتخابات جديدة حتى قامت الوحدة بين مصر وسورية، وعندما كان

المجلس الحزبي في سورية معلق الوجود كانت القيادة القومية تقيم أنواعا مختلفة من المجالس المصغرة الكيفية ومن القيادات الموسعة الكيفية، أيضا،كلما طرأ لها طارئ واحتاجت إلى موافقة

على ما عملته أو على ما تنوي القيام به، وبقيت تلك القيادة القومية تمارس دورها كقيادة لقطر سورية رغم انتخاب قيادة

في الفترة ما بين انتخاب هذا المجلس وقياما قطرية،كما أنه الوحدة، جرت محاوالت وعقدت عدة اجتماعات لهذه القواعد في دمشق وحلب والالذقية، وعبثا كانت كل تلك المحاوالت،

واستمرت القيادة في سيطرتها على الحزب دونما رجوع إلى أحد فيه، غير من تنتقيهم لتبرير أعمالها. كما أن مجلس الحزب في سورية كان قد تقدم بمشروع نظام داخلي، تم عرضه على

المؤتمر القومي الثاني، وأوصى هذا المؤتمر قيادة الحزب بإعادة النظر فيه، وبما يضمن وحدة الحزب، ويؤسس لعالقات

موضوعية بين مؤسساته وأعضائه، على أن يعاد عرضه عليه في دورة استثنائية تخصص لذلك، غير أن القيادة أهملت ما اقترحه

ح والتعليمات التنظيميةئالمؤتمر المذكور، وظلت تعمل باللواحتى المؤتمر القومي الثالث.

عندما كان مجلس الحزب في قطر سورية معلق الوجود، قررت القيادة التاريخية حل الحزب في الجمهورية العربية

المتحدة، وبسبب هذا الحل فقد أعضاء القيادة القومية السوريون كما فقد كل"صالح البيطار – أكرم الحوراني" صفتهما الحزبية،

ا في القيادةمفؤاد الركابي" عضويتهواوي ممن "عبد الله الري القومية وفصال من الحزب لمواقفهما المتباينة عن سياسته،

فقد النصاب في القيادة القومية وانفرد األمين العامونتيجة ذلك ميشيل عفلق بتوجيه الدعوة لعقد مؤتمر قومي للحزب، وهو

197

الذي انعقد في بيروت في أواخر(1)ومي الثالث قالمؤتمر ال.1959شهر آب

كان قد تقرر في المؤتمر القومي الثاني إنشاء مكتب لألمانة العامة للقيادة القومية، ولجنة لإلشراف على التوجيه الثقافي

مشروع إعدادواإلنتاج الفكري مركزها في دمشق، إضافة إلى النظام الداخلي، الذي أقره المؤتمر القومي الثالث وبقي معموال

1963به حتى تم تعديله في المؤتمرين القوميين السادس ، وبما يتالءم مع التطورات الفكرية والتنظيمية1965والثامن

للحزب التي استوجبتها تسلمه السلطة في قطري العراقوسورية.

لم تكن األزمة في الحزب وليدة ظروف جديدة، ولكنها ظهرتن بعد أن أثبتت قواعد الحزب من الصف القيادي الثاني بشكل بي

قدرتها على قيادة النضال الحزبي بمعزل عن القادة التاريخيين وكرست مبدأ إمكانية استقالل الحزب عن األشخاص التاريخيين،

وأن ما عرف في أدبيات الحزب بهيئة القيادة وهي هيئة عينها القادة الثالثة قبل مغادرتهم القطر في زمن الشيشكلي، وضمت

ممثلين عن المكاتب المركزية وقيادات فروع الحزب في سورية، هي التي قادت النضال حتى سقوط حكم الشيشكلي، ومثل

دورها القيادي تطورا نوعيا في مسيرة الحزب ولكن هذا التطور واتخاذ هذه الهيئة مواقف مستقلة عن مواقف القادة التاريخيين

مجتمعين أو فرادى، لم يلق رضا ألنهم كانوا يعتبرون أنفسهم األوصياء على الحزب، وبذلوا الجهد الكبير للتخلص من هذه

الهيئة. ورد في التقرير الذي قدمته اللجنة التحضيرية لمجلس الحزب

، حول أزمة1957 تموز 9في القطر السوري الذي عقد في الحزب: )ومن ثم كان انفصال أشد خطرا من انفصال الحزبي

عن حزبه هو الهوة العميقة التي كانت بين القيادة والقاعدة. إن تاريخ الحزب الداخلي خالل هذه األعوام األخيرة لم يكن إال

سلسلة من النزاع الخفي بين قاعدة تبحث في كثير من القلق عن مبررات ألعمال القيادة وبين قيادة ال تشعر بوجود القاعدة وال تعني بتوجيهها وإشراكها في سياسة الحزب وفق ما يقتضيه

الحد األدنى من الحرية والديمقراطية. و عن هذا االنفصال ظهرت بوادر التفكك في كيان الحزب

وأصبح الحزبيون يتساءلون أمام كل عمل تقدم عليه القيادة إلى أي حد نستطيع أن نتبنى هذا العمل أو هل يوافق مبادئ الحزب

ودستوره؟(.

198

و طرحت أزمة الحزب نفسها أيضا، منذ المؤتمر القومي مستوىلالثالث، وبدأ الشعور يتضح بضرورة ارتفاع الحزب إلى ا

النضالي الذي بدأ يتطلبه الوضع العربي، وكان الحزب يعانيقن صا في نموه الفكري وخططه النضالية، كما كان يعاني نقصا

(،2خطيرا في تنظيمه الداخلي، وفي ضعف قيادته القومية)وتحددت معالم أزمة الحزب على المستويات الثالثة:

المستوى العقائدي، والحاجة إلى توسيع المفاهيم التي-1 ق منها الحزب، وإلى تفصيل الفكرة وتحديدلينط

المفاهيم. المستوى التنظيمي، والحاجة إلى معالجة الوضع-2

المتردي للتنظيم الحزبي. المستوى السياسي، ويتمثل في عدم تحديد استراتيجية-3

للنضال السياسي واستراتيجية للنضال الشعبي.

( ، على أن أزمة1960 ولقد أكد المؤتمر القومي الرابع )آب الحزب تكمن في ضعف إستراتيجية العمل وغموض األسلوب في

العمل الحزبي والنضال السياسي. استمرت األزمة الحزبية التي كانت تفرض نفسها على

الذي تركالمؤتمرات القومية الالحقة، وغياب اإلستراتيجية الحزب عرضة للمبادهات ولردود الفعل العفوية واالرتجال

واالستمرار في تجربة المحاولة والخطأ، مما كان له انعكاساته على بنية الحزب التي يجب أن تكون تجسيدا لفكرته، وعلى

من جهة، وعلى مردود العمله العالقة بين فكرته وبين مواقف الحزبي من جهة أخرى، وكان من أخطر النتائج السلبية لهذا

الغياب لإلستراتيجية هو إفساح المجال أمام لعب األدوار ميشيل عفلق يرىالشخصية داخل قيادة الحزب، فكان األستاذ

أكرمأن مفهوم القيادة السياسية للحزب التي يمثلها األستاذ الحوراني ثم األستاذ صالح البيطار،فيما بعد، يتعارض مع المفهوم

الثوري العميق للحزب، وكانا يعتمدان على األساليب ذات المظهر الثوري والمضمون البعيد عن الثورة، أي ما كان يسميه

)عقلية النجاح السريع( وكان األستاذ ميشيل يردد، دوما، إن ترقى إلى مستوى استيعاب عقلية الحوراني عقلية محلية ال

القطر وعاجزة عن تمثيل المنطق القومي للحزب، كما أن أساليبه عشائرية قائمة على فكرة الزعامة الفردية والمراوغة

السلوك االنتهازيوالسياسية والتطلع النهم السريع إلى السلطة الذي ال يتقيد بالمقاييس الثورية وبالقيم الخلقية الثابتة، وأصبح

2

199

األستاذ عفلق يرى أن دمج الحزبين البعث العربي، واالشتراكي العربي، الذي تم بمنأى عن استفتاء قواعد الحزب، أضاف إلى حزب البعث نقاط ضعف وانحرافات لم يكن يعرفها من قبل،

وهذا األمر أضاف إلى أزمة الحزب أزمة في الثقة بقيادته التي أقرت الدمج، رغم علمها بأن األستاذ أكرم الحوراني كان يؤمن

بالزعامة الفردية وينظر إلى الشعب مادة للعمل السياسي ديةيوقاعدة لنشوء زعامات جديدة تقضي على الزعامات التقل

لتحل محلها، بدال من إيمان حزب البعث بطليعة تملك الوعي في والكفاءة والقدرة على العمل الشعبي المنظم، وأن للشعب،

عصر الجماهير، دورا تاريخيا، ويجب النظر إليه من مفهوم ثوري، وهو مفهوم الشعب المنظم، ال من خالل مفهوم العدد التائه

والقطيع التابع والكم المهمل، ولهذا فإن الدمج ساهم في تعطيل النمو الطبيعي لحزب البعث وفجر في داخله أزمات جديدة

وأدخله في متاهات لم يخرج منها إال بعد أن كاد يفقد مالمحه، كما أن الدمج عمق أزمة الحزب في خلق التناقض بين حقيقة

البعث وبين واقعه. مما تقدم، يمكن تلخيص عوامل أزمة الحزب قبل استالمه

السلطة بـ: أوال: الخالف حول مفهوم الحزب،ومفهوم االشتراكية، الذي ظهر في المؤتمر التأسيسي الذي أقر دسنور الحزب، وكانت

هناك وجهتا نظر متباعدتان لهذين المفهومين. ثانيا: عدم وجود مستوى تنظيمي يوازي فكرة الحزب الثورية.

ثالثا: غياب المنهج التحليلي لفكرة الحزب الذي يحدد العالقة ، ويحقق الربطيالجدلية بين اإلطار القومي والمحتوى االجتماع

العضوي بين أهداف الحزب الثالثة )الوحدة ،الحرية ،االشتراكية(، ويساعد على ترجمة هذه األهداف إلى استراتيجية ترسم

المراحل العملية لتحقيق تلك األهداف. رابعا :محاولة واضعي فكرة البعث "تقديس أنفسهم" وطمس

األخطاء التي يرتكبونها، أو تبريرها رغم خطورتها، بدال من اعتبارها نقاط ضعف ال تخلو منها الطبيعة البشرية، وأن سببها قد

يكون مرده إلى عدم وجود من يعوض هذا الضعف إلى جانبهم، ونجم عن ذلك، نظرتهم إلى كل نقد بأنه افتراء وتجن وتشهير

بحقهم وضياع بهيبتهم، وهذا قادهم إلى اعتبار أن النقد قد أصبح داء مزمنا يعمل فتكا وإضعافا في جسم الحزب، بدال من

اإلخالص للقادة وعدم توجيه أي نقد إلى ذواتهم"القدسية".

200

الحزب في السلطة إن المحك األساسي بالنسبة ألية حركة سياسية هو الحكم،

وباستالم الحزب للسلطة في قطري العراق وسورية بعد انقالبي ، وضع الحزب ألول مرة1963شباط والثامن من آذار الثامن من

أمام هذا المحك الخطير، وغدت قيادات الحزب وقواعده في ؤولية، وأصبحت الضرورة ملحة لرسم مالمحسمواقع الم

المستقبل الذي يجب على الحزب بناء تجربته الخاصة وفقها، وطرحت معالم الطريق في تقرير عقائدي وآخر تنظيمي على

، ومع طرح1963المؤتمر القومي السادس تشرين األول التقرير العقائدي الذي كانت قد أعدته لجنة حزبية بإشراف

القيادة القومية، ظهرت األزمة مجددا وبكل حدتها، وهي األزمة يمة التي حملت معها بذور التناقضات الجديدة، بدءا مندالق

، إلى المؤتمرالقومي الثانيالمؤتمر التأسيسي إلى المؤتمر القومي الثالث، إلى المؤتمر القومي الرابع، مرورا بالمؤتمر

قومي السادس، واستمرت فيما بعدلالقومي الخامس فالمؤتمر ا ، ومن ثم إلى المؤتمر1964إلى المؤتمر القومي السابع شباط

.1965القومي الثامن نيسان لقد وضع المؤتمر القومي السادس الصيغ العقائدية )بعض

المنطلقات النظرية( والتنظيمية )تعديل النظام الداخلي( حيث وجوب تجسيد فكرة الحزب الثورية في بنيته التنظيمية، ولقد

مثلت مقررات المؤتمر القومي السادس خطوات أساسية في وكانت قفزة في طريق الثورية والعلميةتطوير فكر الحزب

واالشتراكية وفي طرح قضايا النضال العربي طرحا طبقيا، كما بين هذا المؤتمر األخطار التي تنجم عن التداخل والتماهي بين

الحزب والسلطة، وإلى محاذير انغماس قيادات الحزب وقواعده بتعاد عن جماهيرمخاطر االفي أعمال الحكم اليومية و

الشعب،كما أكدت تلك المقررات على ضرورة ارتقاء التنظيم الحزبي ليصبح قادرا على قيادة األغلبية الساحقة للجماهير،

وعلى ممارسة الديمقراطية المركزية في منظماته، وأوصى هذا قيادةلالطلب إلى ا، المؤتمر القيادة القومية التي ستنتخب منه

القطرية في كل من سورية والعراق للمباشرة الفورية ببناء الجيش على أساس عقائدي، وهذا يعني تحويل الجيش إلى أداة

ثورية. فقد األستاذ ميشيل عفلق ومؤيدو وجهة نظره في هذا المؤتمر زمام المبادرة، وكثيرة هي المرات التي غادر فيها قاعة االجتماع

كوسيلة احتجاج على توجهات المناقشة فيه، كما أنه بذل ضغوطا كبيرة للحيلولة دون إقرار التقرير العقائدي، ولكن تلك الضغوط

201

لم تلق تأييدا إال عند عدد قليل جدا من المؤتمرين، وفي الوقت شل كبير لعدم انتخابه فيفذاته، أصيب األستاذ صالح البيطار ب

عضوية القيادة القومية.دومي الساق إن المؤتمر ال س كان مؤتمرا نوعيا ومتميزاللحزب لسببين:

أولهما، أن التقارير المطروحة على المؤتمر مثلث دليال للنهجالذي سينشئ حكم الحزب تجربته وفقها.

ثانيهما، أن جل أعضائه، وخاصة مندوبي سورية والعراق ولبنان، طارهم، بعد أن كانتقكانوا منتخبين من القواعد الحزبية في أ

في كليمقراطية في الحزب معدومةدالممارسة الحقيقية لل ، وكان التنظيم خاللها رهن إرادة مؤسسية، يتكيفونالمستويات

به حسب مشيئتهم. قف بشكل دائم فيت إن ما عرف بـ )القيادة التاريخية( كانت

وجه اإلرادة الحزبية التي تتمثل في األغلبية الكبيرة من القواعد الحزبية، تلك اإلرادة التي تخلص لمنطق التطور التاريخي

محاوالت القيادةن وتتمسك بمقررات مؤتمرات الحزب، كما أ مؤتمراتالتاريخية، التي كانت تتكرر، إلحداث ردة على مقررات

الحزب ومواقفه العقائدية كلما كانت ال تتوافق مع أفكارها، وتجلى ذلك بشكل واضح في الموقف من مقررات المؤتمر

القومي السادس، وخاصة موقف األمين العام األستاذ ميشيل عفلق من التقرير العقائدي، وكان يرى أن ما ورد فيه هو تضحية

بالمستقبل من أجل تبرير الحاضر. ولم يكن قادرا ال فكريا وال بنيه أو اعتناقه، ولذلك كان مصير التقرير اإلهمالتنفسيا على

وتمييع أمر توزيعه على منظمات الحزب بذريعة عدم انجاز كتابة دمة ذلك التقرير التي كلف األمين العام بكتابتها، كما أنقم

ال في السيطرة على الحزب لم تكنيالقيادة التي استمرت طو قادرة ثقافيا على االنسجام مع الطرح الطبقي، الذي أقره

التقرير، للقضايا النضالية العربية. إن المؤتمر القومي السادس، قد تعرض إلى نقد بعض األفكار

واآلراء التي خلفها قصور الحزب الفكري، وأتاح بالتالي تطوير عقيدة الحزب الفكرية ووضوحه األيديولوجي وتماسكه التنظيمي، وكفل مواجهة علمية ثورية لقضايا النضال العربي، كل ذلك ضمن

بوضوح دونالمستقبل ف رإطار قومي أتاح تطويرا عميقا يستش انقطاع عن ماضي الحزب وتراثه، ولتأكيد ذلك قرر المؤتمر حذف مقدمة التقرير العقائدي وترك أمر صياغتها من جديد

للرفيق األمين العام على أن توافق عليها القيادة القومية، ولم ،1964تنجز كتابتها إال بعد تأكيد المؤتمر القومي السابع شباط

202

على ضرورة صياغتها وإقرارها وإصدار التقرير العقائدي وتعميمهعلى المنظمات الحزبية.

إن الخالفات التقليدية في الحزب بعد هذا المؤتمر يجب أن تطرح طرحا مبدئيا، يتناول الفكر، والتطبيق، والتنظيم، بعد أن

نواحي التنظيمية، كما أنلكان الطرح في الماضي منصبا على ا هذا المؤتمر قد حدد عالقة الحزب بالحكم، كما حدد صالحيات

المؤسسات الحزبية، كالتالي: يضعالمؤتمر القومي كأعلى سلطة في الحزب،ـ

لىإاألسس العامة للبرنامج المرحلي الذي تحوله القيادة القومية برامج مرحلية عملية تشمل جميع األقطار، ولها الرأي األول على مستوى التخطيط العام وعلى مستوى التشريع والسياسة العليا، أما في األمور األخرى فال يجوز ذلك حتى ال تصبح القيادة القومية

هي قيادة القطر. القيادة القطرية، طالما الحزب حاكم في قطر من -

، هي التي تضع الخطط التفصيلية لتنفيذ البرامج التياألقطار تقرها القيادة القومية على مستوى قطرها، وتكون هي مراقبة

كم مسؤول أمامها.حلتصرفات الحكم، أي أن ال، أقر المؤتمر: وفي توصيات سياسية متفرقة

ويين االشتراكيين والقطريين الذين كانواد أن تقبل قواعد الوح حزبيين سابقين ولم يسيئوا للحزب، على أن يبقوا تحت التجربة

والمراقبة لفترة سنة على األقل وبصورة فردية، أما بالنسبة للوحدويين االشتراكيين والقطريين كتنظيم فيجب محاربتهم

بشدة، ألنهم يعادون الحزب بشراسة. وسقوط حكم الحزب في 1963 تشرين الثاني 18

العراق كانت بعض قواعد الحزب وقياداته تتهم األمين العام بالعمل الحثيث للتخلص من االتجاه اليساري الذي ظهرت مالمحه في

المؤتمر القومي السادس، وأن األحداث التي جرت في العراق1963 تشرين الثاني 11 18ما بين ، كانت انفجارا حتميا

للتناقضات الموجودة في الحزب وفي الحكم، وأن بعض المنطلقات النظرية التي أقرها المؤتمر القومي السادس كانت الخطوة األولى نحو تجاوز وتصفية ما سموه بـ "العفلقية"، ولقد

دعت القيادة القطرية العراقية مؤتمرها القطري الخامس النتخاب األعضاء1963 تشرين الثاني 11لالنعقاد في

االحتياطيين في قيادة القطر وفقا للتعديالت التي طرأت على النظام الداخلي، وبعد مضي نصف ساعة من انعقاد المؤتمر

فوجئ المؤتمرون بدخول عدد من "اليمينيين العسكريين" قاعة203

المؤتمر ليفرضوا أنفسهم أعضاء في المؤتمر، متذرعين بعدم تمثيل التنظيم العسكري تمثيال سليما، واعترضوا على من حضر

المؤتمر ليمثلهم، كما طعنوا في انتخابات التنظيم المدني، وتكلم أحدهم وهو العقيد محمد حسين المهداوي "كان ملحقا عسكريا

شباط ثم عاد إلى العراق بعد المؤتمر القومي8في سورية بعد السادس" قائال: "إن الرفيق ميشيل عفلق فيلسوف الحزب، قد

أخبرني بأن هناك عصابة متسلطة على رأس الحزب في العراق، وهناك عصابة مماثلة لها في سورية، وقد التقت هاتان العصابتان وسيطرتا على المؤتمر القومي السادس، لذا يجب إزالتهما، وأن

ما يحدث هنا سيحدث مثيله قريبا في سورية ... ثم طالب باعتبار جميع الحاضرين أعضاء في المؤتمر"، وتم انتخاب قيادة قطرية جديدة، قامت على الفور بنفي "حمدي عبد المجيد، علي صالح

السعدي، محسن الشيخ راضي، هاني الفكيكي، أبو طالب الهاشمي" إلى مدريد، دون تزويدهم بجوازات سفر حتى ال

يستطيعون مغادرتها. إلى بغداد، على رأس وفد ضم11/ 13 وصل األمين العام يوم

في عضويته الفريق أمين الحافظ، اللواء صالح جديد، من أعضاء القيادة القومية، والوزير يوسف زعين وآخرين، وبعد االطالع

بيان باسم القيادة11 / 13على مجريات األمور، صدر يوم القومية، ومما ورد فيه: "إن ما وقع في المؤتمر القطري

من استغالل لطيبة رفاقنا11/11/1963العراقي المنعقد بتاريخ الضباط الذين لم يفسح لهم المجال في السابق إلبداء آرائهم بأسلوب صحيح ومن ممارسة لطرق غير حزبية في المؤتمر

تجعل القيادة القطرية التي انتخبت ال تعبر عن إرادة الحزب"،واتخذ الحاضرون من أعضاء القيادة القومية مقررات منها:11/11اعتبار المؤتمر القطري المنعقد في بغداد بتاريخ - 1

.مؤتمرا غير شرعي، وحل القيادة القطرية المنبثقة عنه - حل القيادة القطرية التي كانت تمارس مهامها عند2

انعقاد المؤتمر المذكور. - تولي القيادة القومية مسؤولية القيادة القطرية في3

العراق. ونتيجة ذلك تولى األمين العام، مع عضوي القيادة القومية

عماش، وأعضاء القيادةأحمد حسن البكر وصالح مهدي .القومية الذين كانوا في عضوية الوفد، توجيه دفة األمور

وحسب وجهة نظر المنفيين وجناحهم في الحزب، أن دور األمين العام والبكر وعماش، كان يهدف إلى تثبيط عزيمة

204

الحزبيين وتمييع المواقف، وعدم األخذ أو االستماع للرأي اآلخرفي الحزب.

/11 كما رفض "أعضاء القيادة القومية" إدانة ما حدث يوم ، ورفضوا عودة القيادة الشرعية للحزب، ورفضوا، أيضا،11

طلب الحزبيين بإخراج عبد السالم عارف من العراق رغم وضع "المنفيين" أمام أعضاء القيادة القومية جميع المعلومات

المتوفرة عن تحركاته واجتماعاته، وتأكيدهم لألمين العام بأن عبد السالم عارف يعد النقالب باالشتراك مع العناصر التي دخلت

عنوة إلى المؤتمر، ورغم كل ذلك أقدم األمين العام بعد تحرك ، على تشكيل مكتب11 /13الحرس القومي لحماية الثورة يوم

عسكري للتنظيم الحزبي في الجيش ضم في عضويته "طاهر يحيى، حردان التكريتي، رشيد مصلح، سعيد صليبي، صالح

الطبقجلي"، وأصدر هذا المكتب بموافقة األمين العام، تعليمات طلب فيها من الحزبيين العسكريين اعتبار تعليمات طاهر يحيى

وأوامره تعليمات من الحزب، وقد استخدم طاهر يحيى هذه تشرين الثاني18الصالحيات لينفذ ، بالتعاون مع عارف، انقالب

بمنتهى السهولة، وخاصة، بعد أن أصدرت اللجنة التي يترأسها األمين العام األوامر للحرس القومي باالنسحاب من مراكزه

االستراتيجية في مدينة بغداد، على أساس أن المشكلة قد تمتتسويتها.

خان طاهر يحيى، الذي تسلم رئاسة الوزارة، األمانة وقام باعتقال مئات البعثيين، وحين بادرت اإلذاعة السورية إلى

مهاجمة االنقالب فور حصوله، هاتف حازم جواد "عضو في القيادة القطرية الجديدة التي تم حلها وتقرر إبعاده، أيضا، إلى

لبنان"، من بيروت اللواء محمد عمران نائب رئيس مجلس الوزراء، وطلب الكف عن مهاجمة عبد السالم عارف، بل

وتأييده، ألن الضباط الذين قاموا باالنقالب هم ضباط بعثيون، وأن هذا االنقالب قد تم باالتفاق مع األستاذ صالح البيطار وبعلم

.(3)األمين العام األستاذ ميشيل عفلق إذا، وحسب وجهة نظر بعض القواعد الحزبية في منظمات

الحزب، أن األمين العام قد هيأ الشروط الضرورية لتنفيذ االنقالب على حكم الحزب في العراق، حتى إن البعض يذهب في

االتهام، بأن األمين العام قد اشترك في اإلعداد له.

205

بعد سقوط حكم الحزب في العراق على ضوء أحداث العراق طلب أكثر من ثلث أعضاء المؤتمر

القطري في سورية دعوة المؤتمر القطري األول لدورة استثنائية له، وافقت القيادة القومية على ذلك، وطلبت من قيادة

شباط5-1قطر سورية دعوة المؤتمر، وعقدت جلساته مابين ، و ناقش المؤتمر ما حدث في العراق، وحاول بعض1964

المؤتمرين تحميل األمين العام مسؤولية سقوط حكم الحزب هناك، وفي الجلسة الختامية، سحب المؤتمر ثقته من القيادة

1963القطرية التي كانت كانت قد انتخبت في أيلول ، وتضم كال من )حمود الشوفي – نور الدين األتاسي – خالد الحكيم – محمود نوفل – أحمد أبو صالح – المقدم حمد عبيد – الرائد حافظ األسد

– النقيب محمد رباح الطويل(، وانتخب قيادة جديدة، بعد اتخاذ عضوا بدال من ثمانية، وتضم15قرار بأن يكون عدد أعضائها

)أمين الحافظ ـ محمد عمران ـ صالح جديد ـ عبد الكريم الجندي ـ حمد عبيد ـ حافظ األسد ـ محمد رباح الطويل ـ نور الدين

األتاسي ـ سامي الجندي ـ الوليد طالب - يوسف زعين ـ محمد.الزعبي ـ جميل شيا ـ سليمان العلي ـ فهمي العاشوري(

ومية،قالعام بدون قرار من القيادة الن دعا األميبعد ذلك، إلى عقد مؤتمر قومي، بذريعة عدم وجود نصاب الجتماع القيادة

كل أعضاء المؤتمرات القطرية في األقطار يحضره موسع، التي يكون التنظيم فيها على هذا المستوى، وجميع أعضاء

قيادات المنظمات التي هي دون مستوى األقطار- أي التي هي بمستوى فرع أو شعبة أو فرقة – وهذه الصيغة التي قررها

األمين العام، غير متوافقة مع أحكام تشكيل المؤتمرات المحددة مما دفع ببعض األعضاء، ومنهم أعضاء في، في النظام الداخلي

القيادة القومية إلى االعتراض على تلك الصيغة، وطالبوا أن يعقد ألنه صاحبله المؤتمر القومي السادس في دورة استثنائية

هذا الطلب، األمين العام ورفض ولم تنته واليته بعد، االختصاصوأصر على الصيغة التي قررها.

إن الصيغة التي دعا األمين العام بموجبها إلى عقد المؤتمر الذي عرف باسم المؤتمر القومي السابع دفعت ببعض

المندوبين إلى مقاطعة جلسات المؤتمر ومن التبريرات التياطعوا المؤتمر:قتذرع بها الذين

ـ أنه جاء بناء على دعوة من األمين العام للحزب، بينما ينص1 النظام الداخلي أن الدعوة للمؤتمرات القومية هي من صالحية

.*القيادة القومية

206

ـ أن تكوين المؤتمر مخالف للنظام الداخلي الذي لم يأت على2ذكر المؤتمرات الموسعة.

وفعال فإن األمين العام استبعد من عضوية القيادة القومية ثالثة يد، محسن الشيخ راضي، علىجها، هم "حمدي عبد المئمن أعضا

صالح السعدي"،بحجة أن حضورهم اجتماع القيادة القومية التهم الجانبية المخالفة للشرعيةاسيضفي الشرعية على اتص

فهم يحاولون تسيير الحزب في سورية، وألحكام النظام الداخلي األخطاء نفسها التي الرتكابباألسلوب نفسه ويعملون على جره

سببت النكسة في العراق، سواء في إيجاد وتعميق التناقضات يسمونه اليمين واليسار، أم توسيع داخل الحزب بين ما

التناقضات بين الحزب والحكم الذي هو حكم الحزب، أو بين من وجهة نظرالحزب والجيش الذي هو جيش الحزب والبالد، و

أن التحجج بأن العسكريين يسيطرون على المؤتمراألمين العام السوري هو منطق خطير يخفي خلفه سياسة تخريبية،القطري

ألن التنظيم العسكري في الحزب ليس حزبا ضمن الحزب وال كتلة مستقلة ضمن التنظيم، وأن ظروف العسكريين تفرض

شكال معينا من التنظيم يتسم بالدقة والسرية، وأن هذا الشكل الذي تفرضه الظروف الموضوعية ال يعطي الرفاق العسكريين

أي امتياز أو أي حقوق خاصة، فحقوق الرفيق العسكري هي اجباته هي واجبات الرفيق ووحقوق الرفيق المدني نفسها

المدني نفسها، وكل تفريق بين القطاعين العسكري والمدني هو في الحقيقة تخريب للحزب وبالتالي للثورة، والقول بتسلط

إالعسكريين بال ضافة إلى كونه تخريبا وغير مسؤول، هو أيضا.قريب إلى الخيال أكثر منه إلى الواقع شباط، في أجوا18 إلى 12 عقد المؤتمر القومي جلساته من

مقاطعته من عدد من المندوبين، وجلهم من القطر العراقي، بذريعة عدم شرعيته، صوت الحاضرون، وهم األكثرية المطلقة،

على أن المؤتمر شرعي، كما أن المؤتمر، رغم عدم رضا األمين العام، اتخذ قرارا بعدم السماح للباقين من مندوبي العراق،

الذين تخالف وجهة نظرهم من قاطعوا، حضور المؤتمر، حرصاعلى حضور الجميع

ليكون المؤتمر على بينة بوجهات النظر المختلفة. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مؤتمر قومي من قبل األمين العام، ففيا فيهى *ليست هي المرة األولى التي يدع

دعا إلى المؤتمر القومي الثالث في بيروت بمفرده بذريعة أن القيادة1959عام ير موجودة عمليا واحتج عضو القيادة القومية عبد اللهغالقومية في ذلك الحين

في ذلك الحين، على عدم شرعية الدعوة. الريماوي ومجموعته،

207

لقد ركز األستاذ ميشيل عفلق في هذا لمؤتمر على انتزاع قرارات تدين ما عرف بمجموعة )السعدي( وتحميلهم مسؤولية نكسة الحزب في العراق، ولكن جهوده فشلت، واتخذ المؤتمر

قرارات منها: زب فيحـ تكليف القيادة القومية الجديدة بوضع تقييم لنكسة ال

العراق وعرضه على مؤتمر قومي الحق. ـ بذل الجهود إلعادة البعثيين القدامى إلى صفوف الحزب، تنفيذا

لمقررات المؤتمر القومي السادس بهذا الخصوص.انتخاب قيادة قومية جديدة .-

نشرة داخلية عن22/4/1964 وأصدرت القيادة القومية بتاريخ أعمال المؤتمر، ومما جاء فيها: "ال الحزب يستطيع أن يحمي

ثورته بدون مساعدة العسكريين الثوريين، وال الجيش يستطيع أن يحكم بلدا ألن الدكتاتورية حلقة مفرغة يصفي فيها الضباط

بعضهم البعض على حساب الثورة وعلى حساب تطور البالدوتنميتها".

فقد تم تكليف أما بالنسبة لقرار إعادة البعثيين القدامى، الفريق أمين الحافظ بمحاروة االشتراكيين العرب، واللواء محمد

حاورة الوحدويين االشتراكيين، واللواء صالح جديدمعمران ب محاورة القطريين، ولم يصل المحاوران األوالن إلى نتيجة معب

محاوريهم، في الوقت الذي نجح فيه المحاور الثالث، وتقدم بطلبات عودة إلى، أغلب أعضاء التنظيم القطري بشكل فردي

الحزب، ووافقت القيادة القطرية السورية على إعادتهم.أزمات ما بعد المؤتمر القومي السابع

لم تلق تلك القرارات والتوصيات، رضا وقبوال من األمين العام، متهما مندوبي القطر السوري بأنهم وراءها، وبدال من أن يضع

السورية إمكانياته إلى جانب القيادة القطرية التي واجهت ظروفا قاسية من "أحداث حماة إلى إضراب التجار في دمشق

وحمص ...، وبدال من أن يعمل بشكل حثيث لتقوية الحزب ،1964وتمتين تنظيمه"، عمد إلى مغادرة القطر في حزيران

ولبضعة أشهر، قضاها في ألمانيا، متوهما بأن مغادرته تلك ستشكل ضغطا على الحزب وستحمل أعضاءه على التساؤل عن

رجع إلى1964أسباب المغادرة، وفي نهاية شهر تشرين الثاني سورية، حيث أمكن إقناعه بالعودة في محاولة لحل بعض

المشكالت الحزبية، وعلى إثر عودته عقدت القيادة القومية بأنها السورية جلسات عديدة، رافقها اتهامات للقيادة القطريةتضلل أعضاء الحزب وتحجب الحقائق عنهم.

208

، وأصدرت1964 كانون األول 14 انتهت تلك الدورة في ومما ورد فيها:15دة مقرراتها في النشرة رقم االقي اوزها صالحياتها، وإدانة أسلوبهاجـ إدانة القيادة القطرية لتأوال

في فرض عقوبة ليست من صالحياتها، وغير مألوفة في الحزب وهي عقوبة نفي عضو قيادة قطرية وقيادة قومية إلى خارج

.* مخالفة بذلك كل األسس الحزبيةالبالد لألسباب التالية:ـ تجميد نشاط تلك القيادة ثانيا

آ ـ إن القيادة القطرية السورية لم تتخذ موقفا حازما تجاه الحزبيين الذين عرفوا باسم "السعديين"، وتغاضت عن نشاط من بقي منهم داخل التنظيم الحزبي، وأهملت تنبيهات القيادة

القومية بهذا الخصوص. ب ـ إن القيادة القطرية لم تزود القيادة القومية بدراسة عن

األوضاع االقتصادية واإلنجازات التي حققتها الثورة، رغم الطلبرر للقيادة القومية بهذا الشأن.كالمت

يشبه التجميع في الحزب، ج ـ إن القيادة القطرية لجأت إلى ما الذي ينص 10/10/1964 تاريخ 101وذلك من خالل قرارها رقم

انوا أعضاء عاملينكعلى: اعتبار جميع الحزبيين القدامى الذين أعضاء عاملين حين قبول طلب انتسابهم للحزب،1958قبل

ومن ترى قيادات الفروع عدم كفاءته للعضوية العاملة فعليها أن ترفع اسمه إلى القيادة القطرية مع تقرير مفصل يبين األسباب

الموجبة لذلك. (11د ـ انغماس أعضاء القيادة القطرية في الحكم، ولقد كان )

( يتولون مسؤوليات حكومية وعسكرية.15عضوا من أصل ) لق على قياداتغهـ ـ خصائص التنظيم الحزبي في الجيش الم

الحزب القومية والقطرية وال تعرف بشؤونه سوى اللجنة.العسكرية

و ـ التكتالت داخل الحزب، التي تضع مصالحها فوق مصلحةالحزب. تعيين لجنة مشرفة تدير شؤون الحزب قي القطر ثالثا- .السوري

وفي جلسات تلك الدورة، كان الفريق أمين الحافظ األمين القطري السوري وعضو القيادة القومية ينصح بالتروي

واالعتدال، بينما قاطع اللواء صالح جديد عضو القيادة القطرية السورية وعضو القيادة القومية الجلسات التي اتخذت فيها

القرارات بعد أن أبدى معارضته لها. تبلغت القيادة القطرية تلك القرارات التي عممت على فروع الحزب، وتقدمت القيادة للمحكمة الحزبية القومية بطلب إلغاء

209

قرار القيادة القومية بتجميدها، ألنه لم يرد في أحكام النظامالداخلي نص

تجميد قيادة، وفي الوقت نفسه دعت قيادات الفروع التيفوجئت بالقرارات إلى عقد اجتماع لها في

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ قررت إبعادقد المسؤولة عن التنظيم الحزبي في الجيش *كانت اللجنة العسكرية

- عن البالد وتعيينهالسورية والقومية اللواء محمد عمران – عضو القيادتين القطرية ع الحكم وتخريب الحزب، وذلك على إثر تقريرسفيرا في إسبانيا بعد أن اتهمته بتميي

، وبين فيه األساليب التي تتبعها اللجنةتقدم به لمعالجة الوضع الحزبي في سورية ورغم اعتراض أحد أعضاء القيادة القومية على التقريرالعسكرية من خلف الكواليس،

.بحجة أنه يجب أن يكون بموافقة القيادة القطرية ولكن القيادة لم تأخذ بهذا االحتجاج ، للبحث في قرارات القيادة القومية،1964/ 16/12تاريخ

ووافقت القيادة القومية على حضوره واستمع المؤتمرون إلى ، تطرق فيه إلى أسباب اإلجرءات التيحديث مطول لألمين العام

ااتخذت، كما تطرق أيضا إلى الدافع لمغادرته القطر إلى ألماني "لحمل األعضاء على االهتمام بحقيقة األزمة وتقديروذلك

"،والتنبيه ومل النصح والتوجيه خطورتها، بعد أن أعياه التحذير وفي حديثه هذا تطرق إلى "المحاوالت الهادفة للتخلص منه

وتغيير معالم الحزب، وأن هذه المحاوالت أخذت أشكاال متعددة، سلبية وايجابية، مثل: "التخلص من عقلية الوصاية، التخلص من

الجمود العقائدي، التخلص من العقلية التقليدية، الحاجة إالى تطوير فكر الحزب وتجديده". واعتبر األستاذ ميشيل أن ذلك

فقدان ألصالة حركة البعث وطغيان لأللفاظ والشعاراتالتقليدية.

ناقش المجتمعون ما ورد في حديث األمين العام ورأوا أن قرارات القيادة القومية تمثل انقالبا على القيادة القطرية، وعلى

الحكومة بوقت واحد، ألن القيادة القطرية هي المسؤولة عن إدارة الحكم، وفق ما قرره المؤتمر القومي السادس، كما أن

أعضاء القيادة القطرية هددوا باالستقالة من مناصبهم في الحزب ان عدم اقتناعهيوالحكم والجيش، وأبدت أكثرية المجتمع

بما اتخذته القيادة القوميةوررات التي عرضها األمين العام ببالم من قررات، كما أخذ بعض المجتمعين على األمين العام، أنه هو

الذي يقول "إن الحزب حركة تنطلق وتتجدد وتخلق والحياة التعرف التوقف"، وإذا طرح غيره هذه المقوالت يعتبر تزويرا

للحزب وتغييرا لبنيته وتخطيطا النقالب على شخصه". إلى نوع من التسويةالمؤتمرون ولحفظ ماء الوجه، توصل

تجرى انتخاباتأن تعلق القيادة القومية قراراتها، ووهي: "أن ومي، علىقحزبية، وتعقد مؤتمرات قطرية تمهيدا لعقد مؤتمر

أن يتم ذلك في أقرب وقت ممكن".210

ن األمين العام لم يستطعأ أكدت قواعد الحزب بهذه التسوية، أن يحول بين قواعد الحزب والتماس الطرق الصحيحة المؤدية

إلى وضوح رؤيتها في أسلوب حل المشكالت. ووفقا للتسوية التي تمت في ذلك االجتماع، جرت انتخابات حزبية بدءا من مستوى الفرقة، وتم انتخاب القيادات الحزبية على كل المستويات، وانتخبت الفروع مندوبيها إلى المؤتمرالقطري المزمع عقده وفق أحكام النظام الداخلي للحزب.

خالل فترة االنتخابات الحزبية تلك، أطلقت شائعات مفادهاو أن القيادة القومية ستميز الحزب عن الحكم ـ أي ستعلن أن ال

عالقة للحزب بالحكم ـ هادفة الضغط على قواعد الحزب للقبول بما تريده، وأن نيتها في التميز كانت قديمة ومنذ األشهر األولى بعد الثامن من آذار، وبررت القيادة القومية "أنها لم تقدم على تلك الخطوة، ألن منطق الرفقة الحزبية جعل من غير المناسب

التنصل من مسؤولية الحكم في الظروف التي واجهتها الثورة تموز المسلحة إلى أحداث حماة إلى إضراب18من مؤامرة

وأنها - القيادة القومية – وبعد التأميم، سينظر، التجار وغيرها عن الحكم بأنها ضد التحوالت إليها فيما إذا أعلنت تميزها

االشتراكية، رغم قناعتها بأن تلك التأميمات تقررت كأسلوب ي تنويتى ال تقدم على الخطوات التمزايدة وإحراج لها ح

اتخاذها، فضال عن أنه كان ثمة شئ من بطء البت والتنفيذ مع بقية من أمل في حل هذه األمور عن طريق الحزب ومن خالل

. مؤتمراته" في هذه األجواء، عقد المؤتمر القطري السوري الثاني دورته

، وخالل هذه الفترة1965 نيسان 5 آذار – 17العادية مابين الطويلة التي استغرقنها جلسات المؤتمر، أجرى المؤتمرون

مناقشات مستفيضة للظواهر السلبية في مجالس الحزب وفي الحكم،كما تمت مناقشة لألسس الكفيلة بترسيخ الخطوات

االشتراكية، بعد المراسيم التي صدرت في الثاني والخامس من ، والتي بموجبها تم تأميم بعض المرافق1965شهر كانون الثاني

زبيحاالقتصادية، واتخذ المؤتمر قرارات في مجال التنظيم ال والسلطة وأعاد توزيع الصالحيات بين مختلف المؤسسات

زبية والسلطوية، كما اتخذ قرارات يصبح التنظيم العسكريحالوفقها خاضعا لسلطة وتوجيه القيادة القطرية مباشرة.

يلي: وبشأن األزمة السابقة، أوصى المؤتمر بما ـ على القيادات احترام مقررات المؤتمرات وتطبيقها، وليس من حق أي قيادة أن تحجب مقررات أي مؤتمر إذا كان مخالفا آلرائها

عن القاعدة أو تلغي تلك المقررات، وإنما عليها أن تحضر211

الدراسة النقدية لمؤتمر آخر مماثل يجيء فيه التعديل الصحيح.المقصود هو )بعض المنطلقات النظرية(.و

ـ برى المؤتمر القطري أن القيادة القطرية قادت البالد والحزب خالل األزمات السابقة والفترات العصيبة بنجاح وحكمة، وجنبت

قدر، أيضا،يالثورة كارثة محتمة، فهو إذ يسجل لها هذا الموقف استجابة القيادة القومية الجتماع مؤتمر قيادات الفروع، ويوصي

ين االعتبارعالمؤتمر القومي القادم أن يأخذ جميع هذه الظرف بزمة السابقة بين القيادتين.ألث احإذا ما رأى موجبا لب

المذكرة التي تقدم بها عدد منكما ناقش المؤتمر، أيضا، الحزبيين الذين كانوا قد فصلوا من الحزب بعد أن قاطعوا

المؤتمر القومي السابع، وأعلنوا في المذكرة عن انسحابهم من التنظيم الذي عرف باسم "حزب البعث العربي االشتراكي اليساري" ورغبتهم في العودة إلى التنظيم الحزبي، ووافق

عودتهم، بعد أن يتقدم كل منهم بشكل فردي،المؤتمر على بطلب عودة للحزب، وذلك وفق الصيغة التي حددتها القيادة

القومية. واختتم المؤتمر أعماله بانتخاب قيادة قطرية جديدة من : أمين

الحافظ، صالح جديد، عبد الكريم الجندي، حمد عبيد، حافظ األسد، محمد رباح الطويل، نور الدين األتاسي، يوسف زعين،

محمد الزعبي، جميل شيا، الوليد طالب، ابراهيم ماخوس،مصطفى رستم، حبيب حداد، عدنان شومان.

المؤتمر القومي الثامن تحملت القيادة القطرية المنتخبة مسؤولية عبء المرحلة

وحاولت مع القيادة القومية وضع الصيغ التي قررها، الجديدة المؤتمر في التنفيذ، ولكنها واجهت منها في الوقت نفسه ردود

الفعل المختلفة م عن القيادة القطرية وعن قراراوأبرزها: "عدم رضا األمين الع

إعادة الحزبيين"، واعتبر ذلك مساسا بموقعه وبشخصه، وبأن هناك مخططا للتآمر عليه،يقوده جماعة السعدي وجماعة

ورغم استقاللهم عن بعضهم فقدالشوفي، واللجنة العسكرية،كانوا يتفقون في هدف التخلص منه وتغيير معالم الحزب.

في هذه الظروف السلبية التي مهدت لها القيادة القومية، ، ضمن1965انعقد المؤتمر القومي الثامن في أوائل مايس

نقضاض على مقرراتلالتقديرات بأن الجو قد أصبح مهيئا لها المؤتمر القومي السادس بعد انحسار المد اليساري في الحزب وفصل ما عرف باسم )مجموعة السعدي ( في القطر العراقي

"هذه المجموعة التي اتخذت من مزايا التنظيم الحزبيخاصة،212

في العراق ذريعة للتسلط على الحزب1963قبل ثورة شباط "، وأنه باإلمكان اآلن اإلجهاز، ومن خالل المؤتمر،القومي كله

على اللجنة العسكرية وأنصارها في التنظيم الحزبي السوري، والتخلص من محاولة سعي اللجنة للتسلط على الحزب بقطاعيه

لا تحريض الصف الثاني من، عسكري والمدني، ومن سعيها، أيضا كما كان األمين يتهم رؤوس اللجنة، القياديين على الصف األول

العسكرية والمخططين فيها، والمقصود "الفريق أمين الحافظ " بأنهم تعاونوا مع والعقيد عبد الكريم الجنديواللواء صالح جديد

هؤالء أقرب إليهم في المنطلقات الفكرية القطريين ألنوالسياسية، وأكثر استجابة وتسليما لمنطلقاتهم ومخططاتهم.

ناقش المؤتمرون التقارير التي تقدمت بها القيادة القومية، والتي تشمل األمور العقائدية والسياسية والتنظيمية وتقريرا

حول نكسة الحزب قي العراق، ومن خالل التقديرات الخاطئة، تقدم الدكتور منيف الرزاز، بتقرير عقائدي جديد ينسف كل األسس التي بنيت عليها )بعض المنطلقات النظرية(، رفضه

المؤتمر بأكثرية كبيرة، وقرر استمرار السير في المنهج الثوري كانون األول14الطبقي، كما قرر المؤتمر، وتالفيا لما حصل في

3، تعديل بعض أحكام النظام الداخلي، وخاصة المادة 1964 من باب األمور التنظيمية المتعلقة بصالحيات القيادة8الفقرة

القومية، وأصبحت: تحقيق الوحدة القومية للحزب وتأمين الفعالية له في عقيدته "

وتنظيمه ونضاله وجميع نواحي نشاطه وبالتالي حق دعوة أي مؤتمر قطري النتخاب قيادة قطرية جديدة، إذا رأت حل القيادة القائمة بسبب خروجها على مبادئ الحزب أو سياساته العامة أو اتجاهاته التي أقرها المؤتمر القومي، أما في القطر الذي يقود

الحل فيه الحزب ثورة، فعليها أن تدعو لمؤتمر قطري تعلن فيه واألسباب التي دعت لذلك، وفي حال انتخاب القيادة نفسها

ورفض األسباب التي قدمتها القيادة القومية، تدعو لمؤتمر قومي ال تكرس انقساما خطيرا في الحزب،ى فورا لبحث األزمة حت

وقرار هذا المؤتمر يعتبر نهائيا يلزم الجميع بتنفيذه، ومن يخالف."( 4)قراراته يعتبر خارجا على الحزب

وأقر هذا المؤتمر صيغة مرحلية لعالقة الحزب بالحكم، لحزباتضمنت: "أن الحكم في القطر العربي السوري هو حكم

ويتمثل الحزب عمليا في أي قطر يحكمه بتنظيم جماهيري وبجيش عقائدي وبسلطة الحكم، والحزب هو األساس الذي تنبع

منه هذه المؤسسات، وهو الذي يجمع بينها ويحدد عالقاتها"، وظيفة التنظيم الحزبي في الجيش هي تغذيته بالروحقرر: "أن و

213

العقائدية وتوجيهه توجيها يتالءم مع اتجاهات الحزب وخططه، ويقود الحزب ممثال بقيادته القطرية السلطة التنفيذية بالقطر

المؤتمر القومي، ويسمي الحزب باجتماعمسترشدا بقرارات "أعضاء مجلس ،مشترك للقيادتين القومية والقطرية السورية

الرئاسة ورئيس الوزراء وقائد الجيش ورئيس األركان العامة"، واألمين القطري هو رئيس مجلس الرئاسة، كما تقرر: "أن يحل

يتعلق في كل ماية مكتب عسكري محل اللجنة العسكرية الحال بالقضايا الحزبية والتنظيم الحزبي داخل الجيش، ويكون صلة

الوصل بين القيادة القطرية وبين التنظيم الحزبي في الجيش، وتستمر اللجنة العسكرية الحالية في ممارسة أعمالها فيما يتعلق

السياسية حسب القوانين باألمور العسكرية غير الحزبية أو وسجل المؤتمر، أيضا، مخالفة القيادة القطرية"، العسكرية

صة بقبولاالسورية لمقررات المؤتمر القومي السادس الخ قواعد الوحدويين االشتراكيين والقطريين ووضعهم تحت التجربة

لمدة سنة على األقل، وسجل عليها تأخرها وتباطوءها فيمعالجة المنشقين الموجودين داخل الجهاز الحزبي.

وفي ختام أعماله، انتخب المؤتمر قيادة قومية جديدة، ومن ن المؤتمر القومي الثامن بأكثرية أعضائهأالملفت للنظر،

األستاذ ميشيل عفلق والدكتور المطلقةلم يوافق على أطروحات منيف الرزاز، ومن المدهش أن الرفيق الرزاز رشح نفسه

لعضوية القيادة القومية،رغم رفض تقريره،كما أن األستاذ ميشيل عفلق اعتبر أن انتخابه إلى عضوية القيادة بأصوات قليلة مؤامرة

حاكها مندوبو سورية والعسكريون منهم بشكل خاص. اجتمعت القيادة القومية بعد انتهاء أعمال المؤتمر، وأصر

األستاذ ميشيل على ترشيح الدكتور منيف الرزاز إلى منصب األمين العام، بذريعة عدم وجود أي تصادم أو خالف سابق بينه

وبين العسكريين، ولكن الحقيقة أنه لم يكن راضيا عن مقررات المؤتمر القومي رغم أن تلك المقررات كانت توفيقية ومعبرة

عن حلول وسطية، وقررت القيادة القومية إطالق لقب "القائد وبعد فترة وجيزة غادرالمؤسس" على األستاذ ميشيل عفلق.

األستاذ ميشيل القطر، ثانية، إلى ألمانيا، وبقي فيها حوالي ستةأشهر.

أما القيادة القطرية فقد جهدت لتنفيذ ما قرره مؤتمرها، وكان أهم ما أنجزته هو دعوة المؤتمر القطري الثاني إلى دورة

أقر فيها المنهاج المرحلي للحكم،1965استثنائية في حزيران كما دعت مؤتمرا حزبيا عسكريا انتخب مكتبا عسكريا من سبعة

214

أعضاء، مهمته االتصال بالتنظيم الحزبي في الجيش تحتإشراف القيادة القطرية.

خالف على مفهوم ودور الحزب والسلطة من خالل ما تقدم نتلمس رؤية األستاذ ميشيل إلى مفهوم

الحزب، وفي مثل هذه الرؤية من حيث الفكر والتنظيم، يبقى الحزب أسيرا لرؤية أحادية ظلت مصدرا لكثير من العثرات التي

غير قادر على التطور ليكونيبقى اعترضت مسيرته النضالية، و حزبا سياسيا قادرا على الفعل وعلى تحمل مسؤولياته في قيادة

أية سلطة، وكان األستاذ ميشيل يرى: )أن حزبنا رسالة ال سياسة(، ويقول: )المأساة التي يعيشها حزبنا في السنوات

األخيرة متمثلة بالمأساة الشخصية التي أعيشها أنا(، ويقول أيضا: له، هو عندما يرى التشويه )إن أقسى عذاب يمكن أن يتعرض

الفظيع ألفكاره ولمبادئه حتى يكاد أن ينكر أن هذا الحزب هو حزبه وأن الحركة حركته(، ويضيف: )ولكننا نعلم أيها الرفاق بأن

بل سقيما هو سالح الشرعية والنظام لوال الفهناك سالحا أصبح م الداخلي(، ثم يردف قائال: )لم أصمم على العودة من برلين إال بعد أن كتب لي الرفاق، ثم ذهب الرفيق شبلي ليؤكد لي بأن

. القيادة القومية اقتنعت بوجهة نظري( ويكتب األستاذ صالح البيطار: )فحزبنا يمكن أن نسميه دعوة

أكثر من أن نسميه حزبا، دعوة قائمة على التوحيد القومي وعلى ته: )الذين جعلواامحاربة كل ما يعرقله(، و يورد في إحدى مقال

من النظام صنمية ومن الشرعية كهنوتية(. د األزمات المستمرة، إن فهما كهذا للحزب ال يمكن إال أن يول ولقد كانت هذه األزمات أكثر وضوحا وحدة في القطر السوري نظرا لوجود القيادة القومية فيه واحتكاكها اليومي والمباشر مع

المؤسسات الحزبية، كما أن هذه األزمات كانت تنتهي بسبب عدم القدرة على احتواء بانشقاقات في التنظيم القومي،

اآلراء واألفكار األخرى )المخالفة ( لرأي القادة التاريخيين من جهة، وبسبب اللجوء إلى الحلول الفوقية من جهة ثانية، وفي هذا

إن)المجال يقول الدكتور منيف الرزاز في التجربة المرة: الحلول الفوقية المبنية على إصدار القرارات العاجلة ال تحل المشكالت بل تضاعفها … بحيث لم ينعقد مؤتمر قومي في

السنوات األخيرة إال انتهى ببتر جزء من أجزاء الحزب(. ،1959 وهذا، فعال، ما حصل في المؤتمر القومي الثالث

, والمؤتمر القومي1960والمؤتمر القومي الرابع أواخر آب ، والمؤتمر القومي السابع أواسط1962الخامس أواسط أيار

، وحتى البعض كان يحلو لهم، تسمية المؤتمرات1964شباط 215

القومية بمؤتمرات االنشقاق، كما أن المتمعن في تاريخ المؤتمرات يصل إلى حقيقة بأن ما يجري هو ملحمة مستمرة

طلعة نحوتبين عقلية القادة التاريخيين، وبين قواعد الحزب الم حزب ثوري عقائدي متطور، وكلما كانت القاعدة الحزبية تحقق

نصرا تنظيميا أو فكريا على عقلية القادة التاريخيين، كانت القيادة القومية أو أمينها العام,بالتحديد، يبادر إلى تجميد هذا

االنتصار. إن األستاذ ميشيل عفلق، األمين العام للحزب ومن ثم القائد

المؤسس كما أطلقت عليه القيادة القومية بعد المؤتمر القومي الثامن، كان يعتبر كل القيادات القطرية التي انتخبت من

المؤتمرات المتخصصة في القطر السوري، بدءا من المؤتمر القطري االستثنائي الذي انعقد في األسبوع األول من أيار

قيادات خارجة على الحزب،وبالتحديد، خارجة على إرادته،1963 الشخصية، ألنها لم تنل رضاه، وكان يرى أن األسلوب الوحيد

لمعالجة األمر هو المجابهة. قامت القيادة القطرية المنتخبة من المؤتمر بتحمل

مع القيادة القومية تنفيذ– كما أسلفت - لياتها، وحاولت ومسؤ قرارات المؤتمر, ولكنها واجهت في الوقت نفسه ردود فعل مختلفة ووقعت جراء ذلك في دوامة كان أبرزها وجهتي نظر

داخل القيادة حول شكل السلطة وإدارتها، واستحال إيجاد ضطرها إلى تقديم استقالتها إلى القيادةامما ، المخرج المناسب

،ئيةإلى دورة استثنا الثاني القومية، ودعوة المؤتمر القطريلالطالع على األزمة وانتخاب قيادة قطرية جديدة.

إن استفحال الخالف بين وجهتي النظر التي يمثلهما كل من الفريق أمين الحافظ واللواء صالح جديد، كان حسب تصور

فرصة تاريخية عليها استغاللها وترشيح الرفاق، القيادة القومية الموالين لها لعضوية القيادة القطرية التي ستنتخب، وعقد

، وطرحت كل1965 آب 14-8المؤتمر دورته االستثنائية من وجهات النظر حول هذه األزمة وغيرها من أزمات سابقة، وجرت مناقشات موسعة ومستفيضة،كما جرت محاوالت جادة وصادقة

للخروج من المؤتمر بوحدة حقيقية للحزب، وبانتخاب قيادةترضي كل أطراف األزمة، ولكن المحاوالت فشلت بسبب:

1 ـ تعنت مجموعة من الرفاق المؤتمرين تلتزم شخصيا األستاذ صالح أصروا، وبتوجيه من باألستاذين )عفلق والبيطار(

( أعضاء وأن يكون األستاذ9على أن يكون لهم في القيادة ) صالح البيطار – وهو ليس من أعضاء المؤتمر وال يجوز ترشيحه-

أحدهم، وأن يضمن المؤتمرون لهم النجاح في االنتخاب. 216

ـ عدم موافقة أكثر المؤتمرين على تسوية تفرض عليهم، ألنها2تتفق مع القيم النضالية للحزب. سابقة مرفوضة وال

أمين الحافظ، ):عضوا هم16 انتخب المؤتمر قيادة جديدة من نور الدين األتاسي، عبد الكريم الجندي، حمد عبيد،صالح جديد،

، يوسف زعين، محمد الزعبي، مصطفىمحمد رباح الطويل رستم، مروان حبش، جميل شيا، مصطفى طالس، سليم حاطوم، محمد عيد عشاوي، فايز الجاسم، حسام حيزة(،

وانتخبت القيادة القطرية الفريق أمين الحافظ، أمينا لها، واللواء صالح جديد،أمينا قطريا مساعدا، وتفرغ للعمل الحزبي بعد تركه

رئاسة األركان . بدأت اإلشاعات بأن القيادة القطرية الجديدة موزعة الوالء

بالتساوي بين الرفيقين )الحافظ، جديد( بينما الحقيقة أن أكثرية أعضاء القيادة كانوا يعتبرون أنفسهم بعثيين ومنتخبين من قواعد

الحزب، وأن مواالتهم هي للحزب بمؤسساته ومقرراته. أدركت القيادة القطرية الجديدة مسؤوليتها في قيادة الحزب

سبيل إلى القيام بمهامها إال إذا انطلقت والسلطة، ورأت أن ال من منطلق أساسي هو وحدة القيادة وتوحيد وجهة نظرها في

مختلف القضايا على الصعيدين الحزبي والسياسي. كان الفريق أمين الحافظ يعمل على تعزيز سلطاته

وصالحياته، بدافع من حساسيته بأنه لم يكن من بين أعضاء ،1963 آذار 8اللجنة العسكرية التي خططت وقادت ثورة

وبدافع أيضا، من بعض الرفاق العسكريين الطامحين إلى مناصب عليا، فإنه أخذ يفكر في استبعاد الرفاق العسكريين األساسيين

تحت شعار )استبعاد الضباط الذين عملوا في السياسة عن الجيش(، كما اقترح أن يكون هو اللواء صالح جديد، قدوة

لغيرهما، فيتخلى هو عن منصب قائد الجيش، ويتخلى اللواءصالح عن منصب رئيس األركان.

إن وجهتي نظر كل من الرفيقين )الحافظ ،جديد( اللتين طرحتا في المؤتمر القطري تتلخصان في أن الفريق أمين

، و كانالحافظ كان يتهم اللواء صالح جديد بالتكتل الطائفي الفريق في اجتماع للتنظيم الحزبي العسكري في منطقة دمشق عقد في مطار المزة قد قال: )لن نسمح ألقلية بالسيطرة على -البلد، وسنغير ذلك بالقوة(، وعارضه األمين العام الدكتور الرزاز

محتجا على مثل هذا الطرح. أما اللواءالذي حضر هذا االجتماع- كان يرى أن الفريق أمين الحافظ )رئيس مجلسفصالح جديد

الرئاسة وقائد الجيش( بدأ ينهج الفردية في قيادة الحكم، ويديرالدولة بعقلية عشائرية وبأسلوب كيفي، واقترح في المؤتمر:

217

_تخلي رئيس الدولة عن منصب القائد العام للجيش. 1 _ إصالح الوضع االقتصادي.2 ستعاضة عنه بمنصب رئيسا_إلغاء مجلس الرئاسة وال3

للجمهورية. _تولي المكتب السياسي للحزب الذي أقره المؤتمر القومي4

الثامن صالحيات مجلس الرئاسة. من المقترحات2ـ1على الفقرتين القطري المؤتمروافق و

المذكورة. ذكور انتخب قيادة قطرية أبقى فيهامن المؤتمر القطري الإ

وكان من أولى مهام القيادةالرفيقين أمين الحافظ وصالح جديد، الجديدة هو تعديل قانون الجيش، وفي اجتماع لها بتاريخ

قررت إلغاء منصبي القائد العام ونائب القائد العام22/8/1965 للجيش والقوات المسلحة، وأخذ القرار بالصيغة المعمول بها في

االشتراكية، وبموجبها يكون وزير الدفاع عسكريا ويمارسالدول صالحيات واختصاصات القائد العام للجيش والقوات المسلحة،

ويكون رئيس مجلس الرئاسة القائد األعلى للجيش والقواتالمسلحة.

كما قررت القيادة إنشاء مجلس وطني للثورة، وبموجب هذا تضمن تحديد عدد23/8/1965تاريخ 1القرار صدر القانون رقم

عضوا، كما تضمن الفئات والمنظمات95أعضاء هذا المجلس بـ وهم: "األعضاء السوريون فيالشعبية والمهنية التي تتمثل فيه

القيادة القومية+ أعضاء القيادة القطرية+ أعضاء مجلس قيادة الثورة+ العسكريون الذين كانوا في اللجنة العسكرية المنحلة+

قيادات المنظمات الشعبية ورؤساء النقابات المهنية +ممثلين عن القوى السياسية )الشيوعيين، الناصريين(+ ممثلين عن

الفعاليات االقتصادية+ ممثلين عن المستقلين، وعقد المجلس . 1965أولى جلساته في أيلول

عينت القيادة، من بين أعضائها، وزيرا للدفاع هو العقيد حمد عبيد،كما عينت العقيد محمد شنيوي رئيسا لألركان والعقيد فهد الشاعر نائبا لرئيس األركان، بعد أن تمت ترقيتهم إلى رتبة لواء

ولقد تم تعيين القيادة الجديدة للجيش، 1965 أيلول 15بتاريخ في جو ساده الكثير من الضغوط من الرفاق العسكريين الذين

، بينما رأى الدكتور(5)كانوا يطمحون للوصول إلى هذه المراكز الرزاز، وهو رأي فيه سذاجة، أنه كان ضربة ذكية من اللواء صالح

جديد، ألن الذين عينوا كانوا من أتباع الفريق أمين، ولكنهم.(6)سيدينون بهذا التعيين للواء صالح

218

بقي الفريق أمين الحافظ متوجسا من نشاط اللواء صالح جديد، األمين القطري المساعد، وظهرت نغمة جديدة بأن صالح

جديد يسحب معه السلطة إلى حيث يكون، وطلب تخصيص له في مبنى القيادة القطرية وبمحاذاة مكتب األمين مكتب

القطري المساعد، وكانت غايته غير المعلنة، والتي كان يصرح بها لبعض الخاصة، هي معرفة زوار اللواء صالح جديد ومراقبتهم،

وذلك التوجس يسيطران عليه. واستمر هذا الهاجسشرخ في القيادة القطرية وبين القيادتين

مناسبة انعقاد مؤتمر القمة الثالث في الدار البيضاء فيل كانت منيف الرزاز، ومشاركة األمين العام1965أيلول 2يوم االثنين

فيه بشكل غير مباشر "سافر مع الوفد السوري ولكنه لم يحضر جلسات المؤتمر"، وما صدر عنه من مقررات، وما رافق تلك

عدم، وبسبب المقررات من قلق وتساؤل وتشويش متزايد ، فور انتهائهموقف الحزب من قراراتهعن إعالن القيادة القومية

كل ذلك أدى إلى نقاش بين الحزبيين وساعد على تبادل االتهامات، وخاصة أن الوفد السوري، وبموافقة األمين العام، قد وقع على )ميثاق التضامن العربي(، والذي يعني سكوت الحزب

منة وحكمه عن مواقف االنحراف التي تقفها بعض الدول العربي القضية الفلسطينية،كما أن هذا الميثاق سيساعد هذه الدول على

لقوى والحركات التقدمية والثورية في بلدانها، دون أناتصفية يكون للحزب وحكمه أي حق في توضيح ما يحدث، وإذا حصل ذلك فمعناه )تدخل في الشؤون الداخلية(، ألن ميثاق التضامن

المذكور يمنع التدخل في الشؤون الداخلية،كل ذلك أدى إلى وبينها، توسيع شقة الخالف بين القيادة القطرية وأمينها من جهة

وبين القيادة القومية من جهة ثانية. بدأ األمين القطري أمين الحافظ يرسم لنفسه اتجاها مغايرا

يعمل ضدها بالتحالف مع القيادةأخذ التجاه القيادة القطرية، والقومية، وباألحرى، اللجوء إليها وهو عضو فيها.

وكانت القيادة القومية، حسب رأيها، تريد مجابهة القيادةرة من قبل اللواء صالح القطرية والعمل على تهديمها، ألنها مسي

القطريين من جهة ثانية، "ومن أن أكثريتها منلجديد، من جهة، و المفيد التوضيح بأن اثنين فقط من أعضاء القيادة القطرية

، وهما"ينتميان إلى التنظيم الذي سمي "قطرياا المنتخبة كانفايز الجاسم وحسام حيزة.

أما األمين العام منيف الرزاز حسب قوله،كانت له مخططاته إلعادة بناء السلطة الحقيقية للقيادة القومية، ومن أجل ذلك كان

عليه مجابهة طرفين، الطرف األول هو القيادة القطرية،219

والطرف الثاني يشمل مؤسسي الحزب األستاذين )عفلق والبيطار( اللذين يضغطان عليه وعلى آخرين في القيادة القومية

من أجل طرد "المنحرفين"، أي القيادة القطرية ومن يشاركهافي المواقف التي أقرتها المؤتمرات الحزبية.

عاشت الثورة خالل سنواتها الثالث الفائتة أزمات معقدة عرقلت مسيرتها، ومنعت انطالقها، ولقد توالت المؤتمرات

العادية واالستثنائية، القومية والقطرية، وتتابعت التقارير والمذكرات الوصفية والتحليلية، وكلها تشير إلى وجود أزمة مستحكمة تتفاقم يوما بعد يوم، حتى باتت تنذر بوقوع كارثة

أن التناقض والنزوع إلى السلطة وصل حدا بالغ، وقومية محتمة كمن فيتلم األزمة االخطورة، وكانت األبعاد األساسية لمع

الحزب ومنه تمتد إلى الحكم والجيش، ولقد أورد التقرير التنظيمي الذي أقره المؤتمر القطري الثاني في قطر سورية،

, والذي صوت المؤتمر1965 نيسان 5 آذار – 17المنعقد مابين على عدم اطالع القواعد الحزبية على مضمونه آنذاك بسبب ولوجه صميم األزمة استجابة إلصرار أعضاء القيادة القومية

الذين حضروا المؤتمر ومنهم الدكتور منيف الرزاز، وأقر المؤتمرما يلي:

ـ عدم تعميم التقرير التنظيمي المقدم إلى هذا المؤتمر على القواعد الحزبية، خاصة وأن المؤتمر اتخذ قرارا بعدم إخراج

التقارير خارج قاعة االجتماعات بقصد السرية. ومما جاء في التقرير المذكور :

)إن الثورة التي قادها حزبنا في هذا القطر لم تكن حصيلة تطور شامل لف األغلبية الساحقة من الجماهير الشعبية وحركها

نحو الهدف، وإنما كانت وليدة سمعة الحزب ومكانته المعنوية في نفوس الجماهير، إضافة إلى صمود رفاقنا العسكريين البطولي، بمعنى أنها لم تكن وليدة قوى الحزب المنظمة

زبحة وشاقة في بناء المالمباشرة الذي جعلنا نواجه مهاما جسيوالحفاظ على الثورة.

هو إما أن يقف ف إن حزبنا أيها الرفاق على مفترق الطرق، وقفة الحزب الثوري بكل ما في كلمة الثورية من معان، وإما أن

وتطيتحول إلى حزب كالسيكي عقيم تماما كتلك األحزاب التي الجماهير صحائفها وباتت في صفائح المهمالت، ولذلك البد أن

نجابه أنفسنا بكل الحقائق ومهما كانت مرة قاسية، وندخل تجديدا كامال وعميقا وجديا على وضع حزبنا التنظيمي، نرفع به

من المستويات النضالية والفكرية لألعضاء والمنظمات، وبالتالي نصل إلى خلق عالقات حية عضوية بين الحزب كتنظيم

220

ة وواعية إلى تحقيقنوالجماهير الال حزبية بغية قيادتها قيادة أميأهدافها في الوحدة والحرية واالشتراكية(.

وورد فيه أيضا: )إن عدم وجود دليل نظري واحد علمي ومحدد للحزب، فسح المجال أمام بعض القياديين لكي ينصبوا أنفسهم أوصياء على الحزب، ويجعلوا من كتاباتهم الخاصة دليال نظريا حتى أصبحوا

بنظر أنفسهم هم الحزب, وأصبح الوالء لهم مقياس الوالء للحزب, هكذا تحول تاريخ الحزب إلى تاريخ هؤالء األشخاص،

ختالفهمافانسجام الحزب يعني انسجامهم، وانشقاقه يعني وانقسامهم.

إن مشكلة منطق الوصاية على الحزب قد أفسد كل المفاهيم و القيم الحزبية في التنظيم، وغدت توزع األلقاب على الحزبيين

بسخاء، هذه مجموعة زيد، وتلك مجموعة عمرو، هذا قطري هنالك، من هو القطري ومن وذاك قومي، واآلخر سعدي إلى ما

هو السعدي ومن هو القومي؟(.ويستمر التقرير موضحا:

)إن اإلخالص للحقيقة واألخالق ولقضية الجماهير ولبناء الحزب بناء ثوريا صحيحا، يوجب على من جعلوا من أنفسهم المقياس

خطئ للحزب، أن يفطنوا وأن يقبلوا أنفسهم مجرد يالذي ال الحزب لهم منظمتهم التي تتسع لكل آرائهم وآراءا أعضاء في هذ

غيرهم، وأن يحترموا مواقف وآراء اآلخرين وأن يسمحوا للعالقات الموضوعية أن تسود وللديمقراطية أن تقرر، وأال

يجعلوا من المنظمات القومية، التي ال يعرف عددها وال طبيعتها غيرهم، مجنا يختبئون خلفه كلما تزعزعت مواقفهم في

منظماتهم القطرية،ألن هذه االنقسامات التي كان مسرحها الحزب في هذا القطر، سوف تنتقل، وقد بدأت، إلى باقي

األقطار ولن تكون نتيجة أي انقسام في صالح الحزب مهما كانتأسباب ودوافع هذا االنقسام.

ويقول التقرير : )…لقد مر على تاريخ حزبنا أيها الرفاق حدثان بل نكبتان، كانتا

كفيلتين بأن تهزا ضمير أي حزبي حتى األعماق وتدفعا به إلى التفتيش الجدي عن مكان الضعف في حزبه، التي سمحت لمثل

، وإلى تحديد المسؤولية بجرأة وحزماهاتين النكبتين أن تقع ؤولينسملورجولة، وإيقاع المحاسبة الحزبية العاجلة بحق كل ا أيلول28عن تشويه تاريخ حزبنا النضالي، هاتان النكبتان هما

، باعتبار أن قبول حل الحزب1963 تشرين األول 18 و1961 كان هو البداية المنتظرة لمثل تلك النهاية المؤلمة لتلك الوحدة

221

تشرين على اعتبارها طعنا صحيحا ال لنضال الحزب18…، و طوال ربع قرن فحسب، وإنما طعنا ألماني األمة العربية بأسرها

في ثورة رائدة أصيلة، كانت ستغير ميزان القوى في كل المنطقة العربية وتخلق منها مناخا قوميا تفيء إلى ظالله كل القوى الشعبية التقدمية في الوطن العربي المؤمنة بالوحدة

(.والحرية واالشتراكية ،1965وفي المؤتمر القطري الثاني بدورته االستثنائية في آب

طرحت معظم جوانب األزمة بشكل قريب من الصراحة والوضوح، ولكن القادة التاريخيين استمروا على نهجهم في

تى جاء حتصعيد وتوتير األجواء بغية الوصول إلى ما خططوه، 25موعد انعقاد المجلس االستشاري القومي للحزب بتاريخ

، إذ تقدمت القيادة القطرية في القطر1965تشرين األول السوري بمذكرة أشارت فيها بشكل واضح وصريح إلى

ة، والتي بدأت تتجسد ببروز ظواهرم)إرهاصات المرحلة القاد واء مشبوهة ومشحونة تحاكي الظواهرجوتصرفات وأ

والتصرفات واألجواء نفسها التي رافقت الردة التشرينية في القطر العراقي، كما أن من الظواهر المرضية التي بدأ يعاني منها الحزب، إعالن التبرم والسخط على الحزب وعلى الحكم والتنصل من مسؤولية قيادة الحزب والحكم، ومحاولة الكتل

العسكرية استخدام الحزب كوسيلة للغلبة على بعضها، كما أن األزمات التي مرت بالتنظيم الحزبي على النطاق القومي،

واالنشقاقات التي كانت تؤدي دوما إلى فصل مستمر لكوادر قيادية في الحزب وتشتت الفكر الحزبي، وضعف االرتباط، وعدم

قناعة بعض الحزبيين القياديين بمقررات المؤتمرات، كل ذلك أدى إلى تفاقم التناقض وإذكائه في جناحي التنظيم الحزبي

المدني والعسكري(. كما أشارت المذكرة إلى أن القيادة القطرية )تواجه محاربة

كتل الحزبية في القطاعين المدني والعسكري ومن العنيدة من الطامعين وممن قدر لهم الفشل في االنتخابات الحزبية، وأن

القيادة ترى أن ال سبيل إلى القيام بمهمتها إال بعد االنطالق من منطلق أساسي ورئيسي وهو وحدة القيادة وتوحيد وجهة نظرها

في مختلف القضايا المطروحة(. واقترحت القيادة القطرية في آخر المذكرة عددا من الحلول

منها: ترك ي ـ توضيح العالقة بين مختلف المنظمات الحزبية بشكل ال

لالجتهاد والتداخل.امجال

222

ـ إعطاء صالحيات كاملة للقيادة القطرية في قيادة القطر سياسيا وتنظيميا لتبقى مسؤولة مسؤولية مباشرة، ولحذف كل

يخفي وراء ذلك محاوالت التخطي واستغالل تبني القيادات أو مامن نوازع وأمزجة.

ـ دعم القيادة القومية للقيادة القطرية قوال وفعال وفي مختلفالمناسبات.

ـ تحقيق االنسجام والتفاعل الكامل بين القيادة القومية والقيادة . القطرية لتوحيد وجهات النظر والمواقف

لطروحات الواردة فياولقد أيد المجلس االستشاري القومي القيادة القطرية للقطر السوري، ولكن بعض الرفاقة مذكر

األستاذ صالح البيطار، استمر في استقوائه على وعلى رأسهم الحزب بالتنظيمات السياسية األخرى، وفتح معها قنوات اتصال دون الرجوع إلى القيادات الحزبية المسؤولة، واستغلت القوى المعادية هذه األجواء، وبدأت نشاطا محموما، ونشرت شائعات

مضخمة ومختلقة عن الخالفات القائمة ضمن الحزب. تبين النصوص المقتبسة من مقررات وتوصيات المؤتمرات

الحزبية، أن األزمة مزمنة بين قواعد الحزب وقادته التاريخيين، فالقواعد الحزبية ترى أن قومية الحزب منبثقة من إيمان جميع

مناضليه بهذه الحقيقة التاريخية، وليست مرتبطة بأشخاص يمكن ألحد االدعاء معينين، وأن حقيقة الحزب القومية تاريخية وال

بأنه شعار هذه الحقيقة. كما أن شرعية الحزب ال تؤخذ من موقف شخص بعينه، بل

ية تكمن في مدى التمسك بمقررات مؤتمرات الحزبعالشر وبنظامه الداخلي، حتى ال يكون الحزب تحت وصاية أشخاص،

حيث وضع أول نظام داخلي، كما أنه ال1954كما كان األمر حتى جوز ألي شخص أن يضع نفسه في كفة مقابلة لكفة الحزب،ي

ويقرن مصير الحزب بمصيره، ولهذا فإن المؤتمر القومي الثامن أن الحلول ألية قضية في الحزب يجب أن تأتي دوما من )أقر:

خالل الحزب ومن خالل مؤتمراته القومية(. وكذلك الحال في الديمقراطية الحزبية الحقيقية، فإنها تكون

في االبتعاد وفي نفي اعتبار الحزبية ملكية شخصية تدار من خالل منطق الوصاية والوالء الشخصي، هذا المنطق الذي مورس

يستثنى في سلوك التنظيم لمرحلة طويلة من حياة الحزب، وال من ذلك أيضا االدعاء بأن أهداف الحزب وشعاراته هي من إبداع

القادة التاريخيين شخصيا، بينما هي إمالء من واقع النضال العربي في احتكاكه مع معطيات العصر الحديث، وأن هذه

الشعارات هي المضمون التقدمي للقومية العربية.223

إن نظرة القادة التاريخيين هذه، انعكست على سلوكهم وعلى العالقات التي يمارسونها فيما بينهم كأشخاص، أو فيما

بينهم وبين القاعدة الحزبية التي يشعرون إزاءها بواجبات األبوة وحقوقها، وما تستلزمه من رعاية وتوجيه وانتقاص واستهانة

الحزب كملكياتى لابقدرتها على التصرف المعقول، كما نظروا خاصة لهم، وليس إلى الحزب ككائن اجتماعي خاضع في نشوئه

وتطوره لعملية نمو طبيعي يتسارع بالمعارك التي يخوضها وبالتحديات التي يواجهها، وإذا لم يواكب الحزب ذلك فإنه

سينحرف حتى عن مبرر وجوده كحزب مؤهل للبقاء في مواقعالقدرة على قيادة الجماهير.

كان القادة التاريخيون يعمدون إلى قسر الحزب ليكون مفصال على تكوينهم ويدأبون ليوقفوا الحزب في المواقع التي يريدونها وتمكنهم من استمرار قيادتهم، ويستخدمون الوالءات الشخصية واالستعانة بتنظيم الحزب في قطر ضد التنظيم في قطر آخر،

يعترفون بفكر ليس من وكذلك كانوا ال إنجاز إال إذا كان من إبداعهم، وهكذا كان الصراع بنتاجهم وال

يتأزم بسبب هذا اإلصرار، اإلصرار على إبقاء التنظيم عند حدالخاصة .م إرادتهم ومفاهيمه

لقد ورد مفهوم هؤالء في كراس صدر عن تنظيم األستاذ ميشيل عفلق بعنوان )تقييم أزمة الحزب( وكانوا يرون أن )بداية "التصحيح" هي إيجاد بيت تحتمي فيه فكرة الحزب أو جسد لهذه

الفكرة توفر الحد األدنى من القوة الرادعة للمغامرين والطامعين والمخربين، أي إيجاد بنيان ثوري للحزب وبداية

البداية هي إيجاد رأس لجسد الفكرة أي قيادة لها قائد، وهذه هي القيادة الجماعية بالمعنى الصحيح(، ويرون أن )قيادة لها قائد ال تعني أن القيادة تتكون من قائد وزلم أو صنائع، وإنما قيادة من

قادة يعترفون لواحد منهم أنه جدير بقيادتهم وبالمركز األولوالكفاءة األولى(، والمقصود بذلك القائد األستاذ ميشيل عفلق.

ووجهة النظر هذه ما كان ليقرها األستاذ صالح الذي تعرض لنقد دائم من األستاذ ميشيل ومؤيديه، وكان العديد من قواعد

الحزب يحملون األستاذ ميشيل مسؤولية التخبطات الكثيرة التي أضعفت الحزب بدءا من رسالته إلى حسني الزعيم مرورا بقرار

الموافقة على حل الحزب تنفيذا إلصرار عبد الناصر، إلى دوره تشرين في العراق، ويرون أنه أمام هذه18في انقالب

التخبطات كان عليه أن يعتزل العمل السياسي – حسب وجهة نظر بعضهم – ولكنه بدل ذلك، كان يصر على اعتبار نفسه بأنه

يمثل "الصحيح" في الحزب، ويقول: )إن الحزب عجز عن224

االنقالب على أمراضه وتباطأ في إجراء هذا االنقالب، فانقلبت أمراضه عليه وتغلبت على بقايا الصحة فيه(، وبدل أن ينقد

شباط، عاد وألقى اللوم على الحزب،23سلوكه بعد حركة شباط هي عقاب أخير للحزب على تأخره23وقال: )إن حركة

في إعادة النظر في تجربته وفي االرتفاع إلى مستوى رسالته(. إذا، قد نصب بعض القياديين من أنفسهم أوصياء على الحزب

وجعلوا من كتاباتهم دليال نظريا له حتى أصبحوا بنظر أنفسهم هم الحزب، وغدا الوالء لهم قياسا للوالء للحزب، وهكذا تحول تاريخ

الحزب إلى تاريخ أشخاص وانسجام الحزب يعني انسجامهم، وانشقاقه يعني اختالفهم وانقسامهم، وأضحى السعي إلقامة

هيكل تنظيمي للحزب تعطى فيه المؤسسة دورها المفروض، عمال موجها ضد أشخاصهم، حتى إن الحزب الذي تأسس رسميا

، بقي دون نظام داخلي لمدة سبع سنوات، و لم يطبق1947عام هذا النظام بعد أن وجد إال في السنوات األخيرة وبصورة مجزأة

شكال ومضمونا. إن األزمة، كما يتبين، قديمة في الحزب الذي شهد انشطارات

كثيرة نتيجة ذلك، إضافة إلى الغموض في الفكر النظري الذي طرحه وقصور في األداة واألسلوب الذي مارسه، مما سبب

للحزب أثناء مسيرته أزمة تزداد حدة مع نمو بذور التطور، ومع متطلبات المرحلة التي يمر بها الواقع العربي، وقد تجلت هذه

األزمة بمظاهر واضحة رافقت الحزب فكرا وتنظيما وأسلوبا، وال تزال هذه األزمة، نظرا لتقلص أبعادها على السطح وامتدادها في

سبابها ومظاهرها،ألالعمق، تتطلب فهما واستيعابا شاملين وتتطلب حلوال جذرية تخلص الحزب منها ليتحقق له االنسجام

الكامل بين نظريته وتنظيمه وأسلوبه النضالي. أخذ الفريق أمين الحافظ يستقوي بالقيادة القومية، والتقى

موقفه مصلحيا مع موقف األستاذ ميشيل عفلق الذي يريد إعادة الحزب إلى )بيت الطاعة الشخصية(، بينما كان الفريق الحافظ

وتكتله العسكري يطمحون إلى إخضاع السلطة إلى )بيت الطاعة ، وكانت القيادة القطرية ترى أن من واجب أمينها(7)الفردية(

وذلك تمتينا للقيادة، القطري االلتزام برأي األكثرية في القيادة الجماعية ودعما لها ولصالحياتها، ال أن يتفرد ويؤلب عليها القيادة

القومية، كما أن الفريق أمين الحافظ كان يجري مفاوضات سرية مع األستاذ صالح البيطار، الذي كان بدوره، قد أجرى

وبمعرفة األستاذ ميشيل1965مفاوضات في صيف هذا العام عفلق مع اللواء محمد عمران، الذي كان قد أوحى إلى فئة من

225

الضباط من أنصاره كي يزينوا لألستاذ البيطار بأن الجيش كله معالقيادة القومية.

أما األمين العام منيف الرزاز، فقد تحول تحت الضغوط التي األستاذين ميشيل وصالح، من مادح للقيادة مارسها عليه كل من

القطرية ولنشاطاتها ومن معجب بما فيها من حيوية وبما حققته ، وأصبح أعضاء(8)خالل فترة قصيرة، تحول إلى ذام وقادح

في نظره، منحرفين.،القيادة القطرية يحب) إن األمين العام، الذي كان يتهمه األستاذ ميشيل بأنه

(،السلطة والظهور والمراوغة والتهرب قد أعطى لنفسه دورا ة بكثير، كما تصور نفسه منقذا، وأنه بعصاهتأكبر من حقيق

السحرية سيتغلب على العقبات، ولكن األزمة أثبتت سرعة تقلبه، وعدم ثبات مواقفه، وانغمس في السياسة الرامية إلى تصعيد

األستاذ صالح يحرض كانالخالف والتأزم، تلك السياسة التي عليها، رغم تأكيدات الدكتور الرزاز بأن قواعد الحزب ال تريد هذا

خارجه، ويقول: تؤيده، ال داخل القطر السوري وال التأزم وال )وطلب األستاذان من القيادة القومية أن تعلن وقف النظام

الداخلي، وأن تعين قيادة قطرية جديدة على مسؤوليتها، فيها األستاذ صالح، ولكننا رفضنا تحمل هذه المسؤولية، مسؤولية

يعود إلى القول: )وهكذا ومخالفة صريحة واضحة لتقاليد النظام(. بعد أن كنا نضع آماال كبيرة على تحقيق هذه الخطوة في سبيل التصحيح، انقلبت هذه الخطوة علينا، وإذ بنا ننتكس من جديد،

تعنت الذي وقفه األستاذ صالح ولم أخف رأييمبسبب الموقف ال بعده، وحملتهما مسؤولية هذا عن األستاذين في ذلك الوقت وال

هذه النكسة(. بعد عودة القائد المؤسس ميشيل عفلق من رحلة الحرد

، قال: )لم أصمم على العودة من برلين إال بعد أن كتب ليالثانية الرفاق، ثم ذهب الرفيق شبلي ليؤكد لي بأن القيادة القومية قد

قررت القيادةعودته، وعلى إثر ، (10)( ينعت بوجهة نظرتاق ح دورة من االجتماعات الت، ف8/12/1965 بدءا من القومية

تتوقف إال بالوصول إلى حل ما، وعقد في بداية الدورة اجتماع مشترك بين القيادتين، وتحدث أعضاء القيادة القطرية جميعا،

وإجماعها على أن ما تنوي القيادةا وأكدت األكثرية تضامنه القومية القيام به بالتعاون مع األستاذ صالح واللواء عمران، وهما ليسا عضوين في القيادة، سيخلق أزمة حادة تضاف إلى األزمات

المتراكمة، واستمرت القيادة القومية في اجتماعاتها اليومية، )وكان النقاش يطول بشكل مزعج ومثير لألعصاب، ويهبط إلى مستوى ال يصدق، والسيما حين يحتدم النقاش بين الفريق أمين

226

واللواء حافظ أسد، ويتبادالن التهم والتهديدات(، و )كان التعقيد بعد ذلك في الوصول إلى الحلول السياسية، فقد كانت هناك

حركة ضاغطة قوية لحل القيادة القطرية، وتعيين قيادة قطرية جديدة بعد أن سلكت هذه القيادة سلوكا أبعدها عن أن تكون

عة في يد شخص واحد هويمؤسسة قيادية حزبية، وجعلها آلة ط صالح وكل أصحابواللواء صالح جديد، وكان األستاذان ميشيل

االتجاه القومي المستبعدون يضغطون ضغطا شديدا لحل القيادة(، و)كان الفريق أمين الحافظ واألستاذ شبلي العيسمي

وعلي غنام يضغطون ضغطا مماثال داخل القيادة(، )أما نحن أكثرية القيادة القومية ومنها منصور األطرش وجبران مجدالني

والدكتور على الخليل وأنا فقد كنا نريد أن نرمي بأبصارنا إلى ما بعد الحل، أين هي قوانا الحزبية التي نطمئن إليها؟ هل نطمئن إلى الفريق تمام االطمئنان، وهو يقف اآلن مع القيادة القومية،

وقد كان قبل خالفه مع جديد، رأس اللجنة العسكرية، وكان معروفا بنزقه وتفرده … أم هل نطمئن إلى عمران الذي كان

يعرفه الجميع بالقدرة على التلون والتبدل والعمل وراء األستاذ صالح فقد كنا نعلم كفاءته وقدرته فيا الكواليس؟ أم

الحكم، ولكننا كنا نعلم أيضا أن قواعد الحزب والجيش قد عبئت . (11) ضده تعبئة عظيمة سواء عن حق أم عن غير حق(

انفجار األزمة وضمن صالحياتها الممنوحة لها في ت قيادة الجيش،رأج

لواءالمر آالقانون ومن الحزب، تنقالت بين العسكريين، ولكن المرابط في حمص امتنع عن تسيير العناصر المشمولة بالنقل

، بتحريضفي لوائه ، وهم ثالثة عناصر، وأهمل أوامر وزير الدفاع من الفريق أمين الحافظ، الذي اعتبر أن تنفيذ هذا األمرودعم

يمكن أن يوافق عليه، وبعد أن عرض الموضوعا لعب بالجيش ل على القيادة القطرية أعطت توجيها لوزير الدفاع اللواء حمد

عبيد باتخاذ اإلجراءات الالزمة لتنفيذ األوامر الصادرة عن قيادة الجيش، وأصدر الوزير أوامره بفرض عقوبة انضباطية تقضي

بسجن آمر اللواء، وبأمر من وزير الدفاع وبموافقة القيادة مصطفى طالس، المقدم القطرية، قام عضو القيادة القطرية

اعتقال آمر اللواء المتمرد ب19/12يوم رئيس أركان اللواء، وإرسالهم مخفورين إلى،وأربعة آخرين بينهم ضابط برتبة نقيب

دمشق، وبدال من أن يؤكد أمين عام الحزب والقيادة القومية على تعزيز سلطة قيادة الجيش والقيادة القطرية، اعتبرا أن هذا

األمر خطير جدا، واتخذت القيادة القومية منه، وهو موضوع عادي ونظامي، القشة التي قصمت ظهر البعير، والذريعة التي

227

كانون21من "السماء األرفع"، وأقدمت بتاريخ ا هبطت عليه ، على نشر نتائج اجتماعاتها، ومما قررته بالنسبة1965األول

للقطر السوري، وأذاعته على التنظيم الحزبي في نشرتها رقم:22/12/1965 تاريخ 6/8

- تشكيل قيادة موسعة تشرف على شؤون الحزب والحكم هذه القيادة جميع أعضاءوالجيش في القطر على أن تضم

القيادة القومية يضاف إليهم عدد من الرفاق من القطر السوري يزيد عددهم عن عدد أعضاء القيادة القومية، وهذاشرط أن ال

يعني حل القيادة القطرية. - تعلق مواد النظام الداخلي التي تتعارض مع هذه

القرارات. - تستمر القيادة القومية في ممارسة جميع السلطات

العسكرية والمدنية والحزبية- التي قررت تسلمهابعد حادثحمص- حتى يتم تشكيل القيادة الحزبية.

ولما تحقق للمطالبين بحل القيادة ذلك األمر، رجع القائد المؤسس لالشتراك في اجتماعات القيادة القومية، بعد أن كان قد قاطعها مدة من الزمن، كما أن القيادة القومية، قبل اتخاذ

قرار الحل، أقدمت على استنفار جميع القطعات العسكرية،وربط األمين العام بشخصه تحركات الضباط وإجازاتهم.

اتخذت القيادة القومية هذه القرارات رغم نصيحة الكثير من النشطاء الحزبيين وتحذيرهم لها، وخاصة من زار منهم األمين

العام، من المخاطر التي ستعقب حل القيادة القطرية واالنقالبعلى السلطة فيما إذا كان هناك تفكير باتخاذ إجراء كهذا.

ناقشت القيادة القطرية في اجتماع مطول لها بتاريخ لم يحضره األمين القطري الفريق أمين الحافظ،23/12/1965

قرار القيادة القومية، وأجمع أعضاؤها على: القيادة القومية، هو انقالب حقيقي على الحزب قرار ـ أن

والحكم. ـ أن القيادة القومية قد تخطت الشرعية الحزبية، وخالفتتوصيات المؤتمر القومي الثامن، وأحكام النظام الداخلي.

بسبب أن وحدة زم بقرار الحل،تـ أن القيادة القطرية، ستل القيادة الواجب توفرها قد فقدت، وبالتالي لم يعد باستطاعتها

بشكل فعال.ا ممارسة مهامه ـ أن الرفاق أعضاء القيادة القطرية سيعملون على حماية التيار الحزبي الذي يؤيد القيادة القطرية من التصفية، وعدم السماح

أوبالمساس بالمؤسسات الحزبية قبل انعقاد المؤتمر القطري

228

بدورة استثنائية لمناقشة أسباب قرار القيادةالمؤتمر القومي القومية، واتخاذ التوصيات بشأنه.

ـ الطلب إلى القيادة القومية، دعوة المؤتمر القطري، أو المؤتمر القومي إلى عقد دورة استثنائية لبحث األزمة الجديدة وإقرار ما

يراه مناسبا. كما اتفق أعضاء القيادة القطرية على ضرورة االلتقاء بشكل

دائم لمراقبة التطورات الالحقة. لم تستجب القيادة القومية إلى طلب القيادة القطرية عقد

ي أو القومي، وقررتردورة استثنائية ألي من المؤتمرين القط يين قيادة مركزية سمتها القيادة الحزبية العليا، تتكون منعت

أعضاء القيادة القومية ويضاف إليهم عشرة أعضاء يعينون من التنظيم الحزبي، سمت منهم: صالح البيطار، اللواء محمد

ال،يزيد حيدر، عبد القادر ن، عمران، سليمان العلي، إلياس فرح أما الباقون فقد حاولت القيادة القومية أن تعين بعض أعضاء

تالقيادة القطرية التي صدر قرار بحلها، فاعتذر من اقترحأسماؤهم، وبالتالي لم تستكمل القيادة.

بدأ انقالب القيادة القومية يأخذ أبعاده، فكانت باكورة أعمالها، وزارة أعضاء القيادة القطرية في مجلس الرئاسة، وإقالة إقالة

الدكتور يوسف زعين وتعيين وزارة جديدة برئاسة األستاذ صالح البيطار الذي لم يكن يثق بالقيادة الحزبية العليا، واشترط حين

ط وزارته إال بموافقةققبوله تكليف تشكيل الوزارة، أن ال تس ثلثي أعضاء القيادة، كما اشترط أيضا نقل العديد من الضباط

من مواقعهم.الحزبيين ، رغم أنها قد زادت عدد أعضاء كما أن القيادة الحزبية العليا

134 وأصبح 22/8/1965المجلس الوطني بالمرسوم التشريعي إنهاء عضوية أعضاء القيادة القطرية في عمدت إلى ،عضوا

المجلس الوطني للثورة. شكلت القيادة الموسعة لجانا لزيارة فروع الحزب في

شرح ما أقدمت عليه القيادة القومية، وواجهتوالمحافظات، روع التي زارتها، معارضة شديدةفاللجان المذكورة، في أغلب ال

لإلجراءات المتخذة لعدم شرعيتها ولمخالفتها الصريحة للنظام أصدرت القيادة القوميةالداخلي للحزب، ونتيجة لتلك المعارضة،

نشرة عللت فيها، ثانية، سبب قرارها، ومما10/1/1966بتاريخ ورد فيها أن القيادة القطرية:

قلصت واستبدلت المفهوم القومي للحزب بمفهوم قطري، - وأنها قد تسلطت وألغت حقيقة الحزب القومية وحولته إلى جهاز

إداري يخدم السلطة.229

لم تستجب في المؤتمر القطري االستثنائي )مؤتمر آب- ( الذي سبق حل القيادة القطرية منذ أكثر من خمسة1965

شهور إلى اقتراح القيادة القومية بتعليق النظام الداخلي وجمع الصالحيات في يد القيادة القومية، تمسكا منها )أي القيادة

القطرية( باألشكال النظامية، وحرصها على شكليات النظامالداخلي.

وورد فيها، أيضا أن: الخالف مع القيادة القطرية لم يكن مجرد صالحيات بل هي -

أزمة تتعلق بالمفهوم القومي للحزب. األزمة قد وصلت إلى حد أصبح معه الصراع على السلطة بين - العسكريين يهددبالصدام العام وتدمير الثورة وتبين أن األزمة

.تستعصي على المعالجة إال بحل القيادة القطرية - القيادة القومية لم تقم تكتال جديدا عندما لجأت إلى تعيين

القيادة الحزبية الجديدة . 28/12/65 وفي الرد على رسالة من قيادة فرع حماة بتاريخ

تستفسر فيها عن األسباب الحقيقية لحل القيادة لعدم اقتناعها بالمبررات التي وردت في نشرات القيادة القومية، حدد األمين العام في إجابته نقاطا ثالث اعتبرها قاسما مشتركا بين جميع القيادات القطرية التي تولت المسؤولية منذ الثامن من آذار،

وهي: – التسلط العسكري فيها وعليها.1 – إهمال القيادة القومية وتركيز السلطة القطرية.2 – عدم وقوفها أمام بعض االنحرافات الفكرية وتشجيعها3

أحيانا لها. إعداد قوائم بقصد تصفية الموالين الجديدة بدأت القيادة

للقيادة القطرية، وكذلك كان الفريق أمين الحافظ يطرح بإلحاح ضرورة تطهير الجيش من جميع الضباط الذين ال

قترح لجوء القيادة الجديدة إلىايوالون القيادة الجديدة،كما أحد المعسكرات الموالية، ومنه تشن هجوما على أنصار

القيادة القطرية إذا لم ينصاعوا لما سيتخذ بحقهم من علىإجراءات، ولكن بعض أعضاء القيادة الحزبية العليا كان

خالف مع الفريق ويخشى من تسلطه ومن الحلول العسكرية التي تتخبط بها القيادة، كماالتي يطرحها إلنهاء التخبطات

كان الفريق يتهم القيادة بالتآمر عليه، وفي الوقت نفسه كان بعض أعضاء هذه القيادة في خشية من أالعيب اللواء محمد

مناوراته واضحة جدا، "فوسطاء الخير الذينكانت عمران، و أصلحوا ما بينه وبين األستاذ صالح في الصيف عند قدومه من

230

إسبانيا في إجازة، وأقنعوا األستاذ صالح واألستاذ ميشيل، ثم الفريق أمين الحافظ، دون علمنا، فإن اللواء عمران متفق

يرى حال ألزمة الحزب إال بحل القيادة معهم في الرأي، وأنه ال وحسب تصور القيادة القومية، فإن مهمة اللواء ("،11)القطرية

محمد عمران تتلخص في: جيش الذي فقد كل معنى من معانيال إعادة االنضباط إلى -

.االنضباط العسكري أو الحزبي إبعاد الضباط المتسلطين وبخاصة المقدم عزت جديد -

والرائد سليم حاطوم. يبني ولكن القيادة الحزبية العليا أدركت بأن اللواء عمران بدأ

قواعده الخاصة في الجيش، ويأخذ خطا مناهضا للفريق، وكان )يؤخر كل إجراء لنقل أي ضابط من الذين يهم القيادة نقلهم

حتى ينتهي الشهر الذي حددته القيادة وحصرت حق نقل الضباط شاء من التنقالت، فيها(، وبعدها تعود إليه السلطة في إجراء ما

)وكلما أردنا أن نتخذ قرارا بنقل الضباط الذين اتفقنا على نقلهم، أخبرنا بأن نقل هؤالء يحتاج أوال إلى تغييرات في موازين القوى لنضمن تنفيذ أوامر النقل وإال تعرضنا لعصيانهم وانقالبهم على

الحكم، وقدم لنا قوائم بنقل ضباط آخرين من مراكز عملهم)تستهدف أول ما تستهدف أنصار القيادة القومية وأنصار الفريق

12).) لواء محمد عمران، في الوقت نفسه، يتفاوض مع ال كان

ومع بعض أشخاص من الوحدويين األستاذ صالح البيطارنقالب يهدف إلى:ااالشتراكيين، للقيام ب

هو( إذا اقتضى)فيهم ـ إبعاد كل أعضاء اللجنة العسكرية، بما1. شريطة أن يعود بعد فترة، األمر

(13)ـ استالم الرفيق صالح البيطار منصب رئيس الدولة.2 وفي مجال التنظيم الحزبي في القطر السوري، كانت القيادة

الحزبية الموسعة قد قررت إعادة النظر في تركيب الحزب وفي.(14)إعادة تنظيمه مجددا، وتوجيهه وفق توجهات القيادة الجديدة

وفي مجال الحكم، فقد عجزت الحكومة عن تنفيذ أية خطوة إيجابية، مدة ثالثة وخمسين يوما التي قضتها في السلطة، ولقد

دخلت الحكومة وخرجت ولم تنتج شيئا، )كنا نسمع جعجعة ونريد يمنعها أن نرى الطحن(، و )إذا كان في القيادة من التناقضات ما

(. (15)ويعطلها، فمجلس الوزراء لم يكن فيه تناقض إطالقا وعلى الصعيد الشعبي، بدأت األجهزة المختصة باإليعاز لتشكيل وفود من أحياء مدينة دمشق ومن المدن األخرى، لتقديم التهنئة إلى الفريق أمين الحافظ، رئيس مجلس الرئاسة، وإلى األستاذ

231

صالح البيطار رئيس الوزارة، على خطوة حل القيادة و )بعض تم في سورية هو البسطاء من بين أعضاء الوفود،حسبوا أن ما

ما حصل في العراق نفسه، في الردة التشرينية، حتى بعض كانون الثاني5أعضاء الوفود التي أمت قصر الضيافة يوم األربعاء

قال: "الحمد لله يا سيادة الرئيس اللي خلصتنا من حزب1966 البعث(،كما أن الصحف كانت تكتب وعلى امتداد عدة أيام عن

لى قصر الضيافة ودار الحكومة إلعالنإاستمرار تدفق الوفود التأييد الكامل إلجراءات القيادة القومية.

في هذه األجواء المشحونة التي تنذر بالخطر على مصير الحزب والثورة، طلب الكثيرون من قيادات الفروع والشعب

القيادة القطرية، ضرورة تحمل مسؤوليتها في قيادةمن الحزبية التنظيم الحزبي وتوجيهه، وفي لقاء ألعضاء القيادة القطرية،

باستمرار، كمؤسسة حزبية قيادية تمت الموافقة على االجتماع لحماية الحزب وصيانة حكمه، وطلبت من بعض الرفاق النشطاء، أعضاء المؤتمر القطري، التوجه بكتاب إلى القيادة القومية موقع

من ثلث أعضاء المؤتمر، لعقد دورة استثنائية له، عمال بأحكام من النظام الداخلي لعام2 فقرة 87، والمادة 8 فقرة 61المادة ، والتي تنص: )تعقد المؤتمرات الحزبية دورات استثنائية1965

بناء على دعوة من القيادة المختصة أو بناء على طلب ثلث األعضاء األصالء للمؤتمر، وعلى أمين القيادة توجيه الدعوة لعقد المؤتمر خالل مدة أقصاها الشهر، وفي حال عدم دعوة المؤتمر

من قبل القيادة المختصة يحق لألعضاء الذين تقدموا بالطلب تشكيل لجنة تنظيمية لها الحق في الدعوة والتهيئة لعقد مؤتمر

استثنائي وإذا توفر النصاب القانوني تصبح قراراته ضمن صالحياته قرارات ملزمة(، ولقد تم تقديم هذا الطلب إلى القيادة

، وقررت القيادة القطرية،أيضا:25/1/1965القومية بتاريخ أمين الحافظ وحسام حيزة إلى اجتماعاتها ـ عدم دعوة الفريق

لموقف المعادي الواضح للقيادة لبالنسبة لألول، ولتعاطف الثاني معه.

ـ توسيع القيادة بإضافة بعض أعضاء اللجنة العسكرية المنحلة أحمد، العقيد إليها، وتم إضافة كل من العقيد أحمد المير محمود

سويداني، الرائد مصطفى الحاج علي. منيفالدكتورـ االتصال الدائم بشكل فردي مع األمين العام

الرزاز، لحثه على ضرورة دعوة المؤتمر القطري أو المؤتمر القومي لدورة استثنائية، وكذلك تم تكليف بعض الرفاق المدنيين

والعسكريين من غير أعضاء القيادة، للقيام بالغرض نفسه.

232

ـ تشكيل لجنة يحضرها أي من أعضاء القيادة التي سمت نفسها "القيادة القطرية المؤقتة"، مهمتها إعداد التقارير التي ستوضح وجهة نظر القيادة في األزمة، وفي الوضع السياسي، على أن

المؤتمرين قبل الموعد المحددأحد تنجز التقارير وتقدم إلى بدورة استثنائية. لعقدهما

كان توجه القيادة القطرية المؤقتة، حل األزمة، عن طريق المؤسسات الحزبية ذات االختصاص واستبعاد أي عمل عسكري، وفعال قام أكثر أعضاء القيادة المؤقتة والنشطاء الحزبيون بلقاء

األمين العام، وألحوا عليه ضرورة أن تأخذ مؤسسات الحزب دورها لحل هذه األزمة، وطرحت عليه اقتراحات بديلة في حال عدم الموافقة على دعوة أحد المؤتمرين لدورة استثنائية، ومن

جديد،هذه االقتراحات، إجراء انتخابات حزبية لعقد مؤتمر قطري ولكن األمين العام ومعه بعض أعضاء القيادة القومية، كانوا

يواصلون التأزيم إلى نهاية الشوط وكانت إجابته إلى كل الذينحاوروه تتلخص في:

ـ عدم دعوة أي مؤتمر لدورة استثنائية. يص الحزب منلـ عدم إجراء انتخابات حزبية إال بعد تخ

)المنحرفين(. ـ إعادة الحزبيين الموالين لألستاذين ميشيل عفلق وصالح

البيطار إلى التنظيم، )علما أن هؤالء لم يتقدموا بطلبات عودةإلى الحزب، ال في فترة االنفصال وال بعد الثامن من آذار(.

رؤية القيادة القطرية المؤقتة للمستقبل أثناء فترة الحوار مع األمين العام،كانت القيادة القطرية

تسرع في إعداد التقارير الالزمة التي توحد رؤيتها لألزمةالمؤقته هذه انجاز ولقد تم ونظرتها إلى المستقبل على كل األصعدة،

.1966شباط 23التقارير قبل : حول األزمة الحالية- 1

ـ ظهور منطق الوصاية على الحكم والسلطة إلى جانب منطقإحالل فرد محل القيادة الجماعية(.)الوصاية على الحزب،

ـ الصراع الداخلي بين مختلف مؤسسات الحزب والحكم،وانعكاس آثاره على الحياة العامة واليومية للمواطنين.

ـ استغالل شعار )وحدة الحزب( في محاولة منع األكثرية من ممارسة مهامها وصالحياتها الممنوحة لها في النظام الداخلي

يمكن أن تتحقق في ومقررات المؤتمرات، وأن وحدة الحزب ال المفاوضات واالتفاقات بين األطراف، وال بالحلول الفوقية

والتوفيقية التكتيكية.

233

ـ محاولة تفتيت وحدة الجيش و إدخال التناقضات على بنيتهالعقائدية والشعبية الطبقية.

ـ زج القواعد العسكرية الحزبية في معترك الصراع في األزماتالتي كانت تنشأ بين القيادات الحزبية.

ـ انعدام الرقابة والمحاسبة الحزبية سهل نمو الشعور بالالمباالةوأضاع المسؤولية.

ـ محاولة الفئات السياسية المعادية والطابور الخامس خلقالتناقضات وتعميق الجوانب السلبية في الجيش.

ـ تحرك مجموعة من غير الحزبيين في الجيش بشكل واضح، عندما شعرت أن بين الحزبيين من يدغدغها ويغازلها ويطريها،

وهذا ما جعلها تشعر بأهميتها في مجال الصراع الدائر بينالحزبيين.

جاوز الظواهر السلبية، وخاصة في الجيشت وأوصى التقرير لباآلتي:

ـ ربط الجيش بالحزب ربطا عضويا.ـ إعادة النظر بالتنظيم الحزبي في الجيش على ضوء التجربة.

ـ التأكيد على أن سلوك الحزبي هو ملك الحزب وليس ملكنفسه.

ـ تطبيق الصيغ التي أقرتها المؤتمرات الحزبية في تحديد ميدان وظيفة الجيش، وفي فصل السلطات العسكرية عن المدنية،

صبا وزير الدفاع ورئيس األركان في حالنعلى أن يستثنى منجاحهما بعضوية القيادة القطرية أو القيادة القومية.

- في المجال السياسي للحزب كحزب عربي قومي اشتراكي:2 ، في مجال السياسة الداخلية:أوال للوصول إلى تقييم علمي لتجربة الثورة في القطر السوري

خالل المرحلة الماضية، ال بد من معرفة حقيقية للعوامل الذاتية التي عاشت تحت وطأتها قيادة الحزب والحكم من ناحية، وال بد

أيضا من إحاطة تامة بالظروف الواقعية للقطر السوري منناحية ثانية.

أخذت الثورة طابع االنقالب العسكري، وأدركت أنها بحاجة إلى مزيد من الوضوح النظري ووضع استراتيجية علمية لها في شتى

ان عليها إخالصا منها لحقيقتها ولمهمتها التاريخية،كالمجاالت، ف أن تكون ثورة شعبية اشتراكية، بل ومنطلقا للثورة العربية

الشاملة، وأن تطور واقعها على ضوء معطيات التجربةوالممارسة العملية.

نهاج المرحلي،م لقد عالجت مقررات مؤتمرات الحزب وال مشكالت البناء الثوري في كل القطاعات، غير أن تلك المناهج

234

والخطط كانت تلقى ترددا في التطبيق أو تجاوزا وتنكرا لها وذلك نتيجة للتناقضات األساسية التي سيطرت على قيادات الحزب

العليا وأدت بدورها إلى فقدان القيادة السياسية الواحدة للثورة التي يفترض فيها توفر الحد األدنى من وحدة النظر ووحدة

األسلوب، وقد تبين وجود ثالثة اتجاهات في قيادة الحزبوالثورة.

آ ـ تيار إصالحي غير مؤمن باستمرار الخط الثوري. ب ـ تيار يعمل على تعطيل دور الحزب وتجاوز مؤسساته تمهيدا

لقيام حكم فردي. ج ـ تيار انتهازي يحاول استغالل مواقعه لضرب الثورة وتنفيذ

مخططاته. هذا التناقض أدى إلى شل قدرة الحزب القيادية لقيادة

الجماهير، كما أدى إلى االنسياب في التنظيم الحزبي، وضعفلية وظهور روح التكتل واالنتهازية.وؤسالشعور بالم

أما على صعيد الحكم،لم يكن للثورة هوية واضحة على جميع المستويات، فكانت نتيجة ذلك مترددة المواقف ومتناقضتها، وغير مقدامة لتباين العقلية في القيادة ونقص التجربة وعدم

الوضوح. وعلى صعيد الوضع االقتصادي، البد من وضع خطة محكمة

علمية ومركزية للقطاع االقتصادي، ووضع حلول عاجلة لقضايا عديدة يأتي في طليعتها معالجة الجهاز اإلداري في مؤسسات القطاع االقتصادي ومكافحة الغالء والبطالة وتهريب الرساميل

وأزمة السكن وتسويق اإلنتاج وغيرها . أما على صعيد أجهزة األمن، فإن تضخيم صالحياتها وحرفها

عن مدلوالتها ومهمتها األساسية التي تفترض أن تقوم في دولة اشتراكية، وأن استغاللها لصالحياتها بالحد من الحريات العامة

للمواطنين وتماديها أكثر من ذلك إلى حد التدخل في منظمات الحزب ومؤسساته،كل ذلك أدى إلى تشويه صورة الحزب

والثورة لدى الجماهير، ويجب محو اآلثار السيئة الناجمة عن ذلك ومحاسبة المسؤولين عنها والوقوف بوجهها بكل حزم لمنع تجاوز هذه األجهزة لمهماتها في المستقبل، ومن الضروري تنظيم جهاز

األمن والمخابرات، وذلك بأن تكون هناك ثالث مؤسسات لكلمنها مهمتها الخاصة المحددة وهي:

ـ الشعبة السياسية وترتبط بوزارة الداخلية.1 ـ المخابرات العسكرية ومهمتها الحفاظ على أمن الجيش2

وترتبط بالمؤسسات المسؤولة في الجيش.

235

ـ المخابرات العامة وترتبط بالقيادة القطرية ومهمتها تقديم3 دراسات ومعلومات عامة، دون التدخل في شؤون المواطنين

بصورة مباشرة. وفي مجال الحريات العامة والتعبير عن الرأي، فإن

الديمقراطية الشعبية هي النظام األمثل الذي يتيح للشعب قيادة الثورة نحو تحقيق أهدافها، وأن الصيغة العملية لتنفيذ ذلك

النظام تتجسد في قيادة الحزب الطالئعي الثوري للمنظماتالجماهيرية الشعبية.

إن ثورة آذار يجب أن تتيح لكل المواطنين التقدميين واليساريين الشرفاء من خالل منظماتهم الشعبية والنقابية

وإلى أقصى اءنالحرية التامة في نقد الثورة والحزب نقدا إيجابيا بالحدود.

لكل القوى التقدميةا إن ثورة آذار يجب أن تفتح صدره واليسارية في القطر السوري، إذ ليس من الطبيعي أن يظل

هناك اشتراكي حقيقي خارج نطاق المعركة االشتراكية، وليس من المعقول أن يقف مناضل وحدوي تقدمي بعيدا عن المشاركة

اإليجابية في ثورة الوحدة والحرية واالشتراكية. إن الخالفات التي تقوم بين الحزب وبين أي من القوى

تحول دون لقاء ن الأالتقدمية هي أمور ومشكالت جانبية يجب القوى التقدمية في معركتها المصيرية مع االستعمار وعمالئه من

الرجعيين والرأسماليين. آذار يجب أن تؤكد على االنفتاح واللقاء مع هذهة إن ثور

القوى، وأن عليها اتخاذ خطوات جدية لتحويل تلك النوايا واإلرادةالصادقة إلى واقع عملي ملموس.

على قيادة الحزب أن تستكمل تأسيس منظمات شعبية شبيبة، وتوفير الحريات الكاملة في العملللقطاعات الحرفيين وا

النقابي وتنمية الوعي الطبقي وإشاعة روح الديمقراطية فيالمنظمات الشعبية.

كما ناقشت القيادة القطرية المؤقتة واقع التأميم والتحوالت االشتراكية، وواقع جهاز الحكم، وضرورة وضع دستور دائم

للقطر، وتطبيق المنهاج المرحلي، وناقشت واقع التعليم واإلعالموالخدمات وتجربة الجيش العقائدي.

ألوضاع الطبقاتا ورأت القيادة القطرية المؤقتة، بعد تحليله االجتماعية في القطر، ضرورة اتباع سياسة حازمة ال مهادنة فيها وال تراجع تجاه القوى المستغلة، ألن كل موقف غير هذا هو تمييع

للخط الثوري وتنكر اللتزام الحزب بمصلحة الجماهير الشعبية

236

الكادحة، أما الطبقة البرجوازية الصغيرة، فيجب توعيتها لتدركأن مصلحتها تتحقق بانتصار قضية الثورة.

، في مجال السياسة العربية: ثانيا مؤقتة، حول الوضع العربي،ل كانت تصورات القيادة القطرية ا

تتلخص في: - إن العرب اليوم وهم جزء من هذا العالم المتصارع يتطلعون

مكانياتهم الحقيقية ويفتشون عناإلى واقعهم يتلمسون فيه الطريق الذي يوصلهم لبلوغ أهدافهم واالنتصار على القوى التي تعوق تقدمهم وتقف حائال بينهم وبين القيام بدورهم الكامل في

تأكيد المثل اإلنسانية. يتشبث اآلن بكل قواه إلبقاء سيطرته - إن االستعمار الجديد

االقتصادية والسياسية والثقافية على هذه البقعة من العالم )أيي(.بالوطن العر

- إن العرب يخوضون معركة جدية وحاسمة ضد االستعمار الجديد وأساليبه المتطورة في السيطرة والتشبث بمقدرات

وطننا وثرواته وطرق مواصالته ومعابره الدولية. - إن المعركة كانت فيما مضى سافرة واضحة، وهي اليوم أشد ضراوة وأكثر حسما وفائدة، إنها اليوم معركة مصيرية، معركة بين القوى الثورية المؤمنة بالشعب وأهدافه الكاملة من جهة،

وبين االستعمار و الطبقات التي انشدت إليه بحكم ارتباطهابمصارفه ورساميله من جهة أخرى.ي المصير

- إن أساليب االستعمار الجديد في الوطن العربي أخذت طبيعة اتحاد مصيري بين االستعمار وبين الطبقة الرأسمالية العربية

وأنظمة الحكم العميلة المتحالفة معها. - إن االستعمار والدول العربية المرتبطة به يقومان بمحاربة ذكية

متئدة ألنظمة الحكم التقدمية واإليقاع بينها، ويحاوالن باستماتة لجم اندفاعها في الطريق الثوري الكامل سواء عن طريق الضغط والتلويح بالحصار االقتصادي أم عن طريق الوعود

بالقروض والرشاوى، أو الدعوة إلى وحدة الصف العربي أوالتضامن العربي.

- إن الدعوة لقيام حلف إسالمي ال يجوز اعتبارها إحياء لحلف بغداد فقط، بل هي في الحقيقة أشد خطرا وأكثر تأثيرا، نظرا

المتداد هذا الحلف إلى بقاع أخرى لم يشملها حلف بغداد، في تهديم الوحدةومحاولة هذا الحلف استغالل الشعور الديني

التخاذ مواقعالوطنية، إن هذا الحلف هو تحريض للرجعية العربية الهجوم واالنقضاض على الجماهير العربية ومكتسباتها باستغالل

237

يها لصرف أنظارها نهائيا عن معركة التحرردالشعور الديني لوبناء االشتراكية.

- إن القوى التقدمية في األيام األولى لوحدة مصر وسورية كانت كاسحا في القوىافي أوج قوتها، وقد رافق هذه الوحدة نمو

نطاق الوطن العربي، وقد تجلى هذا النمو في التقدمية علىاالندفاعات الشعبية الوطنية في أكثر بقاع الوطن العربي.

- إن الصراع بين القوى التقدمية العربية، ترك عقدا، جعل شعار لقاء القوى التقدمية ووحدتها يبقى شعارا مجردا، فنظام الحكم

في الجمهورية العربية المتحدة، وحكم الحزب في سورية، والحكم الثوري في الجزائر،لم يجدوا حتى اآلن صيغة عملية توحد

نضالهم ضد االستعمار. - إن الصراع القائم بين القوى التقدمية العربية يتمثل بصورة

رئيسية بالصراع القائم بين حزب البعث العربي االشتراكي وأنصاره والمتفهمين لمواقفه ودولته في سورية، وبين عبد

الناصر ونظامه والقوى الدائرة في فلكه، وهذا الصراع شغلها عن متابعة المهمة األساسية في محاربة االستعمار واألنظمة

الرجعية، وأقعد جميع القوى والحكومات التقدمية عن المبادرة. إلى طرح اللقاء الثوري بينها وتحقيقه عمليا

- إن وطننا العربي يمر بمرحلة حاسمة، وهذا يتطلب التحرك بسرعة وبصورة جدية لاللتقاء مع القوى التقدمية التي تقف

موقف الحياد لدفعها إلى الموقف اإليجابي الذي يستطيع المساهمة في حل العقد القائمة بين القوى التقدمية األخرى

ضمن أسس موضوعية واعية لظروف المعركة العالمية، إن مثل هذا اللقاء سيكون له أثر حاسم ومباشر في مختلف القضايا

حة، وعلى رأسها توفير جو من الثقة التامةوالقومية المطر للتفاعل المتبادل، ويخلق بالنتيجة الشروط الموضوعية إلقامة

الوحدة العربية على أسس شعبية اشتراكية. مسؤوليته للمبادرة بصورة جدية إلى طرحب- إن الحزب يشعر

هذا اللقاء وخلق الظروف الموضوعية لتحقيقه، وذلك بتعبئة الشعور الشعبي وتحريك المنظمات الشعبية والجماهيرية لتقوم

يحتم هذا اللقاء بدورها في جعل هذا اللقاء أمرا محتوما، وأن ما والدخول في المعركة، هي المعركة الرئيسية المصيرية في

تحرير فلسطين. - إن القوى التقدمية أصبحت على بينة من بطالن شعار وحدة

الصف، أو وحدة العمل العربي الذي كانت مؤتمرات القمة هي الصيغة العملية لتحقيق ذلك، وكانت هي المهرب الذي لجأت إليه

القوى التقدمية لتغطية انقسامها والتنصل من مسؤولياتها في238

التحرير، وأن محاوالت الحزب المتعددة لنقد هذه المؤتمرات ونتائجها لم تبرئ ساحته في نظر الشعب العربي، والنتيجة التي

ن هذه المؤتمرات عودة مفضوحة إلى العملأيحسها الشعب التقليدي الفاشل.

- إن سياسة التضامن العربي وسياسة وحدة الصف العربي سياسة تجاوزها الزمن كما تجاوزها منطق النضال العربي، ففي مثل هذه الظروف، يساعد التضامن العربي في تكريس األنظمة

قدم لها سالحا تضرب به الحركات التقدميةيالرجعية القائمة ووتجهض نضال الجماهير العربية.

- إن الطرح التقليدي لمعركة تحرير فلسطين، ومقررات لتزمت منطقه، ستؤدي في النهاية إلىامؤتمرات القمة التي

تكديس األسلحة في مختلف البالد العربية، يقابله إبقاء األوضاع خلفة وعدم القدرة على تجاوزها وتعطيل كل مشاريع التنميةتالم

شي للفرديوما يخلفه ذلك من عجز عن تطوير المستوى المع. العربي

- إن الزمن ليس في صالح العرب على اإلطالق، وأن كل يوم االقتصادية، بل إنوإسرائيل" العسكرية "يمر تزداد فيه قوة

استفادتها من الزمن يسير بشكل متصاعد بعد أن أخذت تفكر باالستفادة من الذرة سواء في السلم أم في الحرب. لذا كان

البد من التفكير بعمل ثوري حاسم يشل استفادة "إسرائيل" من الزمن ويضرب كل مخططاتها المبنية على ذلك، إذا، البد من

طرح البدء بالمعركة، وبالطبع فإن مثل هذا الطرح يتطلب تحديدا لطبيعة المعركة وأسلوبها وأداتها، إن الطريق الوحيد للوقوف في

وجه القوة العاتية هو حرب التحرير الشعبية، والبد لهذه الحرب ال معينا ينسجم مع الواقع العربي ومقوماتهكأن تتخذ ش

ومعطياته، على أن يحلل ذلك بنظرة ثورية تكشف اإلمكانيات تتصور مستقبل تطورها ونموها، إن معركة من هذاوالحقيقية

النوع يجب أن يخطط لها لتكون نقطة االنطالق ال لتحرير فلسطين فقط بل لتحرير وتوحيد الوطن العربي بأسره، وفي

الحقيقة لم يبق أمام العرب إال معركة من هذا النوع. - إن العمل الذي يجب أن تقوده طالئع البعث العربي االشتراكي

هو العمل من أجل الوحدة، بصورة رئيسية في النطاق القومي إن القوى الثورية الجماهيرية المنظمة هي األداة الموضوعية التي تصنع الوحدة وتحميها وترسخها، لذا فإن أفضل أشكال

الوحدة وأرسخها هي التي تأتي حصيلة لنضال ثوري جماهيري. - إن الوحدة العربية سوف تتم على مراحل، وهذه المرحلية في

تحقيق الوحدة ال تشكل خطرا على الوحدة الشاملة مادامت239

ناجمة عن بعض الظروف الموضوعية للنضال العربي، وهيليست تعبيرا عن نظريات شبه انفصالية وشبه إقليمية.

- إن العمل من أجل الوحدة هو منطلق نضالنا وسياستنا، وعلينا ؤولية المباشرة في خلق المبادرات الدائمة التي تهيئستقع الم

الشروط الموضوعية إلقامتها على أسس شعبية. - إن السير في التحويل االشتراكي للمجتمع هو خطوة وحدوية

وثورية في الوقت نفسه ألنه يؤدي إلى إزالة المرتكزات القطرية لقوى الرأسمالية االنفصالية، ويفتح الطريق أمام الجماهير

العربية الكادحة لصب طاقاتها في مجرى النضال الوحدوي. - إن الوحدة في مفهومها الديمقراطي يجب أن تأتي تتويجا

للنضال العربي الثوري الموحد، وعلى سلطة الحزب في القطر السوري أن تعمل دوما على توفير الشروط للقاء وحشد جهود

القوى التقدمية في الوطن العربي. - إن الوحدة العربية كبقية الوحدات القومية، تهيئ لهذه البالد

فرصا كبرى للنماء االقتصادي والتصنيع والتقدم االجتماعي. نضال مننفسه - إن النضال من أجل الوحدة، هو في الوقت

طور والمتقدم، وهو في الوقت نفسه،تأجل البناء االقتصادي الم نضال من أجل تحرير جزء كبير من العالم من وطأة السيطرة

اإلمبريالية. - إن العمل الوحدوي الحقيقي في أي صقع من أصقاع األرض يأتي في طليعة األعمال الثورية التي تؤدي إلى قبر اإلمبريالية

وإنقاذ اإلنسانية من وطأتها. - إن لقاء القوى التقدمية ضرورة البد منها النتصار قضية الثورة

العربية، وعلى المنظمات الشعبية أن تقوم بدور رئيس فيتحقيق هذا اللقاء.

- إن الجهود المبذولة لتحقيق لقاء القوى التقدمية وتوحيد نضالها، يجب أن ترتبط باالستعداد الجدي لمعركة تحرير فلسطين وغيرها

م خوضها، ذلك أن جوثمن المعارك القومية والتحررية ومن المعركة وحده كفيل بالقضاء على الجوانب السلبية في واقع تلك

الحركات وجعل هذا اللقاء أكثر تماسكا وصدقا. - إن مؤتمرات القمة العربية هي عودة إلى العمل التقليدي إزاء تحرير فلسطين وتضليل الشعب العربي وامتصاص نقمته، وهي

تمييع للقضية الفلسطينية ومحاولة إلجهاض ظهور أية حركة ثورية لتحرير فلسطين، ولقد عمل ميثاق التضامن على تكريس

األنظمة الرجعية البالية من غضبة الجماهير العربية. - إن سلطة الحزب في القطر السوري عليها أن تبادر إلى وضع

خطة للحرب الشعبية لتحرير فلسطين، وأن تحدد موقفها من240

منظمة التحرير الفلسطينية التي هي نتيجة من نتائج مؤتمرات القمة، وبالتالي فهي غير قادرة على حمل أعباء مهمة معركة

التحرير. - إن إذكاء الشعور العربي في األجزاء المغتصبة من الوطن

العربي مثل اسكندرون وعربستان، ضرورة للبدء بنضال من أجلطن األم.واستعادة هذه األجزاء إلى ال

- إن إعادة تقييم نكسة الحزب في القطر العراقي وكشفالحقائق ضرورة لوضع استراتيجية شاملة بشأن هذا القطر.

في مجال السياسة الدولية:، ثالثا يمكن تحديد المالمح العامة للسياسة الدولية بـ:

الحاجاتو- انقسام العالم إلى معسكرات تبعا للظروف الدولية االقتصادية والروحية لدى الشعوب، وهذا االنقسام قلق غير

نة السلم والحرب.زممستقر يتبدل ويتغير في أ - انحسار االستعمار العسكري بسبب تعاظم قوة الشعوب على مجابهة التحديات اإلمبريالية بشكل قوي وفعال، وانعدام الحاجة.غير المشروعة لهذه المناطق المستعمرة بسبب وسائل الدمار

لشعوب المستضعفة أن تظل الصين على تحديهاا- من مصلحة لإلمبريالية العالمية، ألن هذا التحدي يضعف اإلمبريالية عسكريا

ويفقدها هيبتها االستعمارية. - من مصلحة الشعوب المستضعفة أن تستفيد من فتح االتحاد

تي أبوابه عليها، ولظروف االتحاد السوفييتي ووجهةيالسوفي نظره في اتباع سياسة التعايش السلمي، اكتفى في تحديه

لإلمبريالية بتقديم العون المادي أو المعنوي في الحدود التي ال. تتطور إلى حرب عالمية

تي، أضعف من قدرةي- إن التناقض بين الصين واالتحاد السوفي.المعسكر االشتراكي على التحدي

- إن مصلحة الشعوب المستضعفة أن تكتل نفسها في أطرسياسية تساعد على كسر طوق االستعمار وبناء بلدانها.

كما يمكن تحديد األساليب التي يتبعها االستعمار بـ: - إن الدول الرأسمالية بزعامة الواليات المتحدة وانكلترا اتبعت1

أساليب متعددة لعرقلة التطور العالمي وإطالة أمد تحرر البلدان:، فهيالمتخلفة

أ- أعطت فلسطين لمجموعات من شذاذ اآلفاق، وأمدتها بما هو فوق طاقتها من عتاد وسالح لتهدد الوجود العربي، ولتجبر العرب

إلى البحث عن السالح دفاعا عن النفس وفي سبيل استرداد مفضلين ذلك على النماء والتطور االقتصادي، األرض المغتصبة

واالهتمام بالمشاريع الحيوية.241

ب - قسمت ألمانيا، وشبه الجزيرة الهندية. قامت دولة جنوب أفريقيا، ودولة روديسيا العنصريتين فيأج -

القارة األفريقية. - تسلل االستعمار إلى كتلة الحياد اإليجابي ومحاولته اإلفادة2

من هذه الكتلة في تنفيذ مخططاته، ولجم النضال التي تخوضه شعوب العالم الثالث حفاظا على استقاللها، وبعيدا عن

الصراعات الدولية، وحرصا على عدم تصنيفها في صف أحدالمعسكرين.

- الدأب المستمر للدول االمبريالية من أجل السيطرة على3 خيرات الدول النامية وإعاقة تطورها، وحرصها على إبقاء

الشعوب المستضعفة مجزأة ومقسمة إلى دويالت صغيرة. - عندما أدرك االستعمار أن عروشا وجمهوريات غالية على قلبه4 ولية صمام األماندنتهى دورها المرسوم، وجدت اإلمبريالية الا

في )الثورة األكذوبة( و )الثائرين المشعوذين( حتى ال تحل الكوارث بمصالحها، وهذا ما حصل في أميركا الالتينية وآسيا

قطع الطريق على الحركات الشعبيةيوإفريقيا، ظنا منه أنه بذلك الثورية التي تكافح لتضع شعوبها في طريق الحرية وفي دروب

التقدم والقوة. كما اتبعت اإلمبريالية الدولية أسلوب ترويض األحالم القومية

والثورية للشعوب المستضعفة بمنام البطوالت الفردية التييمارسها الحكام الفرديون إلبقائها متخلفة.

إن الشعوب المتخلفة التي يستطيع حكامها أن ينقذوها من )خرافة المعجزة القيادية( ليفتحوا أعينها على إمكانات الواقع،

ها المتخلف بكل ماعهي الشعوب التي تقوى على مقارعة واقتملك من قوة وصبر وعطاء.

وعلى الحكام أن ال ينساقوا بأساليب االكتفاء بضبط األمن, ولة التي يحكمونها وعظمتها الفارغة، متجاهليندوإظهار أبهة ال

الهوة الفاصلة بين مجتمعاتهم والمجتمعات اإلمبريالية والمسؤوليات الجسيمة الملقاة على عاتقهم لتقليص الهوة

ومحوها. - اتبعت اإلمبريالية العالمية أسلوب زعزعة ثقة العالم5

جها لبناءهالمستضعف بنفسه وتشكيكه باألساليب الثورية التي ينت نفسه ومستقبله, وذلك عن طريق تركيز جهوده وأمواله في

نقاط واهنة من العالم المستضعف، قابلة إلقامة السفاح الدولي فوق أراضيها ومنصرفة إلى مفاسد الحياة اإلنسانية بدل التطلع

إلى المستقبل القومي واإلنساني الكريمين.

242

- اتبعت اإلمبريالية العالمية األسلوب الثقافي الموجه الهجين6 لعرقلة التطور في البلدان المستضعفة، وتشويه مثقفي شعوب

هذه البلدان واقتالع جذورهم من التربة التي نشأوا عليها عيشها شعوبهم، وخلق ما يسمىتوإبعادهم عن القضايا التي

بطبقة مثقفين، تصبح عالة على شعبها وتنقطع عن التطلعات.الثورية، تحت ستار كثيف من االنهزامية

إن طبيعة النظام الرأسمالي وجشعه يحمل بين طياته بذور- 7 التناقض واالنقسام الحتمي، وإن بدت قدرته في كثير من األحيان

على تجاوز تلك التناقضات والحفاظ في فترات كثيرة على وحدته في صراعه مع القوى االشتراكية النامية المعبرة عن

تطور التاريخ نحو التقدم. ، انعكاسات السياسة الدولية على الوطن العربي: رابعا

: أ - انعكاسات المعسكر االمبريالي على المنطقة - الحفاظ على المصالح البترولية قبل كل شئ .

لتكون القاعدة األساسية واألخيرة للواليات" - دعم "إسرائيلارسة لالحتكارات االستعمارية في المنطقة.والحالمتحدة

والفردية في المنطقة، واصطناعة - دعم األنظمة العسكري بعض الصفات التقدمية الكاذبة إللهاء الجماهير وامتصاص نقمتها

من جهة، ولعزلها عن النضال اليومي في سبيل قضاياها مماينقص المناعة الثورية لدى الجماهير.

اإلمبريالية األميركية -و- التعاون المشترك بين الرجعية العربية االنكليزية.

- إطالق السعودية في الجزيرة العربية وتسليحها لحماية المصالحالبترولية في المنطقة.

-تحويل األردن إلى قاعدة رجعية وتغذية مطامح الملك حسينة والعراق.يفي السيطرة على سور

اسة السوفيتية على المنطقة:ي- انعكاسات الس ب - تنطلق السياسة السوفييتية من خالل فكرة استبعاد الحرب

العالمية ومن العقيدة الشيوعية. - دعم األنظمة المعادية لالستعمار ودعم الدول التي تسير في

يصلا لال رأسمالي, وتعتمد االتجاه االشتراكي، على أن لاالتطور المد الثوري إلى مرحلة خطيرة تهدد بخوض معركة مباشرة مع

حاد السوفييتي.تيريدها اال االستعمار قد تؤدي لحرب عالمية ال - إبعاد السيطرة اإلمبريالية عن المنطقة، ويظهر هذا خاصة في الوطن العربي نظرا لقربه من حدود االتحاد السوفييتي، ولكونه

مركزا استراتيجيا أساسيا في تطويق االتحاد السوفييتي،باإلضافة لموارده البترولية الضخمة.

243

- تأييد الحركات الشيوعية في المنطقة، ودعم الحركات الوطنية، اعتقادا منها بأن التحويل االشتراكي ومكافحة االستعمار يمكن أن

يتم عن غير طريق األحزاب الشيوعية. - تغيير الموقف من قضية فلسطين من خالل وضوح الحركة

الثورية العربية كحركة اشتراكية مناهضة لالستعمار في المنطقةوقادرة على الصمود في وجهه.

لة منع الحركات الثورية في الوطن العربي من التشددو- محاوالتزمت واألخذ بمنطق الصين.

- انعكاس سياسة الصين الشعبية: ج - تميل الصين إلى االلتزام المبدئي في سياستها الخارجية وتتجه

إلى التشدد الكامل في المواقف ضد االستعمار وضد االنتهازية السياسية، ويتجلى هذا في موقفها الواضح الصريح من قضية

فلسطين. تستطيع أن تحل في مجال التسليح - تدرك الصين أنها ال

والمساعدة االقتصادية للدول العربية محل االتحاد السوفييتي، تطمح إلى دفع الدول العربية التقدمية لمعاداةا ولهذا فهي ل

االتحاد السوفيتي وانتهاج سياسة التزمت والتشدد دون مقوماتواقعية.

- دول عدم االنحياز: د - محاولة هذه المجموعة، عدم استغاللها من أي من

ولها.دالمعسكرين، والحفاظ على الهوية الوطنية ل - موقف الحزب وسلطته:خامسا

- النضال مع شعوب العالم إللغاء القواعد العسكرية وجالء كلالجيوش األجنبية.

حالف االستعمارية. أل- محاربة ا-وقف سباق التسلح العالمي.

- العمل ضمن مجموعة دول عم االنحياز، لدفعها في الطريق الواضح للنضال ضد االستعمار وتحويلها إلى قوة فاعلة تؤثر

التقدم.وبشكل جدي في األحداث الدولية لمصلحة الحرية - التعاون مع كل الدول االشتراكية وتعزيز الصالت معها.

- الوقوف في وجه االحتكارات الرأسمالية والدولية ومحاربتهالمنعها من السيطرة على العالم.

- اللقاء مع كل القوى والحركات التقدمية في العالم. ب على فضح الحركة الصهيونية في العالملدؤو- العمل ا

.وارتباطها مع االستعمار - االستفادة من مواقف االتحاد السوفييتي من أجل تشديد

الهجمات على االستعمار.244

- االستفادة من مواقف الصين المبدئية بالنسبة لقضية فلسطينوالوحدة العربية في جميع المجاالت.

ـ في مجال التنظيم الحزبي:3 و - اعتبار مقررات المؤتمرات الحزبية )القومية والقطرية

خاصة مقررات المؤتمر القومي السادس وبعض المنطلقات النظرية الصادرة عنه( بدءا وأساسا يجب العمل على تعميقها

وتطويرها وإغنائها من خالل النضال والعمل الدؤوب، لتتكامل في إطار نظري يستوعب ويجاري تطلعات الجماهير العربية في بناء

المجتمع االشتراكي العربي الموحد. - اإلخالص الكامل في التطبيق للديمقراطية المركزية ضمن

مها ومنع كلاالحزب، والحرص على المؤسسات الحزبية واحتر تجاوز لها أو محاولة تخطيها، وااللتزام الكامل بالمقررات

الصادرة عن المؤتمرات الحزبية وتنفيذها بحزم ودون تردد. - التزام الصراحة التامة والوضوح الكامل مع القواعد الحزبية

الجماهير الشعبية ومنظماتها وإطالعها على كل الظروفو والمالبسات الداخلية والعربية والدولية، وشرح المصاعب والعقبات التي تعرقل السير الحثيث نحو األهداف القومية

واالشتراكية للمساهمة في إيجاد الحلول والنضال لتحقيقها. - الوقوف بحزم ضد الوجاهة العقائدية لبعض الحزبيين التي

ل كجواز مرور للوصول إلى منصب معين، واتخاذ اإلجراءاتغتست الكفيلة بنزع كل المنافع المادية التي لحقت بالرفاق الحزبيين

.(16)خالل المرحلة الماضيةدواعي التفكير بالعمل العسكري

كان توحيد رؤية القيادة القطرية المؤقتة حول األزمة والمهمات المطروحة أمامها في جميع المجاالت، وتوضيح

الصعوبات التي تقف عائقا أمام تحقيقها، شرطا ضروريا لوحدة جهد القيادة القطرية، ومن هذه الرؤية انصب القيادة والحزب

احيةلالمؤقتة، نحو ترسيخ دور المؤسسات الحزبية صاحبة الص في حل األزمة ولم يكن في توجهاتها اللجوء إلى أساليب بديلة، ولكن األمور على مستوى الحزب والحكم أخذت تتدهور بشكل

متسارع، كما كانت أجواء القيادة القومية تتأزم باستمرار ، كما بدأت االنقساماتووجهات نظر أعضائها تتباين وتتباعد

البعض منهم يشكك بنوايا البعضأخذ ، وتظهر بين أبرز أعضائها ، وكان األستاذ ميشيل يرى أن مناورات اللواء عمران تعطلاآلخر

كل إمكانية لحسم األمور، ويتهمه بأنه يعمل على تعزيز االنقسام داخل صفوف القيادة، ويتهم األستاذ صالح بأنه لم يكن يعرف

إذ كان يصر على أن تصحيح الحكم21/12الهدف من قرارات 245

مفتاح لتصحيح الحزب، وأنه لم يطلعه على مضمون المقاالت التي كتبها في جريدة البعث وال على توقيت نشرها وفهمت

وكأنها أيديولوجية تيار القيادة القومية، وكانت عودة إلى القديم متجاهال ما طرأ من تطور على فكر الحزب، كما كان األستاذ

ميشيل يتهم األستاذ صالح ومجموعته بأنهم غارقون في مشكالت الحكم وبعيدون عن إدراك مناورات اللواء عمران الذي استطاع لفرط تأثيره عليهم أن يشل كل قدرة على التمييز والنقد لديهم

تساعدهم على رؤية المخاطر التي تسير فيها األمور. أدى لقد انتقلت األزمة إلى داخل القيادة الحزبية الموسعة، و

هذه القيادة وفقدان قدرتها على إدارة األزمةإلى عجز ذلك وحلها، ورغم ذلك لم يكن لبعض األعضاء ذوي التأثير فيها،

واللواءاألستاذين ميشيل وصالح والدكتور الرزاز والفريق أمين ، سوى طرح تصفية ممن يسمونهم بالمنحرفين فيعمران

الحزب واالنتقام من أبرز رموز االتجاه المخالف لهم، كل ذلك تحت شعار عشش في عقولهم: )تصحيح الحزب وإبعاد

رادالمنحرفين عنه وعن مؤسسات الحزب والحكم(، وظهرت بو عديدة تشير إلى ذلك من أبرزها، رفض كل المقترحات التي

تقدم بها الرفاق الذين يمثلون الرأي اآلخر، وأهمها دعوة المؤتمر وإصرارهم على تغيير، القومي الثامن إلى عقد دورة استثنائية

وخاصة في، هاءموازين قوى واقعية تالزم األزمات وتبرز أثنا القوات المسلحة، كما طرح، وبإصرار، تغيير بعض قيادات الفروع

وفصل كل عضو يقف موقفا غير ما تريده القيادة القومية. بدأت القيادة الحزبية العليا محاوالتها لتبديل مواقع بعض

الحزبيين العسكريين بقصد إضعاف الرأي اآلخر، وكان كل من يجد فيه محمد عمران يطرح ما واللواء الفريق أمين الحافظ

زاز: )كنا ننتظر أنرمصلحته وتدعيم مواقعه، ويقول الدكتور ال نتسلح بعمران وإذا بعمران ينقلب علينا، وبدال من أن يعمل على

تنفيذ إرادتنا يبني هو لنفسه بناءه الخاص ويجعل هدفه األول إضعاف الفريق الحافظ وقواته، متهما إياه بأنه هو الذي يهيئ

لالنقالب وأصبح كل اقتراح يقترحه أو إجراء يتخذه يجد المعارضة لفريق ولو كانت لمصلحتنا(، ويضيف )كنا نتخبط فياالفورية من

التناقضات، فمن جهة تناقض الفريق أمين الحافظ مع اللواء حافظ األسد، ثم تناقض االثنين مع اللواء عمران، ومن جهة ثانية

تناقض أكثرية القيادة مع اللواء حافظ والدكتور إبراهيم ممثلي ، ومن جهة ثالثة خالف أكثرية القيادة(17)القطريين في القيادة

مع الفريق أمين الحافظ وخشيتها من تسلطه أيضا ومن حلوله.((18)العسكرية

246

في حمأة هذا الصراع الداخلي في الحزب، والتسيب في السلطة، طرح شعار ) بطيخ يكسر بعضه ( من قبل قسم كبير

من المواطنين، وبعضهم ينتمي إلى طبقات لها مصلحة في الثورة، وهذا دليل على أن شرعية حكم الحزب قد اهتزت في

ضمير الشعب. القطرية كانت هذه األجواء السائدة، دافعا لبعض أعضاء القيادة

المؤقتة، من عسكريين ومدنيين، ومن إحساسهم لما يتهدد عا ألن يطرحوا ضرورةفالحزب والثورة من مخاطر، كانت دا

العمل العسكري بعد أن سدت جميع أي ار اآلخر،يدراسة االخت أطرافكان كل من السبل الحزبية من قبل القيادة القومية، و

هذه القيادة يعد العدة للقيام بانقالبه، وبالتوازي مع اإلصرار على اتباع األساليب الحزبية حتى اللحظة األخيرة، بدأت القيادة

العمل العسكري وكان ذلك قي القطرية المؤقتة بدراسة اختيار.1966بداية األسبوع الثاني من شهر شباط

وأخذ حيزا منالمؤقتة استوقف القيادة القطرية كان أول ما النقاش، هو أن حركة عسكرية قد تكون حلقة بداية في سلسلة

تح باب االنقالبات العسكرية، الذيفوبالتالي قد ت الحزب حكم من من آذار لتوصده إلى األبد، وأن الجيش الذياجاءت ثورة الث

نجهد لتحويله إلى جيش عقائدي يجب أن ينأى عن التفكير بمثل ذلك، وأن ينصب جهده على تنفيذ ما يخصه من أهداف الثورة

وعلى التزامه العميق بمصالح الطبقات الكادحة. وكان ثاني ما استوقف القيادة هو التفكير بوحدة الحزب

ي بأن وحدة الحزب القومية تكمن فيأالقومية، واتجه الر مصلحة الحزب والثورة، التي هي مصلحة األمة العربية

وجماهيرها المكافحة. لذا يجب بعد العمل العسكري، إذا حدث، العمل مباشرة على تشكيل لجنة تحضيرية، يكون أعضاؤها

مرشحين من قيادات المنظمات الحزبية في الوطن العربي والخارج، مهمتها اإلعداد لمؤتمر قومي منتخب، وذلك انطالقا من

ب وعدمزالشعور بالمسؤولية التاريخية للحفاظ على وحدة الحتشتته، وإيمانا ال يتزعزع بحقيقة الحزب القومية.

رأت القيادة القطرية المؤقته ضرورة بحثه هو وكان ثالث ما أن يكون العمل العسكري، إذا حدث،

يترسيخا لثورة الحزب، ونقلها إلى مواقع جادة في البناء الثورومكافحة اإلمبريالية.

وكان رابع ما أكدت عليه القيادة المؤقتة، هو دعوة المؤتمرالقطري الثاني، فورا، بعد الحركة النتخاب قيادة قطرية.

247

وتمهيدا لتنفيذ الصيغ المقترحة حول فصل السلطات في القيادةالعسكرية عن المدنية، طلب إلى الرفاق العسكريين

الذين يفضلون اختيار العمل السياسي وضع استقاالتهمالمؤقتة عبد الكريمتحت تصرف القيادة، وتقدم كل من صالح جديد،

محمد رباح الطويل باستقالته، بينما رغب الباقون العملالجندي، في ميدان الجيش مع تأكيد انضباطهم العسكري بمستوى رتبهم

العسكرية. تتالت اجتماعات القيادة القطرية المؤقتة بشكل يومي لبحث

ولكن بعض، الخيار العسكري وتقدير الموقف من كل جوانبه األعضاء لم يكن بعد قد حسم أمره للقيام بعمل عسكري، ومنهم

ي آخرين، ضرورة الحسمأأسد، بينما كان رالاللواء حافظ بسرعة وال ضير من تجاوز موقف اللواء حافظ، وينطلق هؤالء

بينما كان رأي من فرضية بأن موقفه سيكون إلى جانب القيادة أكثرية أعضاء القيادة، ويمثلهم اللواء صالح جديد، ضرورة

جماع الكامل من كل أعضاء القيادة حول هذا األمر، وال يجوزإال تجاوز أي رأي أو إهماله، وهذا شرط ضروري ومهم لوحدة

القيادة مستقبال. غلب القطعات العسكرية والفروع الحزبيةن أكان التقدير بأ

المدنية والعسكرية تقف إلى جانب القيادة، وكان تقييم القطعاتالعسكرية كالتالي:

- قطعات الجبهة مؤيدة باستثناء رئيس فرع المخابرات وقائد وقائد كتيبة الهندسة في مدينة القنيطرةالشرطة العسكرية

وهؤالء ليس لهم فاعلية كبيرة. .- الوحدات العسكرية في قطنا مؤيدة

- الوحدات المحيطة بدمشق، مؤيدة باستثناء الشرطة العسكرية،وهذه الوحدة يمكن السيطرة عليها ومنعها من التحرك.

غير مسيطر عليه، ووضعت خطة من قسمين70- اللواء - شل حركته من قبل فوج المدفعية1لتحقيق السيطرة عليه:

الصاروخية الذي يقوده عضو القيادة القطرية المؤقتة المقدم -2، محمد رباح الطويل وكان يعسكر وقتذاك بمنطقة اللواء

إدخال عدد من الضباط الذين ال يقودون قطعات عسكرية، حينها، ستعين بهم آمر اللواء العقيد أحمد المير محمود، إذا احتاج لهميل

في قيادة كتائب اللواء، إضافة إلى دعم جوي لمراقبة اللواء إذاتحرك، في حال فشل السيطرة.

الوحدة العسكرية في السويداء مؤيدة.- - الوحدات العسكرية في القطيفة مؤيدة، باستثناء آمر اللواء

المقدم موسى الزعبي.248

- موقع حمص وقطعاته العسكرية مؤيدة، باستثناء آمر اللواءالعقيد أحمد خضور ومدير الكلية الحربية المقدم بدر جمعة.

- القوى الجوية مؤيدة. -القوى البحرية وفوج المدفعية الساحلية مؤيدة.

-الوحدات الموجودة في مواقع حماه وحلب والمنطقة الشرقية، هي وحدات غير فاعلة ويمكن التعامل معها بسهولة في حال

عدم تأييد أي منها. اتخذت القيادة القطرية المؤقتة قرارا بضرورة تكثيف نشاط

ت التنظيم الحزبي، وشرح ما آلت إليه األمور،اأعضائها بين قياد كنات التي يرونها للتخلص من هذاموتلمس آرائهم حول الم

الوضع الذي آل إليه الحزب والسلطة والذي يزداد تأزما، ويتدهور بسرعة حتى بدأت تظهر بوادر الصدام في القوات المسلحة،

وأخذت ظاهرة األسرى تتفشى، كما تفشت ظاهرة تسيير بين القطعات العسكرية في دمشق العسكرية الدوريات

ود. جللتحرش والمراقبة وإثبات الو هذه هي حال الجيش الذي يفترض فيه أن يكون متماسكا

منسجما، كما بدأت المنافسات واألحقاد تتعمق بين البعثيين، أكثر فأكثر، والكل يضع يده على الزناد نتيجة التباين في فهم

واستيعاب عقيدة الحزب ونتيجة سيادة مفاهيم خاصة بعيدة كل أدى إلى البعد عن المفاهيم الحزبية والمنطق الحزبي، وهذا ما

فقد المناعة، وأصبح المناخ مالئما لكل متصيد يجيد حبك.الشائعات وتشويه الحقائق

انتصار منطق الحسم العسكري وتنفيذ الحركة جاءت الحلول الفوقية والبعيدة عن أي منطق حزبي، وال

فقد، هدف لها إال تحقيق الرغبة في المجابهة والمجابهة فقط اتخذت القيادة الحزبية قرارا بنقل الرفيقين سليم حاطوم وعزة جديد من قطعتيهما العسكريتين من جهة، ومن جهة ثانية تهديد

لمؤتمر القطري، الواجبلدورة االستثنائية الكل من يحضر ،1966 شباط 25عقدها وفق أحكام النظام الداخلي بتاريخ

بالطرد من الحزب واالعتقال، وهذا يعني الوصول إلى نهاية ، ومن جهة ثالثة، كانالشوط في إبعاد الرأي اآلخر والتخلص منه

كل من الفريق أمين الحافظ واللواء عمران يحشد مؤيديه للقيام بانقالب لصالحه، ومن جهة رابعة ، كانت القيادة تخشى من

انتقال المجادلة اللفظية والتحديات الكالمية إلى االقتتالالعسكري داخل القطعات في حال تأخر حسم األزمة.

بعد أن وصل كل أعضاء القيادة إلى نتيجة مآلها أن الحل الوحيد عمل العسكري إلنقاذ الحزب والثورةالالمتبقي أمام القيادة هو

249

والمحافظة على مصيرهما ، وهو وإن كان حال غير نظامي ومخالفا لتقاليد الحزب الديمقراطية إال أنه يأخذ مبرراته من

التزامه المطلق بمقررات مؤتمرات الحزب والنضال الصادق جميعلتنفيذها، ومن العزم على إحالل الرابطة القومية مكان

الروابط اإلقليمية والطائفية والعشائرية، ومن الفهم الواضح للثورة بأنها إدراك دقيق للمصالح األساسية للشعب واستشفاف

كل ما يمكن أن يدعم هذه المصالح. القطرية المؤقتة، بعد اختيار الحسم العسكري، كانت القيادة

من أعضاء القيادةقد وافقت على ترشيح الرفاق العسكريين ،لكل من اللواء حافظ األسد لتولي مهام وزير الدفاعالمؤقتة،

، والعقيد أحمد سويداني لمنصب رئيسورغب أن يكلف بتسييرهااألركان بعد ترفيعه، يوم الحركة، إلى رتبة اللواء.

1966 شباط 16 اجتمعت القيادة القطرية المؤقتة ليل يوم االجتماع، أعيد في منزل عضو القيادة فايز الجاسم، وفي هذا

تقييم الوضع في الجيش والقطاع المدني وكانت النتيجة ذاتها، أي أن الوضع يميل بشكل كبير لصالح القيادة وتقرر القيام بالعمل

بإجراء العسكريون العسكري في الليلة نفسها، وكلف الرفاق يوضحاتصاالتهم، كما كلف الرفاق المدنيون بكتابة مشروع بيان

ةدياقالعمل العسكري على أن تجتمع السبب اللجوء إلى اختيار ثانية الساعة العاشرة ليال في المكان نفسه، ولقد تم كتابة البيان الذي سيذاع على الشعب، كما كتب بيان آخر موجه إلى الحزب

في الوطن العربي . في االجتماع الثاني من الليلة نفسها تبين أن هناك صعوبة في

دم إمكانيةعتهيئة اللواء المرابط في حمص في هذه الليلة نظرا ل تبليغ الرفاق العسكريين في هذا الوقت الضيق، لذا تم تأجيل

التحرك العسكري، وحسم األزمة إلى وقت الحق، على أن: ، وبشكل إفرادي أيضا،المؤقتة - يقوم أعضاء القيادة القطرية

بزيارة األمين العام للقيادة القومية وبذل المساعي األخيرة معه، حل األزمة، عن طريق عسى أن يقتنع بضرورة العودة إلى

المؤسسات الحزبية ذات االختصاص. - تكثيف االتصال بقيادات فروع الحزب المدنية والعسكرية، ومع قيادات المنظمات الشعبية، لمعرفة وجهة نظرها في حل بديل،بعد فشل كل محاوالت الحل عن طريق المؤسسات الحزبية.

كنت ممن زار األمين العام في منزله، وفي غرفة مكتبه، تنويه القيادة القومية، تحدثت إليه مبينا له مخاطر اإلقدام على ما

وأن المراد تصفيتهم، وفق منظوره، يعتبرون الحزب حزبهم، وال

250

يسمحون العبث بمصيرهم إال من خالل المؤسسات الحزبية ذات.الصالحية في حل األزمة

أصر األمين العام على آرائه ذاتها، والتي تهدف إلى الذين اجتمعوا معه، يؤكدونالقياديين التصفية، وكان كل الرفاق

بصفته األمين، وجهة نظر القيادة القطرية المؤقتة ويحملونه. (19) عما يمكن أن يحدث المسؤولية األكبر، العام

مهام االتصال بالفروع، أعضاء القيادة توزع بعض الرفاق-21وقمت أنا والرفيق مصطفى رستم يومي االثنين والثالثاء ،

شباط، بزيارة إلى محافظتي حماة وحمص، وفي حماة تم22 زمةأتبادل الرأي مع الرفاق في قيادة فرع الحزب، ونوقشت ال من كافة مناحيها، كما نوقش الوضع في الحزب والسلطة

مطوال ،وتم اطالعهم بكل االتصاالت والجهود التي بذلت حتى اآلن وبالطريق الذي أصرت القيادة القومية على سده نهائيا أمام

الحلول المقترحة وأدرك الرفاق في قيادة فرع حماة التوجهاتالبديلة المحتملة للقيادة.

)كان الدكتور نو وفي حمص أطلعنا الرفيق نور الدين األتاسي علىالدين قد استقر في حمص منذ أن قبلت القيادة قرار الحل(

كل ما قررته القيادة، وأبلغنا تأييده المطلق ألي إجراء تقوم به، واقترحنا عليه التعرف إلى وجهة نظر الرفاق القياديين في فرع

حمص. عدت أنا والرفيق مصطفى إلى دمشق، ووصلنا حرستا حوالي

الساعة الخامسة مساء، وبالصدفة التقينا بالرفيق سليم حاطوم ـ عائدا من ثكنته، فاستوقفنا وأبلغنا عن اجتماع سيعقد الساعة

الثامنة مساء في بيت الرفيق جميل شيا الواقع في شارعالمالكي.

اجتمعت القيادة بكامل أعضائها في الوقت المحدد، وعرض كل رفيق نتائج اتصاالته، وتم تقدير الوضع حزبيا وشعبيا

وعسكريا، كما تم توضيح سوء الحال الذي آلت إليه األمور، وخاصة بعد صدور قرار نقل الرفيقين عزة وسليم، وتقرر

باإلجماع ضرورة الحسم العسكري بعد منتصف هذه الليلة شباط ووقع كل أعضاء القيادة على قرار الحسم23-22األربعاء

العسكري. تم تكليف الرفيقين عزة وسليم بتنفيذ المهمة في دمشق،

وتحريك قطعاتهما لمحاصرة قصر الضيافة الذي حشد فيه الفريق أمين الحافظ عددا كبيرا من العسكريين وكما هائال من

األسلحة، وقصر الروضة، وهو المقر السكني للفريق أمينالحافظ، ومبنى الشرطة العسكرية.

251

كما تم تكليف الرفيقين حافظ األسد وأحمد سويداني تبليغ قرار القيادة إلى الرفاق في القطعات العسكرية، وتكليف

الرفيق محمد رباح الطويل بمؤازرة الرفيق أحمد المير محمود قائد اللواء السبعين وفق الخطة المقررة، وتكليف الرفيق محمد الزعبي السفر إلى السويداء لتبليغ آمر اللواء هناك بقرار القيادة،

وتكليف الرفاق أحمد سويداني ومحمد عيد عشاوي ومصطفى الحاج علي، الدخول حين بدء التحرك إلى مكتب وزير الدفاع اللواء محمد عمران– كان ينام ليليا في المكتب رغم تقديمه

استقالته إلى القيادة الحزبية الموسعة- وجميل شيا الدخول إلى مبنى اإلذاعة بالتعاون مع حراسها من سالح المغاوير، ومروان

حبش الدخول إلى مبنى القيادة القطرية في نهاية شارع المالكي مقابل التمثال، واللواء حمد عبيد الذهاب إلى القطعات في قطنا،

واالمقدم مصطفى طالس الدخول إلى اللواء المدرع الخامس في حمص، والعقيد عبد الكريم الجندي الدخول إلى معسكر

وتقرر عدم الموافقة على الطلب الملح للرفيق صالحالقطيفة، جديد الدخول إلى اللواء سبعين، للحاجة إليه في مقر تواجد

القطرية المؤقتة.القيادة انفض االجتماع وانطلق كل عضو من أعضاء القيادة للقيام بما كلف به بينما بقي البعض اآلخر في المنزل، حتى الموعد المقرر

.(20 )للتنفيذ بقي في المنزل كل من الرفاق صالح جديد، إبراهيم ماخوس،

في الساعة المحددة للتحرك وفايز الجاسم، مصطفى رستم، وصلت قوات المغاوير بقيادة الرفيق سليم حاطوم أوال، تبعتها

قوة مدرعة بقيادة الرفيق عزت جديد، وكانت التعليمات صارمة ولكن قوات، وواضحة بعدم إطالق النار إال دفاعا عن النفس

فوجئت بإطالق نيران غزير جدا من مبنى قصر الضيافة المغاوير ومبنى وزارة الخارجية، مما أوقع عددا من الضحايا لم يكن في

الحسبان، وتبين أن الفريق أمين الحافظ قد كدس كميات كبيرة من األسلحة المتنوعة وحشد عددا من الجنود يفوق مرات

ربما كان سيستخدمهم في تحركهوومرات ما يحتاجه لحراسته، العسكري، والشيء ذاته كان في مقر سكنه ولذلك اضطرت

المدرعات إلى إطالق مدافعها إلسكات مصادر النيران في قصر الضيافة ومنزل الفريق أمين الحافظ، مما أدى إلى إصابة بعض

.أفراد أسرته بجروح بسيطة نفذت المهمات األخرى التي كلف بها بقية الرفاق، دون أية و

عشاوي، الحاج، أو مقاومة تذكر، ودخل الرفاق سويداني عوائق علي مكتب وزير الدفاع بعد استئذانه بالدخول، وأدرك اللواء

252

عمران ما حصل وكان ذلك متزامنا مع تحرك القوات، وبادرهم قائال: نصحناهم )أي أعضاء القيادة الموسعة ( بعدم إجراء تنقالت

وحذرناهم من العواقب ولكنهم أصروا على ذلك. هاقمت بدوري، بالدخول إلى مبنى القيادة القطرية، وبعد

)أبو رمانة( والتقيت مع الرفيقين عزةبجولة في شارع قمت وسليم اللذين كانا ال يزاالن يصدران األوامر إلى قواتهما إلسكات

مصادر النيران، وأبلغاني بأنهما يأمالن بعد وقت قصير بانتهاءالعملية.

عدت إلى منزل جميل شيا وأخبرت الرفيق صالح جديد وبقية الرفاق بذلك، وبعد قليل غادر الرفيق صالح المقر إلى مبنى

وزارة الدفاع بناء على طلب الرفيق حافظ األسد والرفيق أحمد في االتصال مع القطعات العسكرية وألنسويداني، لمساعدتهما

بعض الرفاق في هذه القطعات يريدون سماع صوته وتلقياألوامر منه.

كانت الهواتف مفصولة من مركز االتصاالت عن منطقة أبو مبنى القيادة القطرية، بناء علىيقع حيث ، رمانة والمالكي

تعليمات األركان العامة، فاتصلت بالهاتف الرباعي مع الرفيق يتسنىلصالح وطلبت منه إصدار األوامر إلعادة الربط الهاتفي

لي االتصال مع قيادات الفروع، وما أن انبلج الفجر وأذيع البيان في النشرة الصباحية األولى حتى بدأت هذه القيادات إعالمي عن

تأييدها للحركة. كانت القيادة القطرية المؤقتة قد قررت إذاعة بالغ باعتقال عدد من القياديين: أمين الحافظ، ميشيل عفلق، منيف الرزاز،

محمد عمران، منصور األطرش، صالح البيطار، شبلي العيسمي، وذلك تفاديا لوقوع أي صدام عسكري بين الرفاق أو التقليل من

احتماالتهـا، كما نص البالغ ذاته على أن المعتقلين سيقدمون للمحاكمة أمام محكمة حزبية خاصة لمحاكمتهم على ما اقترفوا

. بحق الحزب والثورة اجتمعت القيادة القطرية المؤقته فور تنفيذ العملية وقررت

تسمية الدكتور نور الدين األتاسي رئيسا للدولة، وتسمية الدكتور يوسف زعين رئيسا للوزراء وضمت هذه الوزارة ألول مرة في

تاريخ سورية وزيرا يمثل الحزب الشيوعي السوري، إضافة الىوزراء ناصريين واشتراكيين ومستقلين.

وقررت القيادة دعوة المؤتمر القطري الثاني، وكانت صالحيته ،1966 آذار10ال تزال قائمة، لعقد دورته االستثنائية الثالثة في

وحضر هذه الدورة األكثرية المطلقة من أعضاء المؤتمر، وقاطعها أنصار القيادة الموسعة وعددهم ال يتجاوز أصابع اليد،

253

وانتخب المؤتمر في نهاية دورته قيادة قطرية جديدة ، من: نور الدين األتاسي – صالح جديد – يوسف زعين – حافظ األسد – محمد الزعبي – عبد الكريم الجندي – جميل شيا – مصطفى

رستم – محمد رباح الطويل – مروان حبش – محمد عيد عشاوي – فايز الجاسم – ابراهيم ماخوس – أحمد سويداني – حبيب حداد

– كامل حسين. وكان باكورة قراراتها البدء باتصاالت مع المنظمات القومية للحزب من أجل تشكيل لجنة اتصال قومي

مهمتها اإلعداد لمؤتمر قومي للحزب. الهوامش

(لم يحضر مندوبون عن قطر سورية هذا المؤتمر بسبب حل الحزب. 1) .1960(ورد ذلك في نشرة للقيادة القومية صدرت في كانون الثاني 2 ) (تلقى اللواء عمران هذه المكالمة في مكتبي بمبنى البرلمان الذي3 )

، من بعض غرفه مقرا مؤقتا للقيادة.1965/تشرين الثاني 11اتخذنا، يوم (كنت رئيس لجنة النظام الداخلي التي أوصت بهذه التعديالت، ولقي4 )

بعضها معارضة من مؤيدي األستاذين ميشيل وصالح، حتى إن رئيس المؤتمر، منصور األطرش، نادى بصوت مرتفع، قائال: )يارفيق مروان، حاجي تمرر علينا تعديالت في هذا الوقت المتأخر من الليل، وكانت الساعة قد تجاوزت الثانيةبعد منتصف الليل(، وأقر المؤتمر بأكثرية كبيرة، التعديالت التي طرحت عليه.

(أثناء وصولي إلى مبنى قصر الضيافة لحضور اجتماع القيادة القطرية،5 ) التقيت بالمقدم حسين ملحم وكان وقتها قائدا للشرطة العسكرية، وطرح

علي، وربما كان قد طرح على غيري من أعضاء القيادة، رغبته في أن يطرحاسمه كرئيس لألركان.

0(التجربة المرة للدكتور الرزاز 6-7 ) (كنت قد رافقت، أنا ومصطفى رستم، األمين العام منيف الرزاز للقيام8 )

، وفي اجتماع1965 تشرين الثاني 7بجولة حزبية إلى فرعي حلب وإدلب في حزبي مع القواعد الحزبية بفرع حلب، تحدث بما يخالف الواقع، ورد عليه الرفيق مصطفى رستم، مما اضطره إلى سحب أقواله،أما في إدلب فإنه

امتدح التجاوزات غير القانونية التي كان أعضاء قيادة الفرع قد ارتكبوها تجاه المواطنين، ووصف تلك التجاوزات بأنها ثورة حقيقية ضد اإلقطاع، ووجدت

يارفيق،إن حكم الحزب سن التشريعات الالزمة قائال له: نفسي أرد عليه وعلى المؤسسات الحزبية أن تراقب تنفيذها ال أن تتصرف وفق أهوائها، ومن يومها، أصبح الود مفقودا بيننا، وبعد استفحال األزمة، وفي تقرير قدمه األمين

وصف حزبيي إدلب بالمتسلطين على الشعب. العام للقيادة القومية،التجربة المرة للدكتور الرزاز.(9 ) (كانت القيادة القومية تضم: ميشيل عفلق، منيف الرزاز، أمين الحافظ، أحمد10 )

حسن البكر، شبلي العيسمي، منصور األطرش، جبران مجدالني، حافظ األسد، علي الخليل، إبراهيم ماخوس، صدام التكريتي، كريم شنتاف، علي غنام، مع التنويه بأن اسمي البكر والتكريتي لم يطرحا على المؤتمر بل تم االكتفاء بالطلب إلى المؤتمر الموافقة على إضافة اثنين من القطر العراقي دون ذكر أسمائهما لظروف العمل

السري، وحسب اعتقادي، أن المؤتمرين لو عرفوا أن أحدهما هو صدام، ما كانوا ليوافقوا عليه، ألن القناعة عند أكثريتهم أنه يوم انقالب عارف وطاهر يحيى على

الحزب، ذهب إلى اإلذاعة وساهم في إذاعة برقيات التأييد لالنقالب. وأيضا، لم يحضرالبكر والتكريتي دورة جلسات القيادة القومية لعدم تواجدهما في دمشق.

( التقرير الوثائقي عن تسجيل جلسات القيادة القومية 11 )( التجربة المرة للدكتور الرزاز.12 )

254

( في ساعة متأخرة من ليلة أحد أيام األسبوع الثاني من شهر شباط، اجتمع13 ) اللواء عمران في منزله مع اللواء حافظ أسد، وتباحث معه حول القيام معا بانقالب يكون من أهدافه إبعاد اآلخرين من أعضاء اللجنة العسكرية، ولكنهما لم يتفقا على

ذلك، إذ أن اللواء حافظ رأى أن يبعد الفريق أمين الحافظ فقط . كان األستاذ صالح قد بذل جهدا كبيرا من أجل الموافقة على عضوية قادة الوحدويين

االشتراكيين في المجلس الوطني للثورة، واستغرب عدم حضورهم جلسة افتتاح شباط عن سبب عدم حضورهم، علم أن السبب هو16المجلس، ولما تقصى في ليل

اجتماع في بيت مصطفى الحالج، ضم اللواء محمد عمران، وسامي صوفان، وأبو النور طيارة، وفايز إسماعيل، وأبلغ اللواء عمران المجتمعين أن اللواء صالح جديد

ومجموعته سينفذون انقالبا، وباستطاعته إحباط ذلك والقيام بانقالب لمصلحته، شريطة موافقة األستاذ صالح على استالم رئاسة الدولة ورئاسة الوزارة، وفي يوم

شباط تم االتصال مع األستاذ صالح في مكتبه برئاسة مجلس الوزراء واجتمع عدد17 منهم معه، ولكنه رفض الفكرة مبدئيا، وكثف هؤالء اتصالهم معه إلقناعه بالقبول،

واجتمعوا معه في اليوم التالي بمنزله، وانضم إليهم كل من محمود جيوش، جميل حداد، سليمان العلي، فهمي العاشوري، وتشكلت من بينهم لجنة لدراسة موضوع

القيام بانقالب، وأبلغت اللجنة المنتظرين بأن األستاذ صالح سيلتقي ببعض الضباط.المؤيدين للواء عمران للتعرف على وجهة نظرهم قبل اتخاذه قرارا بهذا األمر

( التجربة المرة لمنيف الرزاز14-15 ) كانت هذه الرؤية هي العمود الفقري للتقارير التي ستقدم إلى المؤتمر( 16 )

المتعنت والرافض الذي الموقف و القومي في دورته االستثنائية، ولكنأالقطري يم التقارير إلى حين انعقاددوقفته القيادة القومية من دعوة أي من المؤتمرين، أخر تق

شباط.23المؤتمر القطري بعد حركة ( كان اللواء حافظ األسد والدكتور إبراهيم ماخوس عضوين منتخبين في القيادة17 )

القومية، وليس ممثال القطريين في القيادة كما يذكر الدكتور الرزاز. ( التجربة المرة للدكتور الرزاز. 18)( لقد اطلع الرفيق مصطفى رستم على هذا الفصل، ودون النقاط التالية:19)

شباط كالتالي:23 يمكن بلورة موقف مجموعة إن أطراف األزمة عديدون: عفلق مع الحزب في القطر، البيطار + عمران

مع الجيش والحزب بشكل عام، أمين الحافظ والقيادة القطرية. إن القيادة حين حلت، وجدت أن المواجهة الصحيحة هي في قبول قرار

القيادة القومية من جهة، والضغط عليها لتطبيق النظام الداخلي من جهة ثانية، والتقدم بمشروع يحدد الرؤية السياسية التي على أساسها يرتقي

الصراع من مستواه الشخصي إلى التجاذب حول موقف وضمن إطارالحزب .... وهنا البد من التركيز أن المشروع كان يستند على ثالثة محاور: -

سيادة العالقة التي يرسمها النظام الداخلي للحزب. -إخضاع الجيش لسلطة قيادة الحزب وكل يعمل ضمن الصالحيات التي

يحددها النظام الداخلي. -كسر حلقة العداء مع القوى التقدمية من شيوعيين وناصريين وقوميين عرب

الخ ... والتي سادت أواخر الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات، ومن ثم السعي إلقامة جبهة تقدمية على صعيد الوطن العربي و تكون القضية

الفلسطينية هي محور االلتقاء، وأن خوض المعركة مع العدو غير ممكن من خالل الجيوش، ألن العدو من خالل عالقته مع الغرب وأميركا بالتحديد والتفوق التقني للغرب على االتحاد السوفييتي، ومن جهة ثانية، دعم االتحاد السوفييتي المحدود يجعل أسلوب حرب التحرير الشعبية طويلة األمد الذي يحول الحياة

في "إسرائيل" إلى حياة صعبة وتفقد جاذبيتها ليهود العالم من جهة، كما يحولها إلى عبء متزايد على الغرب نفسه، هذا األسلوب هو الوحيد الممكن،

ومن جهة أخرى، يجعل الجبهة التقدمية المزمع تأسيسها قادرة على استقطاب الشعب العربي، وبذلك تحدث وحدة شعبية البد منها النجاز الوحدة العربية، كما أنه يطور العالقة بين أطراف هذه الجبهة ويضائل الخالفات فيما

255

بينها ويساهم في عزل القوى العربية المعادية ويفقدها القدرة على التأثير، ولذلك فقد كنا نعتقد أن أسلوب حرب التحرير الشعبية إستراتيجية أساسية

قادرة على إنجاز مهمة التحرير والتوحيد على صعيد الوطن العربي. إن إصرار القيادة القومية على تجاوز النظام الداخلي ومباشرتها باتخاذ إجراءات

التصفية حزبيا وعسكريا، حتم على القيادة القطرية أن تتعامل مع تلك التصرفات. بادرت القيادة القطرية المؤقتة إلى تشكيل لجنة من: صالح جديد –يوسف زعين – إبراهيم ماخوس – جميل شيا – مصطفى رستم، إلعداد مشروع الرؤية المستقبلية،

وكان يحق ألي عضو قيادة إذا سمحت ظروفه أن يحضر اجتماعات اللجنة والمساهمةفي نقاشات المواضيع المطروحة.

وبعد أن حسم عضو القيادة القومية اللواء حافظ األسد موقفه، حضر االجتماعاتاألخيرة للجنة.

وقبل اتخاذ قرار الحسم العسكري، اجتمعت مع األمين العام الدكتور الرزاز فيمنزله، وقد دار بيننا الحوار التالي:

- رفيق أبو مؤنس: إن حل القيادة القطرية هو مخالفة ال مبرر لها، وإذا أردتم أن تفعلوا ذلك، فكان عليكم، وفق أحكام النظام الداخلي، دعوة المؤتمر قطري لدورة

استثنائية وطرح األزمة عليه.- هذا غير ممكن ألن المؤتمر كان من تركيب القيادة نفسها.

-ال بأس بوسعكم الدعوة إلجراء انتخابات وعقد مؤتمر قطري جديد وينتخب هذاالمؤتمر قيادة قطرية جديدة.

- أيضا، هذا االقتراح ال يحل المشكلة، واالنتخابات غير ممكنة قبل إبعاد عدد منالحزبيين المنحرفين وإعادة من طردوا أو أبعدوا.

- ال بأس أيضا، إننا نطالبكم بدعوة المؤتمر القومي لعقد دورة استثنائية له، وهذا من حقنا أن نطالب به، للطعن في قراركم وطرح األزمة عليه، وال أظنكم تشككون به فهو

المؤسسة األعلى وهو الذي انتخبكم كأعضاء قيادة قومية. - نعم ، ولكن ليس بالسرعة التي تطالبون بها، وال بد من اتخاذ إجراءات كثيرة قبل

ذلك، من ناحية، وعندما نرى، نحن، بأن الوقت أصبح مناسبا، من ناحية ثانية. - رفيق أبو مؤنس، إذا كنتم مصرين على تجاوز أنظمة الحزب وأنت تعرف الحجم الهائل الرافض داخل القطر لقرار حل القيادة، لذا فان الخشية هي أنكم تدفعون

الطرف اآلخر ليفعل الشيء نفسه، أي تجاوز األنظمة الحزبية. وقمت، أخيرا، بتوجيه رسالة خطية شخصية لألمين العام.

وفي مساء ذلك اليوم الذي اجتمعت به مع الدكتور الرزاز، عقدت القيادة القطرية المؤقتة اجتماعا، تم فيه عرض االتصاالت األخيرة مع األمين العام، وموقفه من كل

االقتراحات التي قدمت إليه، وفي هذه الجلسة اتخذ قرار الحسم العسكري. ( بعد قرار القيادة بتنفيذ الحركة ذهبت بصحبة الرفيق عبد الكريم الجندي، إلى20)

أبو كمال" لتناول طعام العشاء، والتقينا هناك بالرفيق احمد الشيخ قاسممطعم " "أمين فرع الرقة" الذي وصل من الرقة لحضور المؤتمر القطري وأبلغنا بأن تهديدا

باالعتقال وصل إليه في حال مغادرته مدينة الرقة لحضور المؤتمر. قصديكمال ناصر الذي أوصانا خيرا بالختيار والمرحوم الشاعر كما التقينا بالرفيق

.فلقعاألستاذ ميشيل

256

مالحق شباط وحتى المؤتمر القومي23الحزب بعد حركة

التاسع كان أول عمل قامت به القيادة القطرية المؤقتة التزاما بما

شباط هو تشكيل لجنة اتصال قومي،23ورد في بيانها صبيحة شباط، وجهتها إلى جميع25وفي رسالة مطولة لها بتاريخ

منظمات الحزب في األقطار العربية وخارجها، دعت فيها هذه المنظمات إلى التعاون معها لعقد مؤتمر قومي في أقرب وقت

ممكن، وطلبت إرسال رفيق عن كل منظمة ليمثلها في هذه اللجنة، للبحث في تقرير الخطوات التي تحافظ على وحدة

الحزب القومي. أوفدت أغلب منظمات الحزب القومية ممثلين لها، وحضروا جلسات المؤتمر القطري الثاني االستثنائي الذي عقد في آذار

، واتخذ المؤتمر القرارين التاليين:1966 أوال: يؤكد المؤتمر على وحدة الحزب القومية، ويعتبر أن

قومية الحزب منبثقة عن إيمان جميع المناضلين بهذه الحقيقة التاريخية، وليست مرتبطة بأشخاص معينين نصبوا أنفسهم

أوصياء على الحزب. ثانيا: يؤكد المؤتمر أن الحل األمثل للحفاظ على وحدة الحزب

القومية يجب أن تتم من خالل مؤتمر قومي تاسع منتخب من قواعد الحزب، وتحقيقا لهذه الغاية تشكل لجنة تحضيرية تمثل مختلف منظمات الحزب القومية تقوم باإلعداد لهذه االنتخابات

واإلشراف عليها. القطرية المنتخبة باستمرار االتصال القيادة وكلف المؤتمر

بالمنظمات القومية بغية تبادل اآلراء للمحافظة على وحدةالحزب من خالل الحلول الديمقراطية.

، حضره ممثلون عن1966 نيسان 21-18 في اجتماع ما بين غالبية المنظمات، انبثقت لجنة تحضيرية لإلعداد لمؤتمر قومي

257

منتخب، وكانت هذه اللجنة من منظمات: العراق، سورية، األردن، لبنان، اليمن، ليبيا، السودان، الجزيرة العربية. وعليها أن

تدعو المؤتمر خالل مدة أقصاها أربعة أشهر. عقد المؤتمر القومي التاسع في النصف الثاني من أيلول، دون أن يحضره مندوبون عن منظمة الحزب في العراق، وقبل انعقاد

المؤتمر نشط الملتزمون بالقيادة القومية السابقة لمحاولة التشكيك بصحة تمثيل أعضاء اللجنة، وتضليل المنظمات بمختلف

األساليب لمنعها من االستجابة لدعوة اللجنة، والطلب إلى العناصر في بعض المنظمات إتباع أسلوب المناورة والمماطلة

لتأخير عقد المؤتمر كي يتمكنوا من تنفيذ مخططاتهم، ووضح هذا في سلوك بعض قادة المنظمة في العراق الذين كانوا على

اطالع بمؤامرة الرزاز- فهد الشاعر لإلطاحة بالوضع القائم فيسورية.

وقد جاء في تقرير اللجنة التحضيرية المقدم إلى المؤتمر حول قيادة قطر العراق: ) إن الطابع العام لموقف قيادة قطر العراق

هو التردد، هذا التردد الذي يشتم منه بأنه تردد منتظر ألحداث جديدة، مما يحملنا على الشك بأن القيادة هناك قد خدعت

بأساليب الجماعة العفلقية- الرزازية وبادعائهم التكتيكي بأنهم سوف يغيرون الوضع القائم في القطر السوري لصالحهم... إن

جميع الدالئل تشير إلى أن تطورات موقف القيادة القطريةالعراقية يأخذ هذا المنحى المتردد والمنتظر.

وأصدرت قيادة قطر العراق نشرة بعنوان: )أزمة الحزب القومية ومساعي القطر العراقي لحلها( جاء فيها: )لقد اطلع

الحزب هنا على رأي القيادة القطرية السورية من خالل رسائلها شباط، ورغم أننا ال23والظروف التي أدت إلى وقوع أحداث

نريد أن ننفي ادعاءاتها أو نؤكدها فإن ذلك متروك للمؤتمر القومي الذي يحكم لها أو عليها وهو المسؤول عن إعطاء التقييم

السليم لما حدث. لقد طالب الحزب في البيانات التي أصدرها وفي الرسالة التي

بعثها إلى القيادة القطرية السورية والتي بين فيها بأن دعوة المؤتمر القومي الثامن لدورة استثنائية هو القادر على إخراج

الحزب من هذه األزمة. ولكن المعلومات التي كانت قد وصلت إلى الحزب تؤكد بأن

رأي القيادة القطرية السورية هو عقد مؤتمر قومي تاسع يدعى بواسطة لجنة تحضيرية من قبل كافة المنظمات الحزبية وعلى مختلف مستوياتها، النتخاب لجنة تشرف على إجراء االنتخابات

الحزبية في جميع المنظمات.258

لذا فإن القيادة القطرية في العراق رغبة منها بعدم االنفراد باتخاذ الموقف فقد عرضت الصيغة التي يريدها القطر السوري

في عقد المؤتمر على المنظمات الحزبية في هذا القطر للتشاورمعها في ذلك.

وبعد المشاورة توصلت القيادة القطرية إلى اقتراح بإرسال مندوب يحمل وجهة نظرها والتي تتلخص بتشكيل لجنة حزبية من

العراق ولبنان واألردن وسورية وبقية الفروع إن ارتأت ذلك، لالتصال بأعضاء القيادة القومية المعتقلين منهم وغير المعتقلين

والطلب إليهم الدعوة إلى عقد المؤتمر، فإن رفضت القيادة القومية تجري هذه اللجنة االتصال بكافة المنظمات الحزبية للحصول على الطلب الذي يجيز دعوة المؤتمر ويلزم كافة

المؤتمرين بالحضور. أما إذا رفض القطر السوري ما توصلت إليه اللجنة من

اقتراحات فبعد ذلك يعود ممثلو األقطار لالتصال بقياداتها ودراسةالموقف التخاذ الموقف الذي يحقق وحدة الحزب(.

كانت قيادة قطر سورية واللجنة التحضيرية حريصتان على استمرار الحوار مع قيادة قطر العراق رغم ترددها، وهذا الحرص

نابع من التمسك بوحدة الحزب، ومن استمرار الوقوف مع الرفاق في العراق الذين يعانون من اضطهاد سلطة عبد السالم

. 1963 تشرين 18عارف ويعانون في معتقالته منذ انقالب ودرءا لخطر االنشقاق في الحزب في العراق، لم تقف القيادة

القطرية في سورية بادئ األمر مع قواعد الحزب في العراق الذين تداعوا، بعد أن جابهت القيادة القطرية موقفهم بضرورة

القبول بعقد المؤتمر القومي التاسع وإجراء االنتخابات، إلى انتخاب مؤتمر أرسل برقية أيد فيها المؤتمر القطري السوري

الثاني االستثنائي وأبدى استعداده إلجراء االنتخابات وحضورالمؤتمر القومي التاسع.

استمرت قيادة القطر في العراق بمناوراتها وبدال من مراجعة مواقفها ودراسة هذه الظاهرة واستيعابها، قامت بما سمته إجراء تعديالت على "مالكات الحزب" وهددت بعدم السماح باالتصاالت

الجانبية ووصفت الخارجين عن رأيها بأن لهم "غايات شخصيةوأحالم فردية".

سمت القيادة القطرية الجديدة في العراق الرفيق حسين التكريتي، المقيم في دمشق منذ انقالب تشرين، مندوبا لها

لحضور اجتماعات اللجنة التحضيرية، ورغم مشاركته في مناقشات اللجنة وتصويته على قراراتها المتعلقة باالنتخابات

الحزبية وبعقد المؤتمر القومي التاسع ، كان يترك أمر تنفيذها259

ألوامر جديدة من القيادة في العراق بذريعة أنه يحضر االجتماعات بصفة مراقب، وتارة بصفة مستمع، وأخرى بصفة

عضو أصيل، وأنه حضر بتكليف شفهي من الرفيق أبي هيثم"البكر" وينتظر التكليف الخطي، وذهب مندوب الحزب في

سورية ثالث مرات إلى بغداد إلحضار التكليف، ولما وصلت رسالة التكليف، كانت قد انتهت اجتماعات اللجنة التحضيرية، ولم

يطرأ أي جديد على مالوقف العراقي، واقترحت الرسالة دعوة مجلس قومي أو استشاري. وبعدها وفد من منظمة قطر العراق

مندوب ثان وثالث إلبالغ موافقتهم على اللجنة وعلى إجراء انتخابات حزبية وعقد مؤتمر قومي تاسع، ولكن يجب أن يتم ذلك

بدعوة القيادة القومية النعقاد المؤتمر. كان البد من البت بشأن هذه المناورات بأن أرسلت القيادة

القطرية أحد أعضائها الرفيق "مصطفى رستم" إلى بغداد ومناقشة األمر بوضوح مع الرفيق أحمد حسن البكر الذي أبدى اقتناعه واقتناع القيادة القطرية باللجنة التحضيرية وموافقتهم

على إجراء االنتخابات وعقد المؤتمر القومي التاسع، وأكدوا بأنهم سيرسلون مندوبهم إلى اللجنة واعترفوا بأنهم ترددوا في

البداية فعال خوفا من وقوع انشقاق فقط. انتظر عضو القيادة القطرية السورية أن يحصل خطيا على ما نقله له الرفيق البكر في لقاء جديد بينهما، ولكنه فوجئ برسالة

من الرفيق البكر يعلن فيها أن ال حاجة للمقابلة، وال لبحث أي موضوع. و تجاه ذلك وجه الرفيق رستم إلى الرفيق البكر

الرسالة التالية: الرفيق أبو هيثم

تحية عربية وبعد، لقد قررت القيادة القطرية إرسالي لالتصال بكم مباشرة

ألسباب عديدة أهمها: إن القيادة شعرت بأن تعدد مواقف القطر العراقي وتعدد

مقترحاته دون أن يعلن موقفا صريحا واضحا ونهائيا ساهم في تأخير عقد المؤتمر القومي التاسع المنتخب عدة شهور، ومع

إمكانية حل األزمة بصورة لم تعد مقبولة، وقدرت أن بعض أنصار القيادة القومية السابقة ربما يساهمون في التشويش وتشويه موقف القطر السوري، وأن الرسائل المتبادلة معكم ربما لم

تكن كافية، فأرسلتني بغية التحدث معكم مباشرة وإجالء حقيقة األمور وتحديد موقف واضح يحسم عملية التمييع هذه ويعجل في

عقد المؤتمر الذي به تحل األزمة.

260

،7/7/1966 وتنفيذا ألمر القيادة فقد حضرت في تاريخ وأكدت في حديثي لكم نقطتين9/7واتصلت معكم بعد ظهر

أساسيتين: أوال: إن أي تأخير في عقد مؤتمر قومي تاسع منتخب لن

سوف يكون في مصلحة الحزب، ألن هذا يساهم فيالتأخير تعقيد األمور وتأزيمها وقد يقود الحزب في الوطن العربي إلى

انشقاقات علينا جميعا أن نتجنبها، وأن القيادة القطرية قد حددت اقتراحها في أسلوب دعوة المؤتمر ولم تتراجع عنه إطالقا وهو االقتراح الذي أقره المؤتمر السوري االستثنائي

شباط، والمتضمن دعوة المؤتمر23والذي انعقد بعد حركة القومي التاسع المنتخب، من قبل لجنة ممثلي المنظمات

الحزبية في الوطن العربي، وكانت القيادة القطرية متمسكة في هذا االقتراح لقناعتها بهذه الطريقة التي تحقق وجود

مؤتمر قومي يمثل القواعد الحزبية فعال وال يستطيع أحد أن.يطعن فيه

وإزاء قناعتنا وتنفيذا لقرار المؤتمر القطري السوري، فقد تمسكت بهذا االقتراح ورفضت أي اقتراح آخر يخالف مضمونه،

وقد أعلمت القيادة جميع المنظمات الحزبية أنها ال تملك حق التراجع عنه بل من حق المؤتمر خصوصا وأنه لم يأت اقتراح

جدي يحدد صيغة أفضل من هذه الصيغة. وعندما وردنا اقتراحكم األخير بأن تدعو أنت للمؤتمر أو أنت

مع بعض أعضاء القيادة القومية مثل "صدام وحافظ و إبراهيم ..." وبعد توجيه الدعوة من قبلكم، تشرف على

االنتخابات لجنة تمثل المنظمات الحزبية، فقد رأت القيادة أن هذا االقتراح مقبول وال يتعارض مع اقتراح المؤتمر القطري

خصوصا أن الدعوة من قبلكم أمر مستساغ ومقبول ألنكم لستم طرفا في األزمة كما نقدر، لقد كلفتني القيادة بالمجيء وإبالغكم

موافقتها على أن ترسلوا مندوبا من قبلكم يحمل معه تكليفاخطيا بالمشاركة في اللجنة التي تنتظر في دمشق.

وعندما استفسرت مني عن صحة تمثيل هذه اللجنة لمنظماتها فقد عرضت عليك استعدادنا إلرسال مندوب العراق إلى كل

المنظمات الحزبية ليتأكد بنفسه من صحة تمثيلها مؤكدا لكم أننا نحن أصال ال نقبل أي إنسان إن لم يكن ممثال حقيقيا لمنظمته

وأن أسلوب اللفلفة والتعيين نرفضه على أنفسنا تماما كما رفضناه على غيرنا، ولو أردنا إتباع مثل هذه األساليب لما كان

هناك داع لمجيئي إلى هنا واالتصال بكم.ثانيا: تنسيق العمل الحزبي في القطرين:

261

إننا كقيادة نقود ثورة في قطر عربي، وتتوفر لدينا كافة اإلمكانيات لن يغفر لنا رفاقنا في كل الوطن العربي إذا فشل

رفاقنا في العراق، ألننا بالضرورة مسؤولون عن مشاركتهم في المصير، وعن بذل كل الجهود إلنجاح حزبنا في العراق رغم تآمر

االستعمار ومخابراته وعمالئه. إن أهمية التنسيق تكمن في تحديد المسؤوليات على كل منا

30/6وعندها نتجنب االرتباك أمام أية مفاجأة كما حصل لنا في ونملك الصورة الواضحة ومعطيات تقدير الموقف الصحيح.

إننا ندرك أن مشاكل كثيرة سوف تواجه الحزب في العراقوبالتالي تنعكس علينا كحزب وكثورة أهمها:

الوضع الحزبي والتناقضات المحتمل وجودها والجيوب - المحتمل تعشيشها فيه، وروح التشكيك وعدم الثقة ال بد من

18وضع خطة مسبقة لتجنيب الحزب من انفجار مشابه لـ .تشرين

الوضع العسكري والعناصر التي يتحالف الحزب معها، ووضع - خطة لضمان استمرار الثورة دون أن يتحول الجيش في

المستقبل إلى عامل تهديد لها، خصوصا وأننا نقدر خطورة التناقضات داخل الجيش كما تقدرون ذلك وأشرتم إليه بحديثكم

.لنا المشكلة الكردية ووضع خطة مشتركة لحلها بأسلوب سلمي - وبصورة تمنع من تدخل االستعمار وشركات النفط وتقضي على

.الروح االنفصالية التي تغذيها الوضع االقتصادي ووضع خطة لمجابهة المشاكل التي خلقتها - عهود مظلمة بصورة تضمن قيام النظام االشتراكي في العراق

.وعلى أسس تكفل النجاح واالستمرار الوضع السياسي وتحديد القوى التي ينبغي التعاون معها -

.والقوى التي ينبغي استبعادها ووضع خطة لمعالجتها وضع الجنوب ودراسة االحتماالت االنفصالية فيه وأثر الطائفية -

.التي يغذيها االستعمار ووضع خطة لمعالجتها.دور سورية و العراق وأسلوب العمل القومي والوحدوي -

السياسة العالمية التي يجب أن ينتهجها الحزب ووضع خطة - مشتركة لذلك بصورة تمنع احتمال التناقض مع مراعاة ظروف

.الحزب في كل قطر وقد بينت لكم أننا نجهل أمورا كثيرة عن العراق، وأنكم لم

ضنا، ويعرضنا إلى تصارحونا في رسائلكم السابقة مما عر إرباكات كثيرة قد تخلق التناقض فيما بين مواقفنا ومواقفكم إذا

لم تكن األمور واضحة فيما بيننا، وضربت مثال االرتباك الذي وقعنا262

والتناقض المحتمل وقوعه في الموقف من30/6فيه يوم القضية الكردية، وخصوصا وأننا مضطرون إلصدار بيان سريع

يحدد موقفنا ... وغير ذلك من االحتماالت. كل ذلك يدفعنا إلى اإللحاح بضرورة التنسيق وطلب االجتماع

من أجل ذلك، كما ذكرت لكم استعداد الدكتور نور الدين واللواء صالح والدكتور يوسف للمجيء إلى العراق إذا لم تستطيعوا

الذهاب، كل ذلك لما ندركه من أهمية وضع خطة متكاملة قبلالتفكير بأي شيء.

وحتى ال يفهم من طلبنا هذا مساومة أو تعجيز كما يحلو للبعض تصويره، فقد عرضت عليكم باسم القيادة، استعدادنا

لتقديم كل ما تطلبوه منا دون أي تردد في حال إشعارنا برسالة خطية تدونون فيها بأنكم تتحملون مسؤولية عملكم دون

مشاركتنا، تأكيدا منا أننا ال نريد إحراجكم أو اإلمساك بكم من يد تؤلمكم. وإن طلبنا لهذه الرسالة توضيحا لحقيقة موقفنا

ومسؤولياتنا أمام الحزب ومؤتمراته. : قرأت في بعض نشرات القيادة القطرية العراقية الشائعات

وسمعت منكم ومن بعض الرفاق شائعات وضحت حقيقتها لكمولبعض الرفاق، وأثبتها خطيا مرة ثانية.

يقول البعض بأن أحد الرفاق أعضاء المؤتمر القطري في - سورية اقترح تبديل اسم الحزب "وقد سمح منيف الرزاز لنفسه أن يكذب ويذكر ذلك في نشرة تحمل توقيعه"، إن هذه الشائعة

افتراء محض على الرفاق ومحاولة تشويش رخيصة ويدحض ذلك كل الرفاق الذين حضروا المؤتمر كأعضاء أصيلين أو مراقبين من

.كافة األقطار تقول إحدى النشرات إن المؤتمر القومي كان مقررا عقده - من قبل القيادة القومية في واحد نيسان، هذا قول غير صحيح وأن القيادة القومية رفضت تحديد موعد الجتماعاتها والنشرة األخيرة التي أنزلتها وتهدد فيها بفصل كل من يحضر المؤتمر

القطري االستثنائي المزمع عقده يومذاك رغم إلحاح بعض. شباط25أعضائها، يدعم التسجيالت الصوتية في

إن ما ورد في إحدى النشرات عن تهديدنا بقطع المعونات - .عن العراق كالم غير صحيح ومرفوض جملة وتفصيال

سألني الرفيق "حسن" إنه سمع بأن القيادة في سورية - ويد فيها. نطلب من30/6تتعاون مع الحركيين ولها علم بحركة

قيادة العراق التحقق في ذلك ومحاسبة مروج هذه الشائعة إن كان حزبيا الدعائه بأنه يملك وثائق تثبت قوله. وهذا طبعا قول

.كاذب

263

يقول البعض إننا نطالب بنسبة تمثيل عدد الشعب في كل - قطر أمال في السيطرة على المؤتمر القومي، إن هذا الموضوع

لم يبحث من قبلنا مطلقا، وأن الذي نطلبه هو تطبيق النظام .الداخلي

إن من يروج مثل هذه الشائعات في الجهاز الحزبي عناصر حاقدة على الحزب ونطلب من قيادة القطر العراقي توضيح حقيقة األمور للجهاز الحزبي كما نرجوها أن ال تنجر وراء أي

شائعة عنا قبل التأكد منها وسؤالنا عنها بغية الحفاظ على الروح.الرفاقية والحرص على تماسكنا كحزب واحد

: تردد على لسان البعض من رفاقنا في العراق إننا لمموقفنا نحدد موقفنا وال نجيبهم على مقترحاتهم ورسائلهم رغم أننا كنا واضحين تماما إال أنني أرى ضرورة تلخيص موقف القيادة حتى

:اآلن في النقاط التالية إننا نصر على دعوة مؤتمر قومي تاسع منتخب يشرف على

إعداده لجنة من ممثلي المنظمات الحزبية وال مانع لدينا أن يوجه الدعوة الرفيق أبو هيثم وتشرف لجنة المنظمات على تنفيذ الدعوة وإننا ال نستطيع الموافقة على أي اقتراح آخر يخالف

مضمون هذا الموقف إال إذا قرر المؤتمر القطري السوري ذلك. وإننا لسنا متمسكين بممثلين معينين، بل نقبل اشتراك أي

.مندوب يمثل منظمته فعال شباط23إننا نفرق بين موقف المنظمة الحزبية من حركة وبين حاجتها المادية للعمل، وال نقبل ألنفسنا إطالقا أسلوب

.المساومة إننا نرفض ما يكتب هنا من قبل أزالم عفلق، وإننا نؤكد أننا في معركة معهم ونعتبر أن فهم موقفنا من خالل رسائلهم أو أقوالهم فهم ظالم لنا، إننا نستطيع أن نعبر ونكتب لكل من يسألنا ولسنا

.بحاجة لمثل هؤالء التراجمة إننا على استعداد لتنفيذ كل الطلبات حين تصلنا رسالة خطية

.كما ذكرت في حديثي معكم في االجتماع األول إننا ال نقبل بأية محاولة انشقاقية باسمنا، ونطلب من جميع

الرفاق الذين يتصلون بنا العودة إلى منظماتهم ألننا واثقون بأن القواعد الحزبية السليمة سوف تقف دائما بجانب االتجاه الثوري

.السليم إننا نعتبر أنفسنا غير مسؤولين عن أية رسالة تصلكم عن غير

طريق أبو رياض "مهيدي الحسيني"، ونأمل أن تكون مراسالتكم لنا عن طريقه، قطعا لدابر الشك وااللتباس الذي حصل باسمنا

.وعن لساننا ودون علمنا

264

:الرفيق أبو هيثم إنني ال أزال حين أتذكر حديثكم آمل في التغلب على مثل هذه العقبات، وأرجو أن تتفهموا موقفنا وكان الله في عون حزبنا في

العراق. استمر الحرص على وحدة الحزب القومية**، وأرسلت اللجنة

التحضيرية مندوبا عنها إلى بغداد إلقناع قيادتها بضرورة المشاركة في اللجنة، ولكن قيادة قطر العراق حملته رسالة إلى

قيادة قطر سورية وإلى اللجنة التحضيرية تتضمن صيغة جديدة للدعوة إلى المؤتمر تتلخص بأن يتولى عضوا القيادة القومية

العراقيان أحمد حسن البكر وصدام التكريتي الدعوة إلى المؤتمر، واقتراحا بإعادة تشكيل اللجنة التحضيرية واعتبار كافة

شباط الغية.23العقوبات التي فرضت بحق البعض بعد وقد أجابت اللجنة التحضيرية على هذه الرسالة بالرسالة

التالية: الرفاق أعضاء قيادة قطر العراق

تحية عربية وبعد، اطلعت اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي التاسع على

والموجهة إلى قط/ س،30/7/1966رسالتكم المؤرخة في والتي نقلها مندوب اللجنة والتي تحمل المالحظة التالية: تتضمن

هذه الرسالة إجابة وافية على طلب مندوب اليمن الموفد من قبل اللجنة التحضيرية لدعوة القطر العراقي لحضور اجتماعاتها.

يرجى إعالم اللجنة بمحتوى الرسالة. فقررت اللجنة أن ترد عليها بما يلي:

: أوال عقدت اللجنة اجتماعاتها األولى في مطلع شهر حزيران،-

بحضور مندوبكم الرفيق مصطفى واتخذت كافة القرارات بموافقته وإن علق التوقيع عليها ريثما يأتي كتاب التكليف

منكم. انتظرت اللجنة بعد أن فرغت من اتخاذ مقرراتها مدة شهرين-

تقريبا وهي توالي اتصاالتها بالقطر العراقي وحده ولكن دونجدوى.

كانت المقترحات التي وصلت منكم، واآلراء التي سمعناها من-مندوبكم ال تعبر عن رأي مستقر.

بعد أن جمدت اللجنة قراراتها هذه المدة الطويلة قررت- إعالنها بعد أن شعرت بضغط الزمن، ألنها ترى أن أشهر

الصيف هي أفضل وقت لعقد المؤتمر. ولذلك نشرت بيانها على الرأي العام بمختلف وسائل اإلعالم، ووزعت على كافة

265

المنظمات تعميما يحدد موعد االنتخابات، وشكلت اللجنة المشرفة على كل منظمة وبعض هذه اللجان انطلقت إلى

مراكز عملها، حاملة مقررات اللجنة وموعد انعقاد المؤتمر. ولم يعد باإلمكان الرجوع عما تم من إجراءات ألن اللجنة قد

قطعت شوطا كبيرا في تنفيذ مقرراتها. ولقد أوفدت اللجنة الرفيق مندوب اليمن ليدعوكم للمساهمة-

في أعمالها، بعد أن شارك مندوبكم في وضع مقرراتها فجاءت رسالتكم األخيرة تحمل اقتراحا بتوجيه الدعوة إلى مؤتمر

قومي تاسع من قبل عضوي القيادة القومية في العراق، ولما كان االقتراح قد وصل بعد أن عممت اللجنة مقرراتها، فهي

ترحب بأن يقوم الرفيقان أحمد حسن البكر وصدام التكريتي عضوا القيادة القومية العراقيان والرفيقان إبراهيم وحافظ

عضوا القيادة القومية السوريان بتأييد خطوات اللجنة ودعوة كافة المنظمات في داخل الوطن العربي وخارجه إلى تسهيل عملها حفاظا منهم على وحدة الحزب القومية وتشجيعا منهم

لجهودهم الصادقة. واللجنة تكرر من جديد دعوتها للرفاق أعضاء قط/ع بضرورة-

إرسال من يمثلهم للمساهمة في أعمال اللجنة وترجو أنيصل بأسرع ما يمكن.

إن جميع أعضاء اللجنة ممثلون حقيقيون لمنظماتهم وهي- بصيغتها القائمة تمثل إرادة المنظمات التي اجتمع ممثلوها بين

1966 نيسان 18-21 وكان الرفيق حسين التكريتي ممثال لمنظمتكم في ذلك االجتماع وهو الذي اقترح اللجنة بصيغتها

القائمة. وإن تشكيل اللجنة التحضيرية بالصيغة التي اقترحتموها في-

رسالتكم تعتبر صيغة غير عملية السيما وأن اللجنة قائمة فعال وأنها قد قطعت شوطا في أعمالها كما أسلفنا والقبول

باقتراحكم يعد تعطيال للجنة. ترى اللجنة عدم قبول أي ممثل ألية منظمة في المؤتمر-

القادم ما لم يكن منتخبا. :اإلجراءات االنضباطية. ثانيا

أما اعتبار اإلجراءات االنضباطية التي اتخذت بحق بعض شباط الغية فاللجنة ال تملك حق البت في23األعضاء بعد حركة

هذه المسألة، وإنما تود أن تلفت أنظاركم إلى أن هذه اإلجراءات هي من اختصاص القيادات المسؤولة حسب النظام الداخلي

للحزب. وقيادة كل منظمة تعد مسؤولة أمام المؤتمر القومي

266

عما اتخذته من إجراءات وسترفع اللجنة كل الطعون المقدمةإليها للمؤتمر.

: حضور أعضاء القيادة القومية المؤتمر ثالثا إن النظام الداخلي يحدد أعضاء المؤتمر القومي بوضوح. ولقد

حرصت اللجنة التحضيرية على أن تقوم بجميع أعمالها وفقأحكام هذا النظام.

:مهمة المؤتمر رابعا تعتقد اللجنة أن جدول أعمال المؤتمر أمر يقره المؤتمرنفسه، وال يجوز للجنة تحديد صيغة مسبقة لجدول أعماله.

:خامسا وأخيرا فإن اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي التاسع تناشد

الرفاق أعضا قط/ع أن يتحملوا مسؤولياتهم كاملة في دعم اللجنة والمساهمة فيها، بعد أن ساهموا في اجتماع ممثلي

المنظمات وفي تشكيل اللجنة، وبعد أن ساهموا في جلسات اللجنة ومقرراتها، وإننا لنعتبر أن كل محاولة جديدة تخالف أعمال

اللجنة هي من قبيل العرقلة وتمييع األمور وهي بالتالي ضرب لوحدة الحزب القومية التي أشارت إليها رسالتكم، ولنا في

رفاقنا أعضاء قط/ع ملء الثقة بأنهم سيقدرون مدى جدية األمروخطورته.

دمتم للنضال ....وعاشت وحدة حزبنا العظيم ومنذ أسبوعين تقريبا تلقينا "اللجنة" إشعارا من قيادة قطر

العراق بالصيغة التالية: القيادة القطرية السورية

اللجنة التحضيرية للمؤتمر القومي التاسع – مكتب شؤونالعراق

قررت القيادة القطرية االشتراك في اللجنة التحضيرية، نعتمد الرفيق حسين التكريتي لتمثيلنا في اللجنة التحضيرية، ريثما

يصلكم مندوب القيادة في وقت قريب. وبناء على هذه الرسالة أرسلت اللجنة مندوبيها لإلشراف على االنتخابات الحزبية في العراق، ولم يرد إلى اللجنة ما يشعر بأن االنتخابات قد بدأت، ولكن المؤكد أن تغييرا كثيرا قد طرأ على القيادة في قطر العراق. ولعل هذا التغيير كان سببا في عدم

اتخاذ موقف واضح من قبل القيادات المتعددة التي توالت على التنظيم وقد تكون هذه القيادات أو بعض أشخاصها ذات وجهات نظر مختلفة بحيث انعكس ذلك على موقف قطر العراق فطبعه

بطابع التردد وعدم التصميم على اتخاذ موقف ثابت.

267

جرت االنتخابات الحزبية في كل من األردن– لبنان- سورية- اليمن- الجزيرة- البحرين- قطر- ساحل عمان- مصر تونس-

الجزائر- سيراليون- اسبانيا- ألمانيا الشرقية- الكويت- يوغسالفيا- روسيا- بلغاريا- ليبيا. أما منظمة المغرب ومنظمة غزة فالمرجح

أنهما لن يستطيعا الحضور لظروفهما القاهرة ولكنهما وافقتا على المؤتمر، أما منظمة انكلترا فكان الوضع فيها منقسما إال أن

إشارة أخيرة وردت تفيد بأنهم قد يحضرون المؤتمر، وشعبة تشيكوسلوفاكيا تعاني انقساما في وجهات النظر ووضعهم

التنظيمي غير واضح، وقيادة منظمة السودان كانت إيجابية قوال وسلبية فعال حيث جرت مماطلة مع اللجنة ولم تتم االنتخابات هناك، ولكن شعبة أميركا ومنظمة السنغال رفضتا التعامل مع

اللجنة والمؤتمر خطيا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ .1966*مقررات المؤتمر القومي التاسع - النصف الثاني من أيلول

** من أجل وحدة الحزب في القطرين، راجع كتاب "مروان حبش في قضايا وآراء"230حوار شذا المداد ص

حوار على " عودة لقصة القائد المؤسس للبعث"

من خالل متابعتي للحوار الذي أجراه السيد غسان شربل مع عدد من الشخصيات عن المرحوم األستاذ ميشيل عفلق، ونشر

12 و5في حلقات ثمان في جريدة الحياة في الفترة ما بين ، كما نشره في الوقت نفسه موقع "كلنا شركاء"،2008تموز

الحظت أن الذاكرة قد خانت بعض الذين أدلوا بشهادتهم، وقد يكون عذرهم تقادم الزمن والتقدم في العمر، بينما البعض اآلخر

268

لم يكن في عمر يسمح له بالتذكر ويبدو أنه استعان بغيره لإلدالء بشهادته، والبعض "الثالث" تقصد التزييف ألسباب "وصولية"

يبغي من ورائها رضا السلطان لكي تبقى أمامه الفنادق الفخمةومكاتب المسؤولين، في هذا البلد أو ذاك، مشرعة األبواب.

وكوني بعثيا عشت منذ الخامسة عشرة من عمري في هذا الحزب الذي أفتخر باالنتماء إليه "وأقصد بالتحديد حزب البعث"،

الذي يمكن أن نقول عنه بعد مؤتمره القومي السادس أيلول بأنه أسس لحكم شمولي، وأسس بعض من قادوه، فيما1963

بعد، الحكم السلطوي، ومن خالل قربي من القيادات الحزبية ومن خالل المواقع القيادية التي انتخبت إليها ومارستها، ولكوني

كنت عضوا في كل مؤتمرات الحزب القطرية "سورية" والقومية ، أقول ونحن في معرض1963التي انعقدت بعد الثامن من آذار

اإلدالء بشهادة، علينا أن نشفي الخيال بجرعة قليلة من الحقيقة، والحقيقة ليست كلمة تقال بل تحتاج إلى البحث واالستقصاء

إلثباتها. كثير من البعثيين، رغم تعدد انتماءاتهم التنظيمية، وخالفاتهم

السياسية التي تفجرت بشكل حاد، وخاصة بعد وصول البعث إلى السلطة في قطرين، يكنون لألساتذة المؤسسين "عفلق

والبيطار وجالل السيد ومن ثم األستاذ الحوراني" االحترام والتقدير، ولكن هذا التبجيل ال يعني، أبدا، جلوس التلميذ أمام

معلمه بوجل وما عليه إال تنفيذ توجيهاته، ألن التلميذ يكبر ويزداد وعيا ومن حقه المناقشة واالختالف في الرأي، كما أننا تربينا في

البعث على أن القيادة جماعية، ومع التقدير لدور الفرد في التاريخ، ولكن البعث بعيد عن عبادة الفرد ومقولة الزعيم

المعصوم والقائد الذي ال يخطئ. كانت المشكلة المزمنة مع األساتذة، وأخص بالذكر األستاذ ميشيل أنه يعتبر الحزب الذي كانت له اليد الطولى في رسم

معالمه وتحديد مبادئه، يعتبره ابنا له، يريده أن يبقى رغم نموهل رأي غير وكبره وفق المعايير التي رسمها له، وال يجوز له تقب رأيه ونصح غير نصحه وهذه القناعة أوقعته في أزمات مستمرة

مع رفاقه المؤسسين ومع الكثيرين من قواعد الحزب، بدأت منذ أيام التأسيس وعبر كل المؤتمرات القومية وفي كل منظمات

الحزب في الوطن العربي، والنقطة التي ال يجوز إغفالها تتمثل في أن األستاذ ميشيل ال يستطيع التعرف على الحزب "نموه

وانتشاره ومشاكله" إال من خالل فئة صغيرة من الموالين، وكثير من هؤالء ينقلون له الصورة التي تتوافق مع طموحاتهم

269

ومصالحهم، وهؤالء قادوه إلى ارتكاب أخطاء ، وهم ذاتهمسرعان ما كانوا ينقلبون عليه بعد وصولهم إلى مبتغاهم.

- إن السؤال من أسس البعث ؟ أمر ال جدال فيه، وهو أن ، هو1947 نيسان 7البعث الذي أعلن عن إشهاره رسميا في

غير بعث األرسوزي الذي لم يعش إال زمنا قصيرا، ولم ينتشر إال بين أفراد ال يتجاوزون أصابع اليدين، وال يعني ذلك إبخاسا بحق

األستاذ األرسوزي، المفكر والمناضل القومي وعضو عصبة العمل القومي ورئيسها في لواء اإلسكندرونة، ولكن باعه في

العمل السياسي قصير، ولم نكن نستمع منه، وهو أستاذي في دار المعلمين في دمشق، أي تحليل سياسي، بل جل ما كان

يقوله: نقدا الذعا، وسخرية قاسية، بحق هذا المسؤول أوذاك، وخاصة بحق طالبه اللوائيين، وذات النهج كنا نسمعه منه، بعد تخرجنا، حينما نجلس معه في مقهى الهافانا، وإن دعوته بعد

، من قيادة التنظيم الحزبي في الجيش،1966 شباط 23حركة ليحاضر في بعض منظمات الحزب العسكرية، وكذلك دعي

آخرون لنفس الغرض، ال يعني أبدا اعتباره مؤسس الحزب، ولم تصدر أية وثيقة أو أي توجيه بهذا المعنى من قيادات الحزب

المسؤولة، ويشهد كالم األستاذ جبران مجدالني على ذلك "…..وذات مرة زارني صالح جديد المعروف بتواضعه الشديد في

مكتبي في القيادة القومية، وقال لي إن عفلق هو والد الحزب ورمزه، ولكنه ال يصلح لقيادة حزب يحكم دولة …. ". ولهذا

يمكن القول بحزم لمن أدلى بشهادته وقال "بأن حملة تزوير منهجي ومدروس ومتواصل للتاريخ وللحقائق التاريخية الثابتة،

واإلدعاء بأن مؤسس الحزب ليس عفلق بل هو األرسوزي" هذهالشهادة ما هي إال من صنع خيال مريض أو حاقد.

- كان األستاذ ميشيل عفلق يعمل، دوما، على تهميش دور األستاذ صالح البيطار، فهو لم يكن غاضبا حين فشل األستاذ

"1963صالح في انتخابات الشعبة الحزبية في فرع دمشق "آب لعضوية مؤتمر الفرع ، " كنت مكلفا من قبل القيادة باإلشراف على انتخابات فرع دمشق، وحينما هتف لي مراقب االنتخابات

في مؤتمر الشعبة، أصابني الذهول، وتبين لي أن المكتب التنظيمي الذي كان األستاذ ميشيل قد عينه، وكان أمين سره حمود الشوفي قد وضع األستاذ صالح في شعبة جل أعضائها

ملتزمين بتكتل حمود الشوفي"، وكان بإمكان القيادة القومية – لعدم وجود قيادة قطرية في سورية حينذاك - حسب أحكام النظام الداخلي قبل تعديله، أن تلغي انتخابات مؤتمر الشعبة

وتعيد النظر في أمر التكتل الذي أسقط األستاذ صالح، وأيضا، لم270

ينتصر األستاذ ميشيل لقرار فصل األستاذ صالح الذي اتخذته القيادة القطرية التي كان حمود الشوفي أمينا لها، بل انتصرت

له بعض قيادات الفروع وتصدت لهذا القرار ورفضت تعميمه على منظمات الحزب، وأعادته للقيادة القطرية مع االحتجاج

الشديد عليه. وبقي هذا القرار محفوظا في األدراج، حتى عودة ،1964الوفد السوري من مؤتمر القمة األول كانون الثاني

وتحدث األمين القطري، رئيس الدولة الفريق أمين الحافظ في اجتماع للقيادة القطرية وأمناء الفروع عن االتصاالت الجانبية

لألستاذ صالح مع الرئيس عبد الناصر، واستغل هذا الحادث في الوقت الذي تزامنت معه حملة كبيرة على األستاذ صالح، وخاصة

في التنظيم الحزبي بالجيش، ونشر قرار الفصل. شباط23 - لم يصدر أي حكم على أي بعثي في الفترة ما بين

، وكل البعثيين1970 تشرين الثاني 16 وحتى انقالب 1966 الذين اعتقلوا النتمائهم إلى تنظيمات ترتبط بالفريق أمين

الحافظ أو باللجنة التي أطلق عليها لجنة التآمر على القطر"السوري" التي شكلت في العراق، أفرج عنهم بعد أشهر من اعتقالهم وحفظت قضيتهم، وقليل منهم أمضى في المعتقل ما ينوف عن السنة بقليل. ولذا فإن القول بأن حكما باإلعدام قد

هو كالم عام وغير محدد،1966صدر بحق األستاذ ميشيل بعد وهو كالم فيه تزييف إذا قصد منه أن الحكم قد صدر ما بين

. 1970 و 1966 يستثنى من ذلك األحكام التي أصدرتها محكمة أمن الدولة

بحق األستاذ صالح البيطار والوليد طالب " غيابيا " وبعض البعثيين اآلخرين للدور الذي لعبوه مع الرائد سليم حاطوم بعد

فراره إلى األردن، وفيما عرف بمؤامرة العاشر من حزيران1967.

- لقد عرف األستاذ ميشيل بالجرأة الفكرية، يؤمن بما يدعي ويعمل على تحقيقه، وهذا ال يمنع بأن بعض مواقفه السياسية اتسمت بالتأرجح والتردد، وفي نفس الوقت يبحث عن العلل

ليقنع بها نفسه أو يبرر مواقفه، ولذا لم يكن يغفر لمن يقول له"أخطأت".

شباط ،23 - بعد اعتقال بعض أعضا ء القيادة القومية، صبيحة لم تول القيادة القطرية أي اهتمام للبحث عن المتوارين، ولم

توجه أجهزة األمن لتعقبهم، ألن اعتقالهم لن يطول، ولم يطل، ومن هذا المنطلق لم تهتم القيادة أو تطلب فتح تحقيق لمعرفة

من كان وراء فرار األستاذين صالح البيطار وشبلي العيسمي من فيلال وزارة الدفاع بحي القصور في دمشق، رغم إدراكها أن

271

سليم حاطوم ومصطفى الحاج علي، كانا وراء هذه العملية ليكون للفارين دور في التحضير للعمل االنقالبي الذي يقوده

الدكتور منيف الرزاز وتم كشف تنظيمه العسكري بقيادة اللواء فهد الشاعر بعد فترة وجيزة من هربهما، ولذا كان بإمكان األستاذ ميشيل أن يغادر سورية إلى لبنان بسهولة، وبنفس

السهولة غادر الدكتور الرزاز، ولو أرادت األجهزة األمنية تعقب أثر المتوارين فكان عليها أن تحقق مع المقربين منهم وتتتبع تحركاتهم للوصول إلى المخابئ، وهو أمر بغاية السهولة في سورية، كما أن القيادة لم توجه أجهزة األمن لمتابعة مخابئ

األساتذة ميشيل وصالح وشبلي ...في لبنان، وكان نشاطهم يصل إلى أجهزة األمن من خالل متابعة نشاط مؤيديهم الذين لجؤوا

إلى لبنان، والبد في هذا المجال من ذكر الحادثة التالية " نشرت الصحف اللبنانية خبر انفجار عبوة صوتية زرعت تحت سيارة

األستاذ صالح البيطار، ولم ينتج عنها أي ضرر، ال بشري وال مادي، ألنها عبوة صوتية، وفي أول اجتماع لقيادة الحزب – كان االجتماع أسبوعيا وفي بعض الظروف تجتمع القيادة مرتين في األسبوع – تم توجيه سؤال لرئيس مكتب األمن القومي العقيد عبد الكريم الجندي عما إذا كان جهاز األمن متورطا في تلك الحادثة، فأكد

بشكل قاطع عدم وجود أية صلة للمخابرات السورية بذلك، وكانت القيادة حريصة كل الحرص على عدم اللجوء إلى أسلوب

االغتيال مهما كانت األسباب، وهذه إحدى قيم حزب البعث، وكانت قيادته القومية قد أدانت محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم

التي أقرتها وخططت لها ونفذتها قيادة قطر العراق التي كانأمين سرها فؤاد الركابي.

- لم يكن األستاذ ميشيل عفلق، المفكر وصاحب الرؤية المستقبلية، بالشخص الكفوء لقيادة حزب استلم السلطة في قطرين، هذا ما كان يراه بعض القادة البعثيين في العراق ومن ثم في سورية، ومن هنا كانت االتهامات له بمسؤوليته عن زرع

التناقض بين أعضاء قيادة الحزب في العراق الذي أدى إلى ، ولنفس1963 تشرين الثاني 18انقالب عبد السالم عارف في

األسباب خشي الكثير من البعثيين في سورية والعسكريين منهم خصوصا، على أن يكون المصير كما حدث في العراق، ولذا كانوا

يبحثون بجدية عن البديل، وفي المؤتمر القومي الثامن "أوائل " وجدوا ضالتهم في الدكتور منيف الرزاز، وفي هذا1965

المؤتمر نال األستاذ ميشيل أقل األصوات بين الفائزين بعضوية القيادة، و بعد انتهاء أعماله انتخبت القيادة القومية الدكتور

الرزاز أمينا عاما لها، وسمت األستاذ ميشيل "القائد المؤسس".272

وكذلك لم يكن موقف األستاذ ميشيل السلبي وحرده واالبتعاد بالسفر إلى خارج سورية ومهما كانت تبريراته، يلقى عند الكثير

من القواعد الحزبية الرضا والقبول، إذ من المفروض باألمين العام أن يتصدى مع قيادته لبحث المشاكل المتعددة الكثيرة في

الحزب وفي الحكم، وال يقنع القول بأنه تصدى ولكن ليس له حول وال قوة، وإذا كان األمر كذلك فما عليه إال أن يقنع قيادته

بعدم وجود عالقة للحزب مع الحكم القائم "في سورية ومن ثم في العراق"، ولكنه لم يفعل ذلك بل كان يستمر في خلق

المشاكل والمصاعب في عالقة الحزب بالسلطة وفي داخلالحزب نفسه.

"، كانت اللجنة العسكرية قد قررت1965 وفي هذا المؤتمر" ترشيح اللواء حافظ األسد لعضوية القيادة القومية، وليس كما ادعى أحد من أدلوا بشهادتهم أنه بحث موضوع ترشيح اللواء

حافظ األسد لعضوية القيادة القومية مع األستاذ ميشيل عفلق،.1966وأنه انتخب في عام

- مع كل التقدير واالحترام لألساتذة المؤسسين، ال يجوز أن نقول عنهم أنهم كانوا ديمقراطيين، فهم لم يكونوا هكذا في

الحزب، إذ أن غالبية أعضاء المؤتمرات القومية كان يتم تسميتهم من قبل األمين العام، ودام األمر هكذا حتى استالم الحزب

للسلطة في القطرين، إذ بدأت االنتخابات الحزبية في القطرين بينما في أكثر المنظمات الحزبية بقيت على حالها، مع بعض

االستثناءات في بعض الظروف. وهذا، أيضا، ينسحب على تطبيق الديمقراطية في السلطة، وبكل وضوح يجب القول أن األستاذين وافقوا على نظام حكم

الحزب الواحد، وعلى الحكم الشمولي، وعلى نظام الديوقراطية "1963الشعبية، الذي أقره المؤتمر القومي السادس " أيلول

وال تجدي التبريرات بأنهما قد غلب على أمرهما، ولو كان األمر كذلك، فعليهما عدم االستمرار في ممارسة السلطة، ويمكن القول أيضا، وال تجدي التبريرات، بأن األستاذ ميشيل الذي

استعاد منصب األمين العام في تنظيمه، قد أسس، بعد اإلطاحة بالمهيب أحمد حسن البكر، للحكم السلطوي الفردي الديكتاتوري

في العراق وساهم في خلق حالة من تكريس عبادة الفرد. شباط،23 استمرت القيادة القطرية في سورية، بعد حركة

في احتواء تنظيم الحزب في العراق، وعملت بجدية لعدم حدوث انشقاق في المنظمة، وهذا ما تؤكده رسالة عضو القيادة

القطرية الموفد للعراق من أجل االتصال بأحمد حسن لبكر

273

وصدام التكريتي، ومما ورد في الرسالة المؤرخة في13/7/1966:

)إننا نصر على دعوة مؤتمر قومي تاسع منتخب يشرف على إعداده لجنة من ممثلي المنظمات الحزبية وال مانع لدينا أن يوجه

الدعوة الرفيق أبو هيثم "البكر" وتشرف لجنة المنظمات علىتنفيذ الدعوة .... .

شباط23 إننا نفرق بين موقف المنظمة الحزبية من حركة وبين حاجاتها المادية للعمل ، وال نقبل ألنفسنا أسلوب

المساومة. إننا ال نقبل بأية محاولة انشقاقية باسمنا، ونطلب من جميع

الرفاق الذين يتصلون بنا العودة إلى منظماتهم وإننا واثقون بأن القواعد الحزبية السليمة سوف تقف دائما بجانب االتجاه الثوري

السليم(. وبذلت جهود حثيثة إلجراء انتخابات حزبية وانتخاب قيادة قطرية وممثلي التنظيم إلى المؤتمر القومي التاسع، وكانت

الجهود الكبيرة والمكثفة تبذل لعقده، ولكن المماطلة من قبل قيادة التنظيم المعينة من قبل األستاذ ميشيل و"البكر وصدام"،

شباط، أعيت مكتب االتصال23وهما عضوا قيادة قومية قبل القومي، وبعض قواعد الحزب في العراق، والقيادة القطرية في

سورية "تبين بعد وقت قصير أن سبب المماطلة هو انتظار انقالب في سورية من قبل التنظيم الذي تم كشفه ومالحقته،

تنظيم الرزاز – فهد الشاعر". ولم يكن بد من أن يعقد المؤتمر من دون تمثيل لمنظمة الحزب1966القومي التاسع في أيلول

في العراق، وكلفت القيادة القومية التي انتخبها هذا المؤتمر، وهي القيادة التي فصلت أحمد حسن البكر وصدام حسين من

الحزب، بتنفيذ قرار المؤتمر بإعادة تنظيم الحزب في العراق، وال رابط لفصلهم من الحزب مع مطالبة سورية بتصحيح الحسابات

حول عائداتI-p-C ـالالمطبقة بين سورية وشركة نفط العراق المرور.

- كثير من القوميين والوطنين في أرجاء الوطن العربي أدانوا واستنكروا محاكمة الرئيس صدام حسين من قبل المحتل

األمريكي وعمالئهم الطائفيين، كما أدانوا واستنكروا تنفيذ حكم اإلعدام فيه من قبل هؤالء العمالء، ولكن هذا أمر ومحاولة خلق

قناعة بأن صدام قال لألستاذ ميشيل بأنه سيطبق نظاما ديمقراطيا وسينفتح على الجميع بعد انتهاء حربه مع إيران، أمر

آخر، وانتهت الحرب بانتصار عراقي ولم يف بوعده.

274

- إن ظروف الحرب هي التي تستدعي البحث عن وسائل الدعم الشعبي وحشد الطاقات، وال يمكن التصديق بأن األستاذ

لم يستطع إقناع تلميذه بضرورة تطبيق النظام الديمقراطي، بل بالعكس وفر له الدعم، وهو دعم ال يليق بشخص األستاذ

ومواقفه حينما اعتبره في إحدى خطبه بأنه هبة البعث إلى العراق وهبة العراق إلى العرب، وهو دعم وفره له، أيضا، حين

نفذ صدام اإلعدام برفاقه من أعضاء القيادة القطرية وبعض أعضاء الكادر المتقدم في الحزب، وهو دعم وفره له حين أقدم

على اغتيال العديد من قياديي البعث في العراق، أليس السكوتعالمة الرضا؟.

- كما أن الحصار األمريكي الجائر لشعب العراق وبدء الترتيبات واختالق الذرائع الحتالله لم تحرك أي دافع عند صدام حسين

للسير نحو االعتراف باآلخر. - ولذلك يسقط قول من قال "بأن األستاذ لم يتبن كثيرا من ممارسات صدام" وبأن األستاذ "كان ينتقد أسلوب الحكم في

العراق، لكن نقده كان من موقع التبني وليس من خارج التبني". لقد ناقش المؤتمر القومي السادس للحزب الذي انعقد في

، العديد من المسائل ومن بينها أوضاع1963دمشق في أيلول السلطة في العراق والتناقض بين أعضاء قيادة الحزب و

تجاوزات أفراد الحرس القومي، وتكلم العديد من مندوبي العراق إلى المؤتمر، وكان صدام حسين أحد المتكلمين، وتبين مما قاله أنه يمثل رأي العسكريين "طاهر يحيى، ومحمد حسين المهداوي

وغيرهم" ويطرح نفس مآخذهم وخاصة بالنسبة للحرس القومي، وهذا الطرح يلقى هوى عند األستاذ ميشيل وخاصة أن

فيه إدانة لمجموعة السعدي التي يناصبها األستاذ العداء، وبالمقابل، تتهمه هذه المجموعة بأنه المسؤول عن االنشقاق في

13صفوف القيادة وبأنه، بعد أحداث تشرين الثاني شكل مكتبا عسكريا من "طاهر يحيى ، وحردان التكريتي ، ورشيد مصلح ،

وسعيد صليبي ، وصالح الطبقجلي..." وهؤالء هم الذين قاموا بالتعاون مع عبد السالم عارف باالنقالب على حكم الحزب في

، وكان صدام حسين الذي اشترك في1963 تشرين الثاني 18 تشرين الثاني، مذيعا لبيانات18 تشرين وانقالب 11أحداث

االنقالب. إن إقدام القادة الثالثة على اتخاذ قرار بحل الحزب - وهو قرار ليس من صالحيتهم اتخاذه بل هو من صالحيات مؤتمرات الحزب

- تنفيذا لما طلبه الرئيس عبد الناصر من وفد مجلس القيادة العسكري كشرط لقبول الوحدة، كان له انعكاسات متعددة على

275

الحزب عامة وعلى البعثيين في سورية خاصة، وظهرت هذه االنعكاسات في قرارات المؤتمرين القوميين الثالث والرابع بهذا الشأن، كما ظهرت حين محاولة إعادة تنظيم الحزب في سورية

"، حيث تولدت لدى1962بعد المؤتمر القومي الخامس "نيسان الكثير من البعثيين قناعة بضرورة استبعاد األساتذة الثالثة عن

التنظيم، ومساءلتهم في أول مؤتمر قومي للحزب، كما عاد االشتراكيون العرب إلى تنظيم حزبهم الخاص بعيدا عن قرارات مؤتمر حمص. بينما استمر عسكريو البعث في تنظمهم الخاص

بعيدا عن التكتالت الحزبية، مع فتحهم حوارا معها جميعا. وكانت قواعد البعث في سورية ترى أنه كان على القيادة

التمسك بمشروعها االتحادي مع مصر، وأن ال تتهاون في هذا األمر، فاتحاد مع وجود أحزاب في سورية، يوفر الديمومة وينضج

الظروف وينتقل من اتحاد إلى وحدة غير قابلة لالنفصال، وما قول أحد الذين أدلوا بشهادتهم، إن األستاذ كان يقول "إذا ما

وذكر حل الحزب كشيء سلبي في تاريخ1958ذكرت وحدة الحزب وخطأ كبير، إال انه في الوقت نفسه سيكون "هذا الخطأ

أعظم وأمجد من كل األعمال الصائبة التي قام بها الحزب"، ويكون القول في محله لو أن الوحدة استمرت، ولم تنفصل

عراها بعد ثالثة أعوام ونصف العام. - ورد في إحدى الشهادات، إجابة على سؤال: من هم أبرز

النجوم في المؤتمر القومي في حمص؟ كان هناك منيف الرزاز وشبلي العيسمي وحافظ األسد

ومنصور األطرش وأمين الحافظ والدكتور علي الخليل وفؤاد الركابي، وإثر هذا المؤتمر، انقسم الحزب قسمين، االول مؤيد

للحوراني والثاني معارض له. والحقبقة تقول: إن المؤتمر القومي الذي انعقد في حمص في

، لم يحضره أي بعثي من سورية،1962شهر نيسان من عام باستثناء األمين العام، وذلك لسبب بسيط وهو أنه لم يكن

التنظيم الحزبي موجودا في سورية، وبالتالي لم يحضر هذا المؤتمر ال "شبلي العيسمي وال حافظ األسد وال منصور األطرش وال أمين الحافظ"، كما أن فؤاد الركابي كان مفصوال من الحزب

منذ ثالث سنوات تقريبا. - وأخيرا البد من التأكيد، بان األستاذ ميشيل كان عفيف

النفس، زاهدا، ال تغريه الثروة أو السلطة، وعرفنا األستاذ ورفاقه المؤسسين علمانيي النهج، ولم نعرفهم كمسلمين أو كمسيحيين

أو كملحدين، وعرفنا أن البعث يحترم كل العقائد، كما فهمنا

276

اإلسالم بالنسبة للعرب، كما طرحه األستاذ في محاضرته "ذكرى.1943الرسول العربي" على مدرج جامعة دمشق عام

ونقول أيضا، إن الحزب ليس ملكا لمؤسسيه، بل هو ملك لمناضليه، أيضا، فهم جسد الحزب وروحه، وهم الذين ناضلوا

ويناضلون لتحقيق مبادئه وتطويرها من خالل مؤتمرات الحزب. 2008تموز 13 دمشق

مروان حبش

محاولة عصيان الرائد سليم حاطومفي السويداء

1966 أيلول 8يوم

277

أصدر1966 في بداية الثلث الثاني من شهر شباط وزير الدفاع اللواء محمد عمران، بناء على قرار القيادة

القومية، أمرا بنقل الضابطين الرائد سليم حاطوم والرائد ( من وحداتهم العسكرية، ويعتبر هذا النقل1عزت جديد)

مساسا بميزان القوى التي كانت في صراع بعد حل القيادة القطرية، وأن هذا النقل يأتي قبل أيام من موعد محتمل النعقاد المؤتمر القطري في دورة استثنائية يوم

لمناقشة األزمة بين القيادتين القومية25/2/1966 والقطرية، وكان هذا القرار من األسباب التي حملت

القيادة القطرية المؤقتة على تبني العمل العسكري كخيارأخير لحسم الصراع في الحزب.

، وبعد أن قررت القيادة1966 شباط 23-22 في ليلة القطرية المؤقتة بكامل أعضائها القيام بعد منتصف الليل

بعمل عسكري تنفذه في دمشق وحدتا الرائد حاطوم المتمركزة في معسكر حرستا، والرائد عزت جديد

المتمركزة في معسكر القابون . طلب مني اللواء حمد عبيد، عضو القيادة القطرية

المؤقتة ووزير الدفاع قبل حل القيادة القطرية، أن نذهب معا إلى منزله في جادة الخطيب ليرتدي بزته العسكرية، ثم نعود إلى المنزل الذي اتخذ كمقر للقيادة، ومن هناك ينطلق اللواء حمد إلى مهمته في معسكرات قطنا. وفي

طريق ذهابنا إلى منزله، طلب مني اللواء حمد أن أرشحه في اجتماع القيادة بعد تنفيذ الحركة إلى منصب وزير

. (2)الداخلية حين وصل اللواء حمد عبيد إلى معسكرات قطنا، أبلغ من قبل الضباط الموالين للقيادة القطرية المؤقتة أنهم

يسيطرون بشكل كامل على المعسكرات وال حاجةلوجوده، وقد تحتاجه القيادة في مكان آخر.

278

كلفت القيادة القطرية اللــواء حمــد عبيــد اإلشــراف على النواحي العسكرية واألمنية في حلب ومطاردة الرائــد بــدر جمعة، مدير الكلية الحربية في حمص – من أنصار الفريــق أمين الحافــظ – الــذي اســتطاع أن يســيطر بالتنســيق مــع الرائد مصطفى عبدو – قائــد وحــدة عســكرية في حمــاة –ــا بهــا نحــو ــات والمــدافع، ويهرب الســيطرة على بعض اآللي

حلب. وصل اللواء حمد عبيد إلى حلب التي وصل إليها ،أيضا،

عضو القيادة القطرية مصطفى رستم، ليتعاونا في معالجة الوضع القلق في حلب، ولكن اللواء حمد بدأ باتصاالت

سرية مع بدر جمعة وعبد الغني برو، رئيس فرع المخابرات في حمص قبل الحركة، وتمت بينهم عدة اجتماعات في بيت

أحمد أبو صالح اتفق خاللها السيطرة على حلب، ثم إجراء اتصاالت مع المقدم مصطفى طالس لالستيالء على

المنطقة الوسطى فتكون دعما للجيوب التي تشكل قوة لهم في المنطقة الجنوبية، وبذلك يقومون بعملية ارتدادية

على الحركة. إلى دمشق والتقى في8/3 حضر أحمد أبو صالح يوم

بيت خالد الحكيم في دوما مع بعض األشخاص من مجموعة ما عرف بأدبيات الحزب بـ"مجموعة حمود

الشوفي" وأبلغهم عن حركة عسكرية ارتدادية سيقوم بهااللواء حمد عبيد والرائد بدر جمعة.

كان المقدم مصطفى طالس قد أبلغ القيادة القطرية عن النشاط التآمري للواء حمد، كما أبلغ، أيضا، بعض من تم االتصال بهم من الحزبيين المدنيين في حلب، القيادة

بهذا النشاط التآمري. دهشت القيادة من هذا السلوك التآمري للواء حمد،

وقررت تحريك كتيبة دبابات من اللواء الخامس بحمص، كما قررت في الوقت نفسه، أن يتوجه رئيس األركاناللواء أحمد السويداني إلى حلب إلنهاء الوضع المبلبل.

لما وجد اللواء حمد عبيد والرائد بدر جمعة وبقية الضباط المتورطون معهم، أن مخططهم القى الفشل، ومع وصول اللواء السويداني وتوجه كتيبة الدبابات، فر

الرائد بدر جمعة إلى تركيا ومنها إلى لبنان. عاد اللواء السويداني إلى دمشق جوا برفقة الضباط

برا،9/4الذين كانوا قد تورطوا، بينما عاد اللواء حمد يوم 279

ووضع نفسه تحت تصرف القيادة القطرية المؤقتة، وهو وتمت، فيما بعد، أحد أعضائها، وقد قررت القيادة اعتقاله،

محاسبته من قبل لجنة الكسب غير المشروع التي كان قد أقرها المؤتمر القطري االستثنائي لمحاسبة الحزبيين

والمسؤولين الذين استغلوا وجود الحزب في السلطة. ما إن انتهت مشكلة حلب بفترة وجيزة، وتم تشكيل الوزارة، بدأت اإلعدادات النتخابات حزبية لعقد المؤتمر

القطري الثالث، وانصرفت جهود القيادة لالتصال بالمنظمات الحزبية خارج سورية، وخاصة منظمة الحزب

في العراق، تمهيدا لعقد مؤتمر قومي، كما انصرفت جهود أيضا، إلى وضع البرامج العسكرية القيادة والوزارة،

واالقتصادية واالجتماعية، والعمل على تنفيذها. لقد أقدم حكم الحزب على استثمار النفط وطنيا، بعد  

أن كان وقفا على االحتكارات البترولية، كما أقدم على مطالبة شركة نفط العراق بالماليين من الليرات السورية،

وهي حق الشعب الواضح والصريح لقاء مرور النفط في األنابيب عبر سورية، كما كان الحكم عازما على اجتثاث

في سورية وداعيا إلى كل مظاهر االستعمار ومصالحه ذلك في بقية أقطار الوطن العربي، وبدأت الخطوات

سريعة في هذا النطاق، كما بدأت عملية تعميق التحوالت االشتراكية، وبناء البنية التحتية القتصاد متين، وتمثل ذلك

أكثر ما تمثل في توقيع اتفاقية بناء سد الفرات -حلم مع االتحاد السوفييتي، بعد أن ماطلت فالحي سورية-

المؤسسات الغربية في تمويل إنشائه. وكذلك، فإن من يتبنى قرار حرب التحرير الشعبية إستراتيجية للحزب في تحرير فلسطين وتصفية الوجود االستعماري في المنطقة

إلى الوحدة العربية، ويترجم هذه اإلستراتيجية إلى وصوال وقائع حقيقية وخطوات عملية، يجب أن يدخل في حسبانه أن األمر البديهي والطبيعي هو أن يتآمر االستعمار ويحشد

كل طاقاته وإمكانياته في معركته وأساليبه التآمرية ضد الحزب وثورته، ويقف جاهدا إلفشال كل المنجزات التي

في سورية، وأن ال يغيب عن باله حققتها الثورة للجماهير أنه معرض إلى تآمر مستمر، وأن ترصد الماليين من

الدوالرات لتغذية هذا التآمر بغية تقويض النظام الثوري، والتخلص من قادة هذا النظام الذين أطلقت عليهم الدوائر

االستعمارية "أصحاب الرؤوس الحامية".

280

إن قوى االستعمار تعرف بثاقب نظرها، أنها ال يمكن أن تنال من حركة ثورية أصيلة، بالتآمر الخارجي أو التصدي المباشر، لذلك تلجأ إلى اعتماد أسلوب النفس الطويل،

وإلى مقتل مضمون النتائج، أال وهو البحث عن عناصر تكن وقوى تؤجج بها النزاعات الداخلية، حتى ولو لم

مرتبطة بشكل مباشر بها، ولكنها ترعاها وتهيئ لها السبل للتفجير من الداخل. و بحكم المصالح الذاتية التي يكتشفها

البعض خارج إطار النضال الثوري، تجعلهم غير قادرين على متابعة النضال ومواكبة مسيرة الحزب والثورة

وينزلقون بالتالي إلى المواقع المضادة لمصالح الجماهيرالفقيرة التي تقوم الثورات، أصال، من أجلها.

كان الرجعيون في أوج نشاطهم، وبدؤوا بتحركات مريبة أيلول، وكانوا8واتصاالت مشبوهة قبل فترة وجيزة من

على صالت دائمة ودؤوبة مع العمالء الهاربين في األردن ولبنان، وبندواتهم المكشوفة كانوا يبشرون بزوال العهد

في مدة ال تتعدى األيام القليلة، حتى إن البعض منهم كانيحدد يوم المؤامرة.

بدأت األردن بحشد قوات عسكرية على الحدودالسورية، وأعطيت مهمات لهذه القوات المحتشدة.

وحينما حقق مع أحد المعتقلين الرجعيين الذي تربطه صالت ود وصداقة مع موظفي السفارة األميركية في

دمشق، طرحت عليه أسئلة واستفسارات تتعلق بتصريحات السفير األمريكي في سورية التي جاء فيها:

"إن هذا العهد ذاهب خالل أيام"، أجاب المحقق معه: أنه لما قيل للسفير األميركي، بأن تصريحاتك العلنية، وتأكيدك

أمر مناف لألصول الدبلوماسية، وخاصة أن بزوال العهد، إلى المسؤولين، أجاب: لم يعد يهمني هذه األقوال ستصل

العرف الدبلوماسي، ألن البعث سيذهب عما قريب. وكان قد صدر أمر بمنع دخول أحد المطارنة المعروف بعمالته للمخابرات المركزية األميركية، إلى سورية فقال هذا المطران: ما قيمة هذا المنع، إذا كان الوضع سوف

ينهار خالل عدة أيام؟، فليضبطوا أنفسهم قبل أن يمنعونا من دخول البلد، وفي اعتراف لجالل السيد، "أحد

مؤسسي البعث وأحد الشخصيات البارزة في تاريخ السياسة السورية"، قال: "في المقابلة التي تمت بيني

بأن الوضع وبين أكرم زعيتر وزير خارجية األردن، أخبرني في سورية سينهار، خالل فترة قريبة، ومصير سورية إما

281

إلحاقها باألردن، أو تقسيمها وضمها للدول المجاورة، وذلك للتخلص من النظام البعثي الشيوعي الذي أصبح سائدا

في سورية". في هذا الظرف المشحون بالتآمر، تم تهريب األستاذين صالح البيطار وشبلي العيسمي من مكان احتجازهما في استراحة وزارة الدفاع بمنطقة القصور في دمشق إلى

بيروت، ورغم معرفة القيادة بأن هذا الهرب قد تم بمعرفة الرائد مصطفى الحاج علي رئيس شعبة المخابرات

العسكرية، والرائد سليم حاطوم، ألن عناصر الحراسة من وحدته العسكرية، ولكن القيادة لم تول األمر اهتماما ألن

المحتجزين سيتم إطالقهم قريبا. ، صرح الرائد1966 في العشر األخير من شهر آب

مصطفى الحاج علي في الالذقية أمام بعض أصدقائه من البعثيين أننا سنقضي على القيادة القطرية في وقت

قريب جدا، كما تم الكشف عن تنظيم عسكري سري لقلب نظام الحكم، اعتقل على إثره المالزم كافي العباس من معسكرات قطنا، والرائد محمد أحمد النعيمي مع عدد

من أفراد الخلية من القطاع األوسط في الجبهة ورحلواإلى دمشق للتحقيق معهم.

شكلت القيادة لجنة للتحقيق من بعض الضباط برئاسة العقيد أحمد المير محمود ومن أعضائها الرائدين سليم

على حاطوم ومصطفى الحاج علي، وكان حث القيادة السرعة بإنجاز التحقيق لمعرفة المنضمين إلى التنظيم،

دون جدوى، ولما وصلت إلى القيادة معلومات عن تورط بعض أعضاء هذه اللجنة في ذلك التنظيم، قررت تشكيل لجنة جديدة من رئيس مكتب األمن القومي عبد الكريم الجندي ووزير الداخلية محمد عيد عشاوي وقائد الجيش الشعبي محمد رباح الطويل ورئيس األركان اللواء أحمد

السويداني، وكشف التحقيق عن تورط سليم حاطوم ومصطفى الحاج علي في هذا التنظيم، وهما ممن كانوا

التخاذ قرار يلحون ويطالبون القيادة القطرية المؤقتة بتحرك عسكري إلنهاء األزمة في الحزب، وهو القرار الذي

شباط.23نفذ صبيحة تبين من التحقيق أن هدف هذا التنظيم العسكري السري هو القيام بحركة التفاف على حركة شباط،

وبالتالي، ضربها واإلطاحة بها وبكل األسس التي قامت عليها، وتم االتفاق بين قادة التنظيم على وضع خطة

282

عسكرية شملت جميع المناطق والوحدات العسكرية، وأصبح كل شيء جاهزا، ووزعوا المناصب الرئيسية في الجيش والسلطة فيما بينهم، كما أن خطتهم للتعاون مع

أصبحت منتهية، وأصبح الكل الفئات السياسية المختلفةفي حالة تأهب لالنقضاض على الحزب وثورته.

ساعد هذا الكشف المبكر على اعتقال سريع للرؤوس المتآمرة، وأدى إلى إحباط المؤامرة الواسعة، ولكن

سليم حاطوم ومصطفى الحاج القيادة لم تعتقل الرائدين علي وأنصارهما، ودعتهما إلى حضور جلسات نقد ذاتي

من أعضائها. تقوم بها القيادة، وعاملتهما كعضوين تبدأ قصة االتصاالت بين األطراف المتعددة، بعد حركة

شباط بأيام، وتتحرك أياد خفية لتجمع الخيوط23 المشدودة لها، إذ نشط كل من خالد الحكيم ونبيل

الشويري . نشط(3)ومحمود نوفل وأحمد أبو صالح وآخرون

األشخاص المذكورون، كما نشط الرائد شريف الشاقي ،(4)بإقناع الرائد حاطوم لاللتقاء مع الدكتور منيف الرزاز

ونجحت جهودهم وتم اللقاء في منزل خالد الحكيم في دوما، وبعد اجتماعات متعددة تم االتفاق على تشكيل

مكتب سياسي برئاسة الدكتور الرزاز ومن أعضائه محمود نوفل وخالد الحكيم، ومكتب عسكري مهمته القيام بتنظيم

سري لضباط الجيش –يستبعد منه الضباط العلويون–والتحضير النقالب على النظام القائم.

كان الرزاز قد شكل المكتب العسكري من: )اللواء المتقاعد فهد الشاعر، العقيد المتقاعد صالح نمور، العقيد إسماعيل هالل، الرائد مجلي القائد، الرائد شريف سعود،

النقيب علي سلطان، النقيب علي الضماد(. وكان هذا المكتب مرتبطا بالدكتور منيف الرزاز بواسطة المحامي

أضيف إليه الرائد سليم حاطوم، نسيم السفرجالني، ثم والرائد شريف الشاقي، والرائد مصطفى الحاج علي،

ولقد تم االتفاق، أيضا، في حال نجاح انقالبهم أن يكون اللواء الشاعر وزيرا للدفاع، والرائد الحاج علي رئيسا

لألركان، والرائد سليم حاطوم قائدا للواء السبعين المدرع المرابط في الكسوة، إضافة

إلى كتائب المغاوير، وتبين أنه قد تم تشكيل مكتبين عسكريين، أحدهما دون الحاطوم والشاقي، وأن النية

283

مبيتة عند الرزاز والشاعر على التخلص من حاطومومجموعته فور نجاح انقالبهم.

اجتمع الرائد سليم حاطوم مع اللواء فهد الشاعر، بناء على طلب الدكتور الرزاز، للتنسيق معه، وبعد اجتماعات متعددة وفي أمكنة مختلفة، بين اللواء الشاعر والرائد حاطوم والرائد الشاقي

والرائد الحاج علي والرائد فؤاد منذر والنقيب سالمةوضعت خطة عسكرية تشمل وغيرهم من الضباط ...،  المغوش

جميع المناطق والوحدات العسكرية، وهي خطة مركزية مؤلفة:من عشر صفحات، وتعتمد على ما يلي

يتحرك الرائد حاطوم بكتيبته الحتالل األركان واإلذاعة ومبنى - القيادة القطرية في المالكي وتجميد مدرسة المدرعات في

.القابون تتحرك وحدات من معسكرات قطنا، بعد السيطرة عليها -

واعتقال أو قتل الضباط الموالين لقيادة الحزب، على محورين: األول، نحو الصبورة الحتالل أجهزة بث إذاعة دمشق. والثاني،

نحو مطار المزة العسكري للسيطرة عليه. وتبقى مجموعة ثالثة في المعسكرات لحماية مركز القيادة التي ستكون مقرا للواء

.الشاعر وأعوانه خطة الجبهة، بعد أن تتم السيطرة عليها من قبل العقيد طالل -

تتلخص بتحرك ثالث مجموعات عن طريق سعسع أبو عسلي، صحنايا- دمشق، و تستهدف هذه القوات تجميد اللواء السبعين –

في الكسوة واحتالل بعض المناطق والمحاور الرئيسة في مدينة.دمشق

تتم السيطرة على اللواء المدرع الخامس في المنطقة - الوسطى - بعد اعتقال آمر اللواء المقدم مصطفى طالس وقادة الكتائب في منازلهم– بمساعدة طالب من الكلية الحربية بقيادة

.أحد الضباط الموالين - تتم السيطرة على معسكر القطيفة، من بعض

الضباط الموالين، وتتحرك كتيبة منه نحو حمص، للدعم،إذا اقتضت الضرورة.

- تجمد بقية الوحدات من داخلها لتصبح غير قادرة علىالحركة.

حاولت القيادة ومن باب الحرص على الرفاق الحزبيين، ، وفي1963 آذار 8وخاصة من كان لهم دور في ثورة

، أن تحتوي هؤالء الرفاق، وتتجاوز1966 شباط 23حركة ما تورطوا به، وكما ذكر من قبل، استدعت القيادة

الرائدين سليم حاطوم ومصطفى الحاج علي، ليحضرا مع284

أعضاء القيادة القطرية جلسات عقدت خصيصا للقيام بنقد شباط وحتى23ونقد ذاتي، ولتقييم الفترة الوجيزة من

، وعاملتهما معاملة أعضاء فيها، وهيأت لهما966شهر آب ولبقية الحزبيين المتورطين من أنصارهما، جميع الظروف

الستعادة ثقتهم بأنفسهم وبالحزب، ولتبديد كل الشكوكوالمخاوف التي يمكن أن تساورهم.

ورأت القيادة، أيضا، أن تعقد لقاءات في منازل بعض أعضائها، وبعيدا عن االجتماعات الرسمية، يحضرها كل من

الرائدين حاطوم والحاج علي تعزيزا للهدف نفسه، كما وجهت القيادة أعضاءها وبعض أمناء الفروع وبعض أعضاء قيادات المنظمات الشعبية لزيارة الرائد حاطوم وإحاطته

بشكل مستمر وإبعاد تأثير المجموعة التي ورطته بلقاءالدكتور الرزاز عليه.

أيلول، صدر عنها6 بعد اجتماع للقيادة القطرية في بيان تضمن:

- إن كل مؤامرة جديدة ستعجل في قبر فلول الرجعيةواليمين وتدفع قضية الجماهير إلى أمام.

- انتهاء مرحلة التسامح واللين، وأن يد الشعب الجبارة لنترحم وستضرب الرؤوس المتآمرة.

- إن اعترافات المتآمرين واضحة وسيقدمون إلى محكمةاألمن القومي.

قام األمين القطري رئيس الدولة الدكتور نور الدين 7 يوم  األتاسي ورئيس األركان اللواء أحمد السويداني،

أيلول بزيارة إلى الجبهة واجتمعوا، هناك، مع الضباطالحزبيين لتوضيح أبعاد المؤامرة المكتشفة.

ولكن، كما تبين بعد أيام قليلة، أن التأثيرات الخارجية على حاطوم وبعض أنصاره كانت أكبر أثر من كل ما

فعلته القيادة القطرية الحتوائهم، إذ حاول الرائد حاطوممرتين اغتيال أعضاء القيادة.

المرة األولى أثناء عشاء في منزل اللواء أحمد السويداني الواقع في زقاق الصخر، حضره بعض أعضاء

القيادة ومن بينهم اللواء صالح جديد واللواء حافظ.(5)وبحضور الرواد حاطوم والشاقي والحاج علي األسد

والمرة الثانية حين دعوة أعضاء القيادة لتناول طعامالغذاء في منزل عضو القيادة

جميل شيا، ومن المــدعوين لهــا الرائــدين حــاطوم والحــاجعلي، ولكن الرائد حاطوم تأخر

285

عن الحضور، وهتف بأنه قادم وسأل عن الحاضرين ولما أبلغ بأن بعض أعضاء القيادة لم يصل بعد ومن بينهم اللواء

حافظ األسد، ثم هتف مجددا واستفسر فيما إذا وصل اللواء حافظ، و بسبب عدم حضور جميع أعضاء القيادة،

أدرك أن خطته ربما تكون قد اكتشفت وعدل عن المضي . وفعال وصلت معلومات عن ذلك إلى(6)في هذه المغامرة

بعض أعضاء القيادة، ورغم ذلك استمرت القيادة القطريةعلى توجهها بالحرص على هؤالء الرفاق.

بعد انتشار المعلومات عن تورط سليم حاطوم في تنظيم عسكري مع فهد الشاعر لقلب نظام الحزب، استنكرت منظمة الحزب في السويداء ما أقدم عليه

حاطوم، بينما بعض الحزبيين من المتورطين أو المتعاطفين معه وباتفاق بينه وبينهم - وخاصة، بعد أن

أوحى إليه خالد الحكيم ونبيل الشويري وغيرهما بفكرة العصيان للتفاوض مع القيادة- أخذوا يلحون على قيادة

فرع السويداء ضرورة حضور األمين القطري الدكتور نور الدين األتاسي واألمين االقطري المساعد اللواء صالح

جديد إلى السويداء لالجتماع مع الحزبيين وتوضيح المؤامرة وأبعادها وقرارات قيادة الحزب لمعالجتها

واحتواء سليم حاطوم ومجموعته، ألن حاطوم وأغلب أنصاره هم من المحافظة نفسها وتورطهم في المؤامرة

خلق بلبلة فيها. وافقت القيادة القطرية على اقتراح فرع السويداء

أيلول، وفي هذا الشهر8وعلى أن يكون االجتماع يوم كانت قد بدأت االنتخابات الحزبية في القطر السوري

تمهيدا النعقاد المؤتمر القطري الثالث. لم يكن لسليم حاطوم أي امتداد يذكر في منظمات

الحزب المدنية والعسكرية، كما أن بعض الطامعين الذين تورطوا، كانوا قد تخلوا عنه، بينما نصحه الدكتور حمدي

عبد المجيد، أمين عام حزب العمال الثوري العربي، عدم ، وفي(7)القيام بمغامرة مصيرها الفشل واالستنكار معا

خلوة بين الرائد حاطوم و الرائد شريف الشاقي في أيلول تظاهر7/8محطة البث اإلذاعي في خرابو ليلة

الرائد شريف بالتوقف عن بموافقته على ما طرحه عليه أي تفكير للقيام بمغامرة ما، ولكن، كما ذكرت، كانت

التأثيرات الخارجية عليه قد دغدغت له لتنفيذ ما خططوه ، مما دفعه إلى تجاهل كل النصائح ومحاوالت االحتواء

286

وخلق الثقة، وأقدم على عصيانه في مدينة السويداء، .1966 أيلول 8عصر يوم الخميس

أيلول، مر الرائد سليم حاطوم على8 في صباح يوم فرع الشرطة العسكرية الذي يرأسه الرائد عدنان دباغ،

ومن هناك انتقل إلى مبنى وزارة الدفاع والتقى مع اللواء وزير الدفاع، ومنها غادر إلى جرمانا وبرفقته الرائد محمد إبراهيم العلي الذي كان قد وصل لتوه من حلب والتقاه في مبنى وزارة الدفاع ودعاه للسفر معه إلى السويداء

وتناول طعام الغداء هناك مع األمين القطري واألمين القطري المساعد، ومن جرمانا رافقهم العقيد طالل أبو عسلي، وهو من المتورطين بتنظيم فهد الشاعر - منيف

الرزاز وشمله توجيه القيادة بعدم االعتقال. حين وصولهم إلى السويداء توجهوا، فورا، إلى مقر فرع المخابرات العسكرية الذي كان يرأسه النقيب عبد الرحيم

بطحيش وهو، أيضا، من المتورطين في المؤامرة ودعا هذا األخير قادة كتائب اللواء المرابط في السويداء منهم

النقيب علي غانم والنقيب أحمد حسن والنقيب علي مخلوف، لتناول طعام الفطور عنده مع الرائد محمد إبراهيم العلي، ولبى هؤالء الدعوة، واحتجزهم رئيس

الفرع جميعا في المقر. غادر حاطوم المقر وأجرى اتصاالت مع بعض الضباط

في الوحدات العسكرية في ازرع، كما اتصل ببعض الضباط في القطاع الجنوبي بالجبهة لمؤازرته والتحرك

نحو السويداء. خالل االجتماع مع أعضاء التنظيم الحزبي في السويداء

والذي حضره، أيضا، عضو القيادة القطرية جميل شيا، فوجئ المجتمعون باقتحام سليم حاطوم وبرفقته عناصر

مدنية وعسكرية مسلحة قاعة االجتماع، وبالتعاون مع بعض المتورطين من المجتمعين احتجزوا األمين القطريواألمين القطري المساعد واقتادوا كال منهما إلى مكان. استطاع سائق اللواء صالح جديد الفرار بسيارته من

حين وصوله عما السويداء متوجها نحو دمشق وأبلغحدث.

حين علم وزير الدفاع بما حدث في السويداء استدعى رئيس شعبة المخابرات العسكرية الرائد مصطفى الحاج

علي الذي أكد للواء األسد أن ال علم له بما فعله سليم حاطوم، وحينها أمره اللواء حافظ أن يوعز للضباط

287

المرتبطين به كي ال يتحركوا دعما لسليم حاطوم، وبتنفيذ.(8)هذا األمر أخذ وعدا بعدم المساس به

كنت أول الواصلين إلى مكتب اللواء حافظ، ومع وصولي طلب من مدير مكتبه أن يرسل عناصر إلحضار

"الكـ..." عبد الله األحمر وخزاعي ملي - األول أمين فرع األطراف والثاني أمين فرع القنيطرة – وسيعدمهما في

ساحة مبنى وزارة الدفاع، فهدأت من ثورة غضبه، وفهمت أنهما كانا يمران عليه في مبنى أميرية الطيران بشارع

مرشد خاطر، وينقالن له أخبار سليم حاطوم، وظن اللواء حافظ أنهما على اطالع بما قام به في السويداء ولم يبلغاه الحقيقة،

واتفقت معه على التحقيق معهما فور القضاء على.(9)العصيان

التأم شمل القيادة عصر ذلك اليوم، وقررت إعالن 8حالة منع التجول بدءا من الساعة التاسعة من مساء

أيلول ،9أيلول وإلشعار آخر، وتم إنهاء هذه الحالة يوم كما قررت وبروح المسؤولية معالجة هذا العصيان،

وباتصال هاتفي مباشر مع الرائد حاطوم أبلغته قرار القيادة: أن يفرج عن المحتجزين، ويسلم نفسه للقيادة

ليمثل أمام القضاء، فال مساومة ألنها مرفوضة تماما، وااللتزام بما قررته القيادة هي فرصته الوحيدة، وأن

القيادة ستنظر بعين العطف تجاهه. فوافق على ذلك،.(10)ووعد بإطالق المحتجزين وتسليم نفسه

حاول سليم حاطوم مساومة اللواء صالح جديد الذي رفض أن يستمع إليه أو يعطيه أي وعد، واكتفى بإجابة

واحدة: إن أي موضوع يجب أن يناقش مع القيادة، وهو غير مخول ببحث أي موضوع.كما أنه سمع نفس الجواب

من األمين القطري الدكتور األتاسي. في الوقت الذي كانت القيادة تقوم فيه باتصاالتها مع

سليم حاطوم، حامت بعض الطائرات فوق مدينة السويداء، كما تحركت بعض الوحدات العسكرية نحوها، بقيادة عضو القيادة القطرية عبد الكريم الجندي بهدف

تطويق المدينة، وحظر عليها إطالق النيران واالكتفاء.(11)بالتهديد بالقوة

وتحركت وحدة عسكرية من القطاع األوسط في الجبهة بقيادة النقيب كاسر محمود، على محور الرفيد– ازرع،

288

لمنع تحرك وحدات عسكرية من الجبهة لمؤازرة من قامبالعصيان.

مع غروب الشمس وصل حمود القباني أمين فرع السويداء إلى مبنى وزارة الدفاع وأطلع القيادة على

تفصيل ما حدث وأن جهودا حثيثة تبذل إلنهاء المشكلة، وزودته القيادة برسالة مفادها أن ال مساومة أبدا مع

العصاة وما من سبيل أمامهم إال تسليم أنفسهم. وصلت القوات قبل حلول الظالم إلى مشارف مدينة السويداء، وما أن وصلت أطلق سراح األمين القطري

الذي وصل إلى مبنى وزارة الدفاع بعد غروب الشمس، وأطلع القيادة على ما حدث وأنه ال يعلم شيئا عن اللواء

صالح جديد. بعد أن وصل العصاة إلى الطريق المسدود، وفشلوا في كسب أي دعم من الوحدات العسكرية -عدا دعم المالزم

فواز أبو الفضل من مؤيديه، والنقيب إبراهيم نور الدين وبعض الضباط من مؤيدي الفريق أمين الحافظ في

معسكرات ازرع- وأدركوا أنهم أصبحوا محاصرين من القوات العسكرية، أطلقوا سراح األمين القطري المساعد

.(12)اللواء جديد وهنا تأتي الروايات على لسان العصاة من أنصار

حاطوم- سردوها بعد عودتهم من األردن_ فإحداها، أن الرائد حاطوم اتصل بوزير الدفاع قائال: إنه سيحضر إلى

دمشق مع بقية العصاة لتسليم أنفسهم، ولكن وزير الدفاع حذره من الوقوع بيد عبد الكريم الجندي فيما إذا جاء بالطريق البري، وأنه، أي وزير الدفاع سيرسل حوامة

لتنقلهم إلى دمشق، وحينما تأخر وصول الحوامة، توجسوا.(13)ولم يجدوا أمامهم إال الهرب نحو األردن

أما الحقيقة ، وتجاوزا للروايات، فهي أن العصاة كانوا ينتظرون نتيجة االتصال مع المسؤولين في األردن، وحينما

تلقوا الضوء األخضر لجؤوا إليه، وهذا ما يؤكده أحد أبرز عناصرهم نبيل الشويري في كتاب "سورية وحطام

المراكب المبعثرة " لصقر أبو فخر، إذ يقول: "كان هناك خط مع األردن، رصدته فيما بعد، له صلة ببعض األشخاص

من آل األطرش، وكان همزة الوصل مع سليم حاطومشخص يدعى صابر المعاز ".

ورد نبأ فرار حاطوم مع بعض أعوانه، ومنهم من قاده تحت التهديد، باتجاه الحدود األردنية، حيث كان بعض

289

المسؤولين األردنيين باستقبالهم، وتبين، بعد فرار حاطوم، أيلول، كان قد8بأنه أثناء اجتماعه مع بعض الضباط في

أجابهم على تساؤلهم: ما مصيرنا في حال الفشل؟ فرد عليهم: إننا مضمونون، واللقاء في األردن وكل شيء

مرتب. ومما يلفت االنتباه أن بعض المتورطين في منطقة الجبهة قريبامن

الحدود اللبنانية، لم يتسللوا إلى لبنان، وإنما قطعوا مسافة طويلة حتى وصلوا إلى منطقة

الحمة ومنها عبروا إلى األراضي األردنية. وصل الفارون إلى المقر العسكري في مدينة المفرق

جاء الشريف ناصر األردنية، وبعد وقت قصير من وصولهم خال الملك حسين واجتمع مع سليم حاطوم على انفراد

وأبلغه ترحيب الحكومة األردنية به، ثم اجتمع مع بقية الفارين في نادي الضباط بمدينة الزرقاء، ومكثوا بالنادي

بضعة أيام حيث توارد بقية الضباط المتورطين ومن بينهمالعقيد طالل أبو عسلي، وبعض المدنيين.

وصلت بعثة إعالمية أردنية إلى الزرقاء وطلبت من حاطوم عقد مؤتمر صحفي، وعليه أن يركز على ثالث

نقاط أساسية وهي: – التركيز على الوضع الطائفي في سورية.1 – التركيز على أن الحكام الحاليين هم ماركسيون2

وشيوعيون. – التركيز على فشل النظام االشتراكي في سورية.3

بعد عقد المؤتمر الصحفي، وتاله مؤتمر آخر عقده النقابيان العماليان خالد الحكيم ونذير النابلسي هاجما فيه

النظام االشتراكي في سورية، بدأ ت الحكومة األردنية باستخدامهم للتآمر على نظام الحكم في سورية، إذ

اجتمع رئيس الحكومة األردنية وصفي التل، في النادي، بعدد منهم من بينهم طالل أبو عسلي وسليم حاطوم، وأبلغهم عن االستعداد لتقديم كل عون شريطة العمل

على إسقاط نظام الحكم في دمشق. أيلول:9 ورد في بيان صدر عن القيادة القطرية يوم

)إن سليم حاطوم نفذ المغامرة الطائشة التي حرض عليها هالل رسالن وخالد الحكيم ونبيل الشويري

وغيرهم .... إنه تم اعتقال بعض مدبري المغامرة، بينما تمكن آخرون

من الفرار باتجاه الحدود األردنية.290

إن المؤامرة األخيرة حلقة من المؤامرة الرجعية اليمينيةالسابقة الفاشلة.

المخطط االستعماري الذي إن هدف المؤامرة هو تنفيذتموله بعض الفئات الحاكمة العربية العميلة.

إن سليم حاطوم لغم تفجر على نفسه(. بدأ الفارون إلى األردن التخطيط للتآمر بضرورة

االتصال بأعضاء القيادة القومية السابقة الذين لجأوا إلى شباط، وعرضوا األمر على وصفي23لبنان بعد حركة

التل ألخذ موافقته، وتبلغوا الموافقة من الملك حسين الذي اجتمع مع عدد منهم ورحب بهم وأمر وصفي التل

بتسهيل مهمتهم. سافر طالل أبو عسلي والنقيب إبراهيم نور الدين إلى بيروت، وفي بيروت طلب طالل أبو عسلي من السفارة

المصرية قبول لجوئه إلى مصر، وعقد في القاهرة مؤتمرا صحفيا كشف فيه أبعاد مؤامرة سليم حاطوم والسلطات

األردنية. أما إبراهيم نور الدين لم يستطع االتصال بأي من أعضاء القيادة القومية المذكورة لرفضهم مقابلته، وعدم رغبتهم بالتعاون مع سليم حاطوم، وطلب منه االبتعاد عنه، وعاد

إلى األردن وأبلغ ما حدث معه إلى الضباط الفارين. وخالل هذه الفترة عرض سليم حاطوم على بعض

أركانه خطة التآمر التي وافقت عليها المراجع األردنية،وهي من شقين:

- مرحلة تحضيرية تبدأ بجمع الفارين ومن سيلحق بهم، في معسكر في المفرق ومباشرة التدريب. وكان يطمح

عنصر، كما5000 – 4000أن يجند جيشا عدده ما بين كان يزرع األمل في نفوس من وهنت عزيمتهم أو يئسوا مما هم فيه بأن يضرب مثال بالثورة الكوبية التي انطلقت

بسبعة أشخاص. وزودت السلطات األردنية المعسكر بأسلحة مشتراة من اسبانيا، كما كلفت أحد ضباط مخابراتها باإلشراف

على المعسكر. - مرحلة تنفيذية تنطلق من جبل العرب.

بعث سليم من األردن إلى الفريق أمين الحافظالمعتقل في سجن المزة رسالة ورد فيها:

)إنني ورفاقي نعمل ليال نهارا وقطعنا شوطا كبيرا بالعمل من أجل تحرير الشعب... ومن أجل ذلك نرى أن

291

تؤمنوا لنا رسالة توضحون فيها رأيكم سليما واضحا، مع األخذ بعين االعتبار وضعنا في األردن ودعم السلطة هنا لنا

في إفساح المجال لعملنا المقبل ...(. وكان جواب الفريق أمين الحافظ له: )ليس باألمر السهل أن أبدي رأيا وأنا على جهل تام بوضعكم في

القطر العربي الشقيق ومعلوماتي ال تزيد عن ما أسمعه من اإلذاعة، وأن على أي قائد يريد أن يبدي رأيا أن تكون

لديه معلومات واضحة وجلية ليحسن تقدير المواقف ولتكن آراؤه على جانب كبير من الصحة، هذا وأنا على

يقين أنكم وجدتم وإخوانكم في القطر العربي الشقيق، كل ما يجده العربي من أخيه العربي من كرم أصيل

ورعاية حقة ... األفضل أن تأخذوا رأي القيادة في لبنان.شكرا لك وإلخوانك مع سالمي وتحياتي للجميع(.

لم يكن األستاذ صالح البيطار على وئام مع األستاذ ميشيل عفلق وبعض أعضاء القيادة القومية السابقة الذين

لجأوا إلى بيروت، وانقطع التواصل بينهم، وللتنويه، فإن ، عالقته بتنظيم10/11/1967األستاذ صالح أنهى بتاريخ

. (14)الحزب الذي كان األستاذ ميشيل أمينه العام كما أن المجموعة، من الهاربين إلى بيروت، المرتبطة بالفريق أمين الحافظ لم تلق ترحيبا من األستاذ ميشيل

عفلق وتنظيمه. قرر حاطوم بعد موافقة وصفي التل، أن يتصل بالرائد الهارب بدر جمعة والوليد طالب، وهما من أنصار الفريق أمين الحافظ، وتم اللقاء بينهم في باريس في أول شهر

، بعد أن أمنت السلطات األردنية1966كانون األول بطاقات ونفقات السفر، واتفق المجتمعون وبحضور

ضباط من األمن العام والمخابرات األردنية، على العمل معا ضد حكم البعث في سورية، وعملت عناصر من

مجموعة الشوفي: "خالد الحكيم ومحمود نوفل ونبيل الشويري ..."، على التقارب بين بدر جمعة واألستاذ

البيطار، وتم ذلك بعد مباركة السلطة األردنية. بعد لقاء في األردن بين بدر جمعة والوليد طالب مع

وراضي العبد الله سليم حاطوم وبحضور وصفي التل رئيس المخابرات األردنية، دار الحديث حول األوضاع في سورية وما يمكن لألردن أن يقدمه لتغيير النظام، واتفق

الحاضرون على أن تعمل جميع الكتل السياسية في سورية ضمن جبهة وطنية، كما عقدت اجتماعات عدة بين

292

وصفي التل وسليم حاطوم، أكد فيها التل أن هذا الحل هو مطلب الفئات السياسية داخل سورية وخارجها، وكان التل

يطرح في أحاديثه ومناقشاته من أسماهم الرعيل األول والجبهة الدستورية وبعض السياسيين القدامى، وجماعة

األخوان المسلمين. أوعزت السلطة األردنية لجيوبها في سورية "عناصر ما عرف بالجبهة الدستورية، ولورانس الشعالن شيخ عشيرة

الرال وشريك الشريف ناصر في تهريب المخدرات والسالح، وكان الشعالن من الجيوب التي يعتمد عليها

التاج األردني ليحركها دعما إلنجاح التآمر، والشعالن إضافة لعالقته مع األردن، فهو على عالقة وثيقة مع السعودية، وأنه، حسب إفادة سليم حاطوم، من شدة حقده على

الحكم في سورية وتآمره عليه، قال لسليم: )إنه مستعد للذهاب إلى السعودية إن لم تكن األردن جاهزة للقيام

بعمل ضد الحكم في سورية، وأنه هناك سيقنع المسؤولين أن سليم وجماعته هي القوة الوحيدة التي

يجب االعتماد عليها(. أشرفت السلطات األردنية على تشكيل الجبهة

الدستورية من بعض المدنيين والعسكريين السوريين المسرحين من جماعة االنفصال، وكان من تنظيم الجبهة

الدستورية في دمشق، المحامون عبد الغني النابلسي وغسان بابيل وغسان محاسنة ورشيد هارون وعصام طيفور ورشيد الساطي وحسان محاسنة . وفي حلب، فايز عويرة وفاروق المسالتي وفاروق سالم وغسان

بارودي وأمين الغوري، واشترك هؤالء بالبحث في توسيعالجبهة وكسب أعضاء جدد لها.

ومن أعضاء الجبهة من الفارين خارج الوطن، عبد الكريم النحالوي وصدقي العطار وخليل بريز وكمال سفر

ويحيى محمود وعبد الوهاب البكري وراتب عرموش ومصطفى البرازي وطالل الفاعور ومحمد علي

السعدي...، وعرض هذا األخير على النحالوي رئاسة الضباط المسرحين في لبنان وقيادتهم. وسمي كمال سفر

ممثال للتنظيم العسكري، ويحيى محمود ممثال للتنظيم المدني لدى سليم حاطوم. وكلف أحمد راتب عرموش

باالتصال مع المدعو عادل عيسى المتعاون مع المخابرات السعودية ليبحث معه إمكانية تمويل الجبهة من الحكومة

السعودية.293

أرسل سليم حاطوم بعض الضباط الفارين معه من أبناء محافظة السويداء إلى جبل العرب لتحريض بعض الشباب

على االلتحاق بمعسكر التدريب في المفرق لقاء رواتبمغرية.

أجرى مصطفى البرازي من الجبهة الدستورية اتصاال بكل من ليون زمريا وميخائيل ليان في مصيفهما في

سوق الغرب في لبنان وبحث معهما التعاون للعمل ضد أمام أحمد راتب الحكم في سورية. وبعد المقابلة أبدى

العرموش انطباعاته الجيدة عنهما، وقال: )لقد أصبحنا أقوياء في كل من جبلي الزاوية واألكراد وحلب وحماة ،

وشرح له خطة العمل بقيام تمردات داخلية في المحافظات الشمالية وإجبار الجيش على التوزع إلخمادها

وإضعافه ومن ثم إعالن حكومة مؤقتة خارج القطر(. وأكد العرموش للبرازي أن وزير اإلعالم األردني، وهو زميل له بالدراسة في الجامعة األميركية، وعده بتأمين

السالح والمال الالزمين لتنفيذ الخطة. وخالل اجتماعات متعددة لبعض أعضاء الجبهة

الدستورية المتواجدين في لبنان، بحثوا حول نشاط الجبهة وتقويتها وضرورة االتصال بالتجار والطالب في

المحافظات وتنظيمهم في عضويتها، وادعى البرازي أمامهم أنه استطاع أن ينظم خمسمائة مسلح في حماه

وحي األكراد في دمشق وعرض تزويدهم بالسالح. لم يكن كل العسكريين الذين تورطوا وهربوا إلى األردن على وئام مع الرائد سليم حاطوم، وال من مؤيديه، وازداد الشرخ بينهم حينما أدركوا مدى الدور الذي تعهد بتنفيذه لصالح النظام األردني، وترسخت لديهم هذه القناعة بعد

المؤتمر الصحفي الذي عقده العقيد طالل أبو عسلي، ومن بعده الضابط السوري أحمد مصطفى في القاهرة، وكذلك ما صرح به الضابط األردني الرئيس الركن محمد يوسف الحمارشة الذي لجأ إلى القاهرة في أوائل شهر

وأدلى في مؤتمر صحفي بأن الملك حسين1967شباط قال له: )نريد ضمان نجاح عمليات التخريب ضد سورية(.

تعززت لدى هؤالء القناعة بأن حاطوم يطبق فعال، مقولته: )سأتعاون مع الشيطان لقلب نظام الحكم في

دمشق(، وانعزلوا عن اآلخرين المرتبطين بحاطوم وناهضوا أوامره وقاطعوا اجتماعاته، كما أن بعض من

خابت آمالهم من الذين التحقوا به فيما بعد والطامعين294

بتكوين ثروة مالية، أبدوا ندامتهم عما قاموا به وبدؤوا يرسلون معلومات عما يقوم به حاطوم ومجموعته إلى

السلطات في سورية. في مواجهة هذا الواقع بين الفارين إلى األردن بدأ سليم حاطوم يهددهم ويدس عليهم لدى السلطات األردنية التي كانت تأخذ بأقواله، والدور التهديدي نفسه، بقتل كل من ال

يشارك في التنفيذ ساعة الصفر، مارسه الضابط عبد الرحيم بطحيش الذي كان يعتبر نفسه الساعد األيمن

لحاطوم، ولعب دورا باالتصال والتنسيق بين بدر جمعة ومجموعته في لبنان وسليم حاطوم ومجموعته في

األردن، كما أن البطحيش كان يرى أنه ال شيء يمنع من التعاون مع المخابرات المركزية األميركية، كما كان على

اطالع من الحاطوم على االتصاالت بين وصفي التلوالمخابرات األميركية بشأن تعاون الحاطوم معها.

/22 نشرت جريدة البعث في عددها الصادر يوم عن أبعاد هذا التآمر االستعماري الجديد، وأن11/1966

األجهزة االستعمارية األنكلو – أميركية ترمي بثقلها في األردن وتحوله إلى ثكنة لألسلحة وملجأ للمتآمرين،

والمؤامرة وفق خطة المتآمرين، تبدأ بتحرك الرجعية في وغزو القطر من الداخل يتبعه تدخال أردنيا – صهيونيا

الخارج لإلجهاز على جذوة المد الثوري التقدمي. كانت السلطات السورية مطلعة على ما يجري بين

الفارين، وعمل عضو القيادة القطرية رئيس مكتب األمن القومي العقيد عبد الكريم الجندي على تشجيع هذه

العناصر للعودة إلى الوطن وجند لهذه الغاية بعض أقاربهم للسفر إلى األردن

واالتصال بهم لهذا الغرض، وكان من أبرز من قام بهذه المهمة المحامي محمد الكسار، زوج والدة امرأة

البطحيش. قامت أجهزة األمن األردنية، وبناء على طلب الرائد

سليم حاطوم باعتقال بعض الضباط منهم: النقيب إبراهيم نور الدين وعلي المقداد وسبعة آخرون وتم تسفيرهم في

، إلى لبنان، ولكن1967أول الشهر الخامس من عام السلطات اللبنانية، بوشاية من البطحيش والوليد طالب،

اعتقلتهم بعد أيام من وصولهم وأعادتهم قسرا إلىاألردن، حيث تم توقيفهم أليام ثم وضعوا تحت المراقبة.

295

اجتمع بقية الضباط الفارين المناوؤن لحاطوم وقسموا أنفسهم إلى مجموعتين هادفين العودة إلى سورية،

،6/5/1967ونفذت المجموعة األولى خطتها بتاريخ ولسوء حظهم اعترضهم كمين من الجيش واألمن

األردنيين وأمطرهم بوابل من الرصاص، فتوفي المالزم جورج أنطي وجرح آخر وتمكن ضابط واحد من الوصول إلى الوطن واعتقل اآلخرون بمن فيهم أفراد المجموعة

الثانية، وسفروا إلى لبنان. و عاد جميع هؤالء إلى سورية.1967أيام حرب حزيران

عندما بدأت حرب الخامس من حزيران نشط وصفي التل في /7عقد اجتماعات مغلقة مع سليم حاطوم وبدر جمعة، وفي يوم

" بقيادة المقدم17 وصلت وحدات عسكرية سورية "اللواء 6 صالح نعيسة إلى األردن، بناء على تعليمات قائد الجبهة الشرقية

الفريق عبد المنعم رياض، لنجدة الجيش األردني وقدم التل لحاطوم وبدر جمعة أسماء ضباط كتائب اللواء وقادة سراياه

بهدف االستيالء على اللواء للدخول به إلى سورية والعمل على.(15)قلب نظام الحكم

كلف الرائد حاطوم أحد الفارين ويدعى مسلط أبو عاصي بالتوجه إلى مكان تمركز اللواء في منطقة الصويلح للتعرف وجمع

المعلومات، وشاهد المذكور قريبه طالل أبو عاصي من عناصر اللواء وحاول إغراءه بالذهاب معه إلى عمان لمقابلة الرائد

حاطوم، كما حاول أخذ معلومات منه عن اللواء، ولكن المحاولة فشلت ألن طالل رفض التجاوب معه وأخبر رؤساءه بذلك،

وصدرت األوامر بعودة اللواء إلى سورية النتهاء الحاجة إليه فياألردن الذي دخل في مرحلة وقف إطالق النار مع "إسرائيل". حينما بدأت القوات اإلسرائيلية في اختراق الجبهة السورية، أوعز وصفي التل إلى سليم حاطوم وبدر جمعة باإلسراع في

دخول سورية وأن يستفيدوا من قرار القيادة القطرية باإلفراج عن المعتقلين السياسيين، بعد أن بين لهما أن الفرصة أصبحت سانحة

الستالمهما السلطة نظرا النهيار الحكم، ووعدهم باالتصال ببقية السياسيين السوريين المرتبطين باألردن للعودة إلى سورية لنفس

الغرض. استغل سليم حاطوم وبدر جمعة مراجعة الضباط الفارين لهما

والمتحمسين للعودة إلى الوطن لالشتراك بالحرب، استغال هذا الشعور لتنفيذ المخطط المتفق عليه مع وصفي التل، وفي اجتماع في بيت الفار محمد األطرش في عمان لحض السوريين الفارين

على العودة، طلب سليم حاطوم من الرائد فؤاد منذر ونذير296

نقل موافقته على العودة إلى سورية مدعيا أن السلطة نابلسي في سورية سمحت لهم بالدخول بعد اتصال هاتفي معها، وفي

في اجتماع مغلق مع وصفي وقت هذا االجتماع كان سليم حاطومالتل لتلقي التعليمات منه.

بعد االجتماع مع وصفي التل اتصل كل من بدر جمعة وسليم حاطوم ومحمود نوفل ونذير النابلسي هاتفيا مع األستاذ صالح

.البيطار في بيروت وأخبروه بقرارهم دخول سورية في هذه األثناء نشطت جيوب وصفي التل في سورية دعما

لسليم حاطوم وتنفيذا للمخطط األردني، حيث تداعى أعضاء ما عرف بالجبهة الدستورية وعقدوا اجتماعات في بيت أحد أعضائها "سليم هارون" بحثوا فيها ما سوف تؤول إليه األمور عند سقوط

الحكم، واستعرضوا وضع البالد وموقف جبهتهم في حال قيام حكومة ائتالفية وإمكانية اشتراكهم في الحكم، كما ناقشوا ما

قاله أحد أعضاء الجبهة من إمكانية قيام حركة مسلحة في حلب أو حماة، وإمكانية استيالء الضباط المسرحين على اإلذاعة إلذاعة

.بياناتهم تسلل سليم وبدر مع بعض الفارين إلى سورية عن طريق درعا

من القوات حيث أخبروا مخفر األمن العام هناك بأنهم ضباط السورية التي انسحبت من الجبهة عن طريق األراضي األردنية وعائدون إلى سورية، ومن درعا توجهوا نحو مدينة القريا وبعد

مكوثهم بعض الوقت فيها توجهوا نحو دمشق، ولدى دخولهم إليها توجه سليم مع مجموعة من الفارين إلى مقر الشرطة العسكرية في البرامكة، وتوجه البطحيش مع آخرين إلى منزل عبد الوهاب

البكري، من الجبهة الدستورية، على أن يلحق بهم حاطوم بعد استطالعه لمقر الشرطة العسكرية، وتوجه بدر جمعة ومحمود

نوفل ونذير النابلسي ونبيل الشويري إلى بيت منصور األطرش، ومنه اتصلوا مع الفريق أمين الحافظ بمنزله الستطالع الوضع،

، دخل بقية الفارين الذين لم يرافقوا1967حزيران 10 - 7وبين سليم حاطوم ومجموعته عن طريق درعا، كما عاد الضباط

الذين لجؤوا إلى لبنان عن طريق حمص، وسلموا جميعا أنفسهم.للسلطات المختصة

وجد سليم وبدر وبعض من اجتمع معهم في بيت البكري أن األوضاع ليست كما أخبرهم بها وصفي التل، وعندما علموا أن أغلبية من جاء معهم من األردن قد سلموا أنفسهم للسلطة،

قرروا العودة إلى األردن عن طريق السويداء، فتم القبض عليهمفت بمالحقتهم .في الطريق من قبل دورية أمن كل

297

بدأ التحقيق مع سليم وبدر من قبل لجنة قيادية، عبد الكريم الجندي ومحمد عيد العشاوي، ولقد عثر مع بدر جمعة على قائمة

بأسماء المقترحين كوزراء فيما لو آلت إليهم السلطة، كما عثر مع نذير النابلسي على شيك موقع من راضي العبد الله وزير

. داخلية األردن ويصرف لحامله خالل فترة التحقيق(16)اطلعت القيادة القطرية في اجتماع لها

على رسالة كان قد أرسلها سليم بواسطة مدير السجن، يرجو فيها مقابلة اللواء حافظ

.األسد أو محمد رباح الطويل ولكن اإلثنين رفضا االستجابة أحيل سليم حاطوم وبدر جمعة إلى المحكمة العسكرية

االستثنائية برئاسة المقدم مصطفى طالس، وصدر الحكم عليهما.باإلعدام رميا بالرصاص

وتمت محاكمة بقية المعتقلين أمام محكمة أمن الدولة العليا، التي صدر قرار القيادة القطرية بتشكيلها بدال من المحكمة

العسكرية االستثنائية، وسمت القيادة أحد أعضائها "محمد سعيد حكم المحكمة بهذه4/1/1969طالب" لرئاستها. وصدر بتاريخ

1967القضية التي عرفت "بمؤامرة العاشر من حزيران ". إن الذين تورطوا في هذه المؤامرة عدة فئات، منها فئة

حاقدة على الحزب وثورته، وفئة أخرى انطلقت من مصلحتها الشخصية، وثالثة، كان انتماؤها االجتماعي يؤهلها

ألن تزج بنفسها في حمأة التآمر. وإن من يتتبع طبيعة النشاط في هذه الفترة، يجد أن

شباط استنفروا كل قواهم وزجوها دفعة23أعداء حركة واحدة إلثارة األراجيف وقذف الشائعات المضللة

المغرضة، بقصد طمس حقيقة المؤامرة وإخفاء أبعادهاومراميها.

كان العديد من ضباط الجيش، الذين لم يكن دورهم في صبيحة الثامن من آذار وقبلها بأقل من دور سليم

حاطوم، وكذلك بعض القيادات الحزبية، يحتجون على آذار،8الدور الذي أعطي له والمواقع التي تبوأها بعد

وأدى هذا االحتجاج إلى عدم انتخابه في عضوية المكتب العسكري من قبل المؤتمر الحزبي للضباط البعثيين الذي

في1965انعقد في األسبوع األول من شهر نيسان معسكرات القابون.

وفي المؤتمر القطري الثاني الذي انعقد بدورة ، بذل اللواء صالح جديد1965استثنائية، في شهر آب

298

جهدا كبيرا جدا النتخاب الرائد سليم حاطوم لعضويةالقيادة القطرية، ونجح في عضويتها.

والبد من التنويه بأن القيادة القطرية المؤقتة قبل تنفيذ فيها أن  كانت قد قررت أنه على العسكريين23حركة

يختاروا بين االستقالة من الجيش وبين العمل السياسي، ورغم اإللحاح على الرائد سليم حاطوم ليكون اختياره

السياسة، أصر على االستمرار في الجيش. أخلص من ذلك إلى أن الذرائع التي تذرع بها سليم

شباط ومن23حاطوم النضمامه إلى تنظيم معاد لحركة ثم عصيانه في السويداء، وهي الخلل الموجود في بنية القوات المسلحة ورجحان طائفة عليها، أنه كان بإمكان حاطوم من خالل قيادته لوحدة عسكرية قوية ولمكانته

عند قيادة الحزب وموقعه عند قيادة الجيش، العمل على تصحيح بعض هذا الخلل، وهو من أعضاء القيادة التي

شباط ويعرف أن من بين23خططت ونفذت حركة الدواعي لقيام هذه الحركة هو معالجة أسباب الطرح

الطائفي الذي أخذ ينتشر في القوات المسلحة والعمل على تصحيح بنية الجيش وعودة السيادة للقيم والعالقات

الحزبية فيه. كما كان بإمكانه، لو اختار السياسة، أن يكون عضوا في

القيادة القطرية أو وزيرا أو في أي منصب آخر عاليالشأن.

23 إن شعوره بأن السطوة التي كانت له قبل حركة شباط قد زالت العتماد منطلقات جديدة للحكم بعد

عنده وطموحه ألن الحركة، إضافة إلى أن عقل المغامرة يحكم سورية من خلف الستارة- بداللة أنه بعد اتفاقه مع

الدكتور منيف الرزاز واللواء فهد الشاعر أصر على أن يكون قائدا للواء سبعين إضافة إلى قوات المغاوير التي كان قائدها حينذاك- دفعت به لقلب ظهر المجن للقيادة

واالستمرار في مغامرته.تنفيذ حكم المحكمة العسكرية االستثنائية

  في مساء يوم إصدار المحكمة الحكم باإلعدام رميا سليم وبدر، استدعى بالرصاص على المتهمين الرائدين

المقدم الطيار متعب اللواء حافظ األسد  وزير الدفاع وطلب منه، دون معرفة أحد من أعضاء القيادة، العبد الله

السفر إلى جبل العرب والحث على تشكيل وفد شعبي والتماسها إعادة النظر في الحكم. قيادة الحزب لمقابلة

299

ولسبب ما، وبعد سفر المقدم العبد الله، طرأ تبدل على رأي اللواء حافظ واقترح على األمين العام المساعد اللواء

صالح جديد دعوة القيادة إلى اجتماع فوري. رن1967 حزيران 23 بعد وقت قليل من منتصف ليلة

الهاتف في المنزل الذي أسكنه مع عضو القيادة القطرية وزير الزراعة واإلصالح الزراعي محمد سعيد طالب، وكان المتصل موظف مقسم القيادة القطرية وأبلغنا عن اجتماع

فوري ألعضاء القيادة بناء على طلب األمين العامالمساعد اللواء صالح جديد.

تبادر إلى ذهني، ونحن في الطريق إلى مبنى القيادة أن االجتماع قد يكون إلبداء رأي أو اتخاذ قرار يطلبه األمين العام للحزب الدكتور نور الدين األتاسي والوفد المرافق

له الموجود في نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة لألمم المتحدة، والتي من جدول أعمالها بحث عدوان

.1967حزيران حزيران،24 بدأ االجتماع بعد الساعة الواحدة من صباح

وأبلغ رئيس الجلسة األمين العام المساعد الحاضرين بأن الرفيق وزير الدفاع طلب عقد اجتماع فوري للقيادة،

وطلب األمين العام المساعد من اللواء األسد أن يشرحأسباب الدعوة.

قال اللواء األسد: إن المحكمة العسكرية االستثنائية من سليم حاطوم وبدر أصدرت حكمها باإلعدام على كل

جمعة، وخشية من مجيء وفود من جبل العرب تطلب من القيادة إعادة النظر في الحكم الصادر، لذا أقترح أن تتخذ

القيادة قرارا بتنفيذ الحكم هذه الليلة. ناقشت القيادة اقتراح الرفيق وزير الدفاع وكان رأي بعض األعضاء ومنهم األمين العام المساعد تأجيل بحث

الموضوع ريثما يعود األمين العام وبقية الرفاق من أعضاء القيادة الموجودون بمهام حزبية خارج دمشق، وفي نهاية المناقشات التي طالت ألكثر من ساعة طرح اقتراح وزير

الدفاع على التصويت ونال موافقة الحاضرين بأكثريةصوت واحد.

تم تنفيذ حكم اإلعدام بالرائدين حاطوم وجمعة، رميا حزيران، في سجن24بالرصاص، بعد آذان الصباح من يوم

المزة العسكري. ونتيجة للبس الذي حصل في دعوة قيادة الحزب

لالجتماع، تكون وعي خاطئ وهو أن اللواء صالح جديد300

كان وراء قرار اإلسراع بتنفيذ الحكم على الرائدين سليموبدر.

الهوامش: -ال يمت بصلة قرابة للواء صالح جديد 1 –كان منصبا وزير الدفاع، ورئيس األركان تقررا قبل أيام من تنفيذ الحركة، بتسمية2

اللواء حافظ األسد لمنصب وزير الدفاع واللواء أحمد سويداني لمنصب رئيس األركان. وأسقطوا1963- كان هؤالء قد قادوا تكتال في االنتخابات الحزبية أيلول 3

األستاذ صالح البيطار في االنتخابات، كما أنهم قاطعوا المؤتمر القومي السابع ، وانشقوا عن الحزب وأسسوا بالتعاون مع كتلة علي صالح1964شباط

السعدي ما عرف بحزب البعث اليساري، ولم يدم هذا الحزب طويال إذ وأسست حزب العمال الثوري964 نيسان 17انشقت كتلة عنه بتاريخ

شخصا من بينهم )حمود22العربي، بينما انفرط عقد اآلخرين وتقدم حوالى الشوفي، منذر الونداوي، محمد بصل، محمود نوفل، منير الحمش......(

بمذكرة إلى المؤتمر القطري الثاني يطلبون فيها العودة للحزب. ثم عادوا أخيرا، والتفوا حول األستاذ صالح البيطار.

– أقام بعد حركة شباط، بشكل سري في دمشق واختبأ في عدة منازل4ألنصار القيادة السابقة، وآخرها في منزل المهندس غسان رزق.

- كان الرائد سليم حاطوم قد أعد شاحنة عسكرية تحمل عددا من مدافع الـ آر.ب.ج5 الشاحنة إلى المكان المحدد لها أمام نايت كلوب وحين وصول هذه، والقذائف الثقيلة

الكاف دروا في شارع أحمد مريود تتصل به هاتفيا امرأة على أنها زوجته وتبلغه كلمة السر "كل شيء جاهز" وحينها يعتذر الرائدان الشاقي وحاطوم، وفي حال مغادرتهما المنزل، تبدأ العناصر الموجودة في الشاحنة بقصف المنزل لتدميره على الموجودين

فيه. وأثناء التقاء سليم مع ياسين الحافظ في منزل نايف شريطي بحي الطبالة أطلق

تهديدا بتصفية أعضاء القيادة جسديا، وأجابه ياسين الحافظ بأن هذا األسلوب لن يمكنه من استالم السلطة بسبب انتمائه إلى أقلية مذهبية من جهة، وبأنه "اسلوب التصفية

سيكون وباال على الشعب لما سيعقب ذلك من تصفيات جسدية كبيرة، وضرب له مثالعن مغامرة شبيهة.

– كان عدد من الضباط الموالين للفريق أمين الحافظ قد عرفوا ما ينوي الرائد6 حاطوم عمله، وتجمعوا في منزل أحدهم وهو قريب من منزل عضو القيادة جميل شيا

بحي المهاجرين بانتظار تنفيذ العملية. - يؤكد الرفيق إلياس ضاهر، هذا األمر، بقوله: بإلحاح شديد من الدكتور حمدي عبد7

إلى الرائد سليم بمكتبه ووجدت عنده كال من خالد1966 أيلول 6المجيد، ذهبت يوم الحكيم ونبيل الشويري ونذير النابلسي، وطلبت منه اإلنفراد معا، وأبلغته رجاء الدكتور

حمدي بأن ال يقدم على أي عمل عسكري، ولقد وعد بذلك. - حضر الرائد الحاج علي المؤتمر القطري الثالث بصفته عضوا فيه، وبعدها صدر8

قرار بنقله إلى السلك الخارجي.

301

- أكد لي الرفيق المرحوم خزاعي ملي، بعد إطالقي من المعتقل، أنه زار9 الرفيق حافظ برفقة عبد الله األحمر مرة واحدة فقط، بعد أن التقيا بسليم

حاطوم، وأبلغاه عن أطروحات سليم. – كان توجه القيادة هو العفو عنه بعد محاكمته، ثم تعيينه في السلك10

الخارجي بإحدى بعثاتنا الدبلوماسية في أميركا الالتينية.11 _ ألن بشرة الجندي شقراء نشرت بعض وكاالت األنباء أن ضابطا

سوفييتيا يقود القوات العسكرية. - بعد أن أيقن سليم فشل ما قام به، وأن الركب انفض من حوله، اجتمع12

مع اللواء صالح في مكان اعتقاله في السويداء في منزل عبد الكريم عزة وسأله ما هو مصيري؟ أجابه اللواء صالح: تذهب معي إلى دمشق وتضع

نفسك تحت تصرف القيادة. ورد سليم: لكي يكون مصيري اإلعدام ؟ وبعد برهة من الصمت، نصحه اللواء صالح بأال يلتجئ إلى األردن. وهذا يدل على

مدى حرص اللواء صالح لكي ال ينزلق سليم إلى مسارات خاطئة جديدة. - من الجدير بالتنويه، أن عصيان سليم حاطوم، قد تم إنهاؤه بسرعة13

بسبب موقف بعض الواعين من قواعد الحزب وجماهير المحافظة ضد هذا العصيان، وأظهروا عدم رضاهم عما يقوم به حاطوم وتنصلوا من كل تصرفاته

المعادية. الجريدة( – مقتطفات من نص البيان الذي نشره األستاذ صالح البيطار في جريدة 14

ويعلن فيه قطع عالقته بحزب البعث:10/11/1967 اللبنانية بتاريخ ) ليسوا قلة أولئك الذين يعرفون أني ابتعدت منذ مدة غير قصيرة عن حزب البعث "

العربي االشتراكي، وعن جميع قياداتهومؤسساته وال سيما بعد الثامن من آذار.

ففي أيلول من ذلك العام وعند انعقاد المؤتمر القومي السادس أدركت أبعاد الخطة ضد الحزب، ضد حقيقته وأصالة تاريخه وضد بنيته وتنظيمه القومي وضد قادته الذين يمثلون قيمه، تلك الخطة التي اتخذت من رغبة عامة في تجديد الحزب سبيال إلقامة

حزب جديد. لقد كنت أول من حذر إلى حتمية سقوط الحزب في متاهات الفكر والسياسة والتنظيم،

ولكن تحذيري ال يعني تبرئة نفسي من حملي نصيبي من المسؤولية. لقد عدت إلى رئاسة الحكومة مرتين فيما بعد، وقد كانت المحاولة األولى عقب

، ولم تدم أكثر من أربعة أشهر عندما طوح1964حوادث حماه ودمشق في أيار 1965بالحكومة التي كنت أرأسها، وكانت المحاولة الثانية في أواخر كانون األول عام

بعد حل اللجنة العسكرية وعقب حل القيادة القطرية، ويومئذ توليت رئاسة الحكومة وأعلنت في بيان أذعته على الشعب ضرورة انكفاء الجيش عن المواقع السياسية

وضرورة عودته إلى عسكريته، وضرورة عودة الحزب إلى الشعب وإلى حقيقته القومية قضى على هذه المحاولة.23/2/1966الجماهيرية، غير أن االنقالب الذي وقع في

وبعد تحليل موضوعي لألحداث التي أعقبت نكسة الثالث والعشرين من شباط ونكبة الخامس من حزيران رأيت أن الواجب القومي يفرض أن أعلن استقاللي عن حزب

البعث العربي االشتراكي بجميع منظماته وقياداته على مختلف أشكالها وألوانها. إن النكبة القومية، نكبة حزيران، لم تكشف عن عجز حزب البعث وحده،

فاألحزاب والمنظمات العقائدية األخرى لم تكن أحسن حظا. - لم تكن الجبهة األردنية بحاجة إلى قوات سورية لقبولها قرار مجلس15

األمن بوقف إطالق النار، ولكن وصفي التل ضلل الفريق رياض لطلب هذهالقوات كي يسيطر سليم حاطوم عليها ويدخل دمشق بها.

- ذهبت في تلك الليلة، بعد انتهاء اجتماع القيادة القطرية، إلى سجن16 المزة العسكري والتقيت مع سليم حاطوم ودام اللقاء ثالث ساعات، اعترف

أيلول ألحق ضررا كبيرا بالحزب وحكمه، وال8خاللها بأن ما قام به من يوم يعرف كيف سيكفر عن ذلك.

302

1967حرب حزيران

303

عالمقدمات والوقائ

، ووقف إطالق النار،1967 حرب حزيران بعد انتهاء معارك انطلقت أبواق الدعاية الصهيونية والطابور الخامس بالتنسيق مع

الرجعية العربية، تشوه الحقائق وتحاول دق إسفين بين الـ ج.ع.م، وسورية، وتعمل على تخريب العالقات الودية بين

القطرين، وكان كل ذلك معروفا وواضحا في أغراضه ومراميه، حتى ال يعـــود البلدان إلى التنسيق بينهما إلزالة آثار العدوان

واستعادة الحقوق العربية المشروعةوتحرير األرض المحتلة . قد أصبحت واقعا تاريخيا في المجرى1967إن هزيمة

العام للصراع العربي – الصهيوني، وأن الهدف من الكتابة بشأنها هو أن بعض السياسيين والكتاب العرب الملتزمين سياسيا درجوا

بكل سذاجة وقدرية على إسقاط ما يحملونه من أفكار مسبقة في تصريحاتهم أو كتاباتهم على تحميل أسباب حرب حزيران إلى العمليات الفدائية، أو إلى تلك القيادة السياسية العربية أو غيرها، ولوال معرفتنا بهم، لقلنا وكأنهم بذلك يبرئون الصهيونية والواليات

المتحدة األميركية من مطامعهما وعدوانيتهما تجاه الوطن العربي، ولقد نشرت الكثير من الوثائق التي تكشف أسرارها، إال

أن بعضهم ما زال يجتر مواقفه رغم اعتراف الزعماء الصهاينة علنا بأن "إسرائيل" لم تكن تواجه أي تهديد مباشر لوجودها،

وهي التي خططت ومهدت للعدوان بالتنسيق مع إدارة جونسون،.وهي التي بدأت بالهجوم

الوضع العربي هدفت الحركات القومية العربية وكافحت لتحقيق تحرر وحرية

ووحدة وطموحات الشعب العربي المشروعة وسيادته على أرضه وثرواته وترابه الوطني، ومن الطبيعي أن تتعارض هذه األهداف مع مطامع القوى االستعمارية، بكل أسمائها، وخاصة االستعمار الصهيوني االستيطاني، في وطننا العربي، ومنذ أن

وصلت بعض هذه الحركات في بعض األقطار العربية إلى السلطة بدأ التآمر لإلطاحة بها بدءا من سياسة االحتواء إلى

حياكة المؤامرات إلى العدوان العسكري المباشر. ومن الماضي القريب ال يغيب عن ذاكرتنا محاوالت احتواء ثورة تموز في مصر

لمنعها من دعم ثورة الجزائر والوقوف إلى جانب القضايا القومية وحركات التحرر في العالم، ولما فشلت تلك السياسة

304

قطعت الواليات المتحدة عنها المعونات الغذائية وتمويل مشروع السد العالي، وكان الرد الوطني للثورة هو إعادة قناة السويس

إلى السيادة الوطنية، واتخذت قوى االستعمار البريطاني – الفرنسي بالتحالف مع الكيان الصهيوني من ذلك ذريعة لعدوانهم

، كما أن المؤامرات على سورية1956 تشرين األول6الثالثي في ازدادت بعد هذا العدوان وكان مآلها الفشل رغم دقة حياكتها

وتنسيقها مع بعض األحداث الدولية وال سيما االعتداءات الصهيونية ورغم األموال الباهظة "عربية وأجنبية" التي أنفقت

.عليها كان أشهر هذه المؤامرات تلك التي عرفت باسم "ستون"

رجل المخابرات في السفارة األميركية في دمشق، واستخدم فيها أديب الشيشكلي وإبراهيم الحسيني ووضع تحت تصرفهما

مبالغ كبيرة من الدوالرات لشراء ذمم الضباط والسياسيين للقيام بانقالب يطيح بحكومة التجمع الوطني ذات السياسة

القومية والتحررية، المدعومة من حزب البعث ومن الجيش الذي يسيطر عليه الضباط التقدميون، وبعد فشل تلك المؤامرات،

ظهرت فجأة، ودون مقدمات، أزمة على الحدود التركية – السورية, فكثرت التحرشات التركية بالرعايا السوريين وقطعت تركيا مياه نهر جغجغ وبدأت الدوريات التركية تتسلل إلى داخل سورية وتطلق النار على بعض القرى الحدودية، وأطلق بعض

المسؤولين األتراك تصريحات تدعي قلقهم من تفشي "الشيوعية " في سورية وخطر ذلك على أمن بالدهم، وأنهم لن

يسمحوا "للشيوعيين" المسيطرين على سورية بأن يطعنوهم من الخلف، وحشدوا جيشهم على الحدود بالتوازي مع ظهور

األسطول السادس األميركي في المياه اإلقليمية السورية، وكان الفشل مصير هذا التهديد، أيضا، بفضل تعبئة الشعب والموقف

العربي الشعبي واإلنذار السوفييتي لتركيا والكيان الصهيوني بتعرضهما لتدخل عسكري سوفييتي في حال تعرض سورية ألي

.عدوان لقد توج المد القومي لثورة تموز وللشعب العربي في

، التي القت صدى كبيرا لدى1958سورية بتحقيق الوحدة الشعب العربي على امتداد الوطن الكبير، وفي الوقت نفسه

أرعبت بعض الحكام العرب، مما دفع الملك سعود للعمل بكل الوسائل للحيلولة دون تنفيذها، ووضع مبالغ مالية كبيرة مقابل

قيام بعض الضباط في سورية بحركة عسكرية تعرقل قيام الوحدة أو بإسقاط طائرة الرئيس ناصر وهو في طريقه إلى

305

دمشق، أو بأية وسيلة أخرى لمنع الوحدة والتخلص من عبد.الناصر

كما أرعبت الوحدة الدوائر االستعمارية والكيان الصهيوني، 28واستمر التآمر عليها حتى انتهى باالنقالب االنفصالي في

1961أيلول . لقد وضع الرئيس عبد الناصر المصلحة القومية فوق كل اعتبار

سواء أكان قطريا أم قوميا، وتحول في خضم األحداث التي واجهها ومعه مصر واألمة العربية إلى النموذج الوطني

واالستقاللي الحر بين حركات التحرر في العالم، وفي هذه الفترة، قبل الملك سعود بمبدأ أيزنهاور، ونجحت اإلدارة1957

األميركية في ظل الضغوط على الرياض، في إبعادها سياسيا عن القاهرة، والتوصل لتقارب سعودي ـ هاشمي ) العراق واألردن (

وخروج المملكة السعودية عن الدائرة المصرية ـ السورية، وانقسام النظام العربي إلى معسكرين، أحدهما "ثوري" تقوده

مصر واآلخر "محافظ " تقوده المملكة السعودية وتدعمه .الواليات المتحدة

وال بد أن انتصار ثورة الجزائر وانتقالها بكل زخمها الثوري من المغرب إلى المشرق، وكذلك مجيء البعث إلى السلطة في

، أدى إلى تعزيز المعسكر الثوري1963سورية .1964بدأ فيصل بن عبد العزيز بعد وصوله إلى الحكم عام

يعمل على الحد من النفوذ "الثوري" في األوساط الشعبية بعد أن أصبح يهدده حتى داخل النظام واألسرة المالكة، وظهور .اضطرابات داخلية في أوساط العمال والجيش والموظفين

مباحثات في1966 حزيران 21أجرى الملك فيصل في واشنطن مع الرئيس األميركي جونسون، وبعد أن أوضح له بأن

هناك "تيارات ومبادئ تهددنا" طلب منه ضمانات لألنظمة العربية.التي ترتبط بأميركا

، قال الرئيس ناصر في1967 أيار 1ولمناسبة عيد العمال خطابه: )إن األميركيين واإلنكليز وجدوا في فيصل وحسين

.أحسن عميلين لهم( وصل الملك حسين بشكل مفاجئ إلى1967 أيار 4وفي

طهران، وقام بزيارة لقاعدة الحلف المركزي في الوقت الذي .تشمل المنطقة العربية تحركات استعمارية مشبوهة

كما قرر الملك حسين، واألزمة بين العرب و"إسرائيل" في ذروتها، قطع العالقات الدبلوماسية مع سورية، وترحيل الرعايا

السوريين من األردن، وحشد قسم من جيشه على الحدود

306

أيار21السورية، متخذا من االنفجار الذي حصل في الرمثا يوم .ذريعة لتصرفاته

مشروعات التحويل إن كل عربي على معرفة بالحلم األسطوري للصهيونية

، ولتحقيق ذلك، يجب فلسطينوهو دولة يهودية على كل أرض :توفر بعض الشروط، من بينها

استقدام أكبر عدد ممكن من الملتزمين بالحلم الصهيوني، -1 وتوفير األراضي الالزمة إلقامتهم، وتأمين المياه الالزمة لريها،

وفي هذا السياق اعتبر وزير خارجية "إسرائيل" شاريت أن عدم إدراج نهر الليطاني في مشروعاتهم المائية بمثابة خطيئة

أساسية ارتكبتها حكومته، ويأتي حديث ليفي أشكول لسارتر، ليؤكد تلك المطامع، إذ قال: )إن إسرائيل قسمت ثالث مرات،

وكانت المرة األولى عندما وضع نهرا الحاصباني وبانياس خارجها، .ومن هنا كانت مطامعهم في مياه الهضبة

ويربط المعلق اإلسرائيلي أربين أفنيري بين تنفيذ المشروع العربي وبين احتالل الجوالن فيقول: إن وجود الجوالن بيد

السوريين معناه ترك خيار مصادر المياه تحت رحمتهم، ... وإن بإمكاننا القول أننا سنضطر في النهاية لشن حرب ضد سورية لو

نفذ مشروع تحويل روافد األردن حتى لو لم تنشب حرب األيام.(الستة

ـ أن يبقى الكيان الصهيوني مخزن أسلحة يحتوي من البندقية2.إلى القنبلة الذرية

ـ أن تضرب حركة القومية العربية، باستمرار، حتى يتم اجتثاثها3.من الجذور

المنطلق كان الهدف االستراتيجي الصهيوني هو هذا ومن إسقاط نظامي الحكم في الـ . ج .ع.م )ناصر( وفي سورية

)البعث( باالتفاق مع إدارة الرئيس األميركي جونسون، وبمعرفةالسعودية واألردن. وبذلك يربح جونسون فينظامي الحكم في

الشرق األوسط ) الصوت اليهودي في االنتخابات األمريكية(، ما.يخسره في الشرق األقصى، أي في فييتنام

فكرة تحويل مياه1953طرحت حكومة الكيان الصهيوني عام نهر األردن وروافده إلى صحراء النقب لريها بهدف إقامة

مستوطنات جديدة فيها، ولكن الدول العربية عارضت ذلك بقوة، مما حدا بالرئيس األميركي أيزنهاور إلى التدخل وإرسال

المبعوث الخاص إيريك جونستون إلى المنطقة ونتج عن تلك

307

الزيارة ما عرف بـ "مشروع جونستون" القتسام مياه النهر:والروافد، إضافة إلى

إنشاء سد على نهر الحاصباني في األراضي اللبنانية لتخزين - الفائض السنوي للنهر وتحوله إلى ترعة لري أراضي حوض

.الحولة وتالل الجليل في فلسطين المحتلة إنشاء محطة لتوليد الكهرباء من مياه هذا النهر تقام داخل -

.فلسطين المحتلة، هذا المشروع إلى الدول1954قدمت اإلدارة األميركية عام المعنية، والقى رفضا حازما من الجانب العربي، في قرار موحد

خذ في شباط ، وكانت "إسرائيل" قد رفضته قبل ذلك1955ات .ألنه ال يتضمن نهر الليطاني

باشر الكيان الصهيوني بتنفيذ ما عرف باسم1956ومنذ عام مشروع المياه الوطني بهدف تحويل مياه نهر األردن العلوي إلى

المنطقة الساحلية ومنها إلى صحراء النقب، وقد تضمن المشروع عدة مراحل منها: تجفيف بحيرة الحولة، وتحويل نهر األردن قبل دخوله بحيرة طبرية وضخ مياه البحيرة في قنوات عبر سهل بيسان، وكان هذا المشروع يعني االستيالء على ما

% من مياه النهر وروافده، ويجسد األطماع الصهيونية50يساوي .في مياه هضبة الجوالن

وضع العرب، بالمقابل، مشروعا عربيا الستغالل مياه الروافد يقضي بإنشاء سدود وخزانات على أنهار اليرموك والحاصباني

والبانياسي، ولم ينفذ العرب شيئا مما قرروه، بينما مضى الكيان الصهيوني، قدما، في تنفيذ مشروعه الذي أوشك في نهاية عام

على االنتهاء، وهذا دفع بالرئيس ناصر في خطابه في بور1963 إلى دعوة ملوك ورؤساء العرب، رغم1963/ 23/12سعيد يوم

التناقضات القائمة بينهم، لعقد اجتماع لهم في إطار الجامعة العربية في القاهرة ، لتدارس أمر مشروع سرقة المياه، والتأم

عقد المؤتمر "مؤتمر القمة العربي األول" في الفترة ما بين، ومما قرره1964 كانون الثاني 13-16 :

اعتبار أن قيام "إسرائيل" هو الخطر األساسي الذي أجمعت - األمة العربية بأسرها على دفعه، وبما أن وجود "إسرائيل" يعتبر

خطرا يهدد األمة العربية، فإن تحويلها لمياه األردن سيضاعف من.أخطارها على الوجود العربي

إقرار مشروع تحويل روافد نهر األردن في المنطقة العربية -.لقطع الطريق على المشروع الصهيوني

إنشاء قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية فورا، - وتشكيل جيش عربي موحد مزود بأحدث األسلحة والمعدات

308

تجعله قادرا على حماية المنشآت التي ستقام على روافد نهر.األردن وردع أي عدوان صهيوني محتمل

أيلول11-5وكان الهدف من انعقاد المؤتمر الثاني للقمة في اإلسكندرية، هو البحث عن ما تم تحقيقه من مقررات1964

:المؤتمر األول، وخاصة إعداد مشروع عربي لتحويل مياه روافد نهر األردن وتنفيذه

18 وخالل مدة ال تزيد عن 1964بدءا من شهر أيار . شهرا :ومما قرره هذا المؤتمر

البدء الفوري بتنفيذ مشروعات استغالل مياه روافد نهر األردن، -وإعطاء المقاولين اإلذن بالمباشرة فورا .

قيام منظمة التحرير الفلسطينية واعتمادها ممثلة للشعب - .الفلسطيني

وفي مؤتمر القمة الثالث الذي انعقد في الدار البيضاء في ، تابع المؤتمرون ما أنجز1965 أيلول 17-13المغرب ما بين

:في موضوع استثمار المياه وقرروا استمرار الدول المعنية "سورية – األردن – لبنان" في أعمال -

المشروع العربي الموحد الستثمار مياه النهر وروافده وفقا للخطة المرسومة، وطبقا لما تقرر بشأن الحماية العسكرية

.للمشروع الموافقة على خطة تحرير فلسطين المقدمة من قائد القيادة -

.العربية الموحدة للجيوش العربية الفريق علي علي عامر وكان هذا القرار في غاية السرية، ولكنه وصل فور إقراره إلى

الواليات المتحدة األميركية من قبل ثالث دول عربية، ال تخفى أسماؤها على القارئ المتتبع، "األردن، السعودية، المغرب" كما

."وصل في الوقت نفسه إلى حكومة "الكيان الصهيوني

البعث والعمل الشعبي المسلح،31/12/1961ورد في مذكرة لقيادة الحزب القومية بتاريخ

وجهتها إلى مؤتمر وزراء الخارجية المنعقد في بغداد حول قضية فلسطين: )إن إبعاد جماهير الشعب عن قضاياها األساسية يفقد

هذه القضايا الوعي والكفاءات والقوة الضرورية النتصارها، ويحول دون بناء مجتمع ديمقراطي شعبي قوي قادر على

مواجهة خطر "إسرائيل" وتحمل مسؤولية تحرير فلسطين وتصفية االستعمار. وورد: إن حزب البعث العربي االشتراكي

يطالب مؤتمركم باتخاذ قرارات تلزم جميع الحكومات العربية بإطالق الحريات ألبناء فلسطين المقيمين في جميع األقطار

العربية لتنظيم صفوفهم في جبهة تحرير فلسطين، وتقديم جميع

309

المساعدات المادية والقانونية التي تكفل لهذه الجبهة ممارسة عملها النضالي، واعتبارها ذات اختصاص مباشر في جميع

.الشؤون المتعلقة بقضية فلسطين( إن حزب البعث في مؤتمره القومي التاسع الذي انعقد في

، قد أقر تبني أسلوب الحرب الشعبية1966نهاية شهر أيلول .كبديل لسباق التسلح ورديف للحرب النظامية في الوقت المالئم

1964من هذا المنطلق، استقبلت سورية منذ أواخر عام منظمات العمل الفدائي الفلسطينية وقدمت لها كل اإلمكانيات المتاحة لتأهيل نفسها وممارسة نشاطها، وأعلنت حركة تحرير

فلسطين "فتح" من دمشق، عن قيامها بأول عملية لها في، واعتبرت1965فلسطين المحتلة في األول من كانون الثاني

ذلك التاريخ يوم بدء العمل المسلح الفلسطيني ) الثورة.الفلسطينية (

كانت قيادة الحزب بعد حركة الثالث والعشرين من شباط في اجتماع لها في شهر نيسان من العام ذاته،، 1966

وفشل1948استعرضت وضع الجيش, و أنه بعد انتهاء حرب إستراتيجية الهجوم التي اتبعتها الدول العربية إلحباط مشروع

التقسيم، تركزت اإلستراتيجية ووضعت الخطط العسكرية لدول المواجهة الجغرافية العربية، ضمن اتفاقيات الهدنة التي وقعت

، تجاه الدولة الصهيونية في محاولة1949في رودس في العام الحفاظ على "الوضع الراهن" الذي يهدف دون مزيد من التوسع "اإلسرائيلي" في األراضي العربية على فكرة الدفاع وامتصاص

الضربة األولى، ولذلك تمركزت القطع العسكرية في خنادق ومواقع على الحدود تدعمها في العمق العملياتي قوات أخرى،

.وهذا ما أثر على مستوى تدريبها وبالتالي على كفاءتها و على ضوء ذلك الواقع قررت قيادة الحزب إعادة هيكلة القوات المسلحة وبناء جيش ميكانيكي بجميع أسلحته يتمتع

بسرعة الحركة وكفاءة التدريب، ويعتمد على النقاط والمواقع الحاكمة ـ بدال من انتشار الجيش في خنادق على طول خطوط الهدنة ـ لتأخير أي عدوان ورده، تساندها في العمق االستراتيجي

قوات من المشاة والمدفعية والمدرعات وسالح الجو، وأنبما يتالءم مع إستراتيجيةينطلق هذا الجيش في تنظيمه وتدريبه

، مع إدراكها التام بأن التسليحالتحرير الشعبية الحزب في حرب الحديث ليس وحده الذي يصنع الجيش الحديث، وكذلك ال يحل

االنضباط العسكري محل وعي الجندي بمهمته، وأن الجندي العربي ما زال إلى حد ما ضعيف الحس المدني وهو لم يصل بعد

310

إلى انتزاع نفسه من سلسلة طويلة من أفاعيل التخلف.االجتماعي، ويفتقر إلى اإلعداد التكنيكي والقدرة على المبادرة، وفد إلى موسكو برئاسة رئيس1966 نيسان 19سافر في

الوزراء يوسف زعين وفي عضويته وزير الدفاع اللواء حافظ األسد وعدد من الوزراء وكبار الضباط المختصين إلبرام العقود

، وإدراكا بالمخاطر التي تواجهنا قال الدكتور يوسف زعينالالزمة نيسان في حفل التوقيع على اتفاقية التعاون االقتصادي22يوم

بين سورية واالتحاد السوفييتي: "نحن نقاتل في منطقة مصالح ."االستعمار اإلستراتيجية والبترولية

كما طلبت قيادة الحزب إلى قيادة الجيش العمل مع قوات المراقبة الدولية إلحياء لجنة الهدنة المشتركة التي كانت

تفويت الفرصة عليها ـذلك ل قد قاطعتها منذ زمن، و"إسرائيل" التي كانت تفتعل حوادث الحدود كتمهيد لعدوانها ـ قبل أنوهي

.يتم تحديث الجيش تسليحا وتشكيال وتدريبا وكانت قيادة الحزب تسعى باستمرار لتصفية األجواء مع

الجمهورية العربية المتحدة وإقامة أمتن الروابط معها، ولقد، ألن الرئيس عبد الناصر1966 شباط 23تحقق ذلك بعد حركة

كان يرى أن الحساسيات التي كانت بينه وبين قيادة الحزب قبل.الحركة، لم يعد لها وجود مع القيادة الجديدة

االعتداءات اإلسرائيلية على الحدود عزز وصول البعث إلى السلطة في سورية، ما عرف بـ

"المرض السوري"، أي قصف المواقع العسكرية الصهيونية وتهديد المستوطنات، الذي أصاب الكثير من كبار ضباط الجيش

."اإلسرائيلي" الذين كانوا مصممين على العدوان وعندما دخل المشروع العربي للتحويل مراحله التنفيذية، لجأ

على التوالي إلى1965 ـ 1964الكيان الصهيوني في األعوام أعمال القصف الجوي لمنشآت المشروع وآلياته في الجوالن

.بقصد تعطيله واستحالة تنفيذه بدأ التوتر الشديد وساد على الحدود السورية واألردنية مع

1966فلسطين المحتلة مناخ ملتهب، ومنذ شهري تموز وآب كثرت االعتداءات "اإلسرائيلية" على سورية، وتعددت

قام سالح الجو1966 تموز 14االشتباكات المسلحة، ففي يوم "اإلسرائيلي" بهجوم كبير ضد منشآت ومعدات تحويل المياه، ودارت معركة جوية بين سالح الجو السوري والسالح الجوي

15الصهيوني فوق مواقع التحويل، وتجددت المعارك الجوية في .آب، ورافقتها اشتباكات برية

311

تشرين األول ناقش مجلس األمن الدولي شكوى14وفي تقدم بها الكيان الصهيوني ضد سورية، وكانت تلك الشكوى غطاء

.لعدوان جديد يخطط له الصهاينةتشرين الثاني تذرعت حكومة الكيان الصهيوني بمقتل13وفي

ثالثة من جنودهم في حادث انفجار لغم على خطوط الهدنة باتجاه وادي عربة، وقامت بهجوم كبير على قرية السموع

األردنية في منطقة الخليل، ارتكب فيه جيش الصهاينة، بما عرف عنه من وحشية، قتال للسكان وتدميرا للمنازل، وعلى أثر ذلك

عمت المظاهرات في الضفة الغربية ضد حكومة األردن التي لم.تتخذ أي إجراء لحماية مواطنيها

وفي التوازي مع هذه االستفزازات، بدأ من كان يطلق عليهم عرب أميركا، بتنفيذ دورهم في الخطة، وأورد محمد حسنين

هيكل: )وقد كثف خصوم مصر السياسيون في األردن والسعودية حمالتهم ضد مصر لما اعتبروه تقاعسا من جانبها عن مساعدة

األردن في السموع، وقد وصل هؤالء الخصوم إلى حد اتهام مصر بالخوف والجبن والتواري خلف قوات الطوارئ الدولية في

كما وصلت بهم الحال إلى اتهام الرئيس ناصر بالتواطؤسيناء، مع الصهاينة بهدف القضاء على رصيده لدى الجماهير العربية، وأمام هذه الحمالت فقد كان من المستحيل سياسيا وإنسانيا

على القيادة المصرية أن تقف موقف المتفرج حيال ما يجري في.سورية(

وبما أن منطقة التحويل وما يتطلبه التحويل من منشآت وآليات موجودة على الجبهة السورية، أدى ذلك إلى اشتباكات مستمرة على خطوط الهدنة، وفي فترة االشتباكات المتكررة هذه، وجه

، رسالة إلى1966 أيلول 27الرئيس نور الدين األتاسي بتاريخ :الرئيس عبد الناصر، ورد فيها

سيادة الرئيس، إن المسؤولية التاريخية تحتم علي أن أخطركم) بأن المعلومات المتوافرة لدينا تجعلنا نتوقع هجوما إسرائيليا كبيرا في الجو في األيام القليلة القادمة. وطبقا لما لدينا من

معلومات فان "اإلسرائيليين" يريدون أن ينتهزوا فرصة إعالننا عن استئناف خططنا لتحويل مياه األردن كحجة الستئناف الهجوم

على مشروعات التحويل، على أن يتطور هذا الهجوم علينا إلى .ضربة جوية شاملة ال تترك هدفا داخل حدودنا إال وقد دمرته

وقد قررت القيادة ضرورة التوصل إلى تنسيق كامل مع الشقيقة الكبرى الجمهورية العربية المتحدة، ونحن نقترح فتح

خط السلكي مباشر بين قيادة الجيش في سورية وفي الجمهورية العربية المتحدة، ونرى أيضا، ضرورة تغيير الشفرات

312

المستعملة اآلن لتأمين االتصاالت وحتى يكون في وسعنا إخطاركم دقيقة بدقيقة عن تطورات الحوادث المحتملة، ونعتقد

أنه البد للبلدين اللذين وضعت عليهما المقادير مسؤولية قيادة القوى التقدمية في الوطن العربي من حماية آمال األمة وتجسيد

.(قواها الفعالة والرادعة إن الموقف الجديد للرئيس عبد الناصر حيال قيادة الحزب بعد

ولقد،، سهل حدوث انفراج تدريجي ولكنه واضح شباط23حركة توج هذا االنفراج باتفاقية الدفاع المشترك بين القطرين والتي تم

1966 تشرين الثاني )نوفمبر( 4التوقيع عليها في القاهرة يوم . تشرين األول وفد من قيادة الحزب30سافر إلى القاهرة في

تألف من رئيس الوزراء الدكتور يوسف زعين، رئيس مكتب األمن القومي عبد الكريم الجندي، وزير الخارجية الدكتور إبراهيم

ماخوس، ورئيس األركان العامة اللواء أحمد سويداني، وجرت محادثات مع وفد الجمهورية العربية المتحدة برئاسة الرئيس عبد الناصر وعضوية نائبي رئيس الجمهورية المشير عبد الحكيم عامر

و زكريا محي الدين, رئيس الوزراء صدقي سليمان، وزير الخارجية محمود رياض، والممثل الشخصي للرئيس حسن صبري

.الخولي طرح الوفد السوري موضوع الحرب الشعبية وضرورة تفجير طاقات الشعب العربي وتدريبه، وأبدى وفد الـ ج.ع.م رأيه بأن

الموضوع ضخم وحيوي ويجب أن يدرس جيدا ويوضع له تخطيط سليم تكون احتماالت نجاحه أكثر من احتماالت خسارته، وأن

مسألتي الحرب مع "إسرائيل" دون حسابات دقيقة، و التعرض.للبترول، معناه االصطدام مع أميركا

ونتج عن المحادثات اتفاقية للدفاع المشترك، وهي إعادة إحياء لميثاق الدفاع المشترك الذي كان قد عقد بين البلدين سنة

، بصيغة تتالءم مع التطورات التي حدثت، وورد في مقدمة1955 :االتفاقية

إن حكومتي الـ ج. ع. س والـ ج. ع. م، استجابة منهما لرغبة) الشعب العربي في كل من القطرين الشقيقين، وانطالقا من

إيمانهما المطلق بالمصير المشترك وبوحدة األمة العربية، وتوحيدا لجهودهما في تأمين وحماية سالمتهما ومثلهما القومية،

.(قد اتفقتا على عقد اتفاق دفاع مشترك تحقيقا لهذه الغايات

التحضير للعدوان

313

االتحاد السوفييتي قد وصل إلى استنتاج عام بأن النظامكان الجديد في دمشق، لن يرتمي في أحضان الواليات المتحدة

نها ستحاول التخلص منه بمساعدة حلفائهاإاألميركية، لذا ف الذين تتطابق، واألردنتركيا لسورية، إسرائيل و المجاورين

.مصالحهم لجهة معارضة نظام الحكم الجديد في سورية أيار11وكانت صحيفة األزفستيا السوفييتية، قد أوردت بتاريخ

، نبأ عن محاولة الواليات المتحدة األميركية قلب نظام1967 الحكم الثوري في القطر العربي السوري، وأن واشنطن ترى في

سياسة سورية المستقلة خطرا على مصالحها في المنطقة، وحين بدأت التصريحات المعادية تنطلق من حكومة الكيان

الصهيوني مهددة بإسقاط نظام الحكم في دمشق، كان الحزب قبل ذلك قد اتهم األردن بالتدخل في شؤون سورية الداخلية،

كما أن االتحاد السوفييتي كان قد سبق سورية في اتهامه لنظام.الحكم األردني بالتآمر لقلب نظام الحكم في دمشق

و في كتابه "مؤامرة الصمت" ذكر أندريه بيرسون: )في سنة عقد مدير العمليات في وكالة المخابرات المركزية1965

"جيمس آنجلتون" عددا من اللقاءات السرية مع مسؤولين من الموساد، وكان موضوع بحثهم هو كيف ومتى يمكن التخلص من ناصر، وقد اتفق رأيهم على أن الحل الوحيد يجب أن يجيء من

خالل مواجهة عسكرية مع "إسرائيل" تضعه في موقف ال يستطيع االنتصار فيه، وتتالت االجتماعات، بعدها في واشنطن

وتل أبيب بين ممثلين من المخابرات المركزية وعدد مختار من ضباط أركان حرب الجيش "اإلسرائيلي" وقلة من السياسيين

"اإلسرائيليين"، ومستشار األمن القومي األميركي والت روستو وشقيقه يوجين روستو وكيل وزارة الخارجية األميركية، وقد تقرر في هذه االجتماعات إثارة حرب بين مصر و "إسرائيل" ال تشمل

تأثيراتها خطوط الهدنة مع سورية واألردن، واتفقوا أن سياسات الـ ج.ع.م مع التأييد السوفييتي لها، وكذلك الوضع في سورية،

يمكن استغاللها إلثارة رأي عام مهيأ للحرب، وفي هذا الجو يكون الجيش "اإلسرائيلي" المتأهب للعمل على استعداد الستغالل أية

خطوة من دمشق أو من القاهرة حيث يمكن للكنيست اإلسرائيلي أن يوافق على شن الحرب، على أن تكون الحرب

في حد يمكن احتواؤه، ألن هناك ضرورة إلبقاء عالقات وثيقة مع كل من الملك حسين والملك فيصل، وقد قام ضباط من

المخابرات المركزية في عمان بشرح الخطة لملك األردن تاركين.له حرية أن يقرر كيف يتصرف(

314

واصلت إسرائيل الزراعة في المناطق1967في بداية عام المنزوعة السالح وتصاعدت اعتداءاتها خالل الشهور األربعة

، بذريعة منع سورية عن مساندة عمليات1967األولى من عام .المقاومة الفلسطينية

وكانت سلسلة االعتداءات البرية والجوية التي وقعت بدءا من ، هي قمة عمليات التحرش اإلسرائيلية،1967 نيسان 7صباح

د.45 و 9وبداية العد التنازلي لحرب حزيران، ففي الساعة دفعت "إسرائيل" للمرة الثالثة، خالل أسبوع، بجرار زراعي إلى

المنطقة المجردة مما أدى إلى تبادل إطالق النار وتدمير الجرار، د. أغارت الطائرات اإلسرائيلية على مطار40و13وفي الساعة

21 مقاتالت ميغ 6الضمير وأسفرت هذه الغارة عن تدمير نيسان دورية11واستشهاد خمسة طيارين، واجتازت يوم

.إسرائيلية خط الهدنة في القطاع الشمالي من الجبهة في أعقاب ذلك حذر المندوب السوري في األمم المتحدة

الدكتور جورج طعمة في مذكرة رسمية تقدم بها يوم السبت، مجلس األمن من األهداف التي ترمي إليها1967/ 4/ 14

"إسرائيل" من اعتداءاتها المستمرة، واتهم الدول االستعمارية وقوى الرجعية بتشجيع "إسرائيل" على العدوان، وأكد بأن سورية

لن تتخلى عن واجبها المشروع في الدفاع عن النفس، وأعلنت المذكرة أن التكوين "اإلسرائيلي" في أساسه يستخدم كأداة من.أجل تنفيذ مؤامرة كبيرة ضد القوى التقدمية في الوطن العربي ونتيجة لذلك، حذر االتحاد السوفييتي وندد في بيان رسمي سلمه

نيسان إلى سفير "إسرائيل" في موسكو،26يوم األربعاء نيسان وأكد7بالعدوان الذي ارتكبته "إسرائيل" ضد سورية يوم

أن الحكومة السوفييتية لفتت نظر "إسرائيل" مرارا إلى خطورة الوضع في منطقة الشرق األوسط والناجم عن السياسية التي

تنتهجها "إسرائيل" والقوى اإلمبريالية الخارجية ضد سيادة واستقالل الدول العربية، ووصف البيان "إسرائيل" بأنها ألعوبة

.في أيدي القوى االستعمارية واإلمبريالية وتجاه هذا التصعيد الصهيوني، استدعى رئيس األركان السوري

نيسان الجنرال أود بول رئيس هيئة الرقابة الدولية، من28يوم مقره في القدس الشرقية، وبحث معه الوضع المتوتر على خط

.الهدنة وردا على الطلب السوري بإحياء لجنة الهدنة ـ ولكن طبعا مع

االحتفاظ بالحقوق الوطنية ـ صرح ناطق رسمي سوري بتاريخ، يرد على دسائس وتخرصات "إسرائيل": )أذاع1967 نيسان 15

11 الجاري الساعة 14راديو العصابات الصهيونية مساء خبرا315

ملفقا يوحي بأن وفدنا إلى األمم المتحدة قد ألمح عن استعداد سورية الستئناف االجتماعات المشتركة إذا ما أعلن "أود بول" كبير المراقبين الدوليين أنه ليس لسورية أو "إسرائيل" حقوق سيادة في المنطقة المجردة. إن رأي سورية الثورة واضح في هذا الموضوع كل الوضوح وقد أعلناه رسميا على الرأي العام،

وهو أنه ال مناص لدولة العصابات من االعتراف الصريح بصالحية لجنة الهدنة على األرض المجردة ومن انسحابها من المنطقة

المجردة انسحابا كامال ونسف جميع المنشآت العسكرية وشبه العسكرية القائمة فيها التزاما بقرارات مجلس األمن بهذا

.الشأن( إن هذا الموقف "اإلسرائيلي" يؤكد على استمرارها في عدوانها

وتنفيذ مخططها، من أجل استفزاز الجيش السوري لالشتباك معه و تصعيد الصراع العسكري لجر الجمهورية العربية المتحدة

.وسورية إلى الحرب نيسان، أوضح20وفي لقائه مع وفد الصحفيين اللبنانيين يوم

رئيس األركان السوري اللواء أحمد سويداني تفاصيل االعتداءات الصهيونية األخيرة وغايتها، وأن أميركا وبريطانيا مرتاحتان تماما لسلوك "إسرائيل" العدواني وقد قامتا بالفعل بتشجيعها ودفعها للعدوان، كما أن ملك األردن سمح لطائرات العدو بالمرور عبر

.أجوائه إلينا وهدر طاقات الجيش األردني بدأت "إسرائيل" في افتعال المعارك عمدا، ويأتي التأكيد لذلك من سلسلة الحوارات الخاصة التي أجراها الصحفي "رافي تال"

ونشرت في الملحق1976مع "موشيه ديان" في عام األسبوعي لصحيفة يديعوت أحرونوت، وقد بدأ تال حواره: إن

السوريين كانوا يجلسون على قمة مرتفعات الجوالن )أي يهددون المستوطنات التي يشرفون عليها من عل(. وقاطعه

ديان قائال: ال تفكر في ذلك أبدا، قبل كل شيء، إنني أعرف كيف% من االشتباكات هناك على األقل، ففي رأيي أن80بدأت

% ولكن دعنا نتحدث عن هذه النسبة، لقد80النسبة تزيد على حدثت على هذا النحو: كنا نرسل جرارا لكي يحرث مكانا ما حيث لم يكن من المسموح فعل أي شيء، وذلك في المنطقة منزوعة

السالح، وكنا نعرف مقدما أن السوريين سوف يبدؤون إطالق النار، وحينئذ نستخدم المدفعية وبعد ذلك القوات الجوية أيضا، لقد فعلت ذلك، وفعل مثلي زائيف تسور رئيس األركان قبل يتسحق رابين، وفعل ذلك رابين، وكان أكثر من استمتع بهذه

1969-1964"اللعبة" دافيد أليعازر قائد الجبهة الشمالية .

316

بدأ الكيان الصهيوني يمهد لعدوانه، وفي قول للجنرال أهارون ياريف رئيس المخابرات العسكرية "اإلسرائيلية": )في الشام

صيد بالشبكة ال تقتل وال تسيل دما، وفي مصر صيد بالرمح يقتل أو يجرح(. و هيكل في سلسلة مقاالته "سياحة صيف في الوثائق

، أورد وثيقة استشهد بها2000اإلسرائيلية" التي نشرها عام "أفي شاليم" في كتابه عن عالقات "إسرائيل" بالعالم العربي،

والوثيقة منسوبة إلى الجنرال "ليور" المستشار العسكري: )كانت هناك بالفعل عند شماليالرئيس وزراء "إسرائيل" ونصه

"إسرائيل" حرب يقودها رئيس األركان الجنرال اسحق رابين ويساعده فيها قائد الجبهة الشمالية الجنرال دافيد أليعازر، وكان

ليعازر ال يكفان عن تحريك عمليات قتالية حول منابعأرابين و المياه وفي طلب السيطرة على المناطق المنزوعة السالح ...

ويضيف "شاليم" عن لسان موشي ديان ما نصه: لم يكن السوريون مسؤولين بصفة عامة عن نشوب العمليات في

بالمائة من80الشمال، نحن كنا نستفز السوريين عمدا، وفي عمليات القتال كنا نحن الذين بدأنا، كان أسلوبنا هو استفزازهم

عندما نريد سهال، في العادة كنا ندفع بجرار لحرث أرض في المنطقة المجردة، وعندما كان رد الفعل السوري يتأخر كنا نأمر

قائد الجرار أن يتقدم أكثر نحو المواقع السورية حتى يصبح االستفزاز إثارة ال تحتمل، وعلى أي حال فانه إذا تأخر الرد

السوري في إطالق النار كنا نحن نطلق، وعندما يردون مضطرين تتدخل المدفعية الثقيلة والطيران لتوسيع نطاق المعارك إلى

.الحد الذي يالئم أهدافنا السياسية( تجاه هذه االستفزازات، وفي محاولة لتأخير العدوان الصهيوني

التهدئة، والسورية، مجددا الذي اتضحت معالمه، قررت القيادة العمل على إحياء لجنة الهدنة ولكن لم تفلح، ال جهود األمم

المتحدة وال جهود االتحاد السوفييتي مع الواليات المتحدة التي كان رئيسها قد أعطى "إسرائيل" حرية العمل اعتبارا من أول

، حسب ما تؤكده الوثائق1967عام .، قال اسحق رابين، رئيس أركان الجيش1968في عام

اإلسرائيلي: )ال أصدق أن ناصر كان يريد الحرب، فالفرقتان أيار، لم تكونا كافيتين لشن14اللتان أرسلهما إلى سيناء في

هجوم ضد "إسرائيل"، وهو يعلم ذلك، ونحن نعلم ذلك(. و قال: )إنه لم يكن هناك أي تهديد بتدمير1972عايزرا وايزمن في

إسرائيل من قبل العرب(. وقال الجنرال مانتياهو بيليد في عام: )إن الزعم بأن القوات المصرية التي احتشدت على1972

حدودنا، كانت قادرة على تهديد "إسرائيل"، ال يلحق اإلهانة فقط317

بذكاء أي شخص قادر على تحليل هذا النوع من األوضاع، بل وبالجيش(. وقال مناحيم بيغن خالل رئاسته لمجلس الوزراء في

كانت خيارنا عندما قررنا1967: )إن حرب عام 1982العام مهاجمة الرئيس المصري جمال عبد الناصر(. وفي وقت الحق،

قال الوزير "اإلسرائيلي" موردخاي بنتوف: )إن "إسرائيل" اخترعت قصة "خطر اإلبادة " الذي تتعرض له وضخمتها لتبرير

.ضم أراض عربية جديدة( هذا باإلضافة إلى أن المخابرات المشتركة للواليات

المتحدة األميركية كانت قد استنتجت، في وقت مبكر، )أن "إسرائيل" ال تواجه تهديدا وشيكا، وأنها إذا هوجمت فباستطاعتها

.أن تهزم أي دولة أو دول عربية مجتمعة( وبإصرار "إسرائيلي" لطمس الحقائق عن بعض الدوائر

األميركية التي لم تكن على دراية بالتواطؤ بين البيت األبيض واألركان "اإلسرائيلية" للقيام بالعدوان، جاء الهجوم اإلسرائيلي

حزيران، بالطائرات وقوارب الطوربيد على سفينة8يوم المخابرات األميركية "ليبرتي" التي كانت تقوم بمهمة فك

الشيفرة والتنصت لمعرفة تحرك وتقدم القوات "اإلسرائيلية" على الجبهتين السورية و األردنية في الضفة الغربية أو في اتجاه

المدينة القديمة في القدس، ولربما، أيضا، لطمس التعليمات التي كانت تصدر من قادة الجيش "اإلسرائيلي" بقتل أسرى

من171 وجرح 34 وأدى هذا الهجوم إلى قتل .جيش المتحدة العاملين على السفينة، وأسدلت إدارة جونسون الستار على التحقيق حول الهجوم، رغم كل الحقائق التي تدحض االدعاء

"اإلسرائيلي" بأن هوية السفينة كانت مجهولة، والتي وردت في تقرير سفارة أمريكا في بيروت ونصه: )تم اعتراض اتصاالت "إسرائيلية" بالراديو، وفيها أن طيارا "إسرائيليا" قال: "إنها

سفينة أميركية" لكن القيادة "اإلسرائيلية" تجاهلت ذلك وأمرت.الطيار بمتابعة الهجوم(

ال يخفى على أحد مطامع "الكيان الصهيوني" في توسيع وفي أطماعه غير1948رقعة األرض التي اغتصبها عام

المحدودة باألرض ومصادر المياه والسيطرة على مقدرات المنطقة، فكان مناحيم بيغن زعيم حزب حيروت ال يمل من

ترداد: )إن على إسرائيل استرجاع األراضي الفلسطينية الوارد ذكرها في التوراة(، وأن القادة "اإلسرائيليين" أمثال بن غوريون

وأشكول ال يسفهون نظريات بيغن بكليتها، وكان أشكول قد أدلى/13إلى أريك رولو بتصريح نشرته جريدة اللوموند الفرنسية في

قال فيه: )لسنا مستعدين للتنازل عن فتر من أراضينا،1967/ 1318

وينبغي المفاوضة انطالقا من وضع األراضي الراهن، لقد سبق لفلسطين أن بترت على أثر اتفاق سايكس - بيكو، وبترت للمرة

الثانية لدى خلق شرق األردن من قبل تشرشل، وبترت للمرة ولن نستطيع احتمال بتر رابع(. ويضيف1948الثالثة في سنة

أشكول قائال: )لم يبق لنا سوى عشرين ألف كيلو متر من فلسطين القديمة، ويجب علينا أن نفكر في ماليين اليهود الذين

سيهاجرون من روسيا وأوربا الغربية والواليات المتحدة في خالل عشرات السنين القادمة(، وبعبارة أخرى يعتبر أشكول أن قسما

من العراق وسورية ومن شرق األردن بما فيها الضفة الغربية.تشكل جزءا من فلسطين التاريخية

إن أشكول يطالب بالعودة إلى حدود أرض الميعاد، وأن تصريحه يظهر بوضوح أن استرجاع هذه المناطق هو حق

."تاريخي لـ "إسرائيل وفي كتابه "إسرائيل الكفاح من أجل األمل" يقول إيغال آلون: )فبوجود ثلثي أرض "إسرائيل" في أيدي العرب، كان ينبغي أن

(يعود الجزء الغربي "الضفة الغربية" من البلد إلى اليهود .

قصة الحشود تشرين12استدعت وزارة الخارجية السورية يوم األربعاء

جميع السفراء وتقدمت إليهم بمذكرة: )تكشف1966األول حقيقة التحرك "اإلسرائيلي" بعد فشل المؤامرة الرجعية على الثورة، هذه المؤامرة التي حشد لها المخططون كل الطاقات

واإلمكانيات، أصابت الرجعية العربية و "إسرائيل" بالذهول وفضحت وعرت بصورة خاصة الترابط الكامل بين النظام العميل

في األردن والرجعية العربية و"إسرائيل"، األمر الذي ظهر بكل صفاقة في تصريحات الملك حسين ووصفي التل وتهديدهما بغزو

سورية، وانسجام هذه التصريحات مع تصريحات اسحق رابين في استهداف إسقاط النظام الثوري في القطر العربي السوري، وكذلك تصريحات الملك حسين الجديدة بسحب قواته من الضفة

الغربية بحجة الدفاع عن سورية، األمر الذي يفضح النية المبيتة لتسليم الضفة الغربية إلى "إسرائيل" مقابل دغدغة أحالم الملك

.العميل في إقامة عرش له في دمشق:ومما جاء فيها أيضا

لقد سبق لـ "إسرائيل" أن احتجت بموضوع تسلل الفدائيين لتبرر عدوانها المبيت على1956العرب من قطاع غزة عام

مصر وفي شن حرب السويس، وهي تتذرع مجددا بالحوادث التي تقوم بها منظمات فتح والعاصفة، والتحركات التي يقوم بها

319

الشعب العربي الفلسطيني لتبرر عدوانها الذي تبيته ضد القطر العربي السوري لعرقلة النهضة التقدمية التحررية في هذا القطر العربي، وال أدل على ذلك من التصريحات المسعورة التي أدلى

بها مؤخرا إسحاق رابين رئيس األركان والمسؤولون الـ "إسرائيليون" إلسقاط النظام الحالي في القطر العربي

السوري، األمر الذي لم يسبق له مثيل في العالم، والذي يكشف عن نوايا "إسرائيل" العدوانية ويفضح حقيقة وجودها كأداة بيد االستعمار يحركها متى تهددت مصالحه االحتكارية االستثمارية

.في الوطن العربي وعلى الرغم من إعالننا مرارا بأننا لسنا حراسا على سالمة وأمن "إسرائيل"، وليس من واجبنا مكافحة الشعب العربي

الفلسطيني المشرد في نضاله من أجل استرداد حقوقه المشروعة بعد أن استهانت بها القوى العدوانية المحتلة وكاد

ينساها الضمير العالمي، فإن تصريحات المسؤولين الـ "إسرائيليين" بمسؤولية القطر العربي السوري عن جميع

تحركات الشعب العربي الفلسطيني مهما يكن مصدرها وعلى مجمل الحدود العربية، إنما هي تصريحات خطيرة استفزازية ال تخفي ما وراءها من نية عدوانية مبيتة تتآمر عليها إسرائيل مع جميع القوى التي تتهدد مصالحها االستثمارية واالحتكارية، كلما خطا نظام الحكم التقدمي في القطر العربي السوري خطوة

.جريئة إلى األمام نحو مجتمع عربي وحدوي اشتراكي وإننا إذ نلفت نظر جميع الدول المحبة للسالم األعضاء في

األمم المتحدة إلى خطورة هذه التصريحات االستفزازية وهذه النوايا العدوانية لنذكر باآلالف من االعتداءات اإلسرائيلية

عاما من18المتكررة التي أدانتها لجان الهدنة المشتركة خالل وجود إسرائيل، ونذكر باالعترافات الـ "إسرائيلية" الخطية المسبقة التي تثبت تحضير الهجوم المدبر الذي حصل في

.( آب األخيرين15 تموز و14عدواني نبأ عن1967 أيار )مايو( 13أوردت وكالة يونايتد برس بتاريخ و

لسان مسؤول "إسرائيلي" في القدس، قال فيه: )إنه إذا استمرت سورية في حربها التخريبية ضد "إسرائيل"، فإنها

ستتسبب في عمل عسكري من جانب "إسرائيل" يستهدف القضاء على نظام الحكم الحالي في دمشق. وأضافت الوكالة: إن إسقاط حكم البعث في دمشق قد يلقى ترحيبا لدى الدوائر

الرجعية العربية، كما أن المراقبين في القدس المحتلة يرون أن السوريين يعتزمون تحويل "إسرائيل" إلى فيتنام ثانية كمقدمة للحل الذي يرونه لقضية فلسطين. وقالت الوكالة: إن التفسير

320

الوحيد لموقف سورية هو أن أكثر أعضاء الحكم الحالي في دمشق من الشباب العقائديين الذين يعطون مضمونا ثوريا

.للقومية العربية، والذين يرون في إسرائيل عدوتهم اللدودة( تذرعت "إسرائيل" بدعم سورية للمقاومة الفلسطينية

وباشرت تطلق تهديداتها بغزو دمشق وإسقاط نظام الحكم فيها، كما كثفت من اعتداءاتها في المناطق المجردة لزيادة تبادل

.إطالق النار ، في القدس المحتلة وتل5/ 14وتناقلت وكاالت األنباء، يوم

أبيب، األخبار عن تصعيد المسؤولين "اإلسرائيليين" لهجة تهديداتهم، فما أن سلمت "إسرائيل" ردها إلى السفير

السوفييتي الذي أوردته وكالة يونايتد برس: )إن "إسرائيل" سلمت أمس إلى السفير السوفييتي رد حكومتها على اإلنذار

الذي وجهته حكومة االتحاد السوفييتي إلى "إسرائيل" في الشهر الماضي عن قيام "إسرائيل" بأعمال انتقامية ضد سورية(. حتى

تتالت التهديدات، فأوردت وكالة رويتر في برقية لها: )إن المراقبين في تل أبيب صرحوا بأن لهجة الخطب العامة

للمسؤولين في "إسرائيل" قد ازدادت حدة بصورة كبيرة في األيام القليلة الماضية عقب وقوع مزيد من هجمات الفدائيين

آخرها انفجار في طريق طبريا(. وفي نبأ لوكالة األنباء الفرنسية: )أن ليفي أشكول عاد إلى تهديداته ضد سورية وقال إنه البد من

حدوث صدام مسلح خطر بين "إسرائيل" وسورية إذا لم يكف الفدائيون الفلسطينيون عن نشاطهم داخل "إسرائيل"(. وأضاف رابين تهديدات أخرى فقال: )إن "إسرائيل" سوف تتصرف إزاء سورية، ولكن بطرق مغايرة لتلك الطرق التي انتهجتها بهجماتها

السابقة على األردن ولبنان، وأضاف: إن أهداف الرد.الـ"إسرائيلي" سوف تكون مغايرة أيضا(

بعد هذه التهديدات، صرح ناطق عسكري "إسرائيلي" يوم أيار بأن الفدائيين الفلسطينيين قد قاموا خالل اإلثنتي16الئالئاء

.عشر ساعة األخيرة بعمليتي نسف قرب تل أبيب أيار: إنه عئر21 وصرح الناطق "اإلسرائيلي" أيضا، يوم األحد

في الساعة الثانية بعد ظهر أول أمس على متفجرتين تحت جسر على الطريق التي تربط بيت شبع بعراض والتي تبعد حوالي عشرة كيلو مترات من خط الهدنة مع األردن، وقال

الناطق: إنه قد عثر على أعقاب شخصين باتجاه الحدود األردنية، كما عثر على منشورات تحمل توقيع جماعة فتح في ذلك

المكان.

321

، التي"بتدمير "إسرائيل العربي إن التصريحات حول التهديد كان يدعيها القادة الصهاينة، كان الهدف من ورائها تعبئة الرأي

العام المحلي والدولي، تمهيدا لعدوانهم المبيت على سورية والمتحدة، واستمر البوق الصهيوني في تصعيد حمالته الدعائية

رضأعبر الحدود إلى من سورية متذرعا بتسلل فدائيين فلسطين المحتلة، وبعدها جاءت قصة الحشود الصهيونية على

.الحدود السورية في هذه األجواء المشحونة بنذر الحرب، جاءت أخبار الحشود "اإلسرائيلية"، ولقد جرى جدل طويل قبل وبعد عدوان حزيران، كما كثرت األقاويل حول صحة المعلومات الخاصة بهذه الحشود التي شكلت الشرارة األولى ألزمة أيار واتخذت "إسرائيل" من

تداعياتها ذريعة لشن الحرب. فمنها أن عميال للسفارة السوفييتية ولمخابرات "الجيش اإلسرائيلي" أوعز إليه بنقل أمر

الحشود إلى السفارة، ومنها، أنه جرت تحركات علنية للجيش "اإلسرائيلي" نحو خطوط الهدنة ثم كانت هذه القوات تنسحب

خفية، ومنها أن السوفييت اختلقوا قصة الحشود بهدف تعزيز نفوذهم في كل من سورية والمتحدة، وهو تفسير يستبعده

المنطق، وتدحضه الوثائق التي تؤكد حقيقة القرار "اإلسرائيلي". للقيام بالعدوانله مخططاالذي كان

يقول محمود رياض في مذكراته: )كانت "إسرائيل" قد أتمت للقيام بالعدوان الذي كان1967استعدادها مع بداية عام

، ولم تكن لتنتظر سوى مشاركة1957مخططا له منذ عام الواليات المتحدة، وقد جرت مشاورات في واشنطن بين

(1967الطرفين، وتم االتفاق على أن يبدأ العدوان في يونيو . أيار أبلغ االتحاد السوفييتي سورية والمتحدة عن وجود13في

حشود عسكرية "إسرائيلية" على الجبهة السورية، وأن "إسرائيل" تستعد لبدء عملية واسعة لقلب النظام في دمشق،

وعزز القادة "اإلسرائيليون" بتصريحات لهم نقلتها الصحافة البريطانية في اليوم نفسه، أكدوا فيها أن هدف الحملة العسكرية

القادمة ضد سورية سيكون قلب النظام القائم في دمشق، وظلت هذه التصريحات دون تكذيب، وكان اسحق رابين قد عبر،

قبل ذلك التاريخ، وأكثر من مرة عن هذا الهدف، ويمكن إيجاز كالمه: )لقد قمنا بكل شيء لمنع الفدائيين من ممارسة

نشاطهم، ولم يبق أمامنا اآلن سوى قلب النظام في دمشق(. وهناك رأي لبعض المحللين بأن الحكومة "اإلسرائيلية" التي

اكتفت بنفي وجود الحشود، كان جنراالتها يخططون لبدء حربهم. أيار17في

322

وإمعانا في التسويف اقترحت السلطات "اإلسرائيلية" ثالث مرات، حسب زعمها، على السفير السوفييتي في تل أبيب

أيار أن يذهب لتفتيش منطقة الحدود،29 و 19 و13في أيام والتأكد من عدم وجود حشود، ولكن السفير رفض هذا الطلب،

.على حد زعم الرواية فور تلقي خبر الحشود اجتمع وزير الخارجية السوري مع

أيار وأبلغهم بالنسبة للتهديدات13ممثلي دول مجلس األمن في "اإلسرائيلية" لسورية بذريعة األعمال الفدائية: )إن الشعب

العربي الفلسطيني المشرد والذي لم تستطع األمم المتحدة حتى اآلن أن تعيده إلى أرضه، ال يمكن أن يقبل وصاية سورية أو

أي قطر آخر عليه وال يأخذ اإلذن من أحد في نضاله المشروع.لتحرير وطنه المغتصب(

وفي الفترة نفسها قال يوثانت في تقريره المقدم إلى )إن تقارير مراقبي الهدنة19/5/67مجلس األمن الدولي يوم

الدوليين تفيد عدم وجود حشود وتحركات لقوات الطرفين على جانبي الحدود(. وكذلك الفريق أول محمد فوزي الذي أوفده

للتنسيق مع13/5المشير عبد الحكيم عامر إلى دمشق يوم ، أوضح فيه:15/5القيادة السورية قدم إثر عودته، تقريرا يوم

13 و 12)إن صور االستطالع الجوي السوري للجبهة يومي أيار/مايو، وكذلك الدوريات المتسللة إلى خلف خطوط العدو، ال

.تفيد بأي تغيير للموقف العسكري العادي( لقد أبلغنا الرئيس جمال عبد الناصر، بأمر الحشود تلك، نقال

عن سفير االتحاد السوفييتي في القاهرة، كما أن السفيروفي الوقت نفسه،في دمشق أناتولي باركوفسكي السوفييتي

الرئيس نور الدين األتاسي ما يتوافر عند حكومته من نقل إلى .معلومات حول هذه الحشود

وأكد السوفييت، في إجابة لهم على سؤال من المشير عامر بخصوص إعطاء صورة واضحة عن الحشود المذكورة من خالل

صور أقمارهم االصطناعية، وجود هذه الحشود، كما أن تقرير أفاد بأن هناك بعض التجمعات15/5االستخبارات المصرية ليوم

ـ5العسكرية في المنطقة الشمالية من "إسرائيل" تقدر بحوالى . ألوية مشاة7

وأكد كوسيغن حين اجتماعه مع وزير الحربية المصري شمس ، الحشود العسكرية على جبهة26/5بدران في موسكو يوم

.سورية كما أن الدكتور مراد غالب سفير مصر في موسكو أرسل يوم

برقية بوجود حشود "إسرائيلية" على الحدود السورية27/5323

أكدها له سيميونيف نائب وزير الخارجية السوفييتي، وحينما أراد أن يتأكد أكثر من غريشكو وزير الدفاع السوفييتي، أبدى دهشته الكبرى مما يتردد عن عدم وجود حشود إسرائيلية على الحدود

السورية، وذكر أن لديه كشفا بأسماء قادة األلوية وقادة الكتائب .لهذه الحشود، وذلك تأكيدا لصحة معلوماته

عشية الحرب اتخذت القيادة السياسية في المتحدة قرارها اإلستراتيجي

.بمساندة سورية في مواجهة احتماالت العدوان اإلسرائيلي عليها صدرت عن قيادة جيش14/5 من صباح يوم 11في الساعة

، وفيها: )تؤكد المعلومات1/67المتحدة التعليمات الحربية رقم من مصادرها المختلفة نية "إسرائيل" في العدوان على سورية،

وفي ضوء اتفاقية الدفاع المشترك بين الـ ج.ع.م والـ ج.ع.س قررت القيادة العليا للقوات المسلحة في ال ج.ع.م التدخل جوا

وبرا في حالة قيام "إسرائيل" بعدوان شامل على األراضي السورية بقصد احتاللها أو جزء منها أو تدمير القوات الجوية

.السورية إن هذا القرار استثنى حاالت االعتداءات اإلسرائيلية المعتادة،

أي اإلغارات على سورية التي ال تستهدف احتالل أراض، أو تدمير شامل للقوات السورية، إلسقاط أية ذريعة للصهاينة قد يتخذونها

.للبدء بالعدوان كما اتخذت كل من المتحدة وسورية عدة قرارات وإجراءات للتأهب لمواجهة التهديد بالعدوان، ومما تضمنته: التعبئة العامة

في القوات العسكرية ـ رفع درجة استعداد القوات ـ تحريك القوات باتجاه الجبهات والتمركز في المواضع المحددة لها في

الخطط العسكرية ـ تجهيز الخطط "التعرضية، والهجومية، والدفاعية" المتفق عليها بين قيادتي الجيشين ـ سرعة استكمال مطالب أجهزة الدفاع الوطني والمدني - التأهب للقيام بعمليات تعرضية ذات مهام محدودة داخل "إسرائيل"- إعداد خطة بحرية

.محدودة بالنسبة للمتحدة أيار بعث الدكتور جورج طعمة إلى رئيس مجلس15و في األمن، رسالة أعلن فيها أن تصريحات الحرب التي يدلي بها

رئيس حكومة "إسرائيل" ليفي أشكول ووزير الخارجية آبا إيبان تصل إلى حد يجعلها بمثابة إعالن صريح للنية بشن أعمال

.عدوانية واسعة النطاق ضد القطر العربي السوريونيف، نائب وزير الخارجيةياستدعى فالديمير سيموفي موسكو

،1967 أيار27السوفييتي، السفير اإلسرائيلي، وسلمه بتاريخ

324

:رسالة تحذير من حكومة االتحاد السوفييتي جاء في مقدمتها )إن الحكومة السوفييتية تمتلك معلومات بخصوص القوات

"اإلسرائيلية" التي تم حشدها مؤخرا على طول الحدود مع الدول العربية، و أن حشد هذه القوات ينطوي على طابع خطير، خاصة وأن ذلك يتم في وقت واحد مع حملة دعائية في إسرائيل معادية

.لسورية( والستمرار "إسرائيل" في التمويه على قرارها في العدوان،

نقل سفيرها في واشنطن إلى دين راسك وزير الخارجية األميركي بأن لدى حكومته معلومات أكيدة مفادها بأن هجوما

أيار ، واتصلت الخارجية27ـ 26مصريا - سوريا سيقع ليلة األميركية بنظيرتها السوفييتية وتم اإليعاز إلى سفيريهما في

المتحدة بتسليم رسالتين إلى الرئيس عبد الناصر بعد منتصف تتضمنان مناشدة حكومتيهما ضبط النفس وعدم5 /27ـ26ليلة

بدء مصر بالعدوان، ومما ورد في الرسالة السوفييتية: )إن رئيس الوزراء كوسيغين ينصح الرئيس ناصر بعدم البدء بالهجوم، وأال

.يستمع إلى ضباطه الذين يحرضون على البدء به( ونتيجة لهذا التحرك الديبلوماسي السريع والمباشر للدولتين

العظميين توصلت القيادة السياسية في الـ ج.ع.م إلى قناعة بأن استعادتها لحق الـ ج.ع.م الشرعي في ممارسة سيادتها على

.المضائق ستسلك طريق الحل السياسي في هذه األجواء ومن خالل هذه المعلومات والتصريحات

التهديدية واألعمال العدوانية، اجتمع وزير الخارجية السوري يوم على عجل مع سفراء الدول الكبرى الطالعهم على5/ 13

نشطت االتصاالت بين ، كماالتهديدات "اإلسرائيلية" بغزو دمشق القطرين، على المستويين السياسي والعسكري، لتنسيق

الخطط العسكرية المواقف ومواجهة العدوان المرتقب ووضع المطلوبة، حسب اتفاقية الدفاع المشترك، لصد أي هجوم

صدقي محمودالفريق صهيوني، وضمن هذا التوجه كانت زيارة نيسان10المتحدة يومالجمهورية العربية في قائد السالح الجوي

، بعد الغارة الجوية اإلسرائيلية على مطار ضمير1967 ، وصدر بيان مشترك عقب الزيارة أعلن: )أن سوريةالعسكري

."والمتحدة تؤكدان تصميمهما على التصدي المشترك لـ"إسرائيل أن مصر لم1/5وأعلن الرئيس عبد الناصر في خطاب له يوم

بسبب أن7/4تتدخل في المعركة الجوية التي جرت يوم السوريين أبلغوه بعدم حاجتهم للتدخل من جهة، وألن مدى

.مقاتالت المتحدة ال يصل إلى األجواء السورية من جهة أخرى

325

الفريق محمد فوزي، قائد القوات المشتركة، حسبوكان لمناسبة انعقاد1967آذار 16في قد زار سورية ، االتفاقية

مجلس رؤساء أركان الجيش في سورية والمتحدة وفقا لنصوص اتفاقية الدفاع المشترك، وتم بحث بعض الخطط واألمور العسكرية المتعلقة بتنسيق العمل العسكري بين المتحدة

أيار، و بحث مع وزير14وكانت زيارته الثانية، يوم وسورية، األمور المتعلقة موضوع الحشود والدفاع ورئيس األركان

بالخطط العسكرية لمجابهة أي عدوان صهيوني مباغت بهدف إسقاط أو تحجيم المد القومي الذي تقوده األنظمة التقدمية

وبالتالي إظهار عجزها أمام شعوبها، ومحاصرة هذا المد الذي بدأت مالمحه تظهر في اغلب األقطار العربية، كما أن من أهداف

العدوان المرتقب، دفن فكرة حرب التحرير الشعبية والعمل الفدائي في مهده، إضافة إلى األحالم الصهيونية باحتالل أراض في المتحدة وسورية وفلسطين غير المحتلة، للمساومة عليها

بإخراج مصر من دائرةوبالتالي تنفيذ اإلستراتيجية الصهيونية الصراع العربي ـ الصهيوني، والسيطرة على مصادر المياه في

الجوالن، وضم القدس غير المحتلة والسيطرة على ما تبقى من.فلسطين

بعد العدوان الثالثي، وضع وزير خارجية كندا تصورا إليجاد قوات طوارئ دولية تابعة لألمم المتحدة لمراقبة االنسحاب البريطاني

– الفرنسي، ثم "اإلسرائيلي من األراضي المصرية، ونشرها على الحدود المصرية-"اإلسرائيلية" في قطاع غزة وشرم الشيخ

المطلة على مضائق تيران، وعلى السماح للسفن "اإلسرائيلية، .بعبور المضائق

أيار إغالق مضائق23أعلن الرئيس عبد الناصر، يوم تيران في وجه المالحة "اإلسرائيلية"، دون إطالع القيادة

السورية، أو التشاور معها لتنسيق الخطوات الالحقة، وبذلك انتقلت إدارة األزمة وقيادة المعركة إلى القاهرة،

ولمعرفة ما يجري وما يفكر به قادة الـ ج.ع.م، وما هو المطلوب من سورية للمشاركة في دعم ما تريده المتحدة،

وتنفيذ ما يقع عليها من مسؤوليات، قررت قيادة الحزب في اليوم نفسه، إرسال وفد سوري إلى القاهرة، ضم

رئيس الوزراء يوسف زعين ووزير الخارجية إبراهيم .ماخوس و رئيس األركان العامة اللواء أحمد سويداني

توالت االتصاالت وزيارات الوفود، وكان آخرها، قبل العدوان، الوفد الذي وصل من الـ ج.ع.م إلى سورية يوم

برئاسة السيد زكريا محيي الدين، نائب1967حزيران 1326

رئيس الـ ج.م.ع وأمين الهويدي وحسن صبري الخولي والفريق عبد المنعم رياض، واجتمع هذا الوفد بالقيادة

السورية السياسية والعسكرية، دعما للتنسيق على.المستويين السياسي والعسكري

ومما أورده أمين الهويدي، في كتابه )الفرص الضائعة( عن هذه الزيارة، ما نصه: )وقد حدث شيء غريب أثناء

زيارتنا سورية، فقد كان في استقبال الوفد في مطار المزة عبد الرحمن خليفاوي وزير الداخلية، وعبد الكريم الجندي

رئيس االستخبارات* وقد رافقت الجندي إلى قصر الضيافة في عربته أكد لي عدم وجود حشود إسرائيلية على جبهتهم

واستنكر إثارة الموقف بالطريقة التي تتم بها، وكان هذا تأييدا لمعلومات كان الفريق فوزي رئيس أركان حرب

القوات المسلحة قد عاد بها عند زيارته سورية في األيام األولى إلثارة األزمة، حيث تأكد من عدم وجود أي حشد

.عسكري على الحدود السورية اإلسرائيلية**( أيار، إلى دمشق رئيس25وفي خضم هذا التوتر، وصل يوم

أركان الجيش الجزائري العقيد طاهرــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لم يكن خليفاوي وزيرا، بل كان ضابطا عالي الرتبة في األركان السورية، وعبد * .الكريم الجندي كان عضوا في القيادة القطرية ورئيسا لمكتب األمن القومي فيها

وليس معنى هذا أن العدوان الصهيوني لم يكن مخططا له، بل القصد أين وكيف سيقع**العدوان

الزبيري، حامال إلى الرئيس األتاسي رسالة من الرئيس بو مدين، تضمنت: )أن معركة سورية هي معركة الجزائر، ونحن طرف فيها(، واجتمع خالل زيارته هذه مع كل من وزير الدفاع اللواء

.حافظ األسد ورئيس األركان اللواء أحمد سويداني وفد عسكري من العراق برئاسة العميد5 / 27كما وصل يوم

السورية على محمود عريم، إلطالع القيادة العسكرية االستعدادات العسكرية التي اتخذها العراق في مواجهة

.التهديدات العسكرية الصهيونية لسورية كان الملك حسين يتبادل المعلومات مع "إسرائيل" حول نشاط

الفدائيين في الضفة الغربية، وبأن سورية تدعم هذا النشاط، وعندما بدأت "إسرائيل" تهديداتها بغزو سورية، أدرك

الملك بان نشوب حرب في المنطقة سيكون نتيجتها احتالل .الضفة، ونتيجة كهذه قد تكلفه تاجه

327

وفي اجتماع وزير خارجية األردن أحمد طوقان مع السفير األميركي بيرنز قال: )تستطيع إسرائيل أن تهاجم أراضي المملكة

دون أن تعاقب، ونحن نواجه خطرا محتمال أكبر، أال وهو قيام مصر بتوجيه الضربة األولى، فإذا ما صد الهجوم سيجعل عبد

الناصر من األردن كبش فداء، وربما يتمرد الفلسطينيون، وربما يتمرد الجيش كذلك ويطيحون بالنظام ويضعون منظمة التحرير الفلسطينية مكانها، ومن ناحية أخرى، فإذا ما نجحت مصر فإن

.قواتها ستقطع النقب وتتابع تقدمها نحو عمان( هذا التخوف دفع بالملك حسين إلى أن يؤكد لألميركيين بعدم

وجود نوايا عدوانية عنده تجاه "إسرائيل" وأن يطمئنوها بهذا الشأن، وناشد الواليات المتحدة مرارا كي تصدر بيانا ال لبس فيه

يؤكد سالمة أراضي المملكة في حال نشوب حرب، ولكن محاوالته ذهبت عبثا ألن مثل هذا التأكيد يتناقض مع الجائزة التي

.وعد رابين بالحصول عليها من الحرب أيار بشكل طارئ مع الوزراء وهيئة أركان22اجتمع الملك يوم

الجيش، وأبلغهم بأن المملكة ستنأى بنفسها إذا وقعت الحرب بين سورية و"إسرائيل"، أما إذا تورطت مصر فيها فإنه سيشارك

رمزيا وبصورة غير مباشرة، ويكون ذلك بإرسال بعض الوحدات.العسكرية إلى سيناء

أيار، رغبته28أبلغ الملك حسين سفير مصر في األردن يوم بزيارة القاهرة فورا، وعاد السفير بعد اتصاله مع وزير الخارجية،

لينقل إلى الملك موافقة بلده على الزيارة في حال وعد منه: )بمقاومة أية محاولة "إسرائيلية" لمهاجمة سورية من األردن،

وسماحه للقوات العراقية التمركز في الضفة، واعترافه بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل لشعب فلسطين(، ولما وافق الملك

عنها توقيع أيار إلى القاهرة ونجم 30على ذلك، كانت زيارته يوم اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين، وهذه الزيارة وإن لم تكن لغزا

للقيادة السورية كما كانت للرئيس أبو مدين، لكنها أدهشت القيادة السورية وأثارت قلقها، ولم يكتف ملك األردن بذلك، بل أصر على اصطحاب الفريق عبد المنعم رياض معه إلى عمان ليكون قائدا للجبهة األردنية، كما اصطحب معه أحمد الشقيري

.أيضا ومنهذه الزيارة المثيرة للجدل،وأراد الملك حسين من

توقيعه على اتفاقية الدفاع المشترك، أن يظهر أمام الشعب في المملكة وأكثريته من جذور فلسطينية، بأنه إلى جانب القوى

.العربية المعادية للصهيونية

328

لم يكن في حسابات السياسية األردنية، حسب رأي الفريق عبد المنعم رياض، أن تشارك في يوم من األيام في معارك ضد الكيان الصهيوني، ولكن األردن كان يستفيد من اشتراكه بالعمل

العربي لما يدره عليه من منافع خاصة، وكانت أول خطوات الملك بعد عودته إلى عمان، أن أصدر تعليماته بنقل طائرات الـ

"ستار فايتر" األميركية من المطارات األردنية إلى القاعدة .األميركية في تركيا عبر بيروت وقبرص

وجرى تحرك باتجاه الدول األجنبية الصديقة إلطالعها على وجهة النظر العربية في األحداث الجارية، ولهذا الغرض سافر وفد سوري رفيع المستوى برئاسة األمين العام للحزب رئيس

أيار إلى االتحاد السوفييتي، ونتيجة المباحثات29الدولة بتاريخ مع القادة السوفييت، أعلن االتحاد السوفييتي دعمه لموقف

.سورية إلى أبعد الحدود وكان الرئيس عبد الناصر، بالتشاور مع المشير عامر، قد أرسل

أيار وفدا برئاسة وزير الحربية شمس25إلى موسكو بتاريخ بدران لحث القادة السوفييت على تلبية طلب المتحدة المتعلق بتزويدها بالسالح، وكذلك معرفة الموقف السوفييتي من األزمة

القائمة، وتم إبالغه بنوايا االتحاد السوفييتي في مساعدة الشعوب العربية، وادعى بدران في مذكرة قدمها بعد عودته، إلى

الرئيس عبد الناصر، بأن وزير الدفاع المارشال غريشكو قد أبلغه، وهو يودعه أمام سلم الطائرة: )أريد أن أؤكد لكم أنه إذا حدث شيء واحتجتم لنا فمجرد إرسال إشارة نحضر لكم فورا في بور سعيد أو في أي مكان(. وقد حصل بعد انتهاء الحرب،

.لغط وشكوك حول مصداقية شمس بدران في نقل هذا التأكيدحزيران،2وقام وزير الخارجية الدكتور إبراهيم ماخوس يوم

بزيارة إلى باريس سلم خاللها إلى الرئيس ديغول رسالة من الرئيس األتاسي تتناول األوضاع في المنطقة، والمخططات

األنكلو أميركية ـ الصهيونية التي تحضر لعدوان واسع على الشعب العربي، وأبلغ الرئيس الفرنسي وزير الخارجية أن فرنسا

ليست طرفا مع أي من الدول المعنية، وأن الدولة التي تبدأ.باللجوء إلى السالح لن تحصل على تأييد فرنسا

انتقل وزير الخارجية بعدها، إلى الجزائر الستعراض األوضاع المستجدة مع الرئيس بو مدين الذي أعلن استعداد بالده لوضع.جميع إمكانياتها لخوض المعركة الكبرى ضد العدوان الصهيوني

أيار السفير28وكان وزير الخارجية، قبل ذلك، قد استقبل في األميركي الذي نقل إليه وجهة نظر حكومة الواليات المتحدة

:حول الوضع الراهن في المنطقة وملخصها

329

أن حدة التوتر ارتفعت في المدة األخيرة بين البالد العربية و -إسرائيل" ".

أن الحكومة األميركية ال تعتقد بوجود نوايا الرتكاب العدوان من -."قبل "إسرائيل

أن الحكومة األميركية تشعر بالقلق الخاص مما أسمته بأعمال - "اإلرهاب"، أي العمل الفدائي الفلسطيني، وتعتبره مغايرا

.التفاقية الهدنة أن الحكومة األميركية قلقة من انسحاب قوات الطوارىء -

الدولية وتعتبره عمال غير مشروع وتعمل على إعادة وجود األمم المتحدة على خط الهدنة بين الـ ج.ع.م و "إسرائيل" بأية صورة

.من الصور أن الحكومة األميركية تعتقد بأن حشد القوات يزيد من حدة -

.التوتر أن الحكومة األميركية تتمسك بحرية المرور في خليج العقبة -

أمام السفن "اإلسرائيلية" وجميع الدول األخرى وتعلن أن تدخل.الـ ج.ع.م ضد المالحة "اإلسرائيلية" يؤدي إلى أوخم العواقب

أن الحكومة األميركية تؤكد عزمها على التدخل والمقاومة - الشديدة لكل اعتداء في المنطقة بأي شكل، علني أو خفي،

.تقوم به مجموعات نظامية عسكرية أو غير نظامية ويبدو من وجهة النظر هذه، أن ما تدعوه أميركا اعتداء، ينطبق

على ما يقوم به الجانب العربي فقط، وال ينطبق ذلك على ما قامت وتقوم به "إسرائيل" بدءا من اغتصاب األرض إلى

.اعتداءاتها المستمرة على الدول العربية وأبلغه الدكتور إبراهيم ماخوس وجهة نظر الجمهورية

:العربية السورية، وهي إن حكومة الـ ج .ع .س تؤكد بأن حكومة الواليات المتحدة)

األميركية ليس لها ما يميزها عن غيرها من الدول األعضاء حسب ميثاق األمم المتحدة وال تملك حق التدخل في شؤون المنطقة أو

.فرض وصايتها عليها أشارت المذكرة الشفهية األميركية إلى أن التوتر قد ارتفع مرة

أخرى على خطوط الهدنة بين البالد العربية و "إسرائيل" في خالل األيام الماضية، ولكن الواقع أن هذا التوتر لم يرتفع خالل

األيام األخيرة فقط، وإنما الزم المنطقة العربية منذ فرض االحتالل "اإلسرائيلي" الذي قام على غزو جزء من الوطن

العربي بالقوة وتشريد المواطنين الفلسطينيين العرب، والذي يعتبر المصدر الدائم للتهديد والفوضى والخطر المباشر على

.األمن والسالم في هذا الجزء من العالم330

وإن وزارة الخارجية للجمهورية العربية السورية تؤكد نية العدوان لدى "إسرائيل" ألن مواقفها السابقة منذ االحتالل

حتى يومنا هذا شكل سلسلة من أعمال1948الصهيوني عام العدوان التي أدانها مجلس األمن أكثر من مرة واعتبرها تهديدا

خطيرا للسلم واألمن الدوليين، وأما القول بأنه ال توجد لدى "إسرائيل" نية للعدوان وأن حشودها ذات هدف دفاعي فتنفيه

التصريحات العدوانية الهجومية الوقحة التي صدرت عن مسؤولين باألرض المحتلة وجميع الظروف الموضوعية التي

.رافقت ذلك إن حوادث العدوان الخطيرة التي ارتكبتها "إسرائيل" ضد البالد

العربية قد أصبحت معروفة للعالم أجمع، وال يمكن تجاهل أن العدوان الثالثي على مصر الذي كانت "إسرائيل" أداته المجرمة

العميلة، كان سيجر العالم إلى حرب ثالثة، كما أن االعتداءات الغادرة التي اقترفتها "إسرائيل" ضد سورية خالل األعوام الثالثة األخيرة بشكل خاص، والتي استخدمت فيها الطيران على نطاق

واسع وألقت خاللها قنابل النابالم المحرقة مستهدفة المدنيين والمشاريع اإلنمائية المدنية، دليل قاطع على أن نية العدوان لدى

"إسرائيل" مستمرة، وكان آخر هذه األعمال العدوانية ما حدث/ نيسان الماضي، ثم تهديد الناطقين الرسميين الصهاينة7يوم

.المبتذل باحتالل دمشق وإسقاط نظام الحكم الثوري فيها إن حكومة الـ ج.ع.س لجأت أكثر من مناسبة إلى مجلس األمن الدولي لوضع حد لهذه السياسية العدوانية وإدانة إسرائيل، فكان موقف الواليات المتحدة المنحاز باستمرار لـ "إسرائيل" هو تبرير

اعتداءاتها وحمايتها، مما شجعها على المضي في هذه السياسة الخطيرة، وأن تصريحات أشكول األخيرة والمتكررة حول وضع

األسطول األميركي السادس تحت تصرف السلطة "اإلسرائيلية" لحماية عدوانها دون صدور أي تكذيب من السلطات األميركية لهذه التصريحات برهان قاطع على أن إسرائيل مطمئنة تماما

.إلى مساندة الحكومة األميركية لها في سياستها العدوانية إن التعبئة الشعبية والعسكرية الكاملة التي نفذت في كل من الـ ج.ع.س والـ ج.ع.م تنفيذا التفاقية الدفاع المشترك والتزاما بالمصير القومي الواحد كانت أمرا حتميا تفرضه ظروف الدفاع

للوقوف في وجه التهديد بالعدوان التي تجلت في الحشود "اإلسرائيلية" الضخمة على حدود القطر العربي السوري والتي

ما كانت لتتم لوال تشجيع اإلمبريالية الدولية، وأن هذه التعبئة الشعبية في القطرين والتي التفت حولها جماهير الشعب العربي

وحكوماته التقدمية نابعة من تصميم الشعب العربي على الرد331

على العدوان، وأن إجراءات الدفاع هذه هي حق مشروع كفله ميثاق األمم المتحدة والقوانين الدولية بممارسة كل دولة تحترم

.نفسها لحماية شعبها من الخطر أما ما وصفته المذكرة الشفهية بأعمال اإلرهاب المستمرة

التي تجري ضد "إسرائيل"، فإن حكومة الـ ج.ع.س تؤكد ما سبق وأعلنته أكثر من مرة بأنها ليست مسؤولة عما يقوم به الشعب

العربي الفلسطيني المشرد، الذي يناضل في سبيل استرداد حقوقه وتقرير مصيره الذي كفله اإلعالن العالمي لحقوق

عاما من19اإلنسان وميثاق األمم المتحدة وقراراتها بعد انتظار حلول النكبة وبعد وقوف بعض الدول الكبرى وبصورة خاصة

.أميركا في المنظمة الدولية دون إيصاله إلى هذه الحقوق والواقع أن هذا الشعب ال يزال ضحية عدوان صارخ مستمر،

وأن ما يقوم به من أعمال تستمد شرعيتها من حقه في الحياة الحرة الكريمة في وطنه كغيره من شعوب العالم، ومن تطلعه

إلى التخلص من المأساة التي أنزلت به والتي لم يسبق لها مثيل.في التاريخ

وإننا نؤكد بإصرار على الفارق الكبير بين نضال هذا الشعب من أجل التحرير وتقرير المصير وهو أمر ال يمكن أن يسمى إرهابا أو

عدوانا، وبين العدو الغاصب المعتدي الذي احتل أرضه وشرده من وطنه، بينما ترتفع األصوات في أميركا وبعض الدول الغربية

محاولة تشويه الصورة حيث تساوي بين المعتدي والمعتدى عليه، وتخلق المبررات الدائمة ليستمر المعتدي في عدوانه، في حين

تجد في كل خطوة يخطوها الشعب العربي الفلسطيني.المضطهد مادة للتشهير والتهويل والتهديد بالغزو

وإن هذا الشعب الذي كان وال يزال له كيانه الخاص قبل االحتالل وبعده والذي ال يزال في حالة حرب مع العدو المحتل، ليس طرفا في اتفاقيات الهدنة وال يقبل الوصاية عليه من أية

جهة كانت، وبالتالي فإن أحكام هذه االتفاقيات ال تنطبق عليه وال .تقيده بشيء

ونود أن نتساءل بهذه المناسبة ماذا يكون موقف أية والية أميركية مثال، لو فوجئ سكانها بالطرد والتشرد ليحل محلهم

شعب غريب آخر، هل يعتبر نضالهم للعودة إلى وطنهم إرهابا وعدوانا ضد الشعب الغريب المحتل؟ ولماذا ال يتجلى كرم

الواليات المتحدة األميركية وعطفها على اليهود بإعطائهم والية نيويورك مثال بدال من دعم االحتالل الصهيوني في فلسطين وعلى

حساب الشعب العربي الذي شرد من وطنه األصلي؟

332

أما ما أشارت إليه المذكرة من قلق حكومة الواليات المتحدة األميركية من أن يؤدي انسحاب قوات الطوارئ الدولية إلى جعل

مشكلة المحافظة على السالم أكثر صعوبة، فان حكومة الـ ج.ع.س تؤكد حق الـ ج.ع.م المطلق في سحب موافقتها على

بقاء هذه القوات حين تشاء، وأن األمين العام لألمم المتحدة قد التزم بهذا الحق القانوني الواضح في استجابته الحكيمة لطلب الـ ج.ع.م الذي جاء منسجما مع مصلحة الشعب العربي ورحب

به بحرارة، والذي سيقاوم جميع المحاوالت التي تبذل إلعادة هذه القوات بشكل أو بآخر، ألن أية محاولة من هذا النوع تعتبر خرقا لسيادة الـ ج.ع.م وتحويال لمهمة هذه القوات إلى صفة االحتالل،

.األمر الذي نرفضه وبحزم إن حكومة الـ ج.ع.م قد مارست حقها المشروع في إعادة

سيطرتها على خليج العقبة الذي يعتبر خليجا مغلقا من الناحيتين التاريخية والدولية ومياهه مياها إقليمية عربية، أما وصف

ممارسة الـ ج.ع.م لسيادتها على هذا الخليج بأنه تدخل في شؤون المالحة الدولية فهو محاولة مكشوفة لخلق مبررات

للعدوان وتضليل الرأي العام الدولي عن حقيقة الموضوع، ألن هذه الممارسة لم تخرج عن كونها إزالة ألثر من آثار الغزو

والذي أدانته األمم المتحدة، وعودة إلى1956الثالثي عام الوضع الطبيعي السابق الذي كان معموال به قبل العدوان، وأية

محاولة إلعطاء هذا العدوان الثالثي صفة االستمرار واألمر الواقع والحق الدولي في المالحة أمر مرفوض وعودة لتأكيد ذلك

العدوان وتثبيته، األمر الذي نقاومه بشدة مع جماهير الشعب.العربي في كل مكان

إن السالم الذي نحرص عليه ونكافح من أجله هو السالم القائم على العدل واسترداد حق الشعب العربي في أرضه وحريته

المطلقة في التخلص من جميع آثار التجزئة والتخلف ومختلف .صور االستعمار القديم والجديد في الوطن العربي

إن السالم بالنسبة للشعب العربي هو المناخ الطبيعي لكي يبني حياته الجديدة ولكنه ال يمكن أن يتم والعدوان مستمر في الوطن

العربي، وإذا كانت الواليات المتحدة جادة في الحرص على السالم فيجب أن تتخلى عن انحيازها الواضح الدائم لالحتالل

"اإلسرائيلي" والعدوان الذي يتعرض له الشعب العربي من قبل "إسرائيل"، وأن تمتنع عن حماية هذه القاعدة وتزويدها بالسالح

وأسباب القوة األخرى التي تزيد من طاقتها العدوانية وتهديدها.للسلم واألمن في المنطقة

333

وختاما، فإننا نكرر ما سبق وأعلنه المسؤولون مرارا برفض وصاية الواليات المتحدة أو أية دولة أخرى على الوطن العربي

وعلى نضال الشعوب التحرري وحقها المطلق في تقرير مصيرها وبناء مجتمعها كما تشاء، وأن احترام هذه القاعدة األساسية في العالقات الدولية هو الطريق الطبيعي لحماية األمن والسالم في

.(العالم لم تكن ال سورية وال المتحدة ترغبان في خوض حرب لم

تستكمال استعدادهما لها، ولهذا فان تحرك جيش المتحدة نحوأيار، كان في وضح النهار ومر في القاهرة، وعلى14سيناء يوم

مرأى من السفارات ووسائل اإلعالم بهدف ردع العدوان اإلسرائيلي قبل وقوعه، ولقد صرح أحد موظفي السفارة

األمريكية إلى الصحافي أريك رولو، الذي كان في تلك الفترة متواجدا في القاهرة: )من البديهي أن ناصر كان يريد أن يوهمنا

أنه مصمم على الدفاع عن سورية مهما غال الثمن، كان يوجه إلينا نوعا من اإلنذار وكان يعتقد أن من شأن ذلك أن يحملنا على

.ممارسة الضغط على إسرائيل إلنقاذ نظام دمشق( لما بلغ جيش المتحدة الحدود مع فلسطين المحتلة، طلبت

أيار ، من قائد قوات األمم16رئاسة األركان في المتحدة يوم المتحدة الجنرال ريكيه إبعاد رجاله عن الحدود، مؤقتا، وتجميعها

في قطاع غزة إلى أن تنتهي األزمة، ولم تطلب حكومة المتحدة هذا األمر من األمين العام لألمم المتحدة أوثانت، حتى ال يتخذ

الطلب الصفة الرسمية التي ال رجوع عنها، لذلك لم تكن القضية إجالء "الخوذ الزرقاء" عن المتحدة، وكان جواب الجنرال ريكيه: أنا ال أتلقى األوامر منك، كما أنني لست المخول باتخاذ مثل هذا

القرار. ونتيجة ذلك طلبت حكومة المتحدة من السيد أوثانت سحب "الخوذ الزرقاء" من الحدود دون اإلشارة إلى سحبها من

شرم الشيخ، حتى ال تزداد األجواء توترا، وتبقى في حدود الضغط.كي ال ينفذ العدوان

كان جواب السيد أوثانت موجزا: )ال أستطيع الموافقة على طلبكم ألن دوري هو صيانة السلم، فإذا كنتم تصرون على سحب

القوات الدولية المرابطة على الحدود يجب أن تتقدموا بطلب.سحب كل القوات الدولية عن أراضيكم(

لقد وضع أوثانت العربية المتحدة في وضع ال يمكنها فيه إال أن إلى شرم5/ 22توافق على طلبه، ووصلت قوات المتحدة يوم

.الشيخ واحتلت مواقعها على خليج العقبة وهنا يثار سؤال مهم وخطير حول الدور الذي لعبه السيد أوثانت لتهيئة العوامل للعدوان "اإلسرائيلي" ومدى تنسيقه ذلك األمر مع

334

إدارة جونسون، ألن واجبه كأمين عام لألمم المتحدة هو صيانة السلم وهذا يتطلب منه أن يحاول كسب الوقت ليستشير الدول

الكبرى أو مجلس األمن، بدال من إحراج المتحدة والموافقة الفورية على طلبها بسحب كل القوات الدولية من أراضيها، وهناك رأي آخر يقول بأن الدافع لقرار أوثانت هو رغبته في

.إحراج الواليات المتحدة ودفعها للخروج من فيتنام21على ضوء هذه التطورات اجتمع الرئيس عبد الناصر ليل

أيار مع كبار قادة الجيش، وأبلغهم بأنه إذا كان طرد قوات% فإن إغالق20الطوارئ الدولية زاد فرصة نشوب الحرب

50المضائق سوف يرفع ذلك االحتمال إلى أكثر من %. وبعد االتصاالت المكثفة بين المتحدة وسورية أعلن البلدان عن حالة االستنفار لقواتهما المسلحة. وفي اليوم نفسه أعلن أوثانت

في مجلس األمن أنه أمر بانسحاب قوات المراقبة الدولية وأن الخطر في الشرق األوسط هو أشد من أي وقت مضى منذ

1956نشوب أزمة .18تجاه هذا التطور المفاجئ، أوفدت القيادة السورية يوم أيار، وزير الخارجية إلى القاهرة واجتمع هناك مع الرئيس عبد

الناصر لمعرفة نوايا المتحدة بعد قرارها بسحب القوات الدولية، وأبعاد هذا القرار، كما نقل إلى الرئيس وجهة النظر السورية

.بضرورة التهدئة كان الرئيس عبد الناصر يعرف أن إغالق مضائق تيران ومنع

السفن وشمل هذا المنع ،هاعبور سفن الكيان الصهيوني من التي تحمل عتادا عسكريا والتابعة لجنسيات أخرى أو موادا

- وكان الرئيس ناصر قلقا من تدفقإلى هذا الكيانإستراتيجية ستعتبرهالبترول اإليراني عبر الخليج إلى مفاعل ديمونة-

الغريبت"إسرائيل" إعالنا للحرب، غير أن قرار السيد أوثانالعربيةساهم في دفع والمتسرع وغير المفهوم، والمريب،

المتحدة التخاذ هذا القرار، يضاف إلى هذا أن الواليات المتحدة بضمان حرية المرور في مضيق1956كانت قد تعهدت عام

تيران، وتعهد وزير خارجية أميركا داالس "إلسرائيل" أن بالده ستعتبر أية محاولة مصرية إلعادة فرض الحصار على مضائق

تيران عمال حربيا يحق "إلسرائيل" أن ترد عليه دفاعا عن النفس. بينماكان وعد همرشولد للرئيس عبد الناصر، أن يكون لمصر

.الحق في طلب إخراج قوات الطوارئ كانت القاهرة تعرف هذا كله، وكانت تعرف أن الموضوع يتعلق

ولكن انطالقا من األمر الواقع، وبفضل الضغوطبأمور جدية، الدولية، كان األمل في إيجاد تسوية تحفظ للعربية المتحدة

335

حقوقها وتبعد شبح العدوان المخطط له من قبل إدارة جونسون واألركان "اإلسرائيلية"، هذا العدوان الذي يستهدف النظامين في القاهرة ودمشق، ورغم األمل الضعيف بأنه من الممكن تحاشي العدوان بالتأثير على الواليات المتحدة وبريطانيا اللتين تدعمان

"إسرائيل" أعلن الرئيس ناصر أن المتحدة ستغلق قناة السويس أمام سفن الدول التي تساعد "إسرائيل"، مما سيؤدي إلى قطع

.إمدادات البترول عنها لقد تحقق لجنراالت الجيش في "إسرائيل" ما خططوا له بجر

جيش الـ ج .ع .م إلى المعركة، ولقد قال دايان لرابين، فيما بعد: )إن األركان اقترفت خطأ خطيرا بإضعافها مركز ناصر تجاه

العالم العربي، إن المستوى الذي وضعنا األعمال الثأرية التي مارسناها ضد سورية واألردن لم يترك للرئيس من خيار سوى

الدفاع عن هيبته سواء داخل بالده أم إزاء البلدان العربية األخرى مما تمخض عن تصعيد شبه محتوم(، وكان دايان مقتنعا من جهة أخرى بأن ناصر لن يلبث أن يتخذ إجراءات أخرى ال رجعة فيها، كإغالق مضائق تيران، وبأن "إسرائيل" لن يكون لها عندئذ من

.خيار سوى الرد على التحديات فور تحرك بعض وحدات جيش المتحدة باتجاه سيناء، وفور إعالن المتحدة إغالق مضائق تيران، وفور قرار قيادة الجيش السوري بتعزيز مواقع قواتها وبحظر مراقبي خطوط الهدنة وبقية األجانب من التوجه إلى مدينة القنيطرة، طالب رابين

بتعبئة احتياط الجيش، ويقول في مذكراته: )ولئن رأيت نفسي ذات يوم ملوما ألني طالبت باكرا جدا بتعبئة االحتياط، موشكا

بذلك أن أجعل وضع البالد االقتصادي في خطر(، واستغل رابين وجنراالت الجيش هذه التعبئة المبكرة للضغط على الحكومة

."اإلسرائيلية" إلقرار بدء العدوان قاد رابين حملة التحريض لإلسراع في بدء الهجوم واعتبر أن حرية "إسرائيل" في المالحة ليست وحدها في خطر، بل أيضا،

إن عزمها وقابلية تصديقها وقدرتها على ممارسة حقوقها في.الدفاع المشروع هي كلها اليوم على المحك

5 / 23وأقرت اللجنة الوزارية "اإلسرائيلية" المصغرة في يوم :قرارا يمكن تلخيص نقاطه األساسية بـ

تنظر اللجنة الوزارية إلى إغالق مضائق تيران كعمل عدواني - 1 ."موجه إلى "إسرائيل

48تأجيل القرار المتعلق بطبيعة الرد على هذا العدوان - 2 .ساعة

336

لم يلق هذا القرار ارتياحا عند الجنراالت، وقال رابين في رده على وزير الداخلية "شابيرا " من الحزب الوطني المتدين: )إن ناصر قد تحدانا تحديا خطيرا، فإذا لم نرد على تحديه فان قدرة

قواتنا على الرد ستنعدم وتكون "إسرائيل" قد تحملت إهانة جسيمة ... إننا سنقاتل للحفاظ على حق حرية المالحة، لقد هدد

ناصر اقتصاد "إسرائيل"، ولن يلبث جيشه أن يهدد وجودنا بالذات، ال ينفك العرب بتقوية أنفسهم مع استمرارهم في

.مضايقتنا مضايقة مذلة( ولتفنيد حجته، أجابه شابيرا: )عليك أن تقدم إيضاحات، لقد

، أيضا، فهل1951 وفي عام 1950أغلقت المضائق في عام اندفعت "إسرائيل" إلى الحرب؟ هذه المضائق نفسها بقيت

فهل عرض ذلك أمن "إسرائيل" للخطر؟1956مغلقة حتى عام وحتى عندما راح المصريون يساندون علنا هجمات الفدائيين لم

.يشن بن غوريون الحرب( لقد نقل آبا إيبان جواب وزير خارجية أميركا دين راسك

وملخصه: )إن الواليات المتحدة ال تملك أية معلومات تجيز لها االعتقاد بأن المصريين يستعدون ألعمال هجومية، وإذا قررت

"إسرائيل" أن تأخذ زمام المبادرة في القيام بعمليات فإن الواليات المتحدة ستصطدم بأعظم الصعوبات لمساعدتها، حتى

.على الصعيد السياسي الصرف ولكن الجنراالت، وخاصة رابين، وايزمن، ياريف، بارليف،

آميت، استمروا في بداية الثلث األخير من أيار، في ضغوطهم على السياسيين، وبالذات على رئيس الوزراء ووزير الدفاع

أشكول، وعلى وزير الخارجية إيبان، وكانوا يوهمونهم بأن العالم العربي يستعد لشن حرب شاملة ضدنا، وأن وقت المناقشات

السياسية قد مضى، وكرر الحنرال ياريف قوله: )بأننا إذا لم نشن أيار فإن المصريين سيكونون قادرين على26هجومنا في يوم

الهجوم وسيكون وضعنا حرجا جدا آنذاك(. ولتأكيد وجهة نظرهم، سربوا معلومات، نقلتها حكومتهم إلى اإلدارة األميركية بأن الـ

. أيار27ج .ع .م وال ج .ع .س ستبدآن هجومهما ليلة أشكول مع الجنراالت، وقدم أمين عام وزارة5/ 27اجتمع يوم

الخارجية تقريرا عن محادثات جونسون ـ إيبان، كما علق على مذكرة عنيفة جدا وصلته من رئيس وزراء االتحاد السوفييتي

كوسيغين، ورسالة قاسية من الجنرال ديغول تحذران "إسرائيل" من أية محاولة للقيام بهجوم وقائي، ولكن رابين، عاد وأكد في

هذا االجتماع: )إذا لم نرد على العدوان المصري، فإن أمن بالدنا.سيتعرض إلى خطر جسيم والزمن يعمل ضدنا(

337

، دون علم رئيس5 / 28بعث الجنراالت في صباح يوم الوزراء، رئيس الموساد الجنرال "مائير آميت" إلى واشنطن،

الستطالع حقيقة الرأي من جيمس آنجلتون وإجالء المالبسات، من جهة، وإلبالغ مكتب األمن القومي والسي .آي .إيه بأن الوقت المناسب إلطالق العنان "إلسرائيل" هو هذه الساعة وليست أية

.ساعة أخرى من أشكول أن يأتي بشخصه،5 / 28طلب رابين مساء األحد ليواجه الجنراالت الذين هاجموه يشكل منظم، واتهموا الحكومة

بالعجز، وبأن السياسيين متمسكون باألوهام وباقون على اعتقادهم بإمكان تجنب الحرب، وحين حاول أشكول أن يحتج،

قام وايزمن بحركة مسرحية ألهبت مشاعر زمالئه، لقد هب واقفا من مقعده وخلع وساما كان معلقا على سترته العسكرية وألقاه

على مكتب أشكول قائال: )ال يعتقد أنه أو غيره يحق لهم االحتفاظ بأي وسام إذا كان العجز عن العمل هو ردهم على

الخطر(. وتدخل رابين فقال: ) إنه ال يستطيع أن يضمن السيطرة على القوات إذا ما تأخر صدور األمر لهم ببدء القتال، وهو يضع

هذه الحقيقة كرئيس ألركان الحرب أمام السلطة السياسية لكي .تأخذها في اعتبارها وهي تتخذ قرارها النهائي(

تحقق للجنراالت ما أرادوه من حكومتهم، وبحسب عبارات 6/ 1برقية الوزير المفوض "إلسرائيل" في واشنطن يوم نقال

عن والتر روستو رئيس مكتب األمن القومي في البيت األبيض، اعتبرها العسكريون الصهاينة بأنه ليس عليهم أن ينتظروا شيئا

.من الواليات المتحدة كان البد من تغطية تواطؤ األمين العام لألمم المتحدة وتواطؤ

الواليات المتحدة الفاضحين، بالتظاهر بالقيام بتحرك دبلوماسي، رغم ضغط العسكريين "اإلسرائيليين" على حكومتهم بضرورة المباشرة بالعدوان دون تأجيل، فقد وافق الرئيس عبد الناصر

أيار والتي يطلب فيها مقابلته،22فورا على برقية أوثانت يوم أمال من الرئيس أن يصل إلى حل مشرف، وفي القاهرة تم

تفاهم سري لم يصل إلى درجة اتفاق على األسس، بل اقتصر على التدابير التي يجب أن تتخذ للتهدئة، وكانت أبرز نقاط

:التفاهم أن يمتنع الطرفان المعنيان عن كل إجراء من شأنه زيادة -

.التوتر أن يقبل الرئيس عبد الناصر بتسمية أوثانت ممثال خاصا يكلف--

بالتنقل بين القاهرة و تل أبيب إليجاد مجال للتفاهم حول الخالفعلى مضائق تيران.

338

- أن يوجه أوثانت نداء إلى جميع الدول البحرية لتمتنع عن شحن المواد اإلستراتيجية عن طريق إيالت، وأن يتم الشحن عن

، بانتظار إيجاد تسوية. 1956طريق حيفا، كما كان األمر قبل لجأ الرئيس جونسون، قبل أن يطلق يد جنراالت إسرائيل في

بدء عدوانهم، وفي الوقت الذي كان مائير آميت في واشنطن يرتب ذلك األمر، إلى التظاهر بأنه يريد الوصول إلى حل سياسي

لألزمة، لكي يوهم الرأي العام األمريكي وأعضاء الكونغرس والرأي العام الدولي بأنه يبذل كل جهد ممكن، كما يريد أن يصل إلى إضعاف مناورة االتحاد السوفييتي وتحييده. ولكي يوهم قادة

حزيران إلى القاهرة1الـ ج.ع.م في صدق جهوده أوفد في ممثله الشخصي شارل يوست، في زيارة سرية دامت حتى يوم

حزيران، اجتمع خاللها مع وزير الخارجية محمود رياض، وتم3:بينهما اتفاق مبدئي على نقاط ثالث

.أن تستمر الجهود الدبلوماسية لحل المشكالت حال سلميا - .أن يحال الخالف على تيران إلى المحكمة الدولية في الهاي -

5أن يقوم نائب رئيس الجمهورية زكريا محي الدين يوم - حزيران، بزيارة إلى الواليات المتحدة للتفاوض حول إيجاد تسوية

.يقبل بها الطرفان وإمعانا في التمويه، أكد يوست للمتحدة بأن "إسرائيل" لن

تهاجم مادامت الجهود الديبلوماسية قائمة، وهو المطلع على أن الحكومة "اإلسرائيلية" كانت تؤكد بأنها قد حصلت على حق

، ولن تسمح للـ1956المرور في مضائق تيران بعد معركة سيناء .ج .ع .م بأن تطرح على بساط البحث مرة ثانية ثمن انتصارها

أيار، أكد28وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده يوم األحد الرئيس ناصر في رده على الواليات المتحدة وبريطانيا اللتين

كانتا تتظاهران بأنهما تسعيان إلى تشكيل قوة بحرية لفرض ما :أطلقتا عليه حرية المالحة في خليج العقبة قال

إن قرار منع السفن التي ترفع العلم "اإلسرائيلي" وسفن - البلدان األخرى التي تحمل "إلسرائيل" موادا إستراتيجية من

.المرور في خليج العقبة، هو قرار ال عودة فيه إذا تدخلت الواليات المتحدة فسنقاومها بكل قوة، ولتكن هناك -

.قناة سويس ثانية ال نقبل بوصاية الدول الكبرى ولن تستطيع قوة مهما بلغ -

.جبروتها أن تمس حقوق سيادتنا حقوق شعب فلسطين يجب أن تعاد إليه وال نقبل بالتعايش مع -

.""إسرائيل

339

إذا تحرشت "إسرائيل" بسورية أو أي بلد عربي آخر فسنرد - .بقوة وإذا أرادت الحرب فنحن مستعدون لها

كما أكد الرئيس ناصر: )بأننا لن نكون أول من يضرب، فنحن ال نريد الحرب، أما إذا كنا ضحية العدوان فسيكون في ذلك تدمير

دولة "إسرائيل"(، وقدم الرئيس اقتراحين ملموسين كان من :شأنهما أن يمهدا الطريق أمام إعادة األمور إلى وضعها المألوف أن تستأنف لجنة الهدنة المصرية – "اإلسرائيلية" نشاطها في – 1

.الحال أن يجري بحث إجمالي للمشكلة الفلسطينية والتفاوض عن – 2

.طريق دولة وسيطة حول جميع المشكالت المعلقة وأكد الرئيس في هذا المؤتمر بأن الخصومة على تيران هي

مظهر ثانوي للنزاع العربي -"اإلسرائيلي" لكن الحكومة "اإلسرائيلية"المصممة على العدوان لم تتعاط مع أي من

االقتراحين، كما أن الصحافة "اإلسرائيلية"لم تذكر من."التصريحات سوى ما تعلق منها بتدمير دولة "إسرائيل

كما صدرت في القاهرة تصريحات عديدة مفادها: )إذا تعهد "اإلسرائيليون" علنا بعدم مهاجمة سورية فنحن مستعدون من

.جانبنا لسحب جيوشنا من الحدود( أوضح الرئيس عبد29/5وفي خطابه أمام مجلس األمة يوم

الناصر، استعداد العرب لمواجهة "إسرائيل" واستعادة حقوق شعب فلسطين كاملة، وأن االتحاد السوفييتي يقف مع العرب

ولن يسمح ألي قوى خارجية بالتدخل، وقال: )إننا سنقرر الوقت وسنقرر المكان ولن نتركهم يقررون الوقت والمكان، علينا أن

نستعد لننتصر ... وقد تمت هذه االستعدادات، ونحن على.استعداد لمواجهة إسرائيل(

وفي سورية، كان وزير الدفاع اللواء حافظ األسد قد صرح يوم أيار عن استعداد الجيش السوري، وذكر أن القوات أصبحت20

.مستعدة ليس لرد العدوان فقط وإنما لنسف الوجود الصهيوني

بداية العدوان قبل أسبوعين من بدء العدوان، بدأت مخابرات القوى الجوية "اإلسرائيلية" تراقب عن كثب حركات الطيارين في المتحدة،

وأفادت التقارير: ) أنهم يقلعون عند الفجر لالستطالع ويبقون في الجو نحو ساعة، ثم يعودون إلى قواعدهم ويذهبون لتناول طعام

صباحا ال شيء يتحرك على8 و 7الصباح، فبين الساعة د. هي بالنسبة لنا الساعة45 و7مهابطهم، لذا فان الساعة

:المثالية(. وكانت إستراتيجية القوى الجوية "اإلسرائيلية" هي340

ـ قصف المطارات ومدارجها، ثم الطائرات الجاثمة عل األرض، .وأخيرا الرادارات ومنشآت الطيران

ـ التنسيق الدقيق بين القوات البرية والجوية سيتيح إلحاق .هزيمة سريعة بالعدو

ـ يجب أن تدور المعارك على أرض العدو وتدمير قواته بأسرع ما .يمكن

ـ تركيز الهجوم على جبهة واحدة، وموقف دفاعي على الجبهتين األخريين مع شن هجمات صغيرة محلية من شأنها منع العدو من

."دخول "أراضينا، بقصف1967 حزيران 5بدأ العدوان الصهيوني صباح

المطارات في الـ ج.ع.م ولمدة ثالث ساعات تقريبا وعلى ثالث.هجمات

لقد سمعت القيادة السورية هذا النبأ من أجهزة اإلعالم، و أذيع د. من50 و 8البالغ األول الذي يعلن بدء القتال في الساعة

راديو القاهرة، ونصه: )لقد أغارت الطائرات "اإلسرائيلية" على القاهرة وعلى مطارات أخرى، ولقد مضت القوات المصرية إلى

.لقاء العدو وصده( وفي إذاعة عبرية أخرى هاجم راديو القاهرة وزير الدفاع

سموك1956"اإلسرائيلي": )أين أنت يا موشي دايان؟ في عام قائد النصر، أما اليوم فأنت وزير الهزيمة، لقد فقأ شعبنا السوري

.الشجاع إحدى عينيك ونحن سنفقأ لك األخرى(د. أذاعت دمشق: )نحن معكم يا رفاق25 و 9وفي الساعة

السالح في القاهرة، نحن معكم يا رفاق السالح في غزة وسيناء وشرم الشيخ، نحن معك يا شعب األردن وأنت تتقدم بشرف نحو

.تل أبيب، أضربوا دون رحمة ونحن معكم(د. أعلن راديو عمان: )أيها العرب في كل40 و 9وفي الساعة مكان، لقد دقت ساعة التحرير واستعادة حقوقنا المهدورة، ونحن

في المعركة الحاسمة التي نخوضها حاليا ضد قوى الشر والعدوان الصهيوني وسنهدم الحدود المصطنعة ونستعيد ما

.سرق منا، إلى األمام، إنها الحرب المقدسة من أجل النصر( إن المفاجئة كانت مذهلة، واستغرقت القيادة العسكرية في

المتحدة وقتا دام أكثر من ساعة حتى أدركت ما حدث، وأصبحت حسب قول الرئيس ناصر: )مثل واحد حصل له انفجار في المخ

وأصاب بالشلل جسمه كله(، ووقتا أطول حتى اطلع الرئيس عبد الناصر على بعض ما حدث، ومن نتائج هذا الذهول لم يكن هناك في المتحدة، من يبلغ القيادتين السياسية والعسكرية في سورية

عما يحدث، كما لم يكن هناك من يجيب على نداء القيادة341

العسكرية في سورية التي حاولت االتصال بقائد األركان المشتركة في الـ ج.ع.م بواسطة جهاز الالسلكي الذي كان

مفتوحا باستمرار بين القيادتين منذ بدء التحضير لمواجهة العدوان، و لم تتمكن من تحقيق االتصال إال حوالي الظهر، وفي

هذه الفترة كان الطيران الصهيوني قد ركز غاراته على المطارات السورية ودمر األكثرية الكبيرة من سالح الجو،3السوري والطائرات العراقية العسكرية في مطار إتش

وتتالت االتصاالت بين القيادتين العسكريتين، ومع الفريق عبد.المنعم رياض قائد الجبهة األردنية الذي اتخذ من األردن مقرا له

وفي المساء، وجه راديو "إسرائيل" باللغة العربية إلى جنود جيش المتحدة نداء: )إن زعماءكم يقودونكم نحو الكارثة، لقد

بدأت المعارك، لقد دقت ساعتكم، انهضوا وأسقطوا نظام ناصر.الديكتاتوري، لقد دقت ساعتكم، قفوا ضد جمال عبد الناصر(

وتتالت األخبار بسرعة، عما يحدث في جبهات الـ ج.ع.م واألردن، وعن تقدم قوات العدو الصهيوني السريع في سيناء

وفي الضفة الغربية وغزة، مستغال تفوقه الجوي، وعدم وجود أي.تغطية للقوات العربية

إلى6 / 6اجتمع مجلس األمن فور بدء العدوان، وتوصل يوم قرار يطلب فيه من القوات المتحاربة وقف إطالق النار، وهو

.وقف غير مقترن بشرط.د45في الساعة السابعة و بدأ العدوان الصهيوني، كما ذكرت،

األكثريةخالل أقل من ثالثة أيام ودمر ، حزيران5من صباح من أسلحة الجو في المتحدة وسورية وما أبقاه األردن الساحقة

وبلغ عددوسربين من سالح الطيران العراقي على مدارجه 410الطائرات المصابة والمدمرة في اليوم األول للعدوان

طائرة 31طائرات، وفي اليوميين التاليين . استغل العدو تفوقه الجوي وعدم وجود أي تغطية للقوات

قواتهت، وتقدم و وفر لجيشه حرية الحركة والعملالعربيةء، متبعة تكتيك التوغل المفاجئ في العمقبسرعة في سينا

.إلحباط قدرة جيش المتحدة القتالية لقد قاتل جيش المتحدة ببسالة في مواقعه الدفاعية،

ولكن أداءه لم يكن جيدا حين انتقل إلى الهجوم دون غطاء جوي، حزيران، وبعد6 ساعة من بدء الحرب، أي في مساء 36وبعد

أصدر المشير عبد الحكيم أوامره باالنسحابقرار مجلس األمن، لقوات المتحدة إلى غرب القناة، على أن غير المنظم الشامل

، باستثناء الفرقةساعة12 حزيران، أي خالل 7ينجز صباح يوم الرابعة التي يجب أن تبقى في حالة دفاع بمحاذاة األطراف

342

الشرقية للمرات، وكانت النتيجة األولى لهذا األمر إخالء شرم. حزيران7 - 6الشيخ ليلة

بقصف مدفعي5/6بدأت القوات "اإلسرائيلية" صباح يوم على القوات األردنية التي ردت عليها بقصف مماثل واستغلت

قوات العدو تحرك قطعة من الجيش األردني نحو موقع تسيطر عليه قوات المراقبة الدولية يعرف باسم "بيت الحكومة" متاخم

للمنطقة الغربية من القدس، وتحركت القوات المعادية في منتصف النهار نحو بوابة "ماندلبو" وحدث قتال بين المهاجمين

والفصائل األردنية المرابطة في بعض المواقع، وبعد معارك قاسية وبمساعدة الطيران والمدفعية والمدرعات تمكن العدو

من دخول القسم6/6في حوالى الساعة العاشرة من صباح يوم العربي من مدينة القدس واحتلت مدينة رام الله مساء هذا

اليوم، وبعدها نابلس واللطرون ومحور قلقيلية ـ طولكرم.وتابعت قوات العدو سيرها باتجاه األغوار

تجاه هذا الوضع الحرج، طلب الفريق عبد المنعم رياض من قيادة الجيش السوري نجدة األردن عسكريا وبسرعة، مما

اضطرها إلى سحب تشكيل عسكري مع حماية بمدافع م/ط بقيادة الضابط الكفوء المقدم صالح نعيسة، من مواقعه في

وفي وضح النهار وتحت رحمة6/ 7الجبهة، وتحريكه يوم الطيران المعادي، وحين وصل التشكيل إلى األردن، كان قد بدأ

تنفيذ قرار وقف إطالق النار بين األردن و "إسرائيل"، وعادبعد، التشكيل، وهو في حالة إنهاك، إلى مواقعه التي تحرك منها

.أن فقد بعض آلياته وكانت قد تمت سيطرة العدو على كامل الضفة الغربية إضافة إلى مناطق أخرى في األغوار، وما حدث، أوقع الملك حسين في

حاله الذهول، وكان لـ "إسرائيل" بعد أن أعلن الملك دخوله الحرب، حسابها الخاص ومطامعها في االستيالء على الضفة

والقدس لتحقق أسطورة أرض الميعاد، ووجدت أن فرصتها قد .حانت

وفي سورية، تشكلت على الفور، بعد سماع نبأ بدء القتال، قيادة ميدانية مكونة من رئيس األركان أحمد سويداني

ونائبه اللواء عواد باغ ومديري إدارات: العمليات العميد عبد الرزاق الدردري والمدفعية العميد عبد الله حبيشي والمدرعات العميد عبد العزيز جركس واإلمداد والتموين اللواء محمد مهنا والتنظيم واإلدارة العميد علي حماد وقائد الجبهة العقيد أحمد المير محمود ورئيس المخابرات العسكرية العقيد علي ظاظا،

وانتقلت فورا إلى غرفة العمليات في القنيطرة، بينما بقي وزير343

الدفاع اللواء حافظ األسد يساعده بعض المعاونين في دمشق.لقيادة القوات وإدارة المعارك

كان من نتيجة التأخير ـ بسبب الشلل والذهول الذي أصاب لعدة ساعات القيادة العسكرية في المتحدة ـ في تحقيق االتصال مع رئيس هيئة األركان المشتركة، عدم معرفة أية خطة

عسكرية وأي وضع قتالي "دفاع أم هجوم أم تعرض" يجب تنفيذه، كما أدى ذلك إلى اضطراب وتشوش في بنى الخطط،

.واكتفي في الساعات األولى بالقصف المدفعي بدأ القصف المدفعي السوري بغزارة عنيفة على المنشآت

"اإلسرائيلية" على طول الحدود وخاصة على الوحدات العسكرية المعادية في دجانيا وروشبينا رافقه هجوم جوي وعلى

عدة محاوالت6/5دفعتين، فوق خليج حيفا، و جرت في يوم سورية لمهاجمة مستعمرات تل دان وشعار ياشوف بانتظار

.التنسيق الذي لم يحصل طبعا نتيجة لما حدث، قرر قادة الـ ج.ع.م وملك األردن و"إسرائيل"، قبول قرار وقف إطالق النار الذي يجب أن يدخل إلى حيز التنفيذ

حزيران، ولكن7 د. من يوم الخميس 20 و2في الساعة "إسرائيل"وبدعم من أميركا، استغلت هذا القبول، وواصلت

، حتى بلغت أهدافها التي كانت قد حددتها6/ 8عدوانها في يوم .سابقا على الجبهتين المصرية واألردنية

أعقب ذلك، إعالن الرئيس عبد الناصر في كلمته إلى األمة عن استقالته من مناصبه، كما أكد في هذه الكلمة عن تحمله

مسؤولية ما حدث بشكل كامل، ثم عودة الرئيس عن االستقالة تحت ضغط الشعب العربي في مصر، ورؤساء بعض الدول

العربية التقدمية. وبعد عودة الرئيس ناصر لتحمل مسؤولياته منإلى الرئيس نور الدين األتاسي،6/1967/ 8جديد، أرسل مساء

برقية حملها إليه أحمد جبة سفير الـ.ج .ع.م في سورية ، وهذا :نصها

:األخ الرئيس نور الدين األتاسي إنني أعتقد أن "إسرائيل" على وشك حشد كل قواتها ضد

سورية من أجل تدمير الجيش السوري، وأنا أرى لألسباب نفسها التي دفعتني إلى ذلك، أن أنصحك بالموافقة على قرار قبول

وقف إطالق النار، وإنهاء كل األعمال الحربية، وإخطار يوثانت السكرتير العام لألمم المتحدة، على الفور، من أجل الحفاظ

.على جيش سورية العظيم.لقد خسرنا هذه المعركة، وعسى الله أن يوفقنا في المستقبل

344

أخوك رجمال عبد الناص

و وإن كان المضمون واحدا، فهأما النص الذي ذكره هيكل، : إننا هزمنا في هذه الجولة، والواجب يحتم علي في هذه"

األوقات الحزينة أن أرجوكم في قبول وقف إطالق النار على الجبهة السورية، فقد قررنا في مصر قبوله بعد الخسائر التي

لحقت بنا، وإني أفعل ذلك بحس المسؤولية القومية وبقلب مثقل بالهموم، ودافعي إلى هذا الطلب هو الحرص على سالمة

الجيش السوري، وعلينا أن ندخر ما تبقى من قوانا لمرحلة .أخرى

جمال عبد الناصر

"اإلسرائيلية" التقطت هذه و تبين فيما بعد أن المخابرات .البرقية التي أرسلت السلكيا

حزيران، و بعد مناقشتها 9- 8ت قيادة الحزب ليل رلقد قر وبأغلبية أعضائها - تم االتصال، هاتفيا معرسالة الرئيس ناصر،

األعضاء الموجودين في مراكز المحافظات لمعرفة وجهة نظرهمفقتها على قرار مجلس األمن، كما أبلغت الخارجية السوريةامو-

القيادة السوفييتية بواسطةأوثانت وإلى هذه الموافقة إلى السفير السوفييتي في دمشق، ولكن "إسرائيل" بالتواطؤ مع

لم تلتزم بما كانت قد أبلغت به مجلس األمنالواليات المتحدة حزيران10- 9 حتى ليل واستمرت في عدوانهابالموافقة،

الهضبةأتمت تنفيذ خططها باحتالل جزء من و . كان "دايان" يخشى من تدخل سوفييتي لذا منع قائد

حتىالسورية الجبهة الشمالية دافيد أليعازر من تجاوز الحدود يوم التاسع من حزيران، حيث بدأ االختراق "اإلسرائيلي"صباح

للمرتفعات من جنوبي موقعي تل العزيزيات وتل الفخار باتجاه موقع القلع، وكانت معركة تل الفخار من أشد المعارك، وقال عنها أليعازر: )إذا ما زرتم مستشفى رامبام ستسمعون الكثير عن هذه المعركة، لقد نشبت معركة باأليدي في ذلك المكان،

وقتال بالكفوف والسكاكين واألسنان وبكعاب البنادق، وقد.استمرت هذه المعركة ثالث ساعات(

ودارت طوال هذا اليوم معارك ضارية ألحقت بالعدو الذي وتحت غطاء جوي كثيفالقى عناء في تقدمه، خسائر كبيرة،

، ووفق ما أورده رابين في مذكراته:تابعت قوات العدو تقدمها )كان الجيش السوري يقاتل بضراوة، ويلحق بنا خسائر فادحة،

وقد استعمل جنودنا كل مهارتهم وكل شجاعتهم كي يشقوا345

ألنفسهم طريقا في شبكة الطرق الجبلية التي تصل بين تحصينات السوريين الذين كانوا يبدون غير مبالين بالطوفان

الناري الذي كان ينهال عليهم، وقد جرى القتال بالسالح األبيض.في أماكن عديدة(

قيادة الحزب )األعضاء9/6أطلع وزير الدفاع مساء المتواجدون في دمشق، ألن أغلب أعضاء قيادة الحزب كانوا قد توزعوا على المحافظات( على مجريات المعارك والخرق الذي

حصل في القطاع الشمالي، من الجبهة وطلبت القيادة منه لطرد القوات10-9القيام بهجوم معاكس في منتصف ليلة

المعادية، ولكن هذا الهجوم فشل فشال كبيرا، لعدم التمكن من تهيئة بعض القوات المكلفة به، إذ لم يتمكن أحد قادة األلوية من

تجهيز لوائه لالنتقال من وضعية الدفاع إلى وضعية الهجوم، والكتيبة المدرعة التي تقدمت ليال ضلت طريقها وتوجهت نحو

تل أحمر قرب قرية بقعاتا، وظن قائد اللواء المرابط في المنطقة أنها قوات معادية وطلب من قيادة الجيش نقل مقر

قيادته إلى خط الدفاع الثاني، وكان من المفروض أن يتأكد من صحة ما شاهده و ما ظنه تشكيال معاديا، من مقر القيادة

الميدانية لتشكيله الموجودة في موقع تل أحمر غربي قرية بقعاتا، ، ولما أدرك قائد الكتيبة أنه ضل الطريق، أمر كتيبته

إلى سفوح تل أبو الندى10/6بالعودة ووصل في صباح المشرفة على مدينة القنيطرة متوجها نحو مقر لوائه قريبا من

المدينة، وظنت قوات االستطالع أنها قوات معادية وأبلغت قيادة الجيش بمشاهدتها، وعلى ضوء هذه المعلومات أذاع الناطق

العسكري باسم قيادة الجيش البالغ األول حول سقوط المدينة، وبعد قليل، لما تبين خطأ المعلومات، عادت اإلذاعة لتذيع حول

.*المقاومة الباسلة في القنيطرة ضد العدو الصهيوني وفي اجتماع القيادة هذا، تقرر بناء على اقتراح عضو

قيادة الحزب، رئيس مكتب القومي عبد الكريم الجندي إطالق .جميع المعتقلين السياسيين من مدنيين وعسكريين

ورغم إعالن العدو التزامه بوقف إطالق النار بدءا من الساعة ، ولكنه استمر في6/ 10 د. من صباح يوم السبت 30 و 8

علىعدوانه و تقدمت قواته على جميع المحاور من التوافيق الحدود األردنية إلى بانياس على سفوح جبل الشيخ ، حتى وصل

في الساعة الثانية والنصف القنيطرة إلى أهدافه ودخل مدينة عن سقوط10/6 تاريخ 66ظهرا، وبعدها أذيع البالغ العسكري

القنيطرة، وعلى أثر هذا التوغل، أصدر وزير الدفاع أوامرهباالنسحاب الكيفي للقوات المحتشدة في الجبهة.

346

د. من مساء3 0 و6توقفت األعمال القتالية في الساعة بإرسال6/ 12 ، ورغم ذلك قام العدو، في يوم 6 / 10يوم

وحدة محمولة بطائرات الهليوكبتر للسيطرة على إحدى قمم.جبل الشيخ

بعض أسباب الهزيمة من مجلة دير شبيغل األلمانية:1998 لعام 18ورد في العدد

الذي ال نريد1967)بعد النصر اإلسرائيلي السريع جدا عام مناقشة أسبابه وال التعرض للمؤامرات السوفييتية واألميركية معا

لخديعة السوريين والرئيس عبد الناصر والمساعدات األوروبية التي رتبت هذه الحرب لتحصل هذه النتائج المحبطة للعرب وظن

.اإلسرائيليون أنهم انتصروا نتيجة حربهم الخاطفة(ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من المؤلم، أن أذكر بأن هذين القائدين )القائد الذي لم يستطع تهيئة لوائه والقائد *، استلم أحدهما1970الذي طلب نقل مقره( لم يحاسبا، بل بعد انقالب تشرين الثاني

.إدارة المدرعات، واآلخر معاونا لوزير الداخلية كشفت هزيمة حزيران عن عجز وتخلف القيادات العسكرية

العربية، وخاصة في دول المواجهة العربية، وعن عدم قدرة القيادات السياسية في الوقت ذاته على إدراك حقيقة عدم

صالحية وكفاءة قياداتها العسكرية أو عدم قدرتها على تدارك.وضع القيادات المذكورة في الوقت المناسب

لقد كانت نتيجة حرب حزيران مؤلمة جدا، والجيوش العربية التي واجهت العدوان الصهيوني، قاتلت في بعض المواقع ببسالة

وأداء رائعين، ولكن أداء الجيوش بشكل عام، لم يكن بمستوى الطموحات واآلمال التي كان الشعب العربي يريدها من جيوشه.

المتحدةوالبد من القول بأن تدمير سالح الطيران في كل من.وسورية ضمنت النصر للعدو إلى حد بعيد

إن حرب األيام الستة، هي حرب الطيران "اإلسرائيلي"، فلقد توصل هذا الطيران إلى شل الطيران العربي بتخريب منشآته ومدارج مطاراته وبتدمير القسم األكبر من مطارداته وقاذفاته وشاحناته، مما أتاح التقدم المنظم لقوات العدو البرية وترجم

إلى الواقع مذهب الحرب المنقولة إلى أرض الخصم. وكان دقيقة األولى، من80النجاح الذي حققه هذا الطيران منذ الـ

.القوة حيث أنه قرر مصير المعركة التي لم تكد أن تبدأ إن ما يضعف من كفاءة الجيوش العربية، هو أنها ال ترتبط

.بمهامها بنظرية أمن قومي راسخة في المستوى الوطني إضافة إلى ذلك يمكن تكثيف بعض أسباب هزيمة حزيران

:إلى

347

ـ عدم تمكن القيادة الموحدة من التنسيق بين 1 الجبهتين المصرية والسورية، إضافة إلى العبء الذي كونته

الجبهة األردنية على رئيس أركان الجبهتين، وهذا سمح للعدو بأن يستفرد كل جبهة على حدة ويحقق تفوقا مطلقا بغياب الغطاء

.الجوي العربي ـ عدم قدرة القيادات العسكرية في البلدين على استخدام 2 قواتهما ووسائلهما العسكرية، ال في خطط هجومية شاملة أو محدودة بسبب التراجع عنها وعدم البدء بإطالق النار، وال في

خطط الدفاع التي كان للتفوق الجوي "اإلسرائيلي" دور كبير في.تدمير القوات المدافعة

عدم التكافؤ في نوعية األسلحة وتنظيم القوات وهيكلتها ـ 3 وفقدان القيادات العسكرية لحرفتها، األمر الذي حقق للعدو تفوقا، خاصة بعد تدمير المطارات وأسلحة الجو في المتحدة

وسورية، وانهيار معنويات القيادات العسكرية التي أمرت قواتها باالنسحاب غير المنظم رغم أن بعض القطع كانت ال تزال سالمة

. تقييم نتائج الحرب على الجبهة

السورية عقدت قيادة الحزب، في منتصف حزيران، اجتماعا في

مبنى القصر الجمهوري، وبعد تقييم أولي لما آلت إليه نتيجة الحرب، طرحت وجهات نظر متعددة، ومنها وجهة نظر الدكتور

نور الدين وشاركه فيها بعض أعضاء القيادة، بضرورة الدعوة إلى مؤتمر وطني عام لجميع القوى والشخصيات السياسية للتداول

في أسس المواجهة وتحرير األرض، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبعد نقاشات طويلة وعاصفة جدا، حتى وصل األمر إلى

حد التالسن بين بعض أعضاء القيادة وخاصة مع وزير الدفاع ورئيس األركان، أقرت القيادة أن الهزيمة يجب أن يتحملها

.الحزب، وأن يتحمل مسؤولياته في إزالة آثار العدوان وفي منتصف شهر تموز، قدمت قيادة الجيش إلى قيادة

الحزب تقريرا تقييميا للحرب، وقد بين التقرير سير المعارك و األخطاء والخسائر البشرية والمادية، وبعد مناقشة مطولة للتقرير، اتخذت القيادة عددا من القرارات، انطالقا من أن

و المحتل، إذ اعتبردإستراتيجية الوضع الراهن انتقلت إلى الع العدو خطوط وقف إطالق النار الجديدة خطوطا جغرافية تحقق

جعله فيله العمق اإلستراتيجي الدفاعي الذي كان يطمع به، وت غير عجلة من أمره لحين أن تقبل الدول العربية السالم

"اإلسرائيلي" الذي يوفر له وضعا مهيمنا سياسيا وعسكريا348

واقتصاديا ويضمن دفن القضية الفلسطينية لذا فإن اإلستراتيجية الجديدة هي إستراتيجية هجومية، وهي الخيار الوحيد المطروح

.أمام القيادة السياسية والعسكرية وتقرر أن تركز التوجهات السياسية والعسكرية للمرحلة

:الجديدة على.ـ ضرورة الصمود العسكري بسرعة في مواجهة العدو

ـ العمل بسرعة على إعادة التماسك في القوات المسلحة والتركيز على الحرفية العسكرية، وخاصة للضباط والقادة

.العسكريين ـ الحصول على السالح الحديث والمتطور من االتحاد

.السوفييتي, والدول الصديقة ـ رفض االستسالم للهزيمة واإلعداد لمعركة تحرير األرض

.بالقوة:ومن هذه المنطلقات اتخذت القرارات وأهمها

ـ القيام بعملية شاملة متكاملة إلعادة بناء القوات 1 المسلحة قيادات وتسليحا وتنظيما وتدريبا، ووفق قرارات القيادة

، على أن يصل عددها إلى نصف1966 شباط23بعد حركة مليون مقاتل وبأقل عدد من اإلداريين، أي "ذيل إداري قصير"

.حسب التعبير العسكري ـ بناء سالح جوي كفوء بطائراته وطياريه، يصل عدد 2

. طائرة500 ـ 450طائراته بين ـ تمديد فترة الخدمة اإللزامية، لتوفير عناصر كفوءة 3

.ومدربة، وخاصة في سالحي الدبابات والمدفعية ـ عدم السماح للمحتل بالبدء باالستيطان، من خالل 4

.عمليات فدائية أو عمليات تعرضية من الجيش النظامي.ـ تنشيط ودعم العمل الفدائي على جبهات المواجهة 5

ـ محاسبة المتخاذلين في المعارك، وتقديمهم إلى 6 .محكمة ميدانية خاصة

ـ توفير المواد اإلستراتيجية، قبل بدء عمليات إزالة آثار7 .العدوان

ـ إعداد خطة إستراتيجية للهجوم الذي سيحرر األرض المحتلة 8 بالقوة العسكرية بالتحالف والتعاون والتنسيق مع المتحدة، حيث

.يبدأ تنفيذها بشكل متزامن على الجبهتين واستمرارا في مناقشة التقرير العسكري طرح في جلسة خاصة موضوع تغيير قيادة الجيش واشترك كل أعضاء قيادة

349

الحزب في مناقشة هذا االقتراح، وتبلورت المناقشة في ثالثة .اتجاهات، وكل اتجاه يمثله عدد من األعضاء

اتجاه عبر عنه األمين العام المساعد صالح جديد ومفاده: أن الضرورة والقاعدة تقتضيان تغيير قيادة الجيش، إن هي

هزمت، أو هي انتصرت في الحرب، فإن هي هزمت فستفقد ثقة الجيش بها، ألن العسكري يخشى القتال بأمرة قائد مهزوم، وإن هي انتصرت فستطغى على القيادة السياسية في بلدها وتصبح

.مركز قوة، وضرب جوكوف كمثل على ذلك الطغيان أما االتجاه الثاني، فكان يرى أن قيادة الجيش غير كفوءة،

.وبالتالي يجب تبديلها بينما االتجاه الثالث وكان عبد الكريم الجندي من أبرز

رموزه، دافع عن ضرورة بقاء قيادة الجيش، منطلقا من أنه ال .يجوز أن يتحمل رفيقانا وحدهما نتائج الهزيمة

ولما طرح اقتراح التغيير على التصويت، حسم بأكثرية صوت .واحد لصالح بقاء قيادة الجيش

من قبل القياداتوتم تقييم نتيجة الحرب وسير المعارك العسكرية المتخصصة، وحددت المسؤوليات، أحيل المتخاذلون

يتضح في قيادة الحزب، لم إلى القضاء، وبسبب الصراع الذي بدأ لقي الحمايةتجر محاكمة هؤالء لينالوا عقابهم، بل أن بعضهم

أصبح من المقربينو . تابعت قيادة الحزب جلساتها لمناقشة العوامل واألسس إلعداد

القطر لمعركة إزالة آثار العدوان وتوفير الموارد المادية:والبشرية لذلك، وقررت

ـ اشتراك المواطنين في إدارة شؤونهم من خالل مجالس مستوى المحافظات ومجلس شعب علىمحلية منتخبة على

.مستوى القطر ـ االستمرار في خطط التنمية، وإنجاز الخطة الخمسية الثانية في وقتها المحدد، وإعداد خطة خمسية جديدة وطموحة تلحظ

.تهيئة البنية التحتية إلنشاء صناعة ثقيلة ـ إنشاء وزارة للقرى األمامية "المدن والقرى التي أصبحت

ضمن الجبهة العسكرية الجديدة في محافظات القنيطرة ودمشق ودرعا والسويداء"، مهمتها تطوير هذه القرى اقتصاديا

واجتماعيا وثقافيا وحضاريا، وتوفير موارد حياتية لسكانها، .وتحصينها وبناء قرى جديدة في النقاط الحاكمة

ـ تدريب قيادات وأعضاء التنظيم الحزبي عسكريا، وإشراكهم .في أعمال خلف خطوط العدو

350

ـ إقامة قيادات وأعضاء التنظيم الحزبي، لفترة قصيرة، مع السكان في الخط األمامي لنشر الوعي بينهم ومساعدتهم في

.أعمالهم.ـ تأسيس لجان الدفاع عن الوطن في محافظات القطر

وقررت على المستوى العربي، استمرار العمل مع .األنظمة والقوى التقدمية العربية

ورأت القيادة، أنه في أعقاب نكسة حزيران، أصبحت الحاجة، أكثر إلحاحا، إلى اتخاذ خطوات وحدوية مع األنظمة العربية

.التقدمية، وفي مقدمتها الـ ج.ع.م تموز14واستنادا إلى هذا التوجه سافر ، يوم الجمعة

إلى القاهرة، وفد برئاسة األمين العام رئيس الدولة د.1967 نور الدين األتاسي وعضوية األمين العام المساعد اللواء صالح

جديد، ورئيس الوزراء يوسف زعين، ووزير الخارجية إبراهيم ماخوس، وحمل الوفد معه أكثر من صيغة لمشروع وحدوي طرحت على الرئيس عبد الناصر الذي كانت وجهة نظره أن الوقت اآلن ال يسمح بمناقشة مثل هذه المشاريع، وشاطره

الرأي الرئيس هواري بو مدين الذي كان في القاهرة هو والرئيس العراقي عبد الرحمن عارف والرئيس السوداني

.*إسماعيل األزهري وتوصل وفدا المتحدة وسورية إلى ضرورة استمرار

التنسيق بين الحزبين والحكومتين كمنطلق للوصول إلى خطوات وحدوية متقدمة ) ومن الضرورة أن أوضح بأن هذا الجهد قد

وتقرر إعادة الوحدة بين1970 حزيران 25بالنجاح في تكلل البلدين ( ، كما أكد الوفدان على الثقة المطلقة في أن إمكانيات

وقدرات الشعب العربي كفيلة بأن يحيل الهزيمة إلى منطلق . جديد لتحقيق األهداف القومية لألمة العربية

كانت القيادتان السياسية والعسكرية في المتحدة تصران على سورية بضرورة قيام جبهة شرقية تضم "سورية واألردن

والعراق" ولما كانت وجهة نظر القيادة السياسية السورية تؤكد على أنه ال يمكن التعاون مع ملك األردن المتعاون مع "إسرائيل وأميركا" في الوقت الذي نحن فيه نحاربهما، وأن باإلمكان أن

تكون العراق واألردن الجبهة األردنية، وتكون سورية مع القوات العربية التي ترفدها، الجبهة السورية، وأخيرا تم التغلب على

المشكلة بأن تتكون الجبهة الشرقية ويكون قائدها أحد ضباط الجيش العراقي ومقرها في مدينة السويداء في

.سورية

351

لقد كانت القيادة السورية متفقة مع سياسة الرئيس عبد الناصر تجاه "إسرائيل"، والتي حددها في خطاب استقالته: )إن تصفية اإلمبريالية الغربية ستدع "إسرائيل" معزولة حيال البلدان

العربية، ومهما تكن الظروف والزمن الالزم فإن قوة البلدان .العربية ستنتهي بالتفوق على قوة "إسرائيل(

:من هذا المنطلق اتفقت إستراتيجية البلدين علىـــــــــــــــــــــــــــ

.راجع كتاب: مروان حبش في قضايا وآراء حوار شذا المداد* .تحرير األرض التي تحتلها "إسرائيل" بالقوة العسكرية -

.ـ إعادة بناء الجيش .ـ تدريب الجيش على قتال فعال

وكان الرئيس ناصر يطمح إلى بناء جيش يصل تعداده إلى.مليون مقاتل

في النصف الثاني من حزيران زار رئيس هيئة مجلس السوفييت األعلى بود غورني وبرفقته وفد عسكري على مستوى

رفيع، كال من العربية المتحدة وسورية، لإلطالع على حاجات البلدين العسكرية، وبعد عودته إلى موسكو قررت قيادة االتحاد

السوفييتي تعويض كل من المتحدة وسورية عن كل خسائر األسلحة، وتم، أيضا، إبرام عقود جديدة لتزويد الجيشين

باألسلحة والخبراء وفق خطط كل من القيادتين. لقد وضعت الخطط العسكرية في العربية المتحدة

وسورية على توقع بداية معركة التحرير على جبهتي سيناء، ووفق هذه الخطط تصل القوات1971والجوالن في آذار

حزيران، وتكون هذه المعركة قد5العربية إلى خطوط ما قبل انتهت لصالح العرب، ولقد كان ميزان القوى العسكرية الذي سيتم الوصول إليه "كما ونوعا " يسمح موضوعيا بنجاح هذه

.الخطط وكان من المفروض صهر فروع القوات المسلحة في بوتقة

واحدة، واختبار فعالية األسلحة، ونجاعة التدريب من خالل عمليات تعرضية في سورية تأخرت كثيرا، وألسباب عديدة، كان

أهمها عملية شغاف السنديان في الثلث األخير من حزيران 1970 ـ 1969، وحرب االستنزاف في المتحدة في عامي 1970

شهرا.17و التي دامت وأخيرا البد من القول أنه رغم الهزيمة التي لحقت بسورية

والمتحدة، بقيت "إسرائيل" بعيدة المنال عن تحقيق أي هدف من أهدافها السياسية، وجاءت إستراتيجية المتحدة وسورية

بإزالة آثار العدوان خالل أقصر مدة ممكنة، مضافا إليها الءات

352

، الذي شاركت فيه سورية1967مؤتمر قمة الخرطوم في أيلول على مستوى وزير الخارجية،)ال للتفاوض، ال للصلح، ال

. ـــــــــــــــــــــــــــــــــلالعتراف(، برهانا أكيدا على ذلك : تمت االستعانة بالمراجع التالية

اسرائيل والعرب، المعركة الثالثة أريك رولو وآخرونالغطاء األحمر أو حرب األيام الستة ل صموئيل سيغيف

قادة حرب األيام الستة اإلسرائيليون وتقارير معاركهممذكرات اسحق رابين

سياحة صيف في الوثائق اإلسرائيلية محمد حسنين هيكلاالنفجار محمد حسنين هيكل

مذكرات الفريق محمد فوزيمذكرات محمود رياض

الفرص الضائعة أمين هويديمن يجرؤ على الكالم بول فندلي

الخداع بول فندلي1992مجلة الفكر االستراتيجي العربي تموز

1967صحيفتا البعث والثورة السوريتان لشهري أيار وحزيران عام أيام من الحرب ميشيل ب.أورين 6

353

عبد الكريم الجندي

ينمو العنف عندما يتعمق إحساس لدى فرد أو مجموعة بحتمية مطلقة أنه يمثل بسلوكه أو بفكره الحقيقة المطلقة، ولهذا فإن

ممارسة العنف من آليات النظام الديكتاتوري الفردي وحكم الحزب الشمولي، ويزداد العنف شدة حينما يتحول حكم الحزب

من شمولي إلى سلطوي، انطالقا من قناعة أنها إحدىالممارسات الضرورية للمحافظة على السلطة.

354

كان البد من تلك الكلمات قبل أن أتحدث عن عبد الكريم مه البعض وخاصة ممن اعتقل، حين كان رئيسا الجندي الذي يقي

لمكتب األمن القومي في القيادة القطرية، تقييما سلبيا. من المعروف أن عبد الكريم الجندي هو أحد األعضاء السبعة في اللجنة العسكرية البعثية "الثانية" التي تشكلت في اإلقليم

الجنوبي "مصر" بعد نقل كل أعضاء اللجنة األولى، باستثناء الرائد محمد عمران، من مالك القوات المسلحة إلى مالك وزارة الخارجية، ولعب الجندي دورا بارزا في هذه اللجنة، إن كان وقت وجودهم في مصر أو بعد عودتهم إلى سورية في أعقاب انفصام الوحدة ونقلهم من مالك الجيش إلى وزارات مدنية، وكان له دور

انتهت باعتقاله مع العديد من1962 آذار 28قيادي في حركة الضباط المسرحين وبعض الضباط العاملين الوحدويين "بعثيين

وناصريين"، وبعد إطالقه بكفالة، في أوائل تشرين األول عاد لممارسة دوره القيادي في اللجنة، ويعتبر الجندي1962

والمقدم صالح جديد بأنهما العقل المدبر للتحالفات العسكرية ، وكلف ليلة1963والمدنية التي أدت إلى انقالب الثامن من آذار

آذار من قبل اللجنة العسكرية الوصول إلى مدينة القنيطرة8- 7 واالجتماع مع العقيد زياد الحريري وعدد من الضباط لتنسيق

التحرك نحو دمشق، كما كان مكلفا بتوجيه القطع العسكرية التي يسيطر عليها الضباط البعثيون، وقاد بنفسه كتيبة مدفعية نحو

دمشق. بعد نجاح االنقالب كلف المقدم عبد الكريم بقيادة لواء

المدفعية المرابط في منطقة القطيفة، وأيضا، قائدا لمعسكر وموقع القطيفة، كما كان أحد مندوبي اللجنة العسكرية إلى المؤتمر القطري األول، والمؤتمر القطري األول االستثنائي

، وانتخب منه إلى عضوية القيادة القطرية، كما1963شباط انتخب لعضوية هذه القيادة في المؤتمرات الالحقة حتى فارق

الحياة. كان الجندي يؤمن بالعمل الجماهيري المنظم وبضرورة

ممارسة الكادحين دورا في شؤون الوطن، ومن إيمانه هذا بادر منذ األشهر األولى للثورة إلى توعية أبناء القرى في منطقته

العسكرية لتأسيس ما أطلق عليه )روابط أبناء الثورة (، ولقد شاركته نشاطه هذا بصفتي أمينا لفرع األطراف ومنطقة

القطيفة تابعة لهذا الفرع. كان الجندي متفائال بهذا النشاط، وكثيرا ما كان يحدثني عن تفاؤله هذا، ويعرب لي عن قدرة الجماهير المنظمة في دعم

الثورة وتحصينها من االنحراف عن أهدافها ومثلها، واستمر تفاؤله355

هذا بعد تسميته وزيرا لإلصالح الزراعي، رغم أنه كان يرى أن بعض من طرح اسمه للوزارة "الفريق أمين الحافظ" يهدف إلى

إبعاده عن القوات المسلحة التي يشعر بانتماء حقيقي لها، وأنه يستطيع النجاح فيها أكثر من نجاحه في أي مجال آخر، ولقد

استمر في هذه الوزارة من : وزارة الفريق أمين1965 أيلول 23– 1964تشرين األول 3

الحافظ. وزارة الدكتور يوسف1965 كانون األول 27 – 1965 أيلول 24

زعين. ترك الجندي الوزارة بسبب صدور قرار القيادة القومية في

بحل القيادة القطرية في سورية1965أواخر كانون األول وتشكيل وزارة جديدة برئاسة األستاذ صالح البيطار.

لعب عبد الكريم دورا رئيسا في النشاط الحزبي الذي قاد إلى ، ونجح ليلة الحركة بالسيطرة على1966 شباط 23حركة

معسكر القطيفة. ثم سمي وزيرا لإلصالح الزراعي في وزارة تشرين15 آذار – 1الدكتور يوسف زعين واستمر فيها من

. 1966األول بعد ذلك التاريخ كلف من قيادة الحزب برئاسة مكتب األمن

القومي فيها، ومديرا إلدارة أمن الدولة. 1965 في فترة استالمه الوزارة عام عملنا معا بصفتي عضوا

في القيادة القطرية ورئيسا لمكتب الفالحين فيها، وكان شعوره يجب أن ال نتخلى عن األمل بقدرة الفالحين، ومن هذا الشعور

كان منهمكا في تأسيس الجمعيات التعاونية الزراعية في مناطق اإلصالح الزراعي، ويرى بأنها "الجمعيات" بنية إلدارة العمل

يمتلك فيها الفالحون حلقات التجهيز والتصنيع في سلسلة القيمةالمضافة.

شارك عبد الكريم الجندي، وبفاعلية، بالتصدي لكل األزمات التي مرت بالحزب، ورغم كونه وزيرا، فهو الذي قاد القوات التي

، وفي اليوم1966توجهت نحو السويداء يوم الثامن من أيلول التالي دخل بمفرده إلى كتيبة المغاوير التي كان يقودها الرائد سليم حاطوم وأحاط أفرادها بعنايته وطمأنهم على مستقبلهم.

ولقد عمل جاهدا، بعد استالمه لمكتب األمن القومي على عودة الفارين مع الرائد حاطوم إلى األردن، وهو الذي كلف مفارز من

إدارته للتمركز في نقاط على خطوط وقف إطالق النار بعد حرب حزيران والفوضى التي سرت بين صفوف القوات

المسلحة أثناء صدور األوامر لها باالنسحاب الكيفي، وهو الذي اقترح وبإصرار على قيادة الحزب أيام حرب حزيران إطالق

356

المعتقلين السياسيين، وهو الذي وجه الجهد الرئيس إلدارته باقتفاء أثر العمالء الذين جندتهم القوى الخارجية وذلك بعد أن

أذهله حجم االختراق في المجتمع، وهو المؤمن بالحرب الشعبية والداعم للمقاومة الفلسطينية، وفي احتفال أقيم لدعم المقاومة تبرع بمنزله في دمشق وبراتبه لعدة أشهر، وهو الذي عمل على

عدم توريط أي مواطن في مساعي "إسرائيل" إلنشاء دولة درزية في الجوالن، وكان ذلك من خالل خطف األمير حسن

األطرش من األردن. من المعروف أن من أهداف اإلستراتيجية الصهيونية تجزئة

األقطار المحيطة بها وإقامة دويالت فيها على أساس طائفي أو مذهبي، وكانت ترى بذلك حال لضمان أمن دولة "إسرائيل"

وسالمتها. من هذا الهدف عملت "إسرائيل" بعد احتالل الجوالن بنشاط إلنشاء دولة "درزية"، ولهذا السبب لم تلجأ إلى طرد المواطنين السوريين من أبناء الطائفة الدرزية من الهضبة، كما كانت تهدف

إلى نقل عرب الجليل من أبناء الطائفة الدرزية إلى الهضبة، وفي اجتماع في مجدل شمس لضباط من مخابرات الجيش

"اإلسرائيلي" مع بعض الشخصيات من القرية، أبلغوهم أن عليهم معرفة سبب حسن المعاملة لهم وعدم طردهم يعود لمصلحة

مشتركة "إسرائيلية" - درزية وهي إقامة دولة درزية يكونالجوالن نواة لها.

في اجتماع في تل أبيب بين كمال كنج أبو صالح من قرية مجدل شمس وبعض السياسيين والعسكريين "اإلسرائيليين"

وضعوه في صورة مخططهم، وطلبوا منه أن يرشح شخصية من دروز لبنان، فاقترح عليهم المحامي كمال أبو لطيف، وهو مقدم

سابق في الجيش السوري و ينتمي للحزب السوري القومي. إلى روما1967 سافر كمال كنج في منتصف الشهر العاشر

مع ضابط كبير في المخابرات العسكرية "اإلسرائيلية" ومن هناك اتصل مع بيروت بالمحامي كمال أبو لطيف، وألح عليه بضرورة

القدوم إلى روما، وجرت عدة اجتماعات بين الثالثة )كمال كنج - كمال أبو لطيف - ضابط المخابرات اإلسرائيلي( وفي نهايتها تم

االتفاق على سفر أبو لطيف إلى عمان ليدعو األمير حسناألطرش لزيارة كمال كنج في روما.

في بيروت أبلغ كمال أبو لطيف األستاذ كمال جنبالط والزعيم شوكت شقير، وأخبر جنبالط الرئيس عبد الناصر بكل ما جرى

في روما، وفي طريقه إلى عمان مرورا بدمشق أبلغ أبو لطيفالعقيد عبد الكريم الجندي بكل ما دار في اجتماعات روما.

357

وفي عمان أبلغ األمير حسن برسالة كمال كنج وضرورة سفره إلى روما لاللتقاء به، فأوفد األمير حفيده حمد إلى روما ووصل

، كما عاد1967إليها في الثلث األخير من الشهر الحادي عشر إليها المحامي أبو لطيف.

عقدت عدة اجتماعات في روما بين األربعة، وتحدث الضابط "اإلسرائيلي" عن الرفاه واالزدهار اللذين ستنعم بهما الدولة الدرزية، كما أبلغهم عن خطط "إسرائيل" العسكرية لسلخ المناطق الدرزية في لبنان وجبل العرب في سورية لتنفيذ

مخطط قيام دولة درزية. كان كمال كنج قد التقى قبل سفره إلى تل أبيب مع العقيد حكمت الشهابي رئيس فرع االستطالع والنقيب نشأت حبش

رئيس فرع مخابرات الجبهة، في قرية حضر وتركز الحديث على الوضع المعيشي واألمني لسكان القرى األربع بعد االحتالل، وبعد

عودة كمال كنج من روما إلى مجدل شمس، تسلل إلى قرية حضر واجتمع مع العقيد حكمت الشهابي ومعاونه الرائد ابراهيم

العمر والنقيب نشأت حبش، وأطلعهم على ما دار في اجتماعات روما، وفي التزامن مع ذلك نقل المحامي أبو لطيف إلى العقيدعبد الكريم الجندي كل المعلومات عن المخطط "اإلسرائيلي".

تأكدت المعلومات عند العقيد الجندي بأن حمد بن زيد بن األمير حسن األطرش غادر روما إلى "تل أبيب" كما تسربت

معلومات، أيضا، عن إمكانية نشاطه لتنفيذ المؤامرة الصهيونية، ولما لم يبلغ األمير حسن الحكومة األردنية أو الحكومة السورية عن هذا االتصال كما تم االتفاق في روما بين الكنج وأبو لطيف

واألطرش، وخشية من ابالغ األمير حسن بعض الشخصيات "الدرزية" وتوريطها بشكل مباشر أو غير مباشر في هذا

المخطط ، أوعز عبد الكريم الجندي بجلب األمير من عمان إلى دمشق، وكانت النية متجهة إلى محاكمته غير أن تقدمه في

العمر أدى إلى إطالقه. كرس عبد الكريم الجندي حياته للثورة ولحرية الفقراء، وكان

يدرك بأن ثورة الثامن من آذار لم تكن هدفا بحد ذاتها وإنما كانت وسيلة لتحقيق أهداف الكادحين من أبناء هذا الشعب، ومما قاله

للفالحين حين لقاءاته بهم: "لقد حاول الكثيرون استغالل هذه الثورة لتكون حكما انتهازيا،

إلى أن انتصر التيار اليساري في الحزب والتيار الشعبي للثورة الذي ارتبط ارتباطا مباشرا بمصالح الجماهير الكادحة ليضع حدا

لكل التناقضات واالنحرافات، وطالما أن منطق التاريخ هو منطق

358

التقدم لذلك كان ال بد للقوى التقدمية مع الحزب أن تتحرك لتبعد1966القوى الرجعية واليمينية". آذار

إن توزيع األرض هو الذي يضعنا حتما أمام المعركة القادمة، وهي معركة قاسية متعددة الجوانب، وكرفيق لكم، كفالح مثلكم،

يجب علي أن أوضح لكم جوانب المعركة وأبعادها : إن الجانب األول لهذه المعركة سيكون مع الطبيعة مع األرض وعلينا أن نعبئ قوانا لالستفادة بأقصى ما يمكن من مواردها،

ولن ننجح في هذه المعركة إال بالفهم واالستعداد الكلي وحصرإمكانيات األرض وإمكانياتنا لالستفادة منها.

والجانب الثاني: أن معركتنا ستكون مع أنفسنا وهو استمرار أمراض المجتمع المتخلف الذي أورثنا إياه النظام العشائري

والطائفي، فيجب أن نحول عالقاتنا االجتماعية من العشائرية إلى التعاونية، ألن مجتمعنا ليس إال جمعية تعاونية، وعشيرتنا ليست

سوى اتحاد التعاونيات. هذه هي صورة مستقبلنا االجتماعي، وواجبكم أن تسيروا سيرا

حثيثا نحو المجتمع الجديد، المجتمع التعاوني االشتراكي. وأما الجانب الثالث لمعركتنا: فهو مع الرجعية المتعاونة مع

966اإلقطاع واالستغالل. آذار إن الرأسماليين يدعون أن االشتراكية ال تنفع وأن الفالح خسر

بعد تطبيقها، والذي يهمنا نحن أن اإلنتاج أصبح ملكا للفالحين الفقراء وبالتالي ارتفع مستواهم المعيشي واالجتماعي. نيسان

966 كان عبد الكريم الجندي مؤمنا بالمجتمع االشتراكي وفي حديث

قال: 1965له أمام كادر من الحزبيين في آب إن قيمة اإلنسان في المجتمع االشتراكي ال تقدر بثمن، ألنه

يمارس إنسانيته كاملة ضمن الشروط التي يخلقها المجتمعاالشتراكي.

أقول وبمنتهى الصراحة: إذا لم يكون الحزب نفسه التكوين االشتراكي الصحيح، وإذا لم تتحقق التوعية وتصل إلى كل عضو

فيه لن يكون عندنا تحويل اشتراكي صحيح. هكذا ينبغي أن نعمل وأن نكون، إن سياستنا هي التخطيط

الموضوعي والقيادة األكثر حيوية وانطالقا. ومن خالل تحليلنا لظروف المنطقة يجب أن تكون هناك

مقاومة لنا، خاصة إذا وضعنا بعين االعتبار درجة تخلف المنطقة ووجود قوى رجعية وقوى مهادنة لالستعمار وأعداء الطبقات

الكادحة، وألننا نريد فعال موقفا جديا من االستعمار فمن الطبيعيأن توجد مقاومة لنا.

359

إن أوضاعنا معروفة، وإننا نشكل خندقا أماميا تجاه الهجوم االستعماري وإن الذين يعيشون في الخندق األمامي يتلقون أكثر

الطلقات. كان عبد الكريم الجندي مؤمنا بوحدة النضال من أجل

االشتراكية، وضرورة التنسيق مع المعسكر االشتراكي، وخاصة مع اإلتحاد السوفييتي، ومن هذا اإليمان طرح الموافقة على إعطاء االتحاد السوفييتي قاعدة بحرية في سورية، وقررت

القيادة الموافقة على تزويد األساطيل السوفييتية التي تدخل البحر األبيض المتوسط بالمياه واألطعمة والنزول إلى مدينة

طرطوس، كما قام خالل رئاسته لمكتب األمن القومي بالتنسيقمع جهاز الـ ك. ج. ب السوفييتي.

إن القضايا المطروحة على الحزب، وخاصة بعد عدوان أدت إلى تباين في وجهات النظر، طرحت في1967حزيران

المؤتمرات الحزبية، القطرية والقومية، ولقد ناقش المؤتمر ،1968القومي العاشر المنعقد في دمشق في أواخر شهر أيلول

كل القضايا المطروحة ومختلف وجهات النظر وجميع مجاالت وأساليب العمل على المستويات الداخلية والعربية والدولية،

حيث تصب حصيلة ذلك كله في خدمة معركة التحرير المصيرية المستمرة، وتحقيق هدف التحرير. وفي نهاية جلسات المؤتمر،

اتخذت القرارات والتوصيات بشأنهما. اجتمعت قيادة الحزب المنتخبة من المؤتمر المذكور، لوضع ما

تشرين األول20يلزم لتنفيذ المقررات والتوصيات، وقررت في ما يلي:

ـ ممارسة النضال الذاتي للتغلب على مظاهر المرض الجديد1 )االنزالق نحو تشكيل مراكز القوى( وهو في طوره األولي،

والقيادة على ثقة بأن ذلك ليس صعبا على أي عضو كمناضلثوري.

- تطبيق قرارات المؤتمر حول النقد والنقد الذاتي.2 ـ إجراء تغيير شامل في المسؤوليات الحزبية والحكومية3

والسيما لمن أمضى دورة حزبية كاملة في مكان واحد )الدورة الحزبية عامان(، و تكليف الرفيق األمين العام بتشكيل وزارة جديدة، على أن يطبق مبدأ التغيير الشامل في المسؤوليات

الحزبية والحكومية بكل دقة. نشأت أزمة العتراض وزير الدفاع، عضو قيادة الحزب الفريق حافظ األسد، على هذا القرار، مما دعا القيادة الحزبية لالجتماع

وقررت تفويض األمين العام الدكتور نور الدين األتاسي اتخاذ الخطوات الضرورية لتجاوز األزمة، بما يحقق متابعة الحزب

360

لنضاله في مجابهة التحديات المصيرية، ويرسخ وحدته الفكريةوالتنظيمية ويعزز سلطة مؤسسات القيادة.

تفاعلت األمور وتطورت مجددا، وعادت األزمة من جديد في ، وتوقفت بانتحار عبد الكريم الجندي1969شهري شباط وآذار

آذار1عضو القيادة القطرية ورئيس مكتب األمن القومي في 1969.

لقد فهم عبد الكريم الجندي، الحزب الذي انتمى إليه منذ التي كان له فيها دور1963 آذار 8بواكير شبابه، كما فهم ثورة

بارز جدا ، أنه حزب يناضل من أجل تحقيق أهداف األمة العربية جمعاء، وأنها ثورة على الذات قبل أن تكون ثورة من أجل

المجتمع. كان عبد الكريم الجندي مؤمنا بالتنظيم وملتزما بالعمل ضمن

مؤسسات الحزب، وعبر عن ذلك بحديث له في اجتماع لكادر، حيث قال:1966حزبي في شهر نيسان

أريد أن أوضح لكم قبل كل شيء أننا نعمل ضمن حزب، ونحاول أوال: أن يكون هذا الحزب ثوريا بكل معنى الكلمة، وهذا يعني تأكيد سلطة المؤسسات الحزبية، والمؤتمرات والمقررات هي التي تحدد منهج العمل. ونحاول ثانيا: العمل ضمن القيادة

الحزبية كقيادة جماعية، فالديمقراطية تتحقق بواسطة المؤتمرات، والقيادة الجماعية تعمل بقرارات األكثرية الملزمة

لألقلية، وطالما أن هناك حزبا علميا ثوريا فالقيادة ال تعمل كأشخاص بل تعمل من خالل المقررات والتوصيات والخروج عن

مقررات المؤتمرات هو خروج عن الحزب. لقد كان عبد الكريم الجندي راضيا عن نفسه، وعن تضحياته

بنفسه بقرار من رفاقه ومن أجلهم دون أي حسابات. لقد خاب أمل عبد الكريم، حين لمس أن بعض رفاقه فهموا

الثورة من أجل المنصب والمكاسب وإلرضاء الغرور الشخصي، كما أدرك أن هؤالء الرفاق كانوا يستغلون تضحياته، كما عرف

من خالل مواقعه القيادية قبل وبعد الثورة، أن األلغام قدتفجرت، تباعا، في القيادة.

إن من كانت الثورة حياته كلها، ومن كانت أحالمه جميعها تتعلق بها، ومن وصل إلى قناعة مخيبة آلماله ببعض رفاقه الذين يعملون على صرف الثورة عن مسارها، كان البد له من اإلقدام

على آخر التضحيات وأهمها بان يقدم حياته قربانا، عسى أن يعود هؤالء الرفاق إلى الصواب، ويعودوا، بالتالي إلى الطريق السليم

.1966 وحركة شباط 1963 آذار 8الذي من أجله قامت ثورة

361

كانت الثورة، إذا، هي الهاجس الذي يعيش في داخل عبد الكريم الجندي، ومن أجلها كان يعطي كل جهده ووقته وفكره،

وكانت ثقته كبيرة، وإيمانه ال يتزعزع بأن إرادة الشعب هي التي ستنتصر باستمرار، ولكي تزداد معرفتنا به البد من اإلطالع على

ما ورد في وصيته التي كتبها حين اتخذ قراره بمفارقة الحياة:1969 آذار 1مساء يوم

هذه كلمة من مواطن كرس نفسه لخدمة قضية شعبه موجهةإلى كل مواطن شريف .

السؤال المطروح: هل يمكن لمعركة الشعوب أن تنجح ضداالستعمار والصهيونية والرجعية؟

الجواب: نعم وبشدة. إن هذا الجواب ال يمكن أن يصل إليه اإلنسان دفعة واحدة وقد

يتردد إلعطاء هذا الجواب، وقد يتردد أكثر ألن يقف في اتجاههذه المعركة ومعها.

في أي بلد متخلف ووطن ممزق وإنسانية مسحوقة تبدو الصورة أكثر تشاؤما وذلك عندما يرى اإلنسان بأم عينيه قوى االستعمار ومخططاته وتسلل هذه القوى حتى إلى داخل قوى التقدم وأنصار الثورة بل وقادتها، تزداد الصورة تشاؤما ويفقد

اإلنسان أحيانا الثقة بنفسه وبشعبه ومن ثم يتجه مع القوى المعادية وينقلب من وطني إلى عميل ومن تقدمي إلى رجعي

ومن مخلص إلى خائن، كما ويفلسف انقالبه هذا بشتىالمبررات.

وفي نفس البلد المتخلف عندما يلمس اإلنسان بإنسانية مطلقة وعميقة عفوية الجماهير واندفاعاتها تبدو الصورة متفائلة

ويبدو األمل في عينيه ويندفع في طريق الثورة والحرية بكلطاقاته وإمكانياته.

وعندما يستعرض اإلنسان بصبر وأناة ما تم من تقدم في حركة الشعب وعندما يختلط بإدراك في قوى الجماهير يلمس

الثقة واإلرادة. هاتان الصورتان كانتا تشداني باستمرار إلى أن أكون في

صفوف معركة الشعوب والحرية. إن جلسة مع مواطن بريء، مع طفل صغير، يصر على مقاومة

المستعمر، كانت كافية ألن يزداد يقيني بحتمية انتصار معركة الشعوب وكان ذلك يدفعني إلى أن أشعر في هذا المنحى بكل

صوفية دونما أية أغراض شخصية أو مكاسب. كما أنني من خالل عملي كنت مصمما وباستمرار على القضاء

على الجواسيس والعمالء.362

كنت أثق بكل من حولي وبشكل خاص بكل أعضاء القيادةورفاق الطريق، وبكل وطني مؤمن بقضية شعبه.

لقد ضحيت بكل ما من شأنه أن يحمي شخصي أو يدافع عنكياني الشخصي.

لقد حاولت باستمرار أن أكون متجردا من كافة العالقات االجتماعية البالية إليماني المطلق بأنها ال يمكن أن تبني معركة

الشعوب، وكان علي أن أكون مثاال في ذلك . في نفس الوقت كان غيري يركز باستمرار ويتمسك بهذه

العالقات من أجل دعم موقفه الشخصي أو حماية نفسه. لقد فهمت الحزب والثورة أنها ثورة على الذات قبل أن تكون ثورة على المجتمع، فيما فهمها اآلخرون ثورة من أجل المنصب

والمكاسب وإلرضاء الغرور الشخصي. لقد كنت راضيا عن نفسي دائما لثقتي أن هذا هو طريق

المناضلين. لقد كنت أول من ضحى بنفسه بقرار من رفاقه ومن أجلهم

آذار وبعدها وفي8دونما أية حسابات، وقد حدث ذلك قبل أيلول وفي كل المناسبات، فيما8 شباط و 23الثامن من آذار و

كان اآلخرون يستغلون هذه التضحية. لم أكن غبيا فقد كنت أرى كل شيء وأعرف كل األمور

واألغراض الشخصية لآلخرين. إن إيماني بحتمية انتصار مسيرة الثورة الشعبية كان يلجمني

باستمرار عن فضح وكشف كل االرتباطات وأعمال الخيانة والتجسس وحماية العمالء، إذ أن يقيني بتصاعد مسيرة الثورة

كان كفيال بسقوط هؤالء. كان ارتباطي بالمنظمة بالجماعة وبالشعب والجماهير أمرا

مقدسا بالنسبة لي كما كان يمنعني باستمرار من إتباع أيةسياسة شخصية في كل ما يتعلق بالقضية.

السؤال الثاني: هل هذه نهاية الثورة؟ قد تكون نهاية الثورة وقد تكون بدايتها:

- قد تكون إذا آمنا بحتمية انتصار االستعمار والصهيونية والرجعية والعمالء والمخادعين، وهذا ال يمكن أن يكون طبيعيا

في تاريخ الشعوب. - وقد تكون بدايتها ألنها في األصل لم تكن ثورة بكل معنى

الكلمة، لقد كانت انقالبا عسكريا يهدف للتحول إلى ثورة شعبية، آذار بيومين.8كانت هذه هي الفكرة التي ناقشناها قبل

شباط.23 - وكان هذا هو نفس السؤال الذي عرضناه قبل

363

- إن الظروف العامة في الوطن العربي مهيأة للثورة ويلزملذلك القيادة الثورية والحزب الثوري.

- لم تكن هذه النواة سليمة، فقد تفجرت فيها األلغام تباعا، وأفصحت هذه األلغام عن ارتباطاتها المشبوهة وعالقاتها بالدوائر

االستعمارية. كما تبين أن المؤسسات لم تكن مكتملة النضوج.

كانت اإلرادة أن تكتمل األداة من خالل النضال وهذه طبيعةالحياة .

قد ال يكون جيلنا من القادة محظوظا باالستمرار في قيادةالثورة، وقد أكون أو ال أكون أنا ألنني غير مهم.

المهم أن طريق الثورة مستمر ومؤكد لتحرير الشعب و ال يمكن أن يحقق ذلك إال من اعتبر بالمرحلة الحالية، و إال قوى الشعب

العاملة الكادحة. - إن التحرك األخير لرفيقنا وزير الدفاع وزمرته، يهدد كيان

الشعب ويهدم منجزاته وينسف أسسه، فهو كنيرون سيدمر القضية ويدمر نفسه ألنه مغرور مرتبط مشبوه ينفذ بدقة

مخططات األعداء من كل األصناف. - وبشكل خاص في الظروف الراهنة التي تهدد كيان األمة وبعد تصـاعد العمـل الفـدائي وتصـميم الشـعب العـربي على اسـترداد

كرامته. - إني ال أقول ما قلته طمعا في قيادة مقبلة فقد ال أكون حيا،

وال طمعا في زعامة، وال انتقاما أو تهويشا. - إنها كلمة إخالص أقولها للتاريخ ولألجيال ولكــل مــواطن كــادح

شريف. 1964 في مهرجان في مدرج الجامعة يوم السابع من نيسان

لمناسبة ذكرى تأسيس الحزب، جلس بجانبي في مقاعد الصف األول، بلباسه العسكري، وفي تقديم عريف الحفل للمهرجان حيا

وأن(1)ثورة آذار، فهمس عبد الكريم بأذني إنها "ورطة آذار" الثمن الذي علينا دفعه في حال الفشل غال جدا. ولقد أيقن أيام

األزمة المذكورة تلك الحقيقة. جاء عبد الكريم إلى مبنى1969 آذار 1 في ظهر يوم السبت

القيادة القطرية، ودخل إلى مكتبي "كان أغلب أعضاء القيادة القطرية موزعين على المحافظات" وبعد حديث مقتضب عن

األزمة التي تعصف بالحزب والحكم، وقبل أن يدخل إلى مكتب اللواء صالح جديد اتفقنا على تناول الغذاء، معا، في مبنى

القيادة، وطال الحديث بينه وبين اللواء صالح، صاحب اقتراح تغيير مراكز القوى، الذي كان يأمل في تنفيذ قرار القيادة مع

364

عدم إحداث شرخ في القيادة أو في المنظمة الحزبية، بينما كان عبد الكريم كان يرى ضرورة حسم التناقض، هذا التناقض الذي ال

.ينجم عنه سوى تفريخ أزمات أثناء خروج العقيد عبد الكريم من مكتب اللواء صالح اعتذر

، ومن مبنى القيادة توجه إلى منزله(2)عن البقاء لتناول الطعام واجتمع بزوجته "انتحرت بعد أشهر قليلة من انتحاره"، ومن

منزله توجه إلى مكتبه، واتصل هاتفيا برئيس شعبة المخابراتغ الفريق حافظ بأنني العسكرية العقيد علي ظاظا، وقال له: " بل

سأترك له البلد"، وسمع العقيد ظاظا عبر الهاتف صوت طلقةالرصاص.

من كتابه "البعث180 ويروي محمد حيدر في الصفحة والبينونة الكبرى": عندما دخلنا - إلى مكتب الرفيق حافظ األسد-

وقف الرفيق )حافظ( مستندا إلى طاولة المكتب ليسلم علينا وهو ممتقع الوجه والحزن واأللم باديان على وجهه، وبيده سماعة

الهاتف يطلب أطباء يثق بهم ليذهبوا فورا إلى مستشفى الطلياني حيث يتم إسعاف العقيد عبد الكريم الجندي وكان يردد

بين لحظة وأخرى كلمات األسف على ) أبو حسين ( ويلوم نفسهألنه بدل باألمس أرقامه الخاصة ولم يتذكر أن يعلمه بذلك.

صدر عن قيادة الحزب1969 آذار 2 في صبيحة يوم األحد البيان التالي:

تنعي القيادتان القومية والقطرية لحزب البعث العربي االشتراكي بمزيد من األسف الرفيق عبد الكريم الجندي الذي

توفي بعد منتصف ليلة أمس، والقيادتان القومية والقطرية اللتان عرفتا بالرفيق عبد الكريم الجندي مناضال صلبا وحزبيا أمينا

تسجالن في هذه المناسبة األليمة مواقفه البطولية في تاريخران بتاريخه النضالي الحافل بالتضحيات، تغمده الله الثورة وتذك

برحمته وأسكنه فسيح جنانه. كما نعى وزير الدفاع وضباط القيادة الفقيد، بالبيان التالي: إن الفريق الجوي حافظ األسد وزير الدفاع وضباط القيادة، وكافة ضباط القوات المسلحة ينعون بكل أسى إلى الشعب

العقيد الركن عبد الكريم الجندي الذي توفي فجر هذا اليوم األحد.1969الثاني من آذار

لقد فقدنا بفقده مناضال صلبا تمرس بالكفاح في سبيل قضية أمته وعرفته السجون مكافحا ال يلين، كما كان خالل خدمته

العسكرية مثاال في نكران الذات وفي أدائه للواجب ...

365

إن تضحية الفقيد في سبيل الرسالة التي حملها وآمن بها ستكون حافزا لعناصر قواتنا المسلحة للسير على طريق النضال

التي سار عليها والتضحية بكل شيء حتى تتحقق أهداف أمتنا. لفقيدنا الرحمة وآلله جميل العزاء والخلود لرسالة أمتنا ....

وإنا لله وإنا إليه لراجعون . إن كل من اجتمع مع عبد الكريم الجندي بعد مضي زمن على

ثورة آذار كان يسمع منه الجملة المأثورة التي قالها سعد زغلوللزوجته: مافش فايدة ياصفية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ( إن كل من اجتمع مع عبد الكريم الجندي بعد مضي زمن على ثورة آذار كان1 )

يسمع منه الجملة المأثورة التي قالها سعد زغلول لزوجته: ما فيش فايدة يا صفية. ( يروي الرفيق عبد الكريم ناصيف، أمين فرع الحزب بإدارة أمن الدولة وقتذاك:2)

أثناء دخولي إلى مبنى القيادة القطرية التقيت بالرفيق عبد الكريم الجندي فبادرني بالسؤال، قل لي كيف ينهي الساموراي حياته وكرر السؤال ثانية وبإلحاح طلب مني

اإلجابة، فأجبته، وودعني وخرج من مبنى القيادة.

ملحق.1932 من مواليد السلمية

أنهى دراسته الثانوية في حماة وحلب ، وكان دوما من الطلبةالنجباء والمبرزين .

شارك في نضال الحركة الطالبية وقاد المظاهرات في مختلفالعهود الرجعية التي تعاقبت على سورية بعد االستقالل.

انتسب إلى حزب البعث في السنوات األولى لتأسيسالحزب.

مارس مهنة1949 بعد حصوله على الشهادة الثانوية عام التعليم لمدة عام.

وتخرج منها برتبة مالزم1950 انتسب إلى الكلية الحربية عام مدفعي وكان من أوائل الخريجين.

تنقل في مختلف وحدات الجيش وكانت أكثر خدماته فيالجبهة الجنوبية الغربية.

ناضل في صفوف الجيش من أجل نشر مبادئ الحزب والفكرالثوري.

366

شارك مع رفاقه المناضلين في القضاء على ديكتاتورية أديبالشيشكلي.

في تنفيذ عصيان قطنا1957 امتثل ألوامر الحزب عام المعروف ضد المؤامرات التي كانت تحاك آنذاك، وردا على المخططات األمريكية التي فضحت في ذلك الوقت، وعلى

محاولة تصفية الضباط الشرفاء الذين يمثلون االتجاه الوطنيالتحرري.

كان له دور بارز بين رفاقه اآلخرين ضمن القوات المسلحة. 1958في النضال من أجل تحقيق الوحدة عام

إلى اإلقليم الجنوبي من الـ ج ع م وبقي هناك1959 نقل عام حتى وقوع االنفصال.

رغم الظروف البالغة الصعوبة الناجمة عن حل الحزب، لم يتخل عن مبادئ الحزب، واستمر مع رفاقه اآلخرين منذ وجوده

في مصر يناضل ضمن اللجنة العسكرية البعثية. أبعد إلى منطقة نائية بسبب1961 بعد عودته إلى سورية عام

بعثيته، وكانت خطة االنفصاليين ترمي إلى تصفية االتجاه الوحدوي االشتراكي داخل القوات المسلحة، وعلى هذا األساس سرح من الجيش مع مجموعة من رفاقه العسكريين في أواخر

وعين في مؤسسة حصر التبغ والتنباك وعرف عنه أثناء1961عمله بالدأب والجد واإلخالص.

كان يدرك إدراكا عميقا أبعاد جريمة االنفصال ، ويدرك اآلثار الخطيرة التي ستتركها في مسيرة الجماهير العربية ، وكان يدرك ، أيضا ، خطورة الفراغ السياسي الذي نجم عن حل

الحزب ، ولذلك فقد بذل، مع رفاقه جهودا كبيرة إلعادة تنظيم الحزب في االنفصال، وكان واعيا ألهمية التنظيم كضمانة إلنجاح

النضال الجماهيري. تابع نضاله مع رفاقه داخل القوات المسلحة ضد االنفصاليين

وكان لهذا النضال أثره الكبير في استعادة الجماهير لثقتهابنفسها بعد نكسة االنفصال .

التي قامت1962 آذار 28 كان من القادة البارزين في حركة في حمص وحلب ضد الهجمة الرجعية االستعمارية االنفصالية،

وعلى أثر ذلك سجن وتحمل جميع أنواع التعذيب من إهانة وضرب، ولكنه صمد أمام كل ذلك لما كان يتمتع به من صفاتقيادية ورؤيا واضحة للمستقبل الذي يتطلب مثل هذا الصمود.

بقي في السجن إلى ما قبل ثورة آذار بأشهر قليلة، وبعدخروجه من السجن تابع النضال مع رفاقه إلنهاء حكم االنفصال.

367

كان من القادة الذين خططوا لثورة آذار، كما شارك فعليا في تنفيذها حيث قاد إحدى الكتائب من الجبهة الجنوبية الغربية إلى

دمشق. شارك، بعد ثورة الثامن من آذار، مشاركة فعالة في بناء

التنظيم الحزبي داخل القوات المسلحة. شارك في كل المؤتمرات القطرية وفي أغلب المؤتمرات

آذار، وكان باستمرار يدعم بآرائه8القومية التي عقدت بعد االتجاه الثوري المبدئي الجماهيري الذي خاضته قواعد الحزب.

واستمر1964 انتخب عضوا في القيادة القطرية في مطلع عضوا فيها حتى وفاته.

.1965 استلم منصب وزير االصالح الزراعي عام ، وشارك1966 شباط 23 كان من القادة الرئيسيين في حركة

عمليا في تنفيذها. أيلول.8 ساهم بدور بارز في القضاء على مؤامرة

عين رئيسا لمكتب األمن القومي ورئيسا إلدارة أمن الدولة في وبقي في منصبه حتى وفاته .1966أوائل أيلول

مناقبه الشخصية عرف عنه الذكاء الحاد والجرأة والصراحة والوفاء والدقة

والثقافة العالية واإلطالع الواسع واعتماد المنطق العلمي وهوقارئ نهم ومتابع جاد لإلنتاج الفكري والثقافي.

عرف عنه الدأب والجلد واإلخالص في عمله إلى أبعد حدوداإلخالص.

كان محبوبا من رفاقه، وخاصة رفاقه الذين شاركهم ظروفالنضال السلبي.

عرف عنه االستعداد المطلق للبذل والتضحية. توفي وهو ال يملك شيئا، وكان قد تبرع بمنزله الذي ال يملك

في1968غيره في أسبوع دعم العمل الفدائي الذي أقيم أواخر دمشق.

حياته العسكرية:.1950/ 10 / 31دخل الكلية العسكرية في

. رفع لرتبة مالزم أول في1/11/1952رفع لرتبة مالزم في 1/1/1955.

. رفع لرتبة رائد في1/4/1958رفع لرتبة نقيب في 30/6/1961.

.1/1/1965. رفع إلى رتبة عقيد 1/1/1962رفع لرتبة مقدم في وظائفه العسكرية:

368

قائد سرية مدفعية. قائد كتيبة. رئيس أركان لواء مدفعية. قائدلواء مدفعية.

األوسمة التي استحقها: . وسام نوط1958. وسام ال ج . ع . م 1958وسام اإلخالص

.1958النصر . وسام الميدالية التذكارية ليوم الجيش1959وسام اإلخالص

1959 . . وسام1963. وسام االستحقاق السوري 1963 آذار 8وسام

. 1965الجيش العربي السوري ومن األوسمة الدولية، منح:

. وسام جيش الشعب1956وسام االستقالل األردني .1961اليوغسالفي

الـفـهـرسالموضوع الصفحة

المقدمة4

369

حزب البعث العربي –7النشأة والتكوين

دمج الحزبين، وزواج لم24يعمر

البعث والقيادة القومية47 البعث وبعض القضايا53 البعث واالنقالب على نظام حكم الشيشكلي54 البعث واالنتخابات النيابية59 البعث وانتخاب القوتلي لرئاسة الجمهورية71

إعادة تنظيم الحزب في78االنفصال

استقالة الوزراء السوريين130في فترة الوحدة

فترة االنفصال- البعثيون134والناصريون

18 أيلول حتى 28 من تموز

1961 أيلول 28 انقالب 135 1962 آذار 28 انقالب 139 مؤتمر شتورا 144 عصيان كتلة النحالوي العسكرية1451963 آذار 8 انقالب 149 المحادثات من أجل الوحدة158 ما بين اللجنة العسكرية وزياد الحريري163 تموز الدامي 18 اإلعداد ليوم 166

1966 شباط 23 حركة 172 محاولة عصيان الرائد سليم243

حاطوم في السويداء 1967 حرب حزيران 265 عبد الكريم الجندي309

370