ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ...

22
ﻛﺘﺎﺏ: ﺍﻟﻀﻼﻝ ﻣﻦ ﺍﳌﻨﻘﺬ ﺍﳌﺆﻟﻒ: ﺍﻟﻐﺰﺍﱄ ﺣﺎﻣﺪ ﺃﺑﻮ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺍﷲ ﺑﺴﻢ ﺁﻟﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ، ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﳌﺼﻄﻔﻰ، ﳏﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﻣﻘﺎﻟﺔ، ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻛﻞ ﲝﻤﺪﻩ ﻳﻔﺘﺘﺢ ﺍﻟﺬﻱ ﷲ، ﺍﳊﻤﺪ ﺍﻟﻀﻼﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﳍﺎﺩﻳﻦ ﻭﺃﺻﺤﺎﺑﻪ. ﺑﻌﺪ ﺃﻣﺎ: ﺇﻟﻴﻚ ﺃﺑﺚﹼ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﺍﻷﺥ ﺃﻳﻬﺎ ﺳﺄﻟﺘﲏ ﻓﻘﺪ ﻭﺃﺣﻜﻲ ﻭﺃﻏﻮﺍﺭﻫﺎ، ﺍﳌﺬﺍﻫﺐ ﻭﻏﺎﺋﻠﺔ ﻭﺃﺳﺮﺍﺭﻫﺎ، ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻏﺎﻳﺔ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﺘﺠﺮﺃﺕ ﻭﻣﺎ ﻭﺍﻟﻄﺮﻕﹺ، ﺍﳌﺴﺎﻟﻚ ﺗﺒﺎﻳﻦ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺍﺿﻄﺮﺍﺏ ﺑﲔ ﻣﻦ ﺍﳊﻖ ﺍﺳﺘﺨﻼﺹ ﻗﺎﺳﻴﺘﻪ ﻣﺎ ﻟﻚ ﻃﺮﻕ ﻣﻦ ﺛﺎﻧﻴﺎ ﺍﺟﺘﻮﻳﺘﻪ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻋﻠﻢ ﻣﻦ ﺃﻭﻻ ﺍﺳﺘﻔﺪﺗﻪ، ﻭﻣﺎ ﺍﻻﺳﺘﺒﺼﺎﺭ، ﻳﻔﺎﻉ ﺇﱃ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ، ﺣﻀﻴﺾ ﻋﻦ ﺍﻻﺭﺗﻔﺎﻉ ﻣﻦ ﺁﺧﺮﺍ ﺍﺭﲣﻴﺘﻪ، ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺘﻔﻠﺴﻒ ﻃﺮﻕ ﻣﻦ ﺛﺎﻟﺜﺎ ﺍﺯﺩﺭﻳﺘﻪ، ﻭﻣﺎ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺗﻘﻠﻴﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﳊﻖ ﻟﺪﺭﻙ ﺍﻟﻘﺎﺻﺮﻳﻦ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ، ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻧﺸﺮ ﻋﻦ ﺻﺮﻓﲏ ﻭﻣﺎ ﺍﳊﻖ، ﻟﺒﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﳋﻠﻖ، ﺃﻗﺎﻭﻳﻞ ﻋﻦ ﺗﻔﺘﻴﺸﻲ ﺗﻀﺎﻋﻴﻒ ﺍﳒﻠﻰ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺘﺼﻮﻑ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺑﻨﻴﺴﺎﺑﻮﺭ ﻣﻌﺎﻭﺩﰐ ﺇﱃ ﺭﺩﱐ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﻄﻠﺒﺔ ﻛﺜﺮﺓ ﻣﻊ ﺑﺒﻐﺪﺍﺩ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﺑﻌﺪ ﻣﻄﻠﺒﻚ، ﺇﱃ ﻹﺟﺎﺑﺘﻚ ﻓﺎﺑﺘﺪﺭﺕ ﺍﳌﺪﺓ، ﻃﻮﻝ ﻌﺪ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻣﻠﺘﺠﺌﺎﹰ ﻣﻨﻪ، ﻭﻣﺴﺘﻮﻓﻘﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻣﺘﻮﻛﻼ ﺑﺎﷲ ﻣﺴﺘﻌﻴﻨﺎﹰ ﻭﻗﻠﺖ ﺭﻏﺒﺘﻚ، ﺻﺪﻕ ﻋﻠﻰ: ﺍﻋﻠﻤﻮﺍ- ﺗﻌﺎﱃ ﺍﷲ ﺃﺣﺴﻦ ﻗﻴﺎﺩﻛﻢ ﻟﻠﺤﻖ ﻭﺃﻻﻥ ﺇﺭﺷﺎﺩﻛﻢ،- ﻛﺜﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﺬﺍﻫﺐ ﺍﻷﻣﺔ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻭﺍﳌﻠﻞ، ﺍﻷﺩﻳﺎﻥ ﺍﳋﻠﻖ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺎﺟﻲ، ﺃﻧﻪ ﻳﺰﻋﻢ ﻓﺮﻳﻖ ﻭﻛﻞ ﺍﻷﻗﻠﻮﻥ، ﺇﻻ ﻣﻨﻪ ﳒﺎ ﻭﻣﺎ ﺍﻷﻛﺜﺮﻭﻥ، ﻓﻴﻪ ﻏﺮﻕ ﻋﻤﻴﻖ ﲝﺮ ﺍﻟﻄﺮﻕ، ﻭﺗﺒﺎﻳﻦ ﺑﺎﻟﻔﺮﻕ،" ﻭﻛﻞ ﻓﺮﺣﻮﻥ ﻟﺪﻳﻬﻢ ﲟﺎ ﺣﺰﺏ. " ﺣﻴﺚ ﺍﳌﺼﺪﻭﻕ ﻟﺼﺎﺩﻕ ﻭﻫﻮﺍ ﻋﻠﻴﻪ، ﺍﷲ ﺻﻠﻮﺍﺕ ﺍﳌﺮﺳﻠﲔ ﺳﻴﺪ ﺑﻪ ﻭﻋﺪﻧﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻫﻮ ﻗﺎﻝ" : ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻟﻨﺎﺟﻴﺔ ﻓﺮﻗﺔ، ﻭﺳﺒﻌﲔ ﺛﻼﺛﺎ ﺃﻣﱵ ﺳﺘﻔﺘﺮﻕ ﺍﺣﺪﺓ" ﺷﺒﺎﰊ ﻋﻨﻔﻮﺍﻥ ﺃﺯﻝ ﻭﱂ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻥ ﻭﻋﺪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﻓﻘﺪ- ﺍﳋﻤﺴﲔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻦ ﺃﻧﺎﻑ ﻭﻗﺪ ﺍﻵﻥ، ﺇﱃ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ﺑﻠﻮﻍ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺒﻠﻮﻍ، ﺭﺍﻫﻘﺖ ﻣﻨﺬ- ﺍﻟﺒﺤﺮ ﻫﺬﺍ ﳉﺔ ﺃﻗﺘﺤﻢ ﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﻭﺃ ﻣﻈﻠﻤﺔ، ﻛﻞ ﻭﺃﺗﻮﻏﻞ ﺍﳊﺬﻭﺭ، ﺍﳉﺒﺎﻥ ﺧﻮﺽ ﺍﳉﺴﻮﺭ، ﺧﻮﺽ ﻏﻤﺮﺗﻪ ﻭﺃﺧﻮﺽ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ، ﻛﻞ ﻭﺃﺗﻘﺤﻢ ﻣﺸﻜﻠﺔ، ﳏﻖ ﺑﲔ ﻷﻣﻴﺰ ﻃﺎﺋﻔﺔ، ﻛﻞ ﻣﺬﻫﺐ ﺃﺳﺮﺍﺭ ﻭﺃﺳﺘﻜﺸﻒ ﻓﺮﻗﺔ، ﻛﻞ ﻋﻘﻴﺪﺓ ﻋﻦ ﻭﺃﺗﻔﺤﺺ ﺭﻃﺔ، ﺣﺎﺻﻞ ﺃﻋﻠﻢ ﺃﻥ ﻭﺃﺭﻳﺪ ﺇﻻ ﻇﺎﻫﺮﻳﺎ ﻭﻻ ﺑﺎﻃﻨﻴﺘﻪ، ﻋﻠﻰ ﺃﻃﻠﻊ ﺃﻥ ﻭﺃﺣﺐ ﺇﻻ ﺑﺎﻃﻨﻴﺎ ﺃﻏﺎﺩﺭ ﻭﻣﺒﺘﺪﻉ، ﻭﻣﺘﺴﻨﻦ ﻭﻣﺒﻄﻞ، ﻭﺃﺟﺘﻬﺪ ﺇﻻ ﻣﺘﻜﻠﻤﺎ ﻭﻻ ﻓﻠﺴﻔﺘﻪ، ﻛﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻭﺃﻗﺼﺪ ﺇﻻ ﻓﻠﺴﻔﻴﺎ ﻭﻻ ﻇﺎﻫﺮﻳﺘﻪ، ﻛﻼﻣﻪ ﻏﺎﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻃﻼﻉ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ، ﺣﺎﺻﻞ ﺇﻟﻴﻪ ﻳﺮﺟﻊ ﻣﺎ ﻭﺃﺗﺮﺻﺪ ﺇﻻ ﻣﺘﻌﺒﺪﺍ ﻭﻻ ﺻﻔﻮﺗﻪ، ﺳﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺜﻮﺭ ﻋﻠﻰ ﻭﺃﺣﺮﺹ ﺇﻻ ﺻﻮﻓﻴﺎ ﻭﻻ ﻭﳎﺎﺩﻟﺘﻪ ﻭﺯﻧﺪﻗﺘﻪ ﺗﻌﻄﻴﻠﻪ ﺟﺮﺃﺗﻪ ﻷﺳﺒﺎﺏ ﻟﻠﺘﻨﺒﻪ ﻭﺭﺍﺀﻩ ﻭﺃﲢﺴﺲ ﺇﻻ ﻣﻌﻄﻼ ﺯﻧﺪﻳﻘﺎ ﻭﻻ. ﺃﻭ ﻣﻦ ﻭﺩﻳﲏ، ﺩﺃﰊ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺣﻘﺎﺋﻖ ﺩﺭﻙ ﺇﱃ ﺍﻟﺘﻌﻄﺶ ﻛﺎﻥ ﻭﻗﺪ ﻭﺿﻌﻬﺎ ﺍﷲ ﻣﻦ ﻭﻓﻄﺮﺓ ﻏﺮﻳﺰﺓ ﻋﻤﺮﻱ، ﻭﺭﻳﻌﺎﻥ ﺃﻣﺮﻱ، ﻋﻬﺪ ﻗﺮﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﳌﻮﺭﻭﺛﺔ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻋﻠﻲ ﻭﺍﻧﻜﺴﺮﺕ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪ، ﺭﺍﺑﻄﺔ ﻋﲏ ﺍﳓﻠﺖ ﻭﺣﱴ ﻭﺣﻴﻠﱵ، ﺑﺎﺧﺘﻴﺎﺭﻱ ﺟﺒﻠﱵ ﺭﺃﻳﺖ ﺇﺫ ﺍﻟﺼﺒﺎ، ﺳﻦ: ﻋﻠﻰ ﺇﻻ ﳍﻢ ﻧﺸﻮﺀ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺻﺒﻴﺎﻥﺮ، ﺍﻟﺘﻨﺼ ﻋﻠﻰ ﺇﻻ ﻧﺸﻮﺀ ﳍﻢ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻨﺼﺎﺭﻯ ﺻﺒﻴﺎﻥ ﺍﻟﺘﻬﻮﺩ، ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻋﻠﻰ ﺇﻻ ﳍﻢ ﻧﺸﻮﺀ ﺍﳌﺴﻠﻤﲔ ﻭﺻﺒﻴﺎﻥ. ﻋﻠﻴﻪ ﺍﷲ ﺻﻠﻰ ﺍﷲ ﺭﺳﻮﻝ ﻋﻦ ﺍﳌﺮﻭﻱ ﺍﳊﺪﻳﺚ ﻭﲰﻌﺖ ﻗﺎﻝ ﺣﻴﺚ ﻭﺳﻠﻢ" : ﹺﻪﺎﻧ ﻤﺠﱢﺴ ﻭﻳ، ﺼﺮﺍﻧﻪ ﻭﻳﻨ، ﻬﻮﺩﺍﻧﻪ ﻓﺄﺑﻮﺍﻩ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﻋﻠﻰ ﻳﻮﻟﺪ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻛﻞ" ﻃﻠﺐ ﺇﱃ ﺑﺎﻃﲏ ﻓﺘﺤﺮﻙ ﺑﺘﻘﻠﻴﺪ ﺍﻟﻌﺎﺭﺿﺔ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻭﺣﻘﻴﻘﺔ ﺍﻷﺻﻠﻴﺔ، ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻭﺃﻭﺍﺋﻠﻬﺎ ﺍﻟﺘﻘﻠﻴﺪﺍﺕ، ﻫﺬﻩ ﺑﲔ ﻭﺍﻟﺘﻤﻴﻴﺰ ﻭﺍﻷﺳﺘﺎﺫﻳﻦ، ﺍﻟﻮﺍﻟﺪﻳﻦ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﻘﻠﺖ ﺍﺧﺘﻼﻓﺎﺕ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻋﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﳊﻖ ﲤﻴﻴﺰ ﻭﰲ ﺗﻠﻘﻴﻨﺎﺕ،: ﻣﻦ ﺑﺪ ﻓﻼ ﺍﻷﻣﻮﺭ، ﲝﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻄﻠﻮﰊ ﺇﳕﺎ ﺃﻭﻻ ﻓﻈﻬﺮ ﻫﻲ؟ ﻣﺎ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻃﻠﺐ: ﺍﻧﻜﺸﺎﻓﺎ ﺍﳌﻌﻠﻮﻡ ﻓﻴﻪ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﺍﻟﻴﻘﻴﲏ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻭﻻ ﺭﻳﺐ، ﻣﻌﻪ ﻳﺒﻘﻰ

Upload: others

Post on 13-Sep-2019

10 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

الضالل: كتاب ملنقذ من الغزايل: املؤلف بو حامد ا أ

بسم اهللا الرمحن الرحيم

احلمد هللا، الذي يفتتح حبمده كل رسالة ومقالة، والصالة على حممد املصطفى، صاحب النبوة والرسالة، وعلى آله .وأصحابه اهلادين من الضاللة

غاية العلوم وأسرارها، وغائلة املذاهب وأغوارها، وأحكي فقد سألتين أيها األخ يف الدين، أن أبث إليك : أما بعدلك ما قاسيته يف استخالص احلق من بني اضطراب الفرق مع تباين املسالك والطرق، وما استجرأت عليه من

