ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ...

443
1 ـﺭﺍﻁﯾﺔ ﺍﻟﺷﻌﺑﯾﺔ ـ ـﺯﺍﺋﺭﯾﺔ ﺍﻟﺩﯾﻣﻘ ـ ـﻭﺭﯾﺔ ﺍﻟﺟ ﺍﻟﺟﻣﻬ ـ ـﻲ ـ ـ ـ ـ ـ ـﻲ ﻭ ﺍﻟﺑﺣﺙ ﺍﻟﻌﻠﻣ ـ ـ ـ ـﯾﻡ ﺍﻟﻌﺎﻟ ـ ـ ﻭﺯﺍﺭﺓ ﺍﻟﺗﻌﻠ ـﻠﻭﻡ ﺍﻹﻧﺳﺎﻧﯾﺔ ـ ـ ـ ـ ـ ـﺎﺭﺓ ﺍﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ﻭ ﺍﻟﻌ ـ ـ ـ ﻛﻠﯾﺔ ﺍﻟﺣﺿ ـﻭﻡ ﺍﻹﺳﻼﻣﯾﺔ ـ ـ ـ ﻗﺳﻡ ﺍﻟﻌﻠ ﺍﳌﻮﺍﺯﻧﺔ ﺑﲔ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺔ ﻭ ﺍﻟﻌﻔﻮ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﻣﻘﺎﺭﻧﺔ ﺑﲔ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻭ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺍﻟﻮﺿﻌﻲ رﺳﺎﻟﺔ ﻣﻘﺪﻣﺔ ﻟﻨﯿﻞ درﺟﺔ اﻟﺪﻛﺘﻮراه ﻓﻲ اﻟﻌﻠﻮم اﻹﺳﻼﻣﯿﺔ ﺗﺨﺼﺺ : ﺷﺮﯾﻌﺔ و ﻗﺎﻧﻮن إﻋﺪاد اﻟﻄﺎﻟﺐ : ﺗﺤﺖ إﺷﺮاف : أ.د ﻟﺨﻀﺎري ﻟﺨﻀﺮ اﻟﻌﺸﺒﻲ ﻗﻮﯾﺪر اﻟﻠﺠﻨﺔ اﻟﻤﻨﺎﻗﺸﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ وھﺮان رﺋﯿﺴﺎ أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ أ.د اﺣﺴﻦ زﻗﻮر ﺟﺎﻣﻌﺔ وھﺮان ﻣﺸﺮﻓﺎ أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ أ.د ﻟﺨﻀﺎري ﻟﺨﻀﺮ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺸﻠﻒ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎً أً أﺳﺘﺎذ ﻣﺤﺎﺿﺮ د. رﺑﺎﺣﻲ أﺣﻤﺪ ﺟﺎﻣﻌﺔ وھﺮان ﻣﻨﺎﻗﺸﺔً أً أﺳﺘﺎذة ﻣﺤﺎﺿﺮة د. ﺣﺰاب رﺑﯿﻌﺔ ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﺠﺰاﺋﺮ ﻣﻨﺎﻗﺸﺎً أً أﺳﺘﺎذ ﻣﺤﺎﺿﺮ د. ﻣﻌﺒﻮط أﺣﻤﺪ ﺟﺎﻣﻌﺔ س. ﺑﻠﻌﺒﺎس ﻣﻨﺎﻗﺸﺎ أﺳﺘﺎذ اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ اﻟﻌﺎﻟﻲ أ.د ﻗﺎدة ﺑﻦ ﻋﻠﻲ ﻣﺤﻤﺪ اﻟﺴﻨﺔ اﻟﺪراﺳﯿﺔ :2012 م /2013 م

Upload: others

Post on 06-Sep-2019

9 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

Page 1: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

1

ـراطیة الشعبیة ـ ـزائریة الدیمق ـ ـوریة الج ـ الجمهـي ـ ـ ـ ـ ـ ـي و البحث العلم ـ ـ ـ ـیم العال ـ ـ وزارة التعلـلوم اإلنسانیة ـ ـ ـ ـ ـ ـارة اإلسالمیة و الع ـ ـ ـ كلیة الحض

ـوم اإلسالمیة ـ ـ ـ قسم العل

املوازنة بني العقوبة و العفو دراسة مقارنة بني التشريع اإلسالمي و التشريع الوضعي

رسالة مقدمة لنیل درجة الدكتوراه في العلوم اإلسالمیة

تخصص : شریعة و قانون

تحت إشراف : إعداد الطالب : العشبي قویدر أ.د لخضاري لخضر

اللجنة المناقشة

أ.د احسن زقور أستاذ التعلیم العالي رئیسا جامعة وھران أ.د لخضاري لخضر أستاذ التعلیم العالي مشرفا جامعة وھران د. رباحي أحمد أستاذ محاضر أ مناقشا جامعة الشلف د. حزاب ربیعة أستاذة محاضرة أ مناقشة جامعة وھران

د. معبوط أحمد أستاذ محاضر أ مناقشا جامعة الجزائر أ.د قادة بن علي محمد أستاذ التعلیم العالي مناقشا جامعة س. بلعباس

م 2013 م /2012السنة الدراسیة :

Page 2: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

2

إهداء

سائال ا ، إىل أعز الناس إيل ، والدي - أن يرزقين رضامها و اإلحسان هلما .

و يف هذا املقام ، أسأل ا أن يشفي أبي من مرضه و يكشف ما به من ضر فهو أرحم الرامحني .

- إىل الصاحب و الرفيق الطيب : أم عبد الرمحن .

- إىل األمل الصاعد املنتظر : عبد الرمحن .

- إىل رحيانة البيت : خدجية .

- إىل البشارة املنتظرة ...

Page 3: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

3

شكر و تقدير

أتقدم بالشكر و التقدير إىل :

أستاذنا ، العالمة األستاذ الدكتور خلضر خلضاري الذي -سعدت بإشرافه ، وقد تنورت الرسالة بتوجيهاته الدقيقة ومالحظاته القيمة ، و أقدر جهده وصربه و ما قدمه من

تشجيع حتى تكتمل الرسالة هبذه احللة الطيبة .

- أستاذنا ، العالمة األستاذ الدكتور أبو بكر لشهب الذي أنار لنا بتوجيهاته واقرتاحاته القيمة الطريق يف إحكام هذه

الرسالة .

- أستاذنا ، البحاثة األستاذ حلسن مسقمني الذي قدم لنا من جهده ووقته و أكرمنا مبالحظاته و اقرتاحاته القيمة النافعة .

Page 4: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

4

احلمد هللا الذي أنعم على عباده بالبيان ، و شرع هلم من األحكام و كلفهم بالوقوف عند حدودها و اجتناب نواهيها تكليفا هلم عنه و ال انفصام ، و أمرهم بتنفيذها بني عباده لريتفع الظلم و الفساد و اهلرج و العناد تنفيذا ال يشوبه حيف يف إقامة احلق بني ذوي

لى اللهم على سيدنا حممد خري األنام ، املؤيد بالوحي و اإلهلام وعلى آله اخلصام ، و ص . و أصحابه و من تبعهم وقاموا بالشريعة أحسن قيام

من املعلوم و املقرر الذي يشهد له التاريخ و التجربة أن مجيع الشرائع كان الغرض منها إقامة احلق الذي ينبين على أساس العدل يف كل شيء ، ملا فيه من تعمري األرض و البعث على الطاعة ، و فيه ما يدعو إىل حتقيق األلفة بني الناس و انتظام أمورهم ، فالدعوة إليه

.الرغبة فيه مطلوبة قائمة و و قد استقرت العقول الراجحة على ضرورة تطبيقه يف مجيع شؤون الناس ، ألن فكرة

العدل تقوم على التوسط بني حاليت التقصري و السرف و بني اإلفراط و التفريط ، و هذه ا مجيع قضية عليها مجيع األحكام و أضحت التكاليف جارية مبقتضاها ، فصبغت

.القراراتو ملا كان العدل هو الغاية اليت يسعى إليها مجيع البشر ، كان من الالزم ضبط هذه الغاية

مبا جيمل العدل يف نظرهم و حيببهم إليه ، و ذلك عن طريق الدعوة إىل ما فيه ختفيف من

Page 5: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

5

شدة وطأته ، فقد يكون يف العدل تفريط أو إفراط يؤدي إىل الظلم ، وخاصة إذا تعلق .ل اإلنسان مع خصمه األمر بعد

ألجل ذلك رجح جانب الفضل و اإلحسان ، حىت يتقوى اجلانب اإلنساين و حتمل الناس على أحسن املناهج ، و هذا مشهود يف تصرف الشارع احلكيم ، فقد شرع مع

.العقوبة العادلة العفو و الصلح و ندب إليه م ، قد وقع فيها إفراط و تفريط و العقوبة باعتبارها جزاء عادال ملا اقرتف من جرائ

وتأرجحت معامل فلسفتها بني الشدة و اإللغاء و اختلف الناس يف إدراك غايتها وحتقيق ا باعتبارها وسيلة للكف عما يقع على الناس من إضرار مقصودها ، و ازداد االهتمام

ا تتعلق بالنفس البشرية باإل م ، و من جهة أخرى أ تالف و إحلاق ميس ما تقام به حياين عليه ظلم و تعد .الضرر ، فكان من الواجب االحتياط حىت ال يقع على اجلاين أو ا

ا و قد تعددت اآلراء و النظريات يف القانون الوضعي يف معرفة أهداف العقوبة بني كوا منعا للجرمية ، و أحرزت البحوث العلمية يف جمال اإلجرام و جزاء مقابال للجرمية و كوالعقاب تطورا و صلت به إىل أعمق األهداف و استقر األمر على أن اهلدف من العقوبة

.ين و تقومي سلوكه حبيث يعود إىل احلياة االجتماعية عضوا صاحلا هو إصالح اجلايقر بعجز العقوبة بالصورة التقليدية هلا –على اختالف اجتاهاته –إال أن الفقه احلديث

رم و تقدمي حل أمثل لظاهرة اإلجرام ، فكان التفكري يف ما ا يف تقومي ا و عدم كفاءد منه ، وكان احلل يف إقامة مؤسسات أكثر تكامال حتل حمل خيفف وطأة العقوبة أمرا ال ب

.العقوبة من بينها نظام تفريد العقاب و يعترب نظام تفريد العقاب األساس الشرعي و العلمـي للعفو عن العقوبة يف القانون

الوضعي و الذي كان احلل األمثل للتخفيف من عدل العقوبة، خاصة العقوبات الشديدة

Page 6: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

6

.عدام ، زيادة على كونه الطريق الوحيد إلصالح األخطاء القضائية كعقوبة اإلإال أن العفو عن العقوبة باعتباره حقا أصبح يف نظر فقهاء القانون يشكل خرقا صارخا

دم عمل ملبدأ الفصل بني السلطات ، و ذلك بإتاحة الفرصة أمام رئيس الدولة ليقوم ء استعماهلا إذا ما تدخل حق العفو كثريا قبل املوعد قامت به السلطة القضائية ، و قد يسا

الطبيعي لتنفيذ العقوبة ، و قد يكون فيه صدمة يف أوساط الرأي العام الذي مييل إىل ا جزاء عادل .اإلبقاء على تنفيذ العقوبة أل

ا إىل العقوبة و العفو تقوم على أمرين :أما يف الشريعة اإلسالمية فنظر ضرورة إقامة العدل يف كل شيء مبقابلة املسيء جبنس إساءته ،: ألولاألمر ا -

، فإذا ثبتت العقوبة يكون ذلك بإقامة القاعدة الشرعية عند موضع اإلثباتو .وأصبحت الزمة كان من الواجب شرعا إنزاهلا على اجلاين

العقوبات الدعوة إىل اإلحسان يف كل شيء ، ومن ذلك العفو عن : األمر الثاني - .تطبيقا للقاعدة األخالقية

و مفهوم العدالة العقابية يف الشريعة اإلسالمية يقوم على التوازن بني األمرين ، ا من ويقتضي هذا احلال املبالغة يف الكشف باألسباب املؤدية إىل ظهور احلق ، يصان

ين عليه ، و النظر إىل األصلح بن اء على غلبة الظن ، وقوع الظلم على اجلاين أو اوالنظر إىل قواعد األخذ باألحوط مبا يوجب االبتعاد عن التعدي و يقود إىل التناصف و

.إىل احلق فإذا ثبتت العقوبة و قامت األدلة املستمرة يف قطعيتها ، كـان من الواجب شرعا إنزاهلا

ا احلكم الثـابت و حيقق م الشارع كان قصـودعلى اجلاين ، فإن وجدت مظان ينقدح .العفو : من الندب العدول عنها إىل ما هو أسلم و أحوط و هو

Page 7: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

7

:أهمية الموضوع و أهدافه : تكمن أمهيته من اجلهات التالية

ها و من جهة أنه يتعلق بالنفس البشرية اليت طاملا شرعت من أجلها األحكام إلصالح - حلفظ ما هو ضروري للناس باعتبارها ضبطها و حفظ حقوقها ، فالعقوبة إمنا وضعت

م .وسيلة من وسائل الكف عن اإلضرار باآلخرين و انتهاك ما تقام به حيامن جهة أنه يقدم حال مشروعا خيفف من وطأة العقوبة اليت قد يكون من شدة -

.اإلفراط فيها جتاوز واجب العدل فيها و حصول ما هو خمالف ملقصودها ال مشروعا لعالج مشكلة اإلجرام من خالل الدعوة إىل املوازنة بني من جهة أنه ح -

القاعدة الشرعية اليت تدل على ضرورة العدل يف العقوبة ، و بني القاعدة األخالقية اليت .ترغب يف العفو ، ترجيحا للمعاين اإلنسانية

طمس و اهلدف من ذلك كله ، حتقيق العدالة العقابية من غري أن يكون يف ذلك للحقوق و املصاحل و إذهاب للجانب األخالقي و اإلنساين ، فال إلغاء للعقوبة بالكلية

.حىت ال يكون ذلك مناقضا ملبدأ الشرعية ، و ال الوصول إىل أن تكون العقوبة هي الغاية : و دوافعه أسباب اختيار الموضوع يعترب هذا املوضوع من النقاط العالقة اليت فجرها حبث املاجستري و الذي دار موضوعه

حول السياسة العقابية ، و كان جل اهتمامي حول هذه النقطة حىت وقع يف نفسي موقع .القبول و اشتد العزم يف ذلك بعد االستخارة و املشاورة

استخرجتها من خالل القراءات الكثرية على و مما زاد األمر تثبيتا ، تلك اإلحياءات اليت مستوى الشبكة العنكبوتية لبعض املقاالت القانونية و اليت كانت تدل على وجود مشكلة

Page 8: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

8

عاملية يف قضية تشريع العقوبة ، تأرجحت بني إلغائها بالكلية و بني من يدعو إىل ما ا من خالل الدعوة إىل إعمال مؤسسات ثانوية و منه .ا العفو خيفف من شد

كذلك مما دفعين إىل اختيار هذا املوضوع ، وجود شعور عام بالنسبة للرأي العام بعدم رم الذي بلغ إجرامه مبلغ الشهرة مل يأخذ نصيبه من العقاب األمن ، خاصة و هم يرون ا

.و قد مت العفو عنه :فذلك لألسباب التالية الموازنةأما اختياري لعبارة املفاضلة بني حال و حال ، و هذه املفاضلة : أن املوازنة تقتضي وضعا معينا و هو -

تقتضي الرتجيح و اختيار األنسب عند تنازع املصاحل و املفاسد و عند تزاحم احلقوق ، و .ا تعرف أي األشياء اليت ينبغي فعلها و أيها ينبغي تركها

العقوبة و العفو ، و تتأرجح بني ما تقتضيه هناك من األوضاع اليت تقتضي التخيري بني - السياسة الدينية من استرباء و بني ما تقتضيه األحكام الشرعية من استيفاء ، فيقتضي هذا

.احلال إعمال فقه املوازنة و استثماره بني مصاحل و مفاسد العقوبة أو العفو :الخلفية التاريخية و الدراسات السابقة لقدامى إىل هذه املسألة بعبارات أخرى تندرج ضمن أصول عامة تشمل أشار العلماء ا

اجلانب العقايب و اجلوانب األخرى ، ذكرت يف مورد الرتجيح بني املصاحل و املفاسد وبني املصاحل نفسها و املفاسد نفسها ، خاصة من أقام ذلك على وجه التنظري و التأسيس كما

و من جرى على دربه من قواعد األحكام كتابه هو الشأن عند العز بن عبد السالم يف خاصةعلماء األصول ، و أشار إىل ذلك علمـاء السياسة الشرعية و األحـكام السلطانية

Page 9: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

9

. )1(يف باب واليات املظامل و اجلرائم و باب القضاء لكن الذي أشار إىل هذه القضية من قريب هم علماء التفسري خاصة عند تفسريهم

لقوله

، فاستقر عندهم أن الشارع احلكيم كلما أمر بعدل العقوبة استتبع ذلك ) 126: النحل ( .بالعفو و بني فضله و ندب إليه

هل األوىل العفو عن : مث إن علماء األصول ذكروا إشكاال يعد انطالقا للموضوع و هو و نيل األوطارالظامل أم عقوبته ؟ كما هو مقرر عند الشوكاين يف كتابه

. )2(قواعد األحكامعند العز بن عبد السالم يف كتابه كتب الفقه و القواعد و جاء تأسيس هذه املسألة وفق قواعد عظيمة ذكرت يف بطون

الخطأ في العفو و قاعدة األخذ باألصلح، و قاعدة ال ضرر وال ضرارالفقهية ، كقاعدة . من الخطأ في العقوبة أولى

فاملوضوع طرح من قبل بشكل غري مفصل ، و إمنا تناثرت تصوراته بني املسائل املختلفة .يف باب اجلنايات خاصة

ذا الشكل رمبا يكون جديدا لكن قد ذكرت بعض -حبسب اطالعي -و املوضوع الدراسات احلديثة شيئا منه من غري تفصيل أو من غري ختصيصها كبحث مستقل ، و هو

، و ما ذكره أصول النظام الجنائي اإلسالميحال ما ذكره الدكتور سامل العوا يف كتابه يف

استعمل علماء السياسة الشرعية عبارة األخذ باألصلح يف عقوبة القصاص من ال ويل له إال الـحاكم – )1( وعند موضع التهمة و جهالة حال املتهم ، و عند الشبهة ، وكان موضع خصبها يف باب التعازير باعتبار .أن العفو حق لويل األمر

:دار احلديث ، القاهرة ( 1عصام الدين الصباطي ، ط: ، حتقيق نيل األوطارالشوكاين ، : ينظر – )2( حممود: ، حتقيق قواعد األحكام في مصالح األنامابن عبد السالم ، : ، و ينظر 34: ص 7، ج) م 2000 . 162: ص 2، ج) دار املعارف ، لبنان ( التالميد الشنقيطي

Page 10: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

10

يد عبو عقوبة في ضوء الشريعة اإلسالمية العفو عن الد يف كتابه الدكتور ماهر عبد ا .القانون الوضعي و لكن يف حقيقة األمر أن الذي ذكر هذه املسألة بشكل واضح من غري أن يفرد هلا باب

و هو يتكلم عن األوىل للمقذوف هل هو العفو أم العقوبةمستقال اإلمام أبو زهرة يف كتابة األخذ بالعقوبة ؟

هذه الدراسات مل تذكر املوضوع بشكله احلايل و بطرحه املتقدم ، و إمنا ذكرته فكل .ضمن أبواب و قواعد عامة

:إشكالية الموضوع جبنس معاقبة املسيء: أقام الشارع احلكيم النظام العقايب على فكرة العدل مفادها

عدل ملظنة أنه قد يكون يف إساءته ، و يف املقابل شرع ما يدعو إىل التخفيف من وطأة ال .تطبيق العدل إفراط فندب إىل العفو

ذا الباب أن هناك تناسبا و لوحظ من خالل اجتهادات الفقهاء يف املسائل اليت تتعلق بينهما يتعلق بطبيعة كل عقوبة ، فهناك من العقوبات ندب فيها العفو كالقصاص وأخرى

. حرم فيها كاحلدود ، و أخرى ترك أمرها إىل و يل األمر كالتعازير :الة العقوبة و مشروعية العفو يثري التساؤالت التالية فهذا التناسب و التقابل بني عد

على أي أساس يقوم هذا التناسب بني عدالة العقوبة و مشروعية العفو ؟ -

كيف مجعت الشريعة اإلسالمية بني القاعدة الشرعية اليت تتمثل يف ضرورة العقوبة - عند اإلثبات و بني القاعدة األخالقية املتمثلة يف العفو ؟

ملعاين اليت راعاها الشارع يف ذلك و اليت بنيت عليها املوازنة بني العقوبة ما هي ا - والعفو ؟

Page 11: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

11

و ما هي اآلثار اليت ترتبت عن هذه املوازنة ؟ -

و ملا كانت طبيعة الدراسة تنبين على مقارنة الشريعة اإلسالمية بالقانون الوضعي ، فهل نظرة القانون إىل العقوبة و العفو هي نفسها يف الشريعة اإلسالمية ؟

:المنهج المتبع .ختريج األحاديث و اآلثار -

اته إن جعلت ترمجة لألعالم و اقتصرت على ذكر اسم العلم و تاريخ والدته ووف - .أمكن ، و مل أوسع يف ذكر أثاره ، و قد ذكرت لبعضهم تصانيفهم

مل أفصل يف بعض املسائل الفرعية اليت تتعلق باجلانب الفقهي أو األصويل باعتبارها -قد قتلت حبثا ، و مل أفصل يف املسائل الفرعية اليت هلا صورة خمتلفة ، و ربطت

.حمل النزاع فيها و ذكرت السبب و العلة املسائل الفقهية مبآخذ الفقهاء و بيان

على القواعد الفقهية ابتعدت قدر اإلمكان عن اخلالف الفقهي ، و اعتمدت - .واألصولية باعتبارها موضع االتفاق

.اعتمدت على املذاهب الفقهية األربعة املشهورة يف غالب األحيان -

إن ظهر حتقيق يف ، و الظاهرإن ظهر يل شيء انقدح يف ذهين استعملت لفظة - . لوحظاملسألة استعملت لفظة

من اجلانب القانوين ، مل أتقيد بقانون ما و إمنا كان غالب األمر ذكر ما ذهب إليه - .فقهاء القانون عامة

و ملا كانت طبيعة الدراسة مقارنة الشريعة اإلسالمية مع القانون الوضعي ، فإين قد - :سلكت يف ذلك املسلك التايل

Page 12: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

12

وجه ما استقر عليه فقهاء القانون يف املوضوع ، مث جعلت غالب الدراسة هو ذكرت بيان وجه الشريعة اإلسالمية ، و تقيدت بذلك إىل آخر البحث ، و اقتصرت املقارنة يف

.الباب األول فقطملا كان غالب الدراسة يقتصر على الشريعة اإلسالمية ، فإين سلكت يف ذلك -

:املسالك التالية

–و على آثار الصحابة ) قرآنا و سنة ( االعتماد على النصوص الشرعية كثرة - أ .و أقوال الفقهاء و األصوليني –رضوان اهللا عليهم

االعتماد على ما استقر عليه احملققون من علماء الفقه و األصول دون إمهال ما -ب .استقر عليه علماء عصرنا خاصة يف املواضع اليت تقتضي الرتجيح

إتباع مسلك املقارنة بني الفقهاء ، خاصة يف املسائل املختلف فيها و اليت ال - ج . تتعلق مبذهب معني

و قد استعنت يف ذلك كله باملناهج املعروفة يف البحث العلمي خاصة املنهج - .التحليلي و املنهج املنطقي و املنهج االستقرائي

:الصعوبات :من الصعوبات اليت واجهتين خالل هذا البحث و األصول ، حبيث يعسر مجعها و فهم تناثر مسائل البحث يف كتب الفقه -

املآخذ الفقهية فيها ، و استقراء تلك املسائل حيتاج إىل جهد مشرتك ، و مجعها وترتيبها على وفق اخلطة املتبعة صعب و عسري ، فموضوع البحث مل يدرس كبحث

.مستقل

Page 13: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

13

–على حسب اطالعي –مما زاد األمر صعوبة ، قلة املصادر اخلاصة باملوضوع - .من حيث أن املوضوع مل يطرح طرحا مستقال بنفسه ، تستقل به نظائر مسائله

بعض مسائل املوضوع حتتاج إىل حتقيق خاصة فيما يتعلق بالنوازل الفقهية أو - وجدت من الصعوبة يف ذلك ما أثر على مدة اجتهادات بعض علماء العصر ، و قد

إجناز هذا البحث ، و خاصة يف موضع تعارض اآلراء الفقهية أو عند إحلاق املسائل .بالقواعد و األصول

:خطة البحث

:قسمت البحث إىل أربعة أبواب

و قد قسمت هذا الباب إىل فصلني ، فصل يتحدث عن ماهية : الباب األول -عفو يف الشريعة اإلسالمية و القانون الوضعي ، و فصل آخر يقتصر على العقوبة و ال

اجلانب القانوين يف أغلبيته و يتحدث عن مشكلة العقوبة و العفو ،مث ذكر معه وجه .اخلصوصية الشريعة اإلسالمية يف ذلك

و يتحدث عن اجلانب التأصيلي للموازنة بني العقوبة و العفو من : الباب الثاني -فصل يتحدث عن أدلة ذلك من خالل لشريعة اإلسالمية من خالل فصلني ،منظور ا

عن ذلك من خالل االجتهاد الفقهي النصوص الشرعية ، و فصل آخر يتحدث . إشكاالته و قواعده و و يتناول األسس اليت تقوم عليها املوازنة بني العقوبة و العفو من : الباب الثالث -

، فصل يتحدث عن األساس الشرعي ، و اآلخر يتحدث عن األساس خالل ثالثة فصول .احلقوقي ، أما الفصل األخري فهو يتحدث عن األساس املصلحي

Page 14: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

14

و فيه ذكر بعض اآلثار والتطبيقات الفقهية و األصولية للموازنة بني : الباب الرابع - . العقوبة و العفو

.املقصود ، إنه هو املوفق ملا فيه اخلري أسأل اهللا تعاىل التوفيق يف عملي و بلوغ

Page 15: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

15

Page 16: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

16

Page 17: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

17

المبحث األول

ماهیة العقوبة في الفقه اإلسالمي و القانون الوضعي

و يقصد باملاهية ما يدخل حتت بيان مفهوم العقوبة و الغرض منها و خصائصها ، يف . كل من الشريعة اإلسالمية و القانون الوضعي

المطلب األول

ــوبةف العقتعـریــ

أن جتزي الرجل مبا : اسم للعقاب ، و العقاب بالكسر و املعاقبة هو : العقوبة يف اللغة . )1(فعل سوءا

:أما يف االصطالح ، فتطلق يف الفقه اإلسالمي من جهتني

ذا االعتبار تعين من جهة بيان طبيعة العقوبة و خاصيتها: إحداها - األمل : ، و هي ، )2(الذي يلحق اإلنسان مستحقا للجناية ، و يكون بالضرب أو القطع أو الرجم أو القتل

.و هو املعىن الفقهي

فالفقهاء أرادوا من هذا التعريف بيان طبيعتها املتمثلة يف خاصية اإليالم ، مث يردفون ذلك و يتضح حدها ببيان شروطها و صفتها و كيفية إقامتها ، حىت يكتمل املعىن األمشل هلا

. 619:ص 1ج، ) 1993: دار صادر ، بريوت ( 3، ط لسان العربابن منظور ، : ينظر – )1( . 3:ص 4ج، ) 2000: دار الفكر ، بريوت ( على الدر المختاررد المحتار ، ابن عابدين : ينظر – )2(

Page 18: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

18

الشرعي ، من غري تفصيل يف بيان اهلدف و املقصد منها ، و إن أشاروا إىل ذلك فهو على رم .سبيل البيان و التقعيد من غري تفصيل ، و إمنا الرتكيز كان يف بيان وقعها على ا

و النظر يف هذا « : و من أمثلة ذلك ، قول ابن رشد يف بيان عقوبة القصاص فيقول إىل النظر يف املوجب ، أعين املوجب للقصاص ، و إىل النظر : كتاب ينقسم إىل قسمني ال

. )1(»يف الواجب أعين القصاص و يف إبداله إن كان له بدل

حيتاج إىل معرفة مسائل السرقة إىل معرفة ركن السرقة و إىل معرفة « : و يقول الكاساين إىل معرفة حكم قة عند القاضي ، و شرائط الركن و إىل معرفة ما يظهر به السر

. )2(»السرقة

من خالل اإلشارة إىل املعىن الذي من و ذلك ، من جهة بيان مقصدها األصلي :ثانيها - أجله شرعت العقوبة و هو الزجر ، أو من خالل ذكر ما أوجبته من حفظ ضروريـات

، فجاء تعريف العقوبة و فق هذا املعىن ، ومن أمثلة ذلك الناس أو ما قام عليه النفع العام

ع عن ارتكاب ما حظر و ترك ما احلدود زواجر وضعها اهللا تعاىل للرد « : قول املاوردي ، )4(» اين من عوده ملثل فعله و زجر غريهــــــــــــــــــما وضع ملنع اجل«:راويـــــ،وقول النف)3(»أمر

1حممد معوض و عادل أمحد عبد املوجود ، ط علي: ، حتقيق بداية المجتهد و نهاية المقتصدابن رشد ، – )1( . 20: ص 6ج، ) م 1996: دار الكتب العلمية ، بريوت (

دار إحياء ( 1حممد عدنان بن ياسني درويش ، ط: ، حتقيق الشرائعبدائع الصنائع في ترتيب الكاساين ، – )2( . 5:ص 6ج، ) م 2010: الرتاث العريب ، بريوت

:مكتبة دار ابن قتيبة ، الكويت ( 1أمحد مبارك البغدادي ، ط: ، حتقيق األحكام السلطانيةاملاوردي ، – )3( . 288: ، ص) م 1989

. 178: ص 2ج، ) 2009: دار الفكر ، بريوت ( الفواكه الدوانيالنفراوي ، – )4(

Page 19: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

19

.)1(»العباد نزجار عما يتضرر بهاال« : قول العيين

فهذه التعريفات جاءت لتبني احلكمة من تشريع العقوبة من غري اإلشارة إىل طبيعتها ، و هو يف الغالب أميل إىل اجلانب األصويل، و إن كان قد ذكره الفقهاء يف مقدمة الكالم

الغالب عند الكالم عن عن العقوبة ، إال أن علماء األصول قد أشاروا إىل هذا املعىن يف .احلدود خاصة

و قد مال فقهاء العصر احلديث يف تعريف العقوبة إىل اجلهة الثانية ، فقال الدكتور ى عنه و ترك ما أمر « : البهنسي العقوبة هي جزاء وضعه الشارع للردع عن ارتكاب ما

صلحة اجلماعة عند اجلزاء الذي وضع مل« : ، و قال األستاذ عبد القادر عودة )2(»به .)3(»عصيان ما أمر الشارع احلكيم

:و تطلق العقوبة على عدة معان منها

: ، و هو تعبري قرآين ، يف قوله الجزاءتطلق مبعىن - 1

، ) و قوله ) 33:املائدة ، :

، ) 38:املائدة . (

. 191: ص 6ج، ) م 2009: دار الفكر ، بريوت ( البناية في شرح الهداية، العيين – )1( . 13: ، ص) 1983: دار الشروق ، بريوت ( ، 5، ط العقوبة في الفقه اإلسالمينسي ، – )2(: مؤسسة الرسالة ، بريوت ( 14، ط التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعيعبد القادر عودة ، – )3(

. 609: ص 1ج، ) 1997

Page 20: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

20

إال أن اجلزاء أعم من العقوبة ، فاجلزاء يستعمل يف اخلري و الشر ، فقد يكون اجلزاء يف مقابل فعل خري أو قد يكون يف مقابل عمل شر ، أما العقوبة فقد اختصت باألخذ

.بالسوء

، فيقال حق اهللا تعاىل و حق اآلدمي ، فاألول يف معىن مقابل الحقو تطلق يف - 2 .ين يف معىن القصاص احلدود و الثا

، و هي مركبة بين ما يتطلبه القضاء و ما يتطلبه الدينو العقوبة يف الفقه اإلسالمي - 3 ذا اإلطالق أمشل و أعم ، فما يتطلبه القضاء فهي كل عقوبة يشرتط فيها اخلصومة أو ما

، و أما ما يتطلبه الدين فيدخل فيما ال يشرتط فيه اخل صومة وال يتطلب لزم تنفيذها قضاءا القضاء كالكفارات ، باعتبارها أمر يتعلق بعالقة العبد بربه ، فيحاسب عليها يف إثبا

. اآلخرة

ا كاإلمث و العصيان ، و لذلك عندما )1(مقابل االستحقاقو تطلق يف - عند وجود أسبا . )2(استحقاق العقوبة : عرف العلماء اإلمث قالوا بأنه

:ق األخري ينبئ إىل أمرين و اإلطال

أنه من قال باستحقاق العقوبة ، فذلك بناء على جواز العفو ، ألن يف : أحدهما - مقابل احلق ندب أو يف مقابل الفرض ندب الذي هو العفو ، وال يكـون العفو إال بعد

ما استحقا إمثا فإ:( ثبوت احلق و وجوبه كقوله تعاىل: االستحقاق يف املعىن اللغوي – )1( )ن عثر على أ

دار صادر ،( 1، ط لسان العربابن منظور ، : ، و هو نفسه املعىن الفقهي ، ينظر ) 107: املائدة ( 2، وزارة الشؤون اإلسالمية ، ط الموسوعة الفقهية: ، و ينظر 49: ص 10ج، ) ت .ب: بريوت . 219: ص 3ج، ) هـ 1404: السالسل ، الكويت (

.706: ص 3ج، المختاررد المختارعلى الدر ابن عابدين ، – )2(

Page 21: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

21

.استحقاق العقوبة كعقوبة القصاص

العقاب ليس بالعذاب ، فالفاعل الذي فعل فعال أن القول باالستحقاق ينبئ أن : ثانيها -يوصف باجلرم ، فإنه يستحق عقب فعله العقوبة خبالف العذاب ، فيجوز أن يكون عن

. )1(استحقاق و جيوز أن يكون من غري ذلك

أما يف القانون الوضعي، فقد عرب فقهـاء القانون عن لفظ العقوبة بتعبري اجلزاء ، من

:ذلك

جزاء يقره الشارع و يوقعه القاضي « : ها الدكتور إسحاق إبراهيم منصور بقوله عرف - 1 على من ثبتت مسئوليته عن ارتكاب جرمية ، و تتمثل العقوبة قي إيالم اجلاين باالنتقاص

. )2(»من بعض حقوقه الشخصية

م مقصود جزاء تقوميي تنطوي على إيال« : و عرفها الدكتور عبد اهللا سليمان بقوله - 2 ، تتنزل مبرتكب جرمية ذي أهلية لتحملها ، بناء على حكم قضائي يستند إىل قانون

.)3(»ة أو مصلحة له أو يعطل استعماهلاحيددها ، و يرتتب عليها إهدار حق ملرتكب اجلرمي

ا واقعة مادية تتنزل على اجلاين ، ما عرفا العقوبة باعتبار أ و املالحظ من التعريفني ، أ

ذا املعىن أقرب للمعىن الفقهي الذي ذكر سابقا .و هي

دار العلم و الثقافة ، القاهرة( حممد إبراهيم سليم : ، حتقيق الفروق اللغويةأبو هالل العسكري ، : ينظر – )1( . 239: ، ص) ت .ب:

:املطبوعات اجلامعية ، اجلزائر ديوان( موجز في علم اإلجرام و علم العقابإسحاق إبراهيم منصور ، – )2( . 130: ص) م 1982

2ج،) 1995: ديوان املطبوعات اجلامعية ، اجلزائر ( شرح قانون العقوبات الجزائريعبد اهللا سليمان ، – )3(

. 417: ص

Page 22: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

22

ا - 3 اجلزاء الذي يقرره القانون باسم اجلماعة ولصاحلها « : و عرفها البعض اآلخر بأ .)1(»ضد من ثبتت مسؤوليته و استحقاقه للعقاب عن جرمية من اجلرائم اليت نص عليها

و هذا التعريف يتناسب مع املعىن الثاين للعقوبة ، من خالل بيان اهلدف من العقـوبة

ا مصلحة للجماعة ، و فيه من املعاين ما يدل على أن العقوبة ليس املقصود املتمثل يف كو .منها العذاب ، و إمنا هي استحقاق عن جرم ارتكب

المطلب الثاني

الغرض من العقوبة

ان الغرض يف كل من القانون الوضعي من خالل مدارس علمية بينت ذلك، و سيشمل بي . و أما يف الشريعة اإلسالمية فمن خالل ما أقره الفقه اإلسالمي يف بيان اهلدف من العقوبة

الفرع األول

في القانون الوضعي

من خالل تسلسل - حبسب نظر القانون الوضعي - شهدت العقوبة مراحل عدة

.تارخيي و مدارس علمية ، حبثت عن غرض العقوبة و أهدافها و أهم قواعدها

، فاملقرر يف النظم القانونية القدمية أن العقوبة اختذت فمن حيث السند التاريخي - 1 مانو شكال ميتاز بالشدة و القوة ، و كان الغرض منها العذاب نفسه كما نص قانون

،و 465: ، ص) م1991: دار النشر للجامعات املصرية ، مصر ( موجز القانون الجنائيراشد علي ، – )1(

زرق فؤاد: ، و ينظر 405: ، ص) م 1966: دار النهضة ، مصر ( حممود جنيب ، علم العقاب : ينظر . 217: ، ص) 1998: منشورات اجلليب احلقوقية ، بريوت ( األحكام الجزائية العامة،

Page 23: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

23

، و كانت العقوبة هلذا اجلرم يف الشرائع )1(السرقة للمرة الثالثةعلى قتل السارق يف الهندي .)2(الصينية القدمية قطع الرجل مث أصبح باإلمكان قتله

عقوبات مشددة جلرائم النصب و االحتيال و الغش ، فكان رابيقانون حمو و تضمن .)3(يطبق حكم اإلعدام على من يقبض عليه متلبسا بالسرقة

ة أغراض عنصرية و دينية و سياسية ، تقوم على اختالف الفروق االجتماعية وكان للعقوب بني األحرار و العبيد ، و من أمثلة ما جاء من نص محو رايب على أن الرجل احلر الذي حطم أسنان رجل آخر حر يفقد أسنانه ، و لكن يكتفي بدفع ثلث كيل فضة إذا كان

. )4(الضحية أقل رتبة منهالعقوبة طابعا دينيا ، فأصبحت اجلرمية عصيانا دينيا على األفراد قبول اجلزاء مث اختذت

ا ، كما هو عند املصريني القدامى الذي تقرره السلطة الدينية مهما بلغت قسو . )5(والعربانيني

مث اختذت طابعا سياسيا، فنادى فقهاء الرومان على أن يكون للعقوبة إىل جانب الردع . )6(تقومي اجلاين و إصالحه: أساسية ، وظيفة أخرى و هي كوظيفة

.فكانت هذه الفكرة األخرية منطلقا أساسيا للمدارس الفقهية القانونية الالحقة

. 32:ص، ) 1993: أطلس للنشر ، اجلزائر ( تاريخ النظم القديمةدليلة فركوس ، : ينظر – )1( املؤسسة اجلامعية ( 1، ط فلسفة العقوبات في القانون و الشرع اإلسالميعلي حممد جعفر ، :ينظر – )2(

. 9: ، ص) 1997: للدراسات و النشر و التوزيع ، بريوت .املرجع نفسه و الصفحة نفسها : ينظر – )3( . 10: املرجع نفسه ، ص: ينظر – )4( . 12-11: املرجع نفسه ، ص: ينظر – )5( )م 1992: الدار اجلامعية ، بريوت ( ، مبادئ علم اإلجرام و العقابعوض حممد و حممد زكي أبو عامر، – )6(

. 388:ص

Page 24: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

24

اـاريـبيك، فقد ظهـرت املـدارس العلميـة على يد حيث السند العقلي من أما - 2 يف املرحلة األوىل ، و مسيت باملدرسة التقليدية األوىل و باملدرسة الكالسيكية ، وقد بنتامو

تمع قد تعاقدوا على العيش يف سالم و بفكرة العقد االجتماعيتأثرت ، على أن أفراد اوالء لسلطة موحدة ، و بالتايل فإن اجلرمية تعترب خرقا هلذا العقد ، و يعطى حق اللجوء إىل

. )1(العقابإىل أن العقاب جيب أن يكون بيكاريامث تطورت الفكرة إىل أن وصل العامل اإليطايل

حمدودا حبدي العدل و املصلحة االجتماعية ، و من الظلم التعدي يف الشدة ما يلزم حلماية رم من العود لإلجرام ، تمع ، فأصبحت الغاية من العقاب ليست التعذيب ، بل منع ا ا

ايات بنتامو جاء العامل . )2(الغري من الوقوع فيهو منع وزاد عليها بيكاريافانطلق من أن العقوبة ال حتقق نفعا للجماعة إال إذا اتسمت بالقسوة : ، و مفادها نفعية العقوبةفكرة

اليت تكفي إلقناع الشخص بأنه إذا أقدم على ارتكاب اجلرمية ، فسيخضع لعقوبة تفوق اليت حيصلها من اجلرمية ، بناء على رجحان إيـالم املنفعةبأذاها

.)3(العقوبة على الفائدة املتوقعة من اجلرمية اليت أقامت فلسفتها على أن العدالة أساس ملشروع جاءت المدرسة التقليدية الحديثةمث

م مجعا بني ، و قد أقاموا كانتالعقاب ، استلهاما من الفلسفة املثالية للعامل األملاين فكروجوب االعرتاف باملسؤولية : ، و مفاد ذلك فكرة العدالة و فكرة المنفعة االجتماعية

لكل جمرم على حدة يف ضوء سالمة إرادته اجلنائية املخففة ، و مراعاة احلالة اخلاصة

. 39: ، ص مبادئ علم اإلجرام و العقابعوض حممد و حممد زكي ، :ينظر – )1( . 859: ، ص)ت .ب: الدار اجلامعية ، بريوت ( السياسية و القانون الدستوريالنظم شيحا إبراهيم ، – )2( :جامعة امللك سعود ، الرياض ( 1، ط األحكام العامة للنظام الجزائيعبد الفتاح مصطفى ، : ينظر – )3(

. 29: ، ص) 1995

Page 25: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

25

كمال إدراكه ، و ما أحاط بسلوكه اإلجرامي من ظروف و مالبسات و استبعاد العقوبات و . )1(اسيةالق و اليت كان هدفها استبعاد فكرة العدالة و املنفعة ، و أقاموا و جاءت المدرسة الوضعية

ضد اجلرمية ، و ذلك بوسيلة التدابري الوقائية ، كالعفو فكرة الدفاع االجتماعيالعقوبة على . )2(و وقف التنفيذ و اإلفراج حتت شرط اإليداع يف مكان خاص ملدة معينة غري حمددة

و اليت ظهرت يف النصف األول من القرن مدرسة حركة الدفاع االجتماعيو أخريا ظهرت ، و كان هلا األثر الكبري يف مارك أنسلو جراماتيكاالعشرين ، و أشهر منظريها العاملني

.تغيري النظام العقايب يف القانون الوضعي

اجلنـائية بشكل يستبعد حتمل اإلنسانترى ضرورة تعديل القوانني جرماتيكافنظرية

، و هذا فيه معىن إلغاء النظام العقايب )3(املسؤولية على أساس الفعل اإلجرامي أو نتائجه و قد يتعارض مع فكرة مبدأ شرعية العقوبة ، و قد محل الدولة عبء استبعاد أسباب

و استخدام وء إىل العقـاباحنراف الفرد اجتماعيا ، و تأهيله للحياة االجتماعية دون اللجالتدابري الوقائية و العالجية ، و أن يقوم اإلصالح على أسـاس دراسة كل منحرف على

. )4(حدة و دراسة ظروفه

، فتقوم على ضرورة التخلص من الصياغات القانونية اجلديدة ، وذلك أنسلأما نظرية

. 31:املرجع نفسه ، ص: ينظر - )1( . 406: ، ص مبادئ علم اإلجرام و العقابعوض حممد و حممد زكي ، : ينظر – )2( 70: ، ص1ج، ) 1983: دار الشروق ، جدة ( 1، ط علم اجتماع العقابنبيل السمالوطي ، : ينظر – )3( علمنبيل السمالوط ، :، و ينظر 39:، ص األحكام العامة للنظام الجزائيعبد الفتاح مصطفى ، : ينظر – )4(

. 71:، ص اجتماع العقاب

Page 26: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

26

بعدم االقتصار على املناهج القانونية أو الصياغات النصية فقط ، بل جيب االستعانة . )1(بالعلوم االجتماعية و النفسية

و املعمول به يف العصر احلديث بالنسبة للقوانني الوضعية هو قيام أساس العقوبة على تمع .فكرة العدل و محاية ا

.وبة متناسقة مع درجة اخلطيئة اليت ارتكبها اجلاين فاملقصود بالعدل هو أن تكون العق تمع هو أن تكون العقوبة تناسب حالة اجلاين اخلطرة .و املقصود حبماية اتمع يتحقق من خالله وظيفتني للعقوبة : و هذا اجلمع بني العدل و محاية اخالل بث الطمأنينة حتقيق الشعور العام بالرضا يف الناس من : الوظيفة األولى -

.والسالم فيهم رم حىت ال يعود إىل اإلجرام ، باإلنذار أو اإلصــالح أو : الوظيفة الثانية - ردع ا

. )2(االستبعاد ، و كذلك ردع غريه من الوقوع يف اجلرمية

الفرع الثاني في الفقه اإلسالمي

يقصد بالغرض األهداف و املقاصد اليت شرعت من أجلها العقوبة و استمدت منها أصوهلا العامة ، و قد تقرر عند علماء العصر احلديث من خالل ما استقرؤوه من نصوص شرعية تتعلق بالعقاب ، و من خالل الفروع الفقهية و أقوال الفقهاء و علماء األصول ،

دف إىل أمرين أن العقوبة يف الفقه اإلسال :مي

. و الصفحات نفسها املراجع نفسها: ينظر – )1( المبادئ العامة فيالفاصل حممد ، : ، و ينظر 469: ، صراشد علي ، موجز القانون اجلنائي : ينظر – )2(

السعيد مصطفى ، : ، و ينظر 53: ، ص) 1965: مطبعة جامعة دمشق ، دمشق ( قانون العقوبات . 551:، ص) 1962: دار املعارف ، مصر ( األحكام العامة في قانون العقوبات

Page 27: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

27

تمع من أن يقع يف الرذائل أو أن تتحكم : األمر األول - محاية الفضيلة و محاية ا .األهواء يف تسيريه

. )1(حتقيق املصاحل و حفظها بالنسبة للمجتمع: األمر الثاني - الستصالح، أما املقصد من تشريع العقوبة يف الفقه اإلسالمي ،فهو يتنوع بني الزجر وا

فالقصاص و احلدود كان القصد من تشريعها زجر اجلاين ، أما التعازير فكـان القصد .منها االستصالح

، درء المفاسديعتمد على قاعدة ) كأصل عام للعقوبة ( فاملقصد األول الذي هو الزجر المصالحجلب و قد ذكر الفقهاء مع الزجر اجلرب باعتبـاره على أنه يقوم على قــاعدة

المصالح ، و الزواجر مشروعة لدرء الجوابر مشروعة لجلب ما فات من: واشتهرت مقولة . )2(المفاسد

و هذا املعىن الذي تقوم عليه العقوبات ، إمنا كان يف األحكام الشرعية اليت ال تتغري بتغري رع على تغليب حق األحوال و الظروف ، و ال تقبل العفو و ال اإلسقاط ، إال ما دل الش

.العبد فيه مثل عقوبة القصاص ا ، فهذا ليس بصحيح حبسب النظر إىل ما و قد يفهم من الزجر أن العقوبة شرعت لذا

.دل عليه االستقراء للفروع الفقهية املتعلقة بالباب

،)هـ 1383: مصر معهد الدراسات العربية العاملية ،( فلسفة العقوبة في الفقه اإلسالميأبو زهرة ، : ينظر – )1(

. 18: ص دار املعارف ، بريوت( حممود التالميد الشنقيطي : ، حتقيق قواعد األحكامالعز بن عبد السالم ، : ينظر – )2(

،) ت .ب: دار الفكر ، بريوت ( شرح فتح القديراهلمام ، ابن: ، و ينظر 14: ص 1ج، )ت .ب: األحكام السلطانيةاملاوردي ، : ، و ينظر 3: ص 4ج ،رد المختارابن عابدين ، : ، و ينظر 212: ص 5ج )م 1995: دار الكتب العلمية ، بريوت ( التبصرةابن فرحون ، : ، و ينظر 288: ، ص و الواليات الدينية . 217: ص 2ج

Page 28: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

28

شوف فقد دل أن إنزال العقوبات املقدرة على اجلناة حيتاج إىل مزيد من احليطة و احلذر لت احملافظة على أطراف الناس من اهلالك ، : الشارع احلكيم إىل مصلحة أخرى و هي

ا ، و إمنا أراد زجر فالشارع احلكيم ملا شرع عقوبة اجللد و القطع و القصاص مل يرد ذااألنفس املريضة يف الوقوع يف هذه اجلرائم ، و لعل تقدمي الشارع حلفظ النفس على حفظ

.و االضطرار ، دليل على ما سبق الدين عند اهلالك أما االستصالح ، فالقصد منه تأديب اجلـاين و إصالحه ، و هذا املعىن موجـود يف

العقوبات غري املقدرة و اليت تسمى بالتعازير ، و هو يقوم على مراعاة ظروف و أحوال رم و اجلرمية .ا

أن الشريـعة اإلسالمية مل تسو بني و املوازنة بني مبدأ الزجر و االستصالح يدل على اجلرائم كلها ، و إمنا جعلت كل مبدأ يتعلق جبرائم معينة ، خبالف ما هو يف القانون

. الوضعي الذي مجع بني املبادئ وساوى بينها يف كل اجلرائم فالشريعة اإلسالمية طبقت هذه املبادئ تطبيقا متوازنا ، قد يظن الناظر لذلك أنه يوجد رم : ضارب ، مفاده ت مل شخص ا أن األصل الذي تقوم عليه العقوبة حتارب اجلرمية و

رم و ال يهمل حماربة اجلرمية ، فاألول يقصد منه محاية مصاحل ، و بعضها يهتم بشخصية ا اجلماعة و الثاين يقصد منه إصالحه ، فكيف جيتمع ذلك ؟

بني اجلرائم من خالل األصول اليت بنيت أن الشارع احلكيم مل يسو : تفصيل ذلكو رم تمع قد أمهل فيها جانب ا عليها العقوبة ، فالعقوبات اليت كان القصد منها محاية ارم وهذا ألن فساد جرائمها كبري خيل بضروريات الناس ، و لذلك مل تراع فيها ظروف ا

.املعىن موجود يف عقوبة القصاص و عقوبات احلدود ا العقوبات اليت كان القصد منها تأديب اجلاين و إصالحه ، فقد راعت فيه ظروفهأم

Page 29: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

29

ا ال ترقى إىل خطورة جرائم احلدود .باعتبار أو هناك معىن أدق من السابق ، يتمثل يف أن الشريعة اإلسالمية شرعت مع العقوبة ما به

العفو و الصلح ، و مها متالزمني : تكتمل األصول و املقاصد لبلوغ حد الكمال و هو للعقوبات األصلية كالقصاص ، و ذلك حىت تكتمل الصورة العامة للغرض والقصد الذي

.يب يف الفقه اإلسالمي بين عليه النظام العقا

:و لقد كان الغرض من مالزمة هذا املعىن للعقوبات عامة ، حتقيق هدفني

.دفع اجلاين إىل املسارعة إىل التوبة و الرجوع عن الذنب -

.القضاء على األحقاد و الثأر و االنتقام -

ال يرجع إىل اجلرمية فقد يكون بالعفو خمرجا للجاين حىت يسارع إىل التوبة النصوح و بعد ذلك باعتبار أن ذلك من مقتضيات التوبة ، و قد يكون فيه ما يقضي على ما تسر به

. النفوس احلاقنة ، فإن للحقد و حب االنتقام أثرا كبريا يف اجلرأة على ارتكاب اجلرمية

المطلب الثالث خصائص العقوبة

و شخصيتها باعتبار أن هذين املبدأين و سيذكر من اخلصائص ما يتعلق بشرعية العقوبة ا الشريعة اإلسالمية يف مجيع من املبادئ العظيمة اليت وصلت إليها النظم الوضعية ، و أقر

. أحكامها ابتداء الفرع األول

خاصیة الشرعیة :املعلوم و املقرر عند علماء األصول و الفقهاء أن األحكام الشرعية قسمان

Page 30: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

30

. التكليفيةقسم األحكام - .قسم األحكام الوضعية - فاألحكام التكليفية جاءت للتنصيص على اجلرمية ، و ذلك بالنسبة لألحكـام اليت جاءت على وجه الطلب الالزم فعله أو الكف الالزم تركه ، أما األحكام اليت جاءت

ا ، و ال يعترب ت ركها جرمية على الرأي على سبيل التخيري ، فال يعاقب على تركها أو إتيا . )1(الراجح

ا أما األحكام الوضعية ، فقد جاءت للتنصيص على العقوبة من خالل بيان أسبا .وشروطها و موانعها

، ال حكم ألفعال العقالء قبل ورود الشرع: و هذه األحكام بقسميها بنيت على قاعدة أن موجب احلكم ال يكون إال بعد البيان و السمع ، و العقاب ال يكــون : و معناها

. )2(حقا و ال يستحقه صاحبه إال بعد مساع خطاب اهللا تعاىل ، مث جاء بعدها العصيانفتبني أن استحقاق العقوبة متوقف على سبق العلم ، فال تكليف إال بعد وصول اخلطاب

. ال جريمة و ال عقوبة بغير نص: تخرجت قاعدة الشرعي ، و منها اسو جند هذه القاعدة قد طبقت تطبيقا دقيقا يف جرائم القصاص و احلدود ، و ليس املقام

مقام تفصيل يف ذلك ، فهو واضح يف كتب الفقه و قد قامت األدلة الكافية من القرآن .الكرمي و السنة النبوية يف بيان ذلك و تقريره

يكون تركه معاقب عليه ؟ و لتفصيلهل املباح واجب ف: املسألة أصولية جرى فيه اخلالف ، بيانه – )1(

)م 2000: دار الكتب العلمية ، بريوت ( حممد تامر : ، حتقيق البحر المحيطالزركشي ، : املسألة ينظر وزارة( 1عجيل جاسم النشمي ، ط: ، حتقيق الفصول في األصولاجلصاص ، : ، و ينظر 224: ص 1ج

، حتقيقالفروق القرايف ، : ينظر ، و 147: ص 2ج، ) 1985: األوقاف و الشؤون اإلسالمية ، الكويت . 19: ص 3ج، ) م 2007: املكتبة العصرية ، بريوت ( عبد احلميد هنداوي :

. 348: و ص 221: ص 1ج، البحر المحيطالزركشي ، : ينظر – )2(

Page 31: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

31

خباصية اجلمع بني) مبدأ الشرعية ( صت الشريعة اإلسالمية من خالل هذا املبدأ و اخت

الثابت و املتغري يف أحكامها ، فبعضها ثابت ال يطرأ عليه التبديل أو التغيري أو الزيادة أو النقصان ، و ال يؤثر فيه تغري األزمنة و األمكنة و ال الظروف ، و بعضها متغري اعترب فيه

.حبسب الظروف و األحوال التبديل

ال يتغري عن حال واحدة فهو عليها ، ال نوع -: األحكام نوعان « : يقول ابن القيم حبسب األزمنة و ال األمكنة و ال اجتهاد األئمة ، كوجوب الواجبات و حترمي احملرمات و

و ال اجتهاد احلدود املقدرة بالشرع على اجلرائم و حنو ذلك ، فهذا ال يتطرق إليه تغيري .خمالف ملا وضع له

فشرع التعزير .. ما يتغري حبسب اقتضاء املصلحة زمانا و مكانا و حاال النوع الثانيو - .)1(»بالقتل ملدمن اخلمر يف املرة الرابعة ، و عزر بالعقوبات املالية يف عدة مواضع

و املقصود باألحكام اليت ختتلف باختالف الظروف و األزمنة و األمكنة ، ليس يف أصل : اخلطاب ، باعتبار أن الشرع موضوع على أنه دائم أبدي ، و إمنا املقصود من االختالف

، فاألحكام املتغرية )2( العادة إذا اختلفت رجعت كل عادة إلى أصل شرعي يحكم به عليهاأن ال خترج عن الشريعة ، بل هي حتتكم إىل القواعد العامة للتشريع ، استنادا إىل جواز

. االجتهاد و االستنباط

و قد كان من أثر هـذا املبدأ الفصل بني السلطتني ، السلطة التشريـعية و السلطة

)م 1975: دار املعرفة ، بريوت ( 2حممد حامد الفقي ، ط: ، حتقيق إغاثة اللهفانابن قيم اجلوزية ، – )1( . 330: ص 1،ج

دار( 3عبد اهللا دراز و حممد عبد اهللا دراز ، ط: ، حتقيق الموافقات في أصول الشريعةالشاطيب ، : ينظر – )2( .217: ص 2ج، ) 2003: الكتب العلمية ، بريوت

Page 32: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

32

ا النص، فكانت وظيفة السلطة األوىل بيان أحكام )1(التنفيذية العقوبات اليت جاء . الصريح ، أما الذي ال نص فيه ، فقد اعملوا يف ذلك االستنباط و ختريج العلة و حتقيقها

.و كانت وظيفة الثانية ، تنفيذ ما قرر يف السلطة األوىل و كان هلذا الفصل أثر كبري يف بيان اختصاص القضاة و الوالة ، فكان اختصاص القضاة

. )2(اخلصومات فقط ، و أما الوالة فكان هلم تنفيذ األحكام نيابة عن احلاكم الفصل يفو الغرض من ذلك كله ، حفظ احلقوق و احلريات ، حىت ال يكون اعتداء باسم اجلرمية ،

. و قد حذر الشارع يف كثري من املواضع من االعتداء و التعدي و الزيادة يف الظلم ي ، فال توقع عقوبة من جانب القاضي إال بناء على نص و أما يف القانون الوضع

تشريعي صريح يقررها ، كما ال جيوز احلكم بعقوبة ختتلف يف طبيعتها أو جياوز مقدارها . )3(تلك املنصوص عليها قانونا

و حيدد مبدأ الشرعية مصادر القانون مقتصرا على القوانني الصادرة من السلطـات ، و حيذر رجعية القوانني املعرفة )4(م اليت تصدر عن السلطة التنفيذيةالتشريعية أو النظ

. )5(للجرائم و احملددة للعقوبات ، فالقانون ال يسري يف املاضي

. 33: ، ص العقوبة في الفقه اإلسالمينسي ، : ينظر – )1( أبو بكر: ، حتقيق اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام و تصرفات القاضي و اإلمامالقرايف ، : ينظر – )2(

. 27: ، ص) م 1989: املكتب الثقايف ، األزهر الشريف ، مصر ( 1عبد الرزاق ، ط :اجلديدة للنشر ، اإلسكندرية عةدار اجلام( النظرية العامة لقانون العقوباتسليمان عبد املنعم ، : ينظر – )3(

دار اهلدى،( مبدأ الشرعية في قانون العقوبات الجزائريبارش سليمان ، : ، و ينظر 796: ، ص) 2000 . 32: ، ص) ت .ب: عني مليلة ، اجلزائر

. 35: ، ص) م2002: دار مهومه ،اجلزائر ( مبادئ القانون الجزائي العامبن شيخ حلسني ، : ينظر – )4( . 40: نفسه ، ص املرجع: ينظر – )5(

Page 33: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

33

الفرع الثاني

شخصیة العقوبة

متس العقوبة يف الفقه اإلسالمي الشخص نفسه و ال تتعداه إىل غريه ، و هذا املبدأ ثبت : من خالل جمموع النصوص الشرعية ، كقوله

) و قوله ) 164: األنعام ، :

) و قوله ) 39: النجم ، :

) 46: فصلت . (

: ، و قوله ))1 ال يؤاخذ الرجل بجريرة أبيه و ال بجريرة أخيه :و قوله ال يجني جان إال على نفسهو أن )2( .

و قد طبق هذا املبدأ تطبيقا متوازنا ، يراعي فيه بعض األحوال اليت جعلها بعض الباحثني هلذا االستثناء من مجلة االستثناءات هلذه القاعدة عند مقارنته للقانون الوضعي ، و إن كـان

العاقلة الدية مع اجلاين يفمسوغ أقره عموم التشريع ، و من ذلك حتميـل

.شبه العمد و اخلطأ

فاألصل يف هذه املسألة وجوب الدية على اجلاين نفسه ملا تضمنته النصوص الشرعية السابقة ، فلم تتحمل العاقلة ضمان األموال و دية العمد ، لكن ترك هذا األصل يف دية

اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت :قال اخلطأ بالنص الشرعي ، حلديث أيب هريرة

. 4058: من حديث مسروق عن عبد اهللا ، كتاب حترمي الدم ، رقم السننأخرجه النسائي يف – )1( من حديث أبو األحوص عن شبيب بن غرقدة ، كتاب تفسري القرآن ، رقم السننأخرجه الرتمذي يف – )2(

:3012 .

Page 34: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

34

بدية المرأة على إحداهما األخرى بحجر فقتلتها و ما في بطنها ، فقضى رسول اهللا . ))1عاقلتها

، فإن يف حتميل العاقلة الدية فتح باب املواساة و التعاون و عدم من جهة مراعاة المعنىو ته ، فهم ليسوا مذنبني ، و إمنا ذلك التفريط يف اجلاين من غري أن يلزمهم بذنب جناي

يدخل من باب املواساة ، و إن كان هذا العمل تستحسنه العقول الراجحة ، قال ا على اجلاين يف ماله « :)2(البهويت إن جنايات اخلطأ تكثر و دية اآلدمي كثرية ، فإجيا

ا على العاقلة على سبيل املواساة للق اتل و اإلعانة له جيحف به ، فاقتضت احلكمة و إجياإن حفظ القاتل واجب على « :، و ذهب الكاساين إىل أكثر من ذلك ، قال )3(»ختفيفا

)4(» عاقلته ، فإذا مل حيفظوا فقد فرطوا ، و التفريط منهم ذنب .

أن : و قد تقرر هذا املبدأ يف القانون الوضعـي لدى فقهاء القانون ، و من مجلة ذلك العقوبة ال توقع إال على من ثبتت مسؤوليته عن ارتكاب اجلرمية ، و إذا كانت العقوبة

ا ال تنفذ إال يف أموال احملكوم عليه وحده دون أصوله أو فروعه . )5(مالية ، فإ

. 6319: ، كتاب الديات ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )1( العذب الفائض ،: ي ، من مصنفاته ، فقيه حنبلي أزهر ) هـ 1121، ــ( صاحل بن حسن بن أمحد – )2(

. 190: ص 3، ج األعالمالزركلي ، : ، ينظر كشف القناع ،) هـ 1402: دار الفكر ، بريوت ( هالل مصيلحي : ، حتقيق كشف القناع عن متن اإلقناعالبهويت ، – )3(

.6: ص 6ج . 308: ص 6ج، بدائع الصنائعالكاساين ، – )4( . 130:، ص موجز في علم اإلجرام و العقابإسحاق إبراهيم منصور ، : ينظر – )5(

Page 35: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

35

المبحث الثانيماهیة العفو في القانون الوضعي و الشریعة اإلسالمیة

ملبحث ، معرفة مفهوم العفو و سنده التارخيي و العلمي وبيان و يقصد باملاهية يف هذا ا طبيعته و نطاق استعماله يف القانون الوضعي ، مث يتعقبه بيان حقيقة العفو و ذكر مجلة من

. أحكامه يف الشريعة اإلسالمية

المطلب األول هیة العفو في القانون الوضعيما

يقتضي بيان ماهية العفو يف النظم الوضعية ، بيان تعريفه و ذكر السند اليت يستمد العفو شرعيته يف القانون الوضعي ، و طبيعته القانونية و جمال استعماله من خالل الفروع

.التالية الفرع األول

وــف العفــتعری

اء التزام بت« : عرف فقهاء القانون العفو بأنه نفيذ عقوبة إزاء شخص صدر ضده إاء كليا أو جزئيا ، أو استبدال التزام آخر به ، موضوعه عقوبة أخرى ، ا إ حكم مربم

.)1(»و ذلك بناء على مرسوم صادر عن رئيس اجلمهورية

75:، ص)م 1992: دار اخللود ، بريوت ( 2، ط االتجاهات الحديثة في قانون العفو العامرباح غسان ، – )1(

. 67:، ص) 2008: منشورات احلليب احلقوقية ( 1، ط الوجيز في العفو عن األعمال الجرميةاملؤلف نفسه ، : ، و ينظر

Page 36: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

36

م اجلزائري اليت نصت على أن رئيس 1996نوفمرب 28من دستور 77و طبقا للمادة اجلمهورية له حق إصدار العفو ، و حق ختفيض العقوبات و استبداهلا ، و عرف العفو

.)1(على أنه منحة تعفي تنفيذ العقوبة سلطة تقليدية لرئيس الدولة ، حيق له مبـوجبه أن يصدر« : و عرفه البعض على أنه

ائيا بإسقاط العقوبة كلها أو بعضها عفوا عن أي جمرم بعد أن ثبتت إدان . )2(»ته

:و من خالل هذه التعاريف يتضح لنا خصائص العفو عن العقوبة يف القانون الوضعي

.فإنه ذو طبيعة شخصية ، باعتبار أنه جزاء فردي ينال الشخص ذاته -أ

قد يأيت على العقوبة كلها و يؤثر عليها باإلسقاط كلية ، و قد يأيت على جزء منها -ب .، أو ميكن أن يكون باستبدال عقوبة أخرى أخف منها

.العفو يف القانون الوضعي هو من اختصاص رئيس الدولة - ج

الفرع الثاني

السند التاریخي للعفو

ا العفو تقوم فلسفة العفو عن العقوبة يف ا لقانون الوضعي على األدوار التارخيية اليت مر حىت اكتملت له الصورة الفنية يف العصر احلديث ، و قد قسمها فقهاء القانون إىل ثالثة

.أدوار

. 216: ، ص مبادئ القانون الجزائي العام، بن شيخ حلسني: ينظر – )1( :ؤسسة الوطنية للكتاب ، اجلزائر امل( ، النظرية العامة للتدابير االحترازيةعبد اهللا سليمان سليمان ، – )2(

. 381: ، ص)م 1990

Page 37: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

37

فكان حق العفو لألباطرة دون غريهم ، : الدور األول ، في عهد الحكم الروماني - العفو يف هذه الفرتة خاص لفئة معينة ذات قوة و و دون مشاركة أية هيئة ، فكان

. )1(سلطان

و كان الشراح و فقهاء القانون يستندون على : الدور الثاني ، في عهد اإلقطاع األوربي - القانون الروماين الذي كان يعمل به حىت إىل فرتة طويلة ، و قد حصروا حق العفو عن

لك بعدما كان األمراء األوربيني ميارسونه حبسب العقوبة بيد امللك وحده ، و ذ . )2(املقاطعات

و اعترب يف هذه الفرتة أن امللك مصدر العدالة و املمثل لإلله يف األرض ، مث أسندت له ائية السلطة الكاملة و االستبدادية لنظام العفو عن العقوبة ، و كان امللك يف )3(بصورة

دئة املظاهرات و حىت تستقر العادة يستعمل هذا احلق لب عض األبطال من الفرسان لغرض .)4(األمور ، و أحيانا كان يستعمل هذا احلق لتصحيح خطأ قضائي

و كان من آثار هذه الثورة ، إزالة نظام العفو : الدور الثالث ، في عهد الثورة الفرنسية - سقط بسقوط السلطة املطلقة عن العقوبة ، ملا ترتب عليه من مساوئ باسم العفو ، و قد

،) 1985: الناشر املؤلف ، بريوت ( 1، ط الموسوعة الجزائية اللبنانية الحديثةفريد الزغيب ، : ينظر – )1(

71:ص :دار الفكر العريب ، مصر ( 2، ط شرح األحكام العامة في قانون العقوباتحممود إمساعيل ، : ينظر – )2(

. 795: ص) م1959 :السنة التاسعة ، تشرين الثاين : ، القاهرةجملة القانون و االقتصاد ( حق العفوالسيد صربي ، : ينظر – )3(

. 662: ، ص 6، ع ) م1939 ، 1407: ، ص) 1990: دمشق اجلديدة ( المفصل في شرح قانون العقوباتعبد الوهاب محيد ، : ينظر – )4(

. 41: ، ص االتجاهات الحديثة في قانون العفو العامرباح ، : و ينظر

Page 38: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

38

للملك ، غري أن ذلك كان له خماطر استكشفت يف السنة العاشرة للثورة ، والذي اشتهر باإلصالحات القضائية ، منها نظام العفو عن العقوبة يف يد احلاكم ، فتبعتها مجيع البلدان

.)1(األوربية حىت يومنا هذا الفرع الثالث

طبیعة العفو في القانون

هل : و هو من بني اإلشكاالت اليت وقع فقهاء القانون فيها ، و ذلك من حيث بيان

العفو من اختصاص السلطة التنفيذية أم هو طبيعة إدارية ؟ بالقول أن العفو عن العقوبة يتشابه باالختصاصات جيزو بارتلميفقد ذهب األستاذان

فإن حق العقوبة من اختصاص دستوري ممنوح التنفيذية لرئيس الدولة ، و وفقا هلذا الرأي ا مقيدة مببدأ الشرعية العقـابية ، فال للسلطة التنفيذية ، إال أ

. )2(فال توقع عقوبة دون نص قانوينفالسلطة التنفيذية هي اليت متلك حق إقامة الدعوى اجلزائية ، و اليت من غرضها السماح

امتنعت احلكومة عن توقيع العقاب ، فإن هذا للحكومة بإثبات حقها يف العقاب ، و مىتال يفهم على أنه تعد على السلطة القضائية ، فهي كالدائن الذي بيده حكم ضد مدينه ،

. )3(و لكن ألسباب إنسانية ميتنع عن توقيع احلجز عن مدينه

خضوعهاإجراءاته التحضيرية و مدى التكييف القانوني لقرار العفو الخاص و داود سليمان العيسى ، : ينظر – )1(

. 235: ، ص)م 1981السنة اخلامسة : جملة احلقوق و الشريعة ، العدد الثالث ، الكويت ( لرقابة القضاء . 663: ، جملة القانون و االقتصاد ، ص حق العفوالسيد صربي ، : ينظر – )2( دار بريوت ،( 3، ط البلدان العربيةاألنظمة السياسية و الدستورية في لبنان و سائر حسن احلسن ، : ينظر – )3(

. 147: ، ص) م 1981: بريوت

Page 39: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

39

إىل أن العفو عن –وهو من كبار فقهاء القانون الوضعي – دوجي ليونو ذهب العميد العقوبة ذو طبيعة إدارية أكثر منه طبيعة قضائية ، ألن العفو من حيث املوضوع عمل إداري ، بدليل أن احلاكم ال يتدخل عند إصدار العفو عن مسألة قانونية ، و إمنا تدخله مبين ذا يكون عمل الرئيس على مراعاة ألسباب و ظروف حتمت تعديل حكم قانوين ، و

.)1(عمال إداريا حبتا

و استقر األمر على أن العفو إمنا هو عمل من أعمال السيادة ، فال خيضع لرقابة القضاء ، باعتبار أن أعمال السيادة هي من أعمال السلطة التنفيذية اليت ال ختضع لرقابة القضاء ،

. )2(و ذلك من حيث إلغاء العقوبة أو وقف تنفيذها

الفرع الرابع

مجال العفو عن العقوبة

يرى القانون الوضعي أن جمال العفو عن العقوبة يشمل مجيع العقوبات األصلية ، سواء كانت هذه العقوبات عقوبات بدنية أو مالية أو مانعة للحرية أو مقيدة هلا ، و ال يشمل

.)3(العقوبات الفرعية أو اإلضافية و التدابري االحرتازية إال مبوجب نص صريح

و مشل كذلك مجيع احملكوم عليهم ، فال فرق بني مبتدئني و مكررين و معتادي إجرام ، و ال فرق بني وطنيني و أجـانب ، حىت أنه جيوز أن يكـون املعفـو عنه شخص

املكتب املصري ( سيادة القانون بين الشريعة اإلسالمية و الشرائع الوضعيةعبد اهللا مرسي ، : ينظر – )1(

. 279: ، ص) ت .ب: احلديث ، اإلسكندرية :، و ينظر 242: ، جملة احلقوق و الشريعة ، ص لقرار العفو الخاصالتكييف القانوني العيسى ، : ينظر – )2(

. 669: ، ص) م 1968: دار النهضة العربية ، بريوت ( ، الرقابة على أعمال اإلدارةحممد كامل ، . 699: ص ، المبادئ العامة في قانون العقوباتحممد الفاضل ، : ينظر – )3(

Page 40: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

40

أن يكون : و قد تقدم على أن العفو عن العقوبة ذو طبيعة شخصية ، مبعىن . )1(معنوي ط ، دون املسامهني معه يف اجلرمية ، سواء كانوا أصليني أم قاصرا على من صدر لصاحله فق

.)2(كانوا شركاء

المطلب الثاني

العفو في الشریعة اإلسالمیة

يتميز العفو يف الشريعة اإلسالمية مبيزة خيتلف عنها يف النظم الوضعية ، و سيتضح ذلك ذكر مفهـومه و ذكربشيء من التفصيل يف األبواب الالحقة ، و لذلك كان من الالزم

بعض أحكامه اليت ذكرت يف عقوبة القصاص بشيء من التفصيل يف كتب الفقه .اإلسالمي

الفرع األول مفهوم العفو في الشریعة اإلسالمیة

، و قد ذكر هذا املعىن عند مجيع أهل ترك العقوبة: يأيت العفو يف املعىن اللغوي مبعىن . )3(اللغة

: مثل قوله الكثرةو يأيت مبعىن

470: ، ص) 1994: املؤسسة اجلامعية ، بريوت ( 2، ط )القسم العام ( أصول قانون العقوبات مسري عالية ، :ينظر – )1(

92: ، ص) م1985: منشورات عويدات ، بريوت ( 1، ط نظرية العفو في التشريعات العربيةغسان رباح ، : و ينظر . 144:، ص) م1967: دار النهضة ، مصر العربية ( ، مبادئ اإلجراءات الحديثةعمر رمضان السعيد ، – )2( ، القاموس المحيطالفريوزبادي ، : ، و ينظر 72: ص 15، ج 1، ط ، لسان العرببن منظور ا: ينظر – )3(

معجم مقاييس اللغةابن زكريا ، : ، و ينظر 131: ، ص) م 2007: دار الكتب العلمية ، بريوت ( 2ط . 56: ص 4، ج) م 1999: دار اجليل ، بريوت ( عبد السالم حممد هارون : ، حتقيق

Page 41: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

41

. )1(مبعىن كثروا ) 95: األعراف (

: أي ترك املؤاخذة ، إال أنه أبلغ من العفو ، و لـذلك قال الصفحو يأيت مبعىن

) فقد يعفو اإلنسان و ال ) 109: البقرة ،

.)3(عفت الديار: ، مثل قول لبيد المحو و الطمسو يأيت مبعىن .)2(يصفح

واملالحظ من خالل تتبع أقوال الفقهاء يف املسألة اليت تتعلق بالعقوبات و اليت تتعلق م قصدوا من العفو ترك العقوبة ، و هو املعىن اللغوي بالعقوبات الـيت جيوز فيها العفو أ

.نفسه الذي اتفق عليه أهل اللغة

و يأيت من مجلة األلفاظ الفقهية و املعاين اليت يدخلها معىن العفو أو هي يف رتبة العفو ما :يلي

أسقط العبد حقه بالعفو ، إال أن العفو أعم من : ، فيقول الفقهاء لفظ اإلسقاط -أ . )4(تعماالتهاإلسقاط لتعدد اس

، كقول الفقهاء الصلح على مـال يف عقوبة القصاص ، يقصـدون لفظ الصلح -ب

. 184: ص ج7، ) م 2005: مكتبة الصفا ، القاهرة ( 1، ط الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، :ينظر – )1( 457:، ص)هـ 1410: دار الفكر املعاصر ، دمشق ( 1، ط التوقيف على مهمات التعاريفاملناوي ، – )2( :هذا البيت و مطلع 249:ص 2ابن منظور ، لسان العرب ، ج: ينظر – )3(

فرجامهاعفت الديار حملها فمقامها مبىن تأبد غوهلا دار( 1، ط المغنيابن قدامة املقدسي ، : ، و ينظر 172:ص 5ج بدائع الصنائعالكاساين ، :ينظر – )4(

عامل الكتب( شرح منتهى اإلراداتالبهويت ، : ، و ينظر 495: ص 5ج ،)هـ 1405: بريوت ، الفكر . 278: ص 3ج، ) م1996: ، بريوت

Page 42: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

42

. )1(بذلك العفو على مال ، إال أن الصلح أعم من العفو

، و ذلك باعتبار أن الشبهة ترك درء الحدود بالشبهات: المعنى الفقهي للقاعدة - ج .بباب األوىل و االحتياط للعقوبة ، و قد استثمرت من جهة األخذ

، باعتبار أن هؤالء يدخل في حكم العفو ، الخطأ و النسيان و اإلكراه و الرخصو -د .تسقط يف حقهم املؤاخذة

و الرتجيح بني الدليلني عند تعارضهما و مل ميكن اجلمع ، فإذا ترجح أحد الدليلني - ه

. )2(كان مقتضى املرجوح يف حكم العفو

على قول علماء األصول ، ألن العفو الذي رفعت فيه اإلباحةو يأيت يف معىن -و : املؤاخذة مساويا لإلباحة ، أو فيما ال حكم له يف الشرع ، لقوله

) فما عفا اهللا عنه مل يكلفنا به فعال ) 101: املائدة ،

ذا هو مساو للمباح . )3(أو تركا ، و مل يرتتب عليه مثوبة و ال عقابا ، و

:يف العقوبات عامة يطلق من جهتني فإذا تقرر ما سبق ، فإن العفو

من جهة االستحقاق ، فقد يكون العفو حقا مقرر شرعا ، كحق العبد يف: إحداها -

- 336: ص 5، ج)م 1994: دار الغرب ، بريوت ( حممد حجي : ، حتقيق الذخيرة القرايف ،: ينظر – )1(

دار إحياء الرتاث العريب ،( ي ، حممد حامد الفق: ، حتقيق اإلنصافاملرداوي ، : ، و ينظر 338 . 184: ص 5ج ،)ت .ب: بريوت

. 118:ص 1ج، الموافقاتالشاطيب ، : ينظر – )2( . 117-116: ص 1جاملصدر نفسه ، : ينظر – )3(

Page 43: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

43

.عقوبة القصاص ، فإن الشارع احلكيم أعطى للعبد حق العفو مقابل االستيفاء

من جهة ما يدخل حتت باب اإلحسـان و الفضل و األخذ باألصلح ، و من : ثانيها -

باب األوىل أو ترجيح أحد الدليلني ، أو عند وجود الشبهة ، أو ترجيحا ملعىن السرت .والتوبة

الفرع الثاني

امن أحكام العفو باعتباره حقين عليه ليس له احلق يف العفو عن العقوبة ، و ذلك األصل يف الشريعة اإلسالمية أن ا

حبسب النظر العام إىل النظام العقايب عامة ، باعتبار أن هذا احلق إمنا أعطي له استثناء يف جرائم القصاص دون باقي جرائم احلدود ، و على هذا األساس اعترب العفو حقا يف عقوبة

.ص بطريق الشرع القصا

ين عليه أكثر مما متس احلقوق العامة : و حكمة ذلك أن جرائم القصاص متس شخص ا .للجماعة

:و قد فصل فيه الفقهاء تفصيال مطوال تتضح من خالله أحكام العفو منها :الذي عليه االتفاق بني الفقهاء ، أنه حىت يكون العفو صحيحا يشرتط فيه ما يلي -1 أن يكون العايف بالغا ، فال يصح عفو الصيب سواء كان مميزا أو غري مميز ، والسبب -أ

. )1(أن العفو يعترب من التصرفات املضرة ، فال ميلكانه: يف ذلك

مواهب الجليل لشرح مختصرحلطاب ، ا: ، و ينظر 292: ص 6، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )1(

ابن زكريا:، و ينظر 292: ص 8، ج)م 2003: دار عامل الكتب ( زكريا عمريات : ، حتقيق خليل ، و 242: ص 9ج ،)ت .ب: دار الكتاب اإلسالمي ( أسنى المطالب شرح روضة الطالباألنصاري ، . 459: ص 9ج ، المغنيابن قدامة املقدسي ، : ينظر

Page 44: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

44

نون لعلة اختفاء األهلية -ب .)1(أن يكون عاقال فال يصح عفو زائل العقل كا . )2(إكراه أن يكون العايف خمتارا من غري - ج

أن يكون صاحب حق ، باعتبار أن العفو إسقاط حق ، و ال ميلك إسقاط احلق إال -د . )3(من هو مستحق له ، و لذلك مل يعترب عفو األب أو اجلد

و الذي عليه االتفاق بني الفقهاء ، أنه إذا كان مستحق القصاص اثنان فأكثر ، -2

أنه سقط نصيب العايف بالعفو : ، و تعليل ذلك فعفا أحدمها سقط القصاص عن القاتل أن القصاص ال يتجزأ ، وينقلب : فيسقط نصيب اآلخر ضرورة ، و وجه الضرورة يف ذلك

.)4( -رضي اهللا عنهم –نصيب اآلخر ماال بإمجاع الصحابة الكرام

ه مسقطا و الذي عليه االتفاق ، أن املقتول عمدا إذا عفا قبل أن ميوت ، اعترب عفو - 3 . )5(للقصاص

ين عليه للجاين - 4 عفوت عن القطع أو اجلراحة : و الذي عليه االتفاق ، أنه إذا قال اأو الشجة أو الضربة ، أو قال عفوت عن اجلناية ، فإن برئ من ذلك صح عفوه، و تعليل

. و الصفحات نفسها نفسها السابقة املصادر : ينظر – )1( . و الصفحات نفسها املصادر السابقة نفسها: ينظر – )2( . 292: ص 6، ج البدائعالكاساين ، : ينظر – )3( 6، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ، و ينظر 185: ص 2ج ، الفواكه الدوانيالنفراوي ، : ينظر – )4(

: ص 9ج ، ، المغني، و ينظر ، ابن قدامة 535: ص 5ج ، كشف القناعالبهويت ، : ، و ينظر 294: ص 464 .

:دار املعرفة ، بريوت ( 3ط، مغني المحتاجابن اخلطيب الشربيين ، : املصادر نفسها ، و ينظر : ينظر – )5( . 50: ص 4ج، ) م2007

Page 45: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

45

، ) الدية ( أن العفو قد وقع عن ثابت و هي اجلراحة أو موجبها و هو اإلرش: ذلك . )1(فيصح العفو ال قصاص و ال دية ، كما لو أذن يف إتالف ماله فال ضمان بإتالفه

: فإن مل يربء ، ففي ذلك تفصيل حبسب كل مذهب فقال فقهاء احلنفية بعدم صحة العفو و فيه القصاص خبالف ما ذهب إليه

. )2(الصاحبانعفوت : و ذهب فقهاء املالكية على أن أولياء الدم هلم املطالبة بالقصاص ، إال أن يقول

. )3(عن اجلراحات و عما تؤول إليه ، و إن كان يف املسألة تفصيل مطوللو قطع عضو شخص فعفا عن موجب اجلناية قودا أو إرشا : أما فقهاء الشافعية فقالوا

. )4(فال قصاص يف النفسو ذهب فقهاء احلنابلة إىل صحة العفو سواء كان بلفظ العفو أو الوصية أو اإلبراء أو غري

. )5(ذلك ، ألنه إسقاط حق فصح بكل لفظ يؤدي معناهين عليه عن جناية اخلطأ - 5 فالذي عليه االتفاق أنه إذا كانت اجلناية : مسألة عفو ا

ين عليه ، فإذا برئ صح عف وه ، و ال شيء على اجلاين ، وال يعترب يف خطأ و عفا ا .املسألة لفظ العفو ، فبأي لفظ كان أجزأ

.أما إذا سرت اجلناية إىل النفس ففيه تفصيل عند الفقهاء

، منح الجليل شرح مختصر خليلش ، علي: ، و ينظر 296: ص 6ج، بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )1(

545: ص 5، جكشف القناعالبهويت ، : ، و ينظر 165: ص 6ج ، )م 1989: دار الفكر ، بريوت ( . 296: ص 6، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )2( . 330: ص 8ج، مواهب الجليلاحلطاب ، : لتفصيل املسألة ينظر – )3( . 44: ص 4، جأسنى المطالبابن زكريا ، : ينظر – )4( . 546: ص 5، ج كشف القناعالبهويت ، : ينظر – )5(

Page 46: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

46

فعند فقهاء احلنفية إذا كان العفو بلفظ اجلناية أو اجلراحة و ما حيدث عنها صح عفوه دث عنها مل يصح العفو ، و الدية على العاقلة فإذا كان بلفظ اجلراحة و مل يذكر ما حي

.)1(خبالف ما ذهب إليه أبو يوسف و حممد الشيباينو ذهب فقهاء املالكية إىل جوازه ، و يكون منه وصية بالدية للعاقلة فتكون يف ثلث

. )2(ماله :، ففيها تفصيل مسألة العفو على مال - 6 ي عليه الفقهاء من غري الشافعية أن الصلح على مال فإن كانت اجلناية عمدا ، فالذ - 1

يف القتل العمد جائز ، و ذلك باعتبار أن القصاص حق للويل ، و لصاحب احلق التصرف .يف حقه استيفاء و إسقاطا إن كان من أهل اإلسقاط و احملل كامال للسقوط

عن صلح وتراض مث إن املقصود من القصاص حصول احلياة ، و الظاهر عند أخذ املال . )3(تسكني للفتنة ، فال يقصد القاتل قتله

و إن كانت اجلناية خطأ ، فقد ذهب الفقهاء إىل أنه ال جيوز الصلح من الدية على - 2 . )4(أكثر مما جتب فيه الدية ، ألن املانع من اجلواز متكن الربا

. 80: ص 6، ج البدائعالكاساين ، : ينظر – )1( . 185: ص 2ج ، الدوانيالفواكه النفراوي ، : ينظر – )2(، الشرح الصغيرأمحد الدردير ، : ، و ينظر 298: ص 6، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر - )3(

. 478: ص 9، ج المغنيابن قدامة ، : ، و ينظر 74: ص 4، ج)م 1992: الشؤون الدينية ، اجلزائر وزارة( . املصادر السابقة نفسها و الصفحات نفسها : ينظر – )4(

Page 47: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

47

Page 48: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

48

المبحث األول

في القانون الوضعي د العقابتفریركز فقهاء القانون اهتمامهم حول اجلاين من خالل رسم سياسة عقابية تقوم على ترشيد

العقوبة حبيث جتعلها مالئمة مع حالة كل جمرم و ظروفه اخلاصة ، و إن كان هذا من ا مشكلة العقوبة و التدابري االحرتازية ، باعتبار أن املشكلة األساسية اإلفرازات اليت أفرز

.د إنزاهلما و تطبيقهما على اجلاين فيهما هي عن

و اعتبار ظروف و أحوال اجلاين ، تقتضي معرفة مواضع تشديد و ختفيف العقوبة ، . ومواضع انقضائها ، و مواطن اإلعفاء ، و هذا ما يسمى بتفريد العقاب

المطلب األول

أسباب تخفیف العقوبة و تشدیدها

ا تعترب مراعاة هذه األسباب من أهم مظاهر تفريد العقاب بالنسبة للقانون الوضعي ، ألتتالءم مع حالة كل جمرم و ظروفه اخلاصة اليت دفعته إىل ارتكاب اجلرم ، و هو املنحى العام

. اليت تسري عليه السياسة العقابية الوضعية

الفرع األول

أسباب التخفیف

لتشديد حبسب السلطة املخولة له ، و ذلك بأن حيكم على اجلاين قد يرتك القاضي ا باحلد األدىن للعقوبة املقررة يف النص اجلنائي يف اجلنايات و اجلنح لتوفر أسباب استدعت

Page 49: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

49

. )1(التخفيف و تعترب من األعذار القانونية الواردة يف القانون

ه ، و قد يكون التخفيف جوازيا و قد يكون هذا التخفيف وجوبيا يتقيد القاضي بإجراءات . )2(مرتوكا للسلطة التقديرية للقاضي

التزام القاضي بالنزول عن احلد األدىن للعقوبة : معناها التخفيف الوجوبيفأسباب - 1 . )3(املنصوص عليها قانونا ، و ذلك لوجود أعذار قانونية تستدعي هذا التخفيف

عاما 18إىل قبل متام 13و من مظاهر التخفيف الوجويب ، عذر حداثة السن للمتهم من ، فإن كانت العقوبة هي اإلعدام أو السجن املؤبد ، فإنه حيكم على اجلاين يف هذه احلالة من عمره بعقوبة عشر سنوات إىل عشرين سنة ، و إذا كانت العقوبة هي السجن أو

باحلبس تساوي نصف املدة ، و يف مواد املخالفات فيحكم عليه احلبس فإنه حيكم عليه . )4(بالتوبيخ إما بالعقوبة أو الغرامة

كذلك عذر قتل أحد الزوجني لآلخر متلبسا بالزنا ، حيث ختفف العقوبة على النحو :اآليت

ن احلبس من سنة إىل مخس سنوات إذا تعلق األمر جبناية عقوبتها اإلعدام أو السج -أ .املؤبد

.احلبس من ستة أشهر إىل سنتني إذا تعلق األمر بأي جناية أخرى - ب

. 727: ، ص النظرية العامة لقانون العقوباتسليمان عبد املنعم ، : ينظر – )1( . 728: املرجع نفسه ، ص – )2( .املرجع نفسه و الصفحة نفسها – )3( . 206: ، ص الجزائريالوجيز في شرح قانون العقوبات إبراهيم الشباسي ، : ينظر – )4(

Page 50: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

50

من 283احلبس من شهر إىل ثالثة أشهر إذا تعلق األمر جبنحة ، و هذا وفقا للمادة -ج .قانون العقوبات اجلزائري

األعذار أن األعذار القانونية املخففة ختتلف عن : و ال بد التنبيه إىل أمر مهم و هو ا ختفف العقوبة فقط ، أما األعذار املعفية فهي أسباب تعفي القانونية املعفية ، باعتبار أ

. )1(اجلاين كلية من العقاب ، و يطلق عليها أحيانا موانع العقاب

ا ختويل القاضي سلطة تقديرية يف التخفيف الجوازيو أما أسباب - 2 ، فإنه يقصد رم و ماضيه و باعثه يف ختفيف العقوبة احملكوم ا بناء على ما يراه من ظروف و أحوال ا

. )2(ارتكاب اجلرمية

و من ذلك ، كأن يكون اجلاين قد ارتكب اجلرمية ألول مرة و مل يسبق له ارتكاب جرائم .أخرى من قبل ، أو ملرضه أو حلسن سلوكه أو لتوبته و اعرتافه أو لظروفه االجتماعية

يالفرع الثان

أسباب التشدید

مثة ظروف موضوعية و أخرى شخصية تستدعي تشديد العقوبة على اجلاين ، و يقصد .)3(بالتشديد أن حيكم القاضي بعقوبة تزيد يف مقدارها احلد األقصى املنصوص عليه قانونا

الظروف اليت تقرتن بالفعل اجلرمي ذاته ، و من : هي التشديد الموضوعيةو أساب - 1

ا وجود ظرف التسلق أو الكسر يف جرمية السرقة أو ظروف الليل يف السرقة أو: تطبيقا

. 756: ، ص النظرية العامة لقانون العقوباتسليمان عبد املنعم ، : ينظر – )1( .املرجع نفسه و الصفحة نفسها – )2( . 760: املرجع نفسه ، ص – )3(

Page 51: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

51

زمن احلرب ، و ميكن أن يكون سبب جسامة النتيجة اليت أفضت إليها ، كحدوث عاهة . )1(أو عجز ، كاألثر املرتتب نتيجة الضرب الشديد أو اجلرح

فهي أسباب ترتبط بالشخص ذاته ، و من التشديد الشخصيةو أما أسباب - 2 ا من قانون العقوبات اجلزائري على 54ظرف العود يف اجلرمية و قد نصت املادة : تطبيقا

ائي بعقوبة جلناية و ارتكب جناية ثانية معاقبا عليها بعقوبة أن كل من حكم عليه حبكم كانت اجلناية الثانية قد أدت أصلية هي السجن املؤبد ، فيجوز احلكم عليه باإلعدام إذا

إىل موت اإلنسان ، و إذا كانت اجلناية الثانية معاقب عليها بالسجن املؤقت ، فإنه جيوز رفع العقوبة إىل السجن املؤبد ، و تعترب الصورة األوىل للعود يف التشريع اجلزائري يف

.اجلنايات دون املخالفات و اجلنح

ة خاصة يف علمي اإلجرام و العقاب ، و ذلك ألن هذه و قد حظي املتهم العائد بعناي ، و قد عاجل املشرع )2(احلالة متثل يف نظر فقهاء القانون مظهر من مظاهر فشل العقوبة

من قانون العقوبات سواء يف 60- 54اجلزائري أحكام العود بنصوص صرحية يف املواد .الصورة األوىل سابقا اجلنايات أو اجلنح أو املخالفات ، ذكرنا منها جزءا يف

، سبب الباعث إىل اجلرمية كالدافع الدينء أو التشديد الشخصيةكذلك من أسباب

بدافع الكسب أو بسبب صفة معينة يف اجلاين كصفة اخلادم يف جرمية السرقة و صفة

. )3(الطبيب يف جرمية اإلجهاض

.املرجع نفسه و الصفحة نفسها – )1( ،) 1976: دار الفكر العريب ، بريوت ( 3ط –القسم العام –قانون العقوبات مأمون سالمة ، : ينظر – )2(

. 497: ص . 761: ، ص النظرية العامة لقانون العقوباتسليمان عبد املنعم ، : ينظر – )3(

Page 52: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

52

المطلب الثاني نظام انقضاء العقوبة

ا العقوبات من حيث طبيعتها و من حيث نطاق ختتلف األسباب اليت تنقضي االستفادة منها ، فقد تنقضي بوفاة احملكوم عليه ، أو مبرور الزمن أو بالعفو اخلاص ، وباإلضافة إىل هذه األسباب ، هناك أسباب أخرى كأن يصدر احلكم باإلدانة و لكن رغم

ذ معلقا الوقف على شرط معني ، و هو ما يعرف بنظام ذلك يأمر القاضي بوقف التنفي . وقف تنفيذ العقوبة ، و سيكون الرتكيز على األسباب اليت ختدم املوضوع

الفرع األول وقف تنفیذ العقوبة

يطبق هذا النظام يف حالة اجلاين الذي يرجى صالحه ، و هو من األنظمة اليت تدين مدرسة الوضعية اإليطالية ، و اليت اقرتحت وقف تنفيذ فيها الشرائع العقابية بالفضل لل

تمع ، و هم الذين يسميهم القانون مبجرمي العقوبة بالنسبة ألقل اجلناة خطرا على ا . )1(الصدفة

و إمنا كان هذا النظام من أجل تفادي الكثري من حاالت العود إىل اجلرمية ، و قد يكون لتقوميهم ، و قد يكونو يف املستقبل حبسب التدرج جمرمني تنفيذ العقوبة سببا إلفسادهم ال

. )2(بالعادة ، بسبب اختالطهم يف السجون بغريهم من اجلناة بالفطرةذا النظام عندما أصدر قانون اإلجراءات اجلنائية يف م 1966و قد أخذ املشرع اجلزائري

ا 592، و ذلك يف املادة وز للمجالس القضائية يف حالة جي« : من هذا القانون و مضمو

نسي ، : ، و ينظر 211: ، ص الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائريإبراهيم الشباسي ، : ينظر – )1( تنظرياأمحد فتحي . 164: ، ص ) م 1988: دار الشروق ، بريوت ( 5، ط الفقه الجنائي اإلسالمي ، دراسة فقهية مقارنةفي

. 206: ، ص مبادئ القانون الجزائي العامابن شيخ ، : ينظر – )2(

Page 53: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

53

احلكم باحلبس أو الغرامة إذا مل يكون احملكوم عليه قد سبق احلكم عليه باحلبس جلناية أو جنحة من جرائم القانون العام ، أن تأمر يف حكمها بقرار مسبب بإيقاف تنفيذ العقوبة

.» األصلية :و طبقا هلذه املادة ، فإن لوقف تنفيذ العقوبة شروطا هي أن تكون اجلرمية املرتكبة خمالفة أو جنحة أو جناية معاقب عليها باحلبس ، و ذلك -أ

.طبقا لألعذار أو الظروف املخففة فيما خيص اجلنايات .أن يكون احلكم الذي سوف يصدر هو احلبس أو الغرامة -ب كون قد سبق احلكم باإلدانة على املتهم باحلبس جلناية أو جنحة من القانون أن ال ي - ج

.العام يشرتط أال يكون هناك نص مينع وقف تنفيذ العقوبة يف القانون املنطوق على -د

. )1(الواقعةمع اإلشارة أنه ال يسري هذا النظام يف عقوبات اجلنايات و هي اإلعدام و السجن املؤبد

املؤقت ، كذلك ال جيوز وقف تنفيذ التعويضات املدنية و ال العقوبة اليت تتضمن و السجن . )2(معىن التعويض للخزانة العامة

الفرع الثاني تقادم العقوبة

يستفاد من هذا النظام اجلاحنون الذين هربوا من العقوبة بعد إدانتهم ، فلهم انقضاء حق السجن أو احملكوم عليهم الذين مل تنفذ النيابة الفارين من: فرض تنفيذ العقوبة ، مثل

.نفسها و الصفحات نفسها السابقة املراجع : ينظر – )1( الوجيز فيإبراهيم الشباسي ، : ، و ينظر 214: ، ص العاممبادئ القانون الجزائي ، ابن شيخ: ينظر – )2(

. 217: ، ص شرح قانون القوبات الجزائري

Page 54: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

54

.العامة العقوبة عليهم عدم توافر املصلحة يف العقاب بعد أن مضت مدة على ارتكاب : و احلكمة من ذلك

ا ، مث إن مرور مدة معينة على وقوع اجلرمية أو العقوبة )1(اجلرمية ، كما أنه من الصعب إثباذا أثر العقوبة باعتبارها رد فعل من شأنه أن ينسي اجلماع ة اجلرمية أو العقوبة ، فينعدم

اجتماعي ، و من شأن من مضي مدة معينة أن يوهن األدلة و قد يبددها ، فقد يزول . )2(األثر املادي للجرمية

رمني الذين يتصفـون باحلذق و قد انتقد هذا النظام باعتباره فيه ما يشجع بعض ا، و على أن االمتيازات اليت بين عليها هذا النظام هي يف )3(فالت من العقوبةوالدهاء لإل

ذا النظام . )4(حقيقتها ما زالت نظرية ، مما جعل املشرع اإلجنليزي ال يأخذ و هي تنقضي مبرور عشرين سنة إذا كانت العقوبة جناية ، و مخس سنوات إذا كانت

العقوبة جنحة ، و سنتني إذا كانت العقوبة خمالفة ، إال يف مادة اجلنح إذا كانت العقوبة ا ، و من آثاره أنه ال جتاوز مخس سنوات ، فإن مدة التقادم تعادل مدة العقوبة املنطوق

اميحو اإلدانة . )5(املنطوق الفرع الثالث

العفو

يعترب مبدأ فردية العقاب األساس الشرعي و العلمي للعفو عن العقوبة يف القــانون

. 207: ، ص نظريات في الفقه الجنائي اإلسالمينسي ، : ينظر – )1( ،) م 1985: منشورات جامعة بريوت العربية ( حق الدولة في العقابالصيفي عبد الفتاح ، : ينظر – )2(

. 321: ص . 217: ، ص مبادئ القانون الجزائي العام، ابن شيخ : ينظر – )3( . 207: ، ص نظريات في الفقه الجنائي اإلسالمينسي ، : ينظر – )4( . 208: ، ص مبادئ القانون الجزائي العام، ابن شيخ : ينظر – )5(

Page 55: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

55

، )2(، و يدخل من ضمن األسباب يف انقضاء العقوبة و حىت العفو الشامل )1(الوضعي 28من دستور 77يصدر عن رئيس اجلمهورية طبقا للمادة –كما أشري سابقا - وهو

.م 1996نوفمرب فإذا كان اجلاين الذي يشمله قرار العفو يقضي عقوبته داخل مؤسسة عقابية ، فإن

العقوبة بالنسبة للمدة الباقية منها دون شرط أو قيد ، بينما إذا مل تنفذ العقوبة و كانائيا فإن العقوبة تنقضي بالكامل دون قيد أو شرط .حكم اإلدانة

و ال بد اإلشارة إىل أثر العفو يف هذه احلالة ، فإنه ال يشمل إال العقوبة ، بينما تبقى اإلدانة ، فهو ال ميس إال العقوبة األصلية ، و تبقى العقوبات التبعية و التكميلية قائمة إال

.)3(إذا جاء مرسوم العفو على خالف ذلك و بنص صريح

المطلب الثالث یةنظام األعذار المعف

سبق الذكر أن العفو من أسباب انقضاء العقوبة ، و سيذكر هذا املطلب باعتباره من .ضمن نظام األعذار املعفية من العقوبة ، و هي ختتلف عن األعذار املخففة للعقوبة

فاألعذار املعفية يستلزم احلكم فيها برباءة املتهم كلية من العقوبة ، و هلذا مسيت يف بعض .، خبالف األعذار املخففة )4(وانع العقوبةاألحيان مب

و موانع العقاب أو األعذار املعفية تفرتق عن موانع املسؤولية اجلنائية و إن كانا شريكني

يد عبود ، : ينظر – )1( 1، ط عن العقوبة في ضوء الشريعة اإلسالمية و القانون الوضعيالعفو ماهر عبد ا . 212: ، ص) م 2007: دار الكتب العلمية ، بريوت (

. 241: ، ص الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائريإبراهيم الشباسي ، : ينظر – )2( . 217-216: ، ص مبادئ القانون الجزائي العامابن الشيخ ، : ينظر – )3( . 216: ، ص الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائريإبراهيم الشباسي ، : ينظر – )4(

Page 56: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

56

يف براءة املتهم ، ألن موانع املسؤولية اجلنائية هلا صلة بإرادة اجلاين اإلجرامية اليت تكون نون ، بينما واختياره ، موانع العقاب ال صلة هلا بإرادة اجلاين منعدمة كما يف حال ا

فاجلاين يف هذه احلالة يتمتع بكامل أهليته لكن املشرع رأى أن يعفى على املتهم من العقوبة . )1(حلكمة ما رغم أن فعله يعد جرمية

: من قانون العقوبات اجلزائري 1الفقرة 92و من األعذار املعفية ما نصت عليه املادة جنحة يعفى من العقوبة املقررة كل من يبلغ السلطات اإلدارية أو القضائية عن جنــاية أو«

.» ضد الدولة قبل البدء يف تنفيذها أو الشروع فيها : من قانون العقوبات اجلزائري اليت جاء نصها كالتايل 179كذلك ما نصت عليه املادة من يقوم من اجلناة بالكشف 53رة يف املادة يستفيد من العذر املعفى وفقا للشروط املقر «

للسلطات عن االتفاق الذي مت أو عن وجود اجلمعية و ذلك قبل الشروع يف اجلناية ، .» موضوع اجلمعية أو االتفاق و قبل البدء يف التحقيق

من قانون العقوبات اجلزائري و اليت تتحدث عن جرمية إخفاء 180ما نصت عليه املادة ن وجه العدالة ، تقرر إعفاء من العقوبة املقررة هلا بالنسبة ألقارب أو أصهار اجلاين اجلناة م

لغاية الدرجة الرابعة بشرط أن يقتصر الفعل على إخفاء اجلاين فحسب ، دون .اشرتاك سابق يف اجلناية اليت ارتكبها د تكون مستقلة عن فاملالحظ أن األسباب اليت جعلت املشرع يأخذ باألعذار املعفية ، ق

ظروف اجلرمية و ليس هلا عالقة بينها ، كالسرقة اليت تقع بني الزوجني أو بني الفروع و من 92األصول ، و أحيانا ترتبط بظروف اجلرمية كعذر إبالغ السلطات املقررة يف املادة

. قانون العقوبات اجلزائري

.املرجع نفسه و الصفحة نفسها : ينظر – )1(

Page 57: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

57

المبحث الثاني

مشاكل العقوبة في القانون الوضعي

يتناول هذا املبحث مجلة من االنتقادات اليت وجهت إىل النظام العقايب باعتباره أنه مل رمني ، و كذلك االنتقادات اليت تتحقق معه األهداف املرجوة من العقوبة ألصناف من ا

ا العملية على الوقائع .وجهت للتدابري االحرتازية من حيث تطبيقا

المطلب األول

العقوبةمشاكل تطبیق

أن العقوبة عاجزة يف تقدمي احلل الرادع –على اختالف اجتاهاته –الفقه احلديث يقر لظاهرة اإلجرام ، و لقد بدأ ذلك واضحا بعد أن سادت األفكار اإلصالحية الداعية إىل ضرورة إعادة النظر يف النظام العقايب محاية للمجتمع من اإلجرام ، و اعتبار اجلزاء وسيلة

رم ، و إن كان هذا يف حقيقته يعارض طبيعة العقوبة وفلسفتهاتقو . )1(مي و إعادة تأهيل ا :إىل مواضع القصور فيها إىل )2(و قد أشار بعض فقهاء القانون .عدم كفايتها يف إصالح اجلاين - 1 .عدم فعاليتها يف ردع اجلاين - 2 .قصورها عن التطبيق - 3

:ؤسسة الوطنية للكتاب ، اجلزائر امل( النظرية العامة للتدابير االحترازيةعبد اهللا سليمان سليمان ، : ينظر – )1( . 29: ، ص) م 1990

.ينظر إىل املرجع نفسه و الصفحة نفسها و ما بعدها – )2(

Page 58: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

58

الفرع األول في إصالح الجاني كفایتهاعدم

األمر السائد يف الفقه احلديث للقانون الوضعي هو فكرة إصالح اجلاين ، و من الطبيعي ، و لذلك آثر بعض )1(أن تكون العقوبة مبفهومها التقليدي عاجزة عن حتقيق هذه الفكرة

عن فقهاء القانون اجلنائي يف العصر احلديث اختيار ردود الفعل االجتماعي بديال . )2(العقوبة

و فكرة اإلصالح تقتضي التوجه و الرتكيز على شخصية اجلاين ، و ذلك لتحديد مواطن اخللل فيه و البحث عن العوامل اليت أدت إىل ارتكاب اجلرمية ، بعيدا عن فكرة اإليالم

ة الذي هو من خصائص العقوبة ، و هذا يوحي إىل أن العقوبة بالصورة التقليدية املتميز رمون ا ا . )3(بالصرامة و اإليالم أصبحت ال تستوعب كافة األساليب اليت يعامل

و بالرغم من التطور اإلصالحي الذي يشهده النظام العقايب من حيث مفهوم العقوبة وبيان فلسفتها و أماكن تنفيذها ، ما زالت حتتفظ خبصائص معينة ، و هذا ما صعب

. )4(الحيحتقيق اجلانب اإلص من و لذلك قال بعض فقهاء القانون أن العقوبة مهما عرفت من تطور ستبقى شرا ، وال . )5(ميكن للشر أن يقدم عالجا و حىت القاضي عند تطبيقه للعقوبة ، فإنه سيبتعد عن عناصر اخلطورة لدى اجلاين ،

. 30:ينظر إىل املرجع السابق نفسه ، ص – )1( السياسة الجنائية المعاصرة و مبادئ الدفاع االجتماعي من منظور إسالمينادر حممود سامل ، : ينظر – )2(

. 18-17: ، ص) م 1995: دار النهضة العربية ، القاهرة ( نام ، :ينظر – )3( . 75: ، ص) ت .ب: أ املعارف ، االسكندرية منش( المجرم تكوينا و تقويمارمسيس . 30: ، ص النظرية العامة للتدابير االحترازيةعبد اهللا سليمان ، : ينظر – )4( .املرجع نفسه و الصفحة نفسها – )5(

Page 59: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

59

والبحث عن وسائل العالج ، ألنه مشغول يف إجياد تناسب بني جسامة اجلرمية و العقوبة الواجب تطبيقها ، و ذلك سعيا وراء حتديد نوع و مقدار هذه العقوبة اليت تتناسب مع

. )1(اجلرمية الفرع الثاني

عدم فعالیتها في ردع الجاني

ستبعاد عنصر اإليالم من العقوبة ، وعلى يف العصر احلديث اجتهت األنظار إىل ضرورة ا تدريب احملكوم : أال يقصد منها التعذيب ، و أصبح املقصود منها التأهيل ، و معىن ذلك

عليه على عمل مهين أو يدوي يعتمد عليه بعد تنفيذ العقوبة ، و أن يكون اختيار ذلك مبا . )2(يتناسب مع احملكوم عليه من النواحي الثقافية و الصحية

مشكلة إجياد وسائل : و يف حقيقة األمر ، فإن هذه النظرة أدت إىل بروز مشكلة و هي لتنفيذ العقوبة مبا حيقق تلك األغراض السابقة من تأهيل و تدريب ، و هذا بدوره يتطلب

رمني إىل جمموعات متجانسة أو متقاربة ، إلعداد الربامج التأهيلية .تصنيف ارمني ، فإن بعض فقهاء القانون يرون أن هناك لكن يف األخري و عند القيام بتصنيف ا

رمني اخلطرين عجزت العقوبة عن حتقيق وظيـفة الردع فيهم ، حىت من الفئات من اا ليست هلا فعالية يف مواجهة جرمهم اخلطري ، و من هذه الفئات :ظهرت أ

يذهب الرأي الغالب يف الفقه القانوين إىل ضرورة : اإلجرامالمجرمون المعتادون على -1رم العائد ، و املقصود بالتشديد هو أن ال يتجاوز احلد األعلى: تشديد العقوبة على ا

.املرجع نفسه و الصفحة نفسها – )1( . 146: ، ص موجز في علم اإلجرام و علم العقاباسحق إبراهيم منصور ، : ينظر – )2(

Page 60: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

60

. )1(للعقوبة املنصوص عليها قانونا ، حىت ال خيرج ذلك عن مبدأ شرعية العقوبة قوبة لتتناسب مع اإلرادة الضعيفة للجاين يف حني ذهب فريق آخر إىل ضرورة ختفيف الع

، باعتبار أن العود إىل اإلجرام دليل على ضعف إرادته ، و ذلك متاشيا مع مبادئ املدرسة . )2(التقليدية احلديثة يف املسؤولية اجلنائية

مل حيل املشكلة يف ردع -حبسب رأي األستاذ عبد اهللا سليمان - إال أن كال الرأيني رمني ، ألن نفوس هؤالء اعتادت اإلجرام و استمرأته نفوسهم ، و على ذلك فإن هؤالء ا

العقوبة عاجزة يف حتقيق ردع هؤالء املعتادين على اإلجرام ، فكان ال بد من النظر إىل تكوينهم الشخصي و بيئتهم ، فإن العقوبة ال تغين شيئا دون البحث عن األسبـاب

.)3(و عالجها بوسائل غري العقوبة إن العقوبة املخففة اليت هي واجبة التطبيق يف حالة نقص : المسؤولية المخففة وذو - 2

حرية االختيار لدى اجلاين لظروف خمففة اقتضت التخفيف أو وجود إرادة معيبة، أدت إىل زيادة احلكم بالعقوبات القصرية املدى ، و هذه العقـوبة األخرية تعترب من أهم املشاكل

العقابية اليت دفعت فقهاء القانون إىل التفكري يف حلها منذ منتصف القرن التاسع .)4(عشر

فبعضهم يقول أن املدة القصرية ال حتقق فكرة الردع بل هلا عواقب سيئة و خاصة إذا علم رمني ، فهم فئة رمني الشواذ ، و هم من أخطر فئات ا أن هذه العقوبات القصرية تنزل با

. 760: ، ص النظرية العامة لقانون العقوباتسليمان عبد املنعم ، : ينظر – )1( . 31: ، ص النظرية العامة للتدابير االحترازيةعبد اهللا سليمان ، : ينظر – )2( . 32: املرجع السابق نفسه ، ص – )3( لكتابدار ا( ، القسم العام الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائريإبراهيم الشباسي ، : ينظر – )4(

. 207-206: ، ص) ت .ب: اللبناين ، بريوت

Page 61: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

61

. )1( جيوز إخضاعها أبدا للعقوبات القصريةال ال شك أن عقوبة احلبس قصرية املدة ال حتقق الردع « : اسحق منصور . و لذلك قال د

العام ، بل ال ترضي الشعور العام بالعدالة ، ألن الفرتة القصرية اليت يقضيها احملكوم عليه يف ا إال أسرته و أهله و جريانه تمع ككل ، وال يتحقق احلبس قد ال يشعر ا ا ، فال حيس

رمني العتاة ، فيؤدي إىل ارتكاب نفس الردع اخلاص و خصوصا أن احملكوم عليه خيتلط با .)2(»اجلرمية

رمون الذين أدمنوا على شرب اخلمر أو املخدرات ، : المجرمون المدمنون - 3 و هم اتاذ عبد اهللا سليمان أن ظاهرة اإلدمان مرض ويرتكبون جرائم بسبب اإلدمان ، و يرى األس

ليس للعقوبة عليها سلطان ، و قد وعت االجتاهات الفقهية والتشريعات احلديثة هذه رم املدمن على أساس أنه مريض أو عاجز أكثر من كونه احلقيقة ، و باتت تعامل ا

.)3(جمرما الفرع الثالث

قصور العقوبة عن التطبیق :يوجد حاالت خطرية ال تستطيع العقوبة أن تتدخل منها

رم ، فتطبيقا ملبدأ املسؤولية األدبية ، يعفى هؤالء من العقاب - 1 انعدام املسؤولية عند اا ال تقدم يف اجلانب الوقائي للسياسة اجلنائية شيئا كحاالت نون ، و حىت أ رم ا كا

.االشتباه التسول و التشرد و اإلدمان و

. 149: ، ص اإلجرام و علم العقاب موجز علم اسحق إبراهيم منصور ،: ينظر – )1( . 151: املرجع نفسه ، ص – )2( . 33: ، ص النظرية العامة للتدابير االحترازيةعبد اهللا سليمان ، : ينظر – )3(

Page 62: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

62

و املالحظ بأن هذا القصور قد يشمل بعض اجلرائم اليت هي يف نظر القانون ليست - 2 جبرمية كاملة ، و إن كان الرأي العام يراها جرمية ، مثل جرائم العرض كالزنا ، و حىت وإن

راعاه مل يوضع هلا تعريفا خاصا ، إال أن الشراح قد حددوا املسمى اقتباسا من املعىن الذي أنه ال عقاب عليه إال إذا وقع من شخص تربطه عالقة : املشرع يف جرمية الزنا ، و هو

. )1(زوجية بشخص آخر

الثانيالمطلب

مشاكل التدابیر االحترازیة

ا ختتلف معها من حيث تعترب التدابري االحرتازية الصورة الثانية من صور العقوبة ، إال أ .حيث التاريخ و النشأة و الغرض منها و طبيعتها من: املاهية ، و املقصود

و كما أن العقوبة وجهت هلا انتقادات فقهية ، فكذلك التدابري االحرتازية وجدت

.معها مشاكل عند التطبيق

الفرع األول

ماهیة التدابیر االحترازیة

ظهرت فكرة التدابري االحرتازية بوجه عام يف منتصف القرن التاسع عشر يف صور تمع من: إجراءات إدارية مثل نون إحدى املصحات العقلية بغرض وقاية ا إيداع ا

،) م 2003: دار ابن حزم ، بريوت ( -دراسة فقهية مقارنة –االغتصاب نشوة العلواين ، : ينظر – )1(

. 37: ص

Page 63: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

63

شروره املتوقعة ، أو يف صورة عقوبات تبعية كاحلرمان من بعض احلقوق ، مث جاءت املدرسة يف نصوص قانون لوكينيتدابري كعالج لظاهرة اإلجرام ، و أدخلها الوضعية لتشريع فكرة ال

م ، مث 1937م ، مث قانون العقوبات السويسري عام 1884العقوبات اإليطايل يف عام الدمنارك و اليونان و غريها من الدول األوربية ، و تبعتها التشريعات اجلنائية العربية ،

. )1(ريكالتشريع اجلزائري و العراقي و السو تأهيل اجلاين ملواجهة اخلطورة : و الغرض من التدابري االحرتازية هو الردع اخلاص ، مبعىن

الكامنة يف شخصيته ، و ال يهدف إىل حتقيق الردع العام ، أو إرضاء شعور العدالة كما هو .)2(احلال يف العقوبة

كن تطبيقها حىت مع وجود و خيتلف نطاق التدابري االحرتازية عن نطاق العقوبة ، فيم . )3(عوارض األهلية اليت متنع املسؤولية اجلنائية كاجلنون وصغر السن

