لصبا: كتاب ا نسيم بن حبيب احلليب : املؤلف ا

الفصل األول

يف السماء وزينتها

أيقظتين ليلة دواعي اهلموم، فنظرت نظرة يف النجوم فإذا السماء كأهنا روضة مزهرة، أو صرح كنس اص، جواريه مسفرة، أو غدير تطفو عليه الفواقع، أو بنفسج نور أقاحه المع، أو مسح ألقي عليه درر غو

:أو ستر به لعني كل جنم وصواص، أو مجر يف خالل رماد، أو كما قال من أجاد دنانري ختالطها دراهم... بساط زمرد نثرت عليه

وهنر اجملرة جيري يف سندسها، ويسري ليسقي ذابل نرجسها، وياله من هنر صفا ماؤه، وعقد على األفق ويقبل حنوه الدبران، وينصب على شطه امليزان، لواؤه، ينقلب القلب إليه، ويقف طرف الطرف عليه، وحيوم حوله النسران، ويعوم فيه احلوت والسرطان

أو بنان أو طائر أو وشاح... والثريا كأكرة أو كجام أو باقة من نرجس، أو كأس يدار يف اجمللس، أو مشع يتوقد، أو مشس من عسجد، أو شذر منضود، أو كرم

:االتساق، أو أقراط خود ترتعد فرقا من الفراقأو عنقود، أو عقد لؤلؤ حسن ن وقلب احملب يف اخلفقان... وسهيل كوجنة احلب يف اللو

أو كمصباح تلعب به أيدي الرياح، أوظامىء يريد أن يرد، أو فارس يف محي احلمى جمتهد، أو مشوق يتبع ماجد أنف من الذل فألف السباحة، أو اآلثار، أو غريب ال يزور وال يزار، أو غريق يدعي قوة السباحة، أو

:مغاضب يدعى فال جييب، أو حمب يغض الطرف و يفتحه خوف الرقيب، واجلوزاء النرية كالشجرة املنورة قد عقدت على قباء أزرق... كأهنا منطقة من ذهب

:والفرقدان اهلاديان املرشدان قل فإين سامع: لشخص أخيه... كأهنما إلفان قال كالمها

اع يذرع شقة األفق، واجلبهة تسجد على مفارق الطرق،والعيوق يعوق عن السري إذا سار، والعوا والذرأعينها نشاوى قد تغشاها مخار، والسماك معتقل رحمه، والنثرة منتظمة كالسبحة، والنعائم حتدوها النعامى،

من مسايرة األظعان، وزهرة الزهرة تضيء بني اخلزامى، وهبرام يخجل البهرمان، واإلكليل ليس يكل :واملقدم ال يتأخر عن اإلعناق واإلجياف، والصرفة قد مهت مع العسكر باالنصراف

هنارا مثل ما طوي اإلزار... متر بواديا ليال وتطوى وما يصدى هلا أبدا غرار... فكم بصقاهلا صدي الربايا

وأقدس من هي مسخرات بأمره، . فكري فبينما أنا أسرح يف درر الدراري نظري، وأروض يف رياضها جوادوأنزه من هدى خلقه هبا يف بره وحبره، إذ هب نسيم السحر يروي عن أهل جند أطيب اخلرب، فعطر الكون

:بعرفه، وملك الرق برقته ولطفه، وأهدى الروح إىل األرواح، وأطرب السمع بأحاديثه الصحاح كأن أنفاسه نفوس... فهو حياة لكل حي

:روده، وحصلت على الفائدة من وفوده، وسر مبناجاته سري، وقلت له والدموع جتريفاستبشرت بو وإن أضرموه باألضالع والصدر... أعد ذكر من حل الغضا يا حمدثي على وجنيت أجروه يف مدة اهلجر... وال تنس سكان العقيق وإن هم

تبسم الفجر ضاحكا من شرقه، فلما أمتت اإلنشاء، واالنشاد وشرعت يف طلب اإلسعاف واإلسعاد؛ ونصب أعالمه على منازل أفقه، فانطوى نشر الليل، وكف من غمره الذيل، وارتفعت احلجب، وتأججت

:نار الشهب، واقتنص بازي الضوء غراب الظالم، وفض كافور النور عن الغسق مسك اخلتام سطوره البيض يف ألواحه السود... وشرد الصبح عنا الليل فاتضحت

: " فلت جيوش الدجا، وحرك النهار منه ما سجا، وجنح جنحه إىل الرحيل، وتال لسان حال التحويلو " يقلب اهللا الليل والنهار، إن يف ذلك لعربة ألويل األبصار

الفصل الثاين

يف الشمس والقمر

قرن الغزالة بكرت يوما بعد أداء الفرض، أتفكر يف خلق السموات واألرض، فلمحت املشرق بالنظر، وإذا قد ظهر، كأنه جذوة نار، أو قطعة من دينار، أو كأس ستر بعضه باحلباب، أو حسناء غطت وجهها بنقاب،

مث كشفت أستارها، وألقت على األفق أنوارها، وبرزت كأهنا كرة يف ميدان، أو جمن دوالب ضمخ ، أو سبيكة زجاج منتفخة اجلوانب، بالزعفران، أو مرآة مل تصقل ومل تطرق، أو وجه املليحة يف مخار أزرق

.أو بودقة حيرك فيها ذهب ذائب ترب يذوب على فروع املشرق ... وكأهنا عند انبساط شعاعها

فقلت أهال باجلارية، اليت يف طلعتها ما يغين عن اجلارية، والعني اليت تغار منها العني، واجلونة اليت وضح منها ت هبا األبراج، أنت املخصوصة بالشرف والرفعة، أنت واسطة عقد اجلبني، والسراج الوهاج اليت تربج

الكواكب السبعة، أنت للحكمة برهان، وللفلك معيار وميزان، أنت الناطقة يف صمتها، اليت قصر البليغ عن وصفها ونعتها، أنت ملك مقدم، أنت النري األعظم، أنت يوح اليت تغدو يف مصاحل العامل وتروح، أنت

كت نارها، أنت الضحى اليت عال منارها، أنت الشمس، اليت هبا تعرف األوقات اخلمس، بك ذكاء اليت ذينشر الظل ويطوى، ويشتد النبات بعد ضعفه ويقوى ، ويستدل على طريق الصواب، ويعلم عدد السنني

هبا واحلساب، ملا سفرت رافلة يف احللل املعصفرة، حيت آية الليل وجعلت آية النهار مبصرة، وناهيك منزلة، وحسبك أن صفاتك يف الكتاب منزلة، مث متشت على بساطها وخطرت يف وشيها ورياطها، وسبحت

.يف فلكها مرشدة إىل احلقائق، مظهرة أسرار الساعات والدرج والدقائق

تبغي هناك دفاع أمر معضل... تسمو إىل كبد السماء كأهنا " .ملستقر هلا ذلك تقدير العزيز العليم والشمس جتري " واستمرت سائرة حيدوها مر النسيم

:فلم يزل فكري يصاحبها، وطريف يرعاها ويراقبها وقفت كوقفة سائل عن منزل... حىت إذا بلغت إىل حيث انتهت

طري هفا ملخافة من أجدل... مث انثنت تبغي اخلدور كأهنا اكتحلت جفون األفق بالنار، فلما حجبت عن العيون شخصها، وخطف املغرب من يد املشرق قرصها، و

وطرد زجني الليل رومي النهار، بزغ اهلالل، بأمر ذي اجلالل، كأنه قوس موتور، أو زورق منحدر يف حبر : الدجيور، أو شطر سوار، أو منجل معد حلصاد األعمار، أو خنجر مرهف النصلني، أو نون مرسومة الشأفة

لب عقاب صائلة، أو قطعة من قيد، أو فخ نصب للصيد، أو األصل من لجني، شفة كأس مائلة، أو خمحرف جيم، أو عرجون قدمي، أو حاجب شيخ أدركه الشمط، أو نعل من حافر أدهم الدجا سقط، أو

ويف معناه من قصيدة. ذباب سيف خرج من جفنه، أو راكع يعبد من ال حيدث أمر إال بإذنه وس باملىن يرميينيبدو كق... وترى اهلالل يلوح يف أفق السما

وكجانب املراة العرجون... أو شبه فخ أو كدملج غادة وكوجه خود بالنقاب مصون... وجبني حب بالعمامة قد زها

وكزورق وكحاجب مقرون... وكتاب فيل أو قالمة أمنل قربوس سرج مذهب أو نون... أو كالسوار أزيل منه البعض أو

الشفاه ومنجل مسنونضمن ... وكشأفة الكأس املخبأ بعضه يفين أويل التزيني والتحسني... هو منجل األعمار للحصد الذي

نصف لتعويذ بدا لعيون... وإذا مضى سبع تراه كأنه كأنه من لؤلؤ مكنون... وإذا تكامل صار جاما صافيا

غنيت عن التحسني والتزيني... أو غادة قد أسفرت عن وجهها قدما وذلك مجعه يكفيين... هذا هو املشهور يف تشبيهه

:مث تصري بدرا، إن يف ذلك لذكرى. مرحبا مبن ثياب مناوئه رثاث قر عينا ستعود قمرا بعد ثالث: فقلت أيقنت أن سيكون بدرا كامال... وإذا رأيت من اهلالل منوه

أيها القمر كم . جانأنت الزمهرير الذي ليس له يف نضارته نظري، أنت الزبرقان الذي له يف كل شهر مهرحمب طاب له فيك السمر، أيها الواضح الباهر،ما أنت إال مثل سائر، أيها البدر الكامل، الذي فضله للربية

:شامل، ال تأس على ما فاتك من الدرج، وال يكن يف صدرك من الغزالة حرج تفاوتت األنوار والكل رائق... فقد ختمد الشمس الصباح بضوئها

، وحماسنك موصوفة، وشرفك باذخ، وقدمك راسخ، وآياتك ظاهرة، وسفارتك سافرة، منازلك معروفةوكم أوضحت من طريق، وهديت الرفيق إىل الفريق، وذكرت حمبوبا حملبوبه، وبلغت طالبا غاية مطلوبه،

أحسن بضوء ذبالتك وحسيب مثاال هبالتك، جعلك الباري يف السموات نورا،وكان أمر اهللا قدرا

، قدرك أثيث " والقمر إذا اتسق : " فسبحان من جال مبحياك حندس الغسق، وأقسم بك يف قوله.مقدورا :أثيل، وحمبك نبيه نبيل، ووجهك يابثينة احلسن مجيل

إىل رتب العالء وال رسيل... على رسل فما لك من جمار ومن آياته الليل فتبارك أسم من ألبسكما أحسن احلرب، وتعاىل جد من جعلكما مصباحني ألهل النظر،

.والنهار والشمس والقمرمث مل يربح يسري وأنا ال أبرح، وينجلي وأنا أشاهد وجهه األصبح، إىل أن غاب واختفى،وحسبنا اهللا

.وكفى

الفصل الثالث

يف السحاب واملطر

ال يفهمه وله أسرار معناها دقيق،. إن اهللا تعاىل حكم دائم النفوذ، وحكيم يهدي شفاء النجاة ملن به يلوذوساءت الظنون .أمسك الغيث عن عباده يف عام، فخاض كل منهم يف حبر دمعه وعام. إال أرباب التحقيق

واستدت . وظمئت احلياض، وعبست وجوه الرياض. بضن السحاب، واشتاق النبات إىل مساع وقع الربابلفقد الصوب عن الصواب، وذهلت العقول. العيون بالنقع املثار، وتعطلت من حلى املزن أجياد األزهار

وطالت عهود . وطوي بساط اإلنبساط ووقع القول يف هياط ومياط. وقص جناح السرور وطارت األلباب :العهاد، وتأهبت األرض للبس أثواب احلداد

أورثته مذلة واصفرارا... وأصابت نبت الربا فاصل عني مشس س سكارى وما هم بسكارى... كلما جال طرفها ترك النا

بينما هم جيرون أذيال الكآبة، ويرفعون الدعاء إىل مواطن اإلجابة، تداركهم اهللا بالطف اخلفي، وانثال فعليهم املن احلفي، ونظر اهللا عليهم بعني حكمته، وحرك ساكن الرخاء لتجري بنعمته، وهو الذي يرسل

وجرت على أحسن الرياح بشرى بني يدي رمحته، فمدت أعناقها، وجدت إعناقها وركضت عادياهتا، :عاداهتا، وسدلت من أرديتها األردان، وارخت العنان يف طلب العنان

كذيل الغاللة املبلول... ورياح تبشر األرض بالقطر انتظار احملب رد الرسول... ووجوه البقاع تنتظر الغيث

اب، صادق فأقلت سحابا ثقاال، يستهل كرما ونواال، مشكي اإلهاب، خصيب اجلناب، فسيح الرحالوعود، متالحق الوفود، كثري األعوان واجلنود، يؤذن باملوارد الطامية، وشفاء الشفاه الظامية،وإثراء فقري

:الثرى، وإجراء دمعه أسفا على ما جرى يفكر، أو كالنادم امللتهف... أكب على اآلفاق إكباب مطرق

رفرفوراح عليها كالغراب امل... ومد جناحيه إىل األرض جاحنا

والرعد يزجره ويسوقه بني يديه، فإذا قصر صاح به وزجمر عليه، تارة يترمن كاحلمام، وطورا يزأر كاألسد :الضرغام

حاد إذا ونت النجائب صاحا... وكأن صوت الرعد خلف سحابة و والربق يلمع ويلمع، ومينح مث مينع، كأنه ثغر أشنب، أو قبس يلتهب، أوحسام ميان، أو فؤاد جبان، أ

سالسل من ذهب، أو أشهب مال جله حني وثب أو أنامل بعض احلساب، أو حية تتلوى، أو كف خضيب :ميد ويقبض، أو خود تعرض بعد أن تتعرض

ووجه السماء وقد ذهبا... ترى األرض منه وقد فضضت :وزبرجده وقوس الغمام للجو نطاق، ال بل تاج على مفارق اآلفاق، يزهو بلجينه وعسجده، ويفخر بياقوته

مصبغة والبعض أقصر من بعض... كأذيال خود أقبلت يف غالئل فلما تراكمت السحائب، واجتمعت حوهلا الكتائب، واتسع صدرها، واستحكم أمرها، وحلق باجلو

ناهضها واعترض يف األفق عارضها، ونصبت راياهتا، وانتهت غاياهتا، وآن رحيلها وتفريق مشلها، وحان ا، أجرت مدامعها، وردت ودائعها، وحلت نطاقها، وفكت أزرار أطواقها، وحثت وضعها وفصال محله

الركائب، وأسبلت الذوائب، ومسحت بطلها وطشها، وسكنت رهج الغرباء برشها، وأروت احلرة برذاذها وهطلها، وأذهبت احلرقة بدميها ووبلها، وآثرت جبودها وجودها، ونثرت على بساط األرض جواهر

" :هالل العسكري أبو. " عقودها وبالروض ياقوتا وبالوحل عنربا... ختال هبا مسكا وبالقطر لؤلؤا

كم أبدت إحسانا وبرا، وبردت من كبد حرى، وأسدت معروفا، وأغاثت ملهوفا، وساقت إنعاما، وسقت خرجت حبا حرثا وأنعاما، وكفت مها حني وكفت، وقرطت اذان األغصان وشنفت، وأنشرت أمواتا، وأ

وكم نقعت غليال،ونفعت عليال،ومألت " وجعلنا من املاء كل شيء حي " ونباتا، ونشرت مطرفا بعد الطي حياضا، ونورت رياضا، وأذلت درا مصونا، وشرحت صدورا، وأقرت عيونا، وألبست احلدائق برودا

:عليها طالوة، وأهدت للزهر قطرا ظاهر احلالوة مثل الدراهم تبدو مث تستتر ... ض الئحة ترى فواقعه يف األر

فأمسى الناس يف عيشة راضية، يرفلون يف حلل الرفاهية، أمرعوا بعد الضنك والشظف، وأخصبوا بعد اجلدب والطفف، وأصبح حمل احملل دارسا، ووجه األمل يضحك بعد أن كان عابسا، وأخذت األرض

نبتت من كل زوج هبيج، فثغورها مبتسمة، وفرائد زخرفها بعد أن كان زرعها يهيج، واهتزت وربت وأقالئدها منتظمة، ومنارقها مدجبة، ورؤوس أشجارها متوجة، وغدراهنا طافحة، وخمايل السعادة عليها الئحة،

" .أال بذكر اهللا تطمئن القلوب " وألسنة أهلها مشتغلة بشكر عالم الغيوب، وقلوهبم مطمئنة بذكره وهو الذي ينزل الغيث من . " بيد، مث يفتح هلم أبواب جوده الوافر وفضله املديديبدىء ويعيد، وميتحن الع

" .بعد ما قنطوا وينشر رمحته وهو الويل احلميد

الفصل الرابع

يف الليل والنهار

" :عتاب بن ورقاء الشاعر " أرقت ذات ليلة يف مهادي، فسمعت طارقا ينادي يف النادي تطوي وتنشر بينها األعمار. ..إن الليايل لألنام مناهل

وطواهلن مع السرور قصار... فقصارهن مع اهلموم طويلة أيها : فقمت من مضجعي، وقد بل ردين مدمعي، متحريا يف أمري، متأسفا على ما فات من عمري، وقلت

، وما مث سلم وجلس.كم ندمي سفك املىن، دمه: الطارق يف ظلمة الليل الغاسق، هل لك يف املنادمة؟ فقال :فقال. يا من شنف السمع بدره، اذكر يل شيئا يف طول الليل وقصره: فقلت. تنفس وما نبس

وال هو منها يطيق الرباحا... وليل كواكبه ال تسري على من يراقب فيه الصباحا... كيوم القيامة يف طوله

يس يؤوب، ال يبلى جديد مقيم ليس يربح،وعاجز ال يظعن وال ينزح، برد جنومه ال يذوب وغائب ضوئه لمسحه، وال جينح إىل احلركة ساكن جنحه، عليله ما يرجى صالحه، وصباحه، ال يلوح مصباحه، قطع

:الطريق على السحر، وعذب أجفان احملبني بالسهر أوصفوه، فقد نسيت النهارا... حدثوين عن النهار حديثا

يف قيده، أو حبر منع اجلزر عن مده، أوكسري كأنه صريع راح، أو طائر مقصوص اجلناح، أو أسري خيبط :ليس له على النهوض اقتدار، أو ضرير يئس طرفه من رؤية النهار

قد حار ال يدري مبن يهتدي؟... أو هائم غمر بقطع الفال أو دارة حيث انتهت تبتدي... أو جيش زنج بالثرى قد ثوى

" :أبو سام رمحه اهللا " اقد، ويقصر على املسرور الراقد واعلم أيها البصري الناقد، أنه يطول على املهجور الف طال، وإن زارت فليلي قصري... ليلي كما شاءت فإن مل تزر

" :ابن الرومي رمحه اهللا " فقال . إيه أيها اإلمام، أمسعين شيئا يف وصف األيام: فقلت ما كان أحالها وأهناها... هللا أيام تقضت لنا

شيء سوى أن نتمناها... مرت فلم يبق لنا بعدهاحيث الوقت معني، دماء الشيبة معني، ونشر البشر فائح، ونور اهلناء الئح، واحلبيب جميب، والرقيب غري

قريب، وغصن الصبار طيب، ومطرف اللهو قشيب، والعيش غض والدهر غضيض الطرف، وسعاد السعد :ممنوعة من الصرف

ميل وحسن اخللق واخللقعلى اجل... والشمل جمتمع، واجلمع مشتمل أيا أخا األدب، إىل كم ذا احلرص والدأب، األيام جنمها غرار، ومدعي الوفاء منها غدار، كثرية املالل،

حتل العقود، وال حتفظ . سريعة الزوال، تفرق احلبائب، وتسترجع املواهب، ذمامها ذميم ومساملها سليمورود السراب، لقد سقط من متسك بعراها، وتعب من العهود، تكدر الصايف من الشراب، وتعد الظامىء ب

:قال التهامي رمحه اهللا تعاىل. قصد الراحة من ذراها

متطلب يف املاء جذوة نار... ومكلف األيام ضد طباعها مضت اجلهمة والشفق، والفحمة والغسق والقطع والسدفة، والبهرة والزلفة وآن لنسمات السحر : مث قال

.وقام للوداع، فقلت زودين بأنعم املتاع. لفجر أن تتفجرأن تتبختر، ولعيون اوهو الذي يتوفاكم بالليل " دع إزار األوزار، واتق من ال تدركه األبصار، وسبحه بالعشي واإلبكار : فقال

" . ويعلم ما جرحتم بالنهار

الفصل اخلامس

يف أقسام العام

اية األدب، مبشهد من ذوي البالغة، ومتقين حضر فصول العام جملس األدب يف يوم بلغ منه األريب هن : فقام كل منهم يعرب عن نفسه، ويفتخر على أبناء جنسه، فقال الربيع. صناعة الصياغة

أنا شاب الزمان، وروح احليوان، وإنسان عني اإلنسان، أما حياة النفوس، وزينة عروس الغروس، ونزهة مي أعياد ومواسم، فيها يظهر النبات، وتنشر األموات، عرف أوقايت ناسم، وأيا. األبصار، ومنطق األطيار

وترد الودائع، وتتحرك الطبائع، وميرح جنيب اجلنوب، وينزح وجيب القلوب، وتفيض عيون األهنار، كم يل عقد منظوم، وطراز وشي مرقوم، وحلة فاخرة، وحلية ظاهرة، وجنم سعد . ويعتدل الليل والنهار

عساكري منصورة، وأسلحيت . سن تنشدنا بأبعد ما بني برج اجلدي واحلمليدين راعيه من األمل، ومشس حفمن سيف غصن جموهر، ودرع بنفسج مشهر، ومغفر شقيق أمحر، وترس هبار يبهر، وسهم آس : مشهورة

يب حتمر من الورد خدوده، . يرشق فينشق ورمح سوسن سنانه أزرق، حترسها آيات، وتكنفها ألوية وراياتقدوده، وخيضر عذار الرحيان، وينتبه من النرجس طرفه الوسنان، وخترج اخلبايا من الزوايا، وهتتز من البان

" :أنا ابن جال وطالع الثنايا : " ويفتر ثغر األقحوان قائال تضحك األرض من بكاء السماء... إن هذا الربيع شيء عجيب

حيث درنا وفضة يف الفضاء... ذهب حيثما ذهبنا ودر أجتهد يف مصلحة األصحاب وأرفع . أنا اخلل املوافق، والصديق الصادق، والطيب احلاذق :وقال الصيف

عنهم كلفة محل الثياب، وأخفف أثقاهلم، وأوفر أمواهلم، وأكفيهم املؤونة وأجزل هلم املعونة، وأغنيهم عن . زمن الصبا شراء الفرا، وأحقق عندهم أن كل الصيد يف جوف الفرا، نصرت بالصبا، وأوتيت احلكمة يف