االرتفاع عن حضيض التقليد، إىل يفاع االستبصار، وما استفدته، أوال من علم الكالم، وما اجتويته، ثانيا من طرق أهل التعليم، القاصرين لدرك احلق على تقليد اإلمام وما ازدريته، ثالثا من طرق التفلسف وما ارختيته، آخرا من طريقة التصوف وما اجنلى يل يف تضاعيف تفتيشي عن أقاويل اخللق، من لباب احلق، وما صرفين عن نشر العلم

عد طول املدة، فابتدرت إلجابتك إىل مطلبك، بعد الوقوف ببغداد مع كثرة الطلبة وما ردين إىل معاوديت بنيسابور بأحسن اهللا تعاىل -اعلموا : على صدق رغبتك، وقلت مستعينا باهللا ومتوكال عليه، ومستوفقا منه، وملتجئا إليه

أن اختالف اخللق يف األديان وامللل، مث اختالف األمة يف املذاهب على كثرة -إرشادكم، وأالن للحق قيادكم وكل " بالفرق، وتباين الطرق، حبر عميق غرق فيه األكثرون، وما جنا منه إال األقلون، وكل فريق يزعم أنه الناجي،

وهو الذي وعدنا به سيد املرسلني صلوات اهللا عليه، وهوا لصادق املصدوق حيث " . حزب مبا لديهم فرحون فقد كان ما وعد أن يكون ومل أزل يف عنفوان شبايب " احدة ستفترق أميت ثالثا وسبعني فرقة، الناجية منها و: " قالأقتحم جلة هذا البحر -منذ راهقت البلوغ، قبل بلوغ العشرين إىل اآلن، وقد أناف السن على اخلمسني -

العميق، وأخوض غمرته خوض اجلسور، ال خوض اجلبان احلذور، وأتوغل يف كل مظلمة، وأهتجم على كل رطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، وأستكشف أسرار مذهب كل طائفة، ألميز بني حمق مشكلة، وأتقحم كل و

ومبطل، ومتسنن ومبتدع، ال أغادر باطنيا إال وأحب أن أطلع على باطنيته، وال ظاهريا إال وأريد أن أعلم حاصل اإلطالع على غاية كالمه ظاهريته، وال فلسفيا إال وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، وال متكلما إال وأجتهد يف

وجمادلته وال صوفيا إال وأحرص على العثور على سر صفوته، وال متعبدا إال وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، .وال زنديقا معطال إال وأحتسس وراءه للتنبه ألسباب جرأته يف تعطيله وزندقته

ل أمري، وريعان عمري، غريزة وفطرة من اهللا وضعها وقد كان التعطش إىل درك حقائق األمور دأيب وديين، من أويف جبليت ال باختياري وحيليت، وحىت احنلت عين رابطة التقليد، وانكسرت علي العقائد املوروثة على قرب عهد

صبيان النصارى ال يكون هلم نشوء إال على التنصر، وصبيان اليهود ال نشوء هلم إال على : سن الصبا، إذ رأيتومسعت احلديث املروي عن رسول اهللا صلى اهللا عليه . وصبيان املسلمني ال نشوء هلم إال على اإلسالمالتهود،

فتحرك باطين إىل طلب " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه : " وسلم حيث قالالوالدين واألستاذين، والتمييز بني هذه التقليدات، وأوائلها حقيقة الفطرة األصلية، وحقيقة العقائد العارضة بتقليد

أوال إمنا مطلويب العلم حبقائق األمور، فال بد من : تلقينات، ويف متييز احلق منها عن الباطل اختالفات فقلت يف نفسييبقى معه ريب، وال أن العلم اليقيين هو الذي ينكشف فيه املعلوم انكشافا ال : طلب حقيقة العلم ما هي؟ فظهر يل

Page 2: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

يفارقه إمكان الغلط والوهم، وال يتسع القلب لتقدير ذلك، بل األمان من اخلطأ ينبغي أنا يكون مقارنا لليقني، من يقلب احلجر ذهبا والعصا ثعبانا، مل يروث ذلك شكا وإنكارا، فإين إذا -مثال -مقارنة لو حتدى بإظهار بطالنه

ال بل الثالثة أكثر، بدليل أين أقلب هذه العصا ثعبانا، وقلبها، : الثالثة، فلو قال يل قائل أن العشرة أكثر من: علمتفأما الشك ! وشاهدت ذلك منه، مل أشك بسببه يف معرفيت، ومل حيصل يل منه إال التعجب من كيفية قدرته عليه

نه هذا النوع من اليقني، فهو علم ال ثقة بسببه فيما علمته فال مث علمت أن كل ما ال أعلمه على هذا الوجه وال أتيق .به وال أمان معه، وكل علم ال أمان معه فليس بعلم يقيين

مدخل السفسطة وجحد العلوم

مث فتشت عن علومي، فوجدت نفسي عاطال من علم موصوف هبذه الصفة، إال يف احلسيات، والضروريات، فقلت ت إال من اجلليات وهي احلسيات والضروريات فال بد من اآلن بعد حصول اليأس ال مطمع يف اقتباس املشكال

إحكامها أوال ألتيقن أن ثقيت باحملسوسات، وأماين من الغلط يف الضروريات من جنس أماين الذي كان من قبل يف .التقليدات، ومن جنس أمان أكثر اخللق يف النظريات، أم هو أمان حمقق ال غدر فيه، وال غائلة له

يغ، أتأمل احملسوسات والضروريات، وأنظر هل ميكنين أن أشكك نفسي فيها؟ فانتهي يب طول فأقبلت جبد بلمن أين الثقة : التشكيك إىل أن مل تسمح نفسي بتسليم األمان يف احملسوسات أيضا، وأخذ يتسع فيها ويقول

في احلركة، مث بالتجربة باحلواس؟ وأقواها حاسة البصر وهي تنظر إىل الظل فتراه واقفا غري متحرك، وحتكم بنتعرف أنه متحرك، وأنه مل يتحرك دفعة واحدة بغتة، بل بالتدريج ذرة، ذرة، حىت مل يكن -بعد ساعة -واملشاهدة

وتنظر إىل الكوكب، فتراه صغريا يف مقدار دينار، مث األدلة اهلندسية تدل على أنه أكرب من األرض . له حالة وقوفمن احملسوسات حيكم فيها حاكم احلس، بأحكامه ويكذبه حاكم العقل وخيونه تكذيبا ال هذا، وأمثاله. يف املقدار

قد بطلت الثقة باحملسوسات أيضا، فلعله ال ثقة إال بالعقليات اليت هي من األوليات، : سبيل إىل مدافعته فقلتوالشيء الواحد ال يكون قدميا، العشرة أكثر من الثالثة والنفي واإلثبات ال جيتمعان يف الشيء الواحد،: كقولنا

.موجودا معدوما، واجبا حماالمب تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك باحملسوسات وقد كنت واثقا يب، فجاء حاكم العقل : فقالت احلواس

فكذبين، ولوال حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي، فلعل وراء إدراك العقل حاكما آخر، إذا جتلى كذب !! لعقل يف حكمه، كما جتلى حاكم العقل فكذب احلس يف حكمه، وعدم جتلي ذلك اإلدراك ال يدل على استحالةا

أما تراك تعتقد يف النوم أمورا، وتتخيل أحواال، : فتوقفت النفس يف جواب ذلك قليال وأيدت إشكاهلا باملنام، وقالتأنه مل يكن جلميع متخيالتك : الة فيها، ومث تستيقظ فتعلموتعتقد هلا ثباتا، واستقرارا، وال تشكل يف تلك احل

فبم تأمن أن يكون مجيع ما تعتقده يف يقظتك، حبس أو عقل هو حق باإلضافة إىل حالتك . ومعتقداتك أصل وطائلاليت أنت فيها، لكن ميكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبتها إىل يقظتك، كنسبة يقظتك إىل منامك، وتكون يقظتك

.فإذا وردت تلك احلالة، تيقنت أن مجيع ما تومهت بعقلك خياالت ال احلاصل هلا! ا باإلضافة إليهانومولعل تلك احلالة، ما تدعيه الصوفية أهنا حالتهم، إذ يزعمون أهنم يشاهدون يف أحواهلم اليت هلم إذا غاصوا يف

تلك احلالة هي املوت، إذ قال رسول اهللا صلى أنفسهم، وغابوا عن حواسهم أحواال ال توافق هذه املعقوالت، ولعلفلعل احلياة الدنيا نوم باإلضافة إىل اآلخرة، فإذا مات ظهرت له " . الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا : " اهللا عليه وسلم

" .فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد : " األشياء على خالف ما يشاهده اآلن ويقال له عند ذلك

Page 3: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

فلما خطر يل هذه اخلواطر، وانقدحت يف النفس حاولت لذلك عالجا فلم يتيسر، إذ مل يكن دفعه إال بالدليل، ومل فأعضل الداء، ودام . فإذا مل تكن مسلمة مل ميكن تركيب الدليل. ميكن نصب دليل إال من تركيب العلوم األولية

حىت شفى اهللا تعاىل من ذلك . ال، ال حبكم النطق واملقالقريبا من شهرين، أنا فيهما على مذهب السفسطة حبكم احلاملرض، وعادت النفس إىل الصحة واالعتدال، ورجعت الضروريات العقلية مقبولة موثوقا هبا على أمن ويقني، ومل يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كالم، بل بنور قذفه اهللا تعاىل يف الصدر وذلك النور هو مفتاح أكثر املعارف، فمن

.ظن أن الكشف موقوف على األدلة احملررة فقد ضيق رمحة اهللا تعاىل الواسعةفمن يرد اهللا أن يهديه يشرح : " ومعناه يف قوله تعاىل" الشرح " وملا سئل رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم، على

" .هو نور يقذفه اهللا تعاىل يف القلب : " قال" صدره لإلسالم " .التجايف عن دار الغرور، واإلنابة إىل دار اخللود : " قال وما عالمته؟: فقيل

:وهو الذي قال صلى اهللا عليه وسلم فيه

فمن ذلك النور ينبغي أن يطلب الكشف، وذلك النور " إن اهللا تعاىل خلق اخللق يف ظلمة، مث رش عليهم من نوره " إن لربكم يف أيام : " ب الترصد له كما قال صلى اهللا عليه وسلمينبجس من اجلود اإلهلي يف بعض األحاديني، وجي

واملقصود من هذه احلكايات أن يعمل كمال اجلد يف الطلب، حىت ينتهي إىل " دهركم نفحات، أال فتعرضوا هلا ال فإن األوليات ليست مطلوبة، فإهنا حاضرة، واحلاضر إذا طلب نفر واختفى، ومن طلب ما . طلب ما ال يطلب

.يطلب فال يتهم بالتقصري يف طلب ما يطلب: أصناف الطالبني وملا شفاين اهللا من هذا املرض بفضله وسعة جوده، أحضرت أصناف الطالبني عندي يف أربع فرق

.وهم يدعون أهنم أهل الرأي والنظر: املتكلمون - ١ .من اإلمام املعصوموهم يزعمون أهنم أصحاب التعليم، واملخصوصون باالقتباس : الباطنية - ٢ .وهم يزعمون أهنم أهل املنطق والربهان: الفالسفة - ٣احلق ال يعدو هذه : وهم يدعون أهنم خواص احلضرة، وأهل املشاهدة واملكاشفة فقلت يف نفسي: الصوفية - ٤

مطمع، إذ ال األصناف األربعة، فهؤالء هم السالكون سبل طلب احلق، فإن شذ احلق عنهم، فال يبقى يف درك احلقمطمع يف الرجوع إىل التقليد بعد مفارقته، إذ من شرط باملقلد أن ال يعلم أنه مقلد، فإذا علم ذلك انكسرت

زجاجة تقليده، وهو شعب ال يرأب وشعث ال يلم بالتلفيق والتأليف، إال أن يذاب بالنار، ويستأنف له صنعة أخرى ومثنيا بطريق الفلسفة، . مبتدئا بعلم الكالم. ما عند هذه الفرقفابتدرت لسلوك هذه الطرق، واستقصاء . مستجدة

.ومثلثا بتعلم الباطنية، ومربعا بطريق الصوفية

علم الكالم مقصوده وحاصله

مث إين ابتدأت بعلم الكالم، فحصلته، وعقلته، وطالعت كتب احملققني منهم، وصنفت فيه ما أردت أن أصنف وده، غري واف مبقصودي، وإمنا مقصوده حفظ عقيدة أهل السنة، وحراستها عن تشويش فصادفته علما وافيا مبقص

على ما فيه صالح دينهم ودنياهم، . أهل البدعة، فقد ألقى اهللا تعاىل، إىل عباده على لسان رسوله عقيدة هي احلقفة للسنة، فلهجوا هبا وكادوا مث ألقى الشيطان يف وساوس املبتدعة أمورا خمال. كما نطق مبعرفته القرآن واألخبار .يشوشون عقيدة احلق على أهلها

Page 4: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

فأنشأ اهللا تعاىل، طائفة املتكلمني، وحرك دواعيهم لنصرة السنة بكالم مرتب، يكشف عن تلبيسات أهل البدع إليه، احملدثة، على خالف السنة املأثورة، فمنه نشأ علم الكالم وأهله، فلقد قام طائفة منهم مبا ندهبم اهللا تعاىل

فأحسنوا الذب عن السنة، والنضال عن العقيدة املتلقاة بالقبول من النبوة، والتغيري يف وجه ما أحدث من البدعة، ولكنهم اعتمدوا يف ذلك على مقدمات تسلموها من خصومهم، واضطرهم إىل تسليمها، إما التقليد، أو إمجاع

ر خوضهم يف استخراج تناقضات اخلصوم، ومؤاخذهتم بلوازم األمة، أو جمرد القبول من القرآن واألخبار وكان أكثمسلماهتم، وهذا قليل النفع يف حق من ال يسلم سوى الضروريات شيئا أصال، فلم يكن الكالم يف حقي كافيا، وال

.لدائي الذي كنت أشكوه شافياىل حماولة الذب عن السنة بالبحث نعم ملا نشأت صنعة الكالم، وكثر اخلوض فيه، وطالت املدة، تشوق املتكلمون إ

ولكن مل يكن ذلك مقصود علمهم، مل . عن حقائق األمور وخاضوا يف البحث عن اجلواهر واألعراض وأحكامهاوال أبعد أن . يبلغ كالمهم فيه الغاية القصوى، فلم حيصل منه ما ميحو بالكلية ظلمات احلرية يف اختالفات اخللق