و ال يوجد نص خاص لتعريفها ، و إمنا األمر ترك لالجتهاد الفقهي ، إال أنه هناك ا جزاء « : حماوالت فقهية عديدة أرادت الوصول إىل صياغة تعريف خاص ، و منها أ

تمع ، و قيد جنائي يستهدف مواجهة اخلطورة اإلجرامية لدى األشخاص لدرئها عن او ذلك ليدل أن التدابري تواجه » احلالة « بعض فقهاء القانون اخلطورة اإلجرامية بكلمة

ا متحققة و موجودة ، ال خطورة يتوقعها القاضي يف خطورة إجرامية من املفروض أ . )4(املستقبل

منشورات( –المؤسسات العقابية و محاربة الجريمة في الجزائر -علم العقاب فريد زين الدين بن شيخ ، – )1(

. 34 - 33: ، ص) م 1998: دحلب ، اجلزائر عبد اهللا: ، و ينظر 159: ، ص موجز في علم اإلجرام و علم العقابإسحاق إبراهيم منصور ، : ينظر – )2(

.و ما بعدها 59: ، ص االحترازيةالنظرية العامة للتدابير سليمان ، .املراجع نفسها و الصفحات نفسها – )3( . 60: ، ص النظرية العامة للتدابير االحترازيةعبد اهللا سليمان ، : ينظر – )4(

Page 64: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

64

الفرع الثاني بیق التدابیر االحترازیة على المجرمین الشواذمشكلة تط

يكمن جوهر املشكلة يف التطبيق العملي ، فقد توجد حاالت فيها اخلطورة اإلجرامية وحدها ، فيوقع التدبري وحده ، و قد توجد حاالت يتوافر فيها العصيان وحده فتوقع

رم الشاذ فيتوافر فيه اخلطورة و العصيان ، فهو إن صح التعبري نصف العقوبة ، أما ا ، فهل جيمع فيه بني التدبري و العقوبة ؟ )1(مسئول

إىل -حبسب األستاذ اسحق إبراهيم منصور –و قد تنازعت اآلراء حول هذه املشكلة :آراء متطرفة و أراء معتدلة

ا يرفضون فكرة اجلمع بني التدابري و العقوبة ، اآلراء المتطرفةفأما - 1 فمنهم ، فأصحارم الشاذ قد اجتهت : من اقتصر على العقوبة وحدها ، و تأسيس نظرهم يقوم على أن ا

.إرادته إىل العصيان ، و ملا كانت إرادته ناقصة كان من الواجب ختفيف العقوبة أنه دلت الوقائع : و منهم من اقتصر على التدابري وحدها ، و تأسيس نظرهم يقوم على

يف مكافحة اإلجرام وأن التدابري وحده يكفل بعالج اجلاين وأن قياس على فشل العقوبة درجة نقص اإلرادة يعسر معرفته ، و تطبيق العقوبة على هذا القياس ال يرضي

. )2(الشعور بالعدالة االجتماعية ، بينما تقدير اخلطورة ليس أمرا عسرياقوبة و التدبري االحرتازي ، و ذهب ، و يقصد باالعتدال اجلمع بني الع معتدلةآراء - 2

، جيمع بني إيالم العقوبة و عالج التدبري استنادا تدبير مختلطمن هؤالء الفريق إىل صياغة :إىل اعتبارين

. 168: ، ص موجز علم اإلجرام و علم العقاب إسحاق إبراهيم منصور ،: ينظر – )1( .املرجع نفسه و الصفحة نفسها – )2(

Page 65: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

65

اعتبار قانوين يقوم على البحث عن إرادة العصيان اليت تربر العقوبة ، : االعتبار األول -أ .إلجرامية اليت تربر التدابري االحرتازية و يف نفس الوقت البحث عن اخلطورة ا

.اعتبار طيب يقوم على أن اجلاين الشاذ مريض ، يتطلب عالجه : االعتبار الثاني - ب و خالصة هذا الرأي يف اجلملة ، أن يكون التدبري املختلط غري حمدد املدة بصفة نسبية ،

ليجمع بني خصائص العقوبة اليت تقوم على التحديد ، و بني خصائص التدبري الذي يقوم . )1(على عدم التحديد املطلق

دعت » اء المختلطالجز « و يرى فقهاء القانون أن هذا التدبري املختلط أو بأدق عبارة إليه احلاجة و يعد مقبوال حىت يدفع مساوئ اجلمع بني العقوبة و التدبري االحرتازي على

رم نفسه ، فهو جنبه االزدواجية يف اجلزاء و تعقيداته . )2(ا

.نفسه و الصفحة نفسها السابق املرجع – )1( . 314: ، ص نظرية التدابير االحترازيةان ، عبد اهللا سليم: ينظر – )2(

Page 66: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

66

المبحث الثالث

و تمیزه عن عن العقوبة من انتقادات فقهاء القانون للعفو باقي األنظمة المشابهة له

يتناول هذا املبحث االنتقادات اليت تعرض هلا العفو عن العقوبة من طرف فقهاء القانون خاصة من ناحية مشروعيته ، و يبحث كذلك عن األنظمة األخرى اليت يطلق عليها

ا ختتلف مع العفو عن العقوبة من ناحية السلطة امل ختصة يف إقرار هذا مسمى العفو إال أ .احلق

المطلب األول

ما یناهض حق العفو في القانون الوضعي

انطلقت االنتقادات الفقهية للعفو عن العقوبة من خالل مشروعيته اليت اكتسبها من ه حاكم الدولة ، كذلك من حيث قيمته العملية خاصة و قد ظهرت أنظمة أخرى تشا

. ميكن أن حتل حمله

الفرع األول

من جهة مشروعیته

:من االنتقادات اليت وجهت حلق العفو عن العقوبة ما يلي

العفو عن العقوبة تدبري غري منسجم مع النظام القانوين احلديث ، فهو يف حقيقته - 1

Page 67: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

67

) رئيس الدولة ( يشكل خرقا ملبدأ الفصل بني السلطات ، فبمقتضاه خيول لشخص دم و إبطال مفعول ألحكام قد تصدر عن أعلى حماكم الدولة . )1(ليقوم

إن العفو عن العقوبة ميس الصفة اليقينية للعقوبة ، فبدوره يفتح ثغرة ينفذ منها األمل - 2 .)2(يف عدم اخلضوع هلا

:و ليست هذه االنتقادات خالية من الدحض و ليست حامسة ، فمن بني ردود ذلك

رئيس اجلمهورية ال يستعمل سلطة العفو حتكما ، و إمنا يستعملها على أساس من - 3 ا الشارع و القاضي ، فله حق إصــدار العفو بعد ذات االعتبـارات اليت يسرتشد

من الدستور اليت نصت على ما 156تطبيقا للمادة استشارته للمجلس األعلى للقضاء لس األعلى للقضاء رأيا استشاريا مسبقا يف ممارسة رئيس اجلمهورية حق « : يلي يبدي ا

تمع هي يف » العفو ، فالعفو عن العقوبة يصدر حني يقدر رئيس اجلمهورية أن مصلحة اقول إن حق العفو ال ميحو اإلدانة عدم تنفيذ العقوبة ، و ميكن دحض هذه االنتقادات بال

.)3(املنسوبة إىل املتهم من قبل السلطة القضائية

مث إن رئيس اجلمهورية ال يعتدي على استقالل القضاء ، إمنا يكمل عمله حني -4

خيرج األمر من حوزته و يصبح من غري استطــاعته إصـالح عيب ثبت على حنو

التكييف القانوني لقرار العفو الخاص و إجراءاته التحضيرية و مدىداود سليمان العيسى ، : ينظر – )1( . 237: ، ص خضوعها لرقابة القضاء اإلداري

.املرجع نفسه و الصفحة نفسها – )2( عبد الوهاب ، حومد: ، و ينظر 25: ، ص الوجيز في العفو عن األعمال الجرميةغسان رباح ، : ينظر – )3(

1048: ، ص) م 1990: املطبعة اجلديدة ، دمشق ( المفصل في شرح قانون العقوبات ، القسم العام . 216: ، ص مبادئ القانون الجزائي العامابن الشيخ حلسني ، : ينظر

Page 68: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

68

.)1(ال جدال فيه

صادر عن رئيس الدولة ال يصدر باعتباره ممثال للسلطة التنفيذية و لكن و العفو ال - ا من بينها السلطة القضائية . )2(باعتباره ممثال للدولة يف جمموعها بكل سلطا

و العفو عن العقوبة ال خيل بالصفة اليقينية للعقوبة ، ألن هذا العمل استثنائي ، فال - .)3(تمل احلدوث يعول عليه الكثري الغالب أو حم

لكن هذا ال ينفي احتمال سوء استعمال هذا احلق من طرف رئيس الدولة ، لذلك قال و جيب االعرتاف بأن حق العفو يعطي رئيس الدولة « : القاضي الدكتور غسان رباح

سلطة ميكن أن تصبح مساءة االستعمال إذا ما تدخل العفو كثريا قبل املوعد الطبيعي ة ، كل ذلك للحؤول دون إحداث صدمة يف أوساط الرأي العام ، الذي كثريا لتنفيذ العقوب

ما يفضل اإلبقاء على تنفيذ العقوبة خوفا من العودة إىل اإلجرام ، خاصة إذا مل تتوافر .)4(»للمفرج عنه فرص عمل

الفرع الثاني

من حیث القیمة العلمیة

كان و من أشهر االنتقادات اليت وجهت للعفو عن العقوبة من حيث قيمته العلمية ، أنه يف السابق مفيدا عندما مل يكن يوجد جبانبه وسائل أخرى ملعاجلة قسوة أو أغالط

. 237: ، جملة احلقوق و الشريعة ، ص التكييف القانوني لقرار العفو الخاصالعيسى ، : ينظر – )1( .املرجع نفسه و الصفحة نفسها : ينظر – )2( . 857: ، ص شرح قانون العقوبات اللبناني، حسين: ينظر – )3( . 26: ، ص الوجيز في العفو عن األعمال الجرميةغسان رباح ، – )4(

Page 69: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

69

القضاء اجلزائي ، لكن يف العصر احلديث وجدت مؤسسات أكثر تكامال حتل حمل القسوة . )1(روف املخففة و وقف تنفيذ العقوبة و العفو العامو األغالط القضائية ، كالظ

بأن هذه املؤسسات الثانوية املتمثلة يف الظروف املخففة و وقف : و رد على ذلك التنفيذ و العفو العام قد ختفف من جمال تطبيق حق العفو عن العقوبة ، لكنها ال تنزع منه

:كل فائدة أو منفعة على أساس

ملخففة ليست مطبقة يف كل املخالفات ، فليس هلا سوى أثر حمدود يف أن الظروف ا - 1 ا ال تتيح االعتماد على أسباب ختفيف كانت معروفة قبل النطاق اجلزائي ، و خاصة أ

.حكم اإلدانة

ووقف التنفيذ ليس له إال مكان ضيق ، ألنه ال ميكن منحه إال للجاحنني املبتدئني - 2 مث إنه ال يكافئ إال السلوك احلسن السابق حلكم اإلدانة ، ولبعض اإلدانات حصرا ،

.وليس السلوك احلسن الالحق هلذا احلكم

أما حق العفو العام ، فهو مؤسسة تعمل بشكل أعمى ، و هذه الطريقة حتمل من - 3 . )2(اخلطورة الشديدة ، إال إذا استعمل املشرع هذا احلق بشكل ضيق و حمدود جدا

فقهاء القانون العام حيذرون من أشكال العفو اخلاص ، و قد قاموا حبصر و ال زال : حماذيره يف ثالثة

.استئثار رئيس اجلمهورية مبنحه دون سواه - 4

:الدار اجلامعية ، بريوت ( مبادئ قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبنانيعلي قهوجي ، : ينظر – )1(

. 26: ، ص الوجيز في العفو عن األعمال الجرميةغسان رباح ، : ، و ينظر 513: ، ص) م 1992 . 27-26: ، ص الوجيز في العفو عن األعمال الجرميةغسان رباح ، : ينظر – )2(

Page 70: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

70

.خشية عودة املعفو عنه إىل اإلجرام - 5

.)1(خشية وصول احملكوم له إىل حقه يف القضايا اجلزائية - 6

الفرع الثالث

العقوبة شروط العفو عن

االنتقادات األخرية للعفو عن العقوبة حتمت على املشرع وضع شروط لتجنب احملاذير :السابقة و منها

أن يكون من الواجب على اجلانح تنفيذ العقوبة ، و عليه فإنه جيب أن تكون اإلدانة - 1 ح احلكم بعد مربمة ، مبعىن غري قابلة ألي وجه أو طرق من طرق املراجعة ، فطاملا مل يصب

أن احملكوم عليه إذا جلأ إىل : مربما فبمعىن أن طرق مراجعته ما زالت متاحة أو مبعىن أدق طلب العفو عن حكم ابتدائي صدر حبقه و هو قابل لالستئناف ، فيكون بذلك طلب

.)2(العفو عن جرم مل ينته النظر به بعد عن السلطة القضائية النهائية

تنقض بعد ، فإذا انقضت كلها أو سقطت مبرور الزمن أو ممن أن تكون العقوبة مل - 2 انقضت بالنسبة له مدة التجربة يف وقف التنفيذ دون أن ينقض الوقف ، فإن طلب العفو

. )3(بالنسبة للمحكوم عليه ليس فيه مصلحة

ا من حمكمة اجلنايات يف غيبة املتهم ، ألن - 3 ال جيوز العفو عن العقوبة احملكوم

. 329: ، ص األحكام الجزائية العامةرزق فؤاد ، : ينظر – )1( )م 1985: منشورات عويدات ، بريوت ( 1، ط نظرية العفو في التشريعات العريةرباح ، : ينظر – )2(

. 93-92: ص . 700: ، ص المبادئ العامة في قانون العقوباتالفاضل ، : ينظر – )3(

Page 71: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

71

. )1(احلكم الغيايب يف جناية يسقط مىت حضر احملكوم عليه غيابيا .)2(أن ال يكون قد مر الزمن على العقوبة ، ألن بعد ذلك ال يكون هناك حمال للعفو - 4 أن يكون اجلانح قد أدين أو حكم عليه بعقوبة ، فالغرامات الضريبية أو النفقات - 5

. )3(ال ميكن أن ينظر فيها عن طريق العفوالقضائية أو التدابري التأديبية

الثانيالمطلب تمیز العفو عن العقوبة عن باقي األنظمة األخرى في القانون الوضعي

قد يتشابه العفو عن العقوبة بالعفو العام أو العفو القانوين ، و لذلك كان لزاما بيان أوجه .لفرق الفرق بينه و بني هذه األنظمة ، من خالل بيان أوجه ا

الفرع األول تمیزه عن العفو العام

إن سبب العفو العام هو التهدئة االجتماعية ، و هو مؤسسة تتيح للمجتمع أن يطوي . )4(يف النسيان اإلجراءات ذات الطابع اجلزائي ، و اليت ال يرغب أن تبقى يف الذاكرة

. )5(و لذلك يصدر العفو العام بعد فرتات االضطراب السياسي :و يتميز العفو عن العقوبة عن العفو العام مبا يلي العفو عن العقوبة يصدره رئيس اجلمهورية ، بينما يصدر العفو العام مبوجب قانون - 1

.عن السلطة التشريعية

)م 1939: دار النهضة ، مصر ( المبادئ األساسية للتحقيقات و اإلجراءات الجنائيةعلي زكي ، : ينظر – )1(

. 665: ، ص4ج، . 31: ، ص الوجيز في العفو عن األعمال الجرميةرباح ، : ينظر – )2( .املرجع نفسه و الصفحة نفسها : ينظر – )3( . 37: املرجع نفسه ، ص: ينظر – )4( . 874: ، ص شرح قانون العقوبات اللبناني، حسين: ينظر – )5(

Page 72: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

72

يشرتط يف العفو عن العقوبة أن يكون احلكم مربما غري قابل للمراجعة ، خبالف - 2 .ة اجلرائم املعنية فيه العفو العام فهو يشمل كاف

العفو عن العقوبة ذو طبيعة شخصية ، فيكون قاصرا على من صدر لصاحله دون - 3 غريه من املسامهني معه يف اجلرمية ، بينما العفو العام ذو طبيعة موضوعية يتعلق بنفس الفعل

عنها عفو اجلرمي ، لذلك يستفيد ممن العفو العام مجيع املسامهني يف اجلرمية اليت صدر .عام

العفو عن العقوبة يكتفي بإسقاط العقوبة أو جزء منها أو إبداهلا دون أن يؤثر ذلك - 4 .على الصفة اجلرمية للفعل املقرتن ، لكن العفو العام يزيل الصفة اجلرمية عن الفعل

العام العفو عن العقوبة يقتصر مفعوله على العقوبة األصلية وحدها ، بينما العفو - 5 .يسقط كل العقوبات اليت يطاهلا

يزول سلطان العفو عن العقوبة إذا وجد إخالل بالشروط املعلق عليها ، بينما العفو - 6 ائي و حاسم .العام مفعوله قطعي

يصدر العفو عن العقوبة يف املعتاد لتخفيف وطأة حكم قضائي خانه التوفيـق يف - 7 تقدير العقوبة ، أو لتدارك خطأ يف الوقائع تعذر تداركه بالطريق القضائي ، بينما العفو

. )1(العام يكون عادة يف ظروف االختالفات السياسية ، و هو عفو يتوسط العفو عن العقوبة و العفو العام ، بالعفو المختلطو هناك ما يسمى

اما عن مرتكب فئة أو فئات من اجلرائم ، و يصدر عن السلطة التشريعية مقررا عفوا ع لكنهم ال يستفيد منه تلقائيا ، إمنا يتعني بإصدار رئيس اجلمهورية أو إحدى السلطات

. 247-246: ، ص العفو عن العقوبةيد عبود ، ماهر عبد ا: ينظر يف ذلك – )1(

Page 73: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

73

ذا العفو . )1(العامة اليت حيددها القانون ، يتم من خالل ذلك تعيني الفئات اليت تنتفع ء القانون يقولون بأن العفو لكن خصائص العفو العام غالبة فيه ، مما جعل بعض فقها

املختلط يف حقيقته هو عفو عام ، دخلته بعض التعديالت على بعض خصائصه . )2(وأحكامه

الفرع الثاني تمیزه عن العفو القانوني

رم من العقاب على الرغم من قيام إن العفو القانوين قرار يصدر عن القضاء بإعفاء ا

. )3(اجلاينوثبوت الفعل اجلرمي على و قد تقرر هذا العفو على مبىن تقدير املشرع أن املنفعة االجتماعية اليت جيلبها عدم

العقاب يف حاالت معينة تربو عن املنفعة اليت حيققها العقاب ، فيقرر هذا العفو ملنفعته . )4(االجتماعية املهمة

:و خيتلف عن العفو عن العقوبة يف

عقوبة مبوجب مرسوم رئاسي ، يف حني يصدر العفو القانوين عن يصدر العفو عن ال - 1 .القضاء

يصدر العفو عن العقوبة بصدور احلكم باإلدانة ، يف حني يصدر العفو القانوين قبل - 2 .احلكم باإلدانة

. 60- 59: ، ص الوجيز في العفو عن األعمال الجرميةرباح ، : ينظر – )1(: دار النهضة ، بريوت ( –) القسم العام ( شرح قانون العقوبات اللبناني حممود جنيب حسين ، : ينظر – )2(

. 878: ، ص) م 1984 .458:، ص) م 1994: املؤسسة اجلامعية ، بريوت ( 2، ط –اقسم العام –أصول قانون العقوبات عالية ، : ينظر – )3( . 780: ، ص شرح قانون العقوبات اللبناني، حسين: ينظر – )4(

Page 74: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

74

يقتصر مفعول العفو عن العقوبة على العقوبة األصلية وحدها ، بينما العفو القانوين - 4 . )1(بة ، سواء كانت أصلية أو فرعية أو إضافيةيسقط العقو

المبحث الرابع

خصوصیة الشریعة اإلسالمیة في العقوبة و العفو

ا الشريعة اإلسالمية عن القانون يتناول هذا املبحث املفاهيم اخلاصة اليت استأثرت ا إىل العقوبة و العفو ، من عموم التشريع و اعتبارها للجانب الديين يف الوضعي يف نظر

. العقوبة ، و البديل الذي قدمته للموازنة بني إفراط العقوبة و تفريط العفو

المطلب األول

ظر إلى العقوبة في ضوء كلیات التشریعالن

يعترب النظام العقايب جزءا من التشريع اإلسالمي ، الذي له ارتباط قوي بني األنظمة .األخرى ، و لذلك ال ميكن فهم مقاصد الشارع من العقوبة إال ضمن هذه الكلية العامة

فال ميكن فهمها من خالل التسلسل التارخيي لتطور العقوبة كما هو الشأن يف النظام اجلزائي الوضعي ، و ال من حيث تطور احلضارات اإلنسانية ، أو من حيث تطور الفكر اإلنساين ، و ال من حيث تأثري املدنية يف التدرج يف ختفيف العقوبات ، فقد يؤدي ذلك

.غري موضعها إىل إسقاط مفاهيم يف

يد ، ماهر : ينظر يف ذلك – )1( . 252: ، ص العفو عن العقوبةعبد ا

Page 75: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

75

فال ميكن ربط نظام القصاص الذي جاء به التشريع العقايب يف اإلسالم على أنه قضاء على ما كان عليه العرب يف جاهليتهم ، فهذا يفهم منه خصوصية الشريعة اإلسالمية للعرب ، و هو مناقض ملا دلت عليه النصوص الشرعية الثابتة على عموم التشريع جلميع

ا أثبتته القواعد العامة اليت دلت على عموم خطاب التكليف ، و خطاب البشر ، و مالوضع الذي دل على أن األحكام الشرعية إمنا وضعت ملصاحل العباد كافة ، املطبوعون

.بطابع النوع اإلنساين املتحد يف حاجياته و ضرورياته خالل األهداف لكن فالعقوبة يف الشريعة اإلسالمية رمبا تتفق مع القانون الوضعي من

.ختتلف من حيث إنزال هذه األهداف على الوقائع الثابتة و املتغرية و إمعان النظر يف النظام العقايب يثبت أن له عالقة قوية مع األنظمة األخرى ، و بينهم

أقام الشارع احلكيم األموال على أساس عقدي باعتبار أن األموال : تسلسل حمكم ، فمثال ا وسائل و ليست غاية ، و على أساس عملي من خالل أداء اهللا هي أموال و أ

حقوق األصناف الثمانية احملددة شرعا من أموال الزكاة ، و الدعوة إىل املسارعة يف أداء صدقات التطوع كالوقف و الوصية و اهلدية و اهلبة ، و ضمان املتلفات و أداء الديون ،

للتفكري يف اجلناية على األموال سواء عن طريق السرقة فمن شأن ذلك أن يكون بابا منيعا .أو االختالس أو الغصب

يف الشريعة اإلسالمية ، إمنا وضعت جلنايات ) القصاص و احلدود ( و العقوبات األصلية ثابتة و إن تغري الزمان و املكان ، كاجلنايات على األموال و األعراض و النفوس

.العامة الواجب حفظها و اليت تعترب من الكلياتلكن من جهة أخرى فإن هذه اجلنايات دواعيها نفسية قوية ، ال يستطيع اإلنسان معرفة

قوانينها ، بدليل أنه قد وقع إفراط يف العقوبة يف األمم األخرى و وقع تفريط يف عصرنا حىت

Page 76: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

76

الشريعة اإلسالمية وصل األمر إىل حماولة إلغاء النظام العقايب كلية ، فجاءت العقوبات يف .مقدرة و ثابتة ال تتغري بتغري الزمان و املكان

المطلب الثاني

مراعاة الجانب الدیني في العقوبة

تقرر سابقا أن العقوبات جاءت مقدرة من الشارع احلكيم ، فال ميكن الزيادة فيها أو ، وتنفيذها على من النقصان منها عند اإلثبات و قيام احلجة ، و جاء الوعيد من تعطيلها

تعظيما لشأنه سبحانه يستحقها يعترب عبادة ، و ذلك ألن فيها أداء حقوق اهللا وتعاىل ، فاحلاكم وهو يطبق احلدود و القصاص يتعبد بذلك ، و اجلاين و هي تنفذ عليه

.العقوبة يتطهر من الذنوب و املعاصي

نبان اجلانب الديين و اجلانب القضائي ، و فالعقوبة يف الشريعة اإلسالمية يراعى فيها اجلا كثريا ما جتد الفقهاء يتكلمون عن ذلك يف بعض اجلرائم اليت تقع حتت وطأة اإلكراه أو

.الضرورة

و قد شرعت الكفارات ، و هي يف أصلها نوع من التعبد ، خاصة إذا فرضت على ما ة حتمل معىن العبادة ، حىت أن يعترب معصية ككفارة القتل اخلطأ ، فهي يف حقيقتها عقوب

، و هي مقدرة ال جتب )1(األستاذ عبد القادر عودة قال بإمكانية تسميتها عقوبة تعبديةالقتل و إفساد الصوم : إال مبا أوجبه الشرع بنص صريح ، و هي حمددة جلرائم معينة

. 683: ص 1، ج التشريع الجنائيعبد القادر عودة ، : ينظر – )1(

Page 77: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

77

ا العتق و اإلطعام : واحلنث يف اليمني و الوطء يف احليض و الوطء يف الظهار ، و عقوبا .و الكسوة و الصوم

و الشريعة اإلسالمية مل جتعل لكل احنراف أو معصية عقوبة دنيوية ، بل هناك كثري من

االحنرافات و احملرمات اليت اكتفت الشريعة فيها بالوعيد و التهديد بالغضب من اهللا الكذب و الرياء وخيانة ،و قد ترك بعضها للقاضي يعاقب فيها حبسب ما يراه مناسبا ، ك

.األمانة و غريها

مث إن الشريعة اإلسالمية بتشريعها للعقوبة األخروية جبانب العقوبة القضائية ، تريد أن جتمع بني أصول األخالق العامة اليت توقظ النفس من غيابات الغفلة و العصيان ، و بني

رم أصول تشريع العقاب حىت يصل األمر إىل مقصود الشارع م ن العقوبة ، فرمبا يرتدع ا .مبجرد العقوبة األخروية فيقع املقصود األصلي الذي هو الزجر

فهذا من خصوصيات الشريعة اإلسالمية اليت أرادت أن تقوي يف اجلاين نفسه ،الضمري جلميع أعماله ، و لعل ما فعله ماعز و الغامدية يعزز األخالقي املتمثل يف مراقبة اهللا

.الفكرة و يقويها هذه

و أبعد من ذلك فإن الشريعة اإلسالمية جعلت للجاين فسحة كي يتوب و يرجع ، و يسترت و ال يعلن جبرميته ال للسطان و ال للخالن ، قال وليكن األمر بينه و بني اهللا

قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود اهللا ، من أصاب من هذه أيها الناس :رسول اهللا ، ))1 ذورات شيئا فليستتر بستر اهللا ، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب اهللالقا

أن يعمل الرجل بالليل المجاهرةكل أمتي معافى إال المجاهرين ، و إن من :وقال

. 1299: ، كتاب احلدود ، رقم موطئهأخرجه مالك يف – )1(

Page 78: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

78

، فيقول يا فالن عملت البارحة كذا و كذا ، و قد بات عمال ثم يصبح و قد ستر اهللا عليه ، . ))2 يصبح يكشف ستر اهللا عنهربه و يسـتره

إن لتعاليم الدين سلطان قوي يف تغيري النفوس املريضة من الطاحل إىل الصاحل و من الصاحل .إىل األصلح ، و هذا ما تتشوف إليه كل الشرائع من تشريعها للعقوبة

المطلب الثالث

الموازنة بین عدالة العقوبة و أفضلیة العفو

:إن املطالب السابقة كانت مقدمة إلثبات أمرين

أن العقوبة يف الشريعة اإلسالمية ضرورة انطالقا من فكرة العدل ، فمن : األمر األول - . العدل معاقبة املسيء من جنس إساءته من غري إفراط و ال تفريط

األخالقية و املسؤولية الشرعية أن الشريعة اإلسالمية مجعت بني املسؤولية : األمر الثاني - .يف النظام اجلزائي

وفكرة العدل ال تنتهي عند إقامة العقوبة ، و إمنا تتعدى ذلك ليشمل حىت قبل وقوع ذيبهم على اجلرمية ، يتمثل ذلك من خالل إقامة العدالة االجتماعية بني مجيع الناس ، و

.أساس الدين واألخالق

مية و هي تشرع العقوبة ، تعمل ألن يشعر املذنب بذنبه و أن يتنبه مث إن الشريعة اإلسال إىل خطئه ، عسى أن يقوده ذلك إىل التوبة و إصالح نفسه ، فإذا أمكن الوصول إىل هذه الغاية بوسيلة أخرى أقل كلفة من العقوبة ، مل يكن من احلزم اإلصرار على استخدام

.، 6069 :من حديث أيب هريرة ، كتاب األدب ، باب سرت املومن ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )2(

Page 79: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

79

عند موضعه ، فقد يتحقق معىن الشعور بالذنب العقوبة ، لذلك كان العفو أحيانا أفضل .يف اجلاين فيكون ذلك زجرا و رادعا له

و لقد جاءت النصوص الشرعية لرتبط بني عدالة العقوبة و بني أفضلية العفو ، و أصل : ذلك كله يف قوله تعاىل

) 90: النحل. (

أنه إذا : و يكون العدل يف تطبيق القاعدة الشرعية عند موضع اإلثبات ، املقصود ثبتت اجلناية على اجلاين ، فإن من العدل إقامة العقوبة ، و أما اإلحسان فهو تطبيق للقاعدة األخالقية ، و يكون يف الدنيا بدفع املضار الدنيوية و إسقاط احلقوق و العفو عن

. )1(املظامل

و إمنا كان اإلحسان يف مقابل العدل ، للتخفيف من إفراط العدل ، فندب الشارع إىل .العفو و استحسنه

مث إن الشريعة اإلسالمية و هي تضع العفو كقاعدة أخالقية جبانب العقوبة ، مل ترتك باب العفو مفتوحا ، و إمنا أقرته ضمن أصول العقوبة حبيث يتحقق التناسب بينهما ،

اك عقوبات يندب فيها العفو ، و أخرى حيرم فيها و قد وقع التهديد و الوعيد على من فهنأسقطها بالعفو ، ومن غري أن يضع سلطانه حتت تصرف احلاكم ، بل وضعه كحق يف يد أولياء الدم يف القصاص ، و ترك عقوبات أخرى تدخل من ضمن السلطة التقديرية

.للقاضي

:مؤسسة الرسالة ، بريوت ( 1عبد اهللا بن احملسن الرتكي ، ط: ، حتقيق الفروعابن مفلح ، : ينظر – )1( . 410: ص 9، ج) م 2003

Page 80: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

80

مل من اخلطورة اليت قد تؤدي إىل عكس ما يتوقع منه ، فإن و ملا كان أمر العفو حي الفقهاء قد وازنوا بني املواضع اليت يكون فيها العفو أصلح للجاين و بني املواضع اليت تكون فيها العقوبة هي األنفع ، تطبيقا للنصوص الشرعية و سعيا لتحقيق مقصود الشارع ، و

و النفع املطلوب من حيث املقدار وحتمل أقل انطالقا من موازنتهم بني الضرر الواقع .الضررين ، و حفظا حلقوق اخلاصة و العامة

و ستتضح هذه الفكرة من خالل األبواب الالحقة ، و سيغلب على هذه الدراسة منظور الشريعة اإلسالمية ، فيها نبني البديل املوجود يف الشريعة اإلسالمية حلل معادلة العقوبة اليت

ا العفو عند إنزاهلا على الوقائع املختلفة ، من خالل ما أقرته النصوص الشرعية و يقابله .على ضوء اجتهاد الفقهاء

Page 81: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

81

Page 82: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

82

Page 83: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

83

المبحث األول

أدلة الموازنة من خالل النصوص الشرعیة

ا إىل املوازنة بني ما يوجب يتناول هذا املبحث األدلة الشرعية اليت قامت على دعوالعقوبة و ما يدعو إىل العفو من باب الفضل ، من خالل القرآن الكرمي و ما ثبت من قول

.يف الوقائع اليت استدعت ذلك و فعل النيب

يقتصر هذا على عقوبة معينة و يتضح ذلك يف استتباع الشارع العقوبة بالعفو ، و مل . وإمنا مشل ذلك يف مجيع األحوال اليت كان املقابل فيها اجلزاء مبثله

المطلب األول

استتباع الشارع العقوبة بالعفو

القصد من هذا املطلب هو بيان أن الشارع احلكيم كلما أمر بتمكني العقوبة عند موضع اإلثبات ، استتبع هذا األمر بالعفو ، و هذا كله سيتضح من خالل نصوص القرآن الكرمي

.و نصوص السنة النبوية

الفرع األول

االستدالل بنصوص القرآن الكریم

: قال اهللا - 1

) 178:البقرة . (

Page 84: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

84

.دلت هذه اآلية على أصل عام و على معىن تقوم عليهما العقوبة يف التشريع العام ، فإذا ثبتت العقوبة على )1(أن األصل يف الدماء وجوب القود: فهو العام فأما األصل -

.اجلاين كان الواجب متكينها من غري نظر إىل عفو أو صلح : )2(و هذه اآلية تقتضي إجياب العقوبة من جهتني من جهة متكينها سلطانا ، فتمكني العقوبة من اختصاص احلاكم أو ما جيري : األولى

، فمىت ثبتت العقوبة على اجلاين و حصلت شرائط وجوب القتل بأن حتقق القتل جمراه .العمد ، فإنه ال حيل للحاكم تركها إن أراد ويل الدم استيفاؤها

على القاتل أن يستسلم : أن خطاب اآلية متوجه كذلك إىل القاتل ، مبعىن : الثانية حلكم اهللا و يسلم نفسه عند مطالبة ويل الدم بالقصاص ، فليس له أن مينع أو ينكر ، ألن املوضع فيه إقامة حق للعبد ، خبالف السارق أو الزاين فيمكن هلما أن يهربا من احلد وهلما

. ذلك من حقوق اهللا أيضا أن يسترتا ألنوجوب رعاية العدل و التسوية يف العقوبة : الذي اقتضته هذه اآلية فهو أما المعنىو -

: من غري تفاضل فهو غري معترب ، ألن املقصود اإلهدار يؤكده حديث رسول اهللا المسلمون تتكافأ دماؤهم )3( فيقتل احلر باحلر و العبد بالعبد و األنثى ،

و ال جيوز التجاوز أو الزيادة يف احلكم بالتعدي على اجلاين ، فالظلم حمرم من ، )4(باألنثىين عليه و من جهة اجلاين نفسه .اجلهتني من جهة ا

) م1999: ر ابن حزم ، بريوت دا( 1، ط المنانتيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم السعدي ، : ينظر – )1(

. 73: ص . 48:ص 5ج، ) ت .ب: دار إحياء الرتاث العريب ، بريوت ( 3، ط التفسير الكبيرالرازي ، : ينظر – )2( . 2371: رقم كتاب اجلهاد ،، سننهأخرجه أبو داود يف – )3( . 357:ص 1ج، ) ت .ب: دار إحياء الرتاث العريب ، بريوت ( العظيم تفسير القرآنابن كثري ، :ينظر – )4(

Page 85: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

85

:هذا اجلزء من اآلية بقوله تعاىل و استتبع اهللا -2

) 178: البقرة . (

ندب إىل رمحة « : مع متكني العقوبة العفو و ندب إليه ، قال القرطيب فشرع اهللا العفو و الصدقة و كذلك ندب فيما ذكر يف اآلية إىل قبول الدية إذا بذهلا اجلاين بإعطاء

.)1(»الدية القصاص : و قد كان تشريع العفو على سبيل التخيري هلذه األمة ، فقد خريت بني ثالث

، و كان القصد من ذلك التوسعة و التيسري على العباد حىت جيدوا و الدية و العفو ألنفسهم خمرجا عند الضيق ، و مل يكن ذلك يف األمم السابقة كما بني ذلك ابن عباس

. )2(يف تفسريه هلذه اآليةبني متكني العقوبة عند اإلثبات و بني ندبه للعفو ، و هذا فالحظ كيف ربط اهللا

ال بد أن ميكن أولياء الدم مـن: يف مقام معني و هو مقام العز ، مبعىن االستتباع كان .اجلاين و يستسلم إليهم ، حىت يتحقق معىن التمكني للعقوبة هلم

أول ما بدأ به هو متكني العقوبة كأصل عام ، ألن الناس عادة تريد نيل حقها فاهللا د الشارع احلكيم حصول ذلك ، و من خالل متكنها له من كل وجه من غري نقص ، فأرا

أردف مع هذا التمكني ندبه إىل العفو ، و النفوس البشرية إذا أحست بالتمكني حلقها ا إن طلبت العفو ، طلبته من مقام عال و مقام عز و شرف .فإ

1، خرج أحاديثه أمحد بن شعبان بن أمحد و حممد بن عيادي ، ط الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، – )1(

. 20: ص 2ج، ) 2005: مكتبة الصفا ، القاهرة ( . 193: ص 2جاملصدر نفسه ، : ينظر – )2(

Page 86: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

86

: قال اهللا - 3 ) 126: النحل . (

و يف هذه اآلية تقرير ملعىن الذي سبق يف اآلية السابقة ، فبعد إقرار حق العقوبة ، أشار ، باعتبار أن هذه الزيادة )1(إىل رعاية العدل فيها و حسن اإلنصاف و ترك الزيادة يف ذلك

ظلم للجاين ، و هذا يثبت مدى خصائص العدالة العقابية يف التشريع –يف حقيقتها – .اإلسالمي

إال أنه ذكر يف هذه اآلية بشكل صريح أحد األصول املعنوية للعقوبة يف التشريع املماثلة ، و قد تأكد هذا املعىن يف كثري من نصوص القرآن الكرمي ، : اإلسالمي و هو

: كقوله

) فمن قتل بشيء قتل به ، و إن كان يف ) 194: البقرة ،

، و كثريا ما استدل الفقهاء يف )2(ذلك تفصيل فقهي يرجع إليه يف كتب الفقه اإلسالميذه اآلية ، خاصة يف حكم القتل باملثقل . تأصيل معىن املماثلة

: و استتبع اآلية السابقة بقوله - 4

127-126:النحل

.)3(و قد مجعت هذه اآلية الكرمية بني جواز االنتقام و اإلشارة إىل أفضلية العفو أمام عدالة العقوبة ، فقد و لقد كان هلذه اآلية سبب للنزول يبني فيه تصرف النيب

لما كان يوم أحد قتل من األنصار ستون رجال و من : روي عن أيب بن كعب قال

. 141: ص 20ج، التفسير الكبيرالرازي ، : ينظر – )1( . 42: ص 6ج، بداية المجتهد و نهاية المقتصدابن رشد ، : ينظر – )2( طباعة و النشر و التوزيع ، بريوتدار الفكر لل( أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآنالشنقيطي ، :ينظر – )3(

. 466: ص 2، ج) م 1995:

Page 87: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

87

لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنريين : المهاجرين ستة ، فقال أصحاب رسول اهللا قريش بعد اليوم ، فنادى منادي رسول اهللا ال ال تعرف : ، فلما كان يوم الفتح قال رجل عليهم : أن رسول اهللا فأنزل اهللا –ناسا سماهم –ال فالنا و فالنا من األسود و األبيض إأ

.) )1 نصبر و ال نعاقب: هذه اآلية فقال رسول اهللا .و فيه داللة على أفضلية العفو أمام عدالة العقوبة ا اآليتني و أشار إليها الرازي يف تفسريه و إمنا هذا التفضيل للعفو كان وفق مراحل ذكر

. )2(هلما .كانت تعريضا لبيان أن األوىل ترك القصاص : األولىفالمرحلة : مرحلة االنتقال من التعريض إىل التصريح يف قوله تعاىل : المرحلة الثانية

و هذا تصريح على أن األوىل ترك القصاص ،.

: و هي مرحلة اجلزم برتك القصاص يف قولــه تعاىل : المرحلة الثالثة ،

: والصرب املقصود هو الصرب على املعاقبة و هو يف معىن العفو ، كقوله

) و قوله ) 237: البقرة ، :

) 40: الشورى. (

و يف هذا التأويل لآليتني حكمة بالغة و داللة قوية يف أن العفو أمر عسري على األنفس ، و لذلك فإن العفو عن حقوق العباد مبنية على المشاحة و الضيقشاق عليها ، ألن

ج أولياء الدم استدراجا فيه لطف اجلاين ال ميكن أن يكون مباشرة ، و إمنا ال بد من استدرا .حىت تستقبل النفوس احملتقنة باالنتقام العفو بالقبول

. 20280: رقم كتاب مسند األنصار ، ، مسندهأخرجه أمحد يف – )1( . 142: ص 20ج، التفسير الكبيرالرازي ، : ينظر – )2(

Page 88: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

88

: قوله -5 ، ) 40: الشورى . (

و هذه آية أخرى فيها تقرير ما أشارت إليه النصوص السابقة من بيان عدالة العقوبة ين عليه االستيفاء و الظفر حبقه ، فاآلية دلت على أنه جيب أن والتمكني هلا إن أراد اتقابل اإلساءة مبثلها من غري زيادة ، ألن ذلك ظلم على اجلاين ، و الشرع احلكيم قد نزه

. )1(سب جمموع النصوص السابقةذلك عنه حبا كثري من الفقهاء يف املواضع اليت و لقد كانت هذه اآلية مبثابة القاعدة الفقهية استدل

أن : ، و السبب يف ذلك تقابل كل جناية بمثلهاأن : تتعلق باجلنايات ، ومقتضاها ن النفوس البشرية هلا يوجب فتح باب العدوان ، أل) ترك اجلاين من غري عقوبة ( اإلهدار

ميل شديد للظلم و البغي و العدوان ، فإذا مل تنزل العقوبة على اجلاين الذي تعمد العدوان .، فإن جرأته على فعل اجلناية تتقوى و اإلقدام عليها يزداد

: و قد استتبع اجلزء من اآلية السابقة بقوله -6

، ) 40: الشورى. (

مع عدالة العقوبة العفو ، و فيها بيان أن يف العفو أجر ، فندب الشارع فذكر اهللا : احلكيم إليه ، كقوله تعاىل

عبدا بعفو و ما زاد اهللا :و كما صح يف احلديث الشريف قوله ،) 45: املائدة ( . )3(، فدلت على أن العفو عن املظلمة أفضل ، ألن فيه ضمانا لألجر) )2 إال عزا

. 178: ص 27ج، التفسير الكبيرالرازي ، : ينظر – )1( .4689: رقم ، كتاب الرب و الصلة و اآلداب ، صحيحهأخرجه مسلم يف – )2( . 30: ص 16ج، الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، : ينظر – )3(

Page 89: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

89

فمن خالل النصوص السابقة يتبني أن الشارع احلكيم كلما ذكر عدل العقوبة استتبع مع .ذلك بديال عنها و هو العفو و ندب إىل ذلك و دل على أفضليته

لكن ال يفهم ذلك أن تفضيل الشارع للعفو على العقوبة قد جرى يف مجيع األحوال ، و يف العقوبة اليت تتجلى فيها العدالة العقابية وهي إمنا وقع هذا االستتباع يف غالب األحوال

موجودة يف عقوبة القصاص باعتبارها مقابلة اجلزاء مبثله ، و يف ذلك حكمة ستتضح من .خالل املوضوع كله ، و سيكون لذلك استدراك سيأيت بيانه

الفرع الثاني االستدالل بنصوص السنة النبویة

ليث من بني رجال فتح مكة ، قتلت خزاعةأنه عام : قال حديث أيب هريرة -1 الفيل و عن مكة قد حبس إن اهللا : فقال فقام رسول اهللا بقتيل لهم في الجاهلية ،

لم تحل ألحد قبلي و ال تحل ألحد بعدي ، و إنما أال و إنهاسلط عليها رسوله و المؤمنين ، شجرها و ال ال يعضد و شوكها يختلىأحلت لي ساعة من نهار ، و إنما ساعتي هذه حرام ، ال

يقادو إما يوديلتقط ساقطتها إال لمنشد ، و من قتل له قتيل فهو بخير النظرين ، إما أن ي)1( قولـه : ، ووجه الداللة فيه : و من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن، فيه داللة على أن الواجب ألولياء القتيل أحد األمرين القصاص أو يقاد إماو يودي

. )2(أخذ الدية باالختيار ، و على أن رضا القاتل ال يعترب

ن قتل له قتيل فهو خبري النظرين،كتاب الديات ، باب م، 6880: ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )1(

. 1247: ص :ر إحياء الرتاث العريب ، بريوت دا( 2، ط المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاجالنووي ، : ينظر – )2(

، إحكام األحكام شرح عمدة األحكامابن دقيق العيد ، :، و ينظر 129: ص 9ج، ) هـ 1392 . 433: ص 1ج ،) 2005: الرسالة ( 1شيخ مصطفى و مدثر سندس ، ط حتقيق مصطفى

Page 90: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

90

فإنه يختار )1(بقتل أو خبل من أصيب : قال عن أيب شريح اخلزاعي أن النيب -2 إما أن يقتص و إما أن يعـفو و إما أن يأخـذ الدية ، فإن أراد الرابعة فخذوا على : إحدى ثالث

، و داللة االختيار فيه ظاهرة ، إال أن هذا احلديث أقر ثالثة اختيارات ، زاد ) )2 يديه .على ما تقرر يف النص السابق العفو من غري الدية أو العفو بال بدل

أن الربيع بنت النضر بن أنس كسرت ثنية جارية ، : حديث أنس بن مالك قال -3 و أبوا إال القصاص ، فأمر رسول اهللا فأبوا ، فأتوا رسول اهللا )3(فعرضوا عليها األرش

يا رسول اهللا أتكسر ثنية الربيع ؟ ال و الذي بعثك بالحق ال : بالقصاص ، فقال أنس بن النضر كتاب اهللا القصاص ، فرضي القوم و قبلوا األرش ، فقال : تكسر ثنيتها ، فقال رسول اهللا

، و فيه داللة على ) )4 إن من عباد اهللا من لو أقسم على اهللا ألبره: رسول اهللا إن من عباد اهللا من لو أقسم على اهللا :القصاص ، و يفهم من داللة قوله وجوب

. )5(استحباب العفو ألبره

فالنصوص النبوية السابقة داللتها واضحة على االختيار بني القصاص أو الدية أو العفو .بال بدل ، و هذا يتناسب مع النصوص القرآنية السابقة

أن ألولياء الدم حق القصاص و متكينهم ) قرآنا و سنة ( فقد أثبتت النصوص السابقة لذلك ، و حق العفو سواء كان ببدل بأخذ الدية ، ألن ذلك يعترب يف حقيقته عفوا ،

.ومن غري بدل ، و أن هلم االختيار بينهما

. 196: ص 11ج ، لسان العرب ابن منظور ،: اجلراح ، ينظر : اخلبل – )1( . 3898: ، كتاب الديات ، رقم السننأبو داود يف أخرجه – )2( . 263: ص 6، ج لسان العربابن منظور ، : اخلدش ، مث قيل ملا يأخذ دية هلا أرش ، ينظر : األرش – )3( ، 4611: رقم ، و اجلروح قصاص: باب قوله تعاىل ، كتاب التفسري ، صحيحهأخرجه البخاري يف – )4(

835: ص . 163: ص 11ج، المنهاج شرح صحيح مسلمالنووي ، : ينظر – )5(

Page 91: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

91

على جانب و هو مبا واملالحظ أن االستدالل بالنصوص الشرعية السابقة كان منحصرا يتعلق بعقوبة القصاص فقط ، و قد كان استتباع العفو به ظاهر ، و هذا أمر قد يفسر أن ذه العقوبة فقط ، أو يتعلق جبرائم الدماء و اجلراحات دون غريها من حق العفو يتعلق

.اجلرائم حق ، عندما إال أن هذا التفسري قد تذهب غشاوته من خالل ما سيتقرر يف املطلب الال

يثبت أن تفضيل العفو كان عاما و شامال جلميع امليادين ، و أن أمر الشارع بتمكني .العقوبة كذلك كان عاما و شامال جلميع العقوبات كاحلدود و التعزير

و ال بد أن يعلم أن تقسيم العقوبات إىل قصاص و حدود و تعازير ، إمنا هو تقسـيم معرفة أحكام كل عقوبة ، إال أن إثبات املوازنة بني العقوبة و نظري حىت يسهل على الناظر

. العفو حيتاج إىل النظرة العامة للنظام العقايب يف التشريع

المطلب الثاني شمولیة هذه المالزمة

الذي تبني يف املطلب السابق هو مالزمة العفو للعقوبة فيما يتعلق بعدالة العقوبة و هي هذا املطلب فسيثبت أن هذه املالزمة عامة و شاملة جلميع أنواع القصاص ، أما يف

.العقوبات و حىت يف األحوال اخلاصة للناس ، و ذلك من خالل النصوص الشرعية

الفرع األول

نصوص القرآن الكریم

: قوله -

Page 92: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

92

1

، ) 22: النور. (

و مسطح بن أثاثة و هو ابن بنت ذكر القرطيب أن هذه اآلية نزلت يف أيب بكر ينفق عليه ملسكنته خالته و كان من املهاجرين البدريني املساكني ، و كان أبو بكر

قال مسطح فيه ما –رضي اهللا عنها –وقرابته ، فلما وقع أمر اإلفك من قذف عائشة شة ، فأنزل اهللا و اهللا ال أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائ :فقال أبو بكر قال ،

و اهللا إني ألحب أن يغفر اهللا لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان : اآلية ، فقال أبو بكر . ))1 ينفق عليه

فانظر كيف قابل أبو بكر اإلساءة بالعفو امتثاال ألمر اهللا تعاىل ، و لذلك قال عبد اهللا .)2(»هذه أرجى آية يف كتاب اهللا « : ابن املبارك

ففي هذه اآلية الكرمية دعوة إىل مقابلة عدل العقوبة بالعفو ، فإنه كان من مقدور أيب لكـنه اختار –رضي اهللا عنها –بكر أن ميسك النفقة على مسطح ملا قــال يف عائشة

جانب العفو ، و رغم أن املوضع هو موضع جناية و هي القذف ، إال أن يف مقابلة .جاءت اآلية يف غاية اللطف و الرفق على صلة األرحام اإلساءة قطع رحم ، فلذلك

ليكن العفو و الصفح عن املسيء كما ترجون أن يفعل اهللا بكم مـن كثرة : و املعىن و هذا يف عالقة الناس مع بعضهم ، أما فيما خيص تطبيق احلـد . )3(اخلطايا و الذنوب

، و قد أخرجه البخاري يف صحيحه ، كتاب 148: ص 12ج، الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، – )1(

. 875: ، ص 4750: رقم ..لوال إذ مسعتموه : التفسري ، باب قوله . 149: ص 12ج، الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، : نقال من – )2( . 191: ص 23ج، التفسير الكبيرالرازي ، : ينظر – )3(

Page 93: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

93

.)1(وهو إمام املسلمني سول اهللا فقد نفذ على مسطح لقيام البينة و ثبوته عند ر لكن عفو الصديق قد يكون له أثر يف ترجيح باب صلة الرحم اليت أوجبها اهللا

.صلتها ، فكان العفو يف هذه احلالة أنفع و أسلم و لذلك جند من الفروع الفقهية أن الشارع احلكيم مل يقم القصاص بني الوالد وولده و

. قد استحب العفو يف هذا املوضع حىت ال تكون العقوبة سببا لقطع صلة الرحم : قوله -2

، ) 14: التغابن ( .

هؤالء رجال أسلموا من أهل :عن ابن عباس وقد سأله رجل عن هذه اآلية قال فأبى أزواجهم و أوالدهم أن يدعوهم أن يأتوا رسول اهللا ، مكة و أرادوا أن يأتوا النبي

رأوا الناس قد فقهوا في الدين ،هموا أن يعاقبوهم ،فأنزل اهللا فلما أتوا رسول اهللا و اآلية عامة يف كل معصية يرتكبها اإلنسان بسبب األهل « : قال القرطيب ))2اآلية

. )3(»و الولد ، وخصوص السبب ال مينع عموم احلكم فهذه اآلية دلت على ترجيح العفو على العقوبة ، ألن احلال نفسه الذي تقرر يف اآلية .السابقة سرة ، و هو مقصد تتشوف إليه الشريعة فالعفو يف هذا املوضع أفضل للمحافظة على األ

اإلسالمية ، فكم من أحكام شرعت ألجل احملافظة على استمرارها و بث قيمة املودة و .الرمحة فيها

رار ،بأن احلد إمنا يثبت ببينة أو إق: مل جيلد أحد من القذفة لعائشة ، و تعليله نقل عن املاوردي أنه – )1(

. 27: ، ص سبل السالمالصنعاين ، : رد عليه بأنه ثبت ما يوجبه بنص القرآن ، نقال من و .3317: رقم ، ، كتاب التفسري ، باب و من سورة التغابن سننهلرتمذي يف أخرجه ا – )2( . 101: ص 18ج، الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، – )3(

Page 94: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

94

: قوله -3

، ) 237: البقرة . (

شطرها الفضل هاهنا أن تعفو املرأة عن« : قال جماهد و النخعي و الضحاك و الثوري ما للتقوى هو الذي يعفو .)1(»أو إمتام الرجل الصداق ، و أن أقر

و العفو داللة و قرينة على التقوى ، و كل من كان أقوى يف العفو كان أقوى يف التقوى ، باعتبار أن امليل إىل العفو ليس باألمر السهل ، و كل من كانت صفته التقوى

: ، قال تعاىل كان أكرم الناس إىل اهللا ،

) . 13: احلجرات (و انظر إىل قيمة العفو يف هذا املوضع ، وهو ال يقل قيمة عن املواضع السابقة ، ألن فيه

.جربا لآلالم و األحزان ، و البعد عن التقصي بني األزواج أن الرجل إذا تزوج باملرأة تعلق قلبها به ، حىت إذا طلقها قبل الدخول وقبل : بيان ذلك

املسيس ، حلقها من األذى حبسب ما كانت تتمىن من الزواج ، فكان ذلك سببا لألذى و .جلب األحزان من الزوج

ا ، فصار ذلك سببا و كذلك الرجل إذا كلف أن يبذل هلا مهرا من غري أن ينتفع .لألحزان و األذى

فندب اهللا تعاىل كل واحد منهما إىل العفو الذي يزيل هذا األذى و جيرب األحزان ، فندب الزوج إىل أن يطيب قلب الزوجة بأن يسلم املهر إليها بالكلية ، و ندب املرأة إىل

. 486: ص 1، ج تفسير القرآن العظيمابن كثري ، : نقال من – )1(

Page 95: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

95

.)1(ترك املهر بالكلية ن فيه داللة على عدم نسيان الفضل بينهما ،و العفو يف هذا املوضع له قيمة كبرية ، أل و فيه ترك التقصي على األزواج بعضهم بعضا ، و ترجيح جانب املساحمة فيما يستغرقه

أحدمها على اآلخر ، و ذلك للوصلة اليت وقعت بينهما و مل تكتمل ، فمن رعاية حقهما .احلرص منهما على املساحمة

الفرع الثاني نصوص السنة النبویة

على الندب و تفضيل –حبسب ظواهر داللتها –و قد دلت كثري من نصوص السنة :العفو على العقوبة من ذلك

ا زاد اهللا ـما نقصت صدقة من مال و م: قال عن النيب حديث أيب هريرة -1

.))2 عبدا بعفو إال عزا و ما تواضع أحد هللا إال رفعهشيء فيه القصاص إال أمر فيه ما رفع إلى رسول اهللا :حديث أنس قال - 2

.))3بالعفوما من رجل يصاب بشيء : يقول سمعت رسول اهللا : حديث أيب الدرداء قال -3

.) )4 من جسده ، فيتصدق به إال رفعه اهللا به درجة و حط عنه به خطيئةمحمد بيده ذي نفسـثالث و ال :قال حديث عبد الرمحن بن عوف أن النيب -4

ال ينقص مال من صدقة فتصدقوا و ال يعفو عبد عن مظلمة يبتغي بها:كنت حالفا عليهن إن

. 145: ص 6ج، التفسير الكبيرالرازي ، : ينظر – )1( . 6908: رقم ، ، كتاب باقي مسند املكثرين مسندهأخرجه أمحد يف – )2( .2682: رقم ، ، كتاب الديات سننهأخرجه ابن ماجة يف – )3( . 245: ص، 1393: رقم ،، كتاب الديات ، باب ما جاء يف العفو الجامعأخرجه الرتمذي يف – )4(

Page 96: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

96

ال زاده اهللا بها عزا يوم القيامة و إال:رفعه اهللا بها و قال أبو سعيد مولى بني هاشم اهللا إال وجه .))1 مسألة إال فتح اهللا عليه باب فقر بابعبد يفتح

و ال بد أن تفهم هذه النصوص النبوية من خالل ما تقرر يف التفصيالت الفقهية ، أن الشارع احلكيم ندب إىل العفو عند التمكني لعقوبة القصاص ، أما ما يتعلق : مبعىن

.بعقوبات احلدود ، فاألمر خيتلف اختالفا بينا عكس ما تقرر يف عقوبة القصاص حصل التمكني لعقوبة احلد حبيث قامت الشهادة الصحيحة فالذي تقرر فقها ، أنه إذا

.على ذلك أو إقرار صحيح من طرف اجلاين ، فإنه ال عفو فاملقصود أن تفهم النصوص السابقة على أن العفو جائز يف احلدود إذا كان قبل وصول

: أمر اجلاين إىل احلاكم ، و يقرر ذلك ما تضمنته ظواهر النصوص التالية فأقر عنده أربع مرات ، فأمر أن ماعزا أتي النبي يزيد بن نعيم عن أبيه عن -1

، ففيه داللة على ترجيح جانب ) )2 و قال لهزال لو سترته بثوبك كان خيرا لك برجمه .السرت و ذلك قبل الرفع إىل احلاكم

وا الحدود فيما ـافـتع : قال عن عبد اهللا بن عمرو بن العاص أن رسول اهللا - 2 . ، و داللة العفو قبل الرفع إىل اإلمام ظاهرة ) )3 بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب

اتـأقيلوا ذوي الهيئ: قال رسول اهللا : قالت –رضي اهللا عنها –عن عائشة -3 و اليت هي يف –، و قد استدل به الفقهاء يف اعتبار الشبهة ) )4 عثراتهم إال الحدود

.1584: رقم ، كتاب مسند العشرة املبشرين باجلنة ، مسندهأخرجه أمحد يف – )1( .3805: رقم ، ، كتاب احلدودسننهأخرجه أبو داود يف – )2( 4376: رقم ، كتاب احلدود ، باب العفو عن احلدود ما مل تبلغ السلطان ، سننهأخرجه أبو داود يف – )3(

. 478: ص . 478: ص، 4375: رقم ، كتاب احلدود ، باب يف احلد يشفع فيه ، السننأخرجه أبو داود يف – )4(

Page 97: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

97

.مسقطة للحدود –حمل العفو من نفس عن مؤمن كربة من كرب : قال رسول اهللا : قال عن أيب هريرة -4

الدنيا نفس اهللا عنه كربة من كرب اآلخرة ، و من ستر مسلما ستره اهللا في الدنيا و اآلخرة ، و ، و هذا احلديث قد استدل به الفقهاء ) )1 اهللا في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه

خاصة جرمية الزنا على استحباب السرت على املسلم الذي اقرتف حدا من حدود اهللا .أو جرمية شرب اخلمر قبل وصول أمره إىل احلاكم

المطلب الثالث العقوبة عند اإلثبات تطبیق ضرورة

و فيه بيان اجلانب اليت يتعني فيه ترجيح العقوبة من غري عفو ، ليدل على ضرورة إنزال

ا بطرق اإلثبات على اجلاين و وصول أمره إىل احلاكم ، و هذا العقوبة إذا حصل إثبا . يتعلق بالقسم الثاين للعقوبات اليت تسمى باحلدود

ت كل من أراد تعطـيل هذهو لقد دلت النصـوص الشرعية على ذلك ، و حذر العقوبات ، و ذكرت من التهديد و الوعيد على من عفا أو أراد أن يكون شفيعا يف عدم

.إقامة العقوبة على اجلاين الذي ثبتت يف حقه اجلرمية الفرع األول

نصوص القرآن الكریم : قوله -1

، ) 33: املائدة . (

. 4867: ، كتاب الذكر و الدعاء و التوبة و االستغفار ، رقم صحيحهأخرجه مسلم يف – )1(

Page 98: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

98

، و )1(و الذي عليه أكثر الفقهاء على أن هذه اآلية نزلت يف قطاع الطرق من املسلمني .فيه ذكر الشارع احلكيم حدا اشتهر يف الفقه حبد احلرابة

وجوب إقامة احلد على احملارب القاطع للطريق : و من األحكام اليت تضمنتها هذه اآلية من غري عفو عند التمكني و قبل التوبة ، خبالف احملارب التائب قبل القدرة عليه فالذي

.عليه الفقه أن العفو عنه جائز ينء ، فلم تعترب مل ختص شريفا من وضيع و ال رفيعا من د: و يف اآلية عموم مفاده

املكافأة يف هذا احلد ، ليدل على أن هذه العقوبة ليس هي من ضمن القصاص و إن كان .قد حصل يف هذه اجلرمية القتل املتعمد

إمجاع الفقهاء على أن عفو ويل املقتول يف احلرابة لغو ال أثر له يف: و السبب يف ذلك د على احملـارب فإن قتل يقتل حدا ، فاملسألةإسقاط العقوبة ، و على احلكام إقامة احل ليست مسألة قصاص حىت يتخري أولياء الدم بني العقوبة أو العفو ، بل املوضع ال بد أن

ترتجح فيه العقوبة ، لفساد هذه اجلرمية العظيم ، و لذلك جاء التغليظ الزائد من جهة .)2(احملاربة

القصاص ، فالقتل يف هذا األخري هو جمرد القتل ، فالقتل يف احلرابة خيتلف عن القتل يف رد القتل بل القصد منه الفساد أما يف احلرابة فقصد القتل فيها شديد األثر ، فهو ليس

.يف األرض ملا فيها من إخافة السبيل و سلب األموال و هتك األعراض حىت ولو عفا أولياء الدم فأراد الشارع احلكيم من هذه العقوبة التمكني هلا من غري عفو

، و هذا املعىن هو الذي جعل فقهاء املالكية يرون أن قتل الغيلة هو من احلرابة ، ألن قصد

. 214: ص 11ج ، التفسير الكبيرالرازي ، : ينظر – )1( . 398:ص 1، ج أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآنالشنقيطي ، : ينظر – )2(

Page 99: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

99

. القاتل قبيح شديد الفساد فال عفو فيه : قوله -2

، ) 38: املائدة . (

و القطع هنا معناه اإلبانة و اإلزالة وال جيب إال جبمع أوصاف تعترب يف السارق و يف ، و أحكام ذلك مفصلة يف أبواب )1(الشيء املسروق و يف املوضع املسروق منه و صفته

.الفقه ذكر عقوبة السارق بعد ذكر عقوبة قاطع الطريق الذي هو يف و املالحظ أن اهللا

الغالب يقطع الطريق ألجل أخذ األموال ، فهو من هذه اجلهة يشبه السـارق ، حىت أن . فقهاء احلنفية مسوا احلرابة بالسرقة الكربى

ما لكن الفرق بينهما ، أن احملارب يأخذ األموال بطريق السعي يف األرض بالفساد ، وأ السارق فهو يأخذ األموال يف اخلفية حبيث ال حترتز الناس منه عادة و يعسر و يشق عليهم معرفته ، و لذلك فرق الفقهاء بني السارق و احملارب و الغاصب و النباش ، وغريها من

.املعاين اليت تشبه السارق من جهة أخذ األموال

عن احملارب ممكن و ذلك يف حالة أن العفو: و يوجد فرق مهم خيدم املوضوع و هو توبته قبل الظفر عليه ، خبالف السارق ، فإنه حده ال يسقط بالتوبة و لو جاء تائبا قبل

و لشدة وجه التشابه بني السارق و احملارب ، وقع خالف مشهور بني بعض .القدرة عليه ارق و بني اجلمهور فقهاء الشافعية الذين قالوا بسقوط احلد بالتوبة قبل القدرة على الس

.الذين قالوا بعدم سقوط احلد بالتوبة

. 127: ص 6ج، الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، : ينظر – )1(

Page 100: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

100

و يا « :و قد أبدع ابن العريب و هو يبني السر يف ذلك رادا على فقهاء الشافعية ، قال ا من معشر الشافعية سبحان اهللا أين الدقائق الفقهية و احلكم الشرعية اليت تستنبطو

غوامض املسائل ؟

ب املستبد بنفسه املعتدي بسالح الذي يفتقر اإلمام معه إىل اإلجياف أمل تروا إىل احملار باخليل و الركاب كيف أسقط جزاءه بالتوبة استنزاال عن تلك احلالة ، كما فعل بالكافر

. يف مغفرة مجيع ما سلف استئالفا على اإلسالم

ما الذي يسقطفأما السارق و الزاين و مها يف قبضة املسلمني و حتت حكم اإلمام، ف يقاس على احملارب و قد فرقت: عنهم حكم ما وجب عليهم ؟ أو كيف جيوز أن يقال

.)1(» بينهما احلكمة و احلالة ، هذا ما ال يليق مبثلكم يا معشر احملققني ما يشرتكان يف أخذ فانظر إىل هذه املوازنة العجيبة بني السارق و احملارب ، رغم أ

ما خيتلفان يف العفو ، فاحملارب التائب يعفى عنه قبل القدرة عليه ، خبالف األموال ، إال أ .السارق التائب

: قوله -3

. )02: النور (

إقامة احلدود إذا رفعت إىل « : عنها قال جماهد يف بيان املقصود من الرأفة املنهي ليس املقصود باملنهي عنه الرأفة الطبيعية على : ، مبعىن )2(»السلطان ، فتقام و ال تعطل

. 133: ص 6ج، الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، : نقال من – )1( . 97: ص 3ج ، تفسير القرآن العظيمابن كثري ، : نقال من – )2(

Page 101: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

101

إقامة احلد ، و إمنا املقصود الرأفة اليت حتمل احلاكم على ترك احلد و تعطيله بالعفو ، فال .د اإلثبات جيوز له ذلك ، و العفو عن ذلك حمرم كما يف السرقة عن

الفرع الثاني

یةنصوص السنة النبو

و من نصوص السنة اليت دلت ظواهر داللتها على حترمي العفو عند موضع التمكني و قد جاءت داللتها - للعقوبة و إثبات اجلرم على اجلاين بعد بلوغ أمره إىل احلاكم

:ما يلي -صرحية يف ذلك

ارــبين أمرين إال اخت ما خير النبي : قالت –رضي اهللا عنها –عن عائشة - 1

أيسرهما ما لم يأثم ، فإذا كان اإلثم كان أبعدهما منه ، و اهللا ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه .) )1 قط ، حتى تنتهك حرمات اهللا فينتقم هللا

أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي : قالت –رضي اهللا عنها –عن عائشة -2 ، ، و من يجترئ عليه إال أسامة حب رسول اهللا من يكلم رسول اهللا : سرقت ، فقالوا

ها يأي: أتشفع في حد من حدود اهللا ، ثم قام فخطب ، قال : ، فقال فكلم رسول اهللا و إذا سرق الضعيف فيهم هم كانوا إذا سرق الشريف تركوهالناس ، إنما ضل من قبلكم ، أن

، و ) )2 أقاموا عليه الحد ، و أيم اهللا لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها

.6786: ،رقم ، كتاب احلدود ، باب إقامة احلدود و االنتقام حلرمات اهللا صحيحهأخرجه البخاري يف – )1( ، ، كتاب احلدود ، باب كراهية الشفاعة يف احلد إذا رفع إىل السلطان صحيحهأخرجه البخاري يف – )2(

. 6788: رقم

Page 102: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

102

قد اشتهر به االستدالل عند الفقهاء على حترمي الشفاعة و العفو يف احلد عند بلـوغ أمر . ) )1احلاكم ، ملا فيه من تعظيم أمر احملاباة لألشراف يف حقوق اهللا اجلـاين إىل

من حالت شفاعته دون حد من : سمعت رسول اهللا يقول : عن ابن عمر قال -3 . ))2حدود اهللا فقد ضاد اهللا

حد يعمل في األرض خير ألهل األرض : قال رسول اهللا : عن أيب هريرة قال -4 .) )3من أن يمطروا ثالثين صباحا

رب قال -5 كنت قاعدا مع : سمعت أبا ماجد يعني الحنفي قال : عن حيي بن اإني ألذكر أول رجل قطعه أتي بسارق فأمر بقطعه ، و كأنما أسف وجه رسول : عبد اهللا قال

و ما يمنعني ال تكونوا عونا : يارسول اهللا كأنك كرهت قطعه ، قال : قالوا : قال اهللا عفو يحب للشيطان على أخيكم إنه ينبغي لإلمام إذا انتهى إليه حد أن يقيمه ، إن اهللا

.) )4 العفو

في المسجد و توسد رداءه ، فأخذ من ام ـه نـأن : عن عبد اهللا بن صفوان عن أبيه - 6 : أن يقطع ، فقال صفـوان ، فأمر به النبي تحت رأسه ، فجـاء بسـارقه إلى النبي

فهال قبل أن تأتيني : اهللا لم أرد هذا ، ردائي عليه صدقة ، فقال رسول اهللا يا رسول . ))5به

شرحالبغوي ،: ، و ينظر 448: األحكام ، ص إحكام األحكام شرح عمدةابن دقيق العيد ، : ينظر – )1(

املكتب اإلسالمي، دمشق ،( 2، حتقيق شعيب األرناؤوط و حممد زهري الشاويش ، ط السنة . 329: ص 10، ج) 1983: بريوت

. 3123: رقم كتاب األقضية ، ، السننأخرجه أبو داود يف – )2( .4860: رقم ، ، كتاب قطع السارق السننأخرجه النسائي يف – )3( ، باب مسند عبد اهللا بني مسعود ، ، كتاب مسند املكثرين من الصحابة مسندهأخرجه أمحد يف – )4(

.3955: رقم .2585: رقم ، ، كتاب احلدود السننأخرجه ابن ماجة يف – )5(

Page 103: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

103

فهذه األحاديث كلها حممولة على ما قبل وصول أمر اجلاين إىل احلاكم أو ما يقوم مقامه ، فال عفو و ال شفاعة و ال الصلح على مال ، و قد وقع التهديد و التحذير من ذلك ، ا ال تنفعه يف إسقاط احلد عنه على رأي مجهور الفقهاء ، ألن األمر و حىت توبة اجلاين فإ

.، فال ميلك أحد من اخللق إسقاط هذا احلق البت افظة على حقوق اهللا يتعلق باحمل

المبحث الثاني العفو للعقوبة استتباع المعنى المقصود من

ا لبيان و يتبني ذلك من خالل النصوص املباشرة و هي النصوص السابقة اليت استدل ا ، كتشريع عقوبة القصاص اليت تظهر فيها ع دالة العقوبة جليا ، و من خالل العقوبة ذا

.جمموع النصوص الشرعية غري املباشرة

المطلب األول من خالل النصوص المباشرة

تبني يف املطالب السابقة أن الشارع احلكيم شرع العفو يف مقابل العقوبة ، فكلما بني

ا أتبعها بالعفو و استحسنه سواء كان األمر تعلق بعقوبة القصاص أو طبيعة العقوبة ذا .تعلق بعقوبات احلدود قبل وصول إىل احلاكم أو ما ميثله

أنه مادام الشارع ندب إىل : إىل فكرة مفادها لكن الناظر إىل األدلة السابقة قد يصل العفو يف مقابل العقوبة ، فهذا يدل على أن العفو عن اجلاين أفضل و أحسن من عقوبته

.وهذا ما أشار إليه املفسرون سابقا عند تفسريهم للنصوص املباشرة فهل هذا التوجيه ميكن تعميمها يف كل األحوال ؟

Page 104: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

104

ؤل ، ال بد النظر إىل تصرف الشارع يف هذه القضية من خالل لإلجابة على هذا التسا النصوص الشرعية املباشرة بعيدا عن التفصيالت الفقهية ، و سيتعني أخذ عقوبة القصاص كمثال لبيان ذلك باعتباره ميثل العدالة العقابية و تتحقق فيه األصول املعنوية للعقوبة،

: املعلوم فقها أن عقوبة القتل تأيت على أربعةف .كوجوب التماثل و التكافؤ و املساواة قصاصا و حرابة و غيلة و بغيا ، فاألول شرع معها العفو ، و الثاين حرم فيها العفو ،

شبها للحرابة أو للقصاص، و أما الرابع فشرع معها العفو الثالث اختلف فيه بني كونه أكثر . )1(سياسة

ا اختلفت يف العقوبة فاجلرائم املرتكبة و إن كانت تتفق يف الطبيعة اليت هي القتل ، إال أمن جهة ثانية ، دل النص الشرعي أن تنفيذ .و اختلف حكم العفو فيها ، هذا من جهة

: عقوبة القصاص حياة للبشر يف قوله

، ) ففيها ما يدل على أن إقامة القصاص يف قتل ) . 179: البقرة

ا ، حبيث إذا علم : القاتل املتعمد حكمة عظيمة الشأن ، تتجلى يف بقاء املهج و صو .)2(اجلاين أنه سوف يكون جزاءه مبثل ما فعل انكف ضرورة عن صنيعه

و يف اآلية نفسها ، ميكن أن يكون املقصود معونة الويل على قتل القاتل و متكينه منه ، ألن فيه صيـانة دمه من أن يذهب هدرا ، فإن احلياة)3(قصاصا لدفع شره عن نفسه

دار ( 3حممد خليل عيتاين ، ط: ، اعتىن به مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاجالشربيين ، : ينظر – )1(

املعارف ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائعالكاساين ، : و ينظر ، 163: ص 4ج، ) 2007: بريوت ، لبنان . 127: ص 6ج

. 357: ص 1ج، تفسير القرآن العظيمابن كثري ، : ينظر – )2( ،)م 2000: دار الفكر ، بريوت ، لبنان ( 1خليل حمي الدين امليس ، ط: ، حتقيق المبسوطالسرخسي ، – )3(

. 106: ص 26ج

Page 105: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

105

احلقيقية ال ميكن ردها ، إمنا ميكن أن ترد حياته املعنوية ، و ذلك باحرتام دمه من اهلدر و .)1(الضياع

إذن ، فقد ينعكس حكم العفو من الندب إىل الرتك يف بعض األحيان و ترجيح جانب رضي –حينما أمسعتها زينب –رضي اهللا عنها –مع عائشة العقوبة ، كما فعل النيب

.حبضرته –اهللا عنها

ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن : الت عائشة ق : فعن عروة بن الزبري قال يا رسول اهللا أحسبك إذا قلبت بنية أبي بكر ذريعتيها ، ثم أقبلت : هي غضبى ، ثم قالت و

دونك فانتصري ، فأقبلت عليها حتى رأيتها و قد : علي فأعرضت عنها حتى قال النبي .) )2 يتهلل وجهه يبس ريقها في فيها ما ترد شيئا ، فرأيت النبي

لكن يف املقابل ميكن أن يكون العفو ممدوحا عند االنتصار ، و أقصد بذلك عند متكني .أولياء الدم من اجلاين و قد مثل أمامهم لألخذ بالقصاص

ا تريد االنتقام و الزيادة يف ذلك ، حىت إذا م البغي بالظلم ، فإ فالناس عادة إذا أصا .للظامل متكنت من صاحبها فقد تزيد من ظلمها

: و لذلك ، فسر الرازي قوله ، ) أن ) 40: الشورى

فيها تنبيه على أن االنتصار ال يكاد يؤمن منه احليف و التجاوز و التشويه و التعدي القصاصخصوصا يف حال التهاب احلمية ، فرمبا صار املظلوم عند اإلقدام على استيفاء

. )3(ظاملا

. 343: ، ص لعقوبةأبو زهرة ، ا – )1( . 1971: ، كتاب النكاح ، رقم السننأخرجه ابن ماجة يف – )2( . 181: ص 27ج، التفسير الكبير :ينظر – )3(

Page 106: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

106

و لذلك ، فإن ندب الشارع للعفو يف مقابل العقـوبة ليس الزما يف كل األحوال ،

و لكن خيتلف حبسب كل جرمية و عقوبتها ، و إدراك ذلك حيتاج إىل موازنة يعرف من . خالهلا العقوبات اليت يندب فيها العفو من العقوبات اليت ال يندب فيها ذلك

الثانيالمطلب من خالل مجموع النصوص الشرعیة

النصوص غري املباشرة ، و هي النصوص اليت تضمنت جزاء اإلساءة : املقصود من ذلك عامة يف مجيع األحوال ، و قد أشري إىل بعضها يف معرض الكالم عن مشولية مالزمة العفو

.للعقوبةالعفو للعقوبة املوازنة بينهما ، وإن أن الشارع احلكيم أراد من مالزمة : و مما تقرر سابقا

فضل العفو على العقوبة فهذا ليس يف مجيع األحوال ، فهناك من األحوال ما تفضل فيها .العقوبة على العفو

و لكن بقي البحث عن املعىن الذي بنيت عليه هذه املوازنة ، و لبيان ذاك ال بد من : مقدمتني

: هذا املعىن ال بد أن يكون انطالقا من الوحدة القرآنية ، مبعىن أن فهم : المقدمة األولى .أنه هناك صلة بني جمموع اآليات القرآنية من خالهلا يفهم مقصود الشارع

أن قضية املوازنة بني العقوبة و العفو تتضح جليا من خالل النظر الكلي : المقدمة الثانية النظري للعقوبات من قصاص و حدود وتعازير للنظام العقايب ، و ليس من خالل التقسيم

ا وحدة كلية للعقوبة يف الفقه اإلسالمي .، فتدرس هذه العقوبات على أ

Page 107: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

107

فاملالحظ أن الشارع احلكيم أشار إىل بعض املعاين اليت تعترب كأساس للموازنة بني العقوبة االنتصار للعقوبة و العفو ، و من خالهلا يعرف مىت يكون العفو ممدوحا و مىت يكون

ممدوحا ، و هذا يتجلى من خالل نصوص قرآنية و نبوية أخرى غري اليت ذكرت آنفا ، و :من ذلك

: قوله -1

، )80: التوبة ( .

و اآلية فيها حسم ملادة االستغفار لقوم ال ينفعهم االستغفار هلم و هم املنــافقون ،

. )1(واملغفرة هي يف معىن العفوفالسبعني إمنا ذكرت حسما ، ألن العرب يف أساليب كالمها تذكر السبعني يف مبالغة

رضي اهللا –كالمها و ال تريد التحديد ، و قيل أن هلا مفهوم ، كما روي عن ابن عباس : اهللا فقال إنما خيرني :ملا نزلت هذه اآلية قال أن رسول اهللا -عنهما

و سأزيد على السبعين . )2( ،

: فقال اهللا تعاىل من شدة غضبه عليهم

، ) 6: املنافقون . (

فلما اشتهروا بالفسق و قد كانوا يدعون إىل العدول عن ذلك ، حكم اهللا بفسقهم ، فال م بالفسق فال عفو هلم .ينفعهم استغفارهم ، ألنه أصال قد امتألت قلو

. 165: ص 4ج، تفسير القرآن العظيمابن كثري ، : ينظر – )1(: ، كتاب التفسري ، باب قوله تعاىل صحيحهأخرجه البخاري يف – )2(

848: ص ، 4670: رقم .

Page 108: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

108

: قوله -2

، ) 16: اإلسراء . (

أمرناهم بالطـاعات ففعـلوا : ما رواه ابن جرير عن ابن عباس تفسـريا هلذه اآلية كانت إصرار و عنادا على و املخالفة اليت وقعت منهم . )1(الفواحش فاستحقوا العقوبة

. )2(الفسق ، فكانت العقوبة حق و واجب وقوعها عليهمال يعذب قوما إال بعد البيان عن بل أصبح إنزال العقاب عليهم مشروع ، ألن اهللا

: طريق الرسل ، فإن كان هناك إصرار على اجلرمية حتققت العقوبة ،لقوله

، ) و قوله ) 131: األنعام ، :

، ) و قوله ) 15: اإلسراء ، :

، ) 59: القصص . (

رغم فانظر كيف كانت العقوبة ضرورية يف موضع كان اجلـاين مصرا و معاندا على جرميته .البيان و التحذير و التهديد ، فال ريب من منع العفو عن هؤالء

)3(أن يهوديا رض و لتأكيد هذا املعىن ، ما روي من حديث أنس بن مالك -3 فعل بك هذا أفالن أو فالن ؟ حتى سمي اليهودي ، فأتى به النبي : رأس جارية ، فقيل لها

. ) )4 فلم يزل حتى أقر به فرض رأسه بالحجارة

. 57: ص 5ج، تفسير القرآن العظيمابن كثري ، : نقال من – )1( . 176: ص 20ج، التفسير الكبيرالرازي ، :ينظر – )2( . 829: ، ص القاموس المحيطالفريوزآبادي ، : الدق و الكسر ، ينظر : رض ال – )3( . 1247:ص، 6876: رقم ،، كتاب الديات ، باب سؤال القاتل حىت يقر صحيحهأخرجه البخاري يف – )4(

Page 109: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

109

مل يشرع العفو و إن كـانت العقوبة هي عقوبة و هذا النص يدل على أن الرسول القصاص ، حىت أن بعض الفقهاء يف معرض االستدالل على مذهبه ، ذهب إىل بيان

مل يقل بعفو لصاحل أولياء الدم ، على أن ذلك اليهودي احلكمة اليت من أجلها الرسول . )1(عرف بكثرة فساده و قتله للصبيان

على أن القتل باملثقل موجب للقصاص و هو ظاهر احلديث ، و و قد استدل به الفقهاء أن صيانة الدماء من اإلهدار أمر ضروري ، و القتل : هذا قوي من جهة املعىن مفاده

باملثقل كالقتل باحملدد يف إزهاق األرواح ، فلو مل جيب القصاص بالقتل املثقل ، ألدى ذلك . )2(خالف املقصود من حفظ الدماء إىل أن يتخذ ذريعة إىل إهدار القصاص و هو

رهطا من عكل أو قال عرينة ، أن و من ذلك ما روي عن أنس بن مالك -4 بلقاح و أمرهم أن يخرجوا ال أعلمه إال قال من عكل ، قدموا المدينة ، فأمر لهم النبي و

فيشربوا من أبوالها و ألبانها ، فشربوا حتى إذا برؤوا قتلوا الراعي و استاقوا النعم ، فبلغ النبي فقطع أيديهم غدوة ، فبعث الطلب في إثرهم ، فما ارتفع النهار حتى جيء بهم ، فأمر بهم . ) )3 أرجلهم و سمر أعينهم ، فألقوا بالحرة يستقون فال يسقونو لكثرة فسـادهم و لذلك قال أبـو قالبة مبينا فساد هؤالء فلم يعف عنهم النيب

م و حاربوا اهللا و رسوله «:القوم .)«)4هؤالء قوم سرقوا و قتلوا و كفروا ، بعد إميا

ملكتبة العصرية ، بريوت ا( ، حتقيق حممد الدايل بلطه سبل السالم شرح بلوغ المرامالصنعاين ، : ينظر – )1(

. 420: ص 3ج، ) 2008: . 431: ص 1ج، إحكام األحكام شرح عمدة األحكامابن دقيق العيد ، : ينظر – )2( أعني احملاربني ، كتاب احملاربني من أهل الكفر و الردة ، باب مسر النيب صحيحهأخرجه البخاري يف – )3(

. 6805: رقم . 257: ص 10ج، شرح السنةالبغوي ، : نقال عن – )4(

Page 110: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

110

: و يقول اهللا -5

، ) 18- 17: النساء . (

.بني التوبة اليت تقبل و التوبة اليت ال تقبل فانظر كيف وازن اهللا

فالتوبة قبل املوت داللة صحتها قوية ، ألن الرجاء باق ، و ألن صاحبها ترتاءى فيه إن اهللا يقبل توبة :بوادر الندم و يشتد عزمه على ترك السوء ، و لذلك قال النيب

. ) )1 العبد ما لم يغرغر

: و لقد أحسن حممود الوراق يف قوله

قدم لنفسك توبة مرجوة قبل املمات و قبل حبس األلسن

ا ذخر و غنم للمنيب احملســن ا غلق النفوس فإ بادر

ا ال تنفع العصاة بأي حال .خبالف التوبة بعد الظفر و عند املوت ، فإ

على إتيان اجلرمية و لذلك اتفق الفقهاء على أن التوبة ال تنفع اجلاين إذا قامت الشهادة

كالسرقة أو الزنا أو القذف ، فتقام احلدود من غري عفو ، خبالف إذا تاب اجلاين قبل .وصول أمره إىل احلاكم

.3537: رقم ، ، كتاب الدعوات ، باب يف فضل التوبة الجامعأخرجه الرتمذي يف – )1(

Page 111: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

111

و انظر إىل صنيع ابن عباس مع من جاءه يسأله عن توبة القاتل ، فأجابه خبالف عي عن سعد بن عبيدة أخربنا أبو مالك األشج: ، فعن يزيد بن هارون أنه قال )1(األصل

ال إال النار ، : ألمن قتل مؤمنا متعمدا توبة ؟ قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال :قال أهكذا كنت تفتينا ؟ كنت تفتينا أن لمن قتل توبة مقبولة ، : فلما ذهب قال له جلساؤه : قال .)2( ره فوجدوه كذلكفبعثوا في إث: إني ألحسبه رجال مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا ، قال : قال

و حبسب ما تبني سابقا ، فإن الذي تبني فساده و اشتهر بذلك و الذي أصر على الذنب و املعصية ، فإنه ال تنفعه توبة و األفضل عدم العفو عنه ، فقد يزيده العفو جرأة و

.ظلما

و ما جرى عليه الفقهاء بالنسبة للجـاين الذي ارتكب حدا من حدود اهللا و مل يصل

أمره إىل احلاكم ، أن يرتك العفو عنه إذا تبني إصراره على اجلرمية و مل تتبني بوادر التوبة فيه .كاشتهاره بالفساد

ر التوبة و يف مقابل ذلك جند نصوصا أخرى ترغب يف العفو على من اتضحت فيه بواد :و الندم ومل يشتهر بالفساد و إمنا هي الزلة و الفلتة ، ومن النصوص يف ذلك

: قولــــــه -1

250: ص 5، ج الجامعالقرطيب ، : األصل يف ذلك أن القاتل له توبة ، و هو مذهب اجلمهور ، ينظر – )1(

:دار إحياء الرتاث العريب ، بريوت ( 1، ط اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالفاملرداوي ، : و ينظر . 504: ص 5، ج متن اإلقناعكشف القناع عن البهويت ، : ، و ينظر 252: ص 10، ج) هـ 1419

. 435: ص 5ج، مصنفهأخرجه ابن أيب شيبة يف – )2(

Page 112: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

112

) . 136-135: آل عمران ( ، و هؤالء صدر عنهم الذنب فأتبعوه بالتوبة و االستغفار ، فلم يستمروا يف املعصية و مل

ما أصر من استغفر و لو فعله في اليوم سبعين مرة :، لقوله )1(يصروا على ذلك

)2( بل كانت العزمية قوية للتوبة ، فكان مقابل ذلك عفو من اهللا :

فرتب تعاىل بفضله و كرمه غفران الذنوب ملن أخلص يف ،

. )3(توبته و مل يصر على ذنبه و قد دلت اآليتان الكرميتان على عظم فائدة االعرتاف بالذنب و االستغفار ، قال : إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى اهللا تاب اهللا عليه )4(. :و من ذلك قول أيب سعيد أمحد بن حممد الزبريي

يستوجب العفو الفىت إذا اعرتف مبا جىن من الذنوب و اقرتف لقوله سبحانه يف املعتــرف إن ينتهوا نغفر هلم ما قد سلف

: و من ذلك قوله - 2

، ) و قد دلت اآلية على أن التوبة مقبولة من مجيـع) 110: النساء ،

. 101: ص 2ج، تفسير القرآن العظيمابن كثري ، : ينظر – )1( .3559: رقم ، ، كتاب الدعوات ، باب يف دعاء النيب عن أيب بكر يف اجلامع يذأخرجه الرتم -)2( . 165: ص 4ج، الجامعالقرطيب ، – )3( لشهادات ، باب تعديل النساء ، كتاب ا -عن عائشة رضي اهللا عنها صحيحهأخرجه البخاري يف – )4(

.2661: بعضهم بعضا رقم

Page 113: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

113

. )1(الذنوب ، سواء كان كفرا أو قتال أو غصبا لألموال

: و قوله -3

، ) فاالستغفار و إن وقع من الفجار يدفع به ضرب من ) . 33: األنفال ،

. )2(الشرور و األضرار

: و قوله -4

، ) ا ) 38: األنفال ، و هذا من لطائف سبحانه و تعاىل من

على خلقه ممن ارتكب الكفر و املعاصي و املآمث ، فلو كان ذلك يوجب املؤاخذة هلم ، ملا . استدركوا أبدا توبة ، فيسر اهللا هلم قبول التوبة عند اإلنابة و االستغفار

: و قوله -5

، ) 54: األنعام ( .

جمموع النصوص اليت ذكرت سابقا ، أن الشارع احلكيم قصد من فالذي يتحصل من لألحزان و تقوية صلة الرحم ، وكان اتفضيل العفو على العقوبة ، إذا كان يف العفو جرب

املعفى عنه من التائبني النادمني ، مل يشتهر بالفساد أو بالفجور أو مل يكن من املصرين و فإن العقوبة عليه واجبة و من األحسن ترك العفو املعاندين ، خبالف من كان ذلك دأبه

. 37:ص 11ج، التفسير الكبيرالرازي ، : ينظر – )1( . 288: ص 7ج، الجامعالقرطيب ، : ينظر – )2(

Page 114: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

114

عنه ، فهذه املعاين هي يف حقيقتها متثل مبدأ عاما للفقيه للموازنة بني العقوبة و العفو، و . معرفة مىت يكون العفو أفضل و مىت تكون العقوبة أوجب

Page 115: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

115

Page 116: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

116

المبحث األول االجتهاد الفقهي

و فيه ذكر أدلة املوازنة بني العقوبة و العفو من خالل ما تقرر عند الفقهاء من م الفقهية هلذه االجتهادات م ، و توجيها .اجتهادا

و قبل بيان ذلك ،كان من الالزم أن نبني بعض اإلشكاالت الفقهية و األصولية اليت الفقهية ، وأثارت فكرة املوازنة بني متثل املنطلقات املبدئية واليت بنيت عليها التوجيهات

. العقوبة و العفو

المطلب األول و الفقهیة اإلشكاالت األصولیة

وقع الفقهاء يف إشكاالت جاءت على صورة اخلالف الفقهي يف مسائل شىت تتعلق بالنظام العقايب ، خاصة يف املسائل اليت وقع فيها التخيري بني العقوبة و العفو أو مما هو يف

.حمل العفو كالشبهة و غريها ال يعد من و قبل أن يكون اإلشكال ذا صبغة فقهية ، فإن علماء األصول ذكروا إشكا

. أصول األحكام كلها تتعلق باملوضوع الفرع األول

اإلشكاالت األصولیة

هناك إشكال عام ذكره علماء أصول الفقه يف معرض بيان فائدة النسخ ، يدخل من ضمن قواعد الرتجيح العامة عند موضع التعارض أو التساوي ، و قد بنيت على طرفيه

Page 117: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

117

.النظام العقايب أصول األحكام من بينها أحكام و هناك إشكال خاص يتعلق مبوضوع املسألة نفسها ، يدخل ضمن البحث عن أولوية

.العفو أو العقوبة أن املالحظ أن الشارع احلكيم تنوعت أحكامه بني : و مفاده : اإلشكال األول -

، و التخفيف و التشديد ، فقد يذكر احلكم و ينص على التخفيف أو ينص على التشديد .هذا أمر فيه بيان من الشارع

لكن قد يأيت من األحكام اليت بنيت على التخيري ، و مل يبني فيه الشارع إرادة التخفيف أو التشديد ، أو أن احلكم دار بني ما يقتضي التخفيف و ما يقتضي التشديد ، فأيهم

يقدم ، هل األخف أم األشد ؟ :فهنا اختلف العلماء بني فريقني أن : فريق أخذ باألخف من خالل االسرتشاد باألصول العامة يف التشريع ، مفاده - 1

األمر الذي لم ينص على حكمه ، إذا دار بين ما يقتضي التشديد على الناس و بما يقتضي . التخفيف عليهم ، يرجح جانب التخفيف

: و استدلوا على ذلك بقوله

) 78: احلج ( : ، و قوله ) 185: البقرة (

و ظـاهر النصني على إرادة التيسـري و التخفيـف ، و األشد يدل على إرادة العسر . )1(والتشديد فيكون ذلك خالف النص فال جيوز

الضرر يــزاللذلك القواعد الكربى اليت اشتهرت بني العلماء ، كقاعدة و يشهد

دار الكتاب العريب ،( 3حممد املعتصم باهللا البغدادي ، ط: حتقيق ، كشف األسرارالبخاري ، : ينظر – )1(

. 353: ص 3، ج) م 1997: بريوت

Page 118: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

118

. )1(دفع أعظم المفسدتين بأدناهماوقاعدة و ألن العمل على األشد أبعد يف املصلحة ملا فيه من إضرار يف حق املكلفني ، فالطباع

. )2(البشرية متيل إىل األسهل أكثر من ميلها إىل األشد فريق أخذ باألشد ، باعتبار أن الرمحة قد تكون باألشد أكثر من األخف ، ألن فيه -2

ال يضيع عمل عامل ، فتكثري الثواب يف األشد يصريه خفـيفا تكثري للثواب و اهللا . )3(على العامل يسريا عليه ملا يتصور من جزالة اجلزاء

: من األخف ، لقوله و قد يكون العمل باألشد منه اخلري أكثر

) 216: البقرة ( .

ا بنيت على السهولة ، فذلك وهذا اخلالف ال ينفي قضية اليسر يف الشريعة و على أمقرر باالتفاق ، و هي خاصية ال تنفك عن التشريع العام ، و إمنا اخلالف مرده النظر إىل

.بناء األحكام على التوسط و االعتدال كيم وازن بني التشديد و فقد لوحظ من خالل استقراء األحكام الشرعية ، أن الشارع احل

التخفيف ، فلم جيعل األحكام كلها مبنية على التشديد ، و يف املقابل روعي .اجتناب التخفيف الذي يؤدي إىل التحلل من األحكام

. 41: ص 1ج، ) 1991: دار الكتب العلمية ، بريوت ( 1، ط األشباه و النظائرالسبكي ، : ينظر – )1( دار الكتاب العريب ،( 2سيد اجلميلي ، ط: ، حتقيق اإلحكام في أصول األحكاممدي ، اآل : ينظر – )2(

. 151: ص 3، ج) م 1986: بريوت دار الفكر ،( حممد سعيد البدري :، حتقيق إرشاد الفحول إلى تحقيق علم األصولالشوكاين ، : ينظر – )3(

:دار الفكر ، بريوت ( األحكاماإلحكام في أصول و ابن حزم ، : ، و ينظر 314: ص ) 1992: بريوت .بعدها وما 366: ص1، ج) م 2007

Page 119: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

119

أن الشارع احلكيم خري هذه األمة عن باقي األمم : ووجه عالقة هذا اإلشكال باملوضوع السابقة بني العفو و القصاص ، و هذا التخيري كان من باب التخفيف على هذه األمة يف

: قوله ) بالعفو ، باعتبار أن األخذ ) 178: البقرة

هو األخف و أن األخذ بالقصاص هو األشد ، و قد تقرر سابقا أن الندب للعفو من طرف الشارع ال يلزم أولويته ، بدليل أن الشارع قد أشار إىل أفضلية األشد الذي هو

: يف قوله القصاص،

.على الفقهاء ضبط مواطن العفو فكان ،) 179: البقرة (

هو و تدخل ضمن صلب املوضوع مباشرة و من اإلشكاالت اليت: اإلشكال الثاني - ما ذكره الشوكاين ، أنه هناك خالف وقع بني العلماء يف بيان األوىل للمظلوم ، هل العفو

عن ظامله أو الرتك ؟

:فذكر أن يف املسألة فريقان

فريق رجح العفو ، ألن الشارع إمنا ندب إىل العفو ملا فيه مصلحة راجحة على -1 مصلحة االنتصار من الظامل و اإلنصاف منه ، و ألن العايف له من األجر من ظامله فوق ما

.يستحق من العوض عن تلك املظلمة

معرفة ما هو األنفع من الناحية العامة ، هل هو فريق رجح الرتك ، و ذلك لعدم -2 األخذ بالظامل أم أجر العفو ؟

غايـة هــذا عـدم اجلــزم بأولويـة العفــو ال اجلـزم بأولويــة الــرتك « « : فأجـاب الشــوكاين مبـا يلــي الـــذي هـــو الـــدعوى ، مث الـــدليل قـــائم علــــى أولويـــة العفـــو ، ألن الرتغيـــب يف الشـــيء يســــتلزم

Page 120: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

120

حـط اخلطيئـات و على أنـه مـن موجبـات رفـع الـدرجات ما إذا نص الشارعراجحيته ، وال سيو زيــادة العــز كمــا وقــع يف أحاديــث البــاب ، و حنــن ال ننكــر أن للمظلــوم الــذي مل يعــف عــن ظالمتــه عوضــا عنهــا ، فيأخــذ مــن حســنات ظاملــه أو يضــع عليــه ســيئاته ، و لكنــه ال يســاوي

العفــو و اإلرشــاد إليــه و الرتغيــب فيــه يســتلزم ألن النــدب إىل .األجــر الــذي يســتحقه العــايف اء إليـه ذلك ، و إال لزم أن يكـون مـا هـو بتلـك الصـفة مسـاويا أو مفضـوال ، فـال يكـون للـدع

أو يكـون مضـرا بالعــايف علـى فـرض أن العفـو مفضـول ، ألنـه كــان فائـدة علـى فـرض املسـاواة .)1(».طل فامللزوم مثله سببا يف نقصان ما يستحقه من عوض املظلمة ، و الالزم با

و إجابــــة الشــــوكاين ال تــــدل علــــى أولويــــة العفــــو ، ألن الــــرد كــــان لبيــــان مغالطــــة اخلصــــم ، باعتبــار أن املســألة ليســت مســألة تــرك العفــو مجلــة ، ألنــه تقــرر شــرعا نــدب العفــو يف مقابلــة

العقوبة ، و إمنا املسألة بيان األولوية هل العقوبة أم العفو ؟ ذكر العـز بـن عبـد السـالم مـن جـنس هـذه املسـألة ، مـن خـالل الـرد علـى مـن تـرك و قد -

حــىت ال : العفــو مجلــة و ذهــب إىل أنــه ينبغــي أن ال يعفــو عــن الظــامل ، و الســبب يف ذلــك و هــو بعيــد عــن القواعــد ، ألن « :فقــال جيــرتئ الفســاق و الظلمــة علــى املظــامل و احلقــوق ،

و ألن العفـو .و يرتدع عن الظلـم و ال سـيما ظلـم املعـايف الغالب ممن يعفى عنه أنه يستحيال يـــؤدي إىل اجلـــرأة غالبـــا ، إذ ال يعفـــو مـــن النـــاس إال القليـــل ، و قـــد مـــدح اهللا العـــافني عـــن

: النــــاس ، وهــــو عفــــو حيــــب العفــــو ، و قــــد رغــــب يف العفــــو بقولــــه

، ) 2(») 40: الشورى(.

. 34: ص 7، ج نيل األوطارالشوكاين ، – )1( )لبنان دار املعارف ،( حممود بن التالميد الشنقيطي : ، حتقيق قواعد األحكام في مصالح األنامابن عبد السالم ، – )2(

. 162: ص 2ج

Page 121: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

121

و ال زالـــت املســـألة مل تفصـــل بعـــد ، ألن مـــا ذكـــره العـــز هـــو تقريـــر نـــدب العفـــو و فضـــله ال .بيان أولويته

و ذكـــر الـــبعض أن الشـــارع ملـــا أثبـــت التخيـــري بـــني إقامـــة القصـــاص و بـــني أخـــذ الديـــة أو - العفو جمانا ، فمن األحسن قتـل القاتـل ، ألنـه رادع لغـريه ، فيتحقـق بـذلك مـا قصـده الشـارع

: من قوله

). 179:البقرة (

و رد علـى القـول أنـه لـو كـان احلـد شـرع للـردع فقـط ، مل يشـرع العفـو عـن القاتـل ، فتشــريع العقوبـــة ال يقصـــد منهـــا الـــردع فقـــط ، فقـــد يقصـــد منهـــا التأديـــب ، و ميكـــن أن حيصـــل ذلـــك

.)1(بالعفو

الفرع الثاني

یةاإلشكاالت الفقه

و هي تدخل من باب اخلالف الفقهي يف مسائل تتعلق باملوضـوع ، لكـن يف نفـس الوقـت هي إشكاالت ، ألن األمر يتعلق حبفـظ مـا قصـد الشـارع حفظـه مـن نفـس أو عقـل أو نسـل ــا احليــاة ، فقــد يتحقــق ذلــك بــالعفو أو قــد يتحقــق أو عــرض أو مــال ، و هــذه أمــور تقــوم

.بالعقوبة

:و من ذلك

1ج، ) هـ 1379: دار املعرفة ، بريوت ( ، فتح الباري شرح صحيح البخاريالعسقالين ، :ينظر – )1(

. 68: ص

Page 122: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

122

اختالفهم يف عفو املقذوف عن القاذف قبل الوصول إىل اإلمام أو بعده ، فهناك من -1

.يرى جواز العفو و هناك من يرى عدم جوازه

كذلك اختالفهم يف قضية الشبهة اليت تسقط العقوبـة ، فهنـاك مـن يتعلـل علـى سـقوط -2 قوية حىت تسقط العقوبة احلد بقوة الشبهة ، يف املقابل يرى اخلصم أن هذه الشبهة ليست

و هــل التوبــة تســقط احلــد أم ال ؟ فــاختلفوا فهنــاك مــن يــرى أن التوبــة بــادرة مــن بــوادر -3 استجالب الرمحة و العفو و هو دأب الشارع يف عدم معاقبـة التائـب ، و الـبعض اآلخـر يـرى

ا حق اجلماعة .خالف ذلك ، باعتبار التوبة تنفع صاحبها ، و العقوبة يتعلق

و هــذا االخــتالف يف حقيقتــه مــؤثر جــدا ، ألنــه يتعلــق مبــا حيفــظ احليــاة و قوامهــا مــن العــدم وقــد يلحــق بــالنفس األثــر الكبــري و الضــرر الشــديد عليهــا ســواء كــان خمــرج اخلــالف العفــو أو

.تأكيد العقوبة

ب العفـو و كذلك اختلف الفقهاء يف قضية السرت ، باعتبـار أنـه فيـه داللـة لرتجـيح جانـ -4 علــى العقوبــة ، و ذلــك يف بيــان األفضــلية فهــل األفضــل الســرت أم الشــهادة و اإلقــرار بالعقوبــة

؟

.و ذلك من جهتني ، من جهة اجلاين نفسه ، و من جهة إقامة الشهادة

، فقـد اختلـف الفقهـاء يف بيـان األفضـل لـه يف ذلـك هـل السـرت : من جهة الجاني نفسـه -أ باجلرمية ؟أم اإلقرار

فمنهم من يرى أن السرت أفضل ، بل يندب له سرت نفسه و يلزمها التوبة وال يرفع -1 أمره إىل احلاكم ، وال يكشف ألحد كائنا من كان ، ألن ذلك يدخل من جانب إشاعة

Page 123: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

123

: الفاحشة اليت نبه إليها الشارع بالوعيد قال

،

.) 19: النور (

أيها :و من جهة أخرى فإنه هتك لسرت اهللا تعاىل و جماهرة باملعصية ،لقوله الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود اهللا ، من أصاب من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر

كل أمتي :، و قوله ) )1اهللا ، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب اهللا معافى إال المجاهرين ، و إن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عمال ثم يصبح و قد ستره

يافالن عملت البارحة كذا و كذا ، و قد بات يستره ربه و يصبح يكشف ستر اهللا : فيقول اهللا .))2عليه

و الشارع احلكيم يتشوف إىل السرت على املؤمن و عدم فضحه ، فإن احلدود و إن كانت ما مل يثبت و مة املؤمن ما مل جياهر باملعصية لن تشرع إال للتطبيق ، إال أن الشارع غلب حر

.)3(ذلك عند احلاكم و لذلك جند بعض الفقهاء أحب السرت يف احلدود و إن كان ذلك خيالف الزم املذهب

ومة ـو األفضل للمقذوف أن يرتك اخلص« : كالكاساين و هو حنفي املذهب ، فقال ، رغم أن اخلصــومة يف املذهب شرط ، إال أن )4(»ألن يف ذلك إشاعة للفـاحشة

.مال إىل تركها ترجيحا لألفضل و هو السرت الذي حيمل معاين العفو لكاساينا

.سبق خترجيه – )1( .سبق خترجيه – )2( عمادة البحث العلمي( 1، ط القواعد و الضوابط الفقهية المتضمنة للتيسيرعبد الرمحن بن صاحل ، – )3(

. 672:ص 2ج، ) 2003: باجلامعة اإلسالمية ، املدينة املنورة . 516: ص 5، ج بدائع الصنائع، الكاساين – )4(

Page 124: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

124

و البعض اآلخر قال بأفضلية اإلقرار ترجيحا جلانب العقوبة ملا وجد من اآلثار -2 توبة ماعز و الغامدية ، الصحيحة و هي غاية يف البيان و اليت جاء فيها مدح النيب

لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة : عز فقال عن توبة ما وما ذكره النيب لقد تابت توبة لو تابها صاحب :، و عن توبة الغامدية فقال ))1لوسعتهم

لقد تابت توبة لو قسمت :، و عن امرأة من جهينة فقال )3( لغفر له )2(مكس .) )4 بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم

و هل وجدت توبة أفضل من أن جادت : اإلشكال مجلة فقال بل قد رفع النيب . ))5 بنفسها هللا تعالى

فدل ذلك كله على أن االعرتاف بالذنب ليقام احلد أفضل من االستتار ، و إن كان . )6(السرت مباحا

فقد وقع إشكال بني الفقهاء يف بيان األوىل بني إقامة : من جهة إقامة الشهادة -ب .الشهادة على اجلاين أو السرت عليه و ذلك عند تقادمها

فالذي عليه الفقهاء أن هذه القضية حممولة على التخيري ، بني إقامة الشهادة حسبة هللا . )7(تعاىل ، أو اختيار جانب السرت الذي هو مندوب إليه

. 3207: رقم ، ، كتاب احلدود الصحيحأخرجه مسلم يف – )1( . 220: ص 6ابن منظور ، لسان العرب ، ج: غري حق ، ينظر باجلباية تؤخذ : املكس – )2( . 3208: رقم ،، كتاب احلدود صحيحهأخرجه مسلم يف – )3( . 3209: رقم ، ، كتاب احلدود صحيحهأخرجه مسلم يف – )4( .التخريج نفسه – )5( . 151: ص 8ج، المحلىابن حزم ، : ينظر – )6( ،) 2000: دار الفكر ، بريوت ( رد المختار على الدر المختار شرح تنوير األبصارابن عابدين ، : ينظر – )7(

. 71:ص7ج

Page 125: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

125

ا بعض الفروع و قد كان الختيار أحد طريف املسألة يف هذه القضية قويا ، ترتب عليه الفقهية اليت ستذكر من خالل هذا البحث ، كقضية تقادم احلدود و قضية شرط اخلصومة

.فيها ا من و املالحظ من خالل تتبع فروع املسألة ، أن الفقهاء احتاطوا فيها كثريا ، أل

ا البلوى ، فقد يكون يف اختيار السرت على اجلاين مضار كثرية ، و يف املسائل اليت تعم املقابل قد يكون يف اختيار إقامتها حصول ما خيالف مقصود الشرع منها ، فقد تتخذ الشهادة ذريعة إلفشاء عيوب الناس و كسر شوكة ذوي اهليئات منهم ، و يف ذلك ظلم و

. إشاعة للفاحشة بعيدة عن مقصود الشارع امتها ، ألن يف ذلك فقد دلت النصوص الشرعية حبسب ظواهرها على اختيار جانب إق

: ، كقوله إقامة حلدود اهللا ) و قوله ) 02: الطالق ،

:

: ، و قوله ) 140: البقرة (

) قوله و ،) 283: البقرة

. ) 282: البقرة (

كحديث عبد اهللا بن عمر أنيف املقابل دلت نصوص أخرى على استحباب السرت ،

المسلم ال يظلمه و اليسلمه ، و من كان في حاجة أخوالمسلم : قال رسول اهللا يوم القيامة اتكان اهللا في حاجته و من فرج عن مسلم كربة فرج اهللا بها عنه كربة من كرب أخيه

. ) )1 ، و من ستر مسلما ستره اهللا يوم القيامة

، كتاب -رضي اهللا عنهما –من حديث عبد اهللا بن عمر صحيحهأخرجه البخاري يف – )1( .2262: املظامل و الغصب ، رقم

Page 126: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

126

و النصوص يف ذلك كثرية ، حىت أضحى عند الفقهاء أنه جيب على من أمل مبعصية أن يسترت و ال يفضح نفسه كما تقرر سابقا ، و جاز للشاهد أن خيتار جانب السرت بل هو

، و ذلك ملا الحظوه يف تشريع أحكام الشهادة املبنية على االحتياط الشديد )1(األفضل فلم يقبل يف الزنا إال أربعة شهداء و قبل يف القتل اثنني ، و عند املقارنة فإن الدماء أعظم

و حىت يف حتقيق احلد عند .من ذلك كله ، لكن املقصود الذي علمه الفقهاء كان السرت قهاء ضبطوا كالم الشاهد حىت ال يقع يف اخلطأ و التقدير ، و ألزموه الشهادة ، فإن الف

ا كما هو احلال يف الزنا و السرقة و التفصيل يف ألفاظ القذف ، بدقة األلفاظ اليت يشهد فاأللفاظ يف موضع الشهادة أوضاع شرعية و ال يقصد منها األلفاظ اللغوية ، كحال من

تفريق بني ما أخذ من حرز أو أخذ من غري حرز ، و ظن مطلق األخذ يف السرقة من غري .بني ما أخذ غصبا أو أخذ مغالبة أو جماهرة

لكن املالحظ أن الشارع احلكيم كما حبب السرت أوجب الشهادة يف مواضع منها ، بذلك قضية املالعنة ، فلم حيرج الزوج املالعن يف البينة و خري يف أميانه و مل جيب عليه حد

لشدة الف ما هو مقرر يف حد القذف ، فإن الشهادة فيه آكدة للوجـوب و ذلك، خب . )2(حاجة العبد يف الذب عن نسبه و صون عياله و فرشه عن أسباب االرتياب

المطلب الثاني التوجیهات الفقهیة لهذه اإلشكاالت

إن اإلشكاالت السابقة كانت دافعا قويا ملعرفة مىت تكون العقوبة أفضل و مىت يكون ين عليه ، و حىت العفو أو ما يدل عليه أحسن ، حىت ال يقع الظلم على اجلاين أو ا

. 122: ص 8ج ، البناية شرح الهدايةالعيين ، : ينظر – )1( . 45: ص 10ج ، الذخيرةالقرايف ، : ينظر – )2(

Page 127: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

127

.يتحقق مع ذلك العدالة العقابية فق مع مقصود الشارع فكان من الضروري حترير حمل النزاع عن طريق توجيه املسائل مبا يتوا

.من العقوبة أو من العفو ، و إجياد خمرج هلا يناسب هذا املقصود

اعتبار مبىن أصول األحكام و : و الظاهر أن هذه التوجيهات الفقهية روعي فيه اعتباران .اعتبار جسامة الضرر

الفرع األول

مبنى أصول األحكام على التوسط و االعتدال

يني و الفقهاء باالتفاق و ذلك من خالل استقراء األحكام الشرعية ، املقرر عند األصول

، بعيـدا عن التشديد الذي يصل إىل حد املشقة )1(اها على التوسط و االعتدالـمبنأن

.واهلالك ، و بعيدا عن جانب التيسري الشديد الذي يصل إىل حد التحلل من األحكام

ذه اخلاصية ، فكان من و لقد صبغت مجيع أقوال الفقهاء عند موضع الفتوى م أن املفيت خيتار عند اإلفتاء التوسط ، ألنه من جنس األخذ بالرفق و هو األوىل : تقريرا

مالحظ يف مجيع أبواب الفقه ، باعتبار أن ذاك جيري جمرى الشريعة ، ذاو األحرى ، و هشريعة جارية يف التكليف مبقتضاها على الطريق الوسط األعدل ، ال« : يقول الشاطيب

األخذ من الطرفني بقسط ال ميل فيه ، الداخل حتت كسب العبد من غري مشقة عليه و ال . )2(»احنالل ، بل هو تكليف جار على موازنة تقتضي يف مجيع املكلفني غاية االعتدال

. 124: ص 2ج ، الموافقاتالشاطيب ، : ، وينظر 831: ص، حجة اهللا البالغة، الدهلوي : ينظر – )1( . 124: ص 2ج، الموافقات، الشاطيب – )2(

Page 128: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

128

: مسلكني و االعتدال و التوسط حممول على اجلمع بني ، و قد جاء فيه من الرتهيب و التقريع ما حيمل النفوس على الردع مسلك الحزم: أحدها

: ، و هو مالحظ يف قوله

) التساهل يف األمور اليت شدد فيها ، فال ينبغي ) 229: البقرة

الشارع ، ألن يف ذلك إضاعة لألحكام الشرعية ، و هذا مالحظ يف أحكام العقوبات كاحلدود و القصاص ، فقد جاءت حتمل من التغليظ ما ال جيوز التساهل فيها خاصة عند

لقصاص أنه ال يراعى يف ا: إثبات اجلرم على اجلاين ، و من مجلة األحكام اليت تقررت الظروف املخففة ، فإذا وجبت باإلقرار أو قيام البينة اقتص منه ، وال يراعى يف ذلك الزمن ، فتقام العقوبة يف الربد الشديد و احلر الشديد ، باعتبار أن املقصود من ذلك التلف الذي

.هو القتل ، و مثله الرجم يف احلدود ى الفضل و اإلحسان أو ما يدخل يف ، و فيه محل الناس عل مسلك التخفيف: ثانيها

معىن العفو عامة ، و لذلك عمدت الشريعة إىل تغري األحكام من الصعوبة إىل السهولة يف : األحوال العارضة لقوله

) و شرعت مع التغليظ ما يدعو إىل التخفيف كمالزمة العفو ) 173: البقرة ،

: للقصاص لقوله ) و تشريع العفو ) 178: البقرة ،

و قد مييل الشارع إىل التشديد أو مييل .مع القصاص كان من أوجه التخفيف هلذه األمة إىل التخفيف ، و هذا أمر ليس خمالفا ملبىن االعتدال و التوسط ، فإنه إذا كان هناك ميل

Page 129: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

129

إىل طرف التشديد أو التخفيف ، فذلك جيري يف مقابلة واقع اقتضى التشديد يف موضع .)1(الشدة أو التخفيف يف موضع التخفيف

ذا مال إىل التشديد و التخويف و التهديد ، فذلك كان يف رع إفالحظ الفقهاء أن الشا مقـابلة من غلب عليه االحنالل و الفسـاد و الفجور يف الدين ، حىت أضحى ذلك

.بلغ حد الشهرة بذلك ديدنه و

و إذا مال إىل التخفيف و الرتخيص و الرتغيب ، فذلك يف مقابلة من غلب عليه .بوادر التوبة و اإلنابة الصالح ، و قد اتضحت فيه

الفرع الثاني

جسامة الضرريف املواضع اليت أقامها الشارع على -تبني للفقهاء أن تفضيل العفو على عدالة العقوبة

هو من - التخيري كما هو مقرر يف عقوبة القصاص أو ما قبل اإلثبات يف عقوبات احلدود .باب اإلحسان و الفضل ، و ليس من باب األولوية

ظر إىل ما يـؤول إليه كل من العفو أوو إمنا أولوية العفو أو العقوبة تكون حبسب الن .العقوبة من ضرر ال يتحقق معه مقصود الشارع من العقوبات

: و من مجلة عبارات الفقهاء يف ذلك ما جاء يف كتاب اإلنصاف للمرداوي ، قوله

ما يكون اإلحسان و الثانيالغاية و هو العدل بني الناس ، أحدها: العدل نوعان « أفضل منه ، و هو عدل اإلنسان بينه و بني خصمه من الدم و املال و العرض ، فإن

. 128: ص 2ج، الموافقاتالشاطيب ، : ينظر – )1(

Page 130: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

130

و اإلحسان هنا أفضل ، لكن هذا اإلحسان ال . استيفاء حقه عدل و العفو إحسان منه ضرر ال حيصل بالعفو ضرر ، فإذا حصل يكون إحسانا إال بعد العدل ، و هو أن

.)1(»لنفسه من العايف كان ظلما

و بعد تتبع القضايا الفقهية اليت تتعلق مبسألة بيان أولوية العفو أو العقوبة ، و جد أن تصرف الفقهاء فيها كان مبنيا على النظر يف الضرر الذي يرتتب عن العفو ، ألن العقوبة

.هي األصل ، باعتبار أن كل جناية يرتتب عليها عقوبة

أولوية ترك العفو يف املواضع اليت يكون فيها العفو مشروعا ، إذا فلوحظ أن الفقهاء قالوا ب :حتقق منه أحد الضررين

.إذا كان املعفى عنه جماهرا بالسوء و قد اشتهر عند عامة الناس بذلك : أحدهما

.إذا كان يف العفو ظهور فساد عام يعم مجيع املسلمني : الثاني

يتعلق بالنظر إىل حال اجلاين ، و قد أشار الفقهاء إىل و هو : بالنسبة للضرر األول - تفصيل حال اجلاين يف كثري من فروعهم الفقهية و ذلك يف املواضع اليت جيوز فيها العفو ،

.سواء كان يف القصاص أو قبل الوصول إىل احلاكم بالنسبة للحدود أو بالنسبة للتعزيرات : و لقد فسر القرطيب قوله ) الشورى :

أفضل ، و هو ) العقوبة ( يدل ظاهره على أن االنتصار يف هذا املوضع « : ، بقوله ) 39م كانوا يكرهون للمؤمنني أن يذلوا أنفسهم فتجرتئ حممول على ما ذكره إبراهيم النخعي أ

:الرتاث العريب ، بريوت ، لبنان دار إحياء ( 1، ط اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالفاملرداوي ، – )1(

املكتب( مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهىالرحيباين ، :ينظر ، و 5:ص10ج،) هـ 1419 . 58: ص 6ج، ) 1961: اإلسالمي ، دمشق

Page 131: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

131

و أصر على ذلك ، و املوضع املأمور فيه بالعفو إذا عليهم الفساق ، فهذا فيمن تعدى .)1(»كان اجلاين نادما مقلعا

عفو حيب العفو عن أصحاب العثرات و الزالت من إن اهللا « : و قال ابن عبد الرب اهرين املعروفني بفعل املنكرات و املداومة على ارتكاب الكبائر ذوي اهليئات دون ا

)2(»املوبقات ، فهؤالء واجب ردعهم و زجرهم بالعقوبات .

و قد استثىن الفقهاء من استحباب ترك الشهادة و السرت على املسلم من عرف بالفجور و املتهتك الذي يشيع الفاحشة بني الناس و يفتخر بذلك ، فالسرت هنا ليس مبرغب فيه و ال مباح ، و الشهادة هنا أوىل من السرت ، ألن املطلوب إجالء األرض من هؤالء العصاة حىت يتحقق الردع فيهم ، و ألن كثرة السرت عليهم من املهاودة على املعاصي و مصافاة

. )3(أهلهافقد يتحقق العفو عن اجلاين فساد كبري يلحق الضرر : و أما بالنسبة للضرر الثاني -

مبجموع األمة ، كالعفو عن قاتل الغيلة أو العفو عن الباغي الذي كثر فسـاده ، و إن . كان هناك اختالف بني الفقهاء يف توجيه املسألتني

أن القتل فيه: فقتل الغيلة عند فقهاء املالكية حرابة ، و هلم يف ذلك توجيه قوي مفاده

ليس لثائرة و ال عدوان ، وإمنا القتل فيه كان غرضه اإلفسـاد كاحملارب، و ألنه قتل

. 29:ص 16ج، جامع األحكامالقرطيب ، – )1( . 13: ص 8ج، ذكاراالستابن عبد الرب ، – )2( مواهب الجليل احلطاب، : و ينظر ، 70: ص 7ج، رد المختار على الدر المختارابن عابدين ، : ينظر – )3(

. 417: ص 8ج، منح الجليل شرح مختصرليش ، ع : و ينظر 164: ص 6ج، مختصر خليللشرح

Page 132: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

132

. )1(خفية و فيه من اخلدعة ما يشق االحرتاز منه ، فال عفو فيه

، فال عفو فيهما لفسادمها العظيم على )2(الزنديق و كذلك الشأن يف قتل الساحر و . األمة

فإذا حتقق أحد الضررين ، فإن العقوبة تكون أوىل من العفو ، خبالف ما إذا جاء مقلعا عن الذنب و قد اتضحت أحوال توبته أو اشتهر بالصالح ، فهذا األفضل أن يعفى عنه و

الخطأ في نفي العقوبة أولى من الخطأ في إن« : هذا الذي يقصده علماء األصول بقوهلم . )3(» تحقيقها

أن ذنبا أوله هفوة و آخره توبة ، حلقيق أن ال يكون على « : و قد نقل عن املأمون قوله .)4(»مثله عقوبة

أن و هناك من املواضع يكون فيها العفو أوىل من العقوبة و من األحسن تركها ، و هو إحلاق ضرر عام ، املتمثل يف إشاعة الفاحشة أو قطع صلة رحم، يكون يف تطبيق العقوبة

.وهو خالف مقصود الشارع

ذه املسألة ، بل هذه القضايا و لذلك احتاط الفقهاء يف موضع اخلالف الذي يتعلق هي اليت استوجبت املوازنة بني العقوبة و العفو مثل حد القذف ، فإن فيها خالف يطول

. 233: ص 6ج، مواهب الجليلاحلطاب ، : ينظر – )1( . 33: ص 12ج، الذخيرةالقرايف ، : ينظر – )2( عبد الرمحن اجلبريي ، عوض القرين ، أمحد: ، حتقيق التحبير شرح التحرير في أصول الفقهاملرداوي ، – )3(

.4199: ص 8ج، ) 2000: مكتبة الرشد ، الرياض ( سراح إبراهيم يوسف ، مصطفى: ، حتقيق السياسةتهذيب الرياسة وترتيب أبو عبد اهللا القلعي ، : نقال من – )4(

. 113: ص 1ج، ) مكتبة املنارة ، األردن ، الزرقاء ( ، 1عجو ، ط

Page 133: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

133

ملوضع بني من يرى أنه حق للعبد على جهة التغليب فيجوز العفو عنه ، ذكره يف هذا ا .وبني من يرى أنه حق هللا تعاىل فال عفو فيه

فاحتاج األمر إىل تفصيل ، ينبين على النظر إىل الضرر املرتتب عن العقوبة أو العفو ، ، ألنه )1(فنجد من احملققني يف عصرنا احلديث الذي مال إىل ضرورة املوازنة يف هذه اجلرمية

رمبا يكون يف ذلك إشاعة للفاحشة و فضح ما كان مستورا ، و سيأيت بيانه يف الباب .الالحق

. 68: ، ص) ت .ب: دار الفكر العريب ، القاهرة ( الجريمةأبو زهرة ، : ينظر – )1(

Page 134: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

134

المبحث الثاني القواعد التي بنیت علیها التوجیهات الفقهیة

إن حصر القواعد اليت استعملها الفقهاء يف توجيه املسائل الفقهية من خالل موازنتهم ا قاعدة ا قاعدة أصولية و كو بني العقوبة و العفو عسري جدا ، لكثرة تنوعها وبني كو

ا مع أن املضمون واحد .فقهية ، و اختالف عبارملشهورة مع اإلشارة إىل القواعد اجلزئية و لذلك اختري يف املوضوع بعض القواعد الفقهية ا

ال ضرر و ال ، و قاعدة درء الحدود بالشبهاتقاعدة : اليت تدخل حتتها ، و من ذلك . األصل براءة الذمةو قاعدة ضرار

المطلب األول درء الحدود بالشبهات

ا اشتهرت يف التطبيقات الفقهية حىت ليس القصد من هذا تقعيد هذه القاعدة ، فإأصبحت من املسلمات ، و لكن القصد بيان أن هذه القاعدة كانت من أهم القواعد اليت م الفقهية السابقة ، سعيا إىل حصول ما أراده الشارع من تشريع وظفها الفقهاء يف توجيها

.دود عقوبة القصاص و احل الفرع األول

المعنى الفقهي للقاعدة

فقد وجد من استقراء الفقهاء ألحكام احلدود و القصاص ، أن الشارع احلكيم ملا شرع هذه العقوبات و اليت كانت جزاء عادال لبعض املعاصي ، الزمها إىل ما يدعو إىل التحرز

سبيل االحتيال املشروع لدرئها و يف تطبيقها عند اإلثبات ، و أشار إىل ما يدعو إىل اختاذ

Page 135: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

135

إسقاطها بكل أمر يورث شكا أو لبسا ، إما من جهة ثبوت اجلرمية على اجلاين ، أو من جهة الفاعل الذي أقدم على اجلرمية ، أو من جهة اختالفهم يف قوة الشبهة أو حنو ذلك مما

.هو مفصل يف بيان أنواع الشبهة

ارات الفقهية عن اجلرائم املرتكبة بعد ثبوت احلد ، فكان من أثر ذلك ، كثرة االستفس كان القصد منها االحتيال للدرء ، كالتعريض و األخذ برجوع املقر و غريها من

.االستفسارات املفصلة يف كتب الفقه

و ضبط اإلثبات بعدة قيود لبعض اجلرائم ما جيعلها قليلة الثبوت ، كاشرتاط أربعة شهود و التفصيل يف ذكر شروط السرقة ، حىت ال يشتبه املعىن مع معان أخرى مل يف جرمية الزنا

.يقصدها الشارع

و توصل الفقهاء إىل أن الشارع احلكيم يتشوف إىل السرت أكثر من فضيحة املؤمن عند الشبهة ، فإن هذه العقوبات و إن كان القصد منها إقامتها و تطبيقها ، إال أنه غلب

« : من على مصلحة إقامتها عند حتقق الشبهة ، فاشتهرت مقـولة مصلحة حرمة الـمؤ . )1(» مصلحة حفظ األبدان مقدمة على مصلحة حفظ األديان

و تبني للفقهاء أن احلكمة من الرتغيب يف السرت حصول التوبة بني املسلم و ربه ، فقد ا ، و إمنا قصد حتقق الزجر ، و هذا علم أن اهللا عند شرع العقوبات ، مل يقصد ذا

.املعىن قد يتحقق مع التوبة النصوح ، و الشارع يأىب معاقبة التائب

. 481: ص 4ج، البحر المحيط في أصول الفقهالزركشي ، – )1(

Page 136: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

136

الفرع الثاني

ضبط القاعدة

ام ، و هو موضع شديد احلساسية ، و لقد كثر تطبيق هذه القـاعدة عند مواضع االقد يكون يف التوسع فيه ظلم للمتهم و قد يكون التهاون يف ذلك يعسر معرفة حكمه ، ف

: ظلم للمجين عليه ، فكان أن جلأ الفقهاء إىل بعض القواعد اجلزئية لضبط ذلك منها: ، قال ابن عبد الرب اعتماد اليقين في أدلة اإلثبات ما أمكن في نسبة الجرائم للمتهم -1 تمع عليه أن الدماء « املمنوع منها بالكتاب و السنة ، ال ينبغي أن يراق شيئا األصل ا

.منها و ال يستباح إال بيقني و اليقني الشهادة القاطعة أو اإلقرار الذي يقيم عليه صاحبه ، فإن مل يكن ذلك ، فألن

.)1(»خيطئ اإلمام يف العفو خري له من أن خيطئ يف العقوبة ، ن محله و مهما كانت طريقته يشفع به المتهممهما كانت نسبته و مهما كاالشك -2

فإن الدليل يقوم هناك مفيدا للظن يف إقامة احلد ، « : فيدرأ عنه احلد ، يقول الشاطيب ها و دخل صـاحبها يف مرتبة ومع ذلك فإذا عـارضته شبهة أو طغت ، غلب حكم

. )2(»العفوئة املتهم أحب إىل اهللا و رسوله من ، فترب الخطأ في العفو أفضل من الخطأ في العقوبة -3

معاقبته ، و قد استعملت هذه الصيغة يف كثري من أبواب الفقه اليت حتدث عن الشبهة على

6، ج)ت .ب: دار الشروق ، بريوت ( حتقيق عبد الرزاق املهدي ، االستذكارابن عبد الرب ، – )1(

. 519: ص . 123 :ص 1ج، الموافقاتالشاطيب ، – )2(

Page 137: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

137

لسان كثري من الفقهاء و علماء التقعيد ، و يفصل أمرها يف قاعدة مستقلة يف الفروع .الالحقة

و توسع من خالل بعض و قد لوحظ أن إعمال هذه القاعدة قد جرى فيها اسرتسال خاصة احلدود و كان ذلك الفروع الفقهية ، فتوسع اخلالف يف أمور تتعلق حبقوق اهللا

.مدعاة إىل القول أن ذلك فيه حماولة لتعطيل احلدود

و هذا االدعاء يف حقيقته وجيه ملا لوحظ من خالل استدالالت الفقهاء يف إسقاط ا ، فأضحى املستدل يستدل على مذهبه مبجرد وجود احلدود و اختالفهم يف الشبهة ذا

شبهة ليسقط معها احلد ، و ظهر من التفريعات الفقهية اليت تدخل من ضمن املسائل اليت حتتاج إىل الفتوى ما يدل على إعمال احليل من طرف اجلناة ، لغرض اإلفالت من العقوبة

ضبطوا هذه القاعدة بضوابط ، و كثر االسرتسال يف ذلك ، فاستدرك الفقهاء األمر و .نذكر جزءا منها على سبيل البيان

: فمن بني عمل الفقهاء لضبط القاعدة ما يلي

السعي إىل حتقيق الشبهة يف بيان شروطها و أنواعها ، و ذلك حىت حتمل من القوة -1 ا احلد .ما يسقط

هة القوية غري الشبهة الضعيفة فالشبهة عند التحقيق مراتب ، خيتلف احلكم فيها ، فالشب فاألوىل يسقط معها احلد و متحو وصف اجلرم ، خبالف الشبهة الضعيفة فإمنا رمبا تسقط

ا ال متحو وصف اجلرم ، و ليس املقام مقام ذكر –على خالف بني الفقهاء –احلد إال أ .األدلة يف ذلك

Page 138: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

138

مة تشفع لصاحبها ، و ليس حتليفه -2 ام ، فليس كل ) املتهم ( ضبط موضع االوإرساله مذهبا ألحد األمة األربعة و ال غريهم ، و لو حلفنا كل واحد منهم و أطلقناه مع

ال نأخذ إال شاهدي عدل كان : العلم باشتهاره بالفساد يف األرض و كثرة سرقاته ، و قلنا ة الشرعية ، و من ظن أن الشرع حتليفه و إرساله فقط غلط غلطا فاحشا ذاك خمالفا لسياس

. )1(و إلمجاع األئمة خمالفا لنصوص رسول اهللا

و لذلك فالناظر إىل املسائل اليت تتعلق بالتهمة ، جيد أن الفقهاء قد فصلوا فيها تفصيال :م التسويل يوحي إىل شدة حتفظ الفقهاء منها ، من ذلك ما ذكره عبد السال

روح أو « : قال من جاءك و عليه جراح خموفة ، فاحبس املدعي عليه بالدم حىت يصح اينسى حاله توجب إطالقه ، و من جاءك معاىف يف بدنه من اجلراح يدعي على رجل ضربا مؤملا ، فإن ثبت تعدي املدعي عليه فعزره و إن رأيت حبسه فذلك لك على ما يظهر من

عليه ، و من جاء جبرح خفيف و هو ممن يظن به أن يرتكب مثل هذا من شنعة ما ثبت نفسه ، فاسلك به سبيل املعاىف من اجلراح ، فإذا فعلت هذا ارتفعت اليد العادية و انتفعت

. )2(»به العامة و حفظت بذلك دماؤهم و أمواهلم

هة ال يعدم المؤاخذة إعمال الشبزيادة على ما ذكر آنفا ، فقد تقرر عند الفقهاء إن -3

مثل اجلناية اليت تقع خطأ ، فإنه يف حقيقته جناية ملا فيه من عدم التثبت من الناحية العقليةا و االحتياط الواجبني ، فصـار املخطئ من هذه اجلهة قد ارتكب جنـاية جيوز مؤاخذته

ا يف اإلمث مسعا لعموم النص أمتيع عن ـرف : عقال ، إال أنه ال يؤاخذ

دار( 1عصام فارس احلرستاين ، ط: ، حتقيق الطرق الحكمية في السياسة الشرعيةابن القيم ، : ينظر – )1( .138: ، ص) م 1998: اجليل ، بريوت

. 683: ص 2ج )م2008: املكتبة العصرية ، بريوت ( ، البهجة شرح التحفةالتسويل ، – )2(

Page 139: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

139

.))1 الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه

و لذلك ال يؤاخذ املخطئ حبد أو قصاص ، ألن فيه شبهة العدم النعدام قصد العدوان إال أن القتل أعظم الكبائر مل يهدر فيه اخلطأ ، بل وجبت الكفارة و أما الدية فهي جزاء

. )2(احملل

المطلب الثاني

ال ضرر و ال ضرار

ا يف جانب العقوبات ، و بيان اعتبار و يتناول هذا املطلب املعىن العام هلا ، و تطبيقاين عليه .الشريعة للضرر الذي يلحق با

الفرع األول

المعنى الفقهي للقاعدة

. )3(الضرر يزال، و الضرر ال يزال بالضرر: و قد استعملت بصيغ خمتلفة ، مثل

ال ضرر و ال ضرار هي األمشل و األصح و ذلك من جهة قيام النص على : وصيغة .)4(مشروعيتها ، و من جهة تضمنها النهي عن الضرر ابتداء

.ال جيوز إحلاق مفسدة بالغري مطلقا : ابتداء الفعل ، و املعىن : و معىن ال ضرر

. 2045: أخرجه ابن ماجة ، كتاب الطالق باب طالق املكره ، رقم – )1( . 437: ص 2الكاساين ، البدائع ، ج: ، و ينظر 99: ص 1، ج البحر المحيطالزركشي ، : ينظر – )2( زارة األوقاف و الشؤون اإلسالمية، و ( 2تيسري فائق أمحد ، ط: ، حتقيق المنثور في القواعدالزركشي ، – )3(

. 2/321، ) هـ 1405: الكويت . 277: ص 1ج، تيسيرلالقواعد و الضوابط الفقهية المتضمنة لعبد الرمحن بن صاحل ، : ينظر – )4(

Page 140: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

140

. )1(اق مفسدة على وجه املقابلة له ال جيوز إحل: اجلزاء ، و املعىن : و معىن ال ضرار ليس للمظلوم أن يظلم غريه ، فله العدل و هو أخذ حقه ، أما : و له زيادة معىن و هو

. )2(ما زاد عن حقه فال جيوز له ذلك ، ألنه تعدكل ضرر جيب إزالته ، إال ما هو داخل حتت إذن الشارع ، أي : المعنى اإلجماليو

بوجه حق ، مثل الضرر الذي يلحق اجلاين عند تطبيق العقوبة عليه ، الضرر الذي كان وكذلك الضرر الذي يلحق الضامن بضمانه ما أتلف ، فهذا ثابت بوجه حق و قد أذن فيه

.الشارع احلكيم و لقد استعملت هذه القاعدة تأكيدا ملا تقرر سابقا من خالل النصوص الشرعية على

ة ، و حرمة التعدي و التجاوز فوق ما أباحة الشرع ، فذلك يعد مشروعية العدل يف العقوبين عليه على اجلاين .ظلما من أولياء الدم أو ا

فالقاعدة من حيث منطوقها تدل على جواز االنتصار ملن ظلم ، فللمجين عليه أن ينصر ، سواء نفسه و يعاقب ، لكنه يف مقابل ذلك ال جيوز له أن يتعدى قدر حقه يف اجلزاء

كانت العقوبة قصاصا أو تعزيرا ، ألن ذلك يف حقيقته ضرر ال بد أن ينتفى ، وفيه من .)3(الظلم ما ال يقبله الشرع

ال جيوز االعتداء على حق أحد ولو كان غاصبا ، فلو غصب : و من فروع املسألة مصبـوغ ، الغاصب ثوبا فصبغه ، فاملالك خمري بني ترك الثوب له و أخذ قيمته من غري

، 165: ص1ج، )م1998: دار القلم ، دمشق ( المدخل الفقهي العاممصطفى أمحد الزرقا ، : ينظر – )1(

. 223ص) 1998: دار الفكر ، دمشق ( 2، ط القاموس الفقهي لغة و اصطالحاسعدي أبو حبيب ، :ينظر دار الكتب العلمية ،( سيين فهمي احل: حتقيق ، درر الحكام شرح مجلة األحكامعلي حيدر ، : ينظر – )2(

. 549: ص 3ج، 921، املادة ) ت.ب: بريوت . 84: ص 3ج، سبل السالمالصنعاين ، : ينظر – )3(

Page 141: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

141

. )1(وبني أخذه مصبوغا و يعطي للغاصب ما زاد الصبغ فيه و قد وجد أن الفقهاء استعملوا هذه القاعدة مبفاهيم أخرى تتحقق معها املوازنة يف دفع

الضرر ، خاصة إذا اجتمع ضررين على حمل واحد ، فقد يكون يف دفع أحد الضررين ضرر .اعد جزئية تضبط هذه املفاهيم أكرب منه ، فذيلوا القاعدة بقو

:و من ذلك جيب منع إزالة الضرر بضرر أعظم منه أو مماثل ، و قد اشتهر هذا املفهوم حتت -1

، فإذا مل جيز إزالة الضرر بضرر مماثل ، فمن باب أوىل أنه ال الضرر ال يزال بمثله: قاعدة .جيوز إزالة الضرر بضرر مثله

ضرر بضرر أخف ، فينظر إىل أشدمها مفسدة ، فيدفع األخف و إن جواز إزالة ال -2 إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما : ترتب عليه فعل ضرر ، فجاءت القاعدة اجلزئية

. ضررا بارتكاب أخفهما )2(»ال بد النظر ألخفهما و أغلظهما« : و قد جاء على لسان زين الدين الكتاين قال

ذه القاعدة يف بيان أن األخذ باألخف و األيسر أوىل من األخذ و استدل اآلمدي الشيخ أمحد ، و استدل)3(باألثقل و األشد ، و ذلك باعتبار أن الشريعة مبناها التخفيف

ا على وجوب ، ألن يف ذلك ختفبفا للضرر اختيار أهون الشرين لدفع أعظمهماالزرقا . )4(تاتاعندما ال ميكن منعه ب

و مبنطوق و مفهوم هذه القاعدة يكتمل املعىن املقصود منها خاصة يف ما يتعلق بباب

. 196: ص 6ج، رد المختار على الدر المختارابن عابدين ، : ينظر – )1( . 321: ص 2ج، القواعدالزركشي ، – )2( . 273: ص 4ج، اإلحكام في أصول األحكاماآلمدي ، – )3( . 990: ص 2ج، المدخل الفقهيالزرقا ، – )4(

Page 142: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

142

، فقد )1(اجلزاء و املعاقبة ، و هو نفي فكرة الثأر احملض الذي يزيد يف الضرر و ال يفيد يكون يف االنتصاف و أخذ احلق بعكس ما قصده الشارع ، الحتمال وقوع احليف

. املعاقبة العادلة واإلفراط يف

و هذا املعىن هو الذي عزز فكرة العفو عند األخذ بالقصاص ، ملا قد يكون يف األخذ به ين حيف و إفراط يف جتاوز أولياء الدم حقهم من العقوبة أخذا مبن قال جبواز أن يستويف ا

. )2(عليه لنفسه ، و ذلك إن كان خبريا و حيسن االستيفاء مع وجود احلاكم

و قد ذكر ابن عبد الرب فهما أدق و أمشل ملا ميكن أن يفهم من مقصود هذه القاعدة ، ذه القاعدة حبق االنتصار و األخذ بعدالة العقوبة و تقرير : ومعناه أنه ما دام قد يستدل

ين عليه يف معاقبة اجلاين ، فإنه ال بد أن يستتبع ذلك مبا رغب به الشارع احلكيم حق اقق العدالة العقابية ، فقد تبني أنه كلما شرعت العقوبة العادلة الزم ذلك الندب إىل عند حت

. )3(العفو من خالل ترجيح جانب الصرب على املعاقبة و استحباب السرت على املؤمن

الثانيالفرع

قاعدة ال ضرر و ال ضرار في العقوبات استعمال

الضـــرر يـــزال و الضـــرر يـــزال بقـــدر املالحـــظ أن هـــذه القاعـــدة و مـــا يتفـــرع عنهـــا ، كقاعـــدة ، قــد اســتعملها الفقهــاء يف بــاب املعــامالت بشــكل أوســع ، خاصــة فيمــا يتعلــق مــن اإلمكــان

.أحكام الشفعة و ضمان املتلفات و رد املبيع بالعيب و احلجر على الصغري و السفيه

. 979 -978: ص 2ج، السابق نفسه املرجع: ينظر – )1( . 291: ص 6ج، بدائع الصنائعالكاساين ، : و هو مذهب فقهاء احلنفية ، ينظر – )2( . 197: ص 6ج، االستذكارابن عبد الرب ، : ينظر – )3(

Page 143: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

143

ــا ال تســتقل و مــن كثــرة األمثلــة هلــ ذه القاعــدة الــواردة يف كتــب الفقــه ، فقــد يعتقــد النــاظر أ .عن هذا الباب

و قـــد قلـــت األمثلـــة مـــن حيـــث تطبيـــق هـــذه القاعـــدة و مـــا يتفـــرع عنهـــا يف بـــاب العقوبـــات .واجلنايات فيما يتعلق بالدماء و احلدود و التعازير

عنها على عقوبـات احلـدود و القصـاص و تطبيقها و ما يتفرع لكن ، قد أشار العلماء إىل . )1(التعازير على سبيل العموم و اإلشارة

و مـــن حيـــث النظـــر إىل املصـــاحل املرجـــوة مـــن تشـــريع العقوبـــات ، جنـــد أن هـــذه القاعـــدة قـــد طبقت على نطاق واسع يف باب العقوبـات ، و ذلـك ألن العقـاب يف حـد ذاتـه إمنـا هـو دفـع

.رمني و تأديب العاصني ضرر متوقع أو حال ، لزجر امث إن هـــذه القاعـــدة و مـــا يتفـــرع عنهـــا مـــن قواعـــد جزئيـــة ، قـــد طبقـــت حتـــت قواعـــد أخـــرى

:عامة اشتهرت عند علماء األصول و يف التطبيقات الفقهية منها .إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضررا بارتكاب أخفهما : قاعدة -1 . المفاسد أولى من جلب المصالحدرء : و نظريها قاعدة -2 وقد استقرت القاعدتان على دفـع املفسـدة مـن بـاب أوىل علـى وجـه التغليـب ، ألنـه لـوحظ

مــن خــالل تصــرفات الشــارع و أقوالــه أنــه اعتــىن باملنهيــات أكثــر مــن اعتنائــه باملــأمورات ، فلــم إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبــوه :يسامح يف اإلقدام عليها لقوله

.))2و إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم و قد استعمل الفقهاء هذه القـاعدة يف حالة بيان األوىل للمجين عليه هل العفو أم

. 112: ، ص األشباه و النظائرالسيوطي ، : ينظر – )1( .7288: االعتصام بالكتاب و السنة ، رقم : ، كتاب صحيحهأخرجه البخاري يف – )2(

Page 144: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

144

العقوبــة ؟ مــن خــالل النظــر إىل الضــرر يف حالــة العفــو أو مــا يقابلهــا مــن ضــرر تطبيــق العقوبــة ا . حىت يف حالة إثبا

الفرع الثالث الضرر الذي یلحق بالمجني علیهاعتبار

املصـــلحة اخلاصـــة للمجـــين عليـــه الـــيت قـــد تتحقـــق بـــالعفو أو و ذلـــك مـــن حيـــث النظـــر إىل ين عليه ، بالعقوبة ، فرام الفقهاء إىل املوازنة من حيث النظر إىل أشدهـا ضررا على ا

.وحىت و لو ثبت أمر العقوبة كما هو الشأن يف حد القذف بقا أن العفـــو علـــى القـــاذف و لـــو بعـــد وصـــول األمـــر إىل احلـــاكم جـــائز ، و هـــو فـــاملقرر ســـا

. )1(الظاهر عند فقهاء املالكية و الشافعيةين عليه عند لكن فقهاء املالكية هلم تفصيل مبين على جسامة الضرر الذي قد يلحق با

.تنفيذ احلد على القاذف فقـد ظهـر يف أقــوال املالكيـة جــواز العفـو عــن القـاذف بعــد وصـول أمــره إىل احلـاكم يف حالــة

توقـع املقـذوف حصـول ضــرر يقـع بعـد احلــد ، إن أراد بـذلك سـرتا ، و قــد يسـأل احلـاكم عــن أمره ، فإن بينت القرائن أنه قد يقع ضرر على املقذوف باشتهار أمره بني الناس جاز عفوه

إذا زعـم : ري ذلك فـال عفـو ، فضـبطوا املسـألة علـى أسـاس السـرت ، قـال مالـك و إن أراد غ املقــذوف أنــه يريــد ســرتا ، فعفــا إن بلــغ اإلمــام ، مل يقبــل اإلمــام ذلــك حــىت يســأل عنــه ســرا ،

. )2(فإن خشي أن يثبت القاذف ذلك عليه أجاز عفوه

. 487: ص 3، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ، و ينظر 217: ص 2ج، ، الفواكه الدوانيالنفراوي : ينظر – )1( . 202: ص 2ج، التبصرة ابن فرحون ، – )2(

Page 145: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

145

منهــا تنفيــذها عنــد اإلثبــات ، و هــذا لــيس خمالفــا للقاعــدة العامــة يف احلــدود ، أن املقصــود فال شفاعة و ال عفو عند بلـوغ اإلمـام ، و إمنـا هـو تـرجيح و تقـدمي ملصـلحة اختصـت بالعبـد

.و املسألة خالفية

و مـــن جهـــة أخـــرى إمنـــا يعتـــرب ذلـــك إثباتـــا للمقصـــد العـــام لتشـــريع حـــد القـــذف الـــذي هـــو ة بــني النــاس عنــد اإلعــالن صــيانة أعــراض النــاس مــن اهلــالك وكــذلك احلــد مــن شــيوع الفاحشــ

.فقد يتحقق ذلك بالسرت بعفو القاذف عن املقذوف

و من فـروعهم الفقهيـة جـواز عفـو الوالـد عـن ولـده يف القـذف ولـو مل يكـن القصـد السـرت ، ألن يف ذلك مراعاة ملعىن قد استقر أمره من حيث القواعد العـامة يف صلة الرحم ،

أن اإلشـفاق قـد حيملـه عنــد رؤيـة إيقـاع احلـد بـه علــى «: ي قـال وهـذا املعـىن أشـار إليـه البــاج ، فـدفعا للضـرر أجـازوا )1(»أن يقر على نفسه مبا قذفـه بـه ، فيقـع فيمـا هـو أشـد مـن القـذف

.عفوه و لو مل يكن قصده السرت

فمــن شــأن إقامــة احلــد علــى القــاذف ومل يشــتهر املقــذوف بالصــالح أو الفضــل مــن إعــالن .أمره و صول خربه إىل من يكن له العداوة

و لذلك جند أن فقهاء املالكية ضبطوا ذلـك بالصـالح و الفضـل ، فقـد اسـتقر أمـرهم علـى مـة احلـد علـى القـاذف ، أن املعروف بالفضـل و الصـالح ال جيـوز عفـوه ، و إمنـا ال بـد مـن إقا

العتقادهم أن تنفيذ احلد يدفع عنه الضرر و يصون به عرضـه ، الشـتهار صـالحه بـني النـاس . )2(، فهو ليس ممن يداري بعفو سرتا عن نفسه

. 265: ص 9، ج المنتقى الباجي ، – )1( . 265:ص 9ج ، المنتقىالباجي ، : ، و ينظر 202:ص 2، ج التبصرةابن فرحون ، : ينظر – )2(

Page 146: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

146

المطلب الثالث األصل براءة الذمة

و يتناول هذا املطلب االستعمال األصويل و الفقهي هلذه القاعدة ، وما يضبط موضع ا ختتلف فيها املآخذ األنظار .التهمة باعتبار أ

الفرع األول االستعمال الفقهي و األصولي للقاعدة

وردت هذه القاعدة على لسان الفقهاء و األصوليني حبسب منهج كل واحد منهم ضمن ربى اشتهرت أو ضمن أصول قد اختلف فيها ، و لذلك كـانت هذهقواعد ك

.القاعدة قاعدة فقهية و أصولية حىت يدل دليل على األصل في األشياء اإلباحة: فاستعملت عند الفقهاء ضمن قاعدة

اإلباحة ، و هذا مالحظ يف كتب القواعد الفقهية كما هو احلال يف األشباه و النظائر . )1( نثور للزركشيللسيوطي و امل

و استعملت عند علماء األصول يف مبحث االستصحاب و مبحث التحسني و التقبيح األصل براءة الذمة و بقاء ما كان على : العقليني ، و قد ذكرت يف معرض الرتجيح فيقولون

تهد عند عدم وجـود . ما كان و يعترب االستصحاب من الطرق اليت يفزع إليها ا . )2(األدلة الشرعية

دار الفكر ،( 1، ط النظائر األشباه، السيوطي ، 176: ص 1ج، المنثور في القواعدالزركشي ، : ينظر – )1(

. 82: ، ص) م 2009: بريوت دار ابن( أبو عبد الرمحن عادل بن يوسف الغرازي : ، حتقيق الفقيه و المتفقهاخلطيب البغدادي ، – )2(

التحبير شرح التحرير في أصول الفقهاملرداوي ، ، 526: ص 1، ج) هـ 1421: اجلوزي ، السعودية . 3753: ص 8ج

Page 147: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

147

و قد أعملت هذه القاعدة يف القضايا املدنية و القضايا اجلزائية ، و كان تفعيلها يف القضايا املدنية بشكل كبري خاصة يف باب الديون ، فمن ادعى على غريه دينا فاألصل

.عدمه إال إذا أثبت املدعي عليه ذلك جهة بيان اخلصائص العامة للنظام العقايب يف فأما يف القضايا اجلزائية ،فقد أعملت من :الشريعة ، و ذلك من جهتني حىت يقوم نص مثبت فاألصل في األشياء اإلباحةإقرار شرعية العقوبة ، : حداهاإ -

للتجرمي أو العقوبة ، فال جرمية و ال عقوبة بغري نص شرعي ، و العقـاب حمظور على . )1(صور السلوك الذي مل يرد فيه نص بتحرميها فأفعال املكلفني ال توصف باجلرم وال يقع عليها العقاب إال بعد التنصيص عليها بواسطة

و هذا )2(النصوص الشرعية ، أو كون الفعل يثاب عليه أو يعاقب عليه ال يعلم إال بالشرعحكم ألفعال العقالء قبل ورود الشرع ال : مقرر عند علماء األصول و الفقهاء حتت قاعدة

كان أهال لما كلف و كان قادرا على فهم دليل التكليف ال يكلف شرعا إال من : ، و قاعدة . بهأن املتهم بريء حىت يثبت إدانته بالدليل ، و أن الشك يفسر ملصلحة املتهم ، : ثانيها -

تهم خري من اخلطأ يف إدانة و لو حصل خطأ يف هذا االجتاه ، فإن اخلطأ يف براءة م .)3(بريء

)م 1983: دار املعارف ، القاهرة ( 2، ط في أصول النظام الجزائي اإلسالميحممد سليم العوا ، :ينظر – )1(

. 59: ص . 76: ، ص) 1997: دار الفكر ، بريوت ( 1، ط شرح تنقيح الفصولالقرايف ، : ينظر – )2( ) 1999: الرسالة ، بريوت ، لبنان ( 16، ط لدراسة الشريعة اإلسالميةالمدخل عبد الكرمي زيدان ، : ينظر – )3(

. 81: ص

Page 148: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

148

فاجلهة األوىل ثابتة من غري خالف ، فما من حكم جزائي إال و له نص شرعي ، سواء كان من جنس القصاص أو من جنس احلدود أو من جنس التعزيرات اليت تدخل حتت

.القواعد العامة للتشريع ، فكل عقوبة إال و هلا نص شرعي مثبت لذلك

أما اجلهة الثانية ، فهي اجلهة اليت وقع فيها من الرتدد ما يستدعي املوازنة بني قضية ام و قضية األصل العام الذي هو الرباءة األصلية ، و لذلك استقر عند العلماء أن اال

.)1(األخذ بالتهم فيه معىن التوثق و االحتياط

الفرع الثاني

ضبط موضع التهمة

و املسألة ليست مسألة تعارض بني قضيتني ، و إمنا مىت تستعمل التهمة بفعل جرمية كطرف يرجح العقوبة و مىت تستعمل الرباءة األصلية كطرف يرجح العفو ، ألن الرباءة

.األصلية يف حقيقتها راجعة إىل خطاب الشارع بالعفو

تعاىل عنها حبد أو تعزير ، وهلا اجلرائم حمظورات شرعية ، زجر اهللا« : يقول املاوردي ا و صحتها حال استيفاء عند التهمة حال استرباء تقتضيه السياسة الدينية ، و هلا عند ثبو

. )2(»توجبه األحكام الشرعية

فالتهمة يف نفسها منزلة بني منزلتني ، منزلة الرباءة التامة من فعل اجلرم و منزلة ثبوت

ام يف اللغة ، و خيالف اجلرمية ، و القول برب اءة الذمة حىت تثبت اإلدانة خيالف معىن اال .مبدأ أخذ املتهم و التحقيق معه حىت و لو كان األمر حببسه أو ضربه

. 190: ص 26ج، المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )1( . 285: ، ص األحكام السلطانيةاملاوردي ، – )2(

Page 149: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

149

ام فقط ، قول ال يقوم على العدالة و من جهة أخرى فإن القول بثبوت اجلرمية باال .رباءة األصلية العقابية ، ليس فيه عدل و ال إنصاف و بعيد عن ال

ألن املعلوم أن األخذ بالتهم من حيث طبيعة ذلك ، أمر يدخل يف أوجه الظنون ، والظنون مراتب يف النفي و اإلثبات ختتلف من حيث القوة و الضعف ، و رمبا ينتهي األمر إىل بلوغ احلقيقة أو ينتهي إىل الرتدد ، و لذلك مل يستبعد الفقهاء يف االعتبار والنظر

شواهد األحوال و القرائن و اإلمارات ، و إن كان ذلك من الظنون ، من أجل معرفة قوة ام و قوة جانب االدعاء .اال

ا ليست من ام ، باعتبار أ و القول برباءة املتهم حىت تثبت إدانته يستلزم دفع قرائن االعطيل الكثري من أدلة طرق اإلثبات املعروفة كالشهادة و اإلقرار ، و هذا يتعني معه ت

إن «: اإلثبات األخرى اليت تقوم على معرفة مالبسات و أمارات األحوال ، يقول الشاطيب العلماء اختلفوا يف الضرب بالتهم ، و ذهب مالك إىل جواز السجن يف التهم ، وإن كان السجن نوعا من العذاب ، و نص أصحابه على جواز الضرب ، و عند الشيوخ من قبيل

مني الصناع ، فإنه لو مل يكون الضرب و السجن بالتهم ، لتعذر استخالص األموال تضفإن قيل هذا فتح باب التعذيب الربيء ، قيل ففي .. من أيدي السراق و الغصاب

. )1(»اإلعراض عنه إبطال اسرتجاع األموال ـام الذي قد تصل فيه العقـو بة إىل حد فهذا الرتدد أوجب املوازنة بني جـانب اال .الضرب و احلبس ، و بني إعمال جانب الرباءة األصلية اليت فيها معىن العفو أن التسليم بأن األصل براءة املتهم حىت تثبت إدانته ليس بإطالقه ، : و هذا يقرر ما يلي

إمنا يراعى يف ذلك شواهد األحوال حىت يكون احلكم منتجا لغرضه ، و خيدم مصلحة

. 120: ص 2ج، ) ت.ب: املكتبة التجارية الكربى ، مصر( ، االعتصامالشاطيب ، – )1(

Page 150: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

150

ين عليه سواء كان فردا أو مجاعة ، و يراعى فيه كذلك أوصاف املتهم و قوة التهمة اوضعفها ، و أن يوازن الفقيه بني ذلك ، ألن مسألة التهمة قضية عظيمة النفع من جهة حفظ احلقوق اليت راعاها الشارع يف أحكامه ، و أن حيذر من التوسع يف ذلك ألنه معول

.للظلم و الفساد : اج إىل تطابق نوعني من الفقه فاألمر حيت

.فقه يقوم على معرفة أحكام احلوادث الكلية -1

فقه يقوم على معرفة الواقع من خالل معرفة أحوال الناس يف بيان درجة الصدق -2 مث يطابق بني الفقهني ، فيعطي للواقع حكمه . ودرجة الكذب فيهم و التمييز بني ذلك

. أحوال الجناةفقه ، و هذا من )1(الواجب خمالفا للواقعمن الواجب و ال جيعل

فلما كان األمر حيتاج إىل معرفة املتهمني ، سعى الفقهاء إىل تفصيل أحواهلم و بيان م على ثالثة أقسام :)2(أوصافهم ، و وصلوا إىل أ

براءته ، أن يكون املتهم ليس من أهل التهمة ، يشهد عليه صالحه و استقامته على -1 فمن أمثال هذا ال يعاقب باالتفاق ، و قد رأى بعض الفقهاء معاقبة املتهم له ، و ذلك

.صيانة لتسلط أهل الشر و العدوان على أعراض األبرياء

. 7: ، ص الطرق الحكميةابن قيم اجلوزية ، : ينظر – )1( يق فإنه موجود، لكن عند التحق 134: ، ص كتابه الطرق الحكميةاجلوزية يف بن قيم التقسيم نقال من – )2(

ابن: و ينظر ، 75: ص 4،ج رد المختار على الدر المختارابن عابدين ، : ينظر عند مجيع الفقهاء ، 4، ج) ـ ه1393: دار املعرفة ، بريوت ( األم الشافعي ، : و ينظر ، 128: ص 2ج التبصرة ،فرحون ،

املاوردي ،: ، و ينظر 309: ص7ج، مواهب الجليل لشرح مختصر خليلاحلطاب ، : و ينظر ، 250:ص . 286: ، ص األحكام السلطانية

Page 151: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

151

أن يكون املتهم معروفا بالفجور ، و صل فجوره حد الشهرة ، فمن أمثال هذا يرجح -2 ام و يؤخذون بذلك ، فكان حب .سه أوىل حىت يعرف حكمه فيهم اال

أن يكون املتهم جمهول احلال ، ال يعرف هل هو من القسم األول أم من القسم -3 .الثاين ،و يف ذلك استدعاء للتحقيق فيه

ام فمجهول احلال إذا وجهت له التهمة بفعل جرمية ، فهو بني طرفني ، طرف االوطرف الرباءة ، و كال الطرفني متساويان يف النظر و االعتبار ، فليس من العقل و ال يف ا ، و لو مل يكن يف الوجود الذهين ما احلس ما حيول دون إمكان وجود اجلرمية من املتهم

، فتساوي )1(أن الرباءة األصلية ال حتول دون االنتقال عنها إىل اإلجرام يؤيد ذلك ، كماإال أن النظر إىل اجلهالة توجب االحتياط، و لذلك الطرفني يوجب ضرورة نفي التهمة ،

هول احلال باعتبار أن الشارع احلكيم احتاط جند نوعا من التشديد عند الفقهاء بالنسبة ام على جانب الرباءة يف حفظ احلقوق ، فجان ب االحتياط يوجب رجحان جانب اال

.، و ينظر يف أحواله وإىل سوابقه )2(األصلية ، فقرر الفقهاء حبسه حىت ينكشف حاله

نظرية براءة المتهم حتى تثبت إدانته و حظها من االعتبار في الشريعةمقال لعبد اهللا بن سليمان منيع ، : ينظر – )1(

)العلمية و الدعوة و اإلرشاد جملة البحوث اإلسالمية ، الرئاسة العامة إلدارات البحوث( ،اإلسالمية لد 1403العدد السابع من رجب إىل شوال لسنة . 292: ص 7هـ ا

. 596: ص 2ج، البهجة شرح التحفة، التسويل: ينظر – )2(

Page 152: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

152

Page 153: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

153

Page 154: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

154

المبحث األول

األصول الشرعیة للعقوبة

و ذلــك مــن خــالل البحــث عــن أصــل مشــروعيتها مــن الكتــاب و الســنة و مــا أمجــع عليــه .أئمة الشرع

:و قبل ذلك ، ال بد من ذكر أمرين

قصـاص و حـدود : ثالثـة –يف اجلملـة –الظاهر أن العقوبـات عنـد الفقهـاء : األمر األول .و تعازير ، و إن كان األخري تبعا هلما يف األصل

.قدمنا القصاص على احلدود ، ألن يف ذلك مظان قصدها الفقهاء : مر الثانياأل

ـم قـدموا فاملالحظ من خالل ما تقرر يف كتـب الفقـه لفقهـاء احلنفيـة يف بـاب العقوبـات، أاحلدود على القصاص ، خبالف ما هـو مقـرر يف كتـب فقهـاء املالكيـة ، فقـد قـدموا القصـاص

.على احلدود

لــتمس مـن علــة تقـدمي احلنفيــة للحـدود علــى القصـاص ، أن ذلــك تقـدمي حلقــوق و لعـل مـا ي ، و أن القصـاص على حقوق العبـاد ، باعتبـار أن احلـدود الغالـب فيهـا حـق اهللا اهللا

.الغالب فيه حق العبد ، و هذا أصل عام يف التقدمي و التأخري الذي جيري بني احلقوق

Page 155: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

155

و مــا يلــتمس مــن علــة تقــدمي املالكيــة للقصــاص علــى احلــدود ، أن ذلــك كــان مــن جهــة الكليــات اخلمــس مبــا هــو أعظــم مصــاحلترتيــب علمــاء األمــة للضــروريات املنحصــرة يف حفــظ

.مفسدة

أن حفظ النفوس مقدم على حفظ العقول و النسل و األموال فكان احلاصل يف ذلك

. بالقصاص ، و أما الباقي فيكون باحلدود اليت حدها اهللا فحفظ النفوس من العدم

املبحــثو لعــل احلقــوق هــي ضــرب مــن ضــروب املصــاحل ، فكــان ترتيــب العقوبــات يف هــذا .وفق ما عهده فقهاء املالكية

المطلب األول

عقوبة القصاصمشروعیة

، و هـــي إمجـــاع األمـــة املعلـــوم عنـــد أئمـــة الشـــرع أن القصـــاص ثابـــت بالكتـــاب و الســـنة و .فروع هذا املطلب

الفرع األول

القرآن الكریم

قوله تعاىل -1

) 178:البقرة (.

Page 156: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

156

، و هلذا املعىن صور قد أتت )1(، معناه فرض كتب :ووجه الداللة يف قوله : يف فرضية الصوم ا اآليات القرآنية ، كقوله

: يف فرضية الصالةه ـــ، و قول)183:البقرة (

) 103: النساء (.

و ال خــالف بــني العلمــاء أن القصــاص فريضــة عامــة ثابتــة علــى مجيــع املســلمني علــى وجــه الكفاية ، لكن واجـب وجوبـا عينيـا علـى أوليـاء األمـور الـذين يفصـلون بـني خصـومات النـاس لعـــزة مقـــامهم ، فلقـــد أقـــامهم اهللا ســـبحانه و تعـــاىل علـــى النهـــوض باألحكـــام الشـــرعية مقـــام

فهــم تكليفـا شــرعيا بتوزيـع احلقـوق و الواجبــات بالعـدل و فــق مـا أوجبــه املـؤمنني مجيعـا ، و كلو ألزمه الشرع احلكيم ، و من بـني هـذه األحكـام متكـني و يل الـدم مـن القصـاص مـن اجلـاين

.القاتل

)2(»فرض عليهم النهوض بالقصاص و إقامة احلدود و غري ذلك ، « : قال القرطيب

و السبب يف جعل النهوض بالقصاص من اختصاص ويل األمر ، طبيعة هذه العقوبة ، ملا ا من ال حيسنها ، و جيري فيها من االعتداء و اإلسراف عن حد الشرع خاصة إذا قام

ا و منع ملكان العداوة و خمافة أن جيور ين عليه ، فقصر من عدوا فيه من طرف ا : اإلسراف فيها قال اهللا

. 193 :ص 2، ج الجامع ألحكام القرآن، القرطيب : ينظر – )1( . 194 :ص 2ج ، الجامع ألحكام القرآن، القرطيب – )2(

Page 157: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

157

)اإلسراء :

33(.

: قوله -2

) 45:املائدة (.

و ذكر أهل التفسري أن هذه اآلية نزلت يف األمم السابقة من اليهود ، قال الـرازي

ـا )1(»و يريد فرضنا عليهم يف التـوراة أن الـنفس بـالنفس :قال ابن عباس « ، لكـن اسـتدل .العلماء على القصاص فيما دون النفس ، كالقصاص يف األطراف و اجلروح

ـــا حكايـــة لشـــريعة بـــين إســـرائيل « : قـــال الشـــوكاين ـــا خطـــاب ألمـــة حممـــد .. بأ ، فإ )2(»وشريعة من قبلنا تلزمنا إذا مل يثبت يف شريعتنا ما خيالفها ، و قد ثبت ما هو كذلك

مـامل يـرد نسـخ مـن الشـارع احلكـيم ، و مل يـرد شـرع مـن قبلنـا شـرع لنـاو على قول من قـال ، فــإن هـــذه اآليــة نـــص يف القصــاص يف األطـــراف و اجلــروح فيمـــا يتحقــق فيـــه نســخ يف ذلـــك

ــا املماثلــة ، بــل هــو جــزء مــن شــريعتنا لقيــام األدلــة الســابقة و الثابتــة علــى شــرعيتها ال جمــرد أشــــرعت لألـمـــم الســــابقة ، و إن كــــان التفصـــــيل الزمــــا يف هــــذه املســــألة ، فلريجــــع إىل كتـــــب

.قد قتلت حبثا و متحيصا األصول فإن فيها ما يغين ، و

. 8: ص 12، ج التفسير الكبيرالرازي ، – )1( . 19: ص 7، ج) 2000دار احلديث ، القاهرة ، ( 1ط، نيل األوطار، الشوكاين – )2(

Page 158: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

158

و ظــاهر النصـــوص الســـابقة يوجـــب القتـــل حيـــث وجـــد القتـــل ، مـــن غـــري النظـــر إىل طبيعـــة القتل هل هو خطـأ أم عمـد ، إال أن جممـوع النصـوص النبويـة قيـدت ذلـك بوصـف العمديـة،

، و كــــذلك فيمــــا يتعلــــق بــــاألطراف و ))1 و مــــن قتــــل عمــــدا فهــــو قــــود :كحــــديث . إال فالدية و اص فيها فيما يتحقق به املماثلة اجلروح ففيها تفصيل مرده إىل متكني القص

الفرع الثاني الســـنة

:وكان قيام األدلة يف السنة على مشروعية القصاص من جهتني .من جهة جممل النصوص اليت دلت على إجياب القصاص مطلقا من غري خيار - .من جهة ما فصل جممل النصوص و دلت على حق اخليار يف القصاص - : الجهة األولى - ال يحـل دم امـرئ مسـلم يشـهد أن ال :قـال رسـول اهللا : حديث ابن عباس قـال -1

المـارق النفس بالنفس و الثيب الزاني و: اهللا ، إال بإحدى ثالث ي رسول إله إال اهللا و أن .))2 من الدين التارك للجماعة

، و قد جاء هذا احلديث عاما )3(و املراد به القصاص» النفس بالنفس « ووجه الداللة .قد يستدل به على من قال يقتل احلر بالعبد و الرجل باملرأة

ال يحل دم امرئ مسلم إال رجل زنى : -رضي اهللا عنها و يؤيده حديث عائشة -2

. 2625: ، كتاب الديات ، رقم السننأخرجه ابن ماجة يف – )1( . 6370: ، كتاب الديات ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف -)2( . 9: ص 7، ج نيل األوطارالشوكاين ، : ينظر – )3(

Page 159: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

159

.))1 بعدم إحصانه أو كفر بعد إسالمه ، أو النفس بالنفس

زان محصـن فيـرجم ، و رجـل : ال يحل قتل مسلم إال في إحـدى ثـالث خصـال و يف لفظ و رسـوله فيقتـل أو يصـلب أو يقتل مسلما متعمدا ، و رجل يخرج من اإلسالم فيحارب اهللا

. ))2 ينفى من األرض

: الجهة الثانية -

إمــا أن : فهــو بخيــر النظــرين مــن قتــل لــه قتيــل : قــال حــديث أيب هريــرة أن النــيب -3

.))3، و إما أن يقتل يفتدي

من أصيب بدم أو : يقول مسعت رسول اهللا : اخلزاعي قال شريحن أيب و ع -4 إما أن يقتص أو يأخذ العقل أو يعفو ، فإن أراد الرابعة : فهو بالخيار بين إحدى ثالث خبل ،

أن :هي و و مل يذكرها ، ، و املراد بالرابعة اليت حذر منها النيب ))4 فخذوا على يديهامنعوه و قصاص أو الدية أو العفو ، فخذوه إذا زاد على ال: يسرف يف القتل ، و املقصود

: قا لعدالة الشرع يف ذلك ، قال ، حتقي)5(

) 178: البقرة ( .

. 3952: ، كتاب حترمي الدم ، رقم سننهأخرجه النسائي يف -)1( . 3980: ، كتاب حترمي الدم ، رقم سننهأخرجه النسائي يف – )2( 2434: كتاب اللقطة رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )3( . سبق خترجيه – )4( . 12: ص 7، ج نيل األوطارالشوكاين ، : ينظر – )5(

Page 160: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

160

أن الربيع بنت النضر بن أنس كسـرت ثنيـة جاريـة ، فعرضـوا عليهـا و روى أنس بن مالك -5 بالقصـاص ، فقـال و أبوا إال القصاص ، فأمر رسـول اهللا األرش ، فأبوا ، فأتوا رسول اهللا

يارســول اهللا أتكســر ثنيــة الربيــع ، ال و الــذي بعثــك بــالحق ال تكســر ثنيتهــا ، : أنــس بــن النضــر : فرضـي القــوم فعفــوا ، فقــال رســول اهللا ، كتــاب اهللا القصــاص : فقـال رســول اهللا

ألبرهإن من عباد اهللا من لو أقسم على اهللا )1( و النص يف القصاص دون النفس ،.

: اإلجمــاع - و قـــد أمجعـــت األمـــة علـــى وجـــوب القصـــاص يف الـــنفس و دون الـــنفس مـــا أمكـــن ، و مـــا

دون الـــنفس كـــالنفس دل جممـــوع النصـــوص أن فيهـــا القصـــاص ، و أن احملافظـــة علـــى الـــنفس . )2(يتبعها احملافظة على األطراف ، فاالعتداء عليها اعتداء على النفس

: مسألة ، موجب القصاص عند الفقهاء - ـا ، لكـن الظاهر أن األدلة السابقة قامت على إثبات وجـوب القصـاص يف الـنفس و دو

الفقهاء اختلفوا يف موجبه ، فهل هو القصاص عينا أم التخيري بني القصاص و الدية؟ : )3(نقل ابن رشد أن يف املسألة مذهبني ــــذهب يـــــرى أن موجــــــب العمـــــد يف الــــــنفس القصـــــاص ، و هـــــو مــــــذهب فقهـــــاء احلنفيــــــة مـ .املشهور عند فقهاء املالكية و و مــذهب يــرى أن الواجــب إمــا القصــاص أو الديــة علــى التخيــري أحــدمها ال بعينــه ، فللــويل

ذهب فقهاء ـخيار التعيني ، إن شاء استوىف القصاص و إن شاء أخذ الدية ، و هو م .عن أشهب احلنابلة و قول عن فقهاء الشافعية و عن بعض فقهاء املالكية رواية

. سبق خترجيه - )1( . 410 :ص 9، ج المغنيابن قدامة ، اإلمجاع نقل – )2( . 36: ص 6، ج بداية المجتهد و نهاية المقتصد: ينظر – )3(

Page 161: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

161

: و دليل المذهب األول : قوله تعاىل - 1 ) و املكتوب ال )178:البقرة ،

.ألنه متلف جيب به البدل ، فكان بدله معينا كسائر أبدال املتلفات يتخري فيه ، و مــ، فعل))1 كتاب اهللا القصاص : حديث أنس بن مالك يف قصة سن الربيع -2 . )2(بدليل اخلطاب أنه ليس له إال القصاص ، و مل خيري املوىل بني القصاص و الدية :و قد ناقشها اإلمام الشوكاين من جهتني : مناقشة أدلتهم مــن جهــة أن عــدم ذكــر التخيــري يف اآليــة ال يســتلزم عــدم الــذكر مطلقــا ، و أن جممــل -1

.قد فصل باألحاديث اليت ذكرت التخيري يف هذا الباب اآلية مـــن اقــتص فــاحلر بــاحلر ، و مـــن عفــي لــه مـــن : مــن جهــة أن اآليــة فيهـــا تقــدير مفــاده -2

. )3(أخيه شيء فالديةوجـود االحتمـال الـذي : و وجـه ذلـك ، )4(و قد ضعف ابـن رشـد وجـه االسـتدالل باآليـة

.ق على استدالهلم باحلديث كذلك أشار إليه الشوكاين ، و هذا ينطب : دليل المذهب الثاني : قوله - 1

أوجب اإلتباع مبجرد العفو ، و لو أوجب العمد بالقصاص عينا : ، قالوا ) 178:البقرة ( .مل جتب الدية عن العفو املطلق ، فيخري الويل بينهما

إما أن يفدى و إما النظرينمن قتل له قتيل ، فهو بخير :وحديث أيب هريرة -2

.سبق خترجيه – )1( . 37:ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ، : ، و ينظر 11: ص 7، ج نيل األوطارالشوكاين ، : ينظر – )2( . 11: ص 7،ج نيل األوطارالشوكاين ، : ينظر – )3( . 36: ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ، : ينظر – )4(

Page 162: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

162

.، و هذا نص يف التخيري ))1 أن يقيد

:مناقشة أدلة المذهب الثاني

ــا هــذا املــذهب نصــوص يف البــاب ، مبعــىن الظــاهر أن :الظــاهر أن النصــوص الــيت اســتدل ار إليه الشوكاين و ابن دقيق العيد ـالقصاص والدية واجبان على التخيري ، و هذا ما أش

. )2(على أن األدلة على التخيري ظاهرة الداللة

كـان فـي بنـي إسـرائيل القصـاص و لـم : و يؤيد مذهبهم ما ثبت من حـديث ابـن عبـاس . ))3 »كتب عليكم القصاص « : يكن فيهم العفو ، فأنزل اهللا هذه اآلية

: قوله تعاىل : و كذلك أيضا

) فذكر الشوكاين أن املقصود من التخفيف ) 178: البقرة ،

التخيري بني القصاص و الدية هلذه األمة ، بعد أن كان الواجب على بين : املذكور هوإسرائيل هو القصاص فقط ، و مل يكن فيهم الدية ،و ال شك أن التخيري مناسب لقواعد

.)4(الشرع ، فالتخيري بني أمرين أوسع و أخف من تعيني واحد منهما

ل اخلطاب منـو رام ابن رشد إىل اجلمع من غري ترجيح بني املذهبني إذا رفع دلي حديث أيب( حديث أنس ، فإن كان اجلمع واجبا و ممكنا ، فاملصري إىل احلديث الثاين

. 2434: ، كتاب اللقطة ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )1( إحكام األحكام شرح عمدة األحكامابن دقيق العيد ، : ، و ينظر 12- 11: ص 7، ج نيل األوطارالشوكاين ، :ينظر – )2(

. 433: ص 1ج، ) 2005 :مؤسسة الرسالة ، بريوت ( 1حتقيق مصطفى شيخ مصطفى و مدثر سندس ، ط . 4138: ، كتاب التفسري ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )3( . 12: ص 7، جنيل األوطار: ينظر – )4(

Page 163: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

163

.واجب ) هريرة و اجلمهور على أن اجلمع واجب إذا أمكن ، و أنه أوىل من الرتجيح ، و أيضا فإن اهللا يقول : ) فإذا ) 29: النساء ،

عرض على اإلنسان فداء نفسه مبال ، فواجب عليه أن يفديها ، و أصل ذلك ما تقرر من قواعد الشرع بالنسبة ملن كان يف خممصة إذا وجد الطعام بقيمة مثله ، و عنده ما يشرتيه

.)1(فيقضى عليه شرائه ، فكيف بشراء نفسه

المطلب الثاني مشروعیة عقوبات الحدود

.دود بالكتاب و السنة و اإلمجاع و املعقول ثبت أمر احل

الفرع األول من القرآن الكریم و السنة النبویة

ملـا كانــت احلـدود تتعــدد إىل عـدة عقوبــات حبسـب اجلــرائم املقرتفـة ، كــان مـن الواجــب بيــان .دليل كل عقوبة من القرآن الكرمي و السنة النبوية

باجللــد كعقوبــة أصـلية و التغريــب كعقوبــة تبعيـة ، و هــذا كلــه فجرميـة الزنــا يعاقــب عليهـا -1 اإلحصان ، فإن كان الفاعل حمصنا و قد اقرتف هذه اجلرمية ، فعقوبته الرجم عدم يف حالة

: قال اهللا ) 2:النور( .

. 39-38 : ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ، : ينظر – )1(

Page 164: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

164

سـبيال ، البكـر بـالبكر جلـدة مائـة قـد جعـل اهللا لهـن خذوا عني خذوا عني :و قوله - . ))1 رجمالجلد مائة و بالثيب نفي سنة ، و الثيبو

و عقوبة القذف يف حالة عدم ثبوت الزنا ، فيعاقب القاذف بعقوبة أصلية و هي - 2 : اجللد و بعقوبة تبعية و هي احلرمان من أداء الشهادة ، قال اهللا

) 4: النور(.

إن مـــن شـــرب الخمـــر فاجلـــدوه فـــإن عـــاد فـــي :، لقولـــه اجللـــدو عقوبـــة الشـــرب -3 حتديد مقدار الضرب ، فقد روي أنه ضرب وثر عنه قد أ، و ))2الرابعة فاقتلوه

، فقـــــد روي عـــــن الســـــائب بـــــن يزيـــــد ضـــــرب مثـــــانني جلـــــدة أربعـــــني ، و يف عهـــــد عمـــــر رة أبـي بكـر و صـدرا مـن خالفـة عمـر و إمـ كنا نؤتي بالشارب على عهد رسـول اهللا :قال

ة عمــر فجلــد أربعــين حتــى إذا عتــوا فنقــوم إليــه بأيــدينا و نعالنــا و أرديتنــا ، حتــى كــان آخــر إمــر ، .))3 فسقوا جلد ثمانينو

: و عقوبة السرقة القطع ، لقوله - 4

) 38: املائدة (.

. 3199: ، كتاب احلدود ، رقم الصحيحأخرجه مسلم يف – )1( . 1472: ما جاء من شرب اخلمر ، رقم باب، الجامع الصحيحأخرجه الرتمذي يف – )2( . 6281: ، كتاب احلدود ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )3(

Page 165: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

165

النفي و القطع و الصلب ، و يف ذلك تفصيل يف ) قاطع الطريق ( و عقوبة احملارب - 5 ديدا ، وهذا حتديد نوع العقوبة حبسب اجلرم املقرتف إن كان قتال أو سرقة أو ترهيبا و

: مفصل يف كتب الفقه يف خمتلف املذاهب ، قال اهللا

.) 33: املائدة (

ال يحل دم امرئ مسلم يشـهد أن ال إلـه :و الردة عقوبتها القتل ، يقول الرسول -6 النفس بالنفس و الثيب بالثيـب و المـارق مـن الـدين : إال اهللا و أني رسول اهللا إال بإحدى ثالث

. ))1التارك للجماعة

ضــــمن احلــــدود و هــــي جرميــــة البغــــي أي اخلــــروج عــــن و هنــــاك جرميــــة أخــــرى أدخلــــت -7 أن من أتاكم و أمركم جميع على رجل واحد يريد :احلاكم ، و عقوبته القتل ، قال

. ) )2 يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه

و هـــذه النصـــوص مـــن الكتـــاب والســـنة إمنـــا تـــدل بعمومهـــا علـــى تعيـــني عقوبـــة كـــل جرميـــة ، تأويــــل ، و ال جيــــوز الزيــــادة فيهــــا للداللــــة علــــى شــــرعيتها ، و لتطبــــق تطبيقــــا حرفيــــا مــــن غــــري

النقصان ، و ال اعتبار لظروف اجلرمية و ال اجلاين ملا تضمنته من مفاسـد متـس الصـاحل العـام و يهــــا الشــــفاعة و ال العفــــو أصـــــال ، و هلــــذا مسيــــت هــــذه العقوبــــات بالعقوبـــــات ، و ال حيــــق ف

. املقدرة حقا هللا

. 6484: ، كتاب الديات ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )1( . 3443: ، كتاب اإلمارة رقم صحيحهأخرجه مسلم يف – )2(

Page 166: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

166

.من جهة أخرى ، هناك نصوص من الكتاب و السنة دلت على وجوب إقامة احلدود

: بعد ذكر عقوبة الزنا قوله -1: منها

) و ليس املنهي عنه الرأفة الطبيعية على إقامة احلد ) 2:النور

. )1(و إمنا النهي عن الرأفة اليت حتمل احلاكم على ترك و تعطيل احلد فال جيوز ذلك

: مــن نفــس الســورة و اآليــة و قولــه ) النــور

، ففيــه تنكيــل للــزانيني إذا جلــدا حبضــرة النــاس ، فــإن ذلــك يكــون أبلــغ يف الزجــر هلمــا و ) 2: . )2(أجنع يف ردعهما ، فإن يف ذلك تقريعا و توبيخا و فضيحة إذا كان الناس حضورا

: بعـد بيـان عقوبـة السـرقة كـذلك قولـه -2

) 38:املائدة .(

أن قريشــــا أهمهــــم شــــأن : فحــــديث عائشــــة رضــــي اهللا عنهــــا قالــــت -1:و أمــــا الســــنة و مـن يجتـرئ عليـه إال : ، فقـالوا من يكلم فيها رسول اهللا : المخزومية التي سرقت ، فقالوا أتشــفع فـي حــد مــن : ، فكلمــه أسـامة ، فقــال رسـول اهللا أسـامة بــن زيـد حــب رسـول اهللا

أهلـك مـن قـبلكم ، أنهـم إذا سـرق فـيهم الشـريف إنمـا: حدود اهللا ، ثم قام فاختطب ، ثم قـال ن فاطمـــة بينـــت محمـــد تركـــوه ،و إذا ســـرق فـــيهم الضـــعيف أقـــاموا عليـــه الحـــد ، و أيـــم اهللا لـــو أ

إنمــا أهلــك مــن قــبلكم ، :، ووجــه الداللــة يف احلــديث قولــه ))3عت يــدها ـســرقت لقطــ

. 3: ص 6، ج التفسير العظيم، ابن كثري: ينظر – )1( .املصدر نفسه و اجلزء و الصفحة نفسها – )2( . سبق خترجيه – )3(

Page 167: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

167

، ففيـه داللـة أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه و إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليـه الحـد . الك كان بسبب تضييع احلدودأن اهل

مـن حالـت شـفاعته دون حــد : قـال و عـن ابـن عمـر رضـي اهللا عنهمـا عـن النـيب -2

ـدود رمي الشــــفاعة يف احلـــــل علــــى حتـــــ، ففيــــه دليــــ))1 مــــن حــــدود اهللا فهــــو مضــــاد اهللا فــــي أمــــره . )2(الرتهيب لفاعلها مبا هو غاية يف ذلك ، و هو وصفه مبضادة اهللا تعاىل يف أمرهو

الفرع الثاني

المعقول اإلجماع و

نقــل الــرازي إمجــاع األمــة علــى وجــوب إقامــة احلــدود ، و أن ذلــك مــن مهــام : اإلجمــــاع -1 ال جيـوز ويل األمر ، فليس آلحـاد مـن الرعيـة إقامـة احلـدود علـى اجلنـاة ، بـل أمجعـوا علـى أنـه

إقامـــة احلـــدود علـــى األحـــرار اجلنـــاة إال اإلمـــام ، فكـــان التكليـــف حازمـــا ، و ال ميكـــن اخلـــروج . )3(عن عهدة هذا التكليف إال عند وجود اإلمام

ـــرم واجبـــة المعقـــولأمـــا -2 ، فـــإن أمـــر اســـتتباب األمـــور يف الدولـــة واجـــب ، و معاقبـــة ا .فكان من الواجب إقامتها حىت يصلح حال األمة و تستقيم الرعية ،

مـــن جهـــة أخـــرى ، فـــإن أمـــر اإلجـــرام ال ينقطـــع ، ألن الطبـــاع البشـــرية و الشـــهوة النفســـانية متيـــل إىل قضـــاء الشـــهوة و حتصـــيل مقصـــودها مـــن الزنـــا و الشـــرب و التشـــفي بالقتـــل و أخـــذ

. 112 : ص 7، ج نيل األوطار الشوكاين ،: نقال من صححهأخرجه احلاكم و – )1( . نفسه و الصفحة نفسهااملصدر – )2( . 351: ص 11، ج التفسير الكبيرالرازي ، : ينظر – )3(

Page 168: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

168

را مـــن األمــوال و الظلـــم باالســتطالة علـــى الغــري ، فجـــاءت احلــدود حامســـة هلــذا الفســـاد و زجــارتكابه ، حىت يـردع ذا اجلهالـة خمافـة أمل العقوبـة و نكـال الفضـيحة ، و حـىت تعظـم حمـارم اهللا

1(فتصبح ممنوعة و أوامره متبوعة( .

المطلب الثالث مشروعیة التعزیر

.مشروع بالكتاب و السنة و اإلمجاع : قوله : من الكتــاب -1

ا الفقهاء على مشروعية ضرب املرأة ضربا غري متلف ، ) 34: النساء ( ، و قد استدل . )2(هو التأديب ألن املقصود

.فأشار النص إىل عقوبة ال حد فيها و ال كفارة و هي الوعظ و الضرب و اهلجر و لــيس اهلجــر و الضــرب و الــوعظ خــاص بتأديــب الزوجــة ، و إمنــا احلكــم يتعــدى ذلــك ،

جر الثالثة الذين خلفوا ، و أمر بضـرب األوالد لعشـر لـرتكهم للصـالة فقد أمر الرسول يا أبا ذر :ساببت رجال فعريته بأمه فقال : فحديث أيب ذر قال -: الســنة -2

:مكتبة دار ابن قتيبة ، الكويت( ، حتقيق أمحد املبارك البغدادي األحكام السلطانيةاملاوردي ، : ينظر – )1(

. 288: ، ص) م 1989 ، 80: ص 7ج ،) م 2004: مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ( المنتقى شرح الموطأالباجي ، : ينظر – )2(

. 650: ص 2ج، بدائع الصنائع الكاساين ،: و ينظر ، 135: ص 6ج، األمالشافعي ،: وينظر

Page 169: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

169

، و قـد اسـتدل بـه الفقهـاء علـى التعزيـر بــالتوبيخ ، ))1 فيـك جاهليــة امـرؤأعيرتـه بأمـه ، إنـك فذهبوا أنه بإمكان تعزير بعض الناس بزواجر الكالم و غاية االسـتخفاف الـذي ال قـذف فيـه

.و ال سب ، و اســتدل بــه الفقهــاء علــى احلرمــان ))2 لــيس للقاتــل شــيء مــن الميــراث :قولــه -

.من املرياث ، و إن كان هناك تفصيل فقهي يف تفاصيل احلرمان بني الفقهاء حـــبس أنـــه ، و عـــن أيب هريـــرة و حـــبس أعمـــل التهمـــة و مـــا روي أن النـــيب -

. )3(يوما و ليلة: فقـــد أمجعـــت األمــــة علـــى مشـــروعية التعزيـــر نقــــل ذلـــك ابـــن قـــيم اجلوزيــــة : اإلجمـــــاع -3

وذلـك يف كــل معصــية لــيس فيهــا حــد حبسـب اجلنايــة يف العظــم و الصــغر و حبســب اجلــاين يف .)4(الشر و عدمه

. 30: ، كتاب اإلميان ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )1( . 3955: ، كتاب الديات السننأخرجه أبو داود يف – )2( . 1417: ، كتاب الديات ، باب ما جاء يف احلبس يف التهمة ، رقم الجامعأخرجه الرتمذي يف – )3( . 311 :، ص الطرق الحكميةابن قيم اجلوزية ، : ينظر – )4(

Page 170: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

170

المبحث الثانيالقواعد األساسیة التي تقوم علیها العقوبة

تلك القواعد اليت مجعها الفقهاء و تقوم عليها العقوبة ، سواء املبحثو يتناول هذا

.أو حدا أو تعزيرا ، من خالل أصوهلا الشرعية اكانت قصاص

المطلب األولالقواعد األساسیة التي یقوم علیها القصاص

و يتضح ذلك عموما من جهتني: .من جهة بيان األسس املعنوية - .من جهة بيان املقصد األصلي -

الفرع األول من جهة األسس المعنویة

ا و اإلسراف عن احلد الذي الحتمال ملا كانت هذه العقوبة جيري فيها االعتداء لشد

وجوب التماثل يف األوصاف و املنافع فيها ، حد قد أقامها علىقدره الشارع احلكيم و ا و منع اإلسراف فيها حتقيقا لعدالتها ، قال اهللا الشارع من غلوائها و قصر من عدوا

Page 171: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

171

: تعاىل

) 33: اإلسراء ( .

و أقــام ذلــك علــى أســس معنويــة تــدخل مــن مجلــة املقاصــد الضــرورية الــيت شــرع مــن أجلهــا : القصاص ، منها

، فـــال األســـاس الـــذي يقـــوم عليـــه القصـــاص يف املقـــام األول هـــو املســـاواة: المســـاواة -1 فــرق بــني ضــعيف و قــوي أو بــني حــاكم و حمكــوم ، و قــد نقــل القــرطيب اإلمجــاع علــى أن ويل األمـر األعظـم إذا ارتكــب مـا يوجــب القصـاص ، و جـب عليــه أن يقـدم نفســه ليقـتص منــه ،

مــنهم ، إمنــا لــه مزيــة النظــر اكــأن يتعــدى علــى أحــد مــن الرعيــة مــن غــري حــق باعتبــاره واحــدكيــــل ، و لـــيس يف ذلـــك مــــا مينـــع القصـــاص ، فكــــل النـــاس سواســـية أمــــام هلـــم كالوصـــي و الو

.) )1أحكام اهللا فالقصاص هو يف حد ذاته إمنا يعرب عن العدالة العقابية املطلقة و الذي مبناه على ضمان

ا من كل وجه ، مبا يتحقق فيه املماثلة بقدر اإلمكان ، فضمان النفوس األنفس و ما دو : ه العدل ، كما قال اهللا تعاىل و األقوال مبنا ) الشورى :

: ، و قال سبحانه ) 40

: ، وقال عز من قائل ) 194:البقرة (

) 2(، فأمر باملماثلة يف العقوبة و القصاص ) 126: النحل(.

. 194: ص 2، ج الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، : ينظر – )1( ،)م 1973: دار اجليل ، بريوت ( حتقيق طه عبد الرءوف سعد ، إعالم الموقعينابن قيم اجلوزية ، : ينظر – )2(

. 318: ص 1ج

Page 172: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

172

ـــا أقيمـــت علـــى أن اجلـــزاء يســـاوي و عنـــد تتبـــع كـــل مـــا يتعلـــق بعقوبـــة القصـــاص ، يتبـــني أالعمـل ، و تضــمنت املســاواة بــني اجلرميــة و العقوبـة ، فتشــريع القصــاص أقــيم علــى أن العقوبــة مـن جــنس اجلرميــة ، فمـن قتــل ظلمــا و عـدوانا و عمــدا ، كــان جـزاءه القتــل ال حمالــة، و ذلــك

.ء على النفس إذا كان االعتدا

أما ما يتعلـق بالقتـل دون الـنفس ، كـاألطراف و اجلراحـات ، فـذلك يتحقـق : الممـاثلة -2 باملماثلــة الــيت هــي صــور مــن صــور املســاواة يف هــذه العقوبــة ، فمــن قطــع اليــد اليمــىن إلنســان

فقـأ عـنيمن فقأ عـني إنسـان فـاحلكم أن تقطعت ميناه ، و إن كانت يسارا قطعت يساره ، و .اجلاين

هــــو املســـاواة املمكنـــة ، ذلــــك أن مقصـــود املماثلــــة يف مـــادون الـــنفس إال أن املالحـــظ مـــن املماثلة احلقيقيـة الكاملـة ال ميكـن أن تكـون يف اجلراحـات و األطـراف مهمـا اختلفـت نوعـا و

.جنسا و مقدارا

: فال بد من وجود تفاوت يغتفر ، كما قرره الشارع احلكيم يف قوله

) و «: ، قال الرازي )152:االنعام

اعلم أنه ملا كان جيوز أن يتوهم اإلنسان أنه جيب على التحقيق ، و ذلك صعب شديد يف ، أي : العدل ، أتبعه اهللا تعاىل مبا يزيل هذا التشديد فقال

أما الوزن ، و ذا القدر املمكن يف إيفاء الكيل أن الواجب يف إيفاء الكيل و الوزن ه . )1(»التحقيق غري واجب

. 235: ص 13، ح التفسير الكبيرالرازي ، – )1(

Page 173: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

173

و املماثلـة احلقيقيـة يف الـنفس غـري ممكنـة ، و يغتفــر التفـاوت فيهـا ، و إال مـا قـام قصــاص قــط ، و لعطــل ذلــك تعطــيال تامــا ، و لــذلك يقــتص مــن الصــحيح للمــريض ، و مــن القــوي

ا للضعيف ، و تقطع .و هكذا اليد القوية يف مقابل ما دو

فالواجـب يف القصـاص أن يفعـل باملعتـدي كمـا فعـل بـه ، فـإن مل يكـن و مل يتحقـق ذلــك كان من الواجب حتقيق ما هو األقرب و األمثل ، و سقط ما عجز عنه العبد من