ﺕﺍﺭﺍﺪﺻﺇ - alanwar14.com · ﻢﻳﺮﻜﻟﺍ ﻥﺁﺮﻘﻟﺍ ﰲ...

750

Upload: others

Post on 03-Sep-2019

51 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • إصدارات ملتقى (سحر البيان) الكتابي

    (دروس ألقاها الشيخ علي آل موسى)

    كـتبهـا:* عبـد العزيـز حسـن آل زايـدزايـد آل حسـن محمـد *البحارنـة سـعيد موسـى *

  • /

    :. : .. : *

    . ::. : *

    .( ) . / : *. / : . : *

    * [email protected]

  • B ¶ μ ́³ ² ± ° ̄®¬ « ª © ̈§} Å Ä Ã Â Á À ¿ ¾½ ¼ » º ¹ ¸ × Ö Õ Ô ÓÒ Ñ Ð Ï Î Í Ì Ë ÊÉ È Ç Æ

    .{ß Þ Ý Ü Û Ú ÙØسورة البقرة/ ٢٨٦.

  • ٧ اإلهـــــداء

    اإلهــداء

    إلى كلّ من وقّر الله بتوقير كتابه..إلى كلّ من أسهر بالقرآن ليله وأظمأ نهاره..

    إلى كلّ من حمل القرآن ووعاه وطبّقه.... إلى كلّ من اختزن القرآن عقيدة وفكراً ومنهجاً

    إلى كلّ من تعلّم القرآن وعلّمه..إلـى كلّ من إذا التبسـت عليه الفتن كقطـع الليل المظلم؛ لجأ إلـى القرآن، وجعله أمامه قائداً له، فانطوت عليه جوانحه، ولهج به لسانه، وعملت به جوارحه، فاهتد بهدي

    القرآن، وبصر ببصيرة القرآن، ورشد برشد القرآن..نهدي هذا الجهد المتواضع..

    ون المعدّ

  • ٩ تقديم

    تقديم

    سماحة المرجع السّيد محمد تقي المدرسي

    بسم الله الرحمن الرحيمالحمـد للـه ربّ العالمين، وأفضل الصالة والسـالم على النبـي المصطفى محمد

    وآله الهداة الميامين.القرآن الكريم ذلك المصباح المنير الذي يشعّ من مشكاة الوحي على كلّ أفق، وال

    تزال البشرية بحاجة إلى نوره للسير قدماً في معارج الكمال. واليوم حيث تطغى المادية في حياتهم حتى كادت تحيط بهم ظلماتُها، تر الناس ـه يد أكثـر حاجة إلى االهتمـام بكتاب الله المجيد الذي هو الكتاب الوحيد الذي لم تمسّ

    التحريف. إنّه حبل الله الوحيد الذي ال يزال ممدوداً بين الله - سبحانه - وخلقه.وهكـذا ينبغـي أن نسـتنطق القرآن حتى يحكم فـي األمور المتشـابهة التي تعترض

    حياتنا.ها (أزمة الرؤية) التي تشوشـت نحن اليوم في أزمات حضارية شـتى، أبرزها وأهمّ

    بفعل المادية الطاغية.وسبيل استنطاق القرآن:

    أوالً: تالوته والتدبر في آياته الكريمة.: محاولة تطبيق آياته على الظروف المحيطة، بعد دراستها بدقة ودراسة اآليات ثانياً

    بعمق.: التجسير بين آياته الكريمة لمعرفة أبعاد تصديق آياته لبعضها البعض. ثالثاً

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ١٠والدراسة التي بين أيدينا هي واحدة من المحاوالت الجادة في هذا السبيل.

    ونحـن إذ نتمنى أن نجد المزيد من هذه الدراسـات في سـبيل تقريب المجتمعات إلى أفق القرآن الكريم، نسأل العلي القدير أن يمنّ على المؤلف بالمزيد من التوفيق للسير عت فإنّها لن تسـتوعب أنوار قدماً في سـبيل تطوير دراسـاته القرآنية التي أنّى كثرت وتنوّ

    الذكر الكريم. والله المستعان..

    محمد تقي المدرسي١/ شوال/ ١٤٢٧هـ

  • ١١ املقدمة (القرآن دستور احلياة اخلالد)..

    املقدّمة(القرآن دستور احلياة اخلالد)..

    تلك مقولة شائعة في حياتنا كمسلمين تغمر قلوبنا قناعةً بأنّ القرآن الكريم لم يأتِ ليكـون كتاباً تُرسـم حروفه علـى أثمن الورق وأجملـه، وال لنتعامل معـه بوصفه صيدلية د حلية لفظية تُقرأ بترتيل أدويـة، أو محطّ بركـة تُتلى على الميّت، بل وال حتى ليكون مجرّ

    وتجويد، أو لنيل األجر والثواب من الله.) منه تُسـتمد الرؤ واألفـكار والمواقف في حياة لقد جاء القرآن ليكون (دسـتوراًالفرد والجماعة، .. ليصوغ قلب المسلم وعقله وعمله، كما يصوغ األمة المسلمة والدولة، وليكون نهجـاً لـ(الحياة)، يغرس فيها التزكية والهداية والبصيرة، ويخرجها من الظلمات إلـى النـور، ويبعث فيها الحركة والفاعلية والنشـاط، ليكون ثورة علـى الموت والخمول يها عين األمة (الخالد) الذي تُعرض عليه مستجداتها ومتغيّراتها، فيصفّ والكسل، وليكون مَيها بزالله، ويبقى هو المحور الثابت الدائم، فهو صاحب القواعد الثابتة التي ال تتغيّر، وينقّ

    والمستمرة مع حركة عجلة الزمن.لقـد منحـه أن يكون دسـتور الحياة الخالـد كونُه من اللـه المحيـط بعالَمي الغيب ه عن القصور والرغبات، والذي لة، المنزّ والشهادة، العليم بحاجات البشر الثابتة والمتحوّوضع كتابه ليكون خاتمة الكتب والرسـاالت السـماوية، فجاء قادراً على التفاعل مع كلّ نَا فِي طْ رَّ ا فَ حاجاتها، حاوياً لكلّ الحلول واآلفاق التي تضيء لها مشوار الزمن الممتدّ {مَّ دً هُ ءٍ وَ ـيْ لِّ شَ ا لِّكُ يْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانً لَ لْنَا عَ زَّ نَ } سـورة األنعام/ ٣٨، {وَ ءٍ ـيْ الكِتَابِ مِن شَ

    } سورة النحل/ ٨٩. ينَ لِمِ سْ لِلْمُ رَ بُشْ ةً وَ مَ حْ رَ وَومن ثمّ جاء األمر اإللهي للبشر بالتدبر في هذا الكتاب النور، واالستلهام من ضيائه } سورة ص/ ٢٩. لُوا األلْبَابِ رَ أُوْ كَّ لِيَتَذَ اتِهِ وَ وا آيَ بَّرُ كٌ لِّيَدَّ بَارَ لْنَاهُ إِلَيْكَ مُ اج: {كِتَابٌ أَنزَ الوهّ

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ١٢ر المسلمون بيد أنّ تحويله إلى دستور خالد للحياة كان يقتضي على الدوام أن يطوّمناهـج وآليات للتعامـل معه؛ لينفتح عليهم بأكبر مقدار ومسـتو وصلوه، فالذي يحاور القرآن بمنهج لغوي فحسب، لن تُشرع أمامه سو أبواب لغوية، ومن يتجاذب معه أطراف الحديث في العقائد أو الفقه أو الفلسـفة فسـينفتح عليه من الوجهة التي شرعها، فمن أين للقرآن أن يخدمنا في الحقول القلبية والمعرفية والسلوكية والتطبيقية؟!، ومن أين للقرآن

    أن يهمي علينا عطاءه في النفس والتربية واالجتماع واالقتصاد والسياسة وغيرها..؟!ادها باهتمام كبير أبدع وإذا كانت فروع اللغة واألدب والنقد قد حظيت من قِبَل روّالكثيـر مـن النظريات المعرفية والمناهـج العملية، فإنّ القرآن الكريم لـم تُبذل له الجهود نْي من الموازيـة لها وال الموازية لقيمته ومكانته، بحيث أصبح شـرح النـصّ األدبي والجَثماره أسـهل من اقتحام النصّ الديني، وأضحى تسـطير مجلد في شـرح معلقة جاهلية -

    كمعلّقة امرئ القيس - أبسط من استخراج األفكار والرؤ من سورة الكوثر!!وإذا كان القرآن يحثّ على التدبر فيه واالسـتفادة منه، فهل هناك طرق عملية تذلّل ـد الطريق؟، وهـل هناك مناهج وسـبل معيْنة على بلوغ مقـدار أكبر من الصعوبـات وتمهّ

    االستفادة؟لقد وقفت فكرة (قداسة النصّ الديني) - في بعض أشكال فهمها - واحدة من أهم العوائـق في طريق إبداع تلك المناهج والسـبل، فحيث تخلّـص منها النصّ األدبي - مثالً - أمكـن إيجاد مناهج عديـدة لفهمه، وأخـر لقراءته، وثالثة لنقـده، وظهرت اتجاهات مة على ومـدارس حريصة علـى االبتكار والتجديد فيـه، وامتحان الرؤ المعرفيـة المقدّ

    عة المشرب على النصّ الواحد. بساط التعامل معه، والقيام بتطبيقات متنوّ ،C اً مغلقاً ال يفهمه إال الله والمعصوم أما القرآن فقد تمّ التعامل معه بوصفه نصّوفُرضـت تخويفات كثيرة على محاولة التعامل المباشـر معـه؛ وهذا ما أبعد الكثيرين عن حيوية االستلهام الذاتي المباشر منه، وأبعده عن حركة الدرس الفاعل وعن التأثير الواسع ساً ندندن بحروفه وال نفهم معانيه، وال في الحياة، حتى أمسينا نقرؤه كما نقرأ طلسماً مقدّ

    نجسر أن نتحاور معه!! ولـم يكن ذلك الخوف المسـتكن في القلـوب يرتع في حياة البعيديـن عن التديّن والـدرس الدينـي فحسـب، بـل كان القـرآن على مـد أحقـاب متطاولة بعيـداً حتى عن المـدارس الدينية والحـوزات العلمية، وأمسـى تفكيك الرواية بدءاً من سـندها وعبارتها ومضمونهـا بمـا يتصل به من عمـق التعامل مع علم الرجال والدراية وغيرهما أسـهل من

  • ١٣ املقدمة (القرآن دستور احلياة اخلالد).. فهم آية تتكلّم عن (التوحيد) الذي هو أهم أصل في الدين!!

    وأمست البحوث العلمية الدينية ترتكز على القواعد األصولية والكالمية والمنطقية والفلسـفية أكثر مما ترتكز على آيات الكتاب العزيز، بحيث غدا ورود آية فيها يثير الغرابة والدهشـة، ويأتي - غالباً - ضمن التأييد واالستئناس، ال ضمن التأسيس الذي تُشاد عليه

    دعائم بناء النظرية والفكرة، أو ضمن االستدالل الذي يثبت صحتها وسالمتها!!وال نريـد أن نقـول: إنّ السـاحة المعرفيـة خلت مطلقـاً من المحـاوالت المعرفية البتكار مناهج لسـبر النصّ القرآني، ولكنّنا نريد أن نقول: إنّها يسـيرة جداً، وبحالة شديدة

    من البطء، والبعد عن التطوير، واالفتقار إلى إنزالها لعالم التطبيق والممارسة.فقد انصبّ االهتمام في الدرس والتفسير والتأليف القرآني على الجانب الموضعي التجزيئي التحليلي، وسيطرت التفسيرات اآلخذة بهذا اللون التفسيري على مساحة زمنية

    . طويلة من عمر األمة اإلسالمية تصل إلى ثالثة عشر قرناًولـم تبـدأ بذرة الدرس والتفسـير والتأليـف الموضوعي في القـرآن الكريم إال مع النصـف الثاني من القرن التاسـع عشـر الميـالدي، متزامنة مع جهود السـيّد جمال الدين األفغاني في (المقاالت التفسـيرية) التي ازدانت بها مجلة (العروة الوثقى)، ثمّ فيما تالها من جهود الشـيخ محمد عبده، وما كتبه من مقاالت تفسـيرية، وما سنّه من منهج تفسيري يجمع بين معطيات المنهجين التحليلي والموضوعي معاً، تلك الخطوة التي انبثقت منها وسـارت عليها (مدرسـة المنار) التـي اقتحمت بجهودهـا الموضوعية القرن العشـرين،

    دّ هذا القرن عصر ميالد التفسير الموضوعي القرآني. بحيث عُوقد واصلت (مدرسة المنار) بجهودها المشوار، وراكمت عطاءاتها بحيث خلقت جات كثيرة دراسية وتفسيرية وتأليفية في الحقل الموضوعي، وقد تلقف األستاذ أمين تموّالخولي وزوجته عائشـة عبد الرحمن (بنت الشـاطئ) األسـس من مدرسة المنار، وأشادا

    عليها بناء (مدرسة األمناء). وشـهدت فتـرة السـبعينات الميالديـة من هـذا القـرن ومـا بعدها بزوغ شـيء من الدراسات والكتابات القرآنية الموضوعية في العالم اإلسالمي عموماً، ومزيداً من العناية

    بالدرس القرآني:فقد دخل درس التفسير الموضوعي إلى العديد من الجامعات في العالمين العربي واإلسـالمي، وحلّ درساً رسـمياً يتعاطاه بعض طالبها، السيما في حقل العلوم الشرعية،

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ١٤ومن هذا ما شـهدته بعض جامعات المملكة العربية السعودية كجامعة الملك سعود، وما

    شهدته الجمهورية اإلسالمية في إيران بعد انتصار الثورة اإلسالمية فيها.كما دأبت حوزة اإلمام القائم U - ومنذ فجر انطالقتها األولى أواخر السبعينات الميالديـة في إيران - علـى االهتمام بنوعي التدبر (الموضعـي التحليلي) و(الموضوعي

    التوحيدي)، وإحاللهما درسين أساسيين يتعاطاهما طالبها من لدن اليوم األول.وإلى جانب دخول التفسـير الموضوعي درسـاً في الجامعات والحوزات صدرت العديـد مـن الكتب في هـذا الميدان تصبّ فـي جانب التنظيـر أو التطبيـق، أو فيهما معاً،

    ومنها:١- المدرسة القرآنية، للسيّد الشهيد محمد باقر الصدر.

    ٢- مباحث في التفسير الموضوعي، للدكتور مصطفى مسلم.٣- التفسـير الموضوعـي بيـن النظريـة والتطبيـق، للدكتـور صـالح عبـد الفتـاح

    الخالدي.٤- التفسير الموضوعي، للدكتور عمر عبد الله العيص.

    ٥- التفسير الموضوعي: نظرية وتطبيقاً، للدكتور أحمد عثمان رحماني.٦- مفاهيم القرآن، للشيخ جعفر السبحاني.

    ٧- نفحات القرآن، للشيخ ناصر مكارم الشيرازي. صة، منها: (المعارج)، و(القرآن نور)، ومجالت كما صدرت مجالت قرآنية متخصّ

    تعنى بالدراسات القرآنية كمجلة (البصائر).امية) كان وضمـن الفعاليات التـي يقوم بها (ملتقى سـحر البيان الكتابـي بالعوّمنا مجموعة من الـدروس في (التدبر الموضعي في القـرآن الكريم) أُلقيت لنـا أن قدّفـي عام ١٤٢٤هــ/ ٢٠٠٤م، ثمّ مجموعة أخر في (التدبـر الموضوعي في القرآن الكريم) في ١٤٢٦هـ/ ٢٠٠٦م، سـعينا فيها - إلى جانب دراسـة التدبر الموضوعي بشـكل عـام - إلـى أن نصـل إلى (منهـج عملي) يسـاعد الراغـب في القيام بدراسـة ( تطبيقيـة ألمر ما.. يندرج ضمن مجـاالت التدبر الموضوعي، كأن يدرس (موضوعاً) فـي القرآن الكريـم؛ عبر العناية بالخطـوات التطبيقيـة العامة لمناهج أو (مصطلحـاًالتدبر الموضوعي، والعناية بالوسـائل والطـرق والكيفيات التنفيذية التفصيلية ضمن

  • ١٥ املقدمة (القرآن دستور احلياة اخلالد).. الخطـوات نفسـها، وتقديم نمـاذج تطبيقية لمجـاالت التدبر، مسـتفيدين من الكتب

    السالفة الذكر وغيرها..وقـد ارتـأ األصدقاء األعزاء فـي الملتقى كتابـة تلك الـدروس وإخراجها في كتاب، فبذل اإلخوة الكرام (عبد العزيز حسن آل زايد، ومحمد حسن آل زايد، وموسى سـعيد البحارنة) الجهد الوافر في تدوينها وتعديلها، كما بذلوا سـعيهم في جعلها على شـكل دروس، ورفدها بإضاءات إثرائية للمسـتزيد، ووضع أسـئلة في ختام كلّ درس

    منها.ـل)، بدالً من وقـد حبّـذ اإلخوة الكرام تسـمية األسـئلة التي تلـي كلّ درس بـ (تأمُّ(األسـئلة)، واإلشـارة لها - اختصاراً - برمز (ت) الذي يعني (تأمُّل)، بدالً من (س) التي تعني (سـؤال) بمناخها المدرسـي الصارم، كما حبّذوا أن تكون التأمالت بصيغة يخاطب ، و....)؛ وإذا غاب هذا / أقارنُ / أجري/ أستخرجُ / أربطُ / أذكرُ بها المتلقي نفسه (أضعُاألسـلوب حلّ مكانه أسـلوب آخر يشـترك فيه الجميع في ضمير الجمع المتكلم: (ما هو رأينـا/ أيّ نوع نرتئي/ هـل نكتفي)، أو تلك العبارات المحايـدة التي ال يظهر فيها طرف بوصفه سـائالً وآخر بوصفه مسـؤوالً: (ما هو أول/ ما المقصود/ مـا هي التطبيقات/ ما لوية الفـرق/ هـل يعتبـر)، كلّ ذلك فراراً من أسـلوب الفرض واألمر، وما يشـعر به من عُوخطابية. وتلك أسـاليب تربوية حديثة لجأتْ إليها - في اآلونة األخيرة - بعض المناهج

    الدراسية.فألخوتنا الكرام جزيل الشـكر، وفائق االمتنان على كلّ ما قاموا به من جهد عظيم واع ٍ، وإبداع سام، وجعله الله تعالى في ميزان حسناتهم يوم القيامة، ومنّ عليهم بمواصلة

    العطاء القرآني، وإثراء المكتبة اإلسالمية بوافر إنتاجهم.كمـا نرفـع خالص الشـكر وأعبـق العرفان لسـماحة السـيّد جعفر حسـين العلوي (السعودية/ القطيف/ صفو)، ولسماحة الشيخ سمير علي الربح (السعودية/ القطيف/ العواميـة)؛ علـى ما أتحفانـا به من رؤ ومعلومـات ونقد علمي موضوعي لمسـودة هذا

    الكتاب، كان لها جميعاً بالغ األثر في تعميق هذه الدروس وتقويمها.وفي الختام.. فإنّا ال نعدّ دراسـتنا هذه سـو محاولة في طريق الوصول إلى منهج موضوعـي للتدبر، لها مـا للتجارب األولى من احتماالت اإلصابة والتعثر، قد يتسـنى لنا أو لغيرنا - في خطوات تالية - إنضاجها ورفدها بمسـتو أشمل وأعمق في سبيل خدمة القرآن والدرس القرآني وإحاللهما في حياتنا، وفي سـبيل االقتباس المعرفي واالستلهام

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ١٦العملي من كتاب الله، السـيما في مجال تقديم (دراسـات) و(موضوعات) تعتمد القرآن الكريم ورؤاه، عسـى أن يأخذ اللـه بأيدينا إلعادة كتابه المجيد دسـتوراً خالداً للحياة، إنّه

    ولي التوفيق، وبه المستعان.

    ١/ ٩/ ١٤٢٧هـ٢٤/ ٩/ ٢٠٠٦معلي علي آل موسى

    المملكة العربية السعوديةامية القطيف - العوّ

  • الفصل األول

    مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري

    التفسير والتدبر.

    ضرورة التدبر في القرآن الكريم.

    كيف ُفِهم القرآن الكريم؟

    مناهج تفسير القرآن الكريم.

    أنواع التفسير القرآني.

  • ١٩ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري

    التفسري والتدبر

    التفسري:تأتي مفردة (التفسـير) - في مدلولها اللغوي - بمعنى: «اإلبانة»، و «كشـف المراد

    كِل»(١). شْ عن اللفظ المُفهـو عملية إظهار وإبراز للمداليل القرآنية، وكشـف للمعاني القرآنية المخبوءة في

    األلفاظ، وتوضيح مراد األلفاظ السيما مشكِلة الفهم أو صعبة الفهم.أما عن المقصود بتفسير القرآن الكريم في االصطالح:

    ١- فقـد عرفه الزركشـي (بـدر الدين محمد بن عبد الله) بأنّـه: «علم يُعرف به فهم كتـابُ اللـه المنزل على نبيه محمد - صلى الله عليه وسـلم -، وبيان معانيه، واسـتخراج مه. واستمداد ذلك من علم اللغة، والنحو والتصريف، وعلم البيان، وأصول كَ أحكامه وحِ

    الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ»(٢). د نظرية أو منهج، وموضوعه القرآن الكريم، ويستهدف فالتفسير (علم)، وليس مجرّمه؛ لكشف مراد الله تعالى فيه، وتنصرف كلمة (معانيه) كَ فهمه وبيان معانيه وأحكامه وحِ- غالبـاً - إلـى ما تكتنزه األلفاظ من مداليل وأفكار ورؤ، بينما تنصرف كلمة (أحكامه) مـه) إلى الجانـب األخالقي، وعليه كَ - غالبـاً - إلـى الجانب التشـريعي منـه، وكلمة (حِفالتفسـير علم شـامل يسـتهدف إبراز مـراد اللـه والمحتو القرآني سـواء أعـاد لألفكار

    (١) ابن منظور، لسان العرب ٢٦١/١٠، مادة: (فسر).(٢) محمد بن عبد الله الزركشي، البرهان في علوم القرآن، تحقيق: الدكتور زكي محمد أبو سريع

    .١/ ٤١

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٢٠والرؤ أم للتشريعات واألحكام، أم لألخالق والقيم.

    وهو وسيلة ومنهج لبيان القرآن (علم) وليس غاية في نفسه، ويقرّ - سلفاً - بإمكان فهـم القـرآن الكريم، وأنّـه ليس كتابـاً مسـتغلقاً ال تُعرف مفاداتـه، أو أنّهـا مقصورة على المعصـوم، وأنّ ألفاظـه تحمل مرادات حقيقيـة للخالق - جلّ وعـال - يريدها منها، وأنّ

    ألفاظه ليست مخادعة مخاتلة ال تكشف المعنى المراد من خلفها!!وهناك أدوات وعلوم تعين عليه، منها: علم اللغة، والنحو والتصريف، وعلم البيان،

    وأصول الفقه، والقراءات، ومعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وغيرها..وقريب من هذا التعريف ما ذكره السيّد محمد حسين الطباطبائي بأنّه: «بيان معاني

    اآليات القرآنية، والكشف عن مقاصدها»(١). فه أبو حيان األندلسـي (محمد بن يوسـف بن علـي) بأنّه «علم يبحث ٢- وقـد عرّعن كيفية النطق بألفاظ القرآن، ومدلوالتها، وأحكامها اإلفرادية والتركيبية، ومعانيها التي

    ات لذلك»(٢). ل عليها حالة التركيب وتتمّ مَ تُحْْوهذا التعريف ال يقصر علم التفسـير على (كشف المحتو والمضمون القرآني)، بل يدخل بعض األمور المتصلة بجانب (الشـكل) - أيضاً -، ومنها: (كيفية النطق بألفاظ القرآن)، التي تجتلب بعض األمور من علم التجويد أو القراءات؛ لما لبعض ذلك من أثر

    في المعنى السيما المتصل باختالف القراءات.لتقط كما يشـير إلى إمكان وجود فروق في المعنى بين الحالة اإلفرادية للفظ التي يُفيها منزوعاً من التركيب والسـياق، وبين المعنى في الحالة التركيبية التي يتخذ فيها اللفظ مكانه ضمن بنية جملة وتركيب وسياق، فقد يحدد السياق أنّ المعنى المختزن في اللفظة

    يُحمل على المعنى الحقيقي في مورد ما..، وعلى المعنى المجازي في مورد آخر.٣- وقد عرفه محمد الطاهر بن عاشـور بأنّه: «العلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ

    القرآن، وما يُستفاد منها، باختصار أو توسع»(٣).ومما يضيفه هذا التعريف أنّ للتفسير أنواعاً، منها ما يبحث ذلك باختصار وإيجاز،

    وما يبحثه بتوسع وتفصيل.(١) السيّد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن ١/ ٤.

    (٢) مناع خليل القطان، مباحث في علوم القرآن/ ٣٢٤.(٣) محمد الطاهر بن عاشور، التحرير والتنوير ١/ ١١.

  • ٢١ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري ٤- وقد عرفه الدكتور صالح الخالـدي بأنّـه «علـم يتـم بـه فهـم القرآن، وبيان معانيه، والكشـف عن أحكامه، وإزالة اإلشكال والغموض

    عن آياته»(١).ومما يضيفه هـذا التعريف أنّ من بين غايات التفسير إزالة اإلشكال والغموض عن آيات الذكر الحكيم، فهناك إشكاالت تعلق لد البعض، وإشـكاالت أحدثهـا آخـرون علـى القـرآن، وهنـاك غموض فـي بعض األلفـاظ والتراكيب نتيجـة بُعدنا عن العربية، وعدم أنسـنا باسـتعماالتها، ومـد المحصـول اللغـوي لدينـا، وينعكـس ذلـك الغمـوض - تبعاً - من األلفـاظ والتراكيب إلى المعاني (األلفـاظ ألنّ وراءهـا؛ المسـتترة

    قنطرة المعاني).٥- ولعلّ أبرز تعريف لتفسير القـرآن الكريم هو أنّـه: «علم يبحث

    في كتاب الله؛ ليعرف مراده»(٢).وممـا يجلّيه هـذا التعريف أنّ موضوع التفسـير: كتاب الله، وليس (١) الدكتور صالح عبد الفتاح الخالدي، النظرية بين الموضوعي التفسير

    والتطبيق/ ١٤.مناهج رحماني، عثمان أحمد (٢)وعالقتها الموضوعي، التفسير

    بالتفسير الشفاهي/ ١.

    املعىن اإلفرادي واملعىن التركييب

    المعنى اإلفرادي هو: المعنـــى الذي تتخـــذه الكلمة حـــال انفرادها عن الســـياق، ككلمة (أســـد) التي تدّل على

    الحيوان المفترس المعروف. وُيسمَّى هذا المعنى - كذلـــك - بـ (المعنى المعجمي)؛ ألّنه مدّون في المعاجم والقواميس اللغوية، كما ُيسمَّى (اإلجراء بالمعنى التصوري)؛ ألّنه المعنى المفهومي العام

    الشامل الذي ُيتصّور وُيدرك من األلفاظ.أما المعنى التركيبي فهو: المعنى الذي تتخذه الكلمة ضمن تركيب الجملة، فـ (أســـد)، معناها منفـــردة هو الحيوان المعروف، ولكن لو قلنا: (رأيُت أسدًا في حديقة الحيوان)، (رأيُت أسدًا يخطب على المنبر)، فإّن السياق الذي وردت فيه كلمة (أســـد) يؤثر في إعطائها معنى دون غيره، فهي في المثـــال األول الحيوان المعروف، لكّنها في المثال الثاني بمعنى (الشجاع). ويسمِّى هذا المعنى - كذلك - بـ(المعنى السياقي)؛ ألّن الذي يحدده هو ســـياق الجملة، و(المعنـــى الُجَملي)؛ ألّن الجملـــة هي التي تحـــدده، ال الكلمة المفردة غيـــر المســـّيجة بالجملـــة، و(اإلجـــراء بالمعنى التصديقـــي)؛ ألّنه المعنى التطبيقي الذي يشـــكل المصـــداق للكلمة، وهو مصداق محـــدد للكلمة، وليس عرضًا لجميع المحتمالت منها كما يتّم في

    المعنى المفهومي التصوري.

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٢٢السـنة المباركة أو األصول أو قواعد النحو، وهدفه: معرفة مراد الله - سـبحانه وتعالى -

    من كالمه في اآليات الشريفة.

    ر: أدوات املفسِّوالقيـام بعملية التفسـير تحتاج إلى التسـلح بمجموعة من العلـوم، أوصلها جالل الديـن السـيوطي في كتابه (اإلتقان في علوم القرآن) إلى خمسـة عشـر علمـاً هي: اللغة، والنحـو، والتصريـف، واالشـتقاق، والمعانـي، والبديع، والبيـان، والقـراءات، وأصول الديـن، وأصول الفقـه، وعلم الفقه، وأسـباب النزول، والناسـخ والمنسـوخ، والحديث

    والسنن، والموهبة(١).فالتفسـير عملية ال يتمكن من القيام بها إال من لديه ضوابط معيارية معيْنة؛ لذا كان ـر ال توجد في كلّ علـى مرّ الزمـن تقوم به قلة من العلماء ذوي االهتمام، فشـروط المفسِّ

    الناس وال في أغلبهم، وإنّما في قلة قليلة منهم.ونظراً لحاجة التفسـير إلى الضوابط العالية والعلـم الرفيع جاءت أحاديث تذمّ من يخـوض فيـه بغير علم، فقال الله - سـبحانه وتعالى - في حديث قدسـي: «ما آمن بي من ـر برأيه كالمي»(٢)، وقال رسـول الله K: «أكثر ما أخاف على أمتي من بعدي رجل فسَّـر القرآن ينـاول القـرآن يضعه على غير مواضعه»(٣)، وقال اإلمام الصادق C: «من فسّ

    برأيه فأصاب لم يُؤجر، وإن أخطأ كان إثمه عليه»(٤).

    التدبر:ف على المعنى اللغوي الذي تبسطه كلمة (التدبر)، نجد أنّها تحمل حين نريد التعرّ

    معاني واسعة تعود في جذرها إلى التفكر والتأمل.م) في (لسـان العـرب) أنّ معنـى (التدبر في فقـد ذكـر ابن منظـور (محمد بن مكرّ

    (١) مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع، الموسوعة العربية العالمية ٧/ ٦٢.(٢) العالمة المجلسي، بحار األنوار ٨٩/ ١١٠، الباب ١٠، ح ١١.

    (٣) نفسه ٨٩/ ١١٢، الباب ١٠، ح ٢٠.(٤) نفسه ٨٩/ ١٠٧، الباب ١٠، ح ١.

  • ٢٣ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري الشيء) هو: «التفكر فيه»(١).

    وبهذا يكون معنى التدبر في القرآن: التفكر فيه ومعرفة معانيه ومراداته.ورأ الفيروزآبـادي (مجد الديـن محمد بن يعقوب) في (القامـوس المحيط) أنّ }(٢)، أي ألم يتفهموا ما خوطبوا لَ وْ وا الْقَ بَّرُ دَّ مْ يَ لَ (التدبـر) هو: «النظر في عاقبة األمر، {أَفَ

    به في القرآن»(٣).وعلـى هذا التوضيح يكون معنـى التدبر في القرآن: معرفة عواقب األمور من لزوم

    العمل بمفاد اآليات ونتائجها.وقريب منه ما ذكره الطريحي (الشـيخ فخر الدين بن محمد) في (مجمع البحرين)

    من أنّ (التدبر): «هو النظر في إدبار األمور وتأملها»(٤).ومركز االهتمام في تعريف ابن منظور من جهة/ وتعريف الفيروزآبادي والطريحي من جهة ثانية فيه شيء من االختالف، فاألول يجعل التدبر عملية تسلط الضوء على الشيء ل والمشـارفة وما ذاتـه (التفكر فيه)، بينما اآلخران يكثفان نقطة الضوء على العاقبة واألوْينتهـي له األمر (عاقبة األمر/ إدبـار األمور)، والمعنيان متكامالن، فالتدبر يسـلط الضوء

    . على الشيء ليعرفه، ومن ثمّ يعرف عاقبته ومآله، ليستفيد من األمرين معاًفالتدبـر إعمـال عميق للعقل في القرآن للحصول على الهدي اإللهي، واسـتخراج

    األفكار، وبناء المواقف.

    الفرق بني التفسري والتدبر:حين نقارن بين القيام بعملية (التفسـير) وعملية (التدبر) نشهد أنّ األحاديث حثّت على أال يخوض غمار التفسير من لم يكن يملك زمام إمكاناته، ومن ثمّ فهو مقصور على فئة خاصة، بينما حثّت اآليات على التدبر للجميع. فقد مرّ بنا قبل قليل الحديث القدسـي ف فيه الـذي يغلـظ من وخامة التفسـير بالرأي، كما مرّ حديث الرسـول K الذي يتخوّت من الذيـن يخوضون في معاني القرآن، ويصرفونها إلى غيـر مصارفها الصحيحة، ومرّ

    (١) لسان العرب ٤/ ٢٨٣، مادة: (دبر).(٢) سورة المؤمنون/ ٦٨.

    (٣) محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط ٢/ ٤٠، مادة: (دبر).(٤) الشيخ فخر الدين الطريحي، مجمع البحرين ٣/ ٢٩٨، مادة: (دبر).

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٢٤رواية اإلمام الصادق C التي تجعل التفسـير بالرأي في حالة صوابه فاقداً لألجر، وفي

    حالة خطئه حامالً للوزر. وعلـى الطرف اآلخر جاءت الدعوة للتدبر في القرآن وإعمال النظر في آياته ورؤاه ا تِالَفً واْ فِيهِ اخْ دُ جَ هِ لَوَ يْـرِ اللّ ندِ غَ نْ عِ انَ مِ لَوْ كَ آنَ وَ رْ ونَ الْقُ بَّرُ تَدَ الَ يَ موجهـة لكلّ النـاس: {أَفَ

    ا}(٢). الُهَ فَ لُوبٍ أَقْ لَى قُ آنَ أَمْ عَ رْ ونَ الْقُ بَّرُ تَدَ ا}(١)، {أَفَال يَ ثِيرً كَوعـادة ما يأتي التفسـير شـامالً للقرآن المجيد كامـالً، بينما قد يقتصـر التدبر على

    سورة أو مقطع أو عدة مقاطع أو موضوع من المصحف الشريف.ومن ثمّ فالعمل الذي نسـتهدف نحن القيام به هو التدبر، ومحاولة التأمل في آيات

    الله، واجتناء شيء من ذخائرها الوفيرة، وليس محاولة كتابة تفسير قرآني.

    (١) سورة النساء/ ٨٢.(٢) سورة محمد/ ٢٤.

  • ٢٥ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري

    رضورة التدبر يف القرآن الكريم

    لقـد تقاطـرت آيـات اللـه كالغيث الهامي علـى األرض، سـاعية - بمـا أُوتيَتْ من ر سـبيل - أن تجعل من اإلنسـان عموماً وقارئ القـرآن خصوصاً قارئاً متأمـالً متدبراً يفكّفي األشـياء واألقوال واألفـكار والمواقف من حوله، في عملية تسـتهدف تجاوز القراءة السـكونية أو السطحية أو القشـرية، وتجاوز الوقوف عند مستو الفهم النظري، وتسعى لتحريك العقل في استخراج الكنوز المدخرة في آيات القرآن المجيد، واالستفادة العملية

    منها.ومن هذا المنطلق يقول الله - تبارك وتعالى -:

    .(١){ لُوا األلْبَابِ رَ أُوْ كَّ لِيَتَذَ اتِهِ وَ وا آيَ بَّرُ كٌ لِّيَدَّ بَارَ لْنَاهُ إِلَيْكَ مُ - {كِتَابٌ أَنزَ د عليه بعناوين أخر وكما حثّ القرآن الكريم على التدبر تحت عنوان (تدبر)، أكّ

    كالتفكر، والتذكر والتفقه:.(٢){ ونَ رُ كَّ تَفَ مْ يَ هُ لَّ لَعَ مْ وَ لَ إِلَيْهِ زِّ ا نُ رَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَ كْ لْنَا إِلَيْكَ الذِّ أَنزَ - {وَ

    .(٣){ ونَ رُ كَّ تَذَ مْ يَ هُ لَّ ثَلٍ لَّعَ لِّ مَ آنِ مِن كُ رْ ا الْقُ ذَ نَا لِلنَّاسِ فِي هَ بْ رَ دْ ضَ لَقَ - {وَ .(٤){ ونَ هُ قَ فْ مٍ يَ وْ اتِ لِقَ نَا اآليَ لْ دْ فَصَّ - {قَ

    كما حثت السنة المباركة على التدبر في القرآن، فقال أمير المؤمنين C: «أال ال

    (١) سورة ص/ ٢٩.(٢) سورة النحل/ ٤٤.(٣) سورة الزمر/ ٢٧.

    (٤) سورة األنعام/ ٩٨.

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٢٦خير في قراءة ليس فيها تدبر»(١).

    اً هو: لماذا نتدبر في القرآن الكريم؟، ما أهمية التدبر في وهذا ما ينشـئ سـؤاالً ملحّالقرآن الكريم؟

    ملاذا نتدبر يف القرآن الكرمي؟نستطيع إجمال اإلجابة في ثالثة أهداف رئيسة، هي:

    ١- اهلداية والبصرية (اإلميان والتقوى):وهي المحطة األبرز والزاوية القائمة في مثلث أهداف التدبر، فالمهمة األولى للقرآن هي إعادة صياغة شـخصية اإلنسـان، واالرتقاء به من الطين إلى الدين، ومن الصنمية إلى

    القيمية، وتربية نفسه والسمو بها لئال يكتفي برغبات الجسد ويهمل طموحات الروح.}(٢)، فاإلنسـان انِ قَ رْ الْفُ وَ دَ نَ الْهُ اتٍ مِّ يِّنـَ بَ لِّلنَّاسِ وَ دً فقـد أنزل الله القـرآن: {هُهـو المعني ابتداء وانتهـاء، وإليه تتوجـه التصريحات والتلميحات ليعيـد صقل ذاته وفقاً للمقاييـس اإللهيـة، أماً عن كيفية معرفة تلـك المقاييس فهنا تكمن أهميـة التدبر وإعمال النظـر في آيات الكتـاب العزيز. وهكذا تتوالـى اآليات القرآنية لتبيان األهميـة ذاتها، إنّها ا آنً رْ اهُ قُ لْنـَ لِكَ أَنزَ ذَ كَ صبغـة اإليمان ووشـاح التقو، وشـعلة الهداية، ونفاذ البصيـرة: {وَنَا لِلنَّاسِ بْ رَ دْ ضَ لَقَ ا}(٣)، {وَ رً مْ ذِكْ ثُ لَهُ دِ تَّقُونَ أَوْ يُحْ مْ يَ هُ لَّ يـدِ لَعَ عِ نَ الْوَ نَا فِيهِ مِ فْ رَّ صَ بِيـا وَ رَ عَ ،(٤){ تَّقُونَ مْ يَ هُ لَّ جٍ لَّعَ وَ يْرَ ذِي عِ بِيا غَ رَ ا عَ رآنً ونَ * قُ رُ كَّ تَذَ مْ يَ هُ لَّ ثَلٍ لَّعَ لِّ مَ آنِ مِن كُ رْ ا الْقُ ـذَ ي هَ فـِ

    .(٥){ وقِنُونَ مِ يُ وْ ةٌ لِّقَ مَ حْ رَ وَ دً هُ ائِرُ لِلنَّاسِ وَ ا بَصَ ذَ {هَإنَّ تقويم الشخصية اإلنسانية وتجذير سدرة الذكر في النفس هو المغز الرئيس، إذ هي المزاد لجوع الحيرة وظمأ التيه، وشـدّ اإلنسـان والحياة إلى المصدر العظيم الذي :C بـه تكتسـب قيمتها وحياتها.. وهو الله - سـبحانه وتعالى -، ومـن هنا يقول علي

    (١) بحار األنوار ٨٩/ ٢١١، الباب ٢٦، ح ٤.(٢) سورة البقرة/ ١٨٥.

    (٣) سورة طه/ ١١٣.(٤) سورة الزمر/ ٢٧- ٢٨.

    (٥) سورة الجاثية/ ٢٠.

  • ٢٧ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري «مـا جالـس هذا القـرآنَ أحدٌ إال قام عنه بزيـادة أو نقصان: زيادة في هـد، أو نقصان من

    عمى»(١).

    ٢- املعرفة والعلم (األفكار والرؤى):وإذا كانـت أحـد ثمار التدبـر القرآني تكمن في تلوينه شـخصية اإلنسـان بطيف اإليمـان، فـإنّ ثمرة أخـر من ثماره تكمن في إشـادته بنـاء الصرح المعرفـي والرؤيوي )، ال الوهـم والخرافة (الباطل)، وفي تأكيده الراسـخ وفـق ضوابط العقـل والعلم (الحقّعلى إعمال العقل والفكر بأقصى طاقة في شـتى األرجاء؛ ليجعل اإلنسـان يسبر أعماقها، د الظواهر المحسوسة، شامالً كتابي ويصل إلى ما يختفي وراءها من أسرار أعمق من مجرّ

    : التكوين والتدوين معاًا رَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَ كْ لْنَا إِلَيْكَ الذِّ أَنزَ }(٢)، {وَ لُونَ قِ عْ مْ تَ لَّكُ بِيا لَّعَ رَ ا عَ آنً رْ لْنَاهُ قُ ـا أَنزَ - {إِنَّمْ هُ لَّ ثَلٍ لَّعَ لِّ مَ آنِ مِن كُ رْ ا الْقُ ذَ اسِ فِي هَ نَا لِلنـَّ بْ رَ دْ ضَ لَقَ }(٣)، {وَ ونَ رُ كَّ تَفَ مْ يَ هُ لَّ لَعَ مْ وَ لَ إِلَيْهِ نُـزِّ

    }(٤). وهذا في إطاره التدويني. ونَ رُ كَّ تَذَ يَي لـِ ـاتٍ ألُوْ ـارِ آليَ النَّهَ يْـلِ وَ الَفِ اللَّ تـِ اخْ ضِ وَ األَرْ اتِ وَ اوَ ـمَ لْـقِ السَّ ي خَ - {إِنَّ فـِهِ إِنَّ فِي رِ اتٌ بِأَمْ رَ خَّ سَ ومُ مُ الْنُّجُ رَ وَ مَ الْقَ سَ وَ مْ الشَّ ارَ وَ الْنَّهَ يْلَ وَ مُ اللَّ رَ لَكُ خَّ سَ }(٥)، {وَ األلْبَابِدْ عٌ قَ دَ تَوْ سْ مُ رٌّ وَ تَقَ سْ مُ ةٍ فَ دَ احِ سٍ وَ ن نَّفْ أَكُم مِّ يَ أَنشَ وَ الَّذِ هُ }(٦)، {وَ لُونَ قِ عْ مٍ يَ وْ اتٍ لِّقَ لِكَ آليَ ذَ

    }(٧)، وهذا في اإلطار التكويني. ونَ هُ قَ فْ مٍ يَ وْ اتِ لِقَ نَا اآليَ لْ فَصَّونلحظ في اآليات السـابقة وغيرها كيف يسـعى القرآن إلى تحريك كلّ سبل العلم والمعرفـة عند اإلنسـان، وتنشـيط العقـل والحسّ وأدواتهمـا، فيحث علـى الفهم والفقه

    والسمع والتذكر والتفكر و....إنّها اليقظة الفكرية، والروح المعرفية التي تدغدغها اآليات وتستثيرها السور، وكما

    (١) اإلمام علي بن أبي طالب، نهج البالغة، جمع: الشريف الرضي، ص ٢٥٠، الخطبة ١٧٦.(٢) سورة يوسف/ ٢.

    (٣) سورة النحل/ ٤٤.(٤) سورة الزمر/ ٢٧.

    (٥) سورة آل عمران/ ١٩٠.(٦) سورة النحل/ ١٢.

    (٧) سورة األنعام/ ٩٨.

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٢٨قال الرسول األكرم K في إشارة إلى الجانب العلمي في الكتاب العزيز: «القرآن مأدبة ح ذلك األمير C أيضاً حين قال: «أال إنّ فيه الله فتعلّموا مأدبته ما اسـتطعتم»(١)، ووضّ

    علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم»(٢).م اعوجاجه، وقد قال ق شـتات الفكر ويقـوِّ فالتدبر يشـذب المعرفة البشـرية، وينمّاإلمـام زين العابدين علي بن الحسـين C: «آيـات القرآن خزائن العلـم فكلّما فتحتَ خزانة فينبغي أن تنظر فيها»(٣)، ننظر فيها لنقتلع غرس الجهل، ونزرع غرس العلم، لنتوضأ مـن فيوضات نور العلم األصيل، ويكون العلم هو الحادي لركبنا، فال نتخبط في متاهات

    الجهل، وال نقبل أن يكون الجهل قائداً لمسيرتنا.

    ٣- املوقف والعمل (السلوك والتطبيق):أمـا الثمرة الثالثة، فإنّ التدبر ال يدفعنا فقط إلصـالح الظاهر وتقويم الباطن، وإنّما يدفع عجلة السـلوك البشـري نحـو اتخاذ الموقـف الصحيح، وممارسـة العمل والهدف المسـؤول، ال أن يبقى تحفة فكرية تعلّق في معرض األفكار، وإنّما ليكون شـالالً متدفقاً

    بالعطاء، فكثيراً ما يؤكد الله - سبحانه وتعالى - على ثنائية اإليمان والعمل:.(٤){ ونَ الِدُ ا خَ مْ فِيهَ نَّةِ هُ ابُ الْجَ حَ اتِ أُولَئِكَ أَصْ الِحَ واْ الصَّ لُ مِ عَ نُواْ وَ ينَ آمَ الَّذِ {وَ

    وكثيراً ما يقرن القرآنَ الهادي بالعمل الرشـيد، فلنتأمل هذه اآليات التي امتزج فيها هذان اللونان (القرآن/ العمل):

    اتِ الِحَ لُونَ الصَّ مَ عْ ينَ يَ نِينَ الَّذِ مِ ؤْ ـرُ الْمُ بَشِّ يُ مُ وَ وَ يَ أَقْ تِي هِ ي لِلَّ دِ آنَ يِهْ رْ ا الْقُ ذَ - {إِنَّ هَا}(٥). بِيرً ا كَ رً مْ أَجْ أَنَّ لَهُ

    ـا أْسً رَ بَ ا لِّيُنذِ يِّمً ا * قَ جَ وَ عَل لَّهُ عِ لَمْ يَجْ هِ الْكِتَابَ وَ بْدِ لَى عَ لَ عَ ي أَنزَ هِ الَّذِ دُ لِلَّ مْ - {الْحَنًا}(٦). سَ ا حَ رً مْ أَجْ اتِ أَنَّ لَهُ الِحَ لُونَ الصَّ مَ عْ ينَ يَ نِينَ الَّذِ مِ ؤْ رَ الْمُ بَشِّ يُ هُ وَ نْ ا مِن لَّدُ يدً دِ شَ

    (١) بحار األنوار ٨٩/ ١٩، الباب ١، ح ١٨.(٢) نهج البالغة/ ٢٢٣، الخطبة/ ١٥٨.

    (٣) بحار األنوار ٨٩/ ٢١٦، الباب ٢٧، ح ٢٢.(٤) سورة البقرة/ ٨٢.(٥) سورة اإلسراء/ ٩.

    (٦) سورة الكهف/ ١- ٢.

  • ٢٩ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري أْتِي ن يَ يْرٌ أَم مَّ لْقَى فِي النَّارِ خَ ن يُ يْنَا أَفَمَ لَ نَ عَ وْ فَ اتِنَا ال يَخْ ونَ فِي آيَ دُ لْحِ ينَ يُ - {إِنَّ الَّذِ

    .(١){ يرٌ لُونَ بَصِ مَ ا تَعْ هُ بِمَ ئْتُمْ إِنَّ ا شِ لُوا مَ مَ ةِ اعْ يَامَ مَ الْقِ وْ نًا يَ آمِوبعـد أن تبينت األبعاد الثالثة الدافعة بنا نحو التدبر في القرآن الكريم ضمن مثلث (اإليمـان، العلـم، العمل)، نجـد أنّه وعلى الطـرف المقابل ومن جهة عكسـية قد ذمّ الله أولئـك الذيـن ال يتدبـرون في القـرآن العظيـم، وال يُعملون عقولهـم فيـه، يعنِّفهم بآيات

    التوبيخ:ا}(٢). الُهَ فَ لُوبٍ أَقْ لَى قُ آنَ أَمْ عَ رْ ونَ الْقُ بَّرُ تَدَ - {أَفَال يَ

    ا}(٣). ثِيرً ا كَ تِالَفً واْ فِيهِ اخْ دُ جَ هِ لَوَ يْرِ اللّ ندِ غَ نْ عِ انَ مِ لَوْ كَ آنَ وَ رْ ونَ الْقُ بَّرُ تَدَ الَ يَ - {أَفَبَّكَ فِي تَ رَ ـرْ كَ ا ذَ إِذَ ا وَ رً قْ ـمْ وَ انِهِ فِي آذَ وهُ وَ هُ قَ فْ ةً أَن يَ ـمْ أَكِنـَّ لُوبِهِ لَـى قُ ا عَ نـَ لْ عَ جَ - {وَ

    ا}(٤). ورً فُ مْ نُ هِ ارِ بَ لَى أَدْ اْ عَ لَّوْ هُ وَ دَ حْ آنِ وَ رْ الْقُا}(٥). ورً جُ هْ آنَ مَ رْ ا الْقُ ذَ وا هَ ذُ مِي اتَّخَ وْ بِّ إِنَّ قَ ا رَ ولُ يَ سُ الَ الرَّ قَ - {وَ

    لعـلّ وعسـى أن يـؤوب القـوم للمنهـج الذي يسـكب الهدايـة في قوالـب العقل، ويحرض جوارح اإلنسان نحو الفعل قبل القول.

    يقول السيّد محمد تقي المدرسي: «إنّ التدبر في القرآن يعطي لإلنسان فرصة لفهم محتـو القرآن الحكيم؛ ألنّ الله - سـبحانه وتعالى - أودع في كتابـه الكريم نوراً يهدي

    البشر إلى ربّه فيؤمن به، وبعد اإليمان يطبّق شرائعه»(٦).

    اخلالصة:نسـتهدف من خالل عملية التدبر: اسـتلهام الهد، ونهل العلم، وترشيد األعمال والمواقـف، ومن الطبيعي أن يتباين حجم االسـتفادة من الكتاب العزيز، واألمر عائد إلى

    لت/ ٤٠. (١) سورة فصّ(٢) سورة محمد/ ٢٤.(٣) سورة النساء/ ٨٢.

    (٤) سورة اإلسراء/ ٤٦.(٥) سورة الفرقان/ ٣٠.

    (٦) السيّد محمد تقي المدرسي، من هد القرآن ١/ ٢٥.

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٣٠ـا}(١)، ال (بقدره)، فنحن أمام نهر خضم واسـع يغترف فيه كلّ هَ رِ دَ ةٌ بِقَ دِيَ ـالَتْ أَوْ أنّـه {سَ

    بحسبه هو ال بسعة النهر.ومع أنّ القرآن يعطي من يسـعى أكثر مما يسـتحق؛ لطبيعة الكرم اإللهي، لكنّه يريد منّا أن نكون نشـطين في فتح أبواب خزائنه؛ لنجتني أكثر فأكثر من جوهره ولؤلؤه، وكلما

    انفتحنا على القرآن أكثر أعطانا من خيراته أوفر.

    ضرورة التدبر في القرآن الكريم(لماذا نتدبر في القرآن الكريم؟)

    الهداية والبصيرة(اإليمان والتقو)

    المعرفة والعلم(األفكار والرؤ)

    الموقف والعمل(السلوك والتطبيق)

    (١) سورة الرعد/ ١٧.

  • ٣١ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري

    ) أمام العبارة الصحيحة، ت١: أضع عالمــة () أمام العبارة الخاطئة: وعالمة (

    أ - التدبـر هو: إعمـال عميق للعقل في القـرآن للحصول على الهدي اإللهي، واستخراج األفكار، وبناء المواقف. ( )

    ب - حثـت الروايـات الجميع على تفسـير القـرآن، بينما قصرت التدبـر فيه على فئة ( ) خاصة.

    ج - الفرق الوحيد بين التدبر والتفسـير هو فيمن يقوم بإجراء العملية، ال في الطريقة ( ) والكيفية. ت٢: يرى السيوطي أّن المفّسر يحتاج إلى ١٥ علمًا ليقوم بعملية التفسير، فهل نكتفي بما ذكر أم أّن المفّسر اليوم بحاجة لالطالع على علوم أخرى رّبما

    منها بعض فروع العلم الحديثة؟ت٣: هل كّل تفسير تدبر، أم كّل تدبر تفسير، أم ال ذا وال ذاك؟ ت٤: نستطيع القول: إّن للتدبر ثالثة أهداف رئيسة، فما هي؟

  • ٣٣ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري

    كيف فُهم القرآن الكريم؟

    حين نراجع حياة المسلمين نجد أنّ هناك أربعة أشكال أساسية لفهم القرآن الكريم ظهرت في التطبيق الفعلي عندهم، هي:

    أوالً: الفهم التجريدي.: الفهم التاريخي. ثانياً

    : الفهم المصلحي. ثالثاً: الفهم الحيوي. رابعاً

    أوًال: الفهم التجريدي:نقصـد بـ(الفهم التجريدي): ذلك الفهم النظري للقرآن، الذي يتعامل مع مفاهيمه بوصفها أفكاراً فحسب، فيفصل المفاهيم عن عالم الواقع والفعل والعمل، ويربطها بعالم

    الغيب(١).فهو يرتكز على العناصر التالية:

    ١- التعامل النظري مع المفاهيم القرآنية.٢- فصل المفاهيم القرآنية عن الواقع والفعل.

    ٣- ربط المفاهيم القرآنية بعالم الغيب.ل اإلنسان مسؤولية، د (طرح فكري)، ال يسـتهدف أن يحمّ فهو يجعل كلّ شـيء مجرّكه للقيـام بدور التغيير وال أن يبعثـه نحـو نشـاط في حياته الفرديـة واالجتماعية، وال أن يحرّللواقع الفاسـد من حوله، والرقي بالواقع الصالح، ويخلي األشياء من ربطها بعالم األسباب

    (١) السيّد محمد رضا الشيرازي، التدبر في القرآن/ ١٣٩.

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٣٤الشـهودية ويوكلهـا بالغيب وحـده؛ حتى يخلص من التسـاؤالت الملحة فـي داخله، والتي قها تضجّ وتقول: (وماذا بعد؟!)، (ما العمل؟)، (ما هي مسـؤوليتنا؟)، (ما هو دورنا؟)، فيزرّ

    بإبر مخدرة تقول لها: (إنّ األمر ليس إال طروحات علمية مفاهيمية مشرقة). }(١)، يُالحظ يمُ حِ ـنُ الرَّ مَ حْ وَ الرَّ دٌ الَّ إِلَـهَ إِالَّ هُ احِ مْ إِلَهٌ وَ كُ إِلَهُ ففـي قوله تعالـى: {وَالفهم التجريدي أنّ اآلية الكريمة تتكلم عن األلوهية والوحدانية لله - عزّ وجلّ -، ويجد هـذا الفهم الفرصة مؤاتية هنا ليدخل في بحث الفرق بين معنى (األلوهية) و(الوحدانية)، وأدلـة وحدانيـة الله، ومعنـى الوحدانية، وأنواع التوحيـد، ثمّ معنى (الرحمـة الرحمانية) و(الرحمـة الرحيميـة)، وداللـة القصر في حصـر األلوهية الحقة في اللـه، وربّما ينفذ من خـالل التعبيـر عن الله بـ(هـو)؛ ليبحث موضوع المطلـق الالمتناهي (اللـه)، والمحدود

    المتناهي (الخلق)، والفرق بين المطلق والمحدود، والعالقة بينهما، و.... إنّها فرصة لتسطير بحوث عقدية وفلسفية واسعة.

    }(٢)، فمن خالل هذه ينَ الَمِ عَ ا لِّلْ لْمً يدُ ظُ رِ هُ يُ ا اللّ مَ وكذلك الحال في قوله تعالى: {وَاآلية الكريمة يدخل الفهم التجريدي إلى بحوث نظرية حول: الله والذات اإللهية، ومعنى

    اإلرادة اإللهية وأنواعها، ومفهوم الظلم، ومعنى (العالمين)، وأدلة العدل اإللهي.ل فهمنا لآلية لمجرد فهم عقـدي تجريدي بدالً من أن نفهم أنّ الله وهكـذا.. يتحوّعـادل، وأنّ عدلـه غير مقصور على اآلخـرة والماورائيات (الميتافيزيقيـا)، بل يمتدّ عدله

    ليشمل أقسام العدالة التالية:

    أ- العدالة الكونية: فالكون من الذرة إلى المجرة يرفل في بحبوحة العدل اإللهي، فالله هو الذي خلقه، ءٍ يْ لَّ شَ ا كُ ووفر له متطلباته المنسجمة معه، وجعله يسير وفق نظام دقيق حكيم عادل: {إِنَّيَ اسِ وَ ا رَ يْنَا فِيهَ أَلْقَ ا وَ اهَ نَ دْ دَ ضَ مَ رْ األَ }(٤)، {وَ ارٍ دَ قْ هُ بِمِ ندَ ءٍ عِ ـيْ لُّ شَ كُ }(٣)، {وَ رٍ دَ نَاهُ بِقَ قْ لَ خَ

    .(٥){ ونٍ زُ وْ ءٍ مَّ يْ لِّ شَ ا مِن كُ أَنبَتْنَا فِيهَ وَ(١) سورة البقرة/ ١٦٣.

    (٢) سورة آل عمران/ ١٠٨.(٣) سورة القمر/ ٤٩.

    (٤) سورة الرعد/ ٨.(٥) سورة الحجر/ ١٩.

  • ٣٥ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري

    ب- العدالة التشريعية: فقد سـنّ الله تشـريعات وأحكاماً سمحة عادلة، فلم يكلّف فيها النفس فوق طاقتها }(١)، وجعلـها تدور ـبَتْ تَسَ ا اكْ ا مَ يْهَ لَ عَ ـبَتْ وَ سَ ا كَ ا مَ ا لَهَ هَ ـعَ سْ ـا إِالَّ وُ سً فْ هُ نَ لِّـفُ اللّ كَ {الَ يُمـع مصالح اإلنسـان ومضاره، واختياره واضطراره، وصحته وسـقمه، وحضره وسـفره، وغير ذلك، فإذا حصل ظرف لإلنسان (كالمرض والسفر) اقتضى التيسير عليه في عبادته،

    ر من الصالة، وأن يفطر. فأجاز له أن يصلي بالكيفية التي يستطيع، وأن يقصّ

    ج- العدالة االجتماعية:مـن عـدل الله أن ينـال كلٌّ جـزاء عمله، ومن يأخذ باألسـباب يصـل إلى تحقيق م سـيلفنا التأخر بردائه، النتائـج المترتبـة، فـإذا تركنا - نحن المسـلمين - أسـباب التقدّويفوتنـا ركـب الفاعلية، ونعيش على هامش الحياة، ونصبـح أُكلة بيد الطامعين حتى لو ترنّمت ألسـنتنا آالف الحقب بنغمـة التوحيد، ولهجت بالدعاء والزفـرات، فالله تعالى ا مَ بِّكَ وَ طَاء رَ نْ عَ الء مِ ـؤُ هَ الء وَ ؤُ دُّ هَ ـنني: {كُال نُّمِ وضـع قوانين عادلة يؤطرها قوله السّا}(٢)، ففي الدنيا ال يوجد حظر على أحد - مسلماً كان أم كافراً ظُورً حْ بِّكَ مَ طَاء رَ انَ عَ كَ- يمنعه من جني ثمرة أخذه باألسـباب، وال حيلولة دون امتالكه سـبل التقانة والقوة ما

    . دام نشطاً مثابراً

    د - العدالة اجلزائية:وال تنتهـي العدالة اإللهية عند هـذه المنعطفات الدقيقة، بـل تتجاوزها وتصل إلى العدالـة الجزائيـة التـي نراها مـن إكرام المحسـن والثناء عليـه، وتوبيخ المسـيء وتقديم العقـاب الـرادع لـه وألمثاله، وبالتالي تشـمل علو شـخصية المحسـن، وتدني شـخصية المسـيء عند النـاس في دار الدنيا؛ فنجـد أنّ القلوب تتلفع بجلباب الكره لفعله السـيء،

    وأنّ بيعه وتجارته ومعامالته تكسد وتبور.وهذا الثواب الذي يناله المحسن، والعقاب الذي يناله المسيء ليس مقصوراً على اآلخـرة، بل هو فـي الدنيا أيضاً، فيثني الناس على المحسـن، ويرغبون فـي التعامل معه،

    (١) سورة البقرة/ ٢٨٦.(٢) سورة اإلسراء/ ٢٠.

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٣٦ـون المسـيء ويصدون عن التعامـل معه، وقد يلقى من العقاب مـا هو أكبر من ذلك ويذمّ

    .(١) كالسجن أو الحدّ.(٢){ انُ سَ انِ إال إالحْ سَ اء اإلحْ زَ لْ جَ - {هَ

    دا}(٣). نُ وُ مَ حْ مُ الرَّ لُ لَهُ عَ يَجْ اتِ سَ الِحَ لُوا الصَّ مِ عَ نُوا وَ ينَ آمَ - {إِنَّ الَّذِبُّ ـهُ ال يُحِ ـهِ إِنَّ لَـى اللَّ هُ عَ ـرُ أَجْ لَـحَ فَ أَصْ ـا وَ فَ ـنْ عَ مَ ـا فَ هَ ثْلُ ـيِّئَةٌ مِّ ـيِّئَةٍ سَ اء سَ ـزَ جَ - {وَ

    .(٤){ ينَ الظَّالِمِ.(٥){ هُ رَ را يَ ةٍ شَ رَّ الَ ذَ ثْقَ لْ مِ مَ عْ ن يَ مَ هُ * وَ رَ ا يَ يْرً ةٍ خَ رَّ الَ ذَ ثْقَ لْ مِ مَ عْ ن يَ - {فَمَ

    ومـن هـذه العدالـة الجزائية ما يلقاه المكتشـفون والمبدعون - حتى لـو لم يفعلوا ذلـك لوجـه الله - فهم يلقون ثمرة جهدهـم من مدح الناس، والثنـاء العطر عليهم وعلى ر أسـمائهم وصورهم في جهودهـم، وتخليـد أسـمائهم في سـجالت المبدعين، وتصـدّالجرائد والمجالت وشاشـات التلفاز وفي الموسـوعات المعرفية - كموسوعة (غينس)

    لألرقام -، ونيل براءات االختراع، أو الحصول على (جائزة نوبل).وهذا الفهم الواسـع للعدالـة يجعلنا نقيم أعمالنا وفقاً لهـذه الضابطة، فال نظلم وال نجـور؛ ألنّنـا نسـعى للتخلق بأخالق اللـه في أنفسـنا وفي الناس مـن حولنا وفي الوجـود - حتى المادي منه -، فالعدل في التعامل مـع الطبيعة يحفظها لنا ولألجيال، والجور عليها من شأنه أن يؤثر في النظم الطبيعية والكونية بما يجلب الفساد والضرر؛ ألنّ اللـه جعـل الطبيعة قائمة علـى ميزان ومقـدار، والعبث فيها يشـكل خلخلة لتلك

    النظم والموازين.وهكـذا نجد أنّ الفهـم التجريدي يجعل القرآن «كتاب موت.. بدل أن يكون كتاب حياة، فالقرآن ال يعني بالنسبة إلى حياة هؤالء شيئاً، إنّه مجموعة من القضايا الميتافيزيقية..

    والقصص التاريخية.. والطقوس العبادية..»(٦).

    (١) التدبر في القرآن/ ١٤٢- ١٤٣.(٢) سورة الرحمن/ ٦٠.

    (٣) سورة مريم/ ٩٦..٤٠ /٤) سورة الشور)

    (٥) سورة الزلزلة/ ٧- ٨.(٦) التدبر في القرآن/ ١٣٥.

  • ٣٧ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري

    ثانيًا: الفهم التارخيي:وهـو الفهم الـذي يتلقى قصص القرآن الكريـم بوصفها أحداثـاً ووقائع تاريخية.. الهـدف منهـا ذاتهـا، وبوصفها ترتبـط بذوات خاصـة وأفراد معينيـن، أي أنّـه ال ينفذ من ر في كلّ زمان ) حياً يتكرّ ) و(نموذجاً القصص إلى العبر الكامنة وراءها، وال يعتبرها (رمزاً

    ر القرآن تفسيراً ظرفياً وفق معطيات زمان نزوله. ومكان(١)، ويفسّوهذا يعني توفر عنصرين أساسيين فيه:

    - التركيز القصصي.- التفسير الظرفي.

    - الفهم التارخيي والتركيز القصصي:ل ما يقرب من ثلث القرآن الكريم، فقد اندفع البعض بما أنّ القصص القرآنية تشكّإلى االهتمام بها من منحى شكلي خالص، فانصبّ هذا الفهم للقرآن على البُعد التاريخي المحضّ ليحيلها إلى فنّ سـردي يتكئ على إتقان الحبكة والحدث والشـخوص والزمان والمكان وغيرها من تقانات السـرد القصصي، دون أن يسعى الستلهام العبرة من القصة، واسـتخراج الـدروس المفيـدة لحياة الفـرد والجمـع والمجتمـع، أو عقـد مقارنات بين الماضـي والحاضر، أو إيجاد مصاديق أخر مماثلة للشـخصية التـي يحكي عنها القرآن

    الكريم، أو إيجاد مصاديق مستجدة للحدث الذي تعرضه اآليات.وال يكتفي البعض باستغالل القصص القرآنية في سبيل إيجاد قراءة تاريخية للقرآن، وإنّما يسـتغل أسـباب النزول - أيضاً - وفي شـأن ماذا هبطت اآليات؟، وما هو السبب؟،

    ومَن بطل حادثتها؟، وهكذا دواليك..هواة الفهم التاريخي يستغلون القرآن في جانبين:

    األول: القصص القرآنية.الثاني: أسباب نزول اآليات.

    وبعبارة أخر يحيل هذا الفهمُ القرآنَ الكريم إلى كتاب (تراث) وإلى قراءة تراثية، ال شأن لها بـ(المعاصرة) و(الحداثة)، وال بالواقع والعصر.

    (١) نفسه/ ١٤٤.

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٣٨وهذا النوع من الفهم الذي يزجّ بالقرآن في معترك التاريخ وقضبان الحوادث يمتاز

    بمميزات، منها:

    ١- القصص القرآنية جمّردة:فالفهـم التاريخـي للقرآن يفصل القشـور عن الجوهر، ثمّ يعكف في دراسـته على لها إلى مشـاهد درامية جوفاء، القشـور، فإذا جاء إلى قصة نبي الله نوح C مع ابنه حوّض لنا لمجرد التسـلية ومتابعة المجريات، أما أن نقرأ تلك القصة بعين العبر أو نقلّب تُعرَ!)؛ إذ إنّ المهم هو أحداثها بيد المسؤولية فذلك ما ال نجده في مثل هذا الفهم (الحكويّأن تبصـر كيـف حاول ابن نوح C أن يتسـلق الجبل فراراً، ويقفز فـوق الصخور هرباً، غيـر أنّ المـوج العاتي ابتلعه بال رحمة، وهـل كان ابنه أم ابن زوجته من بعل قبله؟!، وأين

    ذاك الجبل؟!جٍ وْ ـمْ فِي مَ ي بِهِ رِ ـيَ تَجْ هِ هـذه هـي المعاني المكتنـزة عندهم في قولـه تعالى: {وَالَ ينَ * قَ افِرِ ـعَ الْكَ ن مَّ الَ تَكُ نَا وَ عَ كَب مَّ نَيَّ ارْ ا بُ لٍ يَ ـزِ عْ انَ فِي مَ كَ نَهُ وَ نَـادَ نُوحٌ ابْ بَـالِ وَ الْجِ كَالَ حَ مَ وَ حِ ـن رَّ هِ إِالَّ مَ رِ اللّ ـنْ أَمْ مَ مِ مَ الْيَوْ اصِ ـالَ الَ عَ اء قَ نَ الْمَ نِي مِ مُ عْصِ بَـلٍ يَ ي إِلَـى جَ ـآوِ سَ

    .(١){ قِينَ رَ غْ نَ الْمُ انَ مِ كَ جُ فَ وْ ا الْمَ مَ يْنَهُ بَ

    ٢- القصص القرآنية مقّيدة: حيـث يتمّ تضييـق أفق القصـة بحصرها في األشـخاص المحدديـن الذين وقعت معهم، والوقائع المباشرة التي حصلت، دون الخروج بمصاديق خارجية لتلك األشخاص يجعلنـا نراهـم ماثلين أمامنا وإن تغيّر الزمان والمـكان، أو إيجاد نماذج توازيها في الواقع

    المعيش اليوم، ودون وضع أحداث موازية لها تجري في واقعنا الحاضر.فـ(نمرود) هو طاغية متجبِّر توفي واضمحل وال نمرود بيننا اليوم!، تلك هي القراءة !؛ ألنّ إبراهيم هو اآلخر اسـم يدلّ على الموادعـة للواقع والتي لـن تنجب (إبراهيم) أبداًنبـي مـات، إنّها فهم مقلوب لمـراد القرآن في عرضه لقصصه، فالله - سـبحانه وتعالى - بور) كلّها برة والعُ برة والعَ }(٢)، و(العِ لِي األَلْبَـابِ ةٌ ألوْ بْرَ مْ عِ هِ صِ انَ فِي قَصَ دْ كَ يقـول: {لَقَمفردات مشـتقة من التجاوز، أي أن ال يقف اإلنسـان عندها، وإنّمـا يتجاوزها لما وراءها

    (١) سورة هود/ ٤٢- ٤٣.(٢) سورة يوسف/ ١١١.

  • ٣٩ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري ؛ لذا كان علينا أال نتحنّط في تلك الشـخصيات واألحداث المذكورة حرفياً، مـن أمر أهمّبـل نتجاوزهـا إلى كلّ نمرود خارجـي وإن اختبأ وراء قناع مزركـش زاه، وإلى كلّ حدث

    مشابه ولو فصله عن الماضي مئات القرون.إنّ الروايـات الـواردة عن أهل البيت A تؤكد علـى أنّ القصص القرآني نماذج سـتتكرر عبـر الزمن بلبـاس أو آخر، وتؤكد علـى أنّه لو كانـت اآلية تنزل لتشـير إلى قبح شـخص بعينه وحسـب فإنّه بموت ذلك الشـخص سـتموت اآلية معه، غيـر أنّ القرآن له ظاهر وباطن، ظاهره (نمرود) التاريخي، وباطنه كلّ طاغ متجبّر وإن اختلف الزمان، وهو بذلك يشـمل (يزيد، ومسـلم بن عقبة، والحجاج، وهتلر، وسـتالين، وصدام) على سبيل

    المثال.: ثلث فينـا وفي أحبّائنـا، وثلث في يقـول اإلمـام الباقـر C: «نزل القـرآن أثالثاًـن كان قِبَلَنـا، وثلث سـنة ومثل، ولـو أنّ اآلية إذا نزلت في قـوم ثم مات أعدائنـا وعـدوّ مَأولئك القوم ماتت اآلية؛ لما بقي من القرآن شيء، ولكنّ القرآن يجري أوله على آخره ما

    .(١)« دامت السماوات واألرض، ولكلّ قوم آية يتلونها هم منها من خير أو شرّلذا مضى أهل البيت A يطبِّقون على اآلية الواحدة أكثر من مصداق، وأكثر من شـخص، فحينما تأتي آية مادحة (الذين آمنوا) قد تشـير رواية بأنّ المقصود بها هو اإلمام علـي C، ولكن ال غرابـة إن وجدنا في رواية أخر أنّها تعني األئمة A بأجمعهم، بينمـا قد نجـد في رواية ثالثة أنّهـم كلّ المؤمنين المخلصين في سـبيل القيـم على امتداد

    األعوام.. وكلّ تلك المصاديق استُنتِجت من آية واحدة تتحدث عن (الذين آمنوا).ومـن هذا مـا يرويه جابر بـن يزيد الجعفي قال: «سـألتُ أبا جعفـر [الباقر] - عليه : السـالم - عن شيء من التفسير فأجابني، ثمّ سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلتُجعلـتُ فـداك، كنتَ أجبتني في هذه المسـألة بجواب غير هذا قبل هـذا اليوم؟!، فقال: يا

    جابر، إنّ للقرآن بطناً، وللبطن بطن، وله ظهر، وللظهر ظهر»(٢).

    ٣ـ االفتراء عنصر التشويق:في سـبيل الحصول على عنصر التشويق واإلثارة واإلمساك بزمام لبّ القارئ يلجأ

    رين إلى مجموعة من األمور، أهمها: اد الفهم التاريخي من المفسّ بعض روّ(١) بحار األنوار ٨٩/ ١١٥، الباب ١٢، ح ٤.

    (٢) نفسه ٨٩/ ٩١، الباب ٨، ح ٣٧.

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٤٠

    أ- األسطرة:فهم يعمدون إلى تكديس الخرافات واألسـاطير (الميثولوجيا)، التي يتكئ القسط األكبر منها على الروايات اإلسـرائيلية، حتى أصبحت بعض الصفحات التفسيرية أشبه ما تكون بحكايات (ملحمة جلجامش) و(اإللياذة) و(األوديسة) و(ألف ليلة وليلة) و(سيرة

    أبي زيد الهاللي) و(سيرة سيف بن ذي يزن)، وليست فهماً منطقياً آليات الله تعالى!!وألهميـة هـذه النقطـة سـوف نعـرض نموذجيـن، ثـمّ نقـف وقفـة تحليليـة عامة

    عندهما:

    النموذج األول: إرم ذات العامد:ا فِي هَ ثْلُ لَـقْ مِ ـادِ * الَّتِي لَمْ يُخْ اتِ الْعِمَ مَ ذَ ض الثعلبي لقوله تعالـى: {إِرَ حيـن يتعـرّ

    }(١)، يقول: الْبِالدِ«وقـال الكلبـي: كان طـول الرجـل منهم أربـع مائـة ذراع، وقال ابن عبـاس: يعني ....، حدثني ابن طولهـم مثل العماد....، وقال مقاتل: كان طول أحدهم اثني عشـر ذراعاًلهيعـة عـن خالد بن أبي عمران عن وهب بن منبه عن عبد الله بن قالبة أنّه خرج في طلب إبـل له شـردت، فبينما هو فـي صحار عدن إذا هو قد وقع علـى مدينة في تلك الفلوات عليهـا حصـن، وحول الحصن قصور كبيرة وأعالم طوال، فلمـا دنا منها ظنّ أنّ فيها أحداً يسـأله عن إبله، فلم يرَ خارجاً وال داخالً، فنزل عن دابته وعقلها، وسـلّ سـيفه ودخل من رَ أعظـم منهما، والبابان بـاب الحصـن، فلما دخل في الحصـن إذا هو ببابين عظيمين لم يُمرصعـان بالياقـوت األبيض واألحمر، فلما رأ ذلك دهـش وأعجبه، ففتح أحد البابين، فـإذا هـو بمدينة لم يـرَ أحدٌ مثلهـا، وإذا قصور، كلّ قصـر معلّق، تحته أعمـدة من زبرجد

    وياقوت، وفوق كلّ قصر منها غرف»(٢).ب (عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح)، يقول: وبعد أن يسجل النسفي نسَ

    «كان لعـاد ابنـان: شـداد، وشـديد، فملـكا وقهرا، ثم مـات شـديد، وخلص األمر

    (١) سورة الفجر/ ٧- ٨.(٢) أبو إسحاق أحمد الثعلبي، الكشف والبيان، المعروف بـ(تفسير الثعلبي)، تحقيق: أبو محمد بن

    عاشور، مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي ١٠/ ١٩٧.

  • ٤١ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري لشـداد، فملك الدنيا، ودانت له ملوكها، فسـمع بذكر الجنة، فقال: أبني مثلها، فبنى (إرم) فـي بعـض صحار عدن في ثالث مائة [سـنة]، وكان عمره تسـع مائة سـنة، وهي مدينة عظيمـة: قصورها من الذهب والفضة، وأسـاطينها من الزبرجـد والياقوت، وفيها أصناف األشـجار واألنهار، ولما تمّ بناؤها سـار إليها بأهل مملكته، فلما كان منها على مسيرة يوم

    وليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا.وعـن عبـد الله بن قالبة أنّه خرج في طلب إبل لـه، فوقع عليها، فحمل ما قدر عليه ، وبلغ معاوية خبره، فاسـتحضره، فقصّ عليه، فبعث إلى كعب فسـأله، فقال: (هي مما ثمّإرم ذات العماد، وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك أحمر أشقر قصير على حاجبه خـال، وعلى عقبه خال، يخرج في طلب إبل لـه)، ثمّ التفت فأبصر ابن قالبة، فقال: (هذا

    ـ والله ـ ذلك الرجل)»(١).

    النموذج الثاين: العامليق وعوج بن عنق:سة ض الطبري والثعلبي لمسـيرة النبي موسـى C نحو األرض المقدّ حين يتعرّهُ إِنِّي الَ اللّ قَ يبًا وَ قِ رَ نَ شَ نَيْ عَ مُ اثْ نهُ ثْنَا مِ عَ بَ آئِيلَ وَ رَ نِي إِسْ يثَاقَ بَ هُ مِ ذَ اللّ دْ أَخَ لَقَ وقوله تعالى: {وَا ضً رْ هَ قَ تُمُ اللّ ضْ رَ أَقْ ـمْ وَ وهُ تُمُ رْ زَّ عَ ـلِي وَ سُ نتُم بِرُ آمَ اةَ وَ كَ يْتُمُ الزَّ آتَ ـالَةَ وَ تُمُ الصَّ مْ ـمْ لَئِنْ أَقَ كُ عَ مَدَ عْ رَ بَ فَ ن كَ ارُ فَمَ هَ ـا األَنْ تِهَ ي مِن تَحْ رِ نَّاتٍ تَجْ مْ جَ نَّكُ لَ خِ ألُدْ مْ وَ ـيِّئَاتِكُ مْ سَ نكُ نَّ عَ رَ فِّ ـنًا َّألكَ سَ حَينَ بَّارِ ا جَ مً وْ ـا قَ ـى إِنَّ فِيهَ وسَ ا مُ الُوا يَ }(٢)!!، وقوله: {قَ ـبِيلِ اء السَّ ـوَ لَّ سَ دْ ضَ قَ مْ فَ نكُ لِكَ مِ ذَ}(٣)، يشـعّ في وجههما لُونَ اخِ ا دَ إِنَّ ا فَ نْهَ واْ مِ جُ رُ إِن يَخْ ا فَ نْهَ واْ مِ جُ رُ تَّىَ يَخْ ا حَ هَ لَ خُ ـا لَـن نَّدْ إِنَّ وَ}؛ فيطيب لهما سرد القصص عن الجبارين ينَ بَّارِ ا جَ مً وْ ا قَ األفق المفتوح لجملة: {إنَّ فِيهَ

    (العماليق) وأحجامهم، وأحجام فاكهتهم.يقول الثعلبي: «سـار موسـى ببني إسـرائيل حتى إذا قربوا مـن أرض كنعان ـ وهي ] يتجسسـون لـه األخبار، أريحـا - بعـث هـؤالء النقبـاء [وكان عددهم اثني عشـر رجالًويعلمونه، فلقيهم عوج بن عنق، وكان طوله ثالثة آالف وعشـرون ألف ذراع وثالث مائة

    التنزيل بـ(مدارك ى المسمّ الجليل، القرآن تفسير النسفي، أحمد بن الله عبد البركات أبو (١)وحقائق التأويل) ٥/ ٣٦٠.

    (٢) سورة المائدة/ ١٢.

    (٣) سورة المائدة/ ٢٢.

  • التدبر املوضوعي يف القرآن الكريم ٤٢وثالثون ذراعاً وثلث ذراع(١).

    قال ابن عمر: كان عوج يحتجز بالسـحاب ويشرب منه، ويتناول الحوت من أقرار البحر فيشويه بعين الشمس يرفعه إليها ثمّ يأكله.

    ، فقال له: ويُـرو لـه أنّه رأ نوحاً يوم الطوفـان فقال: احملني معكَ في سـفينتكَ، وطبّق الماء مـا على األرض من جبـل وما جاوز اخـرج يـا عدو اللـه، فإنّي لم أؤمر بـكَ C ركبتي عوج، وعاش ثالثة آالف سـنة، ثمّ أهلكه الله على يد موسـى، وكان لموسىعسـكرٌ فرسـخاً في فرسـخ، فجاء عوج حتى نظر إليهم، ثم جاء فنحت الجبل، فأخذ منه بصخرة على قدر العسـكر، ثمّ حملها ليطبقها عليهم، فبعث الله إليه الهدهد ومعه المصّ قته، وأقبل موسـى - يعني منقاره - حتى نخر الصخرة فانثقبت فوقعت في عنق عوج فطوّC - وطوله عشرة أذرع، وطول عصاه عشرة أذرع، وتراقي السماء عشرة أذرع -، فما أصاب إال كعبه وهو مصروع باألرض فقتله. قالوا: فأقبلت جماعة كثيرة ومعهم الخناجر،

    وا رأسه، فلما قُتل وقع في نيل مصر فجسرهم سنة»(٢). فجهدوا حتى جزّوبعـد هذه التفاصيل يكمل الثعلبي قصة النقباء االثني عشـر: «فلما لقيهم عوج بن عنق - وعلى رأسـه حزمة حطب - أخذ االثني عشـر، فجعلهم في حجزته وحجزة اإلزار معقد السراويل التي في التكة، فانطلق بهم إلى امرأته وقال: انظري إلى هؤالء القوم الذين يزعمون أنّهم يريدون أن يقاتلونا، فطرحهم بين يديها، وقال: أال أطحنهم برجلي، فقالت: فون أحوالهم، وكان ال، بـل.. خلِّ عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا، ففعل، فجعلوا يتعرّال يحمل عنقود عنبهم إال خمسـة منهم في خشـبة، ويدخل في شـطر الرمانة إذا نُزع حبّها

    خمسة أنفس أو أربعة»(٣).ثم يتحدث الثعلبي عن أم عوج، وأنّ اسمها عنق أو عناق، وأنّها إحد بنات النبي آدم C، وأول بغـي فـي األرض، «وكان كلّ إصبـع من أصابعها ثالثـة أذرع وذراعين، وفـي كلّ إصبـع ظفران حديـدان مثل المنجلين، وكان مجلسـها جريباً مـن األرض، فلما

    (١) وحتى يتمّ التناغم الحسابي لهذا العدد في جرس صوتي متجانس جعله بعضهم «ثالثة آالف ذراع، وثالث مائة، وثالث وثالثون ذراعاً، وثلث!!»، - أي (٣٣٣٣٫٣) ذراع!!، كما نقل ابن

    كثير، في (تفسير القرآن العظيم) ٢/ ٣٦. (٢) الكشف والبيان، المعروف بـ(تفسير الثعلبي)، تحقيق: أبو محمد بن عاشور، مراجعة وتدقيق:

    نظير الساعدي ٤/ ٣٦- ٣٧.(٣) نفسه ٤/ ٣٧.

  • ٤٣ الفصل األول: مقدمات متهيدية يف التدبر والتفسري ر، وسلّطهم مُ داً كالفيلة، وذؤباً كاإلبل، ونسوراً كالحُ بغت بعث الله - عزّ وجلّ - عليها أُسُ

    عليها فقتلوها وأكلوها»(١).

    وقفة عامة:وقبل أن نغادر نقل هذين النموذجين نقف على مجموعة أمور فيهما، أهمها:

    األول: رفد القصص بالتفاصيل اخليالية املدهشة:فالنموذجان يسـعيان بما أوتيا مـن قوة وتقانة لملء القصتيـن بالغرائبية والعجائبية

    والسحرية (الفانتازيا):ففـي نموذج قصـة (إرم ذات العماد) تظهر التصويرات الخارقـة، مثل: (كان طول رَ الرجـل منهـم أربع مائة ذراع)، (يعنـي طولهم مثل العماد)، (إذا هو ببابيـن عظيمين لم يُأعظـم منهمـا)، (والبابان مرصعان بالياقـوت األبيض واألحمـر)، (كلّ قصر معلّق، تحته أعمـدة مـن زبرجد وياقـوت)، (قصورها مـن الذهب والفضة، وأسـاطينها مـن الزبرجد

    والياقوت، وفيها أصناف األشجار واألنه