لست أشك يف حصول ذلك لطائفة، ولكن حصوال مشوبا بالتقليد يف بعض يكون قد حصل ذلك لغريي، بل حكاية حايل، ال اإلنكار على من استشفى به، فإن أدوية الشفاء : األمور اليت ليست من األوليات، والغرض اآلن

.ختتلف باختالف الداء، وكم من دواء ينتفع به مريض ويستضر به آخر

الفلسفة

وما ال يذم، وما يكفر فيه قائلة، وما ال يكفر، وما يبدع فيه وما ال يبدع، وبيان ما سرقوه أحاصيلها، ما يذم منها من كالم أهل احلق، وما مزجوه بكالمهم لترويج باطلهم يف درج ذلك، وكيفية حصول نفرة النفوس من ذلك احلق

. موكيفية استخالص صراف احلقائق احلق اخلالص من الزيف والبهرج من مجلة كالمه -

أنه ال يقف على فساد نوع من : بعلم الفلسفة، وعلمت يقينا -بعد الفراغ من علم الكالم -مث إين ابتدأت العلوم، من ال يقف على منتهى ذلك العلم، حىت يساوي أعلمهم يف أصل ذلك العلم، مث يزيد عليه، وجياوز درجته

ومل . وإذا ذاك ميكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقا فيطلع على ما مل يطلع عليه صاحب العلم، من غوره وغائله،حيث اشتغلوا -أر أحدا من علماء اإلسالم صرف عنايته ومهته إىل ذلك، ومل يكن يف كتب املتكلمني من كالمهم

إال كلمات معقدة مبددة ظاهرة التناقض والفساد، ال يظن االغترار هبا بعاقل عامي، فضال عمن -بالرد عليهم .ي دقائق العلم، فعلمت أن رد املذهب قبل فهمه واإلطالع على كنه رمى يف عمايةيدع

فشمرت عن ساق اجلد يف حتصيل ذلك العلم من الكتب، مبجرد املطالعة من غري استعانة بأستاذ، وأقبلت على ذلك لثالمثائة نفس من الطلبة يف أوقات فراغي من التصنيف والتدريس يف العلوم الشرعية، وأنا ممنو بالتدريس واإلفادة

فأطلعين اهللا سبحانه وتعاىل مبجرد املطالعة يف هذه األوقات املختلسة، على منتهى علومهم يف أقل من سنتني، . ببغدادمث مل أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريبا من سنة أعاوده وأردده وأتفقد غوائله وأغواره، حىت اطلعت على

.وتلبيس وحتقيق وختييل، واطالعا مل أشك فيهما فيه من خداع، على كثرة -فامسع اآلن حكايته، وحكاية حاصل علومهم، فإين رأيتهم أصنافا، ورأيت علومهم أقساما وهم

يلزمهم وصمة الكفر واإلحلاد، وإن كان بني القدماء منهم واألقدمني، وبني األواخر منهم واألوائل، -أصنافهم .البعد عن احلق والقرب منهتفاوت عظيم، يف

Page 5: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

أصناف الفالسفة ومشول وصمة الكفر كافتهم

.الدهريون، والطبيعيون، واإلهليون: ينقسمون إىل ثالثة أقسام -على كثرة فرقهم، واختالف مذاهبهم -اعلم أهنم

الصنف األول

الدهريون

أن العامل مل يزل موجودا كذلك بنفسه، وبال : وهم طائفة من األقدمني جحدوا الصانع املدبر، العامل القادر، وزعموا .صانع، ومل يزل احليوان من النطفة، والنطفة من احليوان، كذلك كان، وكذلك يكون أبدا وهؤالء هم الزنادقة

والصنف الثاين

الطبيعيون

أعضاء وهم قوم أكثروا حبثهم عن عامل الطبيعة وعن عجائب احليوان والنبات، وأكثروا اخلوض يف علم تشريحفرأوا فيها من عجائب صنع اهللا تعاىل، وبدائع حكمته، مما اضطروا معه إىل االعتراف بفاطر حكيم، . احليوانات

مطلع على غايات األمور ومقاصدها، وال يطالع التشريح، وعجائب منافع األعضاء مطالع إال وحيصل له هذا العلم إال أن هؤالء لكثرة حبثهم عن الطبيعة ظهر ..! ما بنية اإلنسانالضروري بكمال تدبري الباين لبنية احليوان، ال سي

تأثري عظيم يف قوام قوى احليوان به، فظنوا أن القوة العاقلة من اإلنسان تابعة ملزاجه -العتدال املزاج -عندهم بوا إىل أن النفس أيضا، وأهنا تبطل ببطالن مزاجه فينعدم، مث إذا انعدم فال يعقل إعادة املعدوم، كما زعموا، فذه

متوت وال تعود فجحدوا اآلخرة، وأنكروا اجلنة والنار، واحلشر والنشر، والقيامة، واحلساب، فلم يبق عندهم وهؤالء أيضا زنادقة، ألن أصل . للطاعة ثواب، وال للمعصية عقاب، فاحنل عنهم اللجام، واهنمكوا إهنماك األنعام

.خر، وهؤالء جحدوا اليوم اآلخر، وإن آمنوا باهللا وصفاته،اإلميان باهللا واليوم اآل: اإلميان هو

والصنف الثالث

اإلهليون

وهم املتأخرون منهم مثل سقراط وهو أستاذ أفالطون وأفالطون أستاذ أرسطاطاليس وأرسطاطاليس هو الذي رتب فجا من علومهم، وهم هلم املنطق، وهذب هلم العلوم، وحرر هلم ما مل يكن حمررا من قبل، وأنضج هلم ما كان

جبملتهم، ردوا على الصنفني األولني من الدهرية، والطبيعية، وأوردوا يف الكشف عن فضائحهم ما أغنوا به غريهم مث رد أرسطاطاليس على أفالطون وسقراط ومن كان قبلهم من اإلهليني، ردا . بتقاتلهم" وكفى اهللا املؤمنني القتال "

مجيعهم، إال أنه استبقى من رذاذ كفرهم، وبدعتهم، بقايا مل يوفق للنزوع عنها، فوجب مل يقصر فيه حىت تربأ عن على أنه مل يقم بنقل علم . كابن سينا والفارايب وأمثاهلما. تكفريهم وتكفري شيعتهم من املتفلسفة اإلسالميني

س خيلو من ختبيط وختليط، أرسطاطاليس أحد من متلفسفة اإلسالميني كقيام هذين الرجلني، وما نقله غريمها لي

Page 6: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

يتشوش فيه قلب املطالع، حىت ال يفهم، وما ال يفهم كيف يرد أو يقبل؟ وجمموع ما صح عندنا من فلسفة .قسم جيب التفكري به - ١: أرسطاطاليس، حبسب نقل هذين الرجلني ينحصر يف ثالثة أقسام

.وقسم جيب التبديع به - ٢ .فصلهوقسم ال جيب إنكاره أصال، فلن - ٣

أقسام علومهم

ستة أقسام رياضية، ومنطقية، وطبيعية، وإهلية، وسياسية، -بالنسبة إىل الغرض الذي نطلبه -أن علومهم : أعلم .وخلقية

فتتعلق بعلم احلساب واهلندسة وعلم هيئة العامل، وليس يتعلق منه شيء باألمور الدينية نفيا وإثباتا، بل : أما الرياضيةمن ينظر فيها يتعجب : األوىل: وقد تولدت منها آفتان. نية ال سبيل إىل جماحدهتم بعد فهمها ومعرفتهاهي أمور برها

من دقائقها ومن ظهور براهينها، فيحسن بسبب ذلك اعتقاده يف الفالسفة، فيحسب أن مجيع علومهم يف الوضوح اوهنم بالشرع ما تناولته األلسنة فيكفر مث يكون قد مسع من كفرهم وتعطيلهم وهت. ويف وثاقة الربهان كهذا العلم

فإذا عرف بالتسامع ! لو كان الدين حقا ملا اختفى على هؤالء مع تدقيقهم يف هذا العلم: بالتقليد احملض ويقولكفرهم وجورهم استدل على أن احلق هو اجلحد واإلنكار للدين، وكم رأيت من يضل عن احلق هبذا العذر وال

.مستند له سواهاحلاذق يف صناعة واحدة ليس يلزم أن يكون حاذقا يف كل صناعة، فال يلزم أن يكون احلاذق يف الفقه : قيل له وإذا

والكالم حاذقا يف الطب، وال أن يكون اجلاهل بالعقليات جاهال بالنحو، بل لكل صناعة أهل بلغوا فيها رتبة الرباعة فكالم األوائل يف الرياضيات برهاين ويف اإلهليات ختميين، ال والسبق، وإن كان احلمق واجلهل يلزمهم يف غريها،

فهذا إذا قرر على هذا الذي أحلد بالتقليد، ومل يقع منه موقع القبول، بل حتمله . يعرف ذلك من جربه وخاض فيهعظيمة فهذه آفة . غلبة اهلوى، والشهوة الباطلة، وحب التكايس على أن يصر على حتسني الظن هبم يف العلوم كلها

ألجلها جيب زجر كل من خيوض يف تلك العلوم، فإهنا وإن مل تتعلق بأمر الدين، ولكن ملا كانت من مبادئ علومهم .سرى إليه شرهم وشؤمهم، فقل من خيوض فيها إال وينخلع من الدين وينحل عن رأسه جلام التقوى

فأنكر . ينصر بإنكار كل علم منسوب إليهم نشأت من صديق لإلسالم جاهل، ظن أن الدين ينبغي أن: اآلفة الثانيةمجيع علومهم وادعى جهلهم فيها حىت أنكر قوهلم يف الكسوف واخلسوف، وزعم أن ما قالوه على خالف الشرع فلما قرع ذلك مسع من عرف ذلك بالربهان القاطع، مل يشك يف برهانه ولكن اعتقد أن اإلسالم مبين على اجلهل

فازداد للفلسفة حبا ولإلسالم بغضا، ولقد عظم على الدين جناية من ظن أن اإلسالم ينصر وإنكار الربهان القاطع، . بإنكار هذه العلوم، وليس يف الشرع تعرض هلذه العلوم بالنفي واإلثبات، وال يف هذه العلوم تعرض لألمور الدينية

اىل ال ينخسفان ملوت أحد وال حلياته، فإذا إن الشمس والقمر آيتان من آيات اهللا تع: " وقوله صلى اهللا عليه وسلم " .رأيتم فافزعوا إىل ذكر اهللا تعاىل وإىل الصالة

وليس يف هذا ما يوجب إنكار علم احلساب املعروف مبسري الشمس والقمر، واجتماعهما أو مقابلهما على وجه . يس توجد هذه الزيادة يف الصحيح أصالفل" لكن اهللا إذا جتلى لشيء خضع له : " خمصوص، أما قوله عليه السالم . فهذا حكم الرياضيات وآفتها

Page 7: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

فال يتعلق شيء منها بالدين نفيا وإثباتا، بل هي النظر يف طرق األدلة واملقاييس، وشروط مقدمات : وأما املنطقياتمعرفته احلد، وإما وأن العلم إما تصور وسبيل . الربهان، وكيفية تركيبها، وشروط احلد الصحيح وكيفية ترتيبه

تصديق وسبيل معرفته الربهان، وليس يف هذا ما ينبغي أن ينكر، بل هو من جنس ما ذكره املتكلمون وأهل النظر يف األدلة، وإمنا يفارقوهنم بالعبارات واالصطالحات بزيادة االستقصاء يف التعريفات والتشعيبات، ومثال كالمهم

إذا ثبت أن كل إنسان حيوان لزم أن " ي " " أ " " ب " لزم أن بعض " ب " " أ " إذا ثبت أن كل : فيها قوهلموأي تعلق هلذا مبهمات الدين حىت . بعض احليوان إنسان، ويعربون عن هذه بأنه املوجبة الكلية تنعكس موجبة جزئية

بل يف دينه الذي يزعم جيحد وينكر؟ فإذا أنكر مل حيصل من إنكاره عند أهل املنطق إال سوء االعتقاد يف عقل املنكر،أنه موقوف على مثل هذا اإلنكار، نعم هلم نوع من الظلم يف هذا العلم، وهو أهنم جيمعون للربهان شروطا يعلم أهنا

تورث اليقني ال حمالة، لكنهم عند االنتهاء إىل املقاصد الدينية ما أمكنهم الوفاء بتلك الشروط، بل تساهلوا غاية يف املنطق أيضا من يستحسنه ويراه واضحا، فيظن أن ما ينقل عنهم من الكفريات مؤيد مبثل التساهل، ورمبا ينظر

.فهذه اآلفة أيضا متطرقة إليه. تلك الرباهني، فيستعجل بالكفر قبل االنتهاء إىل العلوم اإلهليةكاملاء واهلواء : ملفردةفهو حبث عن عامل السماوات وكواكبها وما حتتها من األجسام ا: وأما علم الطبيعيات - ٣

والتراب والنار، وعن األجسام املركبة، كاحليوان والنبات واملعادن، وعن أسباب تغريها وامتزاجها، وكذلك يضاهي حبث الطب عن جسم اإلنسان، وأعضائهم الرئيسية واخلادمة، وأسباب استحالة مزاجه وكما ليس من

إنكار ذلك العلم، إال يف مسائل معينة، وذكرناها يف كتاب شرط الدين إنكار علم الطب، فليس من شرطه أيضاأن تعلم أن : هتافت الفالسفة وما عداها مما جيب املخالفة فيها، فعند التأمل يتبني أهنا مندرجة حتتها، وأصل مجلتها

والطبائع والشمس والقمر والنجوم. الطبيعة مسخرة هللا تعاىل، ال تعمل بنفسها، بل هي مستعملة من جهة فاطرها .مسخرات بأمره ال فعل لشيء منها بذاته عن ذاته

ففيها أكثر أغاليطهم، فما قدروا على الوفاء بالرباهني على ما شرطوه يف املنطق، ولذلك كثر : وأما اإلهليات - ٤سينا، االختالف بينهم فيه ولقد قرب مذهب أرسطاطاليس فيها من مذاهب اإلسالميني، على ما نقله الفارايب وابن وإلبطال . ولكن جمموع ما غلطوا فيه يرجع إىل عشرين أصال، جيب تكفريهم يف ثالثة منها، وتبديعهم يف سبعة عشر

مذهبهم يف هذه املسائل العشرين صنفنا كتاب التهافت أما املسائل الثالث، فقد خالفوا فيها كافة املسلمني وذلك ثاب واملعاقب هي األرواح اجملردة، واملثوبات والعقوبات روحانية ال إن األجساد ال حتشر، وإمنا امل - ١: يف قوهلم .جسمانية