يب تتضح اجلادة، وتنضح من الفواكة املادة، ويزهو البسر والرطب، وينصلح مزاج العنب، ويقوى قلب النور، ويلني عطف التني واملوز، وينعقد حب الرمان، فيقمع الصفراء ويسكن اخلفقان، وختضب وجنات

لق تيجان النارنج والليمون، التفاح ويذهب عرف السفرجل مع هبوب الرياح، وتسود عيون الزيتون، وختالفقري ينصاع مبلء . اخلري موجود يف مقامي، والرزق مقسوم يف أيامي. مواعدي منقودة، وموائدي ممدودة

والوحش تأيت زرافات ووحدانا، والطري تغدو مخاصا . مده وصاعه، والغين يرتع يف ربع ملكه وأقطاعه

.وتروح بطانا " :ابن حبيب رمحه اهللا تعاىل "

ومن حال طعما وحلل أخالطا... مصيف له ظل مديد على الورى لصحتها حفظا يعجز بقراطا... يعاجل أنواع الفواكه مبديا

أنا سائق الغيوم، وكاسر جيش الغموم، وهازم أحزاب السموم، وحادي جنائب السحائب، : وقال اخلريفل معىن جلي، وأمسو بالومسي والويل، يف انا أصد الصدى وأجود بالندى، وأظهر ك. وحاسر نقاب املناقب

أيامي تقطف الثمار وتصفو األهنار من األكدار، ويترقرق دمع العيون، ويتلون ورق الغصون، طورا حياكي وفيها يكفى الناس . البقم وتارة يشبه األرقم، وحينا يبدو يف حلته الذهبية، فينجذب إىل خلته القلوب األبية

لذة املاء اخلاص والعام، وتقدم األطيار مطربة بنشيشها، رافلة يف املالبس اجملددة من هم اهلوام، ويتساوى يف ريشها، وتعصفر بنت العنقود، وتوثق يف سجن الدن بالقيود، على أهنا مل جتترح إمثا، ومل تعاقب إال عدوانا

كن حرارة يب تطيب األوقات، وحتصل اللذات، وترق النسمات وترمى حصى اجلمرات، وتس. وظلماكم يل من شجرة أكلها دائم، ومحلها للنفع املتعدي الزم، . القلوب، وتكثر أنواع املطموم واملشروب

" .ابن حبيب رمحه اهللا " وورقها على الدوام غري زائل، وقدود أغصاهنا ختجل كل رمح ذابل يتهادى يف حلة كالعروس... إن فصل اخلريف واىف إلينا

وهو ما بيننا ربيع النفوس... غريه كان للعيون ربيعا

أمجع مشل األصحاب وأسدل . أنا شيخ اجلماعة، ورب البضاعة، واملقابل بالسمع والطاعة: وقال الشتاءأميل إىل املطيع، . ومن ليس له يب طاقة أغلق من دونه الباب. عليهم احلجاب، وأحتفهم بالطعام والشراباملستمسك من الدثار بأوثق العرا، املرتقب قدومي وموافايت، القادر املستطيع، املعتضد بالربود والفراومن يعش عن ذكري ومل ميتثل أمري، أرجفته بصوت الرعد، وأجنزت . املتأهب للسبعة املشهورة من كافايت

معرويف . له من سيف الربق صادق الوعد، وسرت إليه بعساكر السحاب، ومل أقنع من الغنيمة باإليابكم يل من وابل طويل املدى وجود وافر اجلدا، . موصوف، ومثار إحساين دانية القطوفمعروف، ونيل نيلي

وقطر حال مذاقه، وغيث قيد العفاة إطالقه، ودمية تطرب السمع بصوهتا، وحيا حييي األرض بعد موهتا، نقلها يأيت . أيامي وجيزة، وأوقايت عزيزة، وجمالسي معمورة بذوي السيادة، مغمورة باخلري واملري والسعادة

من أنواعه بالعجب، ومناقلها تسمح بذهب اللهب، وراحتها تنعش األرواح، وسقاهتا جبفوهنم السقيمة تفنت :إن ردهتا وجدت ماال ممدودا، وإن زرهتا شاهدت هلا بنني شهودا. العقول الصحاح

عادت عليك من الدقيق عقودا... وإذا رميت بفضل كاسك يف اهلوى حرك لنا عودا وحرق عودا... ال هتملهما يا صاحب العودين

فلما نظم كل منهم سلك مقاله، وفرغ من الكالم على شرح حاله، أخذ اجلماعة من الطرف ما يأخذ السكر، وجتاذبوا أطرف مطارف الثناء والشكر، وظهرت أسرار السرور، وأنشرت صدور الصدور، وهبت

:قبول اإلقبال، وأنشد لسان احلال

إذا مل يكن يف قوله بكذوب؟... ملرء يف مدح نفسه وماذا يعيب ا .مث انفض اجمللس وحل النطاق، وتفرق مشل أهله وآخر الصحبة الفراق

الفصل السادس

يف البحر والنهر

" فأتيت سفينة يطيب للسفر مثواها،وركبت فيها . هزتين رياح األمل البسيط، إىل امتطاء ثبج البحر احمليط :، موقنا بأن املقدور صائر، معرضا عن قول الشاعر" ها بسم اهللا جمراها ومرسا

علي منه املعاطب... ال أركب البحر أخشى والطني يف املاء ذائب... طني أنا وهو ماء

ياهلا سفينة، على األموال أمينة، ذات دسر وألواح، جتري مع الرياح، وتطري بغري جناح، وتعتاض عن هلا قالع كالقالع وشراع حيجب الشعاع، وسكينة . د وال تشربختوض وتلعب، وتر. احلادي باملالح

وسكان ومكانة وإمكان، وجؤجؤ وفقار، وأضالع حمكمة بالقار وجسم عار من الفؤاد، وهو يف عني املاء معقود بنواصيها اخلري . مبنزلة السواد، بعيدة ما بني السحر والنحر، من أحسن اجلواري املنشآت يف البحر

:من سري النهار وال من سرى الليل كاخليل ال متل ء سواها تسري سري القداح... ما رأى الناس من قصور على املا

أوغراب . كأهنا وعل ينحط من شاهق، أو عرباض سابق حيثه سائق، أو عقرب شائلة، أو عقاب صائلةحاكمها عادل . امأعصم، أو متساح أو أرقم، أو ظليم ثفر يف الظالم، أو جواد فر مستنكفا من صحبة األن

يف حكمه، عارف بنقض أمرها وبرمه، يهتدي بالنجوم، ويبتدىء باسم احلي القيوم، يربز من نواتيها يف :يتأنفون فيما يعمرون، ويفعلون ما يؤمرون. جنود،يشمل إحساهنم أهلها أيقاظا وهم رقود

فن جتري من خوف ذاك الصياح... يكثرون الصياح حىت كأن الس من البحر يف قاموسه،كتب اجلو حروف الغيم يف طروسه، وثارت ريح عاصف، يتبعها رعد فبينما حننفمالت بنا الفلك واضطربت، ودنت شفتها من رشف املاء واقتربت، واستمرت ترفع وختفض، . قاصف

وتقرب وترفض،وتعلو على األوتاد، وهتيم يف كل واد، وحتوم وحتول، وجتود وجتول، وتضرم يف الكبود نار :اجر، إىل أن بلغت القلوب احلناجرن

هو البحر فيه الغىن والغرق... أال فارجه واخشه إنه مث نظر إلينا من ال ختفى عليه السرائر، وأمر اجلارية حبمل العبيد إىل بعض اجلزائر، فلم ندر إال وحنن جتاه

السفينة وساكنيها، فوجدهتا جزيرة، تسر النفوس مبحاسنها الغزيرة، فاحندرت ماضيا إىل بينها، نائيا عنخمضرة األفنان، خمضلة الكثبان، هبا من الياقوت ما يرجع خاسئا مناويه، ومن األشجار ما حيمل الفواكه

:وبني رياضها هنر شديد اخلصر، أرضه ذهب وحصباؤه درر،وأمواجه عكن و داراته سرر. واألفاويه ل فكأنه من ريق خود ينه... عذب إذا ما عب منه ناهل

لني األدمي، مزاجه من تسنيم، يصقله الصبا ويفركه النسيم، فكأنه دروع موضونة، أو مبارد مسنونة، أو دمع يتسلسل، أو أفاع تتملل، أو ذوب فضة يسيل، أو صفحة سيف صقيل، أو لوح بلور مرقوم، أو رحيق

:باملسك خمتوم من صفاء به تزق فراخا... وكأن الطيور إذ وردته

يه الغصون فالشخوص ترقص يف اخليال، وإن كرعت منه الظباء فالغيد يرشفن من ثغور أتراهبن إن مالت إلوإن أشرقت عليه النجوم خلت الفلك يدور يف أرجائه، وإن جتلى له البدر حسبته قلبا خافقا بني . الزالل " :مؤيد الدين الطغرائي " قال . أحشائه

مرآته ناظره حسناء يف... والشمس إن وافته رأد الضحى وعد بأن نسقاه يف اآلخره... أمنوذج املاء الذي جاءنا ال

فلبثت فيها مدة، مفكرا فيما رأيت من الفرج بعد الشدة، مؤمنا بالقدر خريه وشره، وحلوه ومره، واقفا :على شكر من جتري الفلك يف البحر بأمره

وهلا فرجة كحل العقال... رمبا جتزع النفوس ألمر ل هبا يف أحسن حال، وأرغد عيش وأنعم بال، إىل أن حرك اهللا مين ما كان ساكنا، وأدخلين مصر ومل أز

.مبشيئته آمنا

الفصل السابع

يف املعقل والدار

عرض يل فكر أثار العزمية، إىل مشاهدة اآلثار القدمية، فأعددت الزاد، وسرت أجوب البالد،و أصل العنق فبينما أنا أترامى لنيل املرام، الح يل بناء على أيهم . د الفالة مبيل بعد ميلبالوخد و الزميل و أكتحل من إمث

خشام فتوجهت مسرعا للوقوف عليه، واجتهدت إىل أن توصلت إليه، فرأيت معقال يسيب العقول، وجير و على السحاب فضل الذيول، رفيع الذرا رحيب الذرا رأسه فوق الثريا، وأسه حتت الثرى، صهوته عالية

ثغوره حالية، ومهور عرائسه غالية، اجلوزاء خلصره منطقة و الزهرة يف أذنه كالشنف معلقة، يباهي األفالك ويسمو إىل السماك، ويعلو على الزواهر، وخيجل الشمس بنوره الباهر، ويعوق العيوق، و ينادم القمر عند

:الصبوح والغبوق راء من خلل احلجبكما الحت العذ... إذا ما سرى برق بدا من خالله

سوره منعطف كالسوار، و أبراجه تدهش بتربجيها األبصار، وشرفاته تلمع كاملشرفية، وخبايا صياصيه عن ممنعة مصادره و موارده، متسعة معامله و معاهده، اليرى الوعل أعلى طوره، وال يبلغ الطرف . األوهام خفية

وعه متوجة بالنجوم، و بنيانه مرصوص، وخوامته منتهاه لعجزه و قصوره، عروقه مؤتزرة بالتخوم، و فرعقوده . مرصعة جبواهر الفصوص، اليتصل الفناء بفنائه، وتظهر العزة على من يرجو متلك أرجائه

حمكمة،وأحجاره مهندمة، وأركانه مشيدة، ومالبسه مع القدم جديدة، وقواعده مرفوعة، وأقوال ديكته يف

.السماء مسموعة من فوقها فهي ختفى يف خوافيها... حائمة له عقاب عقاب اجلو

وبوسطه دار دار هبا فلك السعود، وأورق لطالب كنزها عود الوعود، وسحت عيون ساحتها ورفع يف العقار فرش عقرها وباحتها، وتوقفت الكواكب ملراقبة عجائبها وغرائبها، وسال لعاب الشمس من احلرية

ة املعاين، تنشرح الصدور يف قاعاهتا وبقاعها، وخترب حماسنها بصنائع أنيقة املباين، مأهولة بأهل. يف مالعبها :أهلها وحذق صناعها

أهال: تقول بترحيب لداخلها... إذا فتحت أبواهبا خلت أهنا رحبة األكناف، بديعة األوصاف، تدل على أهنا كانت منزل األشراف، ومقر قرى األضياف، ومقعد

مياه . ر األعني يف وشي أزاهريها، وتقصر األلسن عن تقريظ مقاصريهاحتا. الوفود، وحمل الكرم واجلودبركها غزيرة، وجدراهنا بالتمكني جديرة، وأشجارها مل تزل مورقة مثمرة، ولياليها ال تربح بالسنا على مر

:السنني مقمرة فالليل فيها كالنهار املشمس ... تتقابل األنوار يف جنباهتا

ح، وسقف مرفوع وباب مفتوح،وهبو بالبهاء تراه أثرى، وإيوان يكسر بسهام كم هبا من صدر جملس مشروقوسه جيش إيوان كسرى، وحدائق مل تنبت بالتراب، وال جادهتا أيدي السحاب، وتصاوير حترك العارف

بسكوهنا، وتفنت األلباب حبمرة خدودها وسواد عيوهنا، وتبعث اخلواطر مبعانيها ومغانيها، ويكاد ماء الذهب قطر من أعاليها، قد جل عن الترخيم رخامها، وتوفرت من احملاسن أقسامها، وابيضت وجوه مرمرها، ي

وزادت هبجة جباهها وطررها، وختلقت أثواب ساجها واجتمع مشل أبنوسها وعاجها، وعلت رتبة أرائكها، الرتد إليه وغلت قيمة سبائكها، فلو ساجلها الروض لذهب مع الرياح عرفه ولو كحل بنورها األعمى

:طرفه بقايا تسر النفس أنسا ومنظرا... ديار عليها من بشاشة أهلها

فلما أحاط علمي بغوره وجنده، وبلغ رائد فكري منه غاية قصده، أدخلته يف زمرة عقائل املعاقل، ونظمته يف كل منهم بغمام : مث قال بلسان احلال. سلك ما أتكلم عليه يف احملافل، وسألته عن بانيه وساكنيه فلم جيب

وخرجت " كم تركوا من جنات وعيون : " فحققت أن الدهر يديل كل مصون، وتلوث. الرغام قد حجب :منه معتربا، وظلت يف طريقي متذكرا

أين سكانك الكرام لدينا؟... قلت يوما لدار قوم تناءوا مث ساروا، ولست أعلم أينا؟... فأجابت هنا أقاموا قليال

نالفصل الثام

يف األشجار والثمار

فىت ال يدري من له فنت؟ : من؟ فقلت: ملا صدئت مرآة اجلنان، قصدت جلالئها اجلنان، فطرقت الباب فقيلفإذا جنة عالية، قطوفها دانية، . ففتح الوصيد ودنا املراد من املريد، فدخلت إليها، وما كدت أن أقدم عليها

.ا مرفوعة، وفاكهتها كثرية ال مقطوعة وال ممنوعةوطلحها منضود، وظلها ممدود، وأعالم أشجاره حلال هبا عقد اهلموم حيلل... ربع الربيع هبا فحالت كفه

جتوس املياه خالل ديارها، وتشرق بآفاقها أنوار نوارها، وحتدق احلدق بفنون أفناهنا، وتغين الورق على : أحلى الشنوف واألقراطعيداهنا، ومتيد أدواحها على مذهب األمناط، ومتيس من احللي يف

فمالت مثل شراب الرحيق... كأن غصوهنا سقيت رحيقا كم لرقيق نسيمها من رقيق، قلبه مقيد ودمعه طليق، هبا األشجار ال . نزهة النواظر، وشرك اخلواطر

:حتصى،ومثار ال تعد وال تستقصى، فمنها خنيل، متحفها غري خبيل، جماره قد لف يف ثوب من الصوف... جسم لطيف اللمس لكنه

:وطلعه مساع فشقت عنه ثوبا ممسكا... كصدر فتاة ناهد شق قلبها

:وبلحه مقمعات الرؤوس بالذهب... مكاحل من زمرد خرطت

:وبسره زبرجد مثمر عقيقا... كأمنا خوصه عليه

:ورطبه مسمر بالنضار... إهليلج من جلني

:ومتره رمملوءة من عقا... يشف مثل كؤوس

:وكروم كرمية، منافعها عميمة زنج جنوا يف سرقة... كأمنا عنقودها

على الذرا معلقة... فأصبحت رؤوسهم :أو الثريا عند الصباح، أو أوعية نور ملئت من الراح

صحيحة التدوير مل تثقب... كم درة فيها وكم جزعة معه ياقوت، أو وجنة من هي للقلوب وتفاح سرى نشره وفاح، كأنه مخر مجد، أو مجر ما مخد،أو در جمع

:يف الدنيا قوت، نصفه من هبار، ونصفه من جلنار به خد معشوق إىل خد عاشق... كأن اهلوى قد ضم من بعد فرقة

:وسفرجل جل قدرا، وأطلع من زهره زهرا سرر هلن حشني مسكا أذفرا... حيكي هنود الغانيات وحتتها

:اخلود الرداح ينوب طعمه عن الراح، ويهدي عطر

ولون حمب حلة السقم قد كسي... له ريح حمبوب وقسوة قلبه :وموز من نضار، كأنه أنياب فيلة صغار، أو طفل قماطه معصفر، أولفات زبد عجنت بسكر

بعد الذي بوصله ما ظفره... أو مغرم أحنله وصفره :وتني ممزق اجللباب، كدر القشر صايف اللباب

فعاد بعد اجلديد يف خلق. ..كأنه رب نعمة سلبت :ورمان بديع النظام، يبسم عن مثل حب الغمام، كأنه هنود احلسان، أو حقاق صندل حشيت باملرجان

شذور عقيق يف غشاء حرير... حقاق كأمثال الكرات تضمنت :يف شجره جلنار أشرق وأنار

يف قبة من زبرجد ... حيكي فصوص بلخش

:يب وال شني، كأنه كرات من العنرب، أو طليعة من الزنج تنتظر العسكروإجاص أسود العني، ال يعتريه ش صبغتها مبائها الظلماء... وإذا ما قشرته ففصوص

:وخوخ ذو لونني، يف بياضه ومحرته جالء للعني فغطتها مبحمر البنان... كوجنة غادة خافت رقيبا

:وب من الراحة وال حيمل املشقةوكمثرى لطيف الذات، حسن الصفات، يف غاية اللطف والرقة، يذ وطعمه قوالب من سكر... كأنه يف شكله ولونه

:ومشمش تقمص بالشفق، وتدرع بالورق، ككرات من العقيان، أو بنادق ضمخت بالزعفران نثرت كواكبها على األغصان... وكأمنا األفالك من طرب به

:يبق فيه غري ذمائهوتوت مخري اللون، ليس له صرب على الصون مزمل بدمائه، مل فأرمحه من سائر الثمرات... يكاد بأن يفىن إذا ما ملسته

:وعناب نقي اإلهاب، كأنه قلوب األطيار، أو خرز ركب من النضار أو أمنل باألرجوان مطرفة... أقراط ياقوت حتركها الصبا

:وفستق شريق كأنه عند التحقيق والتحديق درا مغشى بياقوت مضمنة... زبرجدة ملفوفة يف حريرة

:أو مسرور تبسم، أو مأسور فتح فاه ليتكلم كألسن الطري، من بني املناقري... والقلب ما بني قشريه يلوح لنا

ولوز قلوبه مؤتلفة، وأثوابه خمتلفة، لطيف املعاين، له هبا جنة من اجلاين كأنه خز بزه رفيع، أو عذار جديد :شرط اخلليع

أحسن به صدفا يف ضمنه درر... ف أو سندس أخضر من حتته صد :وجوز جسمه من العرعر، وقميصه من الزمرد األخضر، صحيح التدوير، يسقط على اخلبارال على اخلبري

لونا وشكال مصطكى ممضوغ... واجلوز مقشور يروق كأنه

مخ وصنوبر يقري الضيف، ال يعرف رحلة الشتاء والصيف، كأنه طيور على ذرا القصب، أو كافور ض :باملسك املنتخب

يف جوف أدراع من العود... عقد آلل مشرق لونه :وأترج حسن ذرعا وزرعا، وطاب أصال وفرعا، فيه روح ورحيان، وهو لألغصان مبنزلة التيجان

وقد سقطت عراها بالعراء... أباريق من الذهب املصفى ح، أو عذراء صبغت بالورس إزارها، أو ونارنج هبيج، طيب زهره أريج، كأنه مصابيح، هتزها أيدي الري

:وجنه عاشق أضرم الوجد نارها لكنها جذوة معدومة اللهب... أو جذوة محلتها كف قابسها

:وليمون كأنه بنادق من جلني، أودعت غلفا من العني خمافة العني لطخه العابث بالزعفران... يشبهه بيض الدجاج وقد

:ره مكنونةوزيتون شجرته ميمونة، وأسرار أنوا شهل وذات دعج... بدا لنا كأعني مسوده من سبج... خمضره زبرجد

:وخرنوب كقرن ظيب معطوف، أو هالل عاجله اخلسوف أصداف در ضمنها مرجان... وكأنه مذ الح يف أوراقه

:ونبق جلبابه معصفر كأنه كهربا أصفر قد علقت بالغصون... أو عدة من شنوف

:كهته مفتوتوزعرور كالياقوت، مسك ن أو خرز أخرطت من عقيق... جالجل خمضوبة عندما

وبأرضها الباقالء الذي فاح نشره، وصدق خرب خربه يربز له من الكمائم، نور حيكي بلق احلمائم، كأنه :لؤلؤ يقق، متلفع مبروط السرق أو خوامت من فضة، أو خمالب جوارح منقضة

لم ظفربأقماع حكت تق... فصوص زمرد يف غلف در :أعالم متيل مع الرياح، أو أكاليل على رؤوس الرماح. واخلشخاش الذي تضيء بنوره األغباش

رأيت مشلهم املنظوم منشورا... حبلى تضم أطيفاال إذا درجوا والكتان الذي رقت حواشي شققه وراقت حماسن أخضره وأزرقه، وامتدت رياطه وحربه، وتبلبلت أصداغه

:وطرره ذوائبه حىت يقال غدير... يه الرياح تتابعت إذا درجت ف

يسقى مباء واحد، ويبطل قول . وفيها من النبات ما يطول إليه بناين، ويقصر عن حصر وصف بعضه لسايناملعترض واجلاحد، ولعمري لقد بلغتين ما أملته من جالء قليب املعمود، وأذكرتين ما مل أكن ناسيا من فنائها

مؤذنة بالتالشي - وإن طاب جناها، وأوقفت النفوس على حلي من سناها -ا وبقاء جنة اخللود، فإهن " .قل متاع الدنيا قليل " والرحيل،

فلما قضيت منها وطري ثنيت عنها عنان نظري، ومضيت ذاكرا حماسن صفتها و موصوفها، شاكرا سرو :سرورها وعرف معروفها

يبسط يل عذراوقويل بالتقصري... وعذرا فإين يف الثناء مقصر

الفصل التاسع

يف الروض واألزهار

فسرت أحدق يف جوانب احلدائق، وصحبين من . جد يب الوجد يف إبان الربيع، إىل رؤية الغيث مبنازل الربيعفإذا أنا بروضة أريضة، عيون أزهارها مريضة، قد فاح أرجها، . الشوق وسائق، يتلوهن حاد وسائقوحسن تطريزها، وأبدت من زينتها ما هو باللطف منعوت، ونثرت على وأضاءت سرجها، وبرز إبريزها،

الزمرد أصناف الدر والياقوت، وحتلت مبا يروق إنسان كل إنسان وجتلت يف رفرف خضر وعبقري حسان، :أعلن السحاب أسرارها وهتك النسيم أستارها

عذارى حتلل أزرارها... كأن تفتحها بالضحى وهلا عيون جتري على الديباج ال على الصخر، يضوع . بل يف احلسن والفخرحكت اخلنساء ال يف احلزن

تنهار جداوهلا وأهنارها، . عرفها يف اآلفاق وال يضيع، ويبهر الطرف من صنع صنائعها كل زهر رفيع :ويضحك يف وجه من أم باهبا وأملها، ثغر نوارها

نقلن من السماء إىل الرياض... وما غربت جنوم الليل لكن :من ورد أمحر اإلهاب، عندمي اخلضابف

واللؤلؤ الرطب يف تفرجيه عرق... كالشمس شكال ونشر املسك رائحة الرياحني جنده، والشوك سنانه وسالحه، . ملك جليل، خمصوص بالتبجيل، رفيع اجلناب، خفيف الركاب

:والعقبان واملرجان قلبه وجناحه أجوافها ذهبعلى الزبرجد يف ... مداهن من يواقيت مركبة

:ومنه األبيض املذهب املفضض بدور يف مطالعها سعود... كأن وجوهه ملا توافت كما امحرت من اخلجل اخلدود... بياض يف جوانبه امحرار

:ومن نرجس باسم، عرفه ناسم على بياض يقق... كأمنا صفرته

من ورق يف ورق... أعشار جزء ذهبت خالص العني، قامت من الزبرجد على ساق، فهامت هبا قلوب له عيون هدهبا من جلني، وحدقها من

:العشاق

وأشبه الشيء هبا النرجس... وأحسن مايف الوجوه العيون ثغوره ضاحكة، . ومن يامسني جيلو البصر، كأنه أقراط من الدرر، حيفظ الذمام، وال ميل من طول املقام

:وحسنه آمن من املشاركة كخد عذراء مسه عض... والطرق احلمر يف جوانبه

:ومن نسرين، جوهر عقده مثني، درر على زبرجد، أو حقاق ورق فيها برادة عسجد زمردا يثمر بلورا... ما إن رأينا قط من قبله

كأنه مثل من الراح . ومن خالف، ليس يف طيب عرفه خالف، حكي القدود باهتزازه،ويصل وعده باجنازه :حست برحلة الشتاء، فقلبت فروهاوهو يومىء برأسه حنوه، وكأن غصونه أ

بعض الكالب فنفشت أذناهبا... والبان حتسبه سنانريا رأت :ومن بنفسج حسن لباسه، وطابت انفاسه

أوائل النار يف أطراف كربيت... كأنه وضعاف القضب حتمله :ندية وفصوص فريوزج نضيدة، أو آثار قرص خبد خريدة، أو حروف الزوردية، أو بقايا نقش يف راحة

أو أعني زرق كحلن بأمثد :ومن زعفران معطر اجليب واألردان

رؤوسها فاكتست من محرة العلق... كأنه ألسن احليات قد شدخت :أو بصيص رماد، أو ألفات كتبت بالذهب ال باملداد

مثل هدب معصفر من رداء... يتفرى عن قانيات حسان :ه، صفره السقام وعذبه، وغربه األمل وغربهومن لينوفر يألف املياه، طمعا يف دوام احليا

حتت الشماع أكاليل الطواويس... كأنه ودروع املاء تشمله خيفى بالليل ويظهر بالنهار، ويتكلم يف املاء . أو طرف باهت من الفراق يفرق، أو سابح ضعيف يعوم ويغرق

:بألسنة من النار مو يلحظها مبقلة مستها... حيب الشمس ال يبغي سواها

فنام لكي يراها يف املنام... إذا غابت تكنفها اشتياقا كأنه بقية خضاب يف كف رداح،أو . يرعى العهود، وال مييل إىل الصدور. ومن آس ما جلرح حمبه آس :نضال ساهم أعدت للكفاح

وصورته آذان خيل نوافر... حكى لونه أصداغ رمي معذر أو حلة خمضرة مفوفة، أو أطواق احلمام، أو . م يد مطرفةكأنه وش. إن وقت الري حان: ومن رحيان يقول

:سالسل سوالف الغالم وفيه لني أعطاف القوام ... له حسن العوارض حني تبدو

أبيضه وأمحره كثغر اجليب وخده، وأصفره . عطافه مؤتلفة، وألوانه خمتلفة. ومن منثور، منظوم جوهره منثور هنارا وجيود به ليال، وإالم يتستر وهو متهتك يف حب ليلى؟ كوجه من مين بإعراضه وصده، يبخل بشذاه

صبحا وينشرها يف ظلمة الغسق... كأنه عاشق يطوي صبابته من أزرق هبي امللبوس، وأبيض متيل . قائم على سوقه، ينتظر إياب معشوقه. ومن سوسن، تعاىل اهللا ما أحسن

:إىل ضوء صبحه النفوس فيها نقط من عنربقد خط ... كأنه مالعق من ورق

يا هلا حلة فاخرة، وحلية . يسكن املنازل العلية، ويرفل يف حلته الالزوردية. ومن خزامى، قدره ال يسامى :باهية باهرة

مهنا مبلك طري اهلواء... لو حواها الطاووس أصبح الشك .ومن أقحوان، مجع يف مفرده القمران

مار من الذهبقد أشرقت حول مس... كشمسة من جلني يف زبرجدة :ومن آذريون، أظهر القطر سره املكنون

من فوقه ذهب يف وسطه سبج... كأنه أغصانه فريوزج هبج :أو مسك يف جام من ذهب، أو فحم أحاط به اللهب

وعند غروب الشمس أزرار ديباج... تراه عيونا بالنهار نواظرا :ومن هبار، يبهر حبسنه األبصار من فضة محلت كؤوس عقار... كسواعد من سندس وأكفها

ومن شقيق، أين منه املرجان والعقيق؟ وكل واحدة يف صحنها خال... كأنه وجنات أربع مجعت

.ومن ومن ومن، إشارة فىت بالعجز عن احلصر قمنفلما تأملت حماسن هذه الروض األنيق، ونظرت إىل ما فيها من النبات بعني احلقيقة،شكرت أيادي صانعها،

وما قدروا اهللا حق : " يه وأثنيت على صائغها، وإن كنت ال أحصى ثناء عليه، وقلت تعظيما ألمرهوجلأت إلوانشرح صدري بالوقوف على مغانيها، وجاد فكري حيث جال يف معانيها، وامتأل قليب من نورها " . قدره

.نورا، وانقلبت إىل أهلي مسرورا

الفصل العاشر

يف وصف الغالم

يف بعض احلدائق، وحويل رفقة هذبتهم احلقائق، وحسنت منهم األخالق بني اخلالئق، مر بنا بينما أنا جالسغالم خيجل بدر التمام، من بين األتراك، الناصبني مصائد األشراك، بديع اجلمال، أين منه الغزالة والغزال؟

. غصون حياء منه باألوراقلطيف الشمائل، خيتال بني اخلمائل، متتد لرؤيته من الزهور األعناق، وتستتر ال

:وهو ممتط صهوة جواد أشهب، ال يبلغ البليغ حصر وصفه ولو أسهب خده األبيض اللجني مذهب... ساحر الطرف وافر الظرف أحوى

مذهب الوجد فيه أحسن مذهب... ال تلمين على اعتقادي هواه ب، فحصلنا من حضوره على املقصود، فتلقيناه بالترحاب، ودعوناه فأجا. فلما حاذى مثوانا، حيانا فأحيانا

فأطلت يف حماسنه نظري، وأجلت يف ذاته وصفاته فكري، فإذا له ذؤابة . وحتققنا أن يومنا مبشاهدته مشهودظلها وارف، وظالمها عاكف، تسلب العقول باألثيث . تذيب املهج، وتدرج يف حبائلها من دب ودرج

:ية العذب، غزيرة الفضل واألدبحندس. األثيل، وتسهر العيون يف ليلها الطويل على أحد دارت وقبلت األرضا... إذا ما تثىن للسالم مليكها

ووجه وسيم، تعرف فيه نضرة النعيم، يفوق سنا القمر، له خفري من اخلفر، رقيق البشرة، حتار عند إسفاره :السفرة، نزهة املشتاق، ومرآة لوجوه العشاق

على وجنة العاين من الدمع جعفر... حميا به املقتول حييا وكم له :وجبني، منقطع القرين، واضح كالصباح، صلت تصلت دونه بيض الصفاح

إن يف الليل والنهار عجائب... وتعجب لطرة وجبني :أو نونات يف صحف اللجني مسطورة. وحواجب، دم عاشقها مباح وقتله واجب، كأهنا قسي موتورة

شمس هلا حاجبوحاجب ال... قد وليت إمرة أمثاهلا وعيون يا هلا من عيون، قد مجعت بني املىن واملنون، تقتل وهي الهية، وتسكر وهي صاحية، وتصول وهي

:نفاثات يف العقد، ال يسلم من سحرها أحد. كانسة، وتسهر وهي ناعسة واجلفن منها مثل حظي أسود... حلظاهتا كم أرهفت من أبيض

بعيد من القطف، كأنه واو العطف، أو جيم حمكمة العوج، . جمربوصدغ معقرب، لكنه لرقيه السليم باب :أو منجل صيغ من سبج

من عيبه ما حال يل... صدغ أعاديه أبدوا من مل يصل للدوايل ... ذم العناقيد جهال

هبا ورد رحيه . ووجنات، حركت من اخلواطر السكنات، تغري اجللنار والتفاح، وتؤلف بني املاء والراح " .صبغة اهللا ومن أحسن من اهللا صبغة؟ " بلغة لألرواح

حبمرة ذلك اخلد النقي؟... ترى هل من طريق الجتماع :كأنه قرياط من عنرب، أو نقطة شقيق أمحر. وخال خال من العيب، ال شك يف حسنه وال ريب

وكان عهدي أن اخلال ال يرث... ورثته حبة القلب القتيل به كأنه مخل ديباج، أو منل دب يف . أنيق جيل عن التشبيه، سائل كدمع حمبيه. روعذار، طاب فيه خلع العذا

:عاج، أو بنفسج أو سوسان أو حاشية كتبت بقلم الرحيان فيه، والنفس مثل ما قيل خضرا... إن نفسي متيل حنو اخضرار

ر، وماء لسان ومرشف فائق، فيه ريق رائق، وثغر ماله من مثال، وألفاظ سحرها حالل، ونكهة نشرها معط :أحلى من السكر

وعن أقاح أو سنا الربق... يبسم عن در وعن جوهر :وجيد جداية، فيه ملنهاج احملبة أي هداية، أحسن به من تليل، حنر حنره طويل

قلدت ذاك اإلمث يف عنقي... لو جاد يل يوما بتعنيقه :وكف ندية، أرواحها ندية، رعبوبة بضة، سبائك أناملها من فضة

هلا على أهل اهلوى أيادي... ا حبذا من مالك احلسن يد يهتيج عليه البالبل، وتطري إليه القلوب ولو كانت . وقد قومي، ألطف من النسيم، مائل مائد، صائل صائد

:مقيدة بالسالسل، إن حضر بان البان، وغار من غريته يف الكثبان ذاك قواماطواال فأضحى بني ... أىب قصر األغصان مث رأى القنا

:وخصر رقيق احلاشية، معاقد بنده متالشية، حنيف حنيل، صحيح عليل ما أحسن املعدوم يف املوجود... يستر وجدان القبا معدومه

تصعب على الصب نبأته، وتثقل على . وردف مائج، نافر خارج، كثيب كثيف، كم له من أسري أسيف :اخلصر وطأته

ائجمن فرط جورك م... يا ردفه ها خصره ما أنت إال خارج... أحنلته بثقالة

:وسوق تسوق احملبني إىل العطب، ويضرم ماؤها اجلامد يف القلوب نارا ذات هلب مشى ففرجها يف جانب السوق... إن فرج العني يف بستان طلعته

علىاحلقيقة وكعبها . وأقدام مقدمة على أمثاهلا، مقبولة عند إدبارها وإقباهلا، حسنها ال يضاهى وال يشارك :كعب مبارك

أما تراها ترامت تلثم القدما؟... كل يذل له حىت ذوائبه وعليه من احللل الفاخرة، واملالبس امللونة الباهرة، ما خيجل من محرته وجه الشفق، وحيسد النهار بياضه

س حياء من اليقق، وختضع ألسوده الظلماء، وتغار من أزرقه السماء، وتعنو الرياض ألخضره، وتغيب الشم .أصفره

تبت غصون الربا محالة احلطب... محالة احللي والديباج قامته فمن سيف ماض . العالئق -كما يقال -وخبصره منطقة، مل تربج له معتنقة، تعوقها العوائق، وتثقلها

كناظره، وسهم نافذ كأوامره، وقوس كحاجبه، ومدى لتقصري مدى عائبه، وهي جتول يف أضيق جمال، :د بلسان احلالوتنش

وقاسيت حر النار وهي تفور... بروحي أفدي من ضربت من آجله أمل ترين شوقا عليه أدور... رشا ضاع ما بني الغالئل خصره

وأخذ ينادمنا بأفصح لسان، وجيلو لنا . فخاطبناه يف وضع السالح فوضعه، وسألناه يف رفع احلجاب فرفعه

والزهور . من جواهر لفظه النظيم، ولقد خلقنا اإلنسان يف أحسن تقوميعقائل أخالقه احلسان، وينثر علينا تضحك يف األكمام، والغصون ترقص على غناء احلمام، والنهر يصفق لتشبيب الريح يف آفاقه، والدوح

ينقطه بالدنانري من أوراقه، والعيون جتري بني أيدينا، والنسيم بطيب أنفاسه حييينا، والروض يفرش لنا بساط ياله منظرا ما أنضره، وسرورا ما أوفاه وأوفره، ويوما ما كان . دسه، وجيلسنا حىت على أحداق نرجسهسن

ومل نزل نتمتع منه بكل مطلوب، إىل . ملكنا فيه زمام التهاين، وحصلنا على األمان واألماين. أطيبه وأقصره، مث ودعنا وسار، وأودعنا الشوق أن آذنت الشمس بالغروب، فتأهب الغالم ملعاده، وعال على ظهر جواده

.واالدكار وتركنا نتقلب على تلهب النار

الفصل احلادي عشر

يف وصف اجلارية

تاقت نفسي إىل زيارة بعض اإلخوان، فسرت إليه مشمرا فضل األردان، يف ليلة مسا قدرها، وجتلى على . السماء بدرها

هر يل أنه متشوف إىل قادم، ومتشوق إىل حضور فلما وصلت إليه، وانتظمت يف سلك اجملتمعني لديه، ظفما . فكشفت اخلرب وتقمصت األثر، فقيل يل إنه واعد بعض احلسان، وهو منتظر إياب اإلحسان:منادم

أمتمت الكالم واتصلت من العلم إىل املرام، إال وقد أقبلت من الباب ، خود ختتلس األلباب، غادة رؤود يسرح الطرف يف . عدمية املثال، نشأت يف حجر الدالل. ا األرواحكاعب رداح، ترتاح هل. طفلة أملود

روض مجاهلا وينتزه، ومتحو بكثري حماسنها البديعة ذكر عزة، يف حليها وحللها متيد ومتيل، وباجلملة فهي بثينة .احلسن ألن وجهها مجيل

وأقبل . ها بورودهافوقفت واستأنست، مث سلمت وجلست، فسر اجلماعة بورودها، ومتلوا من جنة وجنتي :مين إقباهلم، وأنشد لسان حاهلم بالوصل ليال ومل حتذر من احلرس... أهال وسهال من غادة مسحت

فطرة الصبح متحو آية الغلس... ملا تبدت أضا الداجي، وال عجب رف فلما كشفت القناع، وصدق النظر السماع، تأملت أوصافها، وسربت مشائلها وأعطافها، فرأيت ما يش

فمن فرع نامي األوراق، مرسل لتعذيب . النظر ويشنف السمع، ويذيب القلوب على ناره ذوب الشمع :العشاق، جثل أسحم يتلوى كاألرقم، غدائره جممدة كالغدير، وضفائره مظفرة بقتل األسري

وكأنه ليل عليها مظلم... كأهنا فيه هنار ساطع يزين الآلىلء والدرر، ويستمد من ضوئه الشمس والقمر، .ووجه مشرق األنوار، حتج إىل كعبته األبصار

:يترقرق فيه ماء الصبا، وخيفي من ملعه بروق الظبا. مرآته صقيلة، ومعاين حسنه مجيلة وهو اجلدير بأن يكون معوذا... عوذت بالسور املنرية وجهها

:هوجبني واضح، حتن إليه اجلوارح، يتألأل مصباحه، ويتبلج يف ليل الطرة صباح كأن الثريا علقت يف جبينها... فتاة يسر القلب و الطرف حسنها

وحواجب تذيب املهج، وجتذب األرواح من قسيها بقبضة البلج كأهنا هالل حمين القوام، أو فخ نصب :لصيد أهل الغرام

ترى السحر منها قاب قوسني أو أدىن... إذا مشت حتت احلاجبني جفوهنا ن إليها صبا بلية، تسل السيوف، وترسل احلتوف، صحاح مراض، ليس وعيون بابلية، كم أوقعت مل

:لسهامها سوى القلوب أغراض لألسد يف وثباهتا و ثباهتا... هللا أي لواحظ غالبة

يزهو بورده . وخد كاجللنار، قد مجع بني املاء والنار، يشف الراح يف زجاجه، ويهتدي احلائر بنور سراجه :احملبني غري بري األمحر الطري، وأظنه من دم واشقويت منها خبد قاين... تركية للقان ينسب خدها

كأنه من الدائرة قطبها، ومن القلوب املتقلبة . وخال خيتال يف أحلى احللل، له من األقراط والشنوف خول :على نار حبها

أبوك فويلي من أبيك وخالك... فتنت خبال فوق خدك صانه فيه ماء مربد، وثغر جوهري صحاحه منضد، . يم اهلوى نعم الدرياقومرشف عذب األرياق، رضابه لسل

:ولعس يهيم به ذو الشوق، وشهد يشهد حبالوته الذوق لكنين أروي عن املسواك... وبه شراب مسكر ما ذاقته

:يطوف احللي بأركانه، وميلك الرق بورقه وعقيانه. وعنق كعنق رمي، در عقوده نظيم سوى منع احملب من العناق. ..وجيد جداية ال عيب فيه

إن ثنيتها مل جتد عندها عطفا . وهنود كالعاج، ملتحفة مبروط الديباج، رفيعة املنار، شغلت احللي أن يعار :ملرتاح، وإن لثمتها نشقت من الرمان عرف التفاح

برأسيهما نقطتا عنرب... كحقني من لب كافورة :ألفواه، مصافح باجلباه، فضي اإلهاب، مرقوم باخلضابوبنان رطيب، على مثله يدور اخلطيب، مقبل با

وأحلى املشبك من نقشها... فما أعذب السكب من أدمعي الرماح ختضع . كامل احلسن مهفهف، وافر الدال مثقف. وقوام يقيم احلروب، ويثري كر الكروب

:لديه،واألغصان تسجد بني يديه مسندا بعد مسندصحاح العوايل... وقد روت عن لينه واعتداله

:ليس فيه حظ للمجتين لو سألتها عنه لقالت فين. وخصر حنيل، يشكو من ردفها الثقيل فلم حتتج إىل عقد الوشاح... عيون الناظرين به أحاطت

:وأرداف كاألحقاف، وعدها موسوم باإلخالف، خارجة عن العادة، لكن فيها للمحبني احلسىن وزيادة بني النساء كما أبني قيامها... دها متشي بأرداف أبني قعو

:مشرقة النور، قصبها من بلور. وسوق مجد ماؤها، وهبر األعني ضياؤها .الحترقت من نار خلخاهلا... لو مل يكن من برد ساقها

:متشي كالقطا وال ختطىء قياس اخلطا. وأقدام هلا على الفتك إقدام ريث وال عجلمر السحابة، ال... كأن مشيتها من بيت جارهتا

فمن در مثني كثغرها، وبلور صاف كصدرها، . وعليها من احللي واحللل، ما يفنت العقول ويدهش املقلوسبج كأجفاهنا، وزمرذ كنقش بناهنا، وقميص رقيق احلواشي، . وعقيق كشفتيها، وياقوت كوجنتيها

:ومطرف حيار يف وصفه الناشي ا اسبكرت بني درع وجمولإذا م... إىل مثلها يرنو احلليم صبابة

فلما أنست بالقوم، كفت عنها لسان اللوم، وظهرت عن خلق وسيم، وطباع ألطف من النسيم، ومنادمة تطرب األمساع، ومداعبة ما الصرب عنها مبستطاع، وملح ألذ من الزالل، وحديث لو مل جين قتل احملب لقيل

.هو السحر احلالل مل جين قتل املسلم املتحرز... ه وحديثها السحر احلالل لو أن

ود احملدث أهنا مل توجز... إن طال مل ميلل، وإن هي أوجزت وعرف الطيب يفوح، وأعالم اهلناء تلوح، ومشل الضد . والسعد يطلع جنمه، والشمع واقف يف اخلدمة

ها، وطلعت حارقة يا له ليلة حمي ظالمها ونور األفق ابتسامها، وحليت عروس. مفرق، والعود حيرك وحيرق .مل ير فيها ما يشني ويعيب، سوى أهنا أقصر من جلسة اخلطيب. للعادة مشوسها

ومل نزل يف بشر وافر،وسرور متواتر، جنتلي وجوه األفراح املتتابعة، وجنتين من الوصل مثاره اليانعة، إىل أن وأمرت بإحضار اإلزار فعزمت اجلارية على الذهاب،. صاح العترفان، وال يف املشرق ذنب السرحان

:فقمنا إىل موقف الوداع، وتشتت الشمل بعد االجتماع. والنقاب فأنفقت الذخرية حني ساروا... وكان الدمع يل ذخرا معدا

الفصل الثاين عشر

يف الشمعة والنار

اشي جلست مع بعض األصحاب، يف ليلة حالكة اجللباب، ماؤها جامد، وهواؤها بارد، وطلها متناثر، واملجنري ذكر أهل الرباعة، ونعد مناقب فرسان أهل الرياعة، ونورد أخبار أرباب اللسن، . هبا يف ذيله عاثر

:ونروي عنهم كل حديث حسن شرك النفوس وعقلة األحداق... قوم هبم شرف الزمان، كالمهم

أبدا على مر الليايل باقي... أشخاص صرفت، ولكن ذكرهم احملاضرة، وحنقق النظر يف وجوهها الناضرة، والليل قد روق، وشراب املنادمة فبينا حنن جنول يف ميدان

مروق، حملت يف اجمللس مشعة، وقفت يف اخلدمة وأجرت الدمعة، جسمها حنيل، وحمياها مجيل، قامتها قومية،

:كاسية عارية، ختجل بضوئها اجلارية. حترقها أنفاسها، ويوبقها نرباسها. ودرة تاجها يتيمة حتكي لنا قد األسل... فتولة جمدولة م

والنار فيها كاألجل... كأهنا عمر الفىت أو نبل نصله ذهب، أو حية لساهنا هلب، أو وردة على قضيب، أو حمب أسهره بعد احلبيب، أو لينوفرة، أو

:سبيكة معصفرة، أو غرة يف وجه أدهم السدف، أو كوكب أرخى ذؤابته مث وقف فكلما حجبت قامت حتاكيها... سدة أو ضرة خلقت للشمس حا

خيوض يف جلة الدمع طرفها القريح، وتلعب بلهب قلبها اجلريح يد الريح، فتطلعه جنما، وترسله سهما، وحتركه لسانا، وتنشره طيلسانا، وتضربه دينارا، وتصريه جلنارا، وتصوره سوسنا،وتصوغه إكليال تربه ذو

وتنصبه أذن جواد نافر، وترفعه كالسنان، وتقيمه أمنلة يف بنان، وتبسطه سنا، وتعطفه كاهلالل السافر، واستمرت مولعة بشخصها، . كاملنديل، ومتيله سلسلة قنديل، وختطه ألفا مستقيما، وترمسه نونا أو جيما

:ساعية يف نقضها و نقصها، حىت فين عمرها، وانفصل أمرها، واحنل عقدها، وعز على اجلماعة فقدها وأعيا دواء املوت كل طبيب... د فارق الناس األحبة قبلنا وق

وكان يف اجمللس كانون، يلقي فيه العود بغري قانون، يضم نارا ذات هلب، له شرر شذره من ذهب، مهتها فاكهتها يف الشتاء حمبوبة، . تعلو على الرماح يف املواكب، وتزاحم الكواكب باملناكب. علية، ومرآهتا جلية

:لالصطالء منصوبة، وهي بقضيب األبنوس ال جبزل الغضا مشبوبة وأعالمها رقصت يف غاللة محراء ... كلما رفرف النسيم عليها

كأهنا سبج على مرجان، أو زجنية بكفها كرة عقيان، أو مشس حمجوبة بالغمام، أو ورد تبسم من خالل :الكمام

ميوج حتت العثري... أو أشقر مطهم وجنتها بالعنرب... أو غادة قد ضمخت

يهتم هبا أقوام، هم واسطة عقد األنام، كرمية أحساهبم، مفتوحة للوفود أبواهبم، ميتطون ذروة كل حمبوك :القرا ويبسطون موائد الفوائد والقرى

من النار يف الظلماء ألوية محرا... إذا ضل عنهم ضيفهم رفعوا له لظى مجرها، وغاض ماء شررها وشرها، واضطجعت يف فلم تزل تضطرم، وتستعر وحتتدم، إىل أن مخد

:مهادها، حتكي حتت غطاء رمادها عليه من ريشهن منشور... دما جرى من فواخت ذحبت

فراقين ما شاهدت من حاهلما، وأمعنت النظر يف منقلبهما ومآهلما، وقمت من شكر املنعم بأداء الفرض، مع -مث إن الصحب مالوا إىل الكرى، وطال عليهم " ألرض اهللا نور السموات وا: " وقلت بلسان التعظيم

شقة السرى، فوثبنا القتفاء أثر ما تقر عني اهلاجع، وسألنا احلي القيوم أن جيعلنا من الذين - كوهنم جلوسا .تتجاىف جنوهبم عن املضاجع

الفصل الثالث عشر

يف مدح العشق وذمه

الساهرين يف الليل الطويل الذوائب، - هام الصبابة واجلوى سألين بعض املائلني إىل اهلوى، املصابني بسعن مراتب العشق وضروبه، وقبائل احلب وشعوبه، -الذين صرفوا على احملبة حبات قلوهبم الذوائب

وهزله وجده، وجزره ومده، وشواهد شهده ومسه، وما قيل يف مدحه وذمه، فأجبته إىل سؤاله، ومجعت بينه :وبني آماله خبري أجل عندي بأوصافها علم... صفها فأنت بوصفها يقولون يل

يا هذا إن أول العشق استحسان من يالئم الطبع من اجلواري والغلمان، حتدث منه إرادة القرب واملودة، مث فإذا استحكمت احملبة يف القلوب، عادت هوى يهوي بصاحبه . يقوى الود فيكون حبا ال ميكن القلب رده

، مث يصري عشقا مث تتيما مث يرجع وهلا على العقول خميما، وهو طمع يف القلوب يتولد، يف اختيار احملبوبخيفى عن األبصار، ويهيج باللجاج والتذكار، كامن كالنار يف احلجر، . يعظم باحلرص على الطلب ويتأكد

:إن قدحته أورى، وإن سقيته أخرج نورا. والزهر يف الشجر فإذا حتكم صار شغال شاغال.. .العشق أول ما يكون جمانة

. فأما أوصافه املمدوحة فإنه جليس ممتع مبشاهدته، وأليف مؤنس مبنادمته، مسالكه لطيفة، وممالكه شريفةتستضيء به نواظر العقول، ويفعل يف الشمائل ماال تفعله الشمول، ويتصل جبواهر . برق المع، ونور ساطع

ل يف الروح،وارتياح يغدو يف القلب ويروح، وسانح ينشر من النفوس، فيزيل عنها لبوس البوس، فرح جيو :البشر ما انطوى، وسرور ينساب يف أجزاء القوى

فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا... إذا أنت مل تطرب ومل تدر ما اهلوى يولد األخالق اجلميلة، ويرغب يف اكتساب الفضيلة، . يطلق اللسان، ويشجع اجلبان، ويصفي األذهان

يلطف الطباع ويشنف األمساع، . فتح للبليد باب احليلة، ويرفع لواء اهلمم، ويبعث على احلزم والكرمويويدعو إىل حتسني اللباس، ويستعمل بالرياضة أهل الشماس، ال يقع فيه إال من قليب قلبه صايف، وال يسلم

:منه إال كل جلف جايف الغرام له أهلشهيدا وإال ف... فإن شئت أن حتيا سعيدا فمت به

. هزله جد وراحته تعب، وأوله لعب وآخره عطب. فإنه ملك قاهر، وحاكم جائر: وأما أوصافه املذمومةيعتري النفوس العاطلة والقلوب الفارغة، ويكسف من اآلراء مشوسها البازغة، ويسوق إىل وليه غمام الغم،

ويضعف اجللد، ترتعد منه الفرائص، يذهب العقل، وميرض اجلسد، ويقوي الفكر. ويهيم يف وادي اهلم :يستعبد األحرار، ويستأثر ذوي األقدار، ويصفر األبدان، ويوقع يف الذل واهلوان. وتتقد به نار النقائص

فالقيت منه عذابا مهينا... وكنت أظن اهلوى هينا الشتغال بالعلوم يورث األسف واحلرق، وجيلب الوسواس واألرق، وجيدد مالبس الوجد واألمل، ومينع عن ا

حيالف أرباب الشبهات، ويستخدمهم يف تدبري الشهوات، ويعطل عن املصاحل، وجيرح مبديته . واحلكم

من جنده الغرام والكلف، ومن رفده اهليام والشغف، يعوق الطالب عن االستفادة، ويشغل . اجلوارح :ىن من املنونجان يفضي إىل اجلنون، ويدين أهل امل. اإلنسان عما خلق له من العبادة

ولكن بقاء العاشقني عجيب ... وما عجب موت احملبني يف اهلوى

رياحه تنشىء سحائب الفكر، ومرآته جتلو . واعلم، وقاك اهللا شر الشرر، أن أقوى أسباب العشق النظركم سلب النظر قلب . فاتق النظرة، فإهنا تزرع حب حب ينبت سنبل احلسرة. على القلب حماسن الصور

بد، وفنت عقل ناسك، وحل عقد زاهد، وأجرى آفة، وقرن ذال مبخافة، وأثار غبار معركة، وألقى شهما عاإىل التهلكة، وأقام حربا على ساق، وسفك الدماء وأراق، وأوقع يف مصائد املصائب، وهشم العظام بأنياب

:النوائب فإين من عيين أتيت، ومن قليب... فمن كان يؤتى من عدو وحاسد

فأما . اسلك سبيل السالمة، لتصل إىل دار الكرامة، واقطع أسباب املطامع، واشتغل عن املصنوع بالصانعفوأما من خاف " من آثر اللذات فقد تورط يف حبائل البلوى، وانتهى من حرم احلرمان إىل الغاية القصوى

" .مقام ربه وهنى النفس عن اهلوى، فإن اجلنة هي املأوى

شرالفصل الرابع ع

يف الفراق

وقد اجترى واجترح، وأذهب - مجع اهللا الشمل مبحياك، ورعى ودك على بعد املزار وحياك - الفراق املسرة والفرح ، وضيق رحب الفضا، وقلب القلب على مجر الغضا، وأورث الكمد، وأذاب جليد اجللد،

:العبث باألقالم وجال، ونثر عقود االحتمال، وأوجد الوجد واهليام وأحوج الصب إىل. وجاب تزيد بكائي أو تقل هجوعي... كتبت وعندي من فراقك لوعة إذا كنت ترثي يف اهلوى خلضوعي... فلو أبصرت عيناك حايل كاتبا

تعديت سطرا رملته دموعي... أخط وداعي الشوق ميلي، وكلما وع وصبابة صبت النفس يا هلا لوعة أسعرت وقد الضلوع، ومالت إىل الصرب فأذوت منه األصول والفر

إليها، ووقفت المتثال األمر طائعة بني يديها، وغراما يالزم غرمي الفؤاد، ويتكلم من الدموع بألسنة حداد، :وشوقا إىل تلك الليايل املستنرية، واأليام اليت تطول الشرح يف وصف حماسنها وإن كانت قصرية

من وصلك الغرضا والدهر يقضي لنا... حيث اللقا والنوى حل ومرحتل فعنك، ما دمت حيا، مل أجد عوضا... لئن تعوضت عين غري مكترث

:إىل اهللا أشكو جور أحباب، ال شك يف ظلمهم وال ارتياب يا ليتهم يوم النوى لو ودعوا... ساروا وسر الوجد قليب أودعوا

:نيأفديهم غائبني أطالوا شقة البني، ونازحني سكنوا القلب حني غابوا عن الع

نزلوا، وما راعوا ولكن روعوا... رحلوا عن األوطان لكن يف احلشا كيف العمل؟عز االحتيال، هل من طريق إىل منزلة الوصال؟

جاروا علي فدلين ما أصنع؟... يا صاح إن ظباء جريان النقا :أحسن هبم ظباء غري أوانس، كم أسهرت العشاق عيوهنم النواعس

يتلفتون إذا نفارا أوقعوا... ثلهم نفروا وما التفتوا وعادة م :أيها املغرم باللوم والتفنيد، ال تتعب نفسك فيما ال جيدي وال يفيد

أمسيت كاسات األسى أجترع... قسما هبم مايل غىن عنهم ولو .كف كف العذل والتأنيب، فلست أحول عنهم ولو براين النحيب

يف اهلوى أو ضيعواحفظوا عهودي ... وأنا املقيم على حمبتهم وإن نعم أقيم على الود واحملبة، وأرعى رب اخلال ولو اشترى قلبه حببة، وأحفظ زمام الذمام، وأصرب يف هاجرة اهلجر على األوام وأتعلل بلعل وعسى، وأحتمل مشقة آسي جرح األسى، وأتعلق بأذيال ضيف الطيف،

:وأتشبت بأن أوقات الفراق سحابة صيف عن أهلها أبكي ما قد جرى... مسائال وأطوف يف تلك الديار

بنضارها املبدول قد أثرى الثرى ... هللا بعد البعد محر مدامع

وقد علم اهللا أن يوم النوى،أضعف بناء جسدي باهلوى فهوى، وأحال صبغة حايل، وسقاين كأس بعد مذاقها اهلموم، والطرف موكل برعي القلب مأوى. غري حايل، فعدت ذا سكر دائم، وعناء حتل دونه عقد العزائم

النجوم، والكآبة يف اخلاطر خاطرة، والعني إىل حنو الطريق ناظرة، وأسياف الضىن جترح اجلوارح، وسهام وال أرد املاء النمري إال . ال أعرف لذة الوسن، وال أمل من السري يف حزن احلزن. اجلوى جتنح إىل اجلوانح

يف خلدي شرحت له صدرا، وإن دعاين الذكر اجلميل مرة لبيته إن مر الفكر.ويلفحه من كبدي حر السعريولوال رجاء العود واإلياب، النفصمت من قوى حياة العليل عرا األسباب، فتبا أليام الصد . عشرا

والقطيعة، وسقيا ألوقات كانت على رغم العدا مطيعة، حيث األوطان عامرة، ووجوه األوطار ناضرة، :وصلة األحباب عائدة وأغصان العيش مائدة،

ويعمنا منها سنا وسناء... وسعاد تسعدنا بروضات الرضا فلفقده أنا واخلالل سواء... هلفي على ذاك الزمان وطيبه

روحي وما ملكت يداي فداء... أمبشري برجوعه لك عن رضا بأهل وداده، ونصرة واهللا املسؤول يف بلوغ األماين، وإباحة ممنوع التالقي والتداين، واجتماع املشوق

" .وهو على مجعهم إذا يشاء قدير " ، " نعم املوىل ونعم املصري " املظلوم على أعدائه وحساده، فإنه

الفصل اخلامس عشر

يف االستعطاف

أيها املعرض اهلاجر، الذي سعى لصده دمع صبه على احملاجر، رفقا مبن ملك الوجد قياده، وعطفأ على من متيم أقلقه فرط صدودك، ومغرم أغراه حببك قول حسودك، وسقيم ال شفاء له دون أذاب الشوق فؤاده،

إالم هذا التنائي والنفور؟ وعالم ياذا القد العادل جتور؟ . مزارك، ومقيم على عهدك ولو طالت مدة نفارك .ربلقد تضاعف األسف واألسى، وتطاول التعلل بعل وعسى، وفين حاصل الصرب ومل يبق إال املقابلة باجل

ومل أكن أذنبت فيما مضى... هبين ختطيت إىل ذلة توجب يل منك مجيل الرضى؟... أليس يل من بعدها حرمة

ولت ألوذ إال بباب نعمك، وال أعتمد يف حمو . نعم يل حرمة وذمام، وسابق خدمة توجب رفع املالل واملالمم جرم يطرد غراب ليله باز وما جل ذنب يضاف إىل صفحك، والعظ. اإلساءة إال على حلمك وكرمك

ومثلك من يسد اخللل، ويغفر اخلطأ واخلطل، ويقيل العثرات، ويتجاوز عن اهلفوات، وميح بالعفو . صبحكتفضال، ويزيل القبض عن بسط العذر متطوال، فال ختدش وجه رضاك بالغضب، وال جتمع ملن أسره التفريق

جا والضحى من فرعك وفرقك، وأذقه أري وصالك، بني العتب والتعب، ورق على عبدك رقك، وأره الد .كما جرعته شري انفصالك

تزول وأن ودك ال يزول... وكنت اظن أن جبال رضوى وحاالت ابن آدم تستحيل... ولكن القلوب هلا انقالب

طاملا آنستين بقربك، ودنوت مين مفارقا ظباء سربك، واعتنيت بأمري، وأمخدت برضاب ثغرك مجري، وعودي، وأطلعت جنوم سعودي، وأطلت سروري وابتهاجي، وأصلحت بشراب وصلك مزاجي، وأجنزت

.وجلوت طريف مبحاسن طلعتك، وأرويت ظمئي بالعذب الفرات من شرعتك ووجهك من ماء البشاشة يقطر... وكنت إذا ما جئت أدنيت جملسي

إيل هبا يف سالف الدهر تنظر... فمن يل بالعني اليت كنت مرة ملي عن سواك، وهبرت ناظري بنظرة سناك، وضاقت بعدك علي املسالك، وغدت مطاليب حمفوفة قيدت أ

أجول حول الديار، وأعوم يف حبر . باملهالك، وكسرت جيش قراري، وتركتين ال أفرق بني ليلي وهناري؟ وإذا أما علمت أن الكرمي إذا قدر غفر. األفكار، وأمتسك بعطف عطفك، وأتعلق بأذيال مكارمك ولطفك

صدرت عن عبده زلة أسبل عليها رداء العفو وستر، وأن شفيع املذنب إقراره، ورفض خطيئته عند مواله .ومن أبدى باعترافه احلجة، فقد استوجب أن يسلك يف مساحته أوضح احملجة. استغفاره

فعذري إقراري بأن ليس يل عذر... ومن كان ذا عذر لديك وحجة ك سلف، وأوقات حلت مث خلت وأورثت التلف، وزمان وىل جمانبا، وحبيب هلفي على عيش بسالف حديث

:ذهب مغاضبا، واها أليام بطيب أنسك مضت، وبروق ليال لوال قربك ما أومضت رحلت وباألسف املربح عوضت... ما كنت أعرف يف اهلوى مقدارها

وهي اليت، بالبعد، قليب أمرضت ... كيف السبيل إىل إعادة مثلها؟

ىل كم أموه وأغالط، وأجاهد يف سبيل الصرب وأرابط، وأكلف اللسان مكابدة محل الكتمان، وأسر من إأتكتم رائحة الطال؟ وهل خيفى على ذوي األبصار ابن جال؟ لقد برح . الصبابة ما أعلنه دمع األجفان

زدت يف اهلجر اخلفاء، وأطلت يا رقيق احلاشية شقة اجلفاء، وأمشت األعادي، ومددت ظل التمادي، وفجد بالتداين، وامسح بنيل األماين، وارحم واهلا وأبدت ظلمة . والبعاد، وكلمت القلب بألسنة الصعاد

وألن قلبك القاسي، وعد عن التنائي والتناسي، . الفراق فرقه، وتصدق على مدنف سائل دمعه يقبل الصدقة. منهاج املعدلة، وسلم فقد أخذت حقها املسألةوارع الود القدمي، وأبدل شقاء حمبك بالنعيم، وال تعدل عن

" .إن العهد كان مسؤوال " واغمد سيف حيف صريته مسلوال، وأوف بالعهد

الفصل السادس عشر

يف جملس الشراب

غزير الفضل واآلداب، كثري اللهج بذكر جمالس الشراب، وكان يود . كان يل صديق مغرى بشرب الرحيقفأتاين حينا من األحيان، يدعوين إىل جملس بعض األعيان، . مما يود قصده حضوري عنده، وأنا ال أبلغه

أجل أيها : فقال. وألزمين بأن أحالفه، مقيما على أال أخالفه، فأجبت إىل احملاضرة، مشترطا عدم املعاقرة :لفلما آنس قدوم الليل، آب يسحب سحائب الذيل، وهو يقو. األجل، وسآتيك إذا هزم النهار واضمحل

ويثبت العيش الرغد... يا من به ينفى الكمد ينجز حر ما وعد... جد بالوفا قد آن أن

فاخترقنا أستارها، . فمضيت صحبته إىل دار، جرى هبا فلك السعد ودار، عالية اجلناب، رفيعة القباب .واجتلينا أقمارها، حىت انتهينا إىل جملس فسيح، قدح الفائز بأقداحه غري منيح

إال ترمن ألسن العيدان... اآلذان يف جنباته ال تسمع وبكاء راووق وضحك قناين... أو صوت تصفيق اجلليس ونقره

إن . حاشيتهم أرق من النسيم، ومزاج كاساهتم من تسنيم. يشتمل على ندمان، ال يسمح مبثلهم الزمان .نظموا أودعوا أصداف املسامع درا، وإن نثروا نفثوا يف عقد العقول سحرا

وأوجبو لرضيع الكأس ما جيب... تنازعوا درة الصهباء بينهم وال يريبك من أخالقهم ريب... ال حيفظون على النشوان زلته

كم فيهم ذو وجه مجيل، وده صحيح وجفنه . بينهم سقاة حسنت صفاهتم، وتكفلت باإلنصاف كفاهتمويسقي بطرفه أضعاف ما يسقي تنعطف األغصان سجدا لعطفه،. مسهري القوام، جوهري الكالم. عليل :بكفه

بان النقا وريقه... ساق غدا حيكيه من ل مخره وريقه... واظمئي وكالزال

النور ضمن إزارها، ومعدن . أيديهم أقداح، تفتح أبواب األفراح، ومالكها ملوك أكاسرة على األسرة

:تعدل وهي جائرة، وتنشد وهي دائرة. الذهب يف قرارها بأقداحها واعكف على لذة الشرب... حات واقدح مسرة صل الراح بالرا

أكف غدت تستغفر اهللا للذنب... وال ختش من ذنب فأوراق كرمها حتكي . كم أصلحت فساد مزاج، وأوضحت منهاج ابتهاج. وأباريق تسجد لرهبا، وتقبل األرض لدى صبها

:إوزا معوجة الرقاب، أو ظباء أشرفن من ذرى اهلضاب واإلمث يلثم ثغره املنعوتا... يق عند ركوعه وكأمنا اإلبر

ملا أسف تناول الياقوتا... طري مبنقار له من لؤلؤ تبعث على احلماسة والسماحة، وتتعب . وأكواب مصفرة األثواب، تغين عن املصباح، وهتدي ريح التفاح

:سوق ساقيها القلب وهي يف راحة سكوباملا أباحت مخرها امل... هللا أكواب مهومي حرمت

أوردته يا صاح فاملس كوبا... نار ومل حترق، وإن أنكرت ما حتمد عند الصبوح والغبوق، . ثغورها بامسة، ومناهلها ملادة األسى حامسة. وكؤوس تسر حبسنها النفوس

.وتشرح الصدور يف حاليت الغروب والشروق كأس برؤيتها نفى عنا العنا... ولرب ساق حمسن يف كفه

شبك الآليل كي يصيد لنا اهلنا... س يربح ناصبا وعلى ذراها لييشنفن األمساع، . هلن أصوات، توقظ أعني اللذات. وينطوي على قيان، ينشدن البديع من سحر البيان

:ويتقن أجناس اإليقاع زمان الذي حيظى هبن وسيم... قيان حكني البدر حسنا وهبجة

هشيم فمعبد والغريض... إذا هن ألقني الغناء مبجلس

وافر األدب . دبيقي املالبس، عقيقي القالنس. وبه مشع يدهش األبصار، وحيىي ما مات من ضوء النهار :واهلمة، ال يربح واقفا يف اخلدمة

بكت وأنت فالح املاء واللهب... من كل هيفاء هتوى الشمس رؤيتها كحية من جلني رأسها ذهب... جتلى على السراب يف ثوب هلا يقق

فمن خرطوم، ختفي بدر حباهبا النجوم، ومشول . أنواع من الشراب، تلمع يف أوانيها كلمع السرابوفيه . ومشعشة منازل كواكبها مرتفعة، وعاتق تقدم عصرها، وخف على الندمي أمرها. تشمل القوم بالقبول

:ومها دانيةوخابية حانية، قطوف كر مدام وإسفنط سالف وجريال... وطوس وقنديل عقار وقرقف

كميت، مشوس،خندريس وسلسال... طال وسباء واحلميا وقهوة وعود حيرق . ومسموع ومشموم، ومشروب ومطعوم. إىل غري ذلك من روح ورحيان، وحماسن وإحسان

ينشد، ومب وزير، وجنة وحرير، وقريض ينشد، وعرف ضائع ال. وحيرك، ومسك يف الصحاف يفتت ويفرك

:وزهور ومزاهر، وملح ونوادر، وفاكهة مما يتخريون، وحلم طري مما يشتهون يف جملس اللهو حيث اخلصم مغلوب... أيا ندميي لو شاهدت وقفتنا

والزق يذبح والراووق مصلوب... والدف والدن مضروب ومنكسر التفصيل، وكاد ثقيل الطرب يستخفين لوال عناية امللك وباجلملة فإين عاينت من التفضيل، ما يغين عن

مث نظرت وإذا أمر القوم قد اضطرب، والعترفان خيرب عن ذنب السرحان حبسن املنقلب، فأشرت . اجلليلوانصرفنا، . فقام يهتز من السكر اهتزاز األفنان. إىل صاحيب بالنقلة، وعرفته أن الليل قد عزم على الرحلة

فجلست معرضا عن . فلما صرنا إىل البيت، خر صعقا كامليت. وهو ميشي كالفرزانوأنا أمشي كالرخ مث إين . الكرى، متفكرا فيما قد جرى، الئما نفسي على اتباع اهلوى، ذاما هلا على معاشرة من ضل وغوى

يت ال باملتاب، وآل -كما قال احلريري - ملت إىل االستغفار، وسألت العفو من العزيز الغفار، ولذت .جمالس الشراب -ما دمت حيا -أحضر

الفصل السابع عشر

يف الشيب واخلضاب

يامن وعظه الشيب، جاءك النذير : فقلت. رأيت بعض مشايخ األصحاب، وهو يتعاطى ما يتعاطاه الشبابنأت الغرابيب السود، ودنت البزاة واثبة . بال ريب، فاصرف عني العيب، واق عامل الشهادة والغيب

ورمي فاحم الفود بضده، واشتعل املبيض يف . وظهرت غرة القمر، وأومض الربق يف ليل الشعر. سودكاألومظنه الوقار، ومشرق . قدم رائد اهلداية، وزائد الغواية، وطليعة العفاف، وذريعة اإلنصاف. مسوده :فخل اخلالل اجلانية عليك، وأحسن كما أحسن اهللا إليك. األنوار

ضحكت يف خالهلا األزهار... إذا ما إمنا حتسن الرياض من كرب .من ملع ضوء فرعه، تفرق مشل مجعه . من عذل شبابه ويل مصابه. من شباب عذاره مل تقبل أعذاره

ذوى عوده، وغابت سعوده، وأفل جنمه، ووهن عظمه، وضعف بعد القوة جسمه، ومخدت منه األنفاس، :عنه ظباء الكناس

كان له شيبه فذالك ...لو كان عمر الفىت حسابا يامن أدركه املشيب، اترك الغزل والنسيب، إرجع إىل اهللا من قريب، ولذ باملتاب واعدل عن اخلضاب،

وال تطمع بوصل احلسان، واكتب هلن تسرحيا بإحسان، . واخش نصول الفضول، ودع من يزور مث يزول .واحذر منهن العدو األزرق، واسبق إىل منعهن من قبل أن تسبق

ال جيتمعن مع الصباح إذا بدا... ر الكواعب أهنن كواكب عذياهذا أنت ناصح أمني، أم ذابح بغري سكني؟ نكست األعالم . لقد جئت شيئا فريا: فنظر إيل مليا، وقال

عفا اهللا عما " وفتنت األحالم، وفخمت الوعيد، وجلت يف ميدان التهديد، وآثرت نريان التلف، ودثرت :مام الغم، ومدحت ما يستحق الذم، وأدنيت غ" سلف

أبيض بارد قليل املقام... ما رأينا املشيب إال كثلج واها له من زائر يظهر العدل وهو جائر، يأيت من الشهب على كل ضامر، وخيرب من األعمار كل عامر،

. قناع ينغص لذة الرفاق، وساع يطوف حبرم الفرا. وال يرجى لسليبه عوض، وال يقضي لصاحبه غرض :معلول ال يعتين حبفظ ميثاقه، ورسول معجزته اخلوف من اجتماعه، والفرق من فراقه

ولكنه يف القلب أسود أسفع ... له منظر يف العني أبيض ناصع

يبلي اجلديد، ويصيد الصنديد، ويعتدي على الشباب، ويفرق بني . غرة مرة، ونور ليس معه مسرةرفعت عند نصحك مقداره، ونفيت قاره . ان فساد الكوناألصحاب، ويسود بياضه اللون، وهو عنو

:وأثبت وقاره ومن خلفه شيب وقدامه شيب... وأي وقار المرىء عري الصبا

. مث إنك رثيت وما رثيت، ومريض املشيب عن معاجلة اخلضاب هنيت، وأطلت التعنيف، وأكثرت األراجيف :أما مسعت قول الوراق. طت شقة الشقاقوسقت الشائب إىل رمسه، ومنعته من التصرف يف نفسه، وبس

والشيب ضيفك فاقره خبضاب... للضيف أن يقرى ويعرف حقه إالم خيتفي الزامر ويتستر؟ وحتام يكتم الكتم شيئا بعد ثالث يظهر؟ وهل يرد التمويه ما مضى؟ : فقلت له

أو خيمد ماء الصبغ مجر الغضى؟ ن اخلضابأدل على املشيب م... تستر باخلضاب، وأي شيء

:قد أطلت املالم، وأثخنت القلب بكالم الكالم، ونشرت رداء الرد، وزاد سيف عدلك يف احلد: فقال يبلى القميص وفيه عرف املندل... ملع املشيب، وبعد عندي صبوة

لكن الفطام صعب، وكل . يا هذا إين ألعلم أن اخلرق يتسع على الراقع، وأن التمادي يف التصايب سم ناقعوهي إىل حضرة اخلضرة . ال ميكنه رأب الشعب، وترك منصب اإلمارة، شديد على النفس األمارةأحد

:متيل، وعلى اهللا قصد السبيل رجاء أن يعود يل الشباب... لعمرك ما خضبت بياض شييب

عقول ذوي املشيب فال تصاب... ولكين خشيت يراد مين اخللل، وأتوكل عليه إنه جواد كرمي، وأتوب إليه إنه هو وأنا أستغفر اهللا من الزلل، واستعني به على سد

.التواب الرحيم ؟

الفصل الثامن عشر

يف اخليل واإلبل

فرحب يب . فلبيت مناديه، وميمت يف املال ناديه. وفد علي يوما ذو ألوك، يدعوين إىل حضرة بعض امللوكالعتاق، وأتبعها بالنجائب من النياق، عرض يل أن أعرض : مث قال يل. على عادته، وقرب جملسي من وسادته

.فأحببت حضورك، وقصدت نزهتك وسرورك: فما استتم املقال إال والنجائب تقاد بأيدي الرجال. فشكرت فيض فضله، ودعوت بتوفري خيله ورجلهطرف حيار الطرف يف حسنه، ويرى الناظر شخصه يف . فمن أشهب يقق، إن طلب حلق، وإن طلب سبق

له " الغرباء " وال تعلق " اخلطار " الخيطر معه . بعيد املنار واملنال، طلعته الفجر وسرجه اهلالل. مرآة متنه .يهدي فارسه من حافره بسنا السنابك، ويغتدي عند امتطاء صهوته من الذين ينظرون على األرائك. بغبار

بناصيتها اخلري، ينساب يسبق السيل يف السري، معقود . ومن أدهم غربيب، ال يعلم أجنوب هو أم جنيبوزاحم النكباء باملناكب، يسلب العقول " زاد الركب " زاد على . كالثعبان، وينعطف انعطاف السرحان

.حبسن دسيعه وتليله وخيطف األبصار برق غرته وحتجيلهعلى الراح حتكيه يف لباسه، والرياح ال تقدم . ومن أشقر خلوقي اجللباب، ألبسه األصيل حلة تفنت األلباب

جماراته لباسه، متقلد بالذهب، متقلب يف اللهب، يشفق من مناظرته الشفق، ويسرق من لني شعره السرق، .مث يعوج متهكما عليه" أعوج " ينقص الزائد لديه، ويفوت

أسيل اخلدين، بارز النهدين، عندمي اللباس، حيول بني الظباء . ومن كميت طاب عرفه، واسود ذنبه وعرفهجيد السري يف حزن . ن وثب أحلق العنان بالعنان، وإن وقف عاينت كل عضو منه وردة كالدهانوالكناس، إ

.الفالة وسهلها، ويرد الوديعة حممولة إىل أهلها. ومن أصفر لونه فاقع، كم له يف احللبة من طائر خلفه واقع، ينتمي إىل احلبشان، ويعرب بلونه الزعفران

يتجلى يف الرياض الشمسية، ويسبح يف اجلداول . على ذيله فائض الدجا على عرفه قابض، وماء القار .ال ميل من التقريب واإلهلاب، ويأيت من عدوه بغرائب يشيب منها الغراب. الورسية

. زرزوري اإلهاب، جيمع بني الشيب والشباب. ومن أخضر حسن وشيا، وراق للعيون جريا ومشياخيجل بتفويفه " اليحموم " وختمد عنده مجرة " مكتوم " يظهر عجز زبرجدي احلافر، أين منه الغزال النافر؟

.الرياض، ويسابق أسهم راكبه إىل األغراضطويل احلزام والذيل، وهامته من الصباح وشامته . ومن أبلق عظمت فصوصه، واشتهر حسنه وشهر قميصه

" ينحط الوجيه عن أوجه، ويغرق . ميرح يف جاللة جالله، ويولع إذا غابت اخليل مبسابقة خياله. من الليل :وينظر بعيين زرقاء اليمامة" النعامة " يف موجه، يسبق النعامى و " الفياض

فإذا جرين أتني بالنريان ... جرد هبن لكل عني جنة

ويسرن يف األهنار كاحليتان... حيكني يف البيد النعام رشاقة ، فأقبلت تتهادى صحبة سواسها، وتتبختر يف مث إن امللك أمر برد اجلنائب، وأذن يف عرض النجائب

عنكرة عيطموس، متيل إليها . فمن جسرة لوهنا أمحر، وليل سراها واضح أقمر: مصبغات أكوارها وأحالسها .اخلواطر والنفوس، موارة اليدين، بعيدة وخد الرجلني أحنلها التسيار، وهذبتها األسفار

مجيلة . ا ميسك، مليئة بالذوح واإلساد، ختالط محرهتا السوادومن سرداح لوهنا أرمك، يكاد خيال السماك هب .رحبة السقل واخلطا، ال يعرف هلا عدول عن الطريق وال خطا. الصفات مرقال، حسنة الشمائل مشالل

ظهرية دوسرة، منوفة هبزرة تطس اآلكام، وتثبت . ومن رقوب لوهنا أزرق، تطفو يف حبر السراب كالزورقومن أمون لوهنا جون، وكون . موصوفة باإلعصاف، معروفة باإلعناق واإلجياف. اميف أثواب ورق احلم

هلا فخذان حلمهما . متيل إن شبهتها إىل الدجا، وال متل من السري ولو براها الوجى. مثلها من حماسن الكون .وافر، وذنب تكنفه جناحا طائر، تفوت الريح يف خطراهتا، وتطأ مجر القيظ جبمراهتا

شكول . ء لوهنا أصهب، ورباطها الدمسقي مذهب، ترعى احلدائق وترعى احلادي والسائقومن وجناومن مصباح لوهنا . عسبور، تسامي رأسها أعواد الكور، غائرة األحداق، سريعة االندفاع واالنطالق

اق، هوجاء دف. أغبش، وكل من قوائمها أمحس، خيالط بياضها شقرة، يولد االجتماع هبا طريقا إىل النصرة .روعاء مزاق، ترض احلصا برصها، وتستطلع األخبار بنصها

مشفرها رقيق، . جتوب القفار وجتوس خالل الديار. ومن مشردلة لوهنا أحوى، مهارق البيد بغريها ال تطوى :ختتال يف شنفها وزمامها، وتدهش األبصار بسنا سنامها. وسبب وظيفها وثيق

ترها تطفو على حبر آهلاأمل ... وحوص غدت سفن املهامه والفال يقصر عن حتريرها ابن هالهلا... ختط حروفا باملناسم يف الثرى

فلما تكامل العرض بعد الطول، وأفلت أقمار اإلبل وغابت مشوس اخليول، أحذ احلاضرون يف تذكر ملائدة عن مث إن امللك أمر باحضار الطعام، واشتغل الناس با. أشكاهلا، وأفاضوا يف نعت حماسنها ومجاهلا

فاز املخفون، وهلك : فقمت مبادرا إىل الذهاب، متفكرا يف رزق اهللا ملن يشاء بغري حساب، قائال. األنعام " .وذللناها هلم فمنها ركوهبم ومنها يأكلون : " املثقلون، تاليا

الفصل التاسع عشر

يف الوحش

متسع اجلوانب تطول على سالكه هفا يب هيف اإلسفار، وطوحين بني أنكر صحبة األسفار، إىل خرقفسرت أطوي خيفه وصمانه، وأرض جالميده وصوانه، إىل أن دنت الشمس من . سبائب السباسب

فأتيته مسرورا ، . فبينما أنا أرود ألرد، الح لعيين غدير مطرد. الزوال، وآل أمر الظامىء إىل رؤية اآللونظرت . أبرد بالصالة ما صلي من اجلوارح املكروبة مث توضأت ألداء املكتوبة، و. وهنلت منه ماء مقرورا

فما . فإذا تلعة من التالع، مشرفة على اليفاع، من تلك البقاع، فاقتعدت ذروهتا، وتلقيت للقيلولة هضبتهافمن أسد : استقر اجمللس يب وال بلغت من الراحة أريب، إال والغربة قد نشرت، والوحوش للورد قد حشرت

ملك . شثن الكف، ال يرهب من أبطال الصف. رد صعب املراس، بني جفنيه مقباسورد شديد الباس، ع :مهاب، تربي اإلهاب، حديد الظفر والناب، خيلفه الشبل إن غاب عن الغاب

يف غيله من لبدتيه غيال... متخضب بدم الفوارس البس

فكأنه آس جيس عليال... يطأ الثرى مترفقا من تيهه اجللبة ضمن جلبابه، والنوائب كامنة يف أنيابه، وثباته . دم الفريسة بني يديه يراق ومن منر شرس األخالق،

:يقطع الطريق، وحيب شرب الرحيق. التنكر، وثباته أشهر من أن يذكر حيار يف تدبيجه أهل احلجا... أحسن به من النمور أهرتا

طرة صبح حتت أذيال الدجا... إذا بدا يريك من إهابه كم فرى من فرا، واجترح . رقيق، وعقد فقاره وثيق، واضح اجلبني، أفطس العرنني ومن فهد خصره

.واجترا، وظفر فظفر، وختفر به الصيد فما خفر جهم احمليا ال ميل من احلنق... فهد كحيل املقلتني مرقش هللا ثوب ألبساه من احلدق ... والليل فيه والنهار تغايرا

كثري . بعيد مقترب، مغرى باللهو واللعب. تأكله الدواب والسباعومن دب خمتلف الطباع، يأكل مما :يقبل التعليم والتأديب، ويأيت من حبر فطنته بكل عجيب. الشهوة، قليل الغرية والنخوة

تراه يدب ما بني الدباب... وذي وبر قوي مصلخد له ظفر وناب غري نايب... له ظفر إذا ما عن صيد

تشتهي السفاد، ومتيل إىل . موصوفة بالعرج، تفترس من دب ودرج. عامر ومن ضبع حضاجر، كنيتها أم .الفساد، وخترج من الوجار، وال ترعى حق اجلار ولو أجار

وهذا فعال اخلائنات الفواجر... صنعنا مجيال قابلونا بضده جيازى كما جوزي جمري ام عامر... ومن يصنع املعروف يف غري أهله الغدر له شيمة، والغنم . عس، يسطو بأنياب حداد ويألف الوحدة واالنفرادومن ذئب أطلس، عمر وعس

:صبور على السفر، شديد اخلوف واحلذر. لديه غنيمة بأخرى املنايا فهو يقظان هاجع... ينام بإحدى مقلتيه ويتقي

، يرتدي حسن اللباس. وافر املكر واحليل، يضرب خبديعته املثل. ومن ثعلب رائغ، زائل عن الطريق زائغ :حيب الدجاج واحلمام، ورمبا أوقعه يف شرك احلمام. بالسندس والقرطاس

خمافة من نابه النابل... يطري قلب الطري يف وكره كم أكلة أجنت على اآلكل... لكنه يلقى الردى بعدها

حمل عيناه كالزجاج، ومرطه كالديباج، أخنس األنف لطيف. ومن هر يسبق اهلرهور حاد الناب واألظفور :يقعي إقعاء األسد، ويلوي من ذنبه حبال من مسد. الشنف

له حسن بديع غري خايف... وهر أهرت الشدقني ضار ويغسل وجهه قبل الطواف... بكعبة ربه كم طاف سبعا

طويل اخلطم قصري . صائل صائد، ظهره عظم واحد. ومن منس كميت اللون، ماللطري والثعبان منه صون :سوى صماخني من األذننياليدين، ليس له

ويقنص احلسول والضبابا... وظربان يألف الظرابا ال يقطع السيف له إهابا... جلدته كالقد يف قوهتا

يأوي األشجار العالية، ويسكن األماكن اخلالية، مجيل . ومن سنجاب أبلق، بطنه أبيض وظهره أزرق :املالبس، حسن اليالمق والقالنس

ناظر كالشهاب ذو... هللا سنجاب بر كقطعة من سحاب... يف الدوح يعدو ويبدو

وأذنان كالترسني، حتتهما نابان . ومن فيل، له خرطوم طويل، يشبه الصوجلان، وحيكي يف تلويه األفعوان :عقبة كؤود، شديد الغرية حقود، يرتاح إلىالطرب، وينخرط يف سلك العجب. كالرحمني

م ما يقولذكي القلب يفه... وهندي كطود مشمخر يهون ألن منظره يهول... لقاء العسكر الشاكي عليه

له اختيال يف . ومن كركدن كاجلاموس، تنفر منه اخلواطر والنفوس، قوته شديدة، وأسلحته عتيدة عديدة :مشيته، وقرن غليظ يف جبهته، يظهر بأرض اهلند واحلبشان، فيخضع هيبة له سائر احليوان

ائبيف خلقه عج... وكركدن كدن والعقل منه غائب... له سالح حاضر

بردها بالوشي ملمع، وقرهنا بالسبج مقمع، طال جيدها جدا، وجاوز . ومن زرافة، حازت أنواع اللطافة :عالية الصدر منحطة املآخر، مجيلة األوصاف واملفاخر. غضب عجبها حدا

روقا ومن بزل املهارى مشفرا... نوبية املنشا تريك من الطال فنخاهلا للتيه متشي القهقرى... بلت على اإلقعاء من إعجاهبا ج

تفنت العقول بأحداقها، ويعز على القلوب . عنقاء مبهر، خدها مضمخ بالعنرب. ومن مها مثر حسنها قد زها :غداة فراقها

صبور على اهلجران ليس حيول... عيون املها على ذي صبابة ا صحبكن نزولمنازل فيه... حين إىل سلع وجند وحاجر

. يأكل األفاعي، وحيسن يف حتصيلها املساعي. ومن أيل ضباضب، حيمي من قضب شجرتيه بالقواضب :يشتغل بالصفري والطرب، فيشتغل بنريان العطب

من دمعه بادزهر احليوان... متشعب القرنني يدعى أيال مييس يف برده القشيب، . خوفه كل الصيد يف جوفه، ال يستقر على الثرى من. ومن فرا ليس يف حسنه مرا :ويطول عمره وال يشيب

غرية فهو خلفهن كمي... شغلته لواقح مألته

يسكن يف األماكن . ومن وعل أرقب، ال يفارق النفق واملرقب، حيمي األروية، وحيتجب يف الرب عن الربية :الوعرة، ويصرب على شدة القرة والوغرة

امخ عايل الذرا فالق الوعليف ش... إن شئت تلقى راهبا ذا رغبة من تيهه وبالظالم منتعل... سامي التليل بالضياء مرتد

إن . مجيل الصفات حسن االلتفات. كحيل الطرف ذكي العرف. ومن ظيب غرير، متلفع مبطارف احلرير :حضر أحيا األرواح، وإن أحضر فات الرياح

بأسياف من الطرف... غزال قد غزا قليب ولكن ال إىل العطف. ..له عطف به ميل

:قصري اليدين، ينام وهو ساهر العني. بطنه يقق، ومتنه شفق. ومن أرنب يرتع بني الشيح والزرنب أثوابه صبغت من ماء عقبان... وأرنب ذي وثوب يف سياحته

ختاله كرة هتفو مبيدان... إذا جرى يف فالة خوف مقتنص نزيه يهفوف، بالفهم . الروح، يغدو يف الشواهق ويروحخفيف . ومن قرد نسناس، يف خلقه ما يشبه الناس

:والذكاء معروف باآلدمي وهذا القدر يكفيه... أحسن بقرد سريع الفهم ذي شبه

يكاد ينطق لوال عجمة فيه... له لسان ولكن ال يوافقه ن فلما عانيت من تلك الوحوش ما راقين، وشاهدت من أصنافها وأوصافها ما شاقين، واجتليت حماس

عرائسها، وتنزهت يف رياض مالبسها، قمت من شكر بارئها مبا جيب، وأعلنت بتوحيد رازقها من حيث ال مث إهنا مالت من " . وما من دابة يف األرض إال على اهللا رزقها : " حتتسب، وتلوث إذ أدهشين مجعها وخلقها

إلياب متوكال على الكرمي الورد إىل الصدر، وتفرقت بعد االجتماع شذر مذر، فنهضت عازما على ا .الوهاب، عائجا إىل حيث أتيت، مثبتا يف ديوان الغرائب ما رأيت

؟

:الفصل العشرون

يف الطيور

أخربين بعض اإلخوان، أنه رأى بلدة من البلدان، متسعة الفناء، حمكمة البناء، تروق العيون، وحترك كل غريب، مديد األشجار، منسرح األهنار، السكون، بالقرب منها واد خصيب، يشتمل من األطيار على

فتقت إىل رؤية ذلك الوادي، وحدا يب من الشوق إليه حادي، فسرت . وافر اخلري، يعرف بوكر الطريفعاينت منه ما حقق مطاليب . أطوي البيد، وأصل التحليج بالتخويد، إىل أن أتيت إليه، وأخنت راحليت عليه

:ووجدت به ما صاح يب كما قال صاحيب وبه طيور طاب عيش ندميها... واد عليه للمحاسن رونق وكالهبا وبغاثها وهبيمها... أرجاؤه مشحونة بسباعها

له ثوب أرقط، بياضه بالسواد منقط، . القمر منظره، واهلالل منسره. فمن صقر شريف النجار، رفيع املقدار

.حسن السلوك، ال يصحب إال امللوكيلمع يف اجلو كالبارق، وينقض . خفيف اجلناح، سريع النجاح. تلهبومن باز أشهب، مجر مقلتيه ي

.قوي االفتراس، يثب على الطريدة وثوب اهلرماس. انقضاض الطارق طموح العني معقود اللواء... وصقر أمحر اجللبات شهم فريجع باألرانب والظباء... يطري إىل الفالة يروم صيدا

سبح يف حبر الفضاءجييد ال... وشاهني رحيب الصدر جون وعاجله مبحتوم القضاء... إذا الكركي الح مسا إليه

ومن كوهية حالية احللة، جتلى كالعرائس يف األكلة، مالبسها مدجبة، وخمالبها بدم القلوب مضرجة، ذات .متر مر السحاب، وتأيت مبا مل يكن يف احلساب. درع ظلها ضايف، منتظمة القوادم واخلوايف

شاكي السالح، حممود الغدو . ه مع صغر حجمه باسق، زعرور األخالق ذهيب األحداقومن باشق فرع :ميرق كالسهام، ويوقع احلمام يف شرك احلمام. والرواح

مشى يف الالزوردي املدثر... وطاو أعار الروض ملا بديع تاج قيصر عنه قصر... يلوح على املفارق منه تاج

الوشي احملرب وجؤجؤه من... وديك عرفه من أرجوان دنا اإلصباح هلل مث كرب... يرى سهر الدجا حىت إذا ما

هندي األوطان، . فهمه صحيح، ولسانه فصيح. ومن ببغاء مجيل الصفات، قوي على حكاية األصوات .طرفه مركب من قار، وله من الياقوت منقار. زبرجدي األردان

رى املاء يف باطن الفجاج، كما ينظره اإلنسان يف ي. ومن هدهد وافر اهلداية، نافر عن الضاللة والغوايةمييد يف حلله الفاخرة ومييس، كأمنا ألبسه سليمان . مرقوم الربود، كثري الركوع والسجود. داخل الزجاج : تاج بلقيس

نضري الزهر زهري أنيق... ودراج تبدى يف قميص ورحيان تشقق عن شقيق... فصوص بنفسج يف يامسني

مروط أشبهت لون الدبيق... عليها ومن حجل يعاقيب ومنقار تكون من عقيق... هلا طرف تركب من نضار

منقوش اإلزار، . ومن قطا، ياله من قطا، حسن املشي متقارب اخلطا، جيده مطوق، ومبسمه بالزعفران خملقام، ومن ميام، يفي بالعهد والذم. جناحه خمضوب، وصدره مباء الذهب مكتوب. كأنه عب من كأس عقار

يؤدي األمانات إىل . يألف الرياض ويرفل يف ثوب فضفاض. مشهور بالسجع، معروف بالذهاب والرجع :أهلها، ويتحرى يف رواية األحاديث ونقلها

حلو احللى منطلق اللسان... ومن هزار كامل املعاين يطرب ما ال تطرب املثاين... تراه إن غىن على العيدان

حلته من أسود اجلنان ...وبلبل بلبل قلب العاين يأمر بالعدل وباإلحسان... قام خطيبا يف ذرا األغصان

حيسن . شهي التغريد، معبدي األناشيد. نويب الدار، علي املنار. ومن ورشان، يودع املسامع أطيب األحلان .األنغام، ويغري اخللي بالوجد والغرام

. اجع مطراب، إعجامه لذي املعارف إعرابس. ومن قمري أخفى القمر، كم هنى على منرب األيك وأمر :يستدمي شكر الدائم، وال تأخذه يف التسبيح لومة الئم. أشهل العيون، ويف جيده من خط القلم نون

مسكية والطرف منها أسود... وفواخت كدرية أطواقها هتوى، وطورا للوصال تغرد... طورا تفوح على الغصون لفقد من

داجي اإلهاب مقامه ال حيمد... وغراب تغريب فصيح أعجم أضحى مقيما بالديار يعدد... يهوى نوى أصحابه فإذا نأوا

فياهللا من واد أنبت السرور، وحوى أصنافا مجة من الطيور، ال أمجع بني أشخاصها وأمسائها، وال أحتقق شيئا فلما سربت سر الوادي، . قهافسبحان املتكفل بأرزاقها، املباين بني طباعها وأخال. من أحواهلا وأنبائها

اللهم أنت : تطلعت إىل طلعة مشس بالدي، فلويت زمام الراحلة، وودعت من الطري جنوما غري آفلة، قائالأومل يروا إىل الطري فوقهم صافات ويقبضن ما ميسكهن إال : " الصاحب يف السفر واخلليفة يف األوطان، تاليا

" .الرمحن ؟

:الفصل احلادي والعشرون

يف الكتابة

الكتابة أهلمك اهللا معرفة فضلها، وال حرمك نفع صداقة أهلها، أشرف الوظائف واملناصب،وأرفع املنازل قطب دائرة اآلداب، وصدر أسرار األلباب، ورسول صادق، . واملراتب، وأفلح صناعة، وأربح بضاعة

الطارف، تلحق خرب احلاضر بالغائب، ولسان باحلق ناطق، وسيف حتد حبده املعارف، وميزان مييز التالد من تربز إبريز البالغة، وتصوغ جلني . هبا تتم النعمة، وتفصل شذور احلكمة. وإليها تنتهي اآلمال والرغائب

قد حتلت بصحة . لطف حواشي رقاعها حمقق، وجدوهلا املسلسل على الرحيان يتدفق. الكالم أحسن صياغةواجليم كصدغه . فالالم واأللف كعذاره وقده: احلبيب الوضع والتركيب، وحلت مبا حكت من أعضاء

:وامليم منه النائي عن رائد ورده جبانبه. والصاد والنون كعينه وحاجبه. املعقرب على خده مغىن الغىن ومفاتح األرزاق... ال تعد عن فن الكتابة، إهنا

عرفت بنفث السم والدرياق... واخش الرياعة وارجها فهي اليت . ماد امللك وأركانه، وعيونه املبصرة وأعوانه، وهباء الدول ونظامها، ورؤوس الرياسة وقوامهاوالكتاب ع

مدار احلل والعقد عليهم، ومرجع التصرف والتدبري . مالبسهم فاخرة، ومشائلهم لطيفة، ونفوسهم شريفة

. هم أندية القصاد مغمورةجمالسهم بالفضائل معمورة، وبندائ. هبم حتلى العواطل، وتبتسم ثغور املعاقل. إليهمهم أهل الرباعة . يهدون إىل األمساع أنواع البديع، وينزهون األحداق يف حدائق التوشيح والتوشيع

مييلون إىل القول مبوجب املدح، وال ميلون من مراجعة . واللسن، وشيمتهم لف القبيح ونشر احلسنوجيلون الكبري . التورية عن العاين وامللهوفدأهبم استخدام الناس باملعروف، وعدم . الراغبني يف املنح

وباجلملة فقد حازوا مجيع مجيا . هلم إىل اخلري رجوع والتفات. ويبجلون الصغري، وال خيلون مبراعاة النظري .الصفات

وذاك حرام، قست خطك بالسحر ... كتبت، فلوال أن هذا حملل

جلة البحروإن كان درا فهو من ... فإن كان زهرا فهو صنع سحابة تبكي . صافية اجلواهر، زاهية األزهار، لينة األعطاف، ناعمة األطراف. بأيديهم أقالم ختتلس بلطفها األحالم

قد اعتدلت قدودها، وأشرقت يف مساء الرباعة . وهي مبتسمة، وتسكت وهي مبا يطرب السمع متكلمة. وتبدي من دررها ما يفضح الدراريجتتهد يف خدمة الباري، . أسنتها مرهفة، ومطارفها مفوقة. سعودها

نشأت على شطوط األهنار و تعلمت اللحن من . متيس يف وشي أبرادها، وتشرح الصدور بعذوبة إبرادهاتدهش الناظر وختجل العامل، وال ترضى . طويلة األنابيب، تسلب القلوب حبسن األساليب. إعراب األطيار

تبهر بالنضارة نواظر النهار، . ها، والفصاحة جارية على هلجتهاالشجاعة كامنة يف مهجت. بامتطاء غري األناملإن قالت مل تترك مقاال لقائل، وإن صالت رجعت السيوف مستترة بأذيال . وتطرز بالليل أردية النهار

.سجدت للطرس، فرفعت إىل أعلى الرتب، وحلت وشببت فال غرو إذا مسيت بالقصب. احلمائل والبيض ما سلت من األغماد. ..قلم يفل اجليش وهو عرمرم

كرم السيول وصولة اآلساد... وهبت له اآلجام حني نشا هبا ريقها رائق، ونيل . يكرع من دواة حالكة احلياض، مشرقة األدواح والرياض، جنية األمثار مطعمة األشجار

ها ليس فيه شرف. تكشف غطاءها عن كل معىن أنيق، وتفتح فاها بكسر العدو وجرب الصديق. نيلها دافقحبد - وال ذنب هلن - حتنو على أوالدها طول املدى، مث تقط رؤوسهن . نزاع، وسقطها من أنفس املتاع

:ترشد بنور مجاهلا، وتنشد بلسان حاهلا. مست إىل املعايل بنفسها، وأعارت املسك السحيق بنقسها. املدى والبحر أخبار الندى عين روى... إن السعادة، حيث كنت، مقيمة

فأنا الدواة حقيقة وأنا الدوا... كم من عليل مقاصد أبرأته هللا أطراسها اليت أضاءت مبدادها، وأشبهت عيون العني ببياضها وسوادها، وانطوت احملاسن حتت رق

صحائف تنوب عن الصفائح، وقراطيس تزف إىل . منشورها، وصدحت محائم البالغة على أغصان سطورهاكم حازت من . لبسها احلرب أثوابا من احلري، ودجبها صواب الفكر ال صوب املطرأ. األمساع عرائس القرائح

وفقر تفتقر إليها أجياد احلسان، وغرر كلم تذهب العقول . در منظوم، وعلم لفظ بوشي املعاين مرقوم :بسحرها وإن من البيان

مناجيه من األحزان ناجي... كتاب يف سرائره سرور

سرت يف جسم معتدل املزاج. ..كراح يف زجاج بل كروح فاجتهد أعزك اهللا يف طالهبا، واحرص على الدخول يف زمرة أرباهبا، ومتسك بأذيال بنيها، جتد جوادا أو نبيال

وإن : " وحسبهم شرفا أن اهللا تعاىل نوه بذكرهم يف العاملني، ووصف الكتبة باحلفظ والكرم فقال. أو نبيها " . عليكم حلافظني كراما كاتبني

:الفصل الثاين والعشرون

يف احلرب والسالح

منع اجلزية أهل الصليب، يف عام عاموا منه يف حبر عجيب، فأشار األمري بالتأهب للنزال، وأمر بتحريض فأحببت الدخول يف زمرة اجملاهدين، . وجدوا يف حتصيل اجلياد. فأخذوا يف االستعداد. املؤمنني على القتال

فلما كملوا عددا وعددا وحتروا يف أهبتهم " . ذرنا نكن مع القاعدين : " الواورفضت قاعدة الذين قياله من جحفل حتفل بالشوس، . رشدا،ساروا إىل جهة العدو املخذول، وطيور السعد حتوم عليهم وال حتول

: لووكتيبة متيل إىل خضرهتا النفوس، وجيش عرمرم، ومخيس هلب أسلحته يتضرم، وعسكر جرار، وفيلق يت. قوي القلب واجلناحني، كم ليدها الطوىل من جناحني. يهول املنظر، مثار العثري" . قل لن ينفعكم الفرار "

:النصر من مجلة آياته، والظفر معقود براياته. يدين بعيد اآلجال، وينفر حىت الوعل واآلجال وباحللق املوانع والقسي... حملى بالسيوف وبالعوايل

إىل األعداء من طرف خفي... ظرات وفيه عيون درع نا متلك حسنها قلب الكمي... ببحر احلرب منه ساحبات فكم قد حاز من وجه مضي... أال ال ختش فيه ليل نقع

ينطوي على غضنفر كاسر، وعقاب يصول من النصال مبناسر، وذفر مشيع، وباسل عمر خصمه مضيع، أيام عداه مدهلمة، وقدم صمة، وما أدراك ما الصمة؟ وبطل ثبت الغدر، وأمحش المنجا منه وال وزر وشهم

عرد املطا ليث تأبط ارقما ... من كل مرهوب السطا رحب اخلطا

ويريك من زرق األسنة أجنما... يبدو هالال يف مساء عجاجه فمن سيف يفري حبده، ويأنف من املقام : أكرم هبم شجعة برزوا للكفاح، واشتملوا على أنواع من السالح

ينتقل من القراب إىل الرقاب، ويدب النمل منه على . أمضى من أمس، واشرق من الشمس. يف غمدهجيتهد يف إهالل . يروع ويروق، وخيفي بلمعه الربوق، يتمايل كاخلمائل، وينجلي يف حلي احلمائل. الذباب

:النفوس، ويبتسم حيث األجل عبوس أجدلينقض من جو القراب ك... ومنهد إن قابلته فريسة

مل يلتفت، وإذا قضى مل يعدل... مصغ إىل حكم الردى، فإذا مضى إن جرد عاينت عيون اجلراد، ورأيته مطبوعا على اجلدال . املوت كامن يف غربه، واحلتف قريب من قربه

يرتعد ال من اخلوف، وجيل فعله . وإن سل حكم بقطع األرزاق، وطفق مسحا بالسوق واألعناق. واجلالدوجاءت سكرة املوت باحلق ذلك ما : " مل يربح كارعا من موارد الوريد، تاليا. ن السني وسوفاملاضي ع

" .كنت منه حتيد رسوب، وقرضاب، صنيع، وخمذم... حسام، وبتار، جراز، وصارم

قضيب ومأثور، ونصل مصمم... قشيب، وصمصام، وعضب، ومرهف الدماء حمكم رسول املنايا يف... هنيل، وهزهاز، وأبيض، قاطع

لدن القوام، يبدل الكالم بالكالم له نصل مطعان، وسنان غري . ومن رمح مثقف، أمسر اللون مهفهفيستويف . يفرق اجلموع وال يفرق، ويصيب العدا بناظره األزرق. صدق صادق مارق يف املارق. وسنان

وكعبه أمين من طلعة هلذمه أملع من الشهاب،. النفوس وهو عامل، ويضرب حاصل الكماة وال جياملخطار عظيم . سلب اللطف من األغصان، وتعلم الرعدة من جنان اجلبان. الكعاب، فعله محيد، وظله مديد

:طويل يقصر األعمار، قناة جتري بدم األذمار. اخلطر، خطي ال خيطىء يف قص األثر يهتز بالشكر اهتزاز الطروب... وأمسر من رشف كأس الدما

ويقبض األرواح عند الغروب... سط الردى يبسط يف اإلشراق بومن قوس حنانة، سحائب سهامها هتانة، تطلع كاهلالل يف مساء الرهج، وتسبح يف اهلواء سبح النون يف

ضروح تسكن الضريح، عطوف لكن ال على اجلريح، تبهر بأهبرها العيون، وتبلغ املىن برسل . اللججتضم مشل أوالد نوافر، يصلن بال أنياب، . تسعى يف قتل األعاديهلا يد متنح مجيل األيادي، ورجل . املنون

.ذوو أجنحة تروع السباع، مثىن وثالث ورباع. وال ظوافر هتانة لفراق السهم مرنان... عطوى مروح، تريح املنبضني هلا

وناظر السيف قد أخفته أجفان... أوالدها تدرك األغراض عن كثب جوب جيوب حرة احلرب، وال ميل من مالقاة . جنة واقية، ومنة باقية. ومن ترس عنتر، يفل به حد األبتر

.بريء من اخلتل واخلتر، معروف باحلماية والستر. الطعن والضرب ال جيتليها من طغى... هللا جنة جنة

أجنته من نار الوغى... من حل حتت ظالهلا الرؤوس هبا حمفوظة، . محاها منيعومن بيضة حسن ملبسها، وزاحم الفلك قونسها، وصفها بديع، وحرم

.والنفوس بعيوهنا ملحوظة، تعلو على املفارق، وتطرق هليبتها أجفان الطوارق مبغفر أحسن به من مغفر... يا رائد احلرب تقنع، واقتنع

ذمامه يوم الوغى مل خيفر... سامي الذرا عايل اجلناب مانع منجية يوم الت مناص، فضفاضة مسرودة، ألوية ومن درع ستور، روض وشيها منثور، مضاعفة دالص،

كأهنا سراب بقيعة، أو حباب يطفو على شريعة، أو سلخ أفعوان، أو هلب نار مل يشب . النصر هبا معقودة .تنظر بعيون اجلنادب وتصرب على وخز العوايل والقواضب. بدخان

كافاثها بالسوء غري مفند... يا رب سابغة حبتين نعمة

وظللت أبذهلا لكل مهند... املنايا مهجيت أضحت تصون عن .ومن أشياء يطول ذكرها، ويعز على البليغ البارع حصرها

، وأرهبوا " سيس " إىل أن وصلوا إىل بلد األعداء . مث إهنم جدوا يف الرحيل ومتسكوا بالنص واتبعوا الدليلوصاحبوهم مبا أشقى . هولفسارعوا إىل النزول، وغصت هبم الوعور والس. جبمعهم الراهب والقسيس

ونادوهم بألسنة احلمام، وناجوهم برسائل السهام، ونصبوا آالت . وناوحوهم مبا دمرهم وساءهم. مساءهماحلصار لكسرهم، وأعدوا ما استطاعوا من القوة لقتلهم وأسرهم، وأحاطوا بأسوار املدينة، وصدموها مبن

ساعة من هنار، حىت حترك البناء واهنار، وسال السور بعد فكم تكن إال . يف آذاهنم وقر عن الوقار والسكينةفدخلوا البيوت من غري األبواب، وجرعوا أعداء الدين . أن ماج، وهوت بكواكب املنجنيق منه األبراج

مذاب العذاب، وحصل أهل الشرك يف شرك القبضة، وعجزوا عند قص أجنحتهم عن النهضة، ومتشت يف :الرغام وجوههم على رغم األنوفمفاصلهم محيا السيوف، وصفاح

حنو احلروب، ونافسوا يف وصلها... هللا در فوارس كم أقبلوا لعداهتم جعلوا أعزة أهلها... قوم إذا دخلوا معامل قرية

فقدموا إليها النقابة، وحسروا عن وجه االجتهاد . مث عاجوا القتالع قلعتها، ومالوا إىل حمو أسطار بقعتها" وأين الثريا من يد املتناول : " لقون فيها ألسنة املعاول، ويعرضون عن رأي من قالوباتوا يط. نقابه

فلم متض عليها إال حملة غافل، حىت صارت . فأصبحت على اخلشب معلقة، مث عادت بذات الوقود حمرقةت ونزعت التيجان، ونكس. األعايل منها أسافل، وأحيط بطاغيتهم وفرسانه، وقبض على أعوانه وأعيانه

وبل غليل السيف، وارتفع احلتف واحليف، وهدمت البيع والكنائس، واستخرجت الذخائر . الصلبانوأعز اهللا جنده، وأجنز من . والنفائس، وأسر النساء واألطفال، وبلغ الطالب من األموال منتهى اآلمال

وما النصر إال من عنده وهو . التأييد وعده، ومن بعوائد ألطافه اخلفية، وجعل هام امللحدين حلودا للمشرفية .املتصدق جبزيل رفده على عبده

.مث إن العساكر عادوا إىل أوطاهنم غامنني ساملني، وقطع دابر القوم الذين ظلموا واحلمد هللا رب العاملني

:الفصل الثالث والعشرون

يف رمي البندق

وال حيجبه عن ذكر اجلليل . بال خيرج عن الواج. برزت يوما مع رفيق رقيق، يسر مبنادمته سر الصديقجيتين من . ينطق باحلكمة وفصل اخلطة، وهو لدائرة الفضل مبنزلة النقطة. رفيع املقام، صادق الكالم.حاجب

وحيب معايل األمور، ويتقدم إىل كل مقدمة . الرياض أزهار الرياضة، ويعتين مبا يشرح الصدر ويزيل انقباضهقد " وأعدوا هلم ما استطعتم من قوة : " إىل املروة، باعثا على امتثال ويتمسك مبا كان داعيا. تنتج السرور

ألف خلطبة الطري كل خطب مهول، واعتاد خوض املنايا فأيسر ما متر به الوحول، إىل روضة أنيقة هتدي

والغيم ممدود الرواق، والطل دمعه يراق، واجلو مسكي اإلهاب، . األنق، وتضيء يف جوانبها وجه امللق .مس قد توارت باحلجابوالش

واملاء راح والطيور قيان... واألرض وشي والنسيم معنرب فنزلنا بفنائها، ومشمنا األرج من أرجائها، واجتلينا حماسن أزهارها، وطربنا لسماع نغمات أطيارها، وقبلنا

وفرقة تفرق منهم هناهتا وهباهتا، ورعينا على كال احلالني كألها مع نباهتا، ورأينا هبا عصبة من الرماة،األبطال والكماة فأملنا حبضرهتم، وانتظمنا يف سلك زمرهتم، فلما أنست بذراهم، وآنست نار قراهم،

يف وجوهم سيما القبول، ومعهم وصول بالوصول، يرعون حق . شاهدت قوما نفوسهم أبية، ومقاماهتم عليةكون سبل اإلنصاف، وحيفظون احلديث عن الذمام، ويقتفون آثار الكرام، ويرفلون يف حلل العفاف، ويسل

القدمي، ويثبتون الصحيح وينفون السقيم، ويوقرون الكبري، ويرضون من العيش باليسري، ويعتمدون حسن .الوفاق، مع الرفاق،ويعرضون عن أهل العرض لعلمهم أن ما عندهم ينفد وما عند اهللا باق

رابأهل الصبابة إن قالوا وإن مسعواوللسماعكما للقوإلع فاملبتغى واحد، والناس أضراب... كل حياول ما يبغي الفالح به

فلو رأيتهم وقد أتوا إىل اخلطة والتفوا، ومحلوا غري متحاملني واصطفوا، وخطروا يف تلك املطارف، يؤمهم :القدمي إىل جهة املواقف، مسرعني إىل األخذ بالثارات، متدرعني الغبار لشن الغارات

وقوفا، وكال منهم قد ترمسا... قامات عزهم لعاينت قوما يف م ومن سهر الليل الطويل تقدما ... جفوا يف الظالم النوم كي يتقدموا

كم فيهم نقي خد أخجل الدمى ورشيق قد . مجاعة طريق حرمهم للنزيل قبلة، وحسن شيمهم للعقول عقلة :جبل طرفه على سفك الدما

فأصاهبا بالبندق فتوقفت... شغل الطيور حبسن منظر وجهه وكم هلم من دعرة وشطارة، يقولون ما أهون احلرب على النظارة، ونكتة غريبة يأيت حبرها بالعجب، ومصطحب شريف وما أدراك ما املصطحب؟ ما ألطف سجاياهم الطاهرة، وأطيب أوقات وجوههم

:الناضرة ومصوغ وخوارج وعشاء... يف غدوة ومصبح ورواجع

. رشيقة، ومالبسها مدجبة أنيقة، من الطني الالزب جنمها، ومن الدمقس املفتل حلمهابأيديهم قسي قدودها كأهنا حواجب مقرونة، أونونات معرقة موضونة، . أجاد خرمها الصناع، وهذبت كماة الرماة منها الطباع .أو أهلة مشرقة النور، أو مناجل حلصاد أعمار الطيور

دها كواكباتقذف من أكبا... حوامل إذا دنا نتاجها ومعهم للرمي بنادق، أسرع يف اإلصابة من الفيالق، كأهنا كرات دورية، ال بل كواكب درية، متر هبم عساكر الطيور املختلفة، وهي ختتال يف برودها املفوفة ومل تدر أن أيدي املنون إليها ممتدة، وأن سيوف

ة، وإن هنضت حملقة فكرات قسيهم عنها إن هبطت مسبقة أصابتها عيون أوتارها املبصر. احلتوف هلا معدة

:غري مقصرة، فتسقط عليهم سقوط الندى، وهتوي إليهم جميبة لداعي الردى من كل فج عميق... هتوي إليهم وتأيت يسعى لصب مشوق... يا حسن بدر منري

أستاره، وأبرز فبينما هم يف وجه عشاؤه أضاء بنور التهاين، وملعت فيه بارقة بروق األماين، والليل قد أرخى :من النجوم درمهه وديناره، واألهنار سارية وسارحة، واألطيار يف امللق ساحبة وسائحة

يف طيور أحسن هبا من طيور... نزه الطرف يا أخا الظرف ليال كنقوش قد خيلت يف ستور... فوق وجه املاء تسعى وترعى

كأمنا خاضت يف اللهب، وكرعت من ماء . ن بونعن لصاحيب إوزة فضية اللون، بينها وبني املرزم يف احلسالذهب، تسبق الريح يف املطار، وترتفع إىل أن تغيب عن األبصار فرماها، يف حال بعدها عن العيون،

وصرعها عاجال أسرع ما يكون، فحسنت له اجلفة وباركت فيه، وأظهر من سر الظفر ما كان خيفيه، كان له شاهدا، ورمى ملن قبله وسبقه، ويف حبر احلمد والشكر وخرج فرحا بتحصيلها مائدا ومحلها من

:مث تواتر الرمي من كل نبيه ونبيل، وتفرقوا من ذلك الوجه على وجه مجيل. غرقه بنجم قوس للسماء قد مسا... كم طائر لألرض أمسى واقعا

فاعجب له من صامت تكلما... من حيث ال يشعر يأتيه الردى وإمنا الترامي درى كيف رمى... قلبه مل يدر من أين أصيب

فلما شاهدت من أحواهلم ما راقين، ومن نواهلم ما قيدين عن غريهم وعاقين، أثنيت على من هبم عرفين، وقمت ناشرا وصف املواقف واألطيار قائال على سبيل التشوق . وبالطيب املسكي من أنفاسهم عرفين

:والتذكار فنحوها قد ذبت من أشواقي. ..ياصاح قم نسعى إىل األمالق

وأملح الولدان يف جناهتا... اهللا ما أحلى حلى أوقاهتا يستلب اللب بفرط احلسن... واجلو جيلى يف ثياب دكن

وانفرطت على الربا عقودها... السحب قد تتابعت وفودها وينثين يف دوحها رطيبها... وروضة األنس يفوح طيبها؟؟؟؟؟

تغين عن اجلنوك والعيدان... ونغمات الطري باألحلان تلوح كاألجنم لألبصار... أحسن هبا يا سعد من أطيار كأسطر خطت على وجه امللق... ختاهلا إذا سجا جنح الغسق وناهض، وطائر، وواقع... من وارد وصادر، وواضع

وأسود حملولك حيكي الدجا... أبيض كالصبح إذ تبلجا هو على النرباسوأزهر يز... وأخضر مدبج اللباس

عن حصرها يعجز أهل الفضل... خمتلفات يف احللى والشكل وهو لدى أربابه موصوف... لكنها جليلها معروف

كعمر بدر التم حني يطلع... فهاكها بعد عشر أربع مبينات اجملد واملآثر... قد مجعت أوصاف كل طائر

كأنه مركب من ورق... فالتم يبدو يف لباس يقق من الرماة حنوه تصبو املهج... س منه نقطة حتكي السبج يف الرأ

معلق يف عنقه جرابه... والكي شيخ أبيض جلبابه وظهره حمدب كاجلبل... منقاره كحربة من أسل

إذا بدت ختتال يف املطار... ولإلوز نغمة األوتار يا سعد يف حيب هلا كن مسعدي... فضية منقارها من عسجد

يف احلسن والوصف وفرط العز... إلوز واللغلغ املسكي كا تدين ملن يصرعه املسره... لكن له مثل اللجني غره

لباسها املنقوش ياما أحسنه... وحبذا األنيسة امللونة ألهنا عزيزة الوقوع... يبكي عليها الصب بالدموع

حيكي القطا يف لونه املدبج... خذ يا أخا الرمي صفات احلربج فيجتيب وجيتلي أزاهره... الزاهره يألف أيام الربيع

ألنه عال كنسر األجنم... والنسر راميه شديد األسهم يذكر عصر تبع وعاد... أقرع ذو خمالب حداد

تلك اليت للوحوش تغدو آسره... وبعده وصف العقاب الكاسره بالصيد أدىن الردى منقارها... مغربة ظافرة، أظفارها

فقد بدا يف ثوب خز أزرق... قم جنتلي الكركي حتت الشفق وأطرب األمساع بالتغريد... ومد جيدا ياله من جيد

شبه بالغمامة الدكناء... إذا بدا الغرنوق يف الفضاء سوى سواد عنقه وراسه... كأنه الكركي يف لباسه

أطراقه مصبوغة بالعلق... والضوع مبيض شبيه الفلق قد زاد يف اإلعراضكخد من ... خيتال يف احلمرة والبياض كأنه قد خاض يف حبر الدم... ومرزم يا حسنه من مرزم راميه قد فاز بفضل السبق... أبيض وضاح طويل العنق

أبيض ضخم وصفه معلوم... وتلوه السبيطر املسموم وطعمه احلية والسحليه... يسكن يف األماكن العليه لشمعأسود ذا صدر كضوء ا... وأقبل العناز بعد اجلمع

من يرمه يعد من أهل احلجا... قد مجع الضدين صبحا ودجا

أعين طيور الواجب املختار... وهذه تكملة األطيار وتنجلى يف الطرس كالعرائس... ترفل يف حماسن املالبس

ساحبة يف غدرها األنيقه... كأمنا تنظرها حقيقه بأسهم ذي ألسن حداد... ال زلت ترمي الطري واألعادي

حىت تعد الكل من طيوركا... دمت تلقى السعد يف مسريكا و وقبل الطري خدود امللق... ما سهر الليل رماة البندق

:الفصل الرابع والعشرون

يف الكرم والشجاعة

مررت ببعض أحياء العرب، يف يوم طما حبر آله واضطراب، فلمحين شخص من بعيد، حوله مجاعة من منهم يف طليب، فلما دنوت منه رحب يب وأحسن منقليب، ورفع قدري ومنزيل، فأرسل واحدا. اخلدم والعبيد

وأحتفين باللطائف، . وأجزل نويل وعظم قومي وقويل. وأعز جانيب، وأترع مشاريب. وأعذب موردي ومنهليومنحين من اجلود . وأضرم نار القرى، وسقى بدماء البدن ظامئ الثرى. وأمدين بكل ساع من الرب وطائف

واع خمتلفة، وأسدى إيل املعروف من غري معرفة، وعقر النعم، وغمر باإلنعام، وجتاوز احلد يف الكرم بأن :وعم بفضله البسيط وإحسانه الشامل، وآىل أن ال أرحل عن حيه مدة شهر كامل. واإلكرام

وأرشفين كأس النوال مروقا... وحقق آمايل وقرب جملسي ين له بالشكر أصبح مطلقا لسا... وقيدين باملكرمات، أما ترى

ياله جوادا ال يلحق، وغيدقا ال يطرق حني يطرق، وقلمسا بعيد املدى، وخضرما تفيض أنديته بالندى، ومهاما هتمي سحائب جوده، وأرحيا مل يزل . وصنديدا سخي البنان، ومسيذعا ال تربح ربوعه ربيعا للضيفان

ويطوف كعب . ائي عند نشره، ويفىن هرم بن سنان لبقاء شارح ذكرهيطوى حامت الط. مرتاحا ملالقاة وفودهبن مامة بكعبة حرمه، وخيلد به خالد القشري ليقتبس من كرمه وينقص لديه معن بن زائدة، ويلتقط يزيد

:بن امللهب يف هلبة الزمان فرائده هتلل واهتز اهتزاز املهند... مفيد ومتالف إذا ما سألته

جتد خري نار عندها خري موقد... ضوء ناره مىت تأته تعشو إىلكرمي النجار، جليل املقدار، علي اهلمة، طليق الوجه عند امللمة، وحيرز اجملد . جزيل املروة شريف األبوة

ظله ممدود، وجوده موجود، وفناؤه مقصود، . ويذهب الذهب، ويتبدئ باإلحسان إىل العفاة قبل الطلبيعطي من ال يرجوه، ويفصل قضية املتقاضي وعده على أحسن . مردودوباب منزله عن الواردين غري

وأجرى نيل النوال، . كم أوىل من أيادي، وأجنز إيعاد األعادي، ومنح برا، وكف عن نزيله ضرا. الوجوه :وأماط عن اجملتدي سوء السؤال

ما حكا، علم البأس األسد... علم املزن الندى حىت إذا وله الليث مقر باجللد... فله الغيث مقر باجلدا

ولقد شاهدت منه يف مدة مقامي، يكبو دون منتهاه جواد كالمي، من كرم زهت كرومه، وشجاعة طال أسلها وزهت جنومه، ونعم جتل عن احلصر، وجندة مؤذنة بالنصر، ومساحة ومحاسة، وتدبري وسياسة، وثبات

وهبات طاب هبوب . ورد وصدر رحيب أقدام وصرب وإقدام، ولسان لذوي املسألة جميب، وصدر ملننسيمها ومنح راقت جنات نعيمها، وسخاء حبره زائد، وصلة نفعها على من وصل إليه عائد، وأخالق

:حسنة، ومناقب تقصر عن وصفها األلسنة تلس كالها، والذئاب رعاء... وعدل أباح الشاء أتلعة الفال

ث يشاءوهللا وضع الفضل حي... وفضل حباه اهللا سبحانه به هللا نسبه الذي عال على الفلك، وفتحت السعادة له األبواب وقالت هيت لك، وبيته الذي رفع اجملد

قواعده، وأطلع الرفد يف آفاق اإلنفاق موائده، وقومه الذين زكت نفوسهم، وأينعت يف حدائق العطايا الفخر حتت ألويتهم، وتتعطر غروسهم، وملكوا أعنة املعايل، ورفعوا خيام خيمهم بأطراف العوايل، يسري

يقتحمون عتبة الوغى صابرين على الطعن والضرب، ويفضلون مقارعة كماة . اجملالس بطيب أنديتهم .احلرب، على معاقرة كميت الشرب

طاملا كفوا أكف العدى، ووجد أبناء السرى على نارهم هدى، وشتتوا مشل األبطال، وجروا على تاج اجملرة :فضل األذيال

فأهتم يوم نائل أو نزال... خرب حاهلم عن يقني إن ترد قع خضر األكناف محر النصال... تلق بيض الوجوه سود مثار الذ

واإلسهاب يضع ممن زاد طوال، . وبعد فمحاسنه ال حتصى بعد، وأوصافه ال تدرك ألهنا ال تنتهي إىل حد .واختصار القول أجدر وأوىل

عاينت من لطف حمبته، وآن للمقيم أن يرحل، وللضيف العائد فلما انقضت مدة أليته وقرت عيين مبافأذن يل مكرها وأنشدين . بالفرائد أن خيري وإن مل يسأل، استأذنته يف الظعن، وأعلمته باشتياقي إىل الوطن

:متأوها فلما محدنا مل تدمنا على احلمد... تفضلت األيام باجلمع بيننا لك، والعلم املربح، واجملدمجا: ... جعلت وداعي واحدا لثالثة

مث إين سرت شاكرا بره املألوف، ناشرا ألوية معروفه املعروف، حامدا إنعامه الذي مشل القريب والبعيد، مادحا شخصه الذي مل يشك وحشة قط وهو يف الدنيا وحيد، جمريا ذكر ما حواه مث عزم العزائم مثنيا على

.ائمأياديه اجلميلة ثناء الروض على الغم ؟

:الفصل اخلامس والعشرون

يف العدل واالحسان

إن اهللا يأمر بالعدل واإلحسان، فبادر إىل امتثال األمر أيها اإلنسان، وانشر أعالم اإلنصاف، واتصف مبحاسن األوصاف، وارفق بالرعية، وأكثر من الرب إىل الربية، وابسط رداء املعدلة، وساو بني اخلصوم يف

. ك وخريك، وال تظلم الناس لغريكاملنزلة، وامسح جبرب

واعلم أن العدل حارس امللك، ومدبر فلك الفلك، وغيث البالد، وغوث العباد، وخصب الزمان، ومظنة وكبت احلاسد، وصالح الفاسد، وملجأ احلائر ومرشد السائر، وناصر املظلوم وجميب السائل . األمان. ب، ويرغم أنف الشيطان، وترتفع به قواعد السلطانبه تطمئن القلوب، وتنجلي غياهب الكرو. واحملروم

:عليه مدار السياسة، وهو مغن عن النجدة واحلماسة وحكمك بني الناس فليك بالقسط... عن العدل ال تعدل وكن متيقظا وال تبدلن وجه الرضا منك بالسخط... وبالرفق عاملهم وأحسن إليهم

خللق يف احلل والربطوراقب إله ا... وحل بدر احلق جيد نظامهم يقرب احملن ويسبب اإلحن، وخيلي الديار، . وإياك والظلم فإنه ظلمة، وداع إىل تغيري النعمة وتعجيل النقمة

وميحق األعمار، ويعفي اآلثار، ويوجب املثوى يف النار، وينقص العدد، ويسرع يتم الولد، ويذهب املال، يقص اجلناح، وخيص باإلمث واجلناح، واملظلوم أنفاسه ويتعب البال، وجيلب العقاب، ويضرب الرقاب، و

:متعلقة بالسحاب، ودعوته ليس بينها وبني اهللا حجاب فالبغي ليل جنحه مظلم... كن منصفا واسلك سبيل التقى

واهللا ال يفلح من يظلم... واجتنب الظلم وال تأته وزين جملسك . لك من الرجال وأيقظ عيون حزمك وشيد مباين عزمك، واحتم باالحتمال، فهو أنصر

بأملعيتك، وسس نفسك قبل رعيتك وامزج الرغبة بالرهبة، وارع ألوليائك حقوق الصحبة، وادفع باليت :هي أحسن، وأت من املعروف مبا أمكن

ال بد أن تتحدث السمار... واصنع مجيال ما استطعت فإنه د وأخلف الوعيد، وقيد لفظك فلديك رقيب وأجنز الوع. وجتاوز عن اهلفوات، وادرأ احلدود بالشبهات

:عتيد، وتفكر يف العواقب، واحلظ األخرى بعني املراقب فيما يؤول إليه آخر أمره... من مل يفكر يف العواقب ناظرا

ورأى مساعيه بطرف أمره... خسرت جتارته وضل عن اهلوى اجملد قاصيته، ومتلك به من احلمد يبلغك من. وعليك باحللم فإنه معدن السرور، وعقال الفنت والشرور

يسهل األمور، . مطية وطية وعطية ياهلا من عطية، وخصلة حممودة، وشيمة ألويتها بالسعد معقودة. ناصيته :ال يظهر إال عن صدر سليم. مهة صاحبه علية، ومرآة متعاطية جلية. ويقي كل حمذور

يمميال لتحصيل الثناء املق... قابلت باإلحسان من ساءين إذ عرف الناس بأين حليم... وقمت بالواجب من شكره

واعف عمن ظلمك، وصل رمحك، وارحم حرمك، وأطف باألناة مجر الغضب، واحذر من غاسق الغيظ إذا وقب، وصن عرضك عن األدناس، وادخل يف زمرة العافني عن الناس، فهم أهل الفضل يوم القيامة،

وال تعج عن سنن . أثواب الثواب، ويدخلون اجلنة بغري حسابواملتقلدون بكرم الكرامة، يرفلون يف إن اهللا : " السنن، وراقب اهللا يف السر والعلن، واتبع يف اإلحسان طريق من أفلح به املؤمنون، والزم التقوى

" .مع الذين اتقوا والذين هم حمسنون

:الفصل السادس والعشرون

يف الشكر والثناء

فاشكر من وضع اخلري لديك، وكن مثنيا على من . على احملسن ضربة الزبشكر املنعم واجب، والثناء أحسن إليك، حيث أجاب سؤالك، وحقق آمالك، وصدق ظنك، وأضحك سنك، وأحتفك بكرائم كرمه، وأطلع يف أفقك نعائم نعمه، ولىب دعوتك، وروض عدوتك، ورعى جانبك، وبلغك مآربك، وقوى معينيك

:لعليا قبابا، وفتح لك إىل دار السعادة أبواباوأيد معانيك، وأسكنك من ا وعن وجه الندى رفع احلجابا... وأوالك اجلميل بغري مطل عليك تصري التقريظ دابا... وبل ثراك باجلدوى فحق

كثرته . إن قصر عن املكافأة بنانك، فيطل بنشر الشكر لسانك، فبه تدوم النعم، وهو داعية اجلود والكرمفاجتهد يف إقامة شعاره، واحتفل برفع علمه . األلوف، وقلته تزهد يف اصطناع املعروفتبعث على بذل

وإعالء مناره، وإياك والتقصري يف حق من مشلك بفضله الغزير، وقم بواجب من قلدك املنة، وال جتعل .االعتذار بعجزك من غري حرص جنة

أوالك حسن غرائب ورغائب... أطلق لسانك بالثناء على الذي كيما تقوم له ببعض الواجب ... اشكره شكر الروض حياه احليا و

أيها املتطول بأياديه، املتفضل مبا غمر من غواديه، اجلائد بأمواله، الزائد نيل نواله، املرتدي بأثواب اجلالل، املبتدىء بالعطاء قبل السؤال، لو استطعت متثيل محدك ومدحك، واعتدادي بإفضالك العميم ومنحك،

لقد أترعت مواردي ومناهلي، . ته يف صورة تروق النواظر، وأفرغته يف قالب يسر القلوب واخلواطرألبرزومحلتين من حقائب اجلود ما أثقل كاهلي، وأرحت سري هببات هباتك، وقطعت أملي إال من موارد

:صالتك تثين إليك عنان كل وداد... كم من يد بيضاء قد أسديتها

سلكت مع األرواح يف األجساد... ها شكر اإلله صنانعا أوليتإالم تنشر علي مالبس العوارف؟ وحتام هتدي إيل نفائس اللطائف؟ وتلحظ بعيون العناية، ومتد ظل الرعاية، وتصل أسباب الصنائع، وتأيت من اإلحسان مبا عهده حمفوظ، ونشره ضائع، من غري خدمة سابقة، وال حرمة

.هلدى العواطف سائقةالغناء من خريك، وأهلمتين هلاك عن االجتماع بغريك، وقابلتين عطاياك جبربك، ومنحتين مساحتك طاملا غنيت ب

:من كنزها الوافر خبالص تربها فلتشكرنك أعظمي يف قربها... فألشكرنك ما حييت وإن أمت

قك، وال فها أنا ال أطيق أداء بعض ح. صريت لساين كليال بعد حدته، وأعدت قلمي جافا بعد غزارة مدتهوكلما فرغت من شكر يد كثر مددها، وصلتها بأياد جزيلة أعد منها . خيرجين فرط برك عن عهدة رقك

:فال حتدث يل بعدها زيادة، وارفق بعبدك فقد ملك العجز قياده. وال أعددها أوهت قوى شكري فقد ضعفا... أنت الذي قلدتين نعما

لفاحىت أقوم بشكر ما س... ال تسدين إيل عارفة وماذا عسى مادحك أن يقول، يامن فنت حبسن مناقبه العقول؟ املتكلم يقصر عن وصفك باعه، والبليغ يعجز

والعامل يغرق يف حبرك، والناظم يلقط جواهر نثرك، على أن كال منهم لو استعار . عن حصر فضلك يراعه يصل إىل غايتك، وأعياه الكالل دون الدهر لسانا، واختذ الريح يف نقل أخبارك ترمجانا، أدركه املالل ومل

فاهللا يتوىل من مكافأتك ما هو أبلغ من شكر الناس، وميتع األولياء ببقاء ذاتك اليت . الوقوف عند هنايتك .جلت عن النعت والقياس

:الفصل السابع والعشرون

يف اهلناء

كان : قائال" وان النظر دي" فجاءين يوما من . صحبين شخص من الكتاب، له رفيق يدعي معرفة اآلدابفقلت . رفيقي غائبا مث حضر، وقصدي إمالء شيء يف هذا املعىن، ولست أعرف لروض األدب سواك مزنا

ورد البشري مبا أقر العيون، وسكن هواجس الظنون، وشرح الصدور وأهبجها، وأجلم خيل : اكتب:لهفتلقاه العبد مبزيد . قياد الفضل وزمامهالسرور وأسرجها، من إياب موالنا مصحوبا بالسالمة، مالكا

:القبول، واعترف بطيب عرفه الضائع قبل الوصول قسما فكان أجلهم حظا أنا... وتقاسم القوم املسرة بينهم

ومل يزل مدة غيبته مستدميا لذكره، مشاهدا له وإن شط املزار بعني فكره، متشوقا إىل أيامه اليت راق نعيمها، :لياليه اليت رق كخلقه نسيمهامرتقبا جنوم

ومل منش إال يف سهول وصال... ليايل مل حنذر حزون قطيعة إىل أن مجع اهللا به شتات األمور، وألف مبقدمه من األنس كل نفور، وأعاد بدره إىل منازل سعوده، وفطر

. غاية احلد فله احلمد على نعمه اليت ال تعد، وكرمه الذي جتاوزت سيوفه. قلب حسوده بصعدة صعوده .وهو املسؤول أن يعيذه من شر من حسد وطعن، ويكأله بعينه اليت ال تنام إن أقام أو ظعن

إن رفيقي قد أبل من املرض، وما خيفى عن : مث إنه وافاين بعد مدة، فحمل يراعه ومن النقس مده، وقال

دام صحتك وشفاءك، احلكمة أطال اهللا بقاءك، وأ: فقلت له اكتب. سر الغرض - أيدك اهللا - مثلك ولقد منعين . تقتضي املنح واحملن، وتوجب الفرح واحلزن، ليتذكر أولو األلباب، وتتأكد أسباب الثواب

ياهلا . لذيذ الرقاد ما حصل ملوالي من االفتقاد، وأسكرين خبمر التحري، ما حصل ملزاجه اللطيف من التغريحيث أزعج كرمي جسده، وعال على ذخر غفلة من الدهر صدرت، وهفوة على غرة من األمل ظهرت،

امللك وسنده، وارتقى من الرياسة إىل رأسها، وامتطى ذروة كاشف غمها ومزيل بأسها، وباجلملة فما اعتل :إال ألنه كالنسيم لطفا، وما جاورته احلمى إال أنه كاألسد وصفا

يامن بسيط العمر منه طويل ... ال ختش من أمل أمل مودعا

أسد الشرى، وكذا النسيم عليل... دعوهنا احلمى على إن اليت يوأسأله أن يفيض عليه . وأنا أمحد اهللا على لبسه أثواب الصحة، ودخوله من العافية منزال مهد الربء صرحه

مث إنه جاءين بعد حني، وأساريره خترب أنه . سحائب نواله الزائد، وال حيوج شخصه املغرى بالصلة إىل عائدأيد : إن رفيقي ويل الوزارة، فهل من رسالة تسفر عن حسن السفارة؟ فقلت له اكتب: فقال .من الفرحني

اهللا موالنا الوزير، وأفاض على الكافة فضله الغزير، وهنأه هبذه الرتبة اليت أوضح وجه مذهبها، وبلغها :ة أحواهلابتحرير قلمه املهذب هناية مطلبها، وأمنى بتدبري أحواهلا، وقرر على القواعد املرضي

ومل يكن يصلح إال هلا... فلم تكن تصلح إال له هذا ما كانت تنتظره النواظر، وتشهد بوقوعه خطرات اخلواطر، وأسند األمر إىل أهله، وأجلب اخلري خبيله

ورجله، وأصاب الدهر فيما أمضاه من فعله، وانتهت القوس إىل باريها، ومتكنت الرعايا بعرا أمانيها، وزفت ما أحق هذه البشرى بأن تبدي الرياض من ورودها لورودها نشرا، . لوزارة على كافلها وكافيهاعروس ا

ومتيد األغصان ومتيل، ويتخلق الكون بزعفران األصيل، ويتقلد األفق بعقود جنومه الزواهر، وتنطق :بشكرها ألسن األقالم من أفواه احملابر

ور الصدوروامتألت بشرا صد... سرت بك الدنيا وسكاهنا للحزن وافترت ثغور الثغور... وأجرت األعداء سحب البكا

فاحلمد هللا مث احلمد هللا، والشكر له على ما أواله، من إسباغ نعمه املألوفة، ومعروف أياديه املعروفة، وإليه .الرغبة يف إدامة سروره املتوايل، وإدارة فلك سعده على ممر الليايل

إن الوزير بشر بغالم، فأمل علي زادك اهللا رفعة، ما أشنف به من اهلناء مسعه، : وقالمث إنه قدم إيل بعد أيام، أهال بطلوع جنم السعادة، ومرحبا بظهور هالل السيادة، غصن الشجرة الوارف ظلها، : أكتب: فقلت له

تؤيت . باهتأكرم هبا من شجرة أصلها ثابت، وفرعها النامي كل طرف إليه . العايل يف جنات الفضائل حملها .أكلها كل حني، ومتنح برها الغادين والرائحني

ياله مولودا راقت نضرته، وتبسمت من خالل املكارم زهرته، واهتزت لقدومه قدود العوايل، وارتاحت ملورده نفوس املعايل، واستشرفت له صدور احملافل، وهتيأت خلطبته عقائل املراتب واملنازل، فتهن به أيها

:مبشاهدة صبحه املنري الوزير، ومتل

حظ بتخليد السرور زعيم... وابشر فقد وافاك يوم رزقته ال زالت التهاين بكعبة حرمك طائفة، وال برحت املسرات على جنابك متضاعفة، ودمت راويا حديث

:اجلود عن أصلك بإسناده، جامعا بني كرم طارف جنلك ومين تالده هول الشيب من أوالدهوترى الك... وبقيت حىت تستضيء برأيه

فلما فرغت من نقشها، وتأمل حماسن رقشها، نشر أعالم الثناء والشكر، ومتايل طربا كالثمل من السكر، .مث ودعين وبان، ومل اجتمع به إىل اآلن. واعتذر من التثقيل، واستعفى من القال والقيل

:الفصل الثامن والعشرون

يف الرثاء

وكنت أستحليه واستجليه، إذا حصل االجتماع بيين . غ من فصاله منتهى األمدمات ملن يعز علي ولد، مل يبل :من الوجد عليه، فكتبت على سبيل التعزية إليه -وهو معذور -و بني أبيه، فأكثر

قليال فكره مبعنفيه... برغمي أن أعنف فيك دهرا وأن أطأ التراب وأنت فيه... وأن أرعى النجوم ولست فيها

اهللا يف عمرك وصربك، وحمى آية احلزن من صحيفة صدرك، دار متكر بسكاهنا، وتغدر بأهلها الدنيا مدكم أفنت قرونا، وأسخنت بالبكاء عيونا، ونثرت عقدا، وأضرمت وقدا، وأخلقت جديدا، . وجرياهنا

:وأخذت من والد وليدا، وفرقت مشل األحباب، وألبست األتراب أردية التراب وساقت حنوه حزنا... لبا وكم قد روعت ق

وأذوت بالردى غصنا ... وملت بعد أن مالت

وال كغصن دوحك الرطيب، وزهرة روضك اخلصيب، الذي عز فقده، وهتك ستر املدامع بعده، وأحيا ياله زائرا ما سلم حىت ودع، وهاجرا خشع القلب لصده . مبوته األسف، وشوى األكباد على مجر التلف

هب مربأ من الذنوب واألوزار، وعصفورا طار إىل اجلنة وتركنا نتقلب يف تلهب النار، وتصدع، وطفال ذودينارا أولعت بصرفه أيدي الزمان، ودرة نقلها الدهر إىل صدف األكفان، وهالال عاجله اخلسوف قبل

:اإلبدار، وجنما أخفاه إسفار صبح األقدار اكب األسحاروكذاك عمر كو... يا كوكبا ما كان أقصر عمره

وقد علم اهللا شوقي إليه، وشدة قلقي وحرقي عليه، وغمي ملغيبه بعد إشراقه، وفرط بثي وحزين لفراقه، وما :سال من دموعي وساح، وأصاب جوارحي من اجلراح

ما تنقضي، وكميها مل يقهر... موت الصغري مصيبة غاراهتا وض مزهرفقد اهلشيم كفقد ر... قسما مبن حييي رفات اخللق ما

لو أن احلتف . أعاد أيامنا سودا وكانت به بيضا ليالينا. ولقد أجرى ماء العيون معينا، وكنا نرجوه معينا

يقبل الفدا، أو أن احلمية ترد الردى، لفديناه باألموال واألرواح، وخضنا دونه حبار السيوف والرماح، فإنا هللا . بيل احملتوم سلوكه على املأمور واألمريولكنه الكأس الذي يستوي يف شربه الصغري والكبري، والس

وإنا إليه راجعون، وحبكمه راضون، وألمره طائعون، له ما أعطى وله ما أخذ، وهو الذي يرسل سهم املنية .ولواله ما نفذ

وأنت أبقاك اهللا أوىل من للقضاء سلم، وسكن منبسط النفس ولو بأنياب النوائب تكلم، وقابل القدر بوجه ضا ال الغضب، واحلمد هللا على كل حال إن وهب أو سلب، فاجلزع ال جيدي وال يفيد، واملاضي ال يعاد الر

إىل يوم الوعيد، واألجر موقوف على االحتساب، واهللا عنده حسن الثواب، فادخره لألخرى فالدنيا متاع "واصرب على ما أصابك إن ذلك من عزم األمور " الغرور

وكادت األرض بنا أن متور... سرور يا راحال أذهب عنا ال من قبل أن يدرك شأو البدور... ويا هالال باخلسوف احتفى

حولك ولدان حسان وحور... إن كنت قد فارقت أهال فكم ليهنك اجلار الذي ال جيور... جاورت من بعدك من ساءين

جتارة العاين به لن تبور... وياله من بدر رفيع مضى لو أنصفوا شقوا عليه الصدور... ملا سرى شق اجليوب القوم

أن الدراري يف الصحارى تغور... ما كنت أدري قبل دفين له نعش ودمع العني غسل طهور... هلفي على طفل فؤادي له

فعوجلت بالقطف دون الزهور... هلفي على زهرة روض زهت يبدو لنا من نوره الغض نور... هلفي على غصن ذوى قبل أن

آياته احلسىن ليوم النشور... ذاك الوجه كيف انطوت آها ل يف صدف اللحد جوار القبور... آها لدر قد غدا ثاويا

الوجد حق فيه والصرب زور... آها ملر اهلجر حلو احللى إال لنحظى يف غد باألجور... واهللا ما عجل يوم النوى

ما هذه الدنياوسحقا ملاتلهي هبإال متاع الغرور ملا اغتدوا يف رقها كالسطور... بكف احلتف رسم الورى متحو

دار البلى تنقل أهل القصور... ما تأتلي من غري خوف إىل ضائع أعمار الربايا تدور... كم من رحى للموت فيها، على

كنا نرجيه لسد الثغور... أخىن علينا الدهر يف أخذ من األمور أال إىل اهللا تصري... يا دهر باإلمرة كم تعتدي

:الفصل التاسع والعشرون

يف احلكم

اجملد . اجتهد يف طلب العلوم، تنفرد مبا يرفعك إىل النجوم. العلم نعم السمري، والعقل بشري باخلري يشريالعلم . من صادق العلماء زها بدره، ومن رافق السفهاء وهي قدره. يبذل اللها، والفضل باألدب والنهى

احلق سيف قاطع، واحللم . التقوى أفضل حلة،واملروءة أجل خلة. جته العفافمثرته اإلنصاف، والزهد نتيالعقل أحسن املواهب، . الزم احلجا فهو ألطف سائس، وال تعدل عن العدل فهو أحفظ حارس. درع مانع

.واجلهل أقبح املصائب أبوابه العليا تنل كل العال ... العقل أحسن معقل فاهرع إىل

والعقل إن كثرت حواصله غال... كثرة واعلم بأن الشيء يرخصمن رضي بالقدر، وقي شر احلذر، اليأس يعز األصاغر، والطمع يذل األكابر، حاسب نفسك تسلم، وال

ال تقل إال ما يطيب عنك . من سره الفساد يف األرض ساءه طول التعب يوم العرض. تقتحم األخطار تندم. عيد من اتعظ مباضي أمسه، والشقي من ضن خبربه على نفسهالس. نشره، وال تفعل إال ما يسطر لك أجره

من مل يعترب باملساء والصباح، مل يرتدع . قصرية -وإن طالت -ال تغرنك صحة بدنك اليسرية، فمدة العمر .من قنع برزقه استغىن، ومن صرب نال ما يتمىن. بقول اللوام و النصاح

لذي قد حصلومنه اقتنع با... إذا الرزق عنك نأى فاصطرب فإن كان مث نصيب وصل... وال تتعب النفس يف جلبه

ومن رفع حاجته إىل اهللا جنحت، ومن متسك بغريه خسرت جتارته . من أنس باآلخرة، فاز باملالبس الفاخرةأبصر الناس من نظر إىل عيوبه، وجلأ إىل ربه . من مل تفسد شهوته دينه، وصل إىل األماكن املكنية. وما رحبت

الدنيا ظل زائل، . أرفع األعمال ما أوجب شكرا، وأنفع األموال ما أعقب أجرا. لتجاوز عن ذنوبهيف اال ختل نفسك من فكرة، تدين من . من غالب احلق غلب، ومن استهان بالدين سلب. والشيبة ضيف راحل

:عد عن طاعة هواك، واحذر من خمالفة موالك. طرفك وقلبك قرارا وقرة واجتنب ذلة اهلوى واهلوان... ياذا املعاصي ال تتابع هواك

ومتىن على اإلله األماين... أمحق الناس من أطاع هواه . من لزم شأنه دامت سالمته، ومن حفظ لسانه قلت ندامته. من وثق باهللا أغناه، ومن خرج عن حكمه عناه

والدنيا طبعها الغدر واملالل، الزمان ال يبقي على حال، . الصمت يرفع لك املنار، وخيلع عليك ثوب الوقار. ال تفن عمرك يف املعاصي، وخذ حذرك من مالك النواصي. تفنت بزهرهتا الذاوية، وختدع بزينتها املتالشيةمن لزم . ما سعد من شقي صاحبه، وما عزت من ذلت أقاربه. إياك وكثرة الكالم، فإهنا تنفر عنك الكرام

:دع سرك غري صدرك، وال تتكلم مبا حيوجك إىل إقامة عذركال تو. شكر اإلحسان استدام عدم احلرمان إىل أحد فيه ولو كان من كانا... تفرد حبفظ السر وحدك ال تثق يزل وإن أودعته جاهال خانا... فإنك أن أودعت سرك عاقال

يظهر من من عال علم شيمته، غال مقدار قيمته، استر برا. من بسط يده باجلود، خرج من العدم إىل الوجودمن أحسن إىل جاره أطلع قمر احلمد يف داره دارة، ومن جاد لطلب . يديك، وانشر معروفا يسدى إليك

أحسن اخللق ما حثك على املكارم، وأوضع . اجلزاء فليس بكرمي، ومن صفح لعدم القدرة فليس حبليمقل عقله كثر قوله، ومن زكا من. عي تسلم مبيلك إليه، خري من نطق تندم عليه. الطرق ما كفك عن احملارم

توق جناية اللسان، وال تأمن من سطوات الزمان، واستعذ من شر أفعى أفعالك، وحتل . أصله تواتر طوله .بالصدق يف مجيع أحوالك

سر حنوه نعم الطريق طريقه... الصدق يورث قائليه مهابة من قل منه الصدق قل صديقه... واحفظ به عهد الصحاب فإنه

عن سبيل الصواب، ولذ جبناب رب األرباب، واسع إىل باب من بيده امللك وهو على كل شيء ال تعج "إن الذين خيشون رهبم بالغيب هلم مغفرة وأجر كبري " قدير، واخش من يعلم السر وأخفى،

:الفصل الثالثون

يف املواعظ

يربز دقائق املعاين يف جليل أعلمين من أثق بنقله، وال أشك يف معرفته وفضله، بقدوم بليغ من الوعاظ،حىت . وأشار حبضور جملسه، واالهتداء بضوء قبسه، فقبلت اإلشارة، وانتظمت يف سلك السيارة . األلفاظ

وإذا . أفضينا إىل ناد فسيح، لسان مناديه فصيح، قد مجع بني الغين و الفقري، واشتمل على املأمور واألمريأيها الناس، ما املوت بساه وال : فسمعته يقول. لكالم قلوب فرقته بشيخ قائم يف هبرة حلقته، يفنت بسحر ا

ناس، فتأهبوا حللوله، واستعدوا له قبل نزوله، وحصلوا الراحلة و الزاد، وردوا العاصي إىل الطريق فقد زاد، وال تعدلوا عن حمجة احلجا، واتقوا دعوة املظلوم يف ظالم الدجا، وامنوا بالقدر خريه وشره، وارضوا بالقضاء حلوه ومره، وأفرغوا ذنوب الذنوب وافزعوا إىل عالم الغيوب، وامنعوا من األمل ما كان مجوحا،

:وتوبوا إىل اهللا توبة نصوحا رب اهلوى من حصنه وعقابه ... وجتنبوا سبق اخلطا فلكم هوى

كي تسلموا من خزيه وعقابه... ومتسكوا جبناب تقوى ربكم أمدها . عامرها خراب، وغامرها سراب. كر بصاحبها، وهتدي إىل أقارهبا سم عقارهباوإياكم والدنيا فإهنا مت

ألهنا ال تبقي وال تذر، حبرها . صفوها كدر وجرحها هدر، واخلاطر هبا على خطر. قصري، وإىل الفناء تصريلشريعة، فاركبوا فيها من التقى فلكا منيعة، واجعلوا شراعها التمسك بعرا ا. العميق، كم له من غريق

لعلكم تبلغون الساحل، ويقدم بشري بشركم الراحل، وهي قنطرة فاعربوها وال تعمروها، واخشوا عيون :شركها املفتوحة لكسركم واحذروها

وال تعمروا، هونوها هتن... جماز حقيقتها فاعربوا تراه إذا زلزلت مل يكن؟... فما حسن بيت له زخرف

ك، وأجزل حرصك وأشرك، وأقوى على من دونك ظفرك، ابن آدم ما أكثر حرضك، وشرك ومرض

وأضعف مبن فوقك ظفرك، وأخجل من يؤنبك، وأتعب من يتعبك، ووثبك إىل صيد احلرام،وأشد شرهك أما علمت أن الشره، يف عني الرجل مره؟ ال بالقليل تقنع، وال من الكثري تشبع، وال إىل . على احلطام

أنفاسك معدودة وأوقاتك حمدودة، ومالك عارية مردودة، وذاتك . ياملواعظ تصغي، وال تبغي أنك ال تبغ :املوجودة عن قريب مفقودة

وال بد يوما أن ترد الودائع... وما املال واألهلون إال ودائع وحيك أحتسب أنك تترك سدى؟ أو أن احلقوق تبطل بطول املدى؟ كال يا كليل الذهن، لتبعثن يوم تكون

: على الذرة والربة إن اهللا ال يظلم مثقال ذرةاجلبال كالعهن، ولتحاسنب إهلك مرة من بعد مره... تنبه أيها املغرور واسأل

من الرب املهيمن باملربه... وقف بالباب معتذرا لتحظى من األحزان ما خيفي املسره... وال تركن إىل الدنيا ففيها

هبا يرضون وهي هلم مضره... أال بعدا هلا من دار قوم حتل من املمات بك املعره... عر من الذنوب، فعن قريب ت

وإياك اهلوى وتوق شره... وبالنزر إقتنع، فاحلرص ذل وإن كانت محيا الصرب مره... وحلو العيش ال تقربه واصرب

وما هذه الغفلة اليت رانت على . يا أرباب املالبس الفاخرة، الدنيا خلقت لكم وأنتم خلقتم لآلخرةآما آن لكم أن تنيبوا؟ وتصغوا إىل داعي ! ما هذا الطمع الذي أحلق بالعبيد أحراركم؟؟! قلوبكم؟؟؟؟

الفالح وجتيبوا؟ بلى واهللا آن، وظهر فجر احلق وبان، فاجنحوا إىل الطاعة، والزموا أهل السنة واجلماعة، ، وأخلصوا يف األعمال، "واعتصموا حببل اهللا مجيعا وال تفرقوا " واشتملوا على اخلريات قبل أن متزقوا،

واقطعوا حبائل اآلمال، وتزودوا للرحيل عن الوطن، واجتنبوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وحتلوا وال تعتدوا إن اهللا ال حيب " بعقود املكارم، وختلوا عن انتهاك احملارم، وجدوا كي تنالوا جد اجملتهدين،

صونوا أعراضكم ببذل النعم، واختذوا الصرب على البلوى عدة ، واعقلوا بالشكر شوارد النعم، و" املعتدين :وجنة، وسارعوا إىل مغفرة من ربكم وجنة

قطوفها للمجتين دانيه... أحسن هبا من جنة عالية تسمع فيها أبدا الغيه... آذان أهليها أويل العزم ال

وجوههم فيها ويا حسنهاناعمة مرضية راضيه يسعون يف روضاهتا الزاهية.. .احلور والولدان من حوهلم

فيها، وكم من أعني جاريه... كم سرر للوفد مرفوعة موضوعة أكواهبا الصافية... مبثوثة فيها زرابيها

يوم دخول الفرقة الناجية... فاجتهدوا كي تدخلوها غدا

لة باهلدى وتستبدلون الضال! وتذهبون جوهر نفوسكم يف حتصيل العرض؟! إالم هتتمون يف إدراك الغرض؟وتسوفون بالعمل كأن منفعته ! وتسمحون بشركم وتبخلون خبريكم؟. وترتدون مبا يوقعكم يف الردى! ؟

وأكثروا من ذكر هاذم اللذات واستيقظوا من سنة الفترة . أال حسنوا الصفات، لتكرمي الذات! لغريكم؟ونقلتم إىل دار ! بعد الرفاهية رفاتا؟؟؟وعدمت ! واتقوا النار ولو بشق متره، فأىن بكم إذا أصبحتم أمواتا؟

وانقلبتم يف ! وفجع بكم األحباب، وغلقت دونكم األبواب؟ !البلى، وأجيب السائل عن بقائكم بال ؟ أم كيف بكم إذا بعثر ما يف القبور وحصل ما يف الصدور؟ ! قليب الربزخ، وأضحت عقودكم حتل وتفسخ؟

" .فال تغرنكم احلياة الدنيا وال يغرنكم باهللا الغرور ! " مور؟ووقفتم للعرض على من بيده مقاليد األ! . فبكى القوم لبكائه، وأمنوا على صاحل دعائه. مث إنه بسط للدعاء يديه، وأجرى سوابق دمعه على خديهفمن المث راحته، وقاصد باجلود راحته، . فلما فرغ اقبل الناس إليه، وأكثروا من تعظيمه والثناء عليه

وهو يروح أرواحهم املكروبة، ويسقي كل واحد . ركة عنايته، وناطق بشكر نصحه وهدايتهوملتمس ب .مث وىل يتهادى بني صحابته، وانسحبت عنا أذيال سحابته. منهم مشروبه

فمضيت قرير الناظر، منشرح للصدر واخلاطر، متعظا مبا استمعت من قول النصيح، مستنشقا من عرف وذكر : " صحبة املشري الذي مل يزل من احملسنني، مصليا على من أنزل عليهالشيخ عرف الشيح، حامدا

" .فإن الذكرى تنفع املؤمنني واهللا . هذا آخر ما نطق به لسان الرياع، وانتهى ما أورده نسيم الصبا من أحباره الطيبة على األمساع

وله . ده احلوض، يوم األواراملسئول يف غفر الذنوب وستر العوار، ومساحمة ذي اللعب واخلوض، بورووالصالة والسالم، على صاحب املقال . احلمد على سابغ نعمه، وما من به من فيض فضله ودوام دميه

.واملقام، سيدنا حممد املؤيد باللسن والرباعة صالة وسالما دائمني إىل يوم الساعة آمني

ISLAM ICBOOK.WS ين| ٢٠١٠ م لمسل احة لجميع ا مت ق لحقو ع ا جمي