ﻡ٢٠١٥ ﺵﻫ١٣٩٣ ﺀﺎﺘﺷ ،ﻥﻭﺮﺸﻌﻟﺍ ﺩﺪﻌﻟﺍ ،ﺔﻤﻜﳏ...

28
ﺎ، ﻓﺼﻠﻴﺔ ﳏ ﹼﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺁﺩﺍ ﳎﻠﺔ ﺩﺭﺍﺳﺎﺕ ﰲ ﺍﻟﻠ ﻤﺔ، ﺍﻟﻌﺪﺩ ﺍﻟﻌﺸﺮﻭﻥ، ﺷﺘﺎﺀ١٣٩٣ . / ٢٠١٥ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﲢﻠ ﺔ ﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﺎﺕ ﺍﻟﻠﻔﻈ ﺔ ﻭﺍﳌﻌﻨﻮ ﺔ ﻋﻨﺪ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ ﺪ ﻭﱄ ﺯﺍﺩﻩ* ﺳﮑ ﻨﻪ ﺩﺍﻏﻠﻪ** ﺍﳌﻠﺨ ﻗﺪ ﺃﺩﰊ ﻇﺎﻫﺮﻱ ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﺔ ﺗﻨﺎﻗﺾ ﻭﺍﻟ ﻕ ﺍﻟﺸﻌﺮﻱ ﹶﻭﻡ ﺍﻟﺘﺬ ﮐﻤﺎ ﻫﻲ ﻟﻺﻧﺴﺎﻥ ﻭﺇﺑﺪﺍﻋﻪ ﺍﻟﻔﲏ ﻨﺜﺮﻱ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻓﻨ ﺴﺘﺨﺪﻣﻬﺎ ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﳌﻌﺎﺻﺮ ﻟﻠﺘﻌﺒ ﻋﻦ ﺍﳌﻌﺎﱐ ﻭﺍﻷﻟﻔﺎﻅ ﺍﳌﺘﻨﺎﻗﻀﺔ. ﹴ ﻳﺘﻨﺎﻗﺾ ﻭﻫﻲ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﻟﻘﻮﻝ ﻋﻠﯽ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺇﻟﯽ ﺍﻋﺘﺒﺎﺭ ﺧﻔﻲ ﹴ ﻣﺎ ﺑﺎﻻﺳﺘﻨﺎﺩ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﺸﺎﺋﻊ ﰲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻣﻊ. ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﺔ ﰲ ﺍﻻﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺗﻌﺎﰿ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻷﺩﻳﺐ ﺃﻭ ﺍﻟﺸﺎ ﻋﺮ ﻭﺗﻔﺘﺢ ﻟﻪ ﺍﻟﻄﺮﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﺇﻟﻘﺎﺀﻩ ﺮ ﻋﻤ ﺎ ﻳﺪﻭﺭ ﰲ ﺫﻫﻨﻪ ﻭﻳﻌﺒ ﻖ ﻟﻴﻔﺼﺢ ﻋﻤ ﹼﻲ ﺑﺎﺳﺘﻌﻤﺎﳍﺎ ﻟﻠﻤﺘﻠﻘ. ﺨﺎﺫﻫﺎ ﺑﻌﻨﻮﺍﻥ ﰲ ﺍﻷﺩﺏ ﻟﻜﻦ ﻻ ﺑﺼﻮﺭﺓ ﻣﻀﺒﻮﻃﺔ ﻛﺎﺗ ﹴ ﻣﺪﻳﺪﺴﺘﻌﻤﻞ ﻣﻦ ﺯﻣﻦ ﻭﻫﻲ ﺗ ﹼ ﰲ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﳊﺎﺿﺮ ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻓﻦ. ﹼ ﺍﳌﻔﺎ ﺇﻥ ﺭﻗﺔ ﺗﻮﺟﺪ ﰲ ﺷﻌﺮ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻭﻳﺼﻔﻬﺎ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ ﻣﻊ ﺃﻧﻮﺍﻋﻬﺎ ﻳﺴﺘ ﻌﲔ ﻹﺑﺮﺍﺯ ﺃﻓﻜﺎﺭﻩ ﻭ ﻋﻮﺍﻃﻔﻪ. ﻳﺴﻌﯽ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺇﻟﯽ ﺗﺒﻴﲔ ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﺔ، ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺎﺭﺍﺩﻭﻛﺲ ﺍﻟﻠﻔﻈﻲ ﻭﺍﳌﻌﻨﻮﻱ، ﺗﺒﻴﲔ ﻣﻮﺍﺿﻌﻬﺎ ﰲ ﺷﻌﺮ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ، ﺍﻟﺸﺎﻋﺮ ﺍﻟﻌﺮﰊ ﺍﳌﻌﺎﺻﺮ، ﻛﻤﺎ ﻳﺴﻌﻰ ﺇﱃ ﲢﻠﻴﻞ ﺷﻌﺮﻩ ﻔﻴ ﻨﺎﻗﺶ ﻛﻴ ﺍﺳﺘﻌﻤﺎﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻋﻨﺪ. ﻭﺑﻌﺒﺎﺭﺓ ﺃﺧﺮﯼ، ﺴﻌﯽ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺇﻟﯽ ﺭﺻﺪ ﻭ ﺇﺿﺎﺀﺓ ﻭﺍﳌﻌﻨﻮﻱ ﺔ ﰲ ﻧﻮﻋﻴﻬﺎ ﺍﻟﻠﻔﻈﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﻗﺎﺕ ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﻴ ﰲ ﺷﻌﺮ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ. ﻗﺪﻀﺢ ﻟﻨﺎ ﺧﻼﻝ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺃﻥ ﺍﺗﺔ؛ ﻋﻠﯽ ﺍﻟﻀﺪ ﻣﻮﺿﻮﻋﻪ ﻣﺒﲏ ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﺔ ﺗﺮﻛﻴﺐ ﺃﺳﺎﺳﻲ ﻭﻧﺘﺎﺋﺞ ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﺔ ﻋﻤﻠﻴ ﺔ ﻣﺸﺘﺮﮐﺔ ﺑ ﺍﳌﺒﺪﻉ ﻭﳏ ﻄﻪ ﰲ ﺍﻟﺒﺪﺀ. ﹼﻤﺎ ﺍﺳﺘﺨﺪﻡ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺃﺭﺍﺩ ﺑﻨﻮﻉ ﻭﺃﺩﻭﻧﻴﺲ ﻛﻠ ﻣﺎ ﺃﻥ ﹼﱵ ﺗﺪﻭﺭ ﰲ ﻳﺮﺳﻢ ﺍﻟﺘﺮﺍﻛﻴﺐ ﻭﺍﳌﻌﺎﱐ ﺍﻟﺨﺬﻫﺎ ﻣﻦ ﺳﺒﻘﻮﻩ ﹼﱵ ﺍﺗ ﺫﻫﻨﻪ ﺑﺄﺳﻠﻮﺏ ﳜﺘﻠﻒ ﻋﻦ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ ﺍﻟ. ﻟﻘﺪ ﺍﺳﺘﺨﺪ ﻡ ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﺔ ﺑﻨﻮﻋﻴﻬﺎ ﺍﳌﻌﻨﻮﻳ) ﮐﺎﻟﺘﺸﺎﺅﻡ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻝ( ﺔ، ﻭﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺘﻤﺎﻳﺰ ﻭﺍﻟﻠﻔﻈﻴ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ. ﻛﻠﻤﺎﺕ ﻣﻔﺘﺎﺣ: ﺍﳌﻔﺎﺭﻗﺔ، ﺃﺩﻭﻧﻴﺲ، ﺍﻟﺒﺎﺭﺍﺩﻭﻛﺲ، ﺍﻟﻠ ، ﺍﳌﻌﻨﻮﻱ ﻔﻈﻲ. * . ﺃﺳﺘﺎﺫ ﻣﺴﺎﺎ ﲜﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﻣﺪﱐ ﺑﺄﺫﺭﺑﻴﺠﺎﻥ ﻋﺪ ﰲ ﻗﺴﻢ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺁﺩﺍ. [email protected] ** . ﻃﺎﻟﺒﺔﺎ ﲜﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﺸﻬﻴﺪ ﻣﺪﱐ ﺑﺄﺫﺭﺑﻴﺠﺎﻥ ﻣﺎﺟﺴﺘﲑ ﰲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻭﺁﺩﺍ) ﺍﻟﻜﺎﺗﺒﺔ ﺍﳌﺴﺆﻭﻟﺔ( [email protected] ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ: ١٥ / ٠٦ / ١٣٩٣ . = ٢٧ / ٠٨ / ٢٠١٤ ﺗﺎﺭ ﻳﺦ ﺍﻟﻘﺒﻮﻝ: ٠٦ / ١١ / ١٣٩٣ . = ٢٦ / ٠١ / ٢٠١٥

Upload: others

Post on 22-Oct-2020

13 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • م٢٠١٥/ش.ه١٣٩٣ شتاء، العشرون مة، العددكّجملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا، فصلية حم

    ة عند أدونيسية واملعنوياللفظ ة لظاهرة املفارقاتيليدراسة حتل

    **نه داغلهيسکو *زادهد ويليمح امللخص

    نثري لإلنسان وإبداعه الفين کما هي قدم التذَوق الشعري والمياملفارقة تناقض ظاهري أديب قد وهي إثبات لقولٍ يتناقض . واأللفاظ املتناقضة عن املعاينريستخدمها الشاعر املعاصر للتعبية يظاهرة فن

    علی الرأي العام إلی اعتبار خفي الرأي الشائع يف موضوعٍ ما باالستناد املفارقة يف االستخدام . معق ليفصح عما يدور يف ذهنه ويعبر عما يريد إلقاءه يعر وتفتح له الطرتعاجل أهداف األديب أو الشا

    وهي تستعمل من زمنٍ مديد يف األدب لكن ال بصورة مضبوطة كاتخاذها بعنوان . للمتلقّي باستعماهلاويصفها أدونيس مع أنواعها رقة توجد يف شعر أدونيس واضحةًإنّ املفا. فن مستقلّ يف العصر احلاضر

    أو البارادوكس اللفظي ،يسعی هذا البحث إلی تبيني املفارقة. إلبراز أفكاره و عواطفه ا عنييستوشعره كما يسعى إىل حتليل املعاصر، العريب الشاعر ،أدونيسيف شعر مواضعهاتبينيو ،واملعنوي

    إضاءة سعی هذا البحث إلی رصد وي ،أخری وبعبارة. هاستعمال هذه الظاهرة عند ناقش كيفيةيوواملعنوي ة يف نوعيها اللفظيضح لنا خالل هذه الدراسة أنَّ قدو .يف شعر أدونيس السياقات املفارقيات

    طه ي املبدع وحمنية مشترکة بونتائج املفارقة عملي املفارقة تركيب أساسي موضوعه مبين علی الضدية؛يرسم التراكيب واملعاين الّيت تدور يف أن ماوأدونيس كلّما استخدم هذه الظاهرة أراد بنوعٍ . يف البدء

    م أدونيس املفارقة بنوعيها لقد استخد. ذهنه بأسلوب خيتلف عن األساليب الّيت اتخذها من سبقوه .كما هو اًواللفظية، واستطاع أن يكون متمايز) کالتشاؤم والتفاؤل(املعنوية

    .فظي، املعنوياملفارقة، أدونيس، البارادوكس، الل: ةيكلمات مفتاح

    .عد يف قسم اللغة العربية وآداا جبامعة الشهيد مدين بأذربيجانأستاذ مسا. *

    [email protected] )الكاتبة املسؤولة( ماجستري يف اللغة العربية وآداا جبامعة الشهيد مدين بأذربيجان طالبة. **

    [email protected] م٢٦/٠١/٢٠١٥= ش.ه ٠٦/١١/١٣٩٣: يخ القبولم تار٢٧/٠٨/٢٠١٤= ش.ه١٥/٠٦/١٣٩٣: تاريخ الوصول

  • ١٢٢ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    املقدمةإنّ الشاعر مطالب بلغة مبتكرة، وهذا ليس معناه ابتكار دالالت لغوية جديدة غري واردة يف

    عد اخلطاب األديب خلق ي. ١املعاجم، إال أنّ االبتكار يكون يف التشكيل، وهو التركيب املميز للدالالتوجودة فيبعث فيها لغة وليدة هي لغة األثر الفني؛ إنّ لغة من لغة، أي أنّ صانع األدب ينطلق من لغة م

    كبلها يمفهوم اخللق يف عملية اإلبداع اإلنشائي يرتبط بقدرة اإلنسان علی ختليص الكلم من القيود الّيت . ٢تراكم عليها من ضبابية املمارسة، فاإلبداع إحياء الكلمة بعد نضوايا االستعمال وتطهريها مما

    ری املتلقّي ذلك يادوكس كالم حمتوٍ علی مفهوم متناقض يف الظاهر؛ ويف النظرة األولی الباروراء ذلك القناع الالمعنی، فحقيقةٌ مستترة، يضطّر املتلقّي أن يدقّق النظر لكنالتركيب ال معىن له،

    ؛ امل. ٣فيه ليكشف عن ذلك املفهوم اجلميل املخفية لذلك يف استخدام املفارقة ابتكارفارقة بنية أسلوبيقادرة بوساطة إشعاعاا الشعرية املنبهة واملستندة إىل العدول على أن تلبي أهم اخلصائص الّيت يتطلّبها

    التورية، والتعريض، : الفن واألدب والشعر السيما فاعلية التلقّي والتفرد غرابةً وعمقًا؛ وهي تكون يف، واملدح يف معرض الذم، والذم يف معرض املدح، واملغالطة، وجتاهل العارف، والتشكيك، واإلملاع

    والتهكم، واهلزل الّذي يراد به اجلد؛ إذ التبين هذه املصطلحات للوهلة األولی عن دالالا من األلفاظ .الظاهرة للمتلقّي، ولكن يتم التوصل للدالالت بعد االلتفات علی األلفاظ داخل السياقات

    سلوب والوسيلة الفنية إىل البالغة العربية الّيت انصب اهتمامها على لون من ترجع أصول هذا األأم يف صورته املرکّبة ) الطباق(التصوير البديعي القائم على مبدأ متضاد سواء أکان يف شکله البسيط

    عبارة واحدة ومن املعلوم أنّ هذا املبدأ يقوم على اجلمع بني املتضادات اللفظية يف بيت أو) املقابلة( .ويشتمل على تناقض واقعي بني أجزاء املفارقة

    أنه ال يوجد حتديد واضح للمفارقة، -وهو من أهم دارسي املفارقة - ٤كيميو. سي. يويری دوال توجد قائمة حتتوي على تکنيکات املفارقة وطرق استخدامها، حتى يتمکّن الناقد من وضع بطاقة

    وکذلك ترتبط املفارقة الّيت . بارات املفارقة الّيت جيدها يف النص األديبتعريف على کلّ عبارة من ع

    ٤٤، ص شعر أدونيس البنية والداللةراوية حيياوي، . ١ ٥٧، ص النقد واحلداثةعبدالسالم املسدي، . ٢ ٤٦، ص ي هنر شاعريواژه نامهميمنت مريصادقي، . ٣

    4 . D.C.Muecke

  • ١٢٣ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    اهلجاء. عنده بکثري من اشکال التعبري األديب ا من فنمزجي ة ١فهي تعدالسخري ٢وفن العبث والفن وفن

    ٣.الضاحكفاق ويف مجيع أدونيس هو ناقد، كاتب وشاعر سوري، ذاع صيت أشعاره احلديثة والغنية يف اآل

    أحناء العامل وأدهش عقول الناس باستعماله قصيدة النثر، بتبعٍ من معاصريه كيوسف اخلال وحممد .املاغوط، زاد علی األدب العريب غناًء وألبسه زيا جديداهل استطاع أدونيس أن يستعمل هذه : ة وهييحنن تم يف هذه املقالة باإلجابة على األسئلة التال

    ع أن يدة بنحوٍ خمتلف عن الشعراء اآلخرين؟ ما هدفه من استخدامها؟ هل نستطية اجلديهرة البالغالظانقول إنّ املفارقة عند أدونيس هي إحدی أبرز احلوافز املستخدمة يف شعره؟ ما هي النسبة املئوية

    للمفارقة املستخدمة يف الدواوين الشعرية املدروسة يف هذا البحث؟أي يف جمموعته الکاملة اليت – املفارقات املستخدمة يف شعر أدونيس نيل إلی تبييسعی هذا املقا

    احتوت علی بعض دواوينه الشعرية کقصائد أولی، وأوراق يف الريح، وأغاين مهيار الدمشقي، وکتاب املفارقة : مها إلی قسمنييبتقس -التحوالت واهلجرة يف أقاليم النهار والليل، وديوان أقاليم النهار والليل

    ، ويشري إلی هدف استعمال تلك املفارقات، ويوضح )التشاؤم والتفاؤل(اللفظية واملفارقة املعنوية .اإلبداعات اجلديدة من التراكيب الّيت أخذها أدونيس ليبين مقصوده وما يريد اإلشارة إليه

    خلفية البحثضمن » ميويك. سي. دي«ها حبثان لـ ظيت املفارقة األدبية بدراسات مستقلّة كثرية، من أمهّح

    »هلما حتت عنوان » موسوعة املصطلح النقديا«وثانيهما » املفارقة«أو؛ تناول »املفارقة وصفاالكاتب فيهما املفارقة وتطورها من حيث املفهوم واألنواع والعناصر والوظائف، مستمدا مناذجها من

    عيون األدب الغريب .ة يف لغة الشعر يالبنيات األسلوب«ة جتدر اإلشارة إلی كتاب ومن الدراسات العربيللخطاب ) StyleMarkers(ث يعتربها من السمات األسلوبية يملصطفی السعدين، ح» ثيالعريب احلد

    مؤكدا على إمكانية حتقيق املفارقة علی املستويات الصوتية والتركيبية والداللية واإليقاعية، ولنبيلة ، حاولت خالله حتديد مفهوم املصطلح »املفارقة«حتت عنوان » فصول«ث منشور يف جملة إبراهيم حب

    ضا نشرت مقالة يوأ. ني واستشهدت بنماذج من األدب العريب قدميه وحديثهيمستعينة مبا لدی الغري

    1 .Satire 2 . Sarcasm 3 . Humour. muecke, 1982, 17ص

  • ١٢٤ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    يف شعر املفارقة التصويرية«بعنوان » اإلبداع الفني يف شعر أمحد مطر«لكمال أمحد غنيم يف كتابه وإضافةً إلی ذلك، يف . ، أشار فيها إلی املفارقة كلّيا واملفارقة التصويرية يف شعر مطر جزئيا»أمحد مطر

    من الشعراء رية ظهرت ذا العنوان وقد اهتم مبوضوع املفارقة كثريجامعات الدول العربية مقاالت كثلألستاذ » مناجاة اجلواهري ومجالية املفارقة«: تواألدباء خاصةً شعراء عصرنا احلاضر؛ من تلک املقاال

    لغنام حممد » املفارقة الزمنية يف ار عراقي لعبدالرمحن جميد الربيعي«سوادي فرج جبامعة البصرة، وهلشام فاضل حممود » إشكالية املفهوم والرؤية... املفارقة يف الشعر«خضر جبامعة تكريت يف العراق، و

    لتغريد ضياء » املفارقة عند اخلوارزمي يف رسالته إلی البديهي الشاعر أمنوذجا«ضا يرية، أجبامعة املستنص يلعامر صالل احلسناو» املفارقة التصويرية يف شعر مهيار الديلمي«مشفي يف جامعة املستنصرية، و

    کثريون بقضية املفارقة ران ايضا لقد اهتم باحثونإيويف . جبامعة املثنی يف مدينة السماوة العراقية» فارقة التصويرية يف شعر معروف الرصايفامل«مقالة : بأساليب متنوعة ومتفاوتة عن األخری؛ منها

    زاده وعلي خالقي وعلي صياداين؛ يف هذه املقالة اهتم الکتاب بأنواع املفارقات التصويرية حلميد ويلفارقة التنافر البسيط واملفارقة الدرامية يف شعر فارقة الالشخصية ومفارقة االستخفاف بالذات ومکامل

    » ی آن در بالغت عريببارادوکس خاستکاه وبيشينه«معروف الرصايف، وأيضا مقالة حتت عنوان فرد وفرزانة مهرکان؛ خصص الباحثان هذه املقالة بفحص املفارقة ومعاجلتها يف لغالمرضا کرميي

    منا در منادهاي شعر متناقض«ومقالة لعدنان طهماسيب بعنوان األدب العريب من حيث أبعاده البالغية؛ اب؛ والکاتب يف هذا املقال سعی إلی تبيني املفارقة والرموز الشعرية يلبدر شاکر الس» أنشودة املطر

    وأيضا کيفية ظهور املعنی يف أنشودة املطر حبيث وصل يف النهاية إلی نتائج متعددة منها استخدام ت املتفارقة يف آن واحد کالفرح واحلزن والرطب واجلفاف واملوت واحلياة عند بدر األلفاظ واحلاالمنا در شعر عريب معاصر بر اساس متناقض«ومقالة لروح اهللا صيادي نژاد حتت عنوان . شاکر السياب

    ؛ حيث اهتم الکاتب يف هذه املقالة بدراسة املفارقة »شعر حممود درويش وأمل دنقل وسعدي يوسفرسم التصاوير البارادوکسية يف الشعر املعاصر وبيان أنواع املفارقة من ينصوص األدبية العربية کما يف ال

    ة لظاهرة املفارقاتيليلکن الکتاب يف هذه الدراسة املسماة بدراسة حتل. حيث العناصر الدستوريقات اللفظية واملعنوية ة عند أدونيس، کما واضح من امسها، سعوا إلی استخراج املفارية واملعنوياللفظ

    من أشعاره وتقسيم املفارقة املعنوية إلی قسمي املتشاؤمة واملتفائلة؛ حيثُ يف الدراسات السابقة يف جمال . عاجل هذا البحث ذه الطريقة وهذا األسلوب بتاتايدراسة املفارقةمل

  • ١٢٥ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    املفارقة لغةً واصطالحا

    فارق فالنا من : قاليمبعنی باعد، و» فارق«هي مصدر ط،يکما جاء يف املعجم الوس ،املفارقة لغةًويف لسان العرب، هي . ١ه اتفاقهماينه علی أمرٍ وقع علينه وبيقطع األمر ب: حسابه علی کذا وکذا

    إذن املفارقة هي الفرق . ٢نهايبا: نة واالسم الفُرقة، وفارق فالنٌ امرأته مفارقةً وفراقًايمبعنی املباق والفصل والتباعد والتباين بني شيئني أو أمرين أو موقفني، السيما إذا كان األمران علی طريف واالفتراواألول مشتق من لفظة ؛Irony: و Paradox: نياملفارقة املصطلح عادليث تويف العصر احلد. نقيض

    Paradoxum نة منة املكوالالتينيPara أي املناقض، وdoxa إذن . ٣عقيدةالّيت تعين الرأي والParadox يزول بعد التدقيق والتفتيش ا . يعين أن يكون يف العبارة تناقض ظاهريوأمIrony فيعين

    "Irony"قد ورد . ٤»يتوقّع وتعين أيضا حدوث ما ال... التعبري عن موقف ما علی غري ما يستلزمه« ٥قعوا فريسة حماورات سقراطعلی لسان أحد الّذين و» اجلمهورية«ألول مرة يف كتاب أفالطون أي

    أول " وسريأوم"«: حدثنا أرسطو عن ظهور هذا الفن قائالً. مما يقطع باليقني يف كون املصطلح فلسفياأما املفارقة .٦»ةس فيه اهلجاء فقط، ولكن من باب االستهزاء واملطانزيمن أظهر شكل صناعة هجاء ل

    كل خيالف ظاهرة ذلك املعنی؛ فنجد التباين واخلالف اصطالحا، فهي أسلوب يعبر عن معنی ما بشواملناطقة يعتربون القضيتني متناقضتني، إذا استلزم صدق إحدامها، كذب . بني السطح والعمق

    .٧األخریاملستوی : وجود مستويني للمعنی يف التعبري الواحد: للمفارقة األدبية مقومات وحمددات هي، أوالً

    : إدراك التعارض بني احلقائق علی املستوی الشكلي للنص، وثالثًا: كامن، ثانياالسطحي، واملستوی ال .٨وجود ضحية يف املفارقة

    ٦٨٥ص املعجم الوسيط، اهيم أنيس وغريه، إبر. ١ ١٢، ص لسان العرب حممد ابن مکرم ابن منظور،. ٢

    3 . David, B Guralink ،Websters New World Dictionary,prentice Hall press ، pg ١٣، ص متناقض منايي در شعر فارسيوامري جناري، ١٠٢٦

    ٦١، ص يف النقد احلديثنصرت عبدالرمحن، . ٤ ١٣١ص املفارقة،نبيلة إبراهيم، . ٥ ٩٣-٩٢، ص فن الشعرأرسطو طاليس، . ٦

    7 .P ،Edward ،The Encyclopedia of Philosophy ،pg ٧١ ١٣٣ص املفارقة،نبيلة إبراهيم، . ٨

  • ١٢٦ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    .. ١»التناقض الظاهري«؛ األول هو املفارقة، والثاين "Paradox"ويف اللغة العربية معادالن لــ ظاهرها مع أا بالفحص والتأمل وأما املفارقة الظاهرية فهي عبارة تبدو متناقضة أو غري معقولة يف

    ث يواتسع النطاق الداليلّ هلذا املصطلح إلی النقد األديب والبالغة؛ ح .٢يتبين أنّ هلا أساسا من احلقيقةوعلی الرغم من املفارقة يف علم املنطق فإنّ . شاع استخدامه فيهما كمصطلح سائد، له داللته اخلاصة

    عبارة تبدو متناقضة أو غري معقولة يف ظاهرها، مع أنها «املعنی، ألا املفارقة األدبية ليست عدمية . ٣»تبين هلا أساس من احلقيقةيبالفحص والتأمل

    بوصفه أسلوبا أدبيا استخدمه الشعراء والكتاب، يف )Paradox(مل يدخل مصطلح املفارقة لرغم من قدم مفهومه؛ كانت استخداماته االستعمال األديب العام حتی بدء القرن الثامن عشر علی ا

    ة ومتنوعة، األمر الّذي جعل املفارقة مصطلحا غامضا وغري مستقر ومتعدد األشكال، إذ يتغير ريكثمعناها من زمان إلی زمان ومن مكان إلی مكان، بل إنها تتغير من إنسان إلی آخر فهما وغايةً، حتی

    هذا . ٤لونا من ألوان املفارقة يف الشعر والنثر) ١٥(ی ما يقرب من صحي أن نياستطاع عدد من الباحثأن يتصدی – نيالقدماء و احملدث –عند الغربيني وأما يف اللغة العربية فلم حياول أحد من الباحثني

    للمصطلح وحتديده، علی الرغم من ظهوره واضحا يف األدب العريب قدميه وحديثه، ولعلّ سبب ذلك مفهوم املفارقة بكثري من األشكال البالغية كالسخرية والتهكّم وتأكيد املدح مبا يشبه الذم اختالط

    .د الذم مبا يشبه املدحيوتأكعلم املنطق و الفلسفة و : تستعمل املفارقة يف جماالت خمتلفة، لتبيني أهداف ومقاصد شتى منها

    :تعماهلا يف النصوص الدينية؛ نشري باختصار إلی اس....األدب والنصوص الدينية و املفارقة يف النصوص الدينية

    ها معنی ما يف يساق فيإنَّ املفارقة هي أن تقول شيئًا وتقصد سواه، وهي شکل من أشکال القول إنّ اهللا عز وجلّ أتی جبملٍ . قصد منه معنی آخر غالبا ما يکون خمالفًا للمعنی السطحي الظاهري نيح

    تفارقة وافرة يف القرآن الكرمي ليعبر عما يقصده هلداية عباده، علی سبيل املثال يف وآيات متضادة وم، يف هذه اآلية نری مفارقة )١٧٩/ البقرة(﴾ ا أولي األلْبابِيلَكُم في الْقصاصِ حياةٌ ﴿و: سورة البقرة

    . ١٦٢، ص معجم املصطلحات العربية املعاصرةسعيد علوش، . ١ .١٤٠ص املفارقة،نبيلة إبراهيم، ٢

    .٣٧٦و١٢٣، صصمعجم املصطلحات العربية يف اللغة و األدبدي وهبة و کامل املهندس، جم. ٣ ٢٥ -٢٠الدكتور عبد الواحد لؤلؤة، ص : املفارقة وصفاا، ترمجةميويك ، . سي. دي. ٤

  • ١٢٧ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    كن حكم القصاص ي اة، أما اذا مليحيكي عن القتل واملوت ال عن احل» القصاص«بديعة جدا؛ ألنّ

    والقتل، لن تكون حياة ويفشی القتل يف اتمع ويصري أمرا عاديا و يف هذه احلالة دد األخطار : و يف آية أخری يقول سبحانه وتعالی. واحلوادث حياة البشر ومل يكن مرتاح البال ولو حلظةً

    يسمعونَ فيها لَغوا وال تأثيما إالّ قيالً سالما ال و﴿) ٦٢/ ميمر(﴾ اليسمعونَ فيها لَغوا إالّ سالما﴿كون لغو وال هلو باطل، وهنا يف هذه اآليات يمن املؤكّد أنه يف اجلنة لن ) ٢٦ - ٢٥/الواقعة(﴾ سالما

    إنّ اهللا سبحانه وتعالی يصف اجلنة، ومن الشواهد والقرائن املوجودة نصل إلی هذه النتيجة أنّ هذا الم فيه تناقض ظاهري وبتركيز واستمداد من الفكر، يزيل ذلك التناقض وتنكشف حقيقة اآلية الك

    .واهلدف من بياا وأنواع املفارقة عنده ١سيأدون

    أدونيس من الشعراء اددين يف الشعر العريب و من رواد الشعر احلديث الّذين حاولوا التحرر من د املاغوط وإنسي كان من حوله ع. اإلطار التقليديد بينهم يوسف اخلال وحممدد من الشعراء اجلُدويرشد تهوهو أول شاعر يف العصر احلديث يكتب عن التراث الفكري واألديب ألم. احلاج وسواهم

    أول شاعر يكون يحثّ علی استلهام األولی وجتنب الثانية، كما أنه ربمافإلی جوانبه املضيئة واملظلمة، خيتار من هذا التراث األديب مناذج شعرية ومنتخبات تذكرنا حبماسة أيب متّام ومنتجات معاصر

    ؤصلها ويدعو إليها ويفرد هلا مفهوما ومصطلحا ورؤية يالبارودي؛ وهو أول شاعر يعىن باحلداثة، .خاصة ا

    توياا الكالسيكية وشديدة إنَّ اللغة الشعرية عند أدونيس مدينة إلی بالغة اللغة العربية يف مسيف شعر أدونيس مثّة أصالة وتعقيد، وكثري منه مييل حنو التصوف واملتافيزيقية، وهي نزعة . ٢التعلّق ا

    فرفضه إطار احلياة االجتماعي والسياسي، وأمله يف يقظة قومية يزدادان . متصاعدة يف ذلك الشعر

    علي ( .يف قرية قصابني بسوريا. م١٩٣٠ولد يف سنة . هو الشاعر والناقد علي أمحد سعيد إسرب املعروف بأدونيس. ١درس يف قريته علی يد أبيه مث التحق ) ٨محيد كرمي خاين، ص : ، ترمجةملس كردن روشناييأمحد سعيد، أدونيس،

    بالليسية الفرنسية يف طرطوس حيث أكمل دراسته اإلعدادية وأی املرحلة الثانوية يف الثانوية الرمسية بالالذقية وحاز م من ١٩٧٣امعة السورية يف دمشق وحصل علی الدكتوراه يف األدب العريب سنة اإلجازة اجلامعية يف الفلسفة من اجل .)٢٥-٢٣حبيب بوهرور، تشکل املوقف النقدي عند أدونيس ونزار قباين، صص (جامعة القديس يوسف يف بريوت

    واألب روبرت بکامبل ال(إنّ أدونيس هو أحد الشعراء املعاصرين القالئل الّذين اشتهروا خارج العامل العريب يسوعي.، .)١٦١ص أعالم األدب العريب املعاصر، سري و سري ذاتية،

    ٦٥٥، ص عبدالواحد لؤلؤة: ، ترمجةاالتجاهات واحلركات يف الشعر العريب احلديث اجليوسي،سلمی اخلضراء . ٢

  • ١٢٨ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    وتصبح جتربة هذا الشاعر، يف أحسن تعابريها وأرقاها، . ليةتالمحا مع غريمها من مشكالت الوجود األزمرآة عذاب اإلنسان األذيلّ وأمله وحبثه األبدي عن احلقيقة ضمن إطار التجربة العريب املعاصر يف عامل

    ة رفيعة . يقف علی مفترق طريق تارخييا يف صور ورموز ذات نوعيا مباشرجيد تعبري وإدراكه العاطفيبلغ دائما نظام التوليف الضروري للقصيدة املتافيزيقية اجليدة، ليبلغ يإنه لصحيح أنه ال. حياناجدا أ

    ا برفض أساسياليرغب يف الوصول إلی ذلك، مدفوع ا، ولكن لعلّهالتنافس بني العناصر الّيت تكو .١لبلوغ التنافس يف عامل عريب شديد التنافر يف كلّ جمال

    املفارقة يف شعر أدونيس كما تعددت أغراضها، فقد تقوم هذه املفارقة علی تعددت أشكالاستثمار ألفاظ اللغة وأصواا ودالالا، وقد تكون بناًء فكريا قائما علی إمعان النظر يف الواقع

    اعها من واألشياء وقد تأيت تأكيدا لذات أدونيس املتعالية املتسامية؛ ميكن أن حنصر وجوه املفارقة وأنور بالذکر أنَّ يوجد. ث اللفظ واملعنی كما بدت لنا يف شعر أدونيس باملفارقة اللفظية واملعنويةيح

    ة، ومفارقة االستخفاف بالذات، ومفارقة التنافر البسيط، واملفارقة يللمفارقة أنواعا کاملفارقة اللّاشخص .اليت التم ا هنا... و الدرامية

    املفارقة اللفظيةي املفارقة الّيت تستمد من األلفاظ وإمكاناا الداللية والصوتية قدرا علی إحداث نوع من ه

    املفاجأة العقلية الّيت تصدم وعي القارئ وتتركه حائرا قبل أن حتفز ذهنه لتجاوز املعنی الظاهري للعبارة لغوية، فالبد لصاحبها أن وملا كانت املفارقة يف أخص خصائصها صنعة . وصوالً إلی مراد الشاعر

    دون الوقوع يف اخلطأ اللغوي ،يكون ذا مهارة فائقة يف حتريك اللغة علی املستويني الداليلّ والتركييبس القارئ . ٢أو التعبريية، و حيسالداللة القضي ة عندما يعكس ظاهرأُخری تربز املفارقة اللفظي وبعبارة

    وهنا مير القارئ بثنائية حادة بني اللفظ واملعنی؛ عرف حممد العبد املفارقة باملغايرة بني املبنی واملعنی، هي شكل من أشكال القول يساق فيه معنی ما حني يقصد منه معنی آخر خيالف غالبا «: اللفظية بقوله

    : ی يف القرآن كاستخدام البشری مع العذاب يف قوله تعالريوهذا النمط كث ٣»املعنی السطحي الظاهر﴿ ...ذابٍ أَلبِع مهرشبِيلِ اِهللا فَبي سها فقُونفناليةَ وضالْفو بونَ الذَّهكْنِزي ينالّذالتوبة(﴾ مٍيو :

    أي أنذرهم؛ استعريت البشارة اليت هي اإلخبار مبا يظهر سرورا يف املخبر به لإلنذار الذي هو ) ٣٤

    .٧١٤، املرجع السابق. ١ .٦٧و ٦٦ص املفارقة يف شعر املتنيب،عبداهلادي خضري، . ٢

    .٥٤، ص املفارقة القرآنية دراسة بنية والداللةحممد العبد، . ٣

  • ١٢٩ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    ارة علی سبيل التهکم واالستهزاء؛ فإن ذکر العذاب قرينة تدلّ علی ضده بإدخال اإلنذار يف جنس البش

    . تتضمن مفارقة لطيفة الجتماع تلك األضداد ١استعارة تبعية کُّمية" بشر"أنّ إنّ أدونيس كسائر األدباء والشعراء أكثَر يف استخدام املفارقة اللفظية؛ نشاهد اتخاذ هذه البارزة يف

    يستخدم . ية بوصفها فنا من فنون أدونيس الّيت يلفت نظره إليه لبيان أهدافه و مقاصدهاألمثلة التال :اض هکذايأدونيس يف قصيدة، التناقض اللفظي بني لفظني الدجی والب

    .٢كلُّ فجر/ ويالقي يف دجی املوت بياضه/ ةيف انتفاض/ خ يف مشخة صدرييولد التار إليراد معنی واحد، وهو مالقاة التاريخ مع النور واهلداية من نری أنّ أدونيس أتی بلفظني متناقضني

    وراء ظلمة املوت ودجاه؛ وهذا يف الوهلة األولی هكذا يخيل لإلنسان بأن مالقات البياض يف دجی املوت غري ممكن وهذا هو الصحيح دونَ أي شك وما هو معمول يف العادة؛ لكن أدونيس لبيان فائدة

    للتاريخ وبأن املوت أرجح له، استعمل هذه العبارة ليفصح عن ذلك املعنی واملفهوم املوت وإبرازهااملستتر يف ذهنه؛ ربما يقصد أدونيس ذه العبارة بأنّ سري الزمان عاملٌ إلجالء األصداء من هيكل

    .التاريخ واتضاحهية لنصه بنوع ما، وليس ا ما يقصد إلی أبداع مجالرييف املفارقة اللفظية الشاعر أو األديب کث

    نشاء معنی جديد أيضا؛ إنّ أدونيس قد استخدم إبداع اجلمال دف إ ، إضافةً إلیاملعنوية اليت کاملفارقة :املفارقات اللفظية لتجميل وتزيني شعره

    سر معي / سر معي نفتح علی املغلق بابا وكتابا/ واحلنني/ سر معي يحفَر علی األرض اليقنيشب٣ويكون كلُّ ما ليس يكونُ/ ك علی احللم اجلفونت.

    متناقضني وأوجد شيئًا من الشيء نييف هذه األبيات واضح أنّ أدونيس أنشأ تناقضا ظريفًا من لفظرافقين وسر معي لنطرق الطرق ونسري : الّذي ليس له وجود خارجي؛ أدونيس خياطب خماطبه ويقول

    نری أنه يف . ء هين ممكن للوجود واحلياةيم والرؤيا جنعل كلّ شيف اآلفاق وبإغالق عيوننا ويف احللالعرف الفتح والغلق لفظان متضادان، لکن حالة الفتح نفسها تصبح صادقة إال علی مکان أو شيٍء

    .من جهة أخرى ومتفقان ،من جهة ،ههنا متناقضان مغلق؛ والنتيجة أنَّ اللفظني :يقول يف قصيدة أخری هکذا

    .٣٦٤و ٣٥١، شرح املختصرسعدالدين التفتازاين، . ١ .١٤٥، ص ١، جاألعمال الشعرية الکاملةعلي امحد سعيد، أدونيس، . ٢ .١٤٦، ص املرجع السابق. ٣

  • ١٣٠ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    / فينيق ولتبدأ بك احلرائق/ فينيق مت فدي لنا/ حيس كيف منحي/ ق أنت من يری ظالمنافيني . ١يا رماد يا صالةُ/ يا أنت/ لبتدأ احلياة/ لتبدأ الشقائق

    فينيق أسطورة املوت والبعث واحلياة؛ تلمع هذه األسطورة يف كلّ أشعار أدونيس، ألنّ أمالً من ألقطار العربية وثقافتها مرة أُخری، هلذا يشبه تلك الدول العريقة اهلامدة آمال أدونيس هو إحياء ا

    اة مرة ثانية؛ يف األبيات الّيت سبق ذكرها، استخدم ياحل تعود لهبفينيق، ألنّ فينيق بعد االحتراق والفناء، ن حقيقة فينيق أدونيس معا لفظ احلرائق والشقائق الّيت قابلت بعضها البعض وتناقضت يف املعنی لبيا

    ا الدمار واهلدم واحلريق واملتعة والسرور، هکذا تارةً ختلق احلزن والغم واحد يبدأ ها يف آنوزعم أن . وتارةً ختلق اخلري واملرح

    :كما يقول أيضا واملاس واجلزة رييف الرماد األساط/ ةيبني أشجارها اخلف/ أُسافر يف جنة الرمادينبغي أنْ

    ٢ةالذهبي . بني " ينبغي أن أُسافر يف جنة الرماد"يف عبارة ! الرماد مالزم احلريق والنار، واجلنة بعيدة عن احلريق

    اجلنة والرماد تناقض؛ واستعمال هذا التركيب يري لنا أنّ أدونيس يقصد من هذا التناقض ترسيم جو وأصبح رديئًا كرداءة الرماد يف زمنٍ اتمع الّذي كان يعيش فيه أي أنه كان جمتمعا مجيالً يف زمنٍ

    :و يقول أيضا. آخر/ بالقصب املكسور/ يكتب أغنية/ خلف شتاء الليل واألحالم/ مشتعالً كاجلمر/ كان أبومتام

    .٣حتية اآليت إلی بغداد/ سوداء سحرية/ عن رحلة الصيف الشتائية/ بنجمة امليالدعدها املقرر ويف غري الزمن الّذي يناسبها بتعبري طريف تكن يف موعبر أدونيس عن الرحلة الّيت مل

    ، يعىن ذا التعبري، الرحلة الّيت عملَت "رحلة الصيف الشتائية"ومجيل جدا، و أخذ هلا عنوانا بديعا وهو استعمال اللفظني املتناقضني . ها رحلة الصيف الشتائية بسبب عدم اإلفادة هلاييف الصيف لکن أطلق عل

    .لتعبريٍ واحد، زاد على كالم أدونيس طالوة وحالوة" الشتاء"و" صيفال"

    .٧٧، ص املرجع السابق. ١ .٤٣٥، ص املرجع السابق. ٢ .١١٧و ١١٦، ص ١، جاألعمال الشعرية الکاملةمحد سعيد، أدونيس، أعلي . ٣

  • ١٣١ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    ستخدم املفارقة اللفظية بشکلٍ آخر ي» أغاين مهيار الدمشقي«من دفتر " آخر السماء"يف قصيدة

    د من تناقضني خمتلفني يف آن يستفينما ياليت يريد ا وعي املتلقي وتنبهه ليتأمل يف شعره؛ خاصةً ههنا حواحد :

    . ١مبتدئًا مساَءه يف آخر السماء/ يستعجل األسراركالبحر أن / ينهارينهض أنحيلم أن التناقض املوجود هنا هو بني ينهض وينهار ألما فعالن متناقضان؛ النهوض هو عمل االستقامة

    عالقة تنافر وأيضا بني االبتدا واآلخر. والوقوف، لكن االيار يعين اخلمود واهلدم وهو ضد الوقوف .وتناقض يف اللفظ والظاهر

    :ويف مکان آخريف اُميت و عتيق ا العتيق اجلديد/ أنا فيضيف كو را، فأنا فيه/ مبغري / مطلق يف كيا كيانٌ طلق

    .٢حدودمر اجلديد يف كوا العتيق، كلميت : الّذي أصل اجلملة هو" مر يف كوا العتيق اجلديد"يف شطر

    . لبس املعنی واملفهوم حليةً ظريفةً مبدعةًيعتيق واجلديد متقابلتان متناقضان، استعملهما الشاعر معا لالوواضح أن اللفظني تنافرا بالظاهر فقط، لکن من حيث املعنی ممکن أن تطرأ علی أي قدمي ومندرس يف

    :أيضا. أي زمنٍ حالة جديدة وجتدد ما صار عتيق يف الواقع . ٣جيعل من كثرتنا واحدا/ حيملنا سرا علی سره/ مغامرا، زاهدا/ ت إلی صدرهيضمنا املو

    هو الشخص الّذي يسيح ويدور يف األرض ليكشف عن حقيقة األشياء أما الزاهد فهو » املغامر«متناقضان ) املغامر والزاهد(الشخص الّذي يقضي عمره يف عزلة للتعبد والتمسك باحلق؛ هذان اللفظان

    لفظًا لكن يف املعنی اليكونان متناقضني ويقصد ما أدونيس أنّ املوت مرة يضمنا إلی صدره كمغامر وأما التناقض الثاين الّذي هو موجود يف هذه العبارة فهو جعل الكثرة . ومرة أخری يضمنا كزاهد

    » كثرتنا واحدا جيعل من«ة، تبدو مجلة يء بعيد عن النظر، ويف البدايوحدة يف اللفظ كما هو شكن أن نصل إلی معناها ميللمخاطب مجلة بعيدة عن الواقع، لكن من حيث املعنی وبعد التأمل فيها

    ولفظ كثرة نقيض للفظ وحدة؛ والشاعر يقصد من لفظة واحد، . احلقيقي الذي هو ممكن احلدوث

    .٢٦٧، ص املرجع السابق. ١ .٢٧، ص املرجع السابق. ٢ .٣٧، ص املرجع السابق. ٣

  • ١٣٢ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    دو مستخدمة لتجميل وتزيني وواضح أنّ هذه املفارقة اللفظية ههنا، تب. اجلماعةنياالحتاد والسالم ب .ظاهر الشعر وتطريفه

    املفارقة املعنوية املفارقة املعنوية هي الظاهرة الّيت وراء مظهرها الطبيعي ومعايريها املقبولة عند الكلّ حقيقة خفية

    ق مع خمالفة لذلك الظاهر البين؛ إذن إبراز هذه احلقائق، يف النظرة األوىل تبدو متناقضة ألنها التتف . ١العادة واملنطق السليم

    أس وفرح وأمل، حيث يقد واجه اإلنسان علی مر العصور احلياةَ وما فيها من خري وشر وأمل ونالحظ أنّ النفس البشرية مفطورة علی حب اخلري وبغض الشر ولذلك جتدها تفرح وتستبشر إذا ما

    ذه املواجهه يف نزعتني أساسيتني جتاه ؛ فربزت ه٢مسعت ما يسرها وحتزن وتنفر إذا مسعت ما يسوؤها .الرتعة التشاؤمية والرتعة التفاؤلية: احلياة

    املفارقات املعنوية عند أدونيس أكثر استعماالً من املفارقات اللفظية؛ ألن كلّ مفارقة لفظية يف املعنوية يف نأيت بأمثلة من املفارقة . األصل هي مفارقة معنوية، لكن عكس هذه القضية ليس صادقًا

    أي أدونيس؛ ريأغراض شتى كالتايل، ليتضح لنا مقدار وكيفية استعمال هذه الظاهرة عند الشاعر الكب : لييس هي التشاؤم والتفاؤل، نبحث عنها يف ما ية عند أدونياألغراض الّيت هي هامة جل ومن

    التشاؤم -١التشاؤم هو صراع ذايت أو حالة . ٣منء أو من شخص، وهو ضد التييالتشاؤم هو االمشئزاز من ش

    نتج عن القلق واخلوف جتاه األزمات واألحداث، أو جتاه قضايا فکرية أو سياسية ينفسية يف اإلنسان، اإلنسان املتشائم يفقد التوازن ويشعر بانعدام . أو اجتماعية، فيصاب املرء بالسأم واالضطراب والتوتر

    تشاؤم ظلّ واليزال شائعا يف مجيع اآلداب وعند الشعوب بأسرها، ال. األمن واألمان والفرح والسعادةالتشاؤم نتيجة ألمزجة الشعراء . ٤لکن ختتلف دواعي هذه الظاهرة ومظاهرها من عصر إلی عصر

    احلزينة وظروفهم اخلاصة ولتأثرهم بالقضايا االجتماعية املأزومة وباالجتاهات الفلسفية واألدبية ك عالقة مباشرة بني األزمات االجتماعية والسياسية واالقتصادية وبني التشاؤم وهنا.... کالرومانسية و

    .٢٧١، ص متناقض منا در ادبياتتقي وحيديان كاميار، . ١ .٢، صل عالجهالتطري و آثاره وسبجابر السمريي وعبري سليمان حمسن الطرطور، . ٢٣ .،ر٥٧٣، ص فرهنك عريب فارسي الروس خليل ج. .١٩٨ص العال املعري وعبدالرمحن شکري، التشاؤم يف شعر أيبهادي نظري منطم وخاطرة أمحدي، . ٤

  • ١٣٣ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    عند الشعراء؛ فاألدب، شعره ونثره، قد يکون صورة ملا جيري يف اتمع، والشاعر ذو شعور مرهف وإحساس عميق وهو يتأثر باألوضاع االجتماعية کما نالحظ يف مر العصور خاصةً يف العصر احلاضر،

    قد يصطبغ شعر شاعر «: يقول شوقي ضيف. ١صطبغ األدب يف بعض األحيان باحلزن والتشاؤمحيثُ ا. ٢»بصبغة خاصة کالتفاؤل أو التشارم، والتشاؤم ينتج عن ظروف الشاعر اخلاصة وتفکراته احلزينة

    ج العمی، والعر(وإلی جانب العوامل االجتماعية والسياسية نالحظ أسبابا أخری کالعاهات اجلسدية واهلواجس النفسية کالتفکر والتأمل يف املوت والفناء والزوال والفقر واملرتلة االجتماعية املتردية ...) و

    واإلنسان کائن يتفکر ويتأمل، ويسوقه تفکّره حنو ألوان من احلزن واألسی وضروب . لألديب وغريهفه يف الشعر واألدب ويشکو من اليأس والقنوط وبالتايل التشاؤم؛ وهو بالتايل يبثّ أحاسيسه وعواط

    األشعار نقصد ذا العنوان تفريد املتناقضات املوجودة يف. ٣املصائب واألزمات واآلالم بوساطة اللغة :الّيت أنشدها أدونيس يف حالة من اليأس والتشاؤم وعدم الرجاء، كالتايل

    . ٤ط أجفانه الغباروفجر أساطرينا مغلق يحي/ يبق فيها ستار ومل/ نوافذ أيامنا حطَّمتيبق تناقض معنوي، ألنه حينما تحيط نوافذ األيام،مل" يبق فيها ستار امنا حطَّمت وملينوافذ أ"يف

    ضوء والنور وكل مكان يصبح مسودا مظلما، لذا الحيتاج إلی ستار وال إىل أي مانع آخر، ألنّ النافذه دل علی تلتحطيم وأيضا الفجر املغلق وإحاطة الغبار لفظ ا. توجد من األساس والعرق هدمت ومل

    .تشاؤم الشاعرئًا لکنه يف يقول شيه فصاحب املفارقة قد يإن املفارقة تقوم علی تظاهر املرء بکونه خالف ما هو عل

    : فةيضا يستعمل هذه النکتة الظريس ههنا يف هذا الشاهد أيئًا آخر متاما؛ أدونيعين شيقة ياحلق . ٥حييا فيه موته/ هو كالشرنقة الصفراء/ تهبح صو

    الشرنقة هي غشاٌء واقٍ من خيوط دقيقة تنسجه بعض احلشرات حوهلا كدودة القز؛ لتحمي به يف كن أن حييا املوت مي، ألنه يف العادة ال»حييا فيه موته«التناقض معنوي يف عبارة . ٦طور من أطوار حياا

    .١٩٩ص املرجع السابق،. ١ .١١١ص دراسات يف الشعر العريب املعاصر،شوقي ضيف، . ٢ .١٩٩ص العال املعري وعبدالرمحن شکري، التشاؤم يف شعر أيبدي، هادي نظري منطم، وخاطرة أمح. ٣ .١٣٠، ص ١، جاألعمال الشعرية الکاملةعلي امحد سعيد، أدونيس، . ٤ .١٤٩، ص املرجع السابق. ٥ .٤٨١، ص املعجم الوسيطمصطفی، إبراهيم واآلخرون، . ٦

  • ١٣٤ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    مل يف القضية يتضح لنا بأنّ الشرنقة متوت من جهة وحتيا من جهة املوت بأي وسيلة، لكن حينما نتأأُخری، وحياا مرة أُخری هي مقدمة ملوت قادم، وأدونيس أخذ هذا التشبيه لتشابه الصوت بتلك

    ههنا حبوح الصوت وحياة املوت ميکن أن تدل علی التشاؤم الذي . الشرنقة من جهة اخلفض والبسط .أحيط به الشاعر

    تحدث عن صقر قريش الذي قام من يدثها النص اآليت الذي حيتوقّفنا عند املفارقة املتفوقة اليت لولة اموية ههناك حيثُ هزم العباسيون احلکومة األموية يف يبلد العراق وخرج إلی األندلس وأسس دو

    األحداث بدقّة العراق، لوجدنا أن النص يرتقي إلی درجة لوحة ظريفة رمسها مصور بارع صور أجزاء : ومهارة مدهشة

    يبين علی / والصقر يف متاهه، يف يأسه اخلالّق/ والصقر يف احلنني يف احلرية بني احللم والبكاء .١الذروة يف اية األعماق

    يف العادة اليأس هو قاتل، لكن أدونيس استخدم له معنی خالف املعنی الّذي اعتاد عليه يف ؛ يف هذا النوع من التأليف الّذي أوجده أدونيس بني لفظني "اخلالق يأسه"االستعمال وهو تركيب

    متناقضني واستخدمهما متساندين، يقصد من هذا البارادوكس املعنوي املبالغة وإيراد شدة اليأس نشاهد تناقضا معنويا ثانيا وهو البناء علی الذروة " يأسه اخلالق"يف هذه األشطر إضافة إلی . املوجود

    يريد . ألنه من املعلوم بأن الذروة تكون يف األعايل ويف القمم ال يف األعماق والغور! ية األعماقيف ايستطع أن يصل إليه أي أحد من شدة الشاعر أن يرسم صورة وسيمة من األعايل والقمم الّيت مل

    س واية األعماق تدل وألفاظ البکاء، واملتاه، واليأ. وسامتها وعلوها وبعدها عن وصول يد املرء إليه .علی حس التشاؤم

    ب أا أمر يدعو إلی الدهشة يف استطاع أدونيس يضيء الطريق من السواد؟ هذه مفارقة وال ريک :غ مناسب هلذه الغربةيواالستغراب والبحث عن تسو

    . ٢ويهجر األحياء/ يعشق من مات ومن جييء/ يغير السماء/ ءيوكان، والسواد يف طريقه يض، نری تناقضا معنويا لطيفًا؛ "السواد يف طريقه يضيء"يف شطر ! السواد حيكي عن الظلمة والضياء

    ضياء السواد هو تناثر الظالم وانتشار ذلك الضياء يف مسري ذلك الشخص الّذي حيكي عنه و ميكن أن

    .١١٤، ص ١، جاألعمال الشعرية الکاملةمحد سعيد، أدونيس، أعلي . ١ .١٢٩، ص املرجع السابق. ٢

  • ١٣٥ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    تيه، کما حب سيطرة السواد علی الطريق تعين احلرية وال. يكون هو الشاعر بنفسه أو بطل أشعاره

    .األموات وهجر األحياء يشريان إلی وجود التشاؤم يف نفس الشاعربا ما، لکن عند التعمق يف أسرار يبدو بکاء السکون أمرا غرييف النظرة األولی، ت التايليالب ويف

    :بة اليت نزلت عليهيقصد به عمق الفاجعه واملصيس ياملعنی الشعري سنجد أنّ أدون . ١ألنّ أيب مات، أجدب حقلٌ وماتت سنونو/ شهق صوت ويبكي سكونعلی بيتنا كان ي

    يبكي للزوم يستطع السكون أن ج وأصوات تؤوه من احلزن واألمل؛ مل يالبكاء يكون مع ضجيريد به الشاعر بأنه حينما مات أبوه أخذ كلّ شيء " يبكي سكون"الصوت والضجيج مع البكاء؛ لذا

    . يتنفس، أخذ يبكي من الفقدان واألسیحيك ومل السكون الّذي مل يبكي ويذوب من فقدانه، حتیشهيق الصوت وبکاء السکون وموت األب والسنونو وأيضا جدب احلقل کلّها حتکی عن تشاؤم

    .بهيالشاعر من کلّ حدث يص الياملفارقة املستعملة يف شعر أدونيس هلا داللة علی عمق موهبته وغزارة لغته وقلقه املستمر ح

    :قول الشاعري. ره وإجادتهيشعره ورغبته يف تطو .٢كأا سكنی خلطواته/ تلطمه احلرية أنی مشی/ جيره مديد آهاته/ ماشٍ علی أجفانه سادرا

    تناقض معنوي وهي تعين " سكنی خلطواته! "اخلطوة تعين التحرك والتنقّل من مكان إلی مكان آخرر اآله واحلسرة يجر. علی تلك اخلطواة يف حني التحرك واملشي اهلدوء والسكون الّذي تركزه احلرية

    ولطم احلرية وسکون اخلطوة تصور لنا حالة من احلاالت النفسية الطارئة علی الشاعر، وهي حالة . الشاؤم

    ات تتمثّل يف املعاين املتضادة اليت تصدم القارئ وتدهشه لغرابتها، يإنّ املفارقة اليت جندها يف هذه األبعلو منها يف إبداع الشعر يکسرها وي ريد اليت استطاع إلی حد کبيو من جرأة أدونيس هي ختطّی التقال

    :يف عصرنا احلاضرلِّق بالغيب فأجفانهة األفق/ عما، من يأسه، مشسه/ رمليب يف الشرق/ كأن٣تغي .

    دونيس يف هذا التناقض ما نراه كلّ يوم هو طلوع الشمس من املشرق وغروا من املغرب؛ لكن أاملعنوي رسم بصورة مجيلة شدة اليأس والتشاؤم وشبهه بغروب الشمس من ناحية املشرق وأعرب عن

    .٤٠، ص املرجع السابق. ١ .٥٧، ص املرجع السابق. ٢ .٥٧، ص املرجع السابق. ٣

  • ١٣٦ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    موضوع خبالف العادة واألصل لشدة املبالغة فيه، أي اليأس والتشاؤم إىل حد غالب عليه الّذي جعل کون األجفان متربة ورملية . املهكلّ شيء يف حياته مقلوبا، حتی الشمس تشرق من الغرب يف ع

    .أس وأيضا غروب الشمس من جهة املشرق تري للمتلقي حالة تشاؤم جتري يف بيان الشاعريووجود النمو عن حالة وقع الشاعر يف مواقف خمتلفة؛ يف يس تنشأ من منظور نفسي ياملفارقة يف شعر أدون

    : قولي" جمنون بني املوتی"قصيدة ١....أنين صرت مشوه/ مسعي تفوه خرس األصداء يف

    خرس األصداء يف "يف شطر ! الصدی يعين انعكاس األصوات وتكرارها، و اخلرس يعين الالتكلُّمفًا يكمن يف العبارة؛ وهو صمت انعكاس الصوت يف مسع ييتضح لنا بأن بارادوكسا طر" مسعي تفوه

    وجد صوت ليتردد الصدی يب أن جية أنه الصدی حيكي عن اهلمهمة والتكلّم، يف حال! الشاعروينعكس يف اآلفاق؛ استعمال اخلرس يف مساندة لفظ الصدی يعبر عن امتالء مسع الشاعر من األصوات

    وجود خرس الصدأ وکلمة التشوه ههنا تبين لنا تطير . ه وعدم فهم الصدیيوموت انعكاسه يف أُذن .الشاعر وتشاؤمه

    بة يرسم فيها صور غرياليت استطاع الشاعر أن " اريوجه مه"دة يمن قص وأيضا يف األشطار التالية :دة من املفارقة من حيث املعنی واملفهوميوجد

    / رافعا بريق األفول/ هو ذا يتخطّی ختوم اخلليفة/ حترق أرض النجوم األليفة/ وجه مهيار نار . ٢هادما كلّ دار

    رافعا بريق "التناقض املعنوي يف نفس مجلة ! ريق األفولعادةً يرفع الناس بريق الظفر واالنتصار ال بن اهلدف من استعمال هذا التناقض هو األفول واالحنطاط احلقيقي الّذي كان مهيار إىل مكي؛ "األفول

    إنّ االحتراق، واهلدم والتدمري، ورفع بريق األفول . ظن كأنه غلبة وظفريحد ما جادا يف حتقّقه، حتی .لقطعة تشري بصورة واضحة إلی تشاؤم الشاعريف هذه ا

    :قولي» ساحر الغبار«وان ييف د" اعيالض"دة يويف مکانً آخر يف قص . ٣ا اييت أول الربيعيياقرب / ممتلئًا بالنار/ أضيع ع يب وجهي وأنييضاهللا ما أمجلَ أن

    .١٧٩، ص املرجع السابق. ١ .٢٦٨، ص املرجع السابق. ٢ .٢٨٥، ص املرجع السابق. ٣

  • ١٣٧ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    ا اييت يف ي"الدة من جديد؛ مجلة الربيع فصل اجلمال والنشأة واحلياة اجلديدة وهذا يعين البداية والو

    مجلة متناقضة، ألنّ أدونيس يقصد أنّ ايته كانت يف أول الربيع الّذي هو أصل احلياة " أول الربيعوبدايتها؛ يف هذه العبارات جيعل أدونيس القرب منادى، ويظن بأنّ هدفه من هذا النوع من التركيب هو

    . قة اية من جهة وبداية وحيوية وحياة من جهة أخریييف احلقيف األصل نداء املوت، النّ املوت يف هذه » ا اييت أول الربيعيياقرب / ممتلئًا بالنار/ أضيع ع يب وجهي و أنييضما أمجلَ أن «وکالم

    القصيدة کافةً يرسم لنا حالة أدونيس النفسية الناشئة من عدم الثقة بالدنيا وسيطرة االمشئزاز عليه وعدم .فاؤلهت

    دة مفارقة، يدة تضم جمموعة من املتناقضات هي قصيع القول إنّ کلّ قصيمن املؤکد أننا ال نستطة اخلالّبة اليت تنتجها يفاملسألة التتعلق باأللفاظ فقط، وال باملعاين املتناقضة، بل مبجمل الصور الشعر

    ة ريملتلقي يف حالة ذهول وحلة الشاعر احلقيقي ورؤاه املبدعة واحساسه املرهف اليت تترك ايخمس هلا صورة شعرية ظريفة المعة جتذب القارئ وتدهشه يإذن نری مفارقات شعر أدون. ١وإعجاب

    : کقوله/ بفرحة املنيبء والنذير/ أقبل يف هاوية مليئة/ أراها أخاف أن/ أراها أقبل يف هاوية أجهل أن

    خطيئةً، وخاطئًا حييا / فَرحة أن أصري/ عامل الضريرتقود هذا ال/ ة سواهايأغنييت أغن/ تصريفَرحة أن . ٢بالخطيئة

    ا؛ عندما يصبح اإلنسان خمطئًا " خاطئًا حييا بال خطيئة"نری يف الشطر األخري أيا معنويتناقضة، لكن أدونيس حياة اللّامرييقضي باقي عمره مع تلك اخلطيئة وهذه احلالة تسبب له األمل والكآبة واحل

    يعيش عمره وهو خاطئ، ليفرح دون تلك اخلطيئة ويسر من هذه احلالة الّيت منحت له فرصة يرجو أناحلياة مرة أخری وعلی رغم من أنه خمطئ خييل نفسه الشخص الّذي اليرتكب أي جرمية؛ وهذا جمرد

    اهلاوية اليت تدل ههنا ميکن أن نقول إنّ لفظة . أمل، ألنّ حدوثه يف الواقع بعيد عن النظر وخميلة املرءتستطيع أن توصلنا إلی نتيجة " املخطئ"و" العامل الضرير"علی اجلحيم والنار واالحتراق، وکلمات

    .نما نری استعماهلا يف شتی قصائده بارزة جدايواحدة وهي تشاؤم أدونيس؛ خاصةً ح : ويف النص اآليت أيضا مفارقة مجيلة تعتمد علی التضاد

    .١٥٨ص ، إشکالية املفهوم والرؤية... املفارقة يف الشعر هشام، فاضل حممود، . ١ .٢٩٢، ص ١، جاألعمال الشعرية الکاملةمحد سعيد، أدونيس، أعلي . ٢

  • ١٣٨ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    فَرسي / من بالد اجلذور العقيمة/ إنين مقبلٌ من هناك/ صدئ الفارس /صدئت عربات النهاريابس صار/ برعم١وطريقي ح .

    : »احلصار«و ٢كما جاء يف املعجم الوسيط هي املمر الواسع املمتد أوسع من الشارع» قيالطر«ن ومتناقضان؛ أدونيس ؛ يتضح لنا أنّ اللفظني متقابال٣قيد الدابة و املوضع الّذي يحصر فيه اإلنسان

    طة وذات يتكن نشيريد من هذا التناقض حمدودية املناهج املوجودة أمامه وحصر الثقافة العربية الّيت مل " طريقي حصار"و" فَرسي برعم يابس"، و"بالد اجلذور العقيمة"ترکيبات . انتعاش كثقافة باقي األقطار

    : قوليدة أخری ييف قصو. لی امشئزاز أدونيس وتشاؤمهإکلّها تشري أنتم / متم، أو كما سيقال/ وأنتم نيام، فاذا انتبهتم: أو كما قيل) ام فإذا ماتوا انتبهوايالناس ن(

    مع / الصباح اآليت واخلريطة الّيت ترسم نفسها/ وجيب أن أحميكم، أنا يوسخ علی زجاج نوافذ ٤....حمی تسهر عليكم مع ذلك أنتظركم يذلك يف أحشائ

    أنتم نيام "املوت يسبب لإلنسان عدم التحرك وعدم االنتباه وافتراق اجلسم والروح عن البعض؛ ، هذه مجلة فيها بارادوكس وهو واضح ألنّ النائم إذا يصحو من نومه يرجع له وعيه "فإذا انتبهتم متم

    كالم أنّ الناس وانتباهه، لكن كيف اليقظة تسبب له املوت؟ ميكن أن يقصد أدونيس من هذا العائشون يف غفلة ومادام يقضون أيامهم يف هذه الغفلة وهم عائشون واحلياة مستمرة هلم، فإذا

    يف . استيقظوا من هذه الغفلة وأرادوا أن يقضوا عليها يلزم أن يفنوا ويفدوا أنفسهم وحيام من أجلهاتشاؤم الشاعر بوضوح وذلك يتجلّى" وجيب أن أحميكم يأنتم وسخ علی زجاج نوافذ"هذا الشطر .بين للمتلقّي

    بصورة مجيلة " الشمس له مظلة"استخدم بارادوکس " مرثية عمر بن اخلطاب"أدونيس يف قصيدة : قولينما صاغ من نور الشمس ظالً؛ يح

    ٥متی متی تضرب يا جبلّه؟/ يصرخ، والشمس له مظلّه/ صوت بالوعد والتعلّه

    .٣٥١، ص املرجع السابق. ١ .٥٥٦، ص معجم الوسيطمصطفی، إبراهيم واآلخرون، . ٢ .١٧٨، ص املرجع السابق. ٣ .٣٥٧، ص ١، جاألعمال الشعرية الکاملةعلي امحد سعيد، أدونيس، . ٤ .٤٢٤ ، صاملرجع السابق. ٥

  • ١٣٩ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    ع أن تظلّ علی حالة واحدة، ألن الظالل يالزم يتستطيئة دائما و لن من الواضح أنّ الشمس مض

    وجود جسم مظلم وله أبعاد ليسطع النور فوقه و هذا النور الساطع جيعل حتت ذلك اجلسم الكدر صريخ الصوت بالوعد وتکرار . فيها تناقض معنوي" الشمس له مظلّة"ظال؛ من ثَم يتضح لنا بأن مجلة

    ر احلاکم علی تلكيا لفظ متی أيضن لنا التطياحلالة املتشائمة بي. هد هلذه ميطّط الشاعر احملدث ألحداث عنصر الصدمة أو الدهشة أو املفاجأة يف نصه، وقد خيقد

    صل منها ومن خالهلا إلی هدفه؛ ههنا نری أدونيس يف هذه القصيدة مهد متهيدا يالصدمة عدة أبيات ل : رسم صورة مجلة للعذابفًا لعرض هدفه، وهو يظر

    خلِّنا للعذاب / وأحباؤنا طُغاةٌ مراؤون كالسماء/ الليايل تلفّنا بالعباءات والدمن/ ا أبانواسيخلِّنا حنن والشعر / ونغني ونستجري وحنيا مع احلجر/ نقتلُ البعث والرجاء/ اجلميل وللريح والشرر

    . ١ا أبانواسيخلِّنا / واملطراء الّيت يستأنس اإلنسان برؤيتها ويسر من يالً وله مجال؟ اجلمال هو لألشين مجأي عذاب يكو

    وجود ذلك اجلمال يف تلك األشياء، لكن العذاب كما هو املعلوم من امسه، يؤذي اإلنسان، ومادام يكسر احلواجز من لکن أدونيس فمن عاداته أن ! يصدم روح اإلنسان وجسمه ليس أي مجال فيه

    خلِّنا "واأللفاظ املكبلة، ويبدع معاين جديدة من تركيب األلفاظ واملعاين املستعملة واملكررة؛ يف املعاينقتل البعث والرجاء من أبرز الکلمات . خلق أدونيس مرة أخری تناقضا معنويا بديعا" للعذاب اجلميل

    .اليت دينا إلی أخذ نتيجة التشاؤم من نفسية الشاعرستلهم من مواقف حمددة مواقف متباينة؛ إنّ يستطيع أن يإلی شاعر واعٍ وفطن املفارقة حتتاج

    لق آثارا وصورا کبرية من مواقف حمدودة کما هو واضح خيأدونيس هو الشاعر البارع الذي استطاع :قولي" فصل الدمع"يف قصيدة » حتوالت الصقر«لکلّ من قُراء ومارِسو أشعاره؛ يف أول قصيده من

    أرقص / نينان من جمامر السنيتتبعين ع/ اتيتتبعين األشجار كالرا/ ميضي معي الفراتأمضي وسوداء/ نييف خواصر التن ٢مع جنمة .

    جنمة "لون النجمة كلون سائر األجرام السماوية مضيء ويسطع نورا، هذا مانراه يف الواقع؛ ستعمال هذا التعبري داللته علی سوء نقيض ما عرفناه يف احلقيقة؛ ربما الشاعر يقصد من ا" سوداء

    . اإلقبال واحلظّ وشبه سوء احلظ هذا بشيء مظلم طلع يف طالعه كنجمة سوداء تطلع يف مساء مظلم

    .٤٢٥، ص املرجع السابق. ١ .٤٦٥، ص املرجع السابق. ٢

  • ١٤٠ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    النجمة من . يتبين لنا أنّ أدونيس أخذ هذا التعبري لشباهة املشبه واملشبه به بالطلوع واألفول و الرداءةستخدم هلا يعل الشاعر جيکن أن ميأي دليل غري االمشئزاز والتشاؤم أمجل األشياء املوجودة يف الکون؛

    واجلواب هو التشاؤم الذي ميکن أن نصل إلی وجوده يف نفس الشاعر من استخدام ! لون السواد؟ .األلون املکدرة والتعابري احلزينة يف کالمه

    يف خياطبه أدونيس کإمرأة ونقرأ يف النص اآليت مفارقة موفّقة تتحدث عن غواية دمشق؛ البلد الذي : أشعاره دائما

    ١....يا بلدا كان امسه دمشق/ ة املضيئةيأيتها الغوا/ ا امرأةً للوحل واخلطيئةيواملضيئة أي منورة والمعة؛ الغواية املضيئة ٢يف املعجم الوسيط هي اإلمعان يف الضالل" الغواية"

    وي البشر وتسوقه إيل الضالل والبعد عن الطريق يريد ا أدونيس دمشق اجلميلة الّيت جبماهلا تغالتناقض املعنوي يف الغواية املضيئة يكمن بني اللفظني املتناقضني اللذين استخدمهما أدونيس . الصحيحة

    والوحل، واخلطيئة واإلغواء هي کلمات تسوق ذهن املتلقي إلی نوعٍ من . معا لبيان معىن واحد .التشاؤم يف نفس الشاعر

    :يقول أدونيسهکذا من / يف سهول الرؤی وجير اخليول/ من يهز الغصون اخلفية/ من يلم البقولْ/ حان ميعادنا

    ٣!را موحش الرحيل أنيسا إلی الرحيلِ؟/ حبرياا القصية؛ كيف »أنيس«نقيض للفظ » موحش«لفظ " را موحش الرحيل أنيسا إلی الرحيل"يف شطر

    ر يف آن واحد موحشا للرحيل وأنيسا للرحيل أيضا؟ أدونيس يقصد من استعمال ميكن أن يكون النهماؤه خالفًا إلرادته، أي ذلك النهر ينشأ من حالته املتشاؤمة، النهر الّذي جيريهذا التناقض الذي

    .ري علی خالف ميله إلی البقاء ويسري ويرحل به إلی مكان آخرجييهوي أن يبقی لكن املاء نأى بنفسه عن قصد أو عن غري قصد عن التصريح بذلك، يد املفارقة بالغة عند أدونيس أنه ومما زا

    :قوليصائرا إلی األسلوب غري املباشر؛ وله يف النبات املعرش / جسدانا رتاج وسقَّاطةٌ واملمر إلينا/ جسدانا زوايا وأغطية ضيقة/ أغلقي

    . ١وله يفرز اجلنون/ بني أفخاذنا والعيون/ يف الفُسحة الضيقة

    .٤٦٨، ص املرجع السابق. ١ .٦٦٧، ص معجم الوسيطمصطفی، إبراهيم واآلخرون، . ٢ .٤٨١، ص ١، جاألعمال الشعرية الکاملةمحد سعيد، أدونيس، أعلي . ٣

  • ١٤١ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    وملّا ﴿: زي؛ ويف الترتيل العز٣هي الفقر والشدة" الضيقة"و ٢يف املعجم الوسيط هي السعةُ " الفسحة"

    ولَقَد نعلَم أنك يضيق صدرك بِما و﴿) ٧٧هود، (﴾ جاَءت رسلُنا لُوطًا سيَء بِهِم وضاق بِهِم ذَرعاكما نشاهد أنّ بني الفسحة والضيقة تناقضا معنويا استخدمه أدونيس، وال )٩٧احلجر، (﴾ يقُولُونَ

    . ميكن أن يكون شيء يف آن واحد فسيحا أي وسيعا و من جهة أخری أن يكون ضيقًا وقصري اال .کی عن ذرة من التشاؤم الغالب علی نفس الشاعرحيفعل أغلقي وکون اجلسد زاوية والغطاء الضيق

    تفاؤلال -٢الشعراء ينشدون أشعارهم يف حاالت . ٤فَأّلَ تفئيالً بالشيء، أي جعله يتفاءل به وهو ضد التشاؤم

    خمتلفة؛ احلاالت اليت تطرأ عليهم أو تصيبهم يف طوال حيام؛ أدونيس أيضا من هؤالء الشعراء الّذين تنوعة كحالة الفرح واحلزن يرمسون التصاوير اليت ختطر بباهلم أو تطرأ عليهم يف تلك احلاالت امل

    والتشاؤم واليأس والرجاء وغريها يف قالب الشعر؛ ههنا نريد أن نشري إلی الشعر املتفائل باستخراج :املفارقة املعنوية يف قالب التفاؤل ونشرح ونبين تلك املفارقات املتفائلة املوجودة يف شعر أدونيس، منها

    وتسوي لك، / لك فيه طفلةٌ ترضع، كالثدي، السنينا/ ينجلموعد مل/ عبر أيامك يف املستقبل . ٥يسراها، من احلب، ميينا

    عرب أيامك يف املستقبل، : عند وقوع املوعد نری تناقضا معنويا و هو متفائل؛ عندما يقول أدونيسنه يف طوال أ: يبدل زمان الفعل إلی املاضي، فاملراد من هذا القول" مل ينجل"ينجل، ففعل موعد مل

    ههنا " املستقبل واحلب"استخدام . يكشف يف الزمن املاضيأيامك يف املستقبل لك املوعد الّذي مل عل ذهن املتلقّي يف مسري منري للحرکة إلی الوصول إلی التفاؤل املسيطر علی نفس جييستطيع أن

    .لسروررجي املستقبل وحيدث عن احلب يف حالة من الشعف وايالشاعر فعالً، ألنه إن املفارقة لدی أدونيس مل تکن شيئًا عبثيا طارئًا يف حياته الشعرية، أو واقعه املعيش بقدر کوا وليدة مواقف نفسية وصراعات عقلية کثرية، وإرهاصات ثقافية مجة قد ل الشاعر من مشارا

    .٥٣٤و ٥٣٣، ص املرجع السابق. ١ .٦٨٨، ص معجم الوسيطمصطفی، إبراهيم واآلخرون، . ٢ .٥٤٨، ص املرجع السابق. ٣ .٥٦٦، ص املنجد يف اللغةلويس معلوف، . ٤ .١٤٧، ص ١، جاألعمال الشعرية الکاملةمحد سعيد، أدونيس، أعلي . ٥

  • ١٤٢ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    ق غري ي بطرريشيا النص س يف هذياملختلفة سواء عقائدية کانت أو فکرية أو دينية أو تارخيية؛ أدون : ح إلی حکاية فينيقيصر

    تأفل / كالشمس يف خطورها األول/ للزمن املقبل/ عاد ا للمنشاء األول/ مل يفن بالنار ولكنه . ١تأفلوهي وراء األفق مل / عن أجفاننا بغتةً

    له رمادا؛ وتسويه كأنه يف املأنوس وما اعتدنا عليه يف احلياة أنّ النار تفين وحترق من يقع فيها وجتعتكن له حياة وال عيشة من قبل؛ لكن أدونيس من عاداته أن يكبل العادات الفاشية يف استخدام مل

    ة كسر املعنی ياأللفاظ واملعاين ويلبس األلفاظ زيا جديدا من معان جديدة، ههنا نری أدونيس مرة ثان، "يفن بالنار ولكنه عاد ا للمنشأ األول مل"جديدا؛ يف شطر املرسوم وأنشأ من التناقض املعنوي معنی

    وأيضا . يفن من هذا االحتراق لكن يبين حياة جديدة ملرحلة جديدةيشري إلی فينيق الّذي حيترق ومل الزمن املقبل والعودة إلی النشئة األولی وهکذا االعتقاد بعدم أفول الشمس ينبئنا بوجود ريح من

    .ي يهب من نفس الشاعرالتفاؤل الذ :قول الشاعر يف حالة تفاؤل عن هلوه وزهوتهيأيضا

    . ٢وحني أتعب، أمشي/ أصوغ، يف السر، نعشي/ فحني أزهو وأهلو:/ قلبت كرسي عرشيحني أتعب، "يف عبارة . يستطيع احلركة وتواصل الطريق تاج إلی راحة ومن يكون تعبا لنحياملشي

    ب مينع املرء من احلركة واملشي؛ يقصد أدونيس من هذا التركيب بأنه حينما تناقض، ألن التع" أمشييكون يف حالة، يف آن تطرأ عليه حالة أخری وينصرف عن تلك احلالة األولی ويشغل نفسه باحلالة اجلديده؛ مثالً يف حالة الزهو واللهو يف السر يصوغ نعشه وأيضا يف حالة التعب الّيت تالزم االستراحة

    اللهو والزهوة يعين احلالة اليت يکون املرء فيها فرحا ومسرورا؛ . واصل احلركة واملشييبعدها، هو :ويقول .استعمال هاتني الکلمتني بنوعٍ ما يلمح إيل وجود التفاؤل يف نفس الشاعر

    ا إذا وسع الدني/ ولك الالّحد حدك/ وأدرها/ فأثرها/ نشئِّت حتت يدك/ كيهذه زلزلةٌ ترنو إل . ٣جمع التاريخ عندك:/ شئت اختصرها

    حاجز له وال منتهی؛ حينما نستعمل هذا اللفظ نعىن به الالحد هو الشيء أو املكان الّذي الكيف ميكن ! الالاية والالحدود، لكن أدونيس خياطب الثائر والعاصف بأنّ حدودك هي الالحدود

    .٤٠، صاملرجع السابق. ١ .١١٧، ص املرجع السابق. ٢ .١٤٤، ص املرجع السابق. ٣

  • ١٤٣ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    ی احلقيقي املستتر يف هذا الباردوكس، وهو املبالغة يف هذا الشيء؟ بشرح هذا التناقض، نصل إلی املعن

    .السعة والرحبةويقول أيضا يف إحياء امليت بسبب اجلسد وتغنية األبکم وببعض التعابري اليت تشري إلی التفاؤل

    :بصورة واضحة جلية يف القطعة التاليةهذا اجلسد /تفيه حييا املي /فضبكمويقول األ/ والثورة حتيا والر :يتينمو، ينمو / غن وله

    ١وتدور األرض/ العدد . من عجز عن : األبكم كلفظ اخلرس يعين عدم التكلّم ويف املعجم الوسيط شرح هذا اللفظ هكذا

    وفعل غنيت كما هو واضح حيكي عن التكلّم والطرب والغناء بصوت عالٍ؛ استعمل ٢الكالم خلقةً . شاط هذا اجلسد الّذي حييا امليت فيه وحتی األبكم يغني من رؤيتهأدونيس هذا التناقض ليدلّ علی ن

    بدو أن إضاءات املفارقة يف شعر أدونيس أوسع من أن حتيطها بيئة حمددة، والنستطيع أن نلم بکل يفضاءاا اخلالّقة يف شعره؛ وهي ليست جمرد عنصر مجايل أو صيغة بالغية متقدمة تضفي إلی النص

    زول بزوال فعل القراءة اآلين، إا دعوة صادقة للمتلقي ألن حيلّق مع الشاعر، يقتا سرعان ما توهجا مؤ . ش روح نصه حتی بعد االنتهاء من قراءة قصائدهيسه ويعايشارکه أحاسيو

    النتيجة

    خدام وما شاهدناه يف دراسة املفارقة عنده أنّ است. شغلت املفارقة حيزاً کبريا من أشعار أدونيس مات اليت عملناها يف هذا املقال، كانت أكثر وهجا وأكثر ياملفارقة املعنوية املتشائمه، حسب التقس

    جة من املمکن أن تدل علی تشاؤم يشعره؛ وهذه النت تألّقًا من املفارقة اللفظية واملفارقة املتفائلة يفنمو ويعيش فيها وأيضا بسبب ي کان ئة اليتيأدونيس يف غالب األحيان بسبب األوضاع السائدة علی الب

    تمه من صغره ووقوعه ياألمور الشخصية اليت حدثت طوال حياته ومن بدء طفولته، منها موت األب وكما استطعنا إلقاء النظر والتدقيق يف املفارقات املستخدمه عنده، للوصول إلی أهدافه . يف السجن وإخل

    قصد يلفاظ املتناقضة والترکيبات الغامضة املوحية کان س عرب استخدامه األيمن استعماهلا؛ إنّ أدونسه وإثارة خميلة القارئ وإلقاؤه يف مذاهب ومراتب شتی من يتداعب مشاعر القارئ واستفزاز أحاس

    وكما هو واضح أنّ أهدافه كانت متمايزه وكثرية ومتنوعة جدا، وأيضا منها الزيادة يف املبالغة . التأويل

    .٢١٦، ص املرجع السابق . ١ .٦٧: م١٩٨٩ عجم الوسيط،امل. ٢

  • ١٤٤ وسكينه داغله زادهويل محيد - اللفظية واملعنوية عند أدونيس دراسة حتليلية لظاهرة املفارقات

    ذهن السامع واملتلقي وجتميل ظاهر األلفاظ واملفاهيم الّيت كان يريد الشاعر القاءها وترسيخ املعنی يف .إلی املتلقّي

    أجل، إنَّ املفارقة يف شعر أدونيس هي من احلوافز البارزة اليت نستطيع أن نقول إنها من حيث ض واالستبطان الذايت يف شدة التألق وکيفية االستعمال تساوي حافزة کسر التقاليد وحافزة الغمو

    .شعره) بنوعيها اللفظي واملعنوي(وفقًا للبحوث اليت أجريناها يف تشخيص النسبة املئوية للمفارقات

    :املستخدمة عند أدونيس عثرنا علی نتائج خمتلفة حددناها يف الرسم البياين التايل

    ارقة يف ديوان أوراق يف الريح أکثر من کما هو واضح يف الرسم البياين أنّ مقدار استعمال املف

    استعماهلا يف الدواوين األخری؛ والديوان الذي کان له احلد األدنی من النصيب يف استخدام املفارقة . فيه هو ديوان أقاليم النهار واللّيل

    قائمة املصادر واملراجع

    القرآن الكرمي .٤-٣، العدد٧اهرة، جملّد، جملّة فصول، الق»املفارقة«). ١٩٨٧(إبراهيم، نبيلة .١ .١دارصادر، ط: ، بريوتلسان العرب). ١٩٩٧(ابن منظور، حممد بن مكرم .٢

  • ١٤٥ عشرونال، العدد اخلامسة، السنة جملة دراسات يف اللّغة العربية وآداا

    ، ٥دار العودة، ط: ، بريوتاألعمال الشعرية الكاملة). ١٩٨٨(د إسرب يس، علي أمحد سعيأدون .٣

    .مج األولمحيد كرمي خاين، : ، ترمجةملس كردن روشنايي). ١٣٨٥(ـــــــــــــ .٤

    .١سة االنتشار، آهنك ديكر، طمؤس: طهران .دار الثقافة: عبدالرمحن بدوي، بريوت: ، ترمجةفن الشعر). ١٩٧٣(أرسطوطاليس .٥). ق.هـ١٤١٢(أنيس، إبراهيم؛ منتصر، عبداحلليم؛ الصواحلي، عطية؛ خلف اهللا أمحد، حممد .٦

    .٤مکتب نشر الثقافة اإلسالمية، ط: طهراناملعجم الوسيط، جدارا : ، عمانتشكل املوقف النقدي عند أدونيس ونزار قباين). ٢٠٠٨(بوهرور، حبيب .٧

    .١للكتاب العاملي، ط ٧امساعيليان، ط: ، قمشرح املختصر). ١٣٩١(التفتازاين، سعدالدين .٨مؤسسة : ترمجة سيد محيد طبيبيان، طهرانفرهنك عريب فارسي الروس، ). ١٣٧٥(جر، خليل .٩

    .٦انتشارات امريكبري، ط .نشر وبژوهش فرزان روز: ، طهراني در شعر فارسييمتناض منا). ١٣٧٧(مري جناري، أ .١٠: ، ترمجةاالتجاهات واحلركات يف الشعر العريب احلديث). ٢٠٠٧(اجليوسي، سلمی اخلضراء .١١

    .٢ط. مركز دراسات الوحدة العربطّة: عبدالواحد لؤلؤة، بريوتلية التربية للبنات جامعة بغداد، جملة ، کاملفارقة يف شعر املتنيب). ٢٠٠٨(خضري، عبداهلادي .١٢

    .املورد، العدد األولالدكتور عبد الواحد لؤلؤة، موسوعة : ترمجةاملفارقة وصفاا، ). ١٩٨٧(ميويك . سي. دي .١٣

    .دار املأمون للترمجة والنشر: املصطلح النقدي، بغداداره وسبل التطري مف