فإهنا كائنة أيضا، ولكن كذبوا يف إنكار اجلسمانية، وكفروا بالشريعة فيما نطقوا : ولقد صدقوا يف إثبات الروحانية .بهال : " ضا كفر صريح، بل احلق أنه، فهو أي" إن اهللا تعاىل يعلم الكليات دون اجلزئيات : " ومن ذلك قوهلم - ٢

" .يعزب عنه مثقال ذرة يف السموات وال يف األرض وأما ما وراء . يقدم العامل وأزليته، ومل يذهب أحد من املسلمني إىل شيء من هذه املسائل: ومن ذلك قوهلم - ٣

ا جيري جمراه، فمذهبهم فيها إنه عليم بالذات، وال يعلم زائد على الذات وم: ذلك من نفيهم الصفات، وقوهلم .قريب من مذهب املعتزلة، وال جيب تكفري املعتزلة مبثل ذلك

وقد ذكرنا يف كتاب فيصل التفرقة بني اإلسالم والزندقة ما يتبني به فساد رأي من يتسارع إىل التكفري يف كل ما .خيالف مذهبه

Page 8: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

صلحية املتعلقة باألمور الدنيوية، واإليالة السلطانية، فجميع كالمهم فيها يرجع إىل احلكم امل: وأما السياسيات - ٥ .وإمنا أخذوه من كتب اهللا املنزلة على األنبياء، ومن احلكم املأثورة عن سلف األنبياء عليهم السالم

فجميع كالمهم فيها يرجع إىل حصر صفات النفس وأخالقها، وذكر أجناسها وأنواعها وكيفية : وأما اخللقية - ٦وجماهدهتا، وإمنا أخذوها من كالم الصوفية، وهم املتأهلون املواظبون على ذكر اهللا تعاىل، وعلى خمالفة اهلوى معاجلتها

وسلوك الطريق إىل اهللا تعاىل باإلعراض عن مالذ الدنيا، وقد انكشف هلم يف جماهدهتم من أخالق الناس وعيوهبا، ولقد . ا بكالمهم توسال بالتجمل هبا إىل ترويج باطلهموآفات أعماهلا ما صرحوا هبا، فأخذها الفالسفة ومزجوه

كان يف عصرهم بل يف كل عصر مجاعة من املتأهلني ال خيلي اهللا سبحانه العامل عنهم، فإهنم أوتاد األرض، بربكاهتم " هبم متطرون، وهبم ترزقون : " تنزل الرمحة على أهل األرض كما ورد يف اخلرب حيث قال صلى اهللا عليه وسلم

ومنهم كان أصحاب الكهف وكانوا يف سالف األزمنة، على ما نطق به القرآن، فتولد من مزجهم كالم النبوة .آفة يف حق القابل، وآفة يف حق الراد: وكالم الصوفية بكتبهم آفتان

كتبهم، إذ ظنت طائفة من الضعفاء أن ذلك الكالم إذا كان مدونا يف : أما اآلفة اليت يف حق الراد فعظيمة - ١وممزوجا بباطلهم، ينبغي أن يهجر وال يذكر بل ينكر على كل من يذكره إذ مل يسمعوه أوال منهم، فسبق إىل

" ال إله إال اهللا، عيسى رسول اهللا : " عقوهلم الضعيفة أنه باطل، ألن قائله مبطل، كالذي يسمع من النصراين قولهقف رمبا يتأمل أن النصراين كافر باعتبار هذا القول، أو باعتبار ، وال يتو" هذا كالم النصارى : " فينكره ويقول

فإن مل يكن كافرا إال باعتبار إنكاره، ينبغي أن خيالف يف غري ما هو به كافر . إنكاره نبوة حممد عليه الصالة والسالم. رجال، ال الرجال باحلقوهذه عادة ضعفاء العقول، يعرفون احلق بال. مما هو حق يف نفسه، وإن كان أيضا حقا عنده

ال تعرف احلق بالرجال بل : رضي اهللا عنه، حيث قال" علي بن أيب طالب " والعاقل يقتدي بقول أمري املؤمنني فإن كان حقا قبله سواء كان قائله : اعرف احلق تعرف أهله، والعارف العاقل يعرف احلق، مث ينظر يف نفس القول

وال . لى انتزاع احلق من تضاعيف كالم أهل الضالل، عاملا بأن معدن الذهب الرغاممبطال أو حمقا، بل رمبا حيرص عمهما كان واثقا . بأس على الصراف إن أدخل يده يف كيس القالب وانتزع اإلبريز اخلالص من الزيف والبهرج

دون املعزم األخرق، دون السباح احلاذق، ويصد عن مس احلية الصيب -من ساحل البحر -ببصريته، ومينع ملا غلب على أكثر اخللق ظنهم بأنفسهم احلذاقة والرباعة وكمال العقل، ومتام اآللة يف متييز احلق ! ولعمري. البارع

عن الباطل واهلدى عن الضالل وجب حسم الباب يف زجر الكافة عن مطالعة كتب أهل الضالل ما أمكن، إذ ال على بعض -ولقد اعترض . ، وإن سلموا عن هذه اآلفة اليت ذكرناهايسلمون عن اآلفة الثانية اليت سنذكرها أصال

طائفة من الذين مل تستحكم يف العلوم سرائرهم، ومل تنفتح إىل -الكلمات املبثوثة يف تصانيفنا يف أسرار علوم الدين ت اخلواطر، أقصى غايات املذاهب بصائرهم، وزعمت أن تلك الكلمات من كالم األوائل، مع أن بعضها من مولدا

وال يبعد أن يقع احلافر على احلافر، وبعضها يوجد يف الكتب الشرعية، وأكثرها موجود معناه يف كتب الصوفية، وهب أهنا مل توجد إال يف كتبهم، فإذا كان ذلك الكالم معقوال يف نفسه، مؤيدا بالربهان ومل يكن على خمالفة الكتاب

فلو فتحنا هذا الباب، وتطرقنا إىل أن يهجر كل حق سبق إليه خاطر مبطل، ! والسنة، فلم ينبغي أن يهجر ويترك؟للزمنا أن هنجر كثريا من احلق، ولزمنا أن هنجر مجلة آيات من آيات القرآن وأخبار الرسول صلى اهللا عليه وسلم

هبا وحكايات السلف، وكلمات احلكماء والصوفية ألن صاحب إخوان الصفا أوردها يف كتابه مستشهداومستدرجا قلوب احلمقى بواسطتها إىل باطل، ويتداعى ذلك إىل أن يستخرج املبطلون احلق من أيدينا بإيداعهم إياه

.أن يتميز عن العامي الغمر: وأقل درجات العامل. كتبهم

Page 9: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

ع عنه مبنية فال يعاف العسل، وإن وجده يف حمجمة احلجام، ويتحقق أن احملجمة ال تغري ذات العسل، فإن نفرة الطبعلى جهل عامي منشؤه أن احملجمة إمنا صنعت للدم املستقذر، فيظن أن الدم مستقذر لكونه يف احملجمة، وال يدري أنه مستقذر لصفة يف ذاته، فإذا عدمت هذه الصفة يف العسل، فكونه يف ظرفه ال يكسبه تلك الصفة، فال ينبغي أن

فإذا نسبت الكالم وأسندته إىل قائل حسن فيه . لب على أكثر اخللقيوجب له االستقذار، وهذا وهم باطل، وهو غااعتقادهم، قبلوه وإن كان باطال، وإن أسندته إىل من ساء فيه اعتقادهم ردوه وإن كان حقا، فأبدا يعرفون احلق

.هذه آفة الرد! بالرجال وال يعرفون الرجال باحلق، وهو غاية الضاللفإن من نظر يف كتبهم كإخوان الصفا وغريه، فرأى ما مزجوه بكالمهم من احلكم : بولواآلفة الثانية آفة الق - ٢

النبوية، والكلمات الصوفية، رمبا استحسنها وقبلها، وحسن اعتقاده فيها، فيسارع إىل قبول باطلهم املمزوج به جر عن مطالعة كتبهم ملا وألجل هذه اآلفة جيب الز. حلسن ظنه مما رآه استحسنه، وذلك نوع استدراج إىل الباطل

وكما جيب صون من ال حيسن السباحة على مزالق الشطوط، جيب صون اخللق عن مطالعة . فيها من الغدر واخلطروكما جيب صون الصبيان عن مس احليات، جيب صون األمساع عن خمتلط الكلمات، وكما جيب على . تلك الكتب

، إذا علم أن سيقتدي به ويظن أنه مثله، بل جيب عليه أن حيذره منه، املعزم أن ال ميس احلية بني يدي ولده الطفلبأن حيذر هو يف نفسه وال ميسها بني يديه، فكذلك جيب على العامل الراسخ مثله، وكما أن املعزم احلاذق إذا أخذ

. على احملتاج إليه احلية وميز بين الترياق والسم، واستخرج منها الترياق وأبطل السم، فليس له أن يشح بالترياقوكذا الصراف الناقد البصري إذا أدخل يده يف كيس القالب، وأخرج منه اإلبريز اخلالص، وطرح الزيف والبهرج،

وكما أن احملتاج إىل الترياق، إذا امشأزت نفسه . فليس له أن يشح باجليد املرضي على من حيتاج إليه، فكذلك العاملية اليت هي مركز السم وجب تعريفه، والفقري املضطر إىل املال، إذا نفر عن منه، حيث علم أنه مستخرج من احل

قبول الذهب املستخرج من كيس القالب، وجب تنبيهه على أن نفرته جهل حمض، هو سبب حرمانه الفائدة اليت ف جيدا، فكذلك هي مطلبه، وحتتم تعريفه أن قرب اجلوار بني الزيف واجليد ال جيعل اجليد زيفا، كما ال جيعل الزي

قرب اجلوار بني احلق الباطل، ال جيعل احلق باطال، كما ال جيعل الباطل حقا، فهذا مقدار ما أردنا ذكره من آفة .الفلسفة وغائلتها

مذهب التعليم وغائلته

ل مث إين ملا فرغت من علم الفلسفة وحتصيله وتفهمه وتزييف ما يزيف منه، علمت أن ذلك أيضا غري واف بكماالغرض، وأن العقل ليس مستقال باإلحاطة جبميع املطالب، وال كاشفا للغطاء عن مجيع املعضالت، وكان قد نبغت نابغة التعليمية، وشاع بين اخللق حتدثهم مبعرفة معىن األمور من جهة اإلمام املعصوم القائم باحلق، فعن يل أن أحبث

اتفق أن ورد علي أمر جازم من حضرة اخلالفة، بتصنيف كتاب يكشف مث . يف مقاالهتم، ألطلع على ما يف كنانتهمفلم يسعين مدافعته، وصار ذلك مستحثا من خارج، ضميمة للباعث من الباطن، فابتدأت . عن حقيقة مذهبهم

وكذلك قد بلغين بعض كلماهتم املستحدثة اليت ولدهتا خواطر أهل العصر، ال على . بطلب كتبهم ومجع مقاالهتمفجمعت تلك الكلمات، ورتبتها ترتيبا حمكما مقارنا للتحقيق، واستوفيت اجلواب عنها، . هاج املعهود من سلفهماملن

هذا سعي هلم، فإهنم كانوا يعجزون عن نصرة مذهبهم : حىت أنكر بعض أهل احلق مبالغيت يف تقرير حجتهم، فقالاإلنكار من وجه حق، فقد أنكر أمحد بن حنبل على وهذا . مبثل هذه الشبهات لوال حتقيقك هلا، وترتيبك إياها

نعم، : الرد على البدعة فرض فقال أمحد: احلارث احملاسيب رمحهما اهللا تصنيفه يف الرد على املعتزلة، فقال احلارث

Page 10: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

ولكن حكيت شبهتهم أوال مث أجبت عنها، فيم تأمن أن يطالع الشبهة من يعلق ذلك بفهمه، وال يلتفت إىل اجلواب ينظر يف اجلواب وال يفهم كنه؟ أو

وما ذكره أمحد بن حنبل حق، ولكن يف شبهة مل تنتشر ومل تشتهر فأما إذا انتشرت، فاجلواب عنها واجب وال ميكن نعم، ينبغي أن ال يتكلف هلم شبهة مل يتكلفوها، ومل أتكلف أنا ذلك، بل كنت قد . اجلواب عنها إال بعد احلكايةحد من أصحايب املختلفني إيل، بعد أن كان قد التحق هبم، وانتحل مذهبهم، وحكى أهنم مسعت تلك الشبهة من وا

يضحكون على تصانيف املصنفني يف الرد عليهم، بأهنم مل يفهموا بعد حجتهم، مث ذكر تلك احلجة وحكاها عنهم، مل -وإن مسعتها -فلم أرض لنفسي أن يظن يف الغفلة عن اصل حجتهم، فلذلك أوردهتا، وال أن يظن يب أين

.أفهمها، فلذلك قررهتا .واملقصود، أين قررت شبهتهم إىل أقصى اإلمكان مث أظهرت فسادها بغاية الربهان

-أنه ال حاصل عند هؤالء وال طائل لكالمهم، ولوال سوء نصرة الصديق اجلاهل، ملا انتهت تلك البدعة : واحلاصلب دعت الذابني عن احلق إىل تطويل النزاع معهم يف مقدمات إىل هذه الدرجة، ولكن شدة التعص -مع ضعفها

ال : احلاجة إىل التعليم واملعلم، ويف دعواهم أنه: كالمهم، وإىل جماحدهتم يف كل ما نطقوا به، فجاحدوهم يف دعواهم يصلح كل معلم، بل ال بد من معلم معصوم وظهرت حجتهم يف إظهار احلاجة إىل التعليم واملعلم، وضعف قولاملنكرين يف مقابلته، فاغتر بذلك مجاعة وظنوا أن ذلك من قوة مذهبهم وضعف مذهب املخالفني، ومل يفهموا أن

ذلك لضعف ناصر احلق وجعله بطريقه، بل الصواب االعتراف باحلاجة إىل املعلم، وأنه ال بد وأن يكون املعلم ومعلمكم غائب فإذا : هو ميت فنقول: فإذا قالوا معصوما، ولكن معلمنا املعصوم هو حممد صلى اهللا عليه وسلم

: معلمنا قد علم الدعاة وبثهم يف البالد، وهو ينتظر مراجعتهم إن اختلفوا أو أشكل عليهم مشكل فنقول: قالوا اليوم أكملت لكم دينكم وأمتمت عليكم: " ومعلمنا قد علم الدعاة وبثهم يف البالد وأكمل التعليم إذ قال اهللا تعاىل

.، وبعد كمال التعليم ال يضر موت املعلم كما ال يضر غيبته" نعميت : كيف حتكمون فيما مل تسمعوه؟ أبالنص ومل تسمعوه، أم باإلجتهاد والرأي وهو مظنة اخلالف؟ فنقول: فبقي قوهلم

النص، وباإلجتهاد أن حنكم بالنص عند وجود. نفعل ما فعله معاذ إذ بعثه رسول اهللا عليه الصالة والسالم إىل اليمنبل كما يفعله دعاهتم إذا بعدوا عن اإلمام إىل أقاصي البالد إذ ال ميكنه أن حيكم بالنص، فإن النصوص . عند عدمه

املتناهية ال تستوعب الوقائع الغري املتناهية، وال ميكنه الرجوع يف كل واقعة إىل بلدة اإلمام، وأن يقطع املسافة ات، وفات االنتفاع بالرجوع، فمن أشكلت عليه القبلة ليس له طريق إال أن يصلي ويرجع فيكون املستفيت قد م

فإذن، جازت الصالة إىل غري القبلة بناء . باالجتهاد، إذ لو سافر إىل بلدة اإلمام ملعرفة القبلة، فيفوت وقت الصالةك يف مجيع اجملتهدات، وكذلك إن املخطيء يف االجتهاد له أجر واحد وللمصيب أجران فكذل: ويقال. على الظن

أمر صرف الزكاة إىل الفقري، فرمبا يظنه فقريا باجتهاده وهو غين باطنا بإخفائه ماله، فال يكون مؤاخذا به وإن أخطأ، هو مأمور باتباع ظن نفسه، كاجملتهد يف القبلة يتبع : ظن خمالفه كظنه فأقول: فإن قال. ألنه مل يؤاخذ إال مبوجب ظنه

فاملقلد يف القبلة عند : فاملقلد يتبع أبا حنيفة والشافعي رمحهما اهللا أم غريمها؟ فأقول: ن خالفه غريه فإن قالظنه وإاالشتباه يف معرفة األفضل األعلم بدالئل القبلة، فيتبع ذلك االجتهاد، فكذلك يف املذاهب فرد اخللق إىل االجتهاد

:قد خيطئون، بل قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلماألنبياء واألئمة مع العلم بأهنم -ضرورة -

Page 11: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

. أي أنا أحكم بغالب الظن احلاصل من قول الشهود، ورمبا أخطأوا فيه" . أنا أحكم بالظاهر واهللا يتوىل السرائر " ا أحدمه: وهلم ها هنا سؤاالن. وال سبيل إىل األمن من اخلطأ لألنبياء يف مثل هذه اجملتهدات فيكف يطمع يف ذلك؟

هذا وإن صح يف اجملتهدات فال يصح يف قواعد العقائد، إذ املخطئ فيه غري معذور، فكيف السبيل إليه؟ : قوهلمقواعد العقائد يشتمل عليها الكتاب والسنة، وما وراء ذلك من التفصيل، واملتنازع فيه، يعرف احلق فيه : فأقول

" ىل يف كتابه، وهي مخسة ذكرهتا يف كتاب القسطاس املستقيم وهي املوازين اليت ذكرها اهللا تعا. بالقسطاس املستقيموال يتصور أن يفهم ذلك امليزان مث خيالف فيه، إذ ال خيالف فيه : خصومك خيالفونك يف ذلك امليزان فأقول: فإن قال

وه يف املنطق أهل التعليم، ألين استخرجته من القرآن وتعلمته منه، وال خيالف فيه أهل املنطق، ألنه موافق ملا شرطفإن . وغري خمالف له، وال خيالف فيه املتكلم ألنه موافق ملا يذكره يف أدلة النظريات، وبه يعرف احلق يف الكالميات

لو أصغوا إيل لرفعت اخلالف بينهم، : فإن كان يف يدك مثل هذا امليزان فلم ال ترفع اخلالف بني اخللق؟، فأقول: قالب القسطاس املستقيم فتأمله لتعلم أنه حق وأنه يرفع اخلالف قطعا لو أصغوا وال وذكرت طريق رفع اخلالف يف كتا

.بل قد أصغى إيل طائفة، فرفعت اخلالف بينهم! يصغون إليه بأمجعهم

وإمامك يريد رفع اخلالف بينهم مع عدم إصغائهم، فلم مل يرفع إىل اآلن؟ ومل مل يرفع علي رضي اهللا عنه وهو رأس أنه يقدر على محل كافتهم على اإلصغاء قهرا، فلم مل حيملهم إىل اآلن؟ وألي يوم أجله؟ وهل األئمة؟ أو يدعي

كان خيشى من اخلالف نوع الضرر ال ينتهي ! حصل بني اخللق بسبب دعوته إال زيادة خالف وزيادة خمالف؟ نعموقد حدث يف العامل من . ألموالإىل سفك الدماء، وختريب البالد وأيتام األوالد، وقطع الطرق، واإلغارة على ا

ادعيت أنك ترفع اخلالف بني اخللق ولكن : فإن قال. بركات رفعكم اخلالف من اخلالف ما مل يكن مبثله عهداملتحري بني املذاهب املتعارضة، واالختالفات املتقابلة، مل يلزمه اإلصغاء إليك دون خصمك وأكثر اخلصوم

وهذا أوال ينقلب عليك، فإنك إذا دعوت هذا : ا هو سؤاهلم الثاين، فأقولخيالفونك، وال فرق بينك وبينهم وهذمباذا ! مبا صرت أوىل من خمالفيك، وأكثر أهل العلم خيالفونك؟ فليت شعري: املتحري إىل نفسك فيقول املتحري

ول؟ إمامي منصوص عليه، فمن يصدقك يف دعوى النص، وهو مل يسمع النص من الرس: جتيب؟ أجتيب بأن تقولمث هب أنه سلم لك النص، فإن كان متحريا يف . وإمنا يسمع دعواك مع تطابق أهل العلم على اختراعك وتكذيبك

الدليل على صدقي أين أحيي أباك، : هب أن إمامك يديل مبعجزة عيسى عليه السالم فيقول: أصل النبوة، فقالة اخللق صدق عيسى عليه السالم هبذه املعجزة، بل عليه فأحياه، فناطقين بأنه حمق، فبماذا أعلم صدقه؟ ومل يعلم كاف

من األسئلة املشكلة ما ال يدفع إال بدقيق النظر العقلي، والنظر العقلي ال يوثق به عندك، وال يعرف داللة املعجزة ضالل وسؤال اإل. على الصدق ما مل يعرف السحر والتمييز بينه وبني املعجزة، وما مل يعرف أن اهللا ال يضل عباده

فريجع إىل األدلة ! وعسر حترير اجلواب عنه مشهور فبماذا تدفع مجيع ذلك؟ ومل يكن إمامك أوىل باملتابعة من خمالفهال قد انقلب عليهم انقالبا عظيما لو النظرية اليت ينكرها، وخصمه يديل مبثل تلك األدلة وأوضح منها وهذا السؤ

وإمنا نشأ الفساد من مجاعة من الضعفة ناظروهم، . اجتمع أوهلم وآخرهم على أن جييبوا عنه جوابا مل يقدروا عليه. وذلك مما يطول فيه الكالم، وما ال يسبق سريعا إىل اإلفهام، فال يصلح لإلفحام. فلم يشتغلوا بالقلب بل باجلواب

أنا متحري ومل يعني املسألة : جوابه أن املتحري لو قال! نعم: فهذا هو القلب، فهل عنه جواب؟ فأقول: قائل فإن قالليس يف : أنا مريض وال يعني مرضه ويطلب عالجه فيقال له: أنت كمريض، يقول: اليت هو متحري فيها، يقال له

و غريمها فكذلك املتحري ينبغي أن يعني ما هو من صداع أو إسهال أ. الوجود عالج للمرض املطلق، بل ملرض معنيمتحري فيه، فإن عني املسألة عرفته احلق فيها بالوزن باملوازين اخلمسة، اليت ال يفهمها أحد إال ويعترف بأنه امليزان

Page 12: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

احلق، ويفهم منه أيضا صحة الوزن، كما يفهم متعلم علم احلساب، نفس احلساب، وكون احملاسب املعلم عاملا .وقد أوضحت ذلك يف كتاب القسطاس املستقيم يف مقدار عشرين ورقة، فليتأمل. ساب وصادقا فيهباحل

وليس املقصود اآلن بيان فساد مذهبهم، فقد ذكرت ذلك يف كتاب املستظهري أوال، ويف كتاب حجة احلق ثانيا، شر فصال ثالثا، وهو جواب وهو جواب كالم هلم عرض علي ببغداد، ويف كتاب مفصل اخلالف الذي هو اثنا ع

كالم عرض علي هبمدان، ويف كتاب الدرجة املرقوم باجلداول رابعا، وهو من ركيك كالمهم الذي عرض علي بطوس، ويف كتاب القسطاس املستقيم خامسا، وهو كتاب مستقل مقصوده أن هؤالء، ليس معهم شيء من الشفاء

إقامة الربهان على تعيني اإلمام، طاملا جربناهم فصدقناهم يف املنجي من ظلمات اآلراء، بل هم مع عجزهم عنفلما عجزوا ! احلاجة إىل التعليم، وإىل املعلم املعصوم وعرضنا عليهم إشكاالت فلم يفهموها، فضال عن القيام حبلها

املعلم ويف التبجح إنه ال بد من السفر إليه والعجب أهنم ضيعوا عمرهم يف طلب: أحالوا على اإلمام الغائب، وقالوابالظفر به، ومل يتعلموا منه شيئا أصال، كاملتضمخ بالنجاسة، يتعب يف طلب املاء حىت إذا وجده مل يستعمله، وبقي

ومنهم من ادعى شيئا من علمهم، فكان حاصل ما ذكره شيئا من ركيك فلسفة فيثاغورس وهو . متضمخا باخلبائثك مذهب الفلسفة، وقد رد عليه أرسطاطاليس، بل استدرك كالمه واسترذله، رجل من قدماء األوائل، ومذهبه أر

.وهو احملكي يف كتاب إخوان الصفا وهو على التحقيق حشو الفلسفةفالعجب ممن يتعب طول العمر يف حتصيل العلم مث يقنع مبثل ذلك العلم الركيك املستغيث، ويظن بأنه ظفر بأقصى

بناهم وسربنا ظاهرهم وباطنهم، يف رجع حاصلهم إىل استدراج العوام، وضعفاء فهؤالء أيضا جر! مقاصد العلومالعقول ببيان احلاجة إىل املعلم، وجمادلتهم يف إنكارهم احلاجة إىل التعليم بكالم قوي مفحم، حىت إذا ساعدهم على

ت يل هذا فاطلبه، فإمنا اآلن إذا سلم: وقف وقال! هات علمه وأفدنا من تعليمه: احلاجة إىل املعلم مساعد وقالإذ علم أنه لو زاد على ذلك الفتضح ولعجز عن حل أدىن اإلشكاالت، بل عجز عن . غرضي هذا القدر فقط .فهذه حقيقة حاهلم فأخربهم تقلهم فلما جربناهم نفضنا اليد عنهم أيضا. فهمه، فضال عن جوابه

طرق الصوفية

على طريق الصوفية، وعلمت أن طريقتهم إنا تتم بعلم وعمل، وكان مث إين ملا فرغت من هذه العلوم أقبلت هبميتحاصل علومهم قطع عقبات النفس، والتنزه عن أخالقها املذمومة وصفاهتا اخلبيثة، حىت يتوصل هبا إىل ختلية القلب

.عن غري اهللا تعاىل وحتليته بذكر اهللاقوت القلوب أليب طالب املكي : طالعة كتبهم مثلوكان العلم أيسر علي من العمل، فابتدأت بتحصيل علمهم من م

رمحه اهللا، وكتب احلارث احملاسيب، واملتفرقات املأثورة عن اجلنيد والشبلي وأيب يزيد البسطامي قدس اهللا أرواحهم وغريهم من املشايخ، حىت اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية، وحصلت ما ميكن أن حيصل من طريقهم بالتعلم

وكم . هر يل أن أخص خواصهم، ما ال ميكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق واحلال وتبدل الصفاتفظ. والسماعمن الفرق أن تعلم حد الصحة وحد الشبع وأسباهبما وشروطهما، وبني أن تكون صحيحا وشبعان؟ وبني أن تعرف

معادن الفكر، وبني أن تكون حد السكر، وأنه عبارة عن حالة حتصل من استيالء أخبرة تتصاعد من املعدة على الطبيب يف حالة املرض . بل السكران ال يعرف حد السكر، وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شيء! سكران

فكذلك فرق بني أن تعرف حقيقة الزهد وشروطه وأسبابه، . يعرف حد الصحة وأسباهبا وأدويتها، وهو فاقد الصحة

Page 13: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

!.عن الدنياوبني أن تكون حالك الزهد، وعزوف النفس وأن ما ميكن حتصيله بطريق العلم فقد حصلته، ومل يبق إال . فعلمت يقينا أهنم أرباب األحوال، ال أصحاب األقوالمن العلوم اليت مارستها واملسالك -وكان قد حصل معي . ما ال سبيل إليه بالسماع والتعلم، بل بالذوق والسلوك

. م الشرعية والعقلية إميان يقيين باهللا تعاىل، وبالنبوة، وباليوم اآلخراليت سلكتها، يف التفتيش عن صنفي العلو

فهذه األصول الثالثة من اإلميان كانت قد رسخت يف نفسي، ال بدليل معني جمرد، بل بأسباب وقرائن وجتارب ال وكف النفس عن وكان قد ظهر عندي أنه ال مطمع يل يف سعادة اآلخرة إال بالتقوى، . تدخل حتت احلصر تفاصيلها

اهلوى، وأن رأس ذلك كله، قطع عالقة القلب عن الدنيا، بالتجايف عن دار الغرور، واإلنابة إىل دار اخللود، . وأن ذلك ال يتم إال باإلعراض عن اجلاه واملال، واهلرب من الشواغل والعالئق. واإلقبال بكنه اهلمة على اهللا تعاىل

وأحسنها -العالئق، وقد أحدقت يب من اجلوانب، والحظت أعمايل مث الحظت أحوايل، فإذا أنا منغمس يف .فإذا أنا فيها مقبل على علوم غري مهمة، وال نافعة يف طريق اآلخرة -التدريس والتعليم

مث تفكرت يف نييت يف التدريس، فإذا هي غري خالصة لوجه اهللا تعاىل، بل باعثها وحمركها طلب اجلاه وانتشار فلم أزل أتفكر . أين على شفا جرف هار، وأين قد أشفيت على النار، إن مل أشتغل بتاليف األحوالالصيت، فتيقنت

فيه مدة، وأنا بعد على مقام االختيار، أصمم العزم على اخلروج من بغداد ومفارقة تلك األحوال يوما، وأحل العزم آلخرة بكرة، إال وحيمل عليها جلد الشهوة ال تصدق يل رغبة يف طلب ا. يوما، وأقدم فيه رجال وأؤخر عنه أخرى

! الرحيل الرحيل: محلة فيفترها عشية، فصارت شهوات الدنيا جتاذبين بسالسلها إىل املقام، ومنادي اإلميان يناديفإن مل ! فلم يبق من العمر إال قليل، وبني يديك السفر الطويل، ومجيع ما أنت فيه من العلم والعمل رياء وختييل

ن لآلخرة، فمىت تستعد؟ وإن مل تقطع اآلن هذه العالئق فمىت تقطع؟ فعند ذلك تنبعث الداعية، وينجزم تستعد اآلهذه حال عارضة، إياك أن تطاوعها، فإهنا سريعة الزوال، فإن : مث يعود الشيطان ويقول! العزم على اهلرب والفرار

التكدير والتنغيص، واألمر املسلم الصايف عن أذعنت هلا وتركت هذا اجلاه العريض، والشأن املنظوم اخلايل عن .منازعة اخلصوم، رمبا التفتت إليه نفسك، وال يتيسر لك املعاودة

فلم أزل أتردد بني جتاذب شهوات الدنيا، ودواعي اآلخرة، قريبا من ستة أشهر أوهلا رجب سنة مثان ومثانني وأربع ضطرار، إذ أقفل اهللا على لساين حىت اعتقل عن التدريس، مئة، ويف هذا الشهر جاوز األمر حد االختيار إىل اال

فكنت أجاهد نفسي أن أدرس يوما واحدا تطييبا لقلوب املختلفة إيل، فكان ال ينطلق لساين بكلمة واحدة وال ب، أستطيعها البتة، حىت أورثت هذه العقلة يف اللسان حزنا يف القلب، بطلت معه قوة اهلضم ومراءة الطعام والشرافكان ال ينساغ يل ثريد، وال تنهضم يل لقمة، وتعدى إىل ضعف القوى، حىت قطع األطباء طمعهم من العالج

مث ملا . هذا أمر نزل بالقلب، ومنه سرى إىل املزاج، فال سبيل إليه بالعالج، إال بأن يتروح السر عن اهلم امللم: وقالوااهللا تعاىل التجاء املضطر الذي ال حيلة له، فأجابين الذي أحسست بعجزي، وسقط بالكلية اختياري، التجأت إىل

جييب املضطر إذا دعاه وسهل على قليب اإلعراض عن اجلاه واملال واألهل والولد واألصحاب، وأظهرت عزم اخلروج إىل مكة وأنا أدبر يف نفسي سفر الشام حذرا أن يطلع اخلليفة ومجلة األصحاب على عزمي على املقام يف

واستهدفت ألئمة أهل العراق . م، فتلطفت بلطائف احليل يف اخلروج من بغداد على عزم أن ال أعاودها أبداالشاكافة، إذ مل يكن فيهم من جيوز أن يكون لإلعراض عما كنت فيه سبب ديين، إذ ظنوا أن ذلك هو املنصب األعلى

باطات، وظن من بعد عن العراق، أن ذلك كان يف الدين، وكان ذلك مبلغهم من العلم، مث ارتبك الناس يف االستن

Page 14: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

الستشعار من جهة الوالة، وأما من قرب من الوالة كان يشاهد إحلاحهم يف التعلق يب واالنكباب علي، وإعراضي هذا أمر مساوي، وليس له سبب إال عني أصابت أهل اإلسالم وزمرة أهل : عنهم، وعن االلتفات إىل قوهلم، فيقولون

بغداد، وفرقت ما كان معي من املال، ومل أدخر إال قدر الكفاف، وقوت األطفال، وترخصا بأن مال ففارقت . العلممث دخلت . فلم أر يف العامل ماال يأخذه العامل لعياله أصلح منه. العراق مرصد للمصاحل، ولكونه وقفا على املسلمني

اخللوة، والرياضة واجملاهدة، اشتغاال بتزكية النفس، الشام، وأقمت به قريبا من سنتني اشغل الشغل يل إال العزلة وفكنت أعتكف مدة يف . وهتذيب األخالق، وتصفية القلب لذكر اهللا تعاىل، كما كنت حصلته من كتب الصوفية

مسجد دمشق، أصعد منارة املسجد طول النهار، وأغلق باهبا على نفسي، ومث رحلت منها إىل بيت املقدس، أدخل مث حتركت يف داعية فريضة احلج، واالستمداد من بركات مكة واملدينة . ، وأغلق باهبا على نفسيكل يوم الصخرة

وزيارة رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم بعد الفراغ من زيارة اخلليل صلوات اهللا وسالمه عليه، وفسرت إىل احلجاز، عد اخللق عن الرجوع إليه، فآثرت العزلة به مث جذبتين اهلمم، ودعوات األطفال إىل الوطن، فعاودته بعد أن كنت أب

.أيضا حرصا على اخللوة، وتصفية القلب للذكروكانت حوادث الزمان، ومهمات العيال، وضرورات املعيشة، تغري يف وجه املراد، وتشوش صفوة اخللوة، وكان ال

. عنها العوائق، وأعود إليهالكين مع ذلك ال أقطع طمعي منها، فتدفعين. يصفو يل احلال إال يف أقوات متفرقةودمت على ذلك مقدار عشر سنني، وانكشفت يل يف أثناء هذه اخللوات أمور ال ميكن إحصاؤها واستقصاؤها،

إين علمت يقينا أن الصوفية هم السالكون لطريق اهللا تعاىل خاصة وأن سريهتم أحسن . والقدر الذي أذكره لينتفع بهوأخالقهم أزكى األخالق، بل لو مجع عقل العقالء، وحكمة احلكماء، وعلم السري، وطريقهم أصوب الطرق،

الواقفني على أسرار الشرع من العلماء، ليغريوا شيئا من سريهم وأخالقهم، ويبدلوه مبا هو خري منه، مل جيدوا إليه وليس وراء نور النبوة فإن مجيع حركاهتم وسكناهتم، يف ظاهرهم وباطنهم، مقتبسة من نور مشكاة النبوة، . سبيال

.على وجه األرض نور يستضاء بهتطهري القلب بالكلية عما سوى اهللا -وهي أول شروطها -وباجلملة، فماذا يقول القائلون يف طريقة، طهارهتا

يف تعاىل، ومفتاحها اجلاري منها جمرى التحرمي من الصالة، استغراق القلب بالكلية بذكر اهللا، وآخرها الفناء بالكلية !اهللا؟

وهي على التحقيق أول الطريقة، وما . وهذا آخرها باإلضافة إىل ما يكاد يدخل حتت االختيار والكسب من أوائلهاومن أول الطريقة تبتدئ املكاشفات واملشاهدات، حىت أهنم يف يقظتهم يشاهدون . قبل ذلك كالدهليز للسالك إليه

مث يترقى احلال من مشاهدة الصور واألمثال، إىل . ويقتبسون منهم فوائداملالئكة، وأرواح األنبياء ويسمعون أصواتا .درجات يضيق عنها النطق، فال حياول معرب أن يعرب عنها إال اشتمل لفظه على خطأ صريح ال ميكنه االحتراز عنه

وصول، وكل ذلك وعلى اجلملة، ينتهي األمر إىل قرب، يكاد يتخيل منه طائفة احللول، وطائفة االحتاد، وطائفة ال :بل الذي البسته تلك احلالة ال ينبغي أن يزيد على أن يقول. وقد بينا وجه اخلطأ فيه يف كتاب املقصد األسىن. خطأ

فظن خريا وال تسأل عن اخلرب... وكان ما كان مما لست أذكره سم، وكرامات األولياء، هي على وباجلملة فمن مل يرزق منه شيئا بالذوق، فليس يدرك من حقيقة النبوة إال اال

وكان ذلك أول حال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم حني أقبل إىل جبل حراء حيث . التحقيق، بدايات األنبياء .إن حممدا عشق ربه: كان خيلو فيه بربه ويتعبد، حىت قالت العرب

نها بالتجربة والتسامع، وإن أكثر فمن مل يرزق الذوق، فيتيق. وهذه احلالة، يتحققها بالذوق من يسلك سبيلها

Page 15: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

ومن جالسهم، استفاد منهم هذا اإلميان فهم القوم ال يشقى . الصحبة، حىت يفهم ذلك بقرائن األحوال يقيناومن مل يرزق صحبتهم فليعلم إمكان ذلك يقينا بشواهد الربهان، على ما ذكرناه يف كتاب عجائب . جليسهم

والتحقيق بالربهان علم، ومالبسة عني تلك احلالة ذوق، والقبول من التسامح . القلب من كتب إحياء علوم الدين .والتجربة حبسن الظن إميان

ووراء هؤالء قوم جهال، هم " . يرفع اهللا الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات : " فهذه ثالث درجات! إهنم كيف يهذون! العجب: ن، ويقولوناملنكرون ألصل ذلك، املتعجبون من هذا الكالم، ويستمعون ويسخرو

ومنهم من يسمع إليك حىت إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا : " وفهيم قال اهللا تعاىل " .أولئك الذين طبع اهللا على قلوهبم واتبعوا أهواءهم فأصمهم وأعمى أبصارهم

قة النبوة وخاصيتها وال بد من التنويه على أصلها لشدة مسيس ومما بان يل بالضرورة من ممارسة طريقتهم، حقي .احلاجة إليها

حقيقة النبوة واضطرار كافة اخللق إليها

أن جوهر اإلنسان يف أصل الفطرة، خلق خاليا ساذجا ال خري معه من عوامل اهللا تعاىل، والعوامل كثرية ال : اعلموإمنا خربه من العوامل بواسطة اإلدراك وكل إدراك " جنود ربك إال هو وما يعلم: " حيصيها إال اهللا تعاىل، كما قال

.من اإلدراكات خلق ليطلع اإلنسان به على عامل من املوجودات، ونعين بالعوامل، أجناس املوجوداتكاحلرارة، والربودة، والرطوبة، : فأول ما خيلق يف اإلنسان حاسة اللمس، فيدرك هبا أجناسا من املوجودات

واللمس قاصر عن األلوان واألصوات قطعا، بل هلي كاملعدوم يف حس . اليبوسة، واللني، واخلشونة، وغريهاو .اللمس

مث ينفتح له السمع، فيسمع . مث ختلق له حاسة البصر، فيدرك هبا األلوان واألشكال، وهو أوسع عامل احملسوساتوز عامل احملسوسات، فيخلق فيه التمييز، وهو قريب من وكذلك إىل أن جيا. األصوات والنغمات، مث خيلق له الذوق

فيدرك فيه أمورا زائدة على عامل احملسوسات، وال يوجد منها شيء يف . سبع سنني، وهو طور آخر من أطور وجوده . عامل احلس

األطوار مث يترقى إىل طول آخر، فيخلق له العقل، فيدرك الواجبات واجلائزات واملستحيالت، وأمورا ال توجد يفووراء العقل طور آخر تفتح فيه عني أخرى يبصر هبا الغيب وما سيكون يف املستقبل، وأمورا أخر، العقل . اليت قبله

من إدراك املعقوالت، وكعزل قوة احلس عن مدركات التمييز، وكما أن املميز لو . معزول عنها كعزل قوة التمييز، فكذلك بعض العقالء أبوا مدركات النبوة واستبعدوها، وذلك عني عرضت عليه مدركات العقل ألباها واستبعدها

واألكمه لو مل يعلم . إذ ال مستند هلم إال أنه طور مل يبلغه ومل يوجد يف حقه، فيظن أنه غري موجود يف نفسه: اجلهل تعاىل على خلقه وقد قرب اهللا. بالتواتر والتسامع األلوان واألشكال، وحكي له ذلك ابتداء، مل يفهمها ومل يقرهبا

بأن أعطاهم منوذجا من خاصية النبوة، وهو النوم، إذ النائم يدرك ما سيكون من الغيب، إما صرحيا وإما يف كسوة إن من الناس من يسقط مغشيا عليه : وقيل له -وهذا لو مل جيربه اإلنسان من نفسه . مثال يكشف عنه التعبري

القوى : ألنكره، وأقام الربهان على استحالته وقال -ره فيدرك الغيب كامليت، ويزول عنه إحساسه ومسعه وبص. احلساسة أسباب اإلدراك فمن ال يدرك األشياء مع وجودها وحضورها، فبأن ال يدرك مع ركودها أوىل وأحق

Page 16: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

واعا وهذا نوع قياسي يكذبه الوجود واملشاهدة فكما أن العقل طور من أطوار اآلدمي، حيصل فيه عني يبصر هبا أنمن املعقوالت، واحلواس معزولة عنها، فالنبوة أيضا عبارة عن طور حيصل فيه عني هلا نور يظهر يف نورها الغيب،

.وأمور ال يدركها العقل .والشك يف النبوة، وإما أن يقع يف مكاهنا، وأو يف وجودها ووقوعها، وأو يف حصوهلا لشخص معني

وجود معارف يف العامل ال يتصور أن تنال بالعقل، كعلم الطب والنجوم، ودليل وجودها. ودليل إمكاهنا ووجودهافإن من حبث عنها علم بالضرورة أهنا ال تدرك إال بإهلام إهلي، وتوفيق من جهة اهللا تعاىل، وال سبيل إليها بالتجربة

لك خواص األدوية فمن األحكام النجومية ما ال يقع إال يف كل ألف سنة مرة، فكيف ينال ذلك بالتجربة؟ وكذفتبني هبذا الرب هان، أن يف اإلمكان وجود طريق إلدراك هذه األمور اليت ال يدركها العقل، وهو املراد بالنبوة، ال أن النبوة عبارة عنها فقط، بل إدراك هذا اجلنس اخلارج عن مدركات العقل إحدى خواص النبوة، وهلا خواص كثرية

ا، إمنا ذكرناها ألن معك منوذجا منها، وهو مدركاتك يف النوم، ومعك علوم من وما ذكرنا فقطرة من حبره. سواهاجنسها يف الطب والنجوم، وهي معجزات األنبياء عليهم الصالة والسالم، وال سبيل إليها للعقالء ببضاعة العقل

.أصالهذا إمنا فهمته بأمنوذج وأما ما عدا هذا من خواص النبوة، فإمنا يدرك بالذوق، من سلوك طريق التصوف، ألن

فإن كان للنيب خاصة ليس لك منها أمنوذج، وال تفهمها أصال، فكيف . رزقته وهو النوم، ولواله ملا صدقت بهوذلك األمنوذج حتصل يف أوائل طريق التصوف، فيحصل به نوع من الذوق . تصدق هبا؟ وإمنا التصديق بعد الفهم

. حيصل بالقياس إليه فهذه اخلاصية الواحدة تكفيك لإلميان بأصل النبوةبالقدر احلاصل ونوع من التصديق مبا ملفإن وقع لك الشك يف شخص معني، أنه نيب أم ال؟ فال حيصل اليقني إال مبعرفة أحواله، إما باملشاهدة، أو بالتواتر

م، ومساع أقواهلم، وإن والتسامع، فإنك إذا عرفت الطب والفقه، ميكنك أن تعرف الفقهاء واألطباء مبشاهدة أحواهلمل تشاهدهم، وال تعجز أيضا عن معرفة كون الشافعي رمحه اهللا فقيها، وكون جالينوس طبيبا، معرفة باحلقيقة ال

بل بأن تتعلم شيئا من الفقه والطب وتطالع كتبهما وتصانيفهما، فيحصل لك علم ضروري . بالتقليد عن الغرينبوة فأكثرت النظر يف القرآن واألخبار، يصل لك العلم الضروري بكونه صلى فكذلك إذا فهمت معىن ال. حباهلما

اهللا عليه وسلم على أعلى درجات النبوة، وأعضد ذلك بتجربة ما قاله يف العبادات وتأثريها يف تصفية القلوب، : " صدق يف قوله ويكف" من عمل مبا علم ورثه اهللا علم ما مل يعلم : " وكيف صدق صلى اهللا عليه وسلم يف قوله

من اصبح وهمومه هم واحد اهللا تعاىل هموم الدنيا : " وكيف صدق يف قوله" من أعان ظاملا سلطه اهللا عليه " .واآلخرة

فمن هذا الطريق اطلب اليقني . فإذا جربت ذلك يف ألف وألفني وآالف، حصل لك علم ضروري وال تتمارى فيهعصا ثعبانا، وشق القمر، فإذن ذلك إذا نظرت إليه وحده، ومل تنضم إليه القرائن الكثرية بالنبوة، وال من قلب ال

يضل من يشاء ويهدي من يشاء " اخلارجة عن احلصر، ورمبا ظننت أنه سحر وختييل، وأنه من اهللا تعاىل إضالل فإنه . "

منظوم يف وجه داللة املعجزة، فينجزم إميانك بكالم وترد عليك أسئلة املعجزات، فإذا كان مستند إميانك إىل كالم مرتب يف وجه اإلشكاالت والشبهة عليها، فليكن مثل هذه اخلوارق إحدى الدالئل والقرائن يف مجلة نظرك، حىت

حيصل لك علم ضروري ال ميكنك ذكر مستنده على التعيني، كالذي خيربك مجاعة خبرب متواتر ال ميكنه أن يذكر أن فهذا هو . ستفاد من قول واحد معني، بل من حيث ال يدري وال خيرج من مجلة ذلك وال بتعيني اآلحاداليقني م

Page 17: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

.اإلميان القوي العلميوأما الذوق فهو كاملشاهدة واألخذ باليد، وال يوجد إال يف طريق الصوفية فهذا القدر من حقيقة النبوة، كاف يف

.إليهالغرض الذي أقصده اآلن، وسأذكر وجه احلاجة

سبب نشر العلم بعد اإلعراض عنه

مث إين ملا واظبت على العزلة واخللوة قريبا من عشر سنني، وبان يل يف أثناء ذلك على الضرورة من أسباب ال أن لإلنسان بدنا وقلبا، وأعين بالقلب حقيقة : أحصيها، مرة بالذوق، ومرة بالعلم الربهاين ومرة بالقبول اإلمياين

ي حمل معرفة اهللا، دون اللحم والدم الذي يشارك فيه امليت والبهيمة، وأن البدن له صحة هبا سعادته روحه اليت هوله مرض فيه " إال من أتى اهللا بقلب سليم " ومرض فيه هالكه، وأن القلب كذلك له صحة وسالمة، وال ينجو

هللا سم مهلك، وأن معصية اهللا مبتابعة وأن اجلهل با" يف قلوهبم مرض : هالكه األبدي األخروي، كما قال تعاىلاهلوى، داؤه املمرض، وأن معرفة اهللا تعاىل ترياقه احمليي، وطاعته مبخالفة اهلوى دواؤه الشايف، وأنه ال سبيل إىل

وكما أن أدوية البدن تؤثر يف كسب الصحة خباصية فيها، ال يدركها العقالء ببضاعة . معاجلة البدن إال بذلكفيها تقليد األطباء الذين أخذوها من األنبياء، الذين اطلعوا خباصية النبوة على خواص األشياء، العقل، بل جيب

فكذلك بان يل، على الضرورة بأن أدوية العبادات حبدودها ومقاديرها احملدودة املقدرة من جهة األنبياء، ال يدرك لذين أدركوا تلك اخلواص بنور النبوة، ال ببضاعة وجه تأثريها ببضاعة عقل العقالء، بل جيب فيها تقليد األنبياء ا

وكما أن األدوية تركب من أخالط خمتلفة النوع واملقدار وبعضها ضعف البعض يف الوزن واملقدار، فال خيلو . العقلاختالف مقاديرها عن سر هو من قبيل اخلواص، فكذلك العبادات اليت هي أدوية داء القلوب، مركبة من أفعال

نوع واملقدار، حىت أن السجود ضعف الركوع، وصالة الصبح نصف صالة العصر يف املقدار، وال خيلو عن خمتلفة الوكما أن يف األدوية أصوال هي أركاهنا وزوائد هي متمماهتا، لكل واحد . سر إهلي فيها، يقتضيها بطريق اخلاصية

.كميل آثار أركان العباداتمنها خصوص تأثري يف أعمال أصوهلا، كذلك النوافل والسنن متممات لتفاألنبياء عليهم السالم أطباء أمراض القلوب، وإمنا فائدة العقل وتصرفه، إن عرفنا ذلك، وشهد : وعلى اجلملة

للنبوة بالتصديق ولنفسه بالعمى عن درك ما يدرك بعني النبوة، أخذ بأيدينا وسلمنا إليها تسليم العميان إىل العميان فإىل ههنا جمرى العقل وخمطاه وهو معزول عما بعد . م املرضى املتحريين إىل األطباء املشفقنيإىل العقائدين، وتسلي

.ذلك، إال عن تفهم ما يلقيه الطبيب إليهفهذه أمور عرفناها بالضرورة اجلارية جمرى املشاهدة، يف مدة اخللوة والعزلة، مث رأينا فتور االعتقادات يف أصل

ة، مث يف العمل مبا شرحته النبوة، وحتققنا شيوع ذلك بني اخللق، فنظرت إىل أسباب فتور النبوة، مث يف حقيقة النبو .سبب من اخلائضني يف علم الفلسفة - ١: اخللق، وضعف إمياهنم، فإذا هي أربعة

.وسبب من اخلائضني يف طريق التصوف - ٢ .وسبب من املنتسبني إىل دعوى التعليم - ٣ . مني بالعلم فيما بني الناسوسبب من معاملة املوسو - ٤

فإين تتبعت مدة آحاد اخللق، أسأل من يقصر منهم يف متابعة الشرع وأسأله عن شبهته وأحبث عن عقيدته وسره مالك تقصر فيها فإن كنت تؤمن باآلخرة ولست تستعد هلا وتبيعها بالدنيا، فهذه محاقة، فإنك ال تبيع : وقلت له

Page 18: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

ال هناية له بأيام معدودة؟ وإن كنت ال تؤمن، فأنت كافر، فدبر نفسك يف طلب االثنني بواحد، فكيف تبيع مااإلميان، وانظر سبب كفرك اخلفي الذي هو مذهبك باطنا، وهو سبب جرأتك ظاهرا، وإن كنت ال تصرح به جتمال

.باإلميان وتشرفا بذكر الشرعماء أجدر بذلك، وفالن من املشاهري بني الفضالء ال إن هذا أمر لو وجبت احملافظة عليه، لكان العل: فقائل يقول

وفالن يأكل إدرار السلطان وال حيترز . يصلي، وفالن يشرب اخلمر، وفالن يأكل أموال األوقاف وأموال اليتامىيدعي علم التصوف، : وقائل ثان. عن احلرام، وفالن يأخذ الرشوة على القضاء والشهادة وهلم جرا إىل أمثاله

!.قد بلغ مبلغا ترقى عن احلاجة إىل العبادة ويزعم أنه .وهؤالء هم الذين ضلوا عن التصوف! وقائل ثالث يتعلل بشبهة أخرى من شبهات أهل اإلباحة

احلق مشكل، والطريق متعسرة واالختالف فيه كثري، وليس بعض املذاهب أوىل : وقائل رابع لقي أهل التعليم فيقولوالداعي إىل التعليم متحكم ال حجة له، فكيف أدع . ، فال ثقة برأي أهل الرأيمن بعض، وأدلة العقول متعارضةلست أفعل هذا تقليدا، ولكنين قرأت علم الفلسفة، وأدركت حقيقة النبوة، : اليقني بالشك؟ وقائل خامس يقول

ن التقاتل والتنازع وإن حاصلها يرجع إىل احلكمة واملصلحة، وأن املقصود من تعبداهتا ضبط عوام اخللق وتقيدهم عواالسترسال يف الشهوات، فما أنا من العوام اجلهال حىت أدخل يف حجر التكليف، وإمنا أنا من احلكماء أتبع

!.احلكمة وأنا بصري، مستغن فيها عن التقليدؤالء هم وه. هذا منتهى إميان من قرأ مذهب فلسفة اإلهليني منهم، وتعلم ذلك من كتب ابن سينا وأيب نصر الفارايب

.املتجملون باإلسالمورمبا ترى الواحد منهم يقرأ القرآن وحيضر اجلماعات والصلوات، ويعظم الشريعة بلسانه، ولكنه مع ذلك ال يترك

لرياضة : إن كانت غري صحيحة فلم تصلي؟ فرمبا يقول: شرب اخلمر، وأنواعا من الفسق والفجور، وإذا قيل لهفلم تشرب اخلمر؟ : الشريعة صحيحة، والنبوة حق فيقال: ورمبا قال. ظ املال والولداجلسد، ولعادة أهل البلد، وحف

إمنا هني عن اخلمر ألهنا تورث العداوة والبغضاء، وأنا حبكميت حمترز عن ذلك، وإين أقصد به تشحيذ : فيقولوأن يعظم األوضاع إنه عاهد اهللا تعاىل على كذا وكذا،: حىت أن ابن سينا ذكر يف وصية له كتب فيها. خاطري

الشرعية، وال يقصر يف العبادات الدينية، وال يشرب تلهيا بل تداويا وتشافيا فكان منتهى حالته يف صفاء اإلميان، والتزام العبادات، أن استثىن شرب اخلمرة لغرض التشايف، فهذا إميان من يدعي اإلميان منهم، وقد اخندع هبم مجاعة،

تراض املعترضني عليهم، إذ اعترضوا مبجاهدة علم اهلندسة واملنطق، وغري ذلك مما هو وزادهم اخنداعا ضعف اع .ضروري هلم، على ما بينا علته من قبل

فلما رأيت أصناف اخللق قد ضعف إمياهنم إىل هذا احلد هبذه األسباب، ورأيت نفسي ملبة بكشف هذه الشبهة، كثرة خوضي يف علومهم وطرقهم، وأعين طرق الصوفية حىت كان إفضاح هؤالء أيسر عندي من شربة ماء، ول

فماذا تغنيك . وانقدح يف نفسي أن ذلك متعني يف هذا الوقت حمتوم. والفالسفة والتعليمية واملتومسني من العلماءمىت تشتغل أنت : مث قلت يف نفسي! اخللوة والعزلة، وقد عم الداء، ومرض األطباء، وأشرف اخللق على اهلالك

الغمة ومصادمة هذه الظلمة، والزمان زمان الفترة، والدور دور الباطل، ولو اشتغلت بدعوة اخللق، بكشف هذهعن طرقهم إىل احلق، لعاداك أهل الزمان بأمجعهم، وأنى تقاومهم فكيف تعايشهم، وال يتم ذلك إال بزمان مساعد،

.وسلطان متدين قاهرفقدر اهللا تعاىل أن حرك . العزلة تعلال بالعجز عن إظهار احلق باحلجة فترخصت بيين وبني اهللا تعاىل باالستمرار على

Page 19: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

فأمر إلزام بالنهوض إىل نيسابور، لتدارك هذه الفترة، وبلغ . داعية سلطان الوقت من نفسه، ال بتحريك من خارجفال ينبغي اإللزام حدا كان ينتهي لو أصررت على اخلالف إىل حد الوحشة، فخطر يل أن سبب الرخصة قد ضعف،

أن يكون باعثك على مالزمة العزلة الكسل واالستراحة، وطلب عز النفس وصوهنا عن أذى اخللق، ومل ترخص :لنفسك عسر معاناة اخللق واهللا سبحانه وتعاىل يقول

" قبلهم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم ال يفتنون ولقد فتنا الذين من . أمل" بسم اهللا الرمحن الرحيم ولقد كذبت رسل من قبلك فصربوا على ما كذبوا ولقد جاءك من نبأ " ويقول عز وجل لرسوله وهو أعز خلقه

إىل قوله إمنا تنذر من اتبع الذكر .. يس والقرآن احلكيم" ويقول عز وجل بسم اهللا الرمحن الرحيم " املرسلني ب القلوب واملشاهدات، فاتفقوا على اإلشارة بترك فشاورت يف ذلك مجاعة من أربا" وخشي الرمحن بالغيب

العزلة، واخلروج من الزاوية، وانضاف إىل ذلك منامات من الصاحلني كثرية متواترة، وتشهد بأن هذه احلركة مبدأ وغلب حسن الظن بسبب هذه الشهادات . خري ورشد قدرها اهللا سبحانه على رأس هذه املائة فاستحكم الرجاء

سبحانه بإحياء دينه على رأس كل مئة، ويسر اهللا احلركة إىل نيسابور، للقيام هبذا املهم يف ذي القعدة وقد وعد اهللا سن تسع وتسعني وأربع مئة، وكان اخلروج من بغداد سنة مثان ومثانني وأربع مئة، وبلغت العزلة إحدى عشر سنة

ن هلذا انقداح يف القلب يف هذه العزلة، كما مل وهذه حركة قدرها اهللا تعاىل، وهي من عجائب تقديراته اليت مل يكيكن اخلروج من بغداد، والنزوع عن تلك األحوال مما خطر إمكانه أصال بالبال، واهللا تعاىل مقلب القلوب

وأنا أعلم أين، وإن رجعت إىل نشر العلم فما رجعت فإن " قلب املؤمن بني إصبعني من أصابع الرمحن " واألحوال و د إىل ما كان وكنت يف ذلك الزمان أنشر العلم الذي به يكتسب اجلاه، وأدعو إليه بقويل وعملي، الرجوع عو

.أما اآلن فأدعو إىل العلم الذي به يترك اجلاه، ويعرف به سقوط رتبة اجلاه. وكان ذلك قصدي ونييتي، ولست أدري أأصل هذا هو اآلن نييت وقصدي وأمنييت، يعلم اهللا ذلك مين وأنا أبغي أن أصلح نفسي وغري

مرادي أم أخترم دون غرضي؟ ولكين أؤمن إميان يقني ومشاهدة أنه ال حول وال قوة إال باهللا العلي العظيم، وأين مل أحترك، ولكنه حركين، وإين مل أعمل، لكنه استعملين، فأساله أن يصلحين أوال، مث يصلح يب، ويهدين مث يهدي يب

اتباعه، ويريين الباطل باطال ويرزقين اجتنابه، ونعود اآلن إىل ما ذكرناه من أسباب وأن يريين احلق حقا ويرزقين أما الذين ادعوا احلرية من أهل التعليم فعالجهم ما . ضعف اإلميان بذلك طريق إرشادهم وإنقاذهم من مهالكهم

.ذكرناه يف كتاب القسطاس املستقيم وال نطول بذكره يف هذه الرسالة .أهل اإلباحة، فقد حصرنا شبههم يف سبعة أنواع وكشفناها يف كيمياء السعادة وأما ما تومهه

وأما من فسد إميانه بطريق الفلسفة، حىت أنكر أصل النبوة، فقد ذكرنا حقيقة النبوة ووجودها بالضرورة، بدليل نا الدليل من خواص وإمنا قدمنا هذه املقدمة ألجل ذلك وأننا أورد. وجود عمل خواص األدوية والنجوم وغريمها

وحنن نبني لكل عامل بفن من العلوم كالنجوم والطب والطبيعة والسحر . الطب والنجوم، ألنه من نفس علمهم .والطلسمات مثال من نفس علمه برهان النبوة

وأما من أثبت النبوة بلسانه، وسوى أوضاع الشرع على احلكمة، فهو على التحقيق كافر بالنبوة، وإمنا هو مؤمنحبكم له طالع خمصوص، ويقتضي طالعه أن يكون متبوعا، وليس هذا من النبوة يف شيء، بل اإلميان بالنبوة أن يقر بإثبات طور وراء العقل، تنفتح فيه عني يدرك هبا مدركات خاصة، والعقل معزول عنها، كعزل السمع عن إدراك

ك املعقوالت، فإن مل جيوز هذا، فقد أقمنا الربهان األلوان، والبصر عن إدراك األصوات، ومجيع احلواس عن إدرا

Page 20: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

وإن جوز هذا، فقد أثبت أن هنا أمورا تسمى خواص، ال يدور تصرف العقل . على إمكانه، بل على وجودهفإن وزن دانق من األفيون سم قاتل ألنه جيمد الدم يف . حواليها أصال، بل يكاد العقل يكذهبا ويقضي باستحالتها

برودته والذي يدعي علم الطبيعة، يزعم أنه ما يربد من املركبات، إمنا يربد بعنصري املاء والتراب العروق لفرطفلو أخرب . ومعلوم أن أرطاال من املاء والتراب ال يبلغ تربيدها يف الباطن إىل هذا احلد. فهما العنصران الباردان

لته أن فيه نارية وهوائية واهلوائية والنارية ال تزيدها هذا حمال، والدليل على استحا: طبيعي هبذا ومل جيربه، لقالبرودة، فنقدر الكل ماء وترابا، فال يوجب هذا اإلفراط يف التربيد، فإن انضم إليه حاران فبأن ال يوجب ذلك أوىل

وا األمور فإهنم تصور! وأكثر براهني الفالسفة يف الطبيعيات واإلهليات، ومبين على هذا اجلنس! ويقدر هذا برهاناعلى قدر ما وجدوه وعقلوه، ورمبا مل يألفوه قدروا استحالته، ولو مل تكن الرؤيا الصادقة مألوفة، وادعى مدع، أنه

هل جيوز أن يكون يف الدنيا : ولو قيل لوا حد. عند ركود احلواس، يعلم الغيب، ألنكره املتصفون مبثل هذه العقولأكل تلك البلدة جبملتها مث يأكل نفسه فال يبقى شيئا من البلدة وما فيها، شيء، هو مبقدار حبة يوضع يف بلدة، في

وأكثر . وهذه حالة النار، ينكرها من مل ير النار إذا مسعها! هذا حمال وهو من اخلرافات: وال يبقى هو نفسه؟ لقالن خاصية يف التربيد، قد اضطررت أن تقول يف األفيو: فنقول للطبيعي. إنكار عجائب اآلخرة هو من هذا القبيل

فلم ال جيوز أن يكون يف األوضاع الشرعية من اخلواص، يف مداواة القلوب . ليست على قياس املعقول بالطبيعةوتصفيتها، ما ال يدرك باحلكمة العقلية، بل ال يبصر ذلك إال بعني النبوة؟ قد اعترفوا خبواص هي أعجب من هذا

: العجيبة اجملربة يف معاجلة احلامل اليت عسر عليها الطلق هبذا الشكل فيما أوردوه يف كتبهم، وهي من اخلواصوتضعها حتت قدميها، فيسرع الولد يف احلال إىل . يكتب على خرقتني مل يصبهما ماء، وتنظر إليهما احلامل بعينها

رقوما وقد أقروا بإمكان ذلك وأوردوه يف عجائب اخلواص وهو شكل فيه تسعة بيوت، ويرقم فيها. اخلروج .خمصوصة، يكون جمموع ما يف جدول واحد مخسة عشر، قرأته يف طول الشكل أو يف عرضه أو على التأريب

من يصدق بذلك مث ال يتسع عقله للتصديق بأن ! فيا ليت شعري ٨ ١ ٦و ا ح ٣ ٥ ٧ز ه ج ٤ ٩ ٢ب ط د ري معلومة بنظر احلكمة وسببها تقدير صالة الصبح بركعتني، والظهر بأربع، واملغرب بثالث، وهو خلواص غ

والعجب أنا لو غرينا العبارة إىل عبارة املنجمني لعقلوا . وإمنا تدرك هذه اخلواص بنور النبوة. اختالف هذه األوقاتأليس خيتلف احلكم يف الطالع، بأن تكون الشمس يف وسط السماء، أو يف الطالع أو : اختالف هذه األوقات، فنقول

نوا على هذا يف تسيرياهتم اختالف العالج وتفاوت األعمار واآلجال، وال فرق بني الزوال وبني يف الغارب، حىت يبكون الشمس يف وسط السماء، وال بني املغرب وبني كون الشمس يف الغارب، فهل لتصديق ذلك سبب، وإال أن

إذا كانت : و قال املنجم لهوال يزال يعاود تصديقه، حىت ل. ذلك يسمعه بعبارة منجم ، لعله جرب كذبه مئة مرةالشمس يف وسط السماء ونظر إليها الكوكب الفالين، والطالع هو الربج الفالين، فلبست ثوبا جديدا يف ذلك

فإنه ال يلبس الثوب يف ذلك الوقت، ورمبا يقاسي فيه الربد الشديد، ورمبا مسعه من ! الوقت قتلت يف ذلك الثوب !.منجم وقد جرب كذبه مرات

-معرفتها لبعض األنبياء -من يتسع عقله لقبول هذه البدائع ويضطر إىل االعتراف بأهنا خواص ! شعري فليتومل ال يتسع ! فيكف ينكر مثل ذلك، فيما يسمعه من قول نيب صادق مؤيد باملعجزات، مل يعرف قط بالكذب

ر وعدد أركان احلج، وسائر إلمكانه؟ فإن أنكر فلسفي إمكان هذه اخلواص يف أعداد الركعات، ورمي اجلماوقد جربت شيئا من النجوم وشيئا : فإن قال. تعبدات الشرع، مل جيد بينها وبني خواص األدوية والنجوم فرقا أصال

من الطب، فوجدت بعضه صادقا، فانقدح يف نفسي تصديقه وسقط من قليب استبعاده ونفرته، وهذا مل أجربه به،

Page 21: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

إنك ال تقتصر على تصديق ما جربته بل مسعت أخبار : ن أقررت بإمكانه؟ فأقولفبم أعلم وجوده وحتقيقه؟ وإاجملربني وقلدهتم، فامسع أقوال األنبياء فقد جربوا وشاهدوا احلق يف مجيع ما ورد به الشرع، واسلك سبيلهم تدرك

.باملشاهدة بعض ذلكفإنا لو فرضنا رجال بلغ وعقل ومل . قطعاوإن مل جتربه، فيقضي عقلك بوجوب التصديق واإلتباع : على أين أقول

جيرب املرض، فمرض، وله والد مشفق حاذق بالطب، يسمع دعواه يف معرفة الطب منذ عقل، فعجن له والده فماذا يقتضيه عقله، وإن كان الدواء مرا كريه املذاق، أن . هذا يصلح ملرضك ويشفيك من سقمك: دواء، فقال

فال شك أنك تستحمقه إن ! ال أعقل مناسبة هذا الدواء لتحصيل الشفاء، ومل أجربه أنا: يتناول أن يكذب؟ ويقولفيم أعرف شفقة النيب صلى اهللا عليه وسلم : فإن قلت! وكذلك يستحمقك أهل البصائر يف توقفك! فعل ذلك

واله وشواهد ومب عرفت شفقة أبيك وليس ذلك أمرا حمسوسا؟ بل عرفتها بقرائن أح: ومعرفته هبذا الطب؟ فأقول .أعماله يف مصادره وموارده علما ضروريا ال تتمارى فيه

ومن نظر يف أقوال الرسول صلى اهللا عليه وسلم، وما ورد من األخبار يف اهتمامه بإرشاد اخللق، وتلطفه يف جر ح به دينهم الناس بأنواع الرفق واللني واللطف، إىل حتسني األخالق وإصالح ذات البني، وباجلملة إىل ما يصل

وإذا . ودنياهم حصل له علم ضروري، بأن شفقته صلى اهللا عليه وسلم على أمته أعظم من شفقة الوالد على ولدهنظر إىل عجائب ما ظهر عليه من األفعال، وإىل عجائب الغيب الذي أخرب عنه القرآن على لسانه، ويف األخبار وإىل

علم علما ضروريا أنه بلغ الطور الذي وراء العقل، وانفتحت له ما ذكره يف آخر الزمان، فظهر ذلك كما ذكره، فهذا هو منهاج حتصيل . العني اليت ينكشف منها الغيب الذي ال يدركه إال اخلواص، واألمور اليت ال يدركها العقل

.العلم الضروري بتصديق النيب صلى اهللا عليه وسلموهذا القدر يكفي يف تنبيه املتفلسفة، ذكرناه لشدة . عيانفجرب وتأمل القرآن وطالع األخبار، تعرف ذلك بال

.احلاجة إليه يف هذا الزمان: أن نقول: أحدمها: وهو ضعف اإلميان بسبب سرية العلماء فيداوي هذا املرض بثالثة أمور -وأما السبب الرابع

مي اخلمر، وحلم اخلنزير والربا، بل إن العامل الذي تزعم أنه يأكل احلرام ومعرفته بتحرمي ذلك احلرام كمعرفتك بتحربتحرمي الغيبة والكذب والنميمة، وأنت تعرف ذلك وتفعله، ال لعدم إميانك بأنه معصية، بل لشهوتك الغالبة عليك،

فشهوته كشهوتك، وقد غلبته كما غلبتك، فعلمه مبسائل وراء هذا يتميز به عنك، ال يناسب زيادة زجر عن هذا .احملظور املعني

وال يدل ذلك على أنه ضار ! من مؤمن بالطب ال يصرب عن الفاكهة وعن املاء البارد، وإن زجره الطبيب عنهوكم ينبغي أن تعتقد أن العامل : أو على اإلميان بالطب غري صحيح، فهذا حممل هفوات العلماء، والثاين أن يقال للعامي

كون شفيعا له حىت يتساهل معه يف أعماله، لفضيلة اختذ علمه ذخرا لنفسه يف اآلخرة، ويظن أن علمه ينجيه، ويفهو وإن ترك العمل، . وإن جاز أن يكون زيادة حجة عليه، فهو جيوز أن يكون زيادة درجة له وهو ممكن. علمه

إذا نظرت إليه وتركت العمل وأنت عن العلم عاطل، فتهلك بسوء عملك وال ! وأما أنت أيها العامي. يديل بالعلم .شفيع لك

. هو احلقيقة، أن العامل احلقيقي ال يقارف معصية إال على سبيل اهلفوة، وال يكون مصرا على املعاصي أصال: لثالثاومن عرف ذلك، ال يبيع اخلري مبا . إذ العلم احلقيقي ما يعرف أن املعصية سهم مهلك، وأن اآلخرة خري من الدنيا

فلذلك ال يزيدهم ذلك العلم إال جرأة . اليت يشتغل هبا أكثر الناسوهذا العلم ال حيصل بأنواع العلوم . هو أدىن منه

Page 22: ﻝﻼﻀﻟﺍ ﻦﻣ ﺬﻘﻨﳌﺍ ﺏﺎﺘﻛ ﻒﻟﺆﳌﺍ · ﱂﻭ ،ﻞﻴﻟﺪﻟﺎﺑ ﻻﺇ ﻪﻌﻓﺩ ﻦﻜﻳ ﱂ ﺫﺇ ،ﺮﺴﻴﺘﻳ ﻢﻠﻓ ﹰﺎﺟﻼﻋ

وأما العلم احلقيقي، فيزيد صاحبه خشية وخوفا ورجاء، وذلك حيول بينه وبين املعاصي إال . على معصية اهللا تعاىلوهو بعيد عن فاملؤمن مفنت تواب. اهلفوات اليت ال ينفك عنها البشر يف الفترات وذلك ال يدل على ضعف اإلميان

.اإلصرار واإلكباب .هذا ما أردت أن أذكره يف ذم الفلسفة والتعليم وآفاهتما وآفات من أنكر عليهما، ال بطريقه

نسأل اهللا العظيم أن جيعلنا ممن آثره واجتباه، وأرشده إىل احلق وهداه، وأهلمه ذكره حىت ال ينساه، وعصمه عن شر وصلى اهللا على سيدنا حممد وعلى آله . لصه لنفسه حىت ال يعبد إال إياهنفسه حىت مل يؤثر عليه سواه، واستخ

.وصحبه وسلم

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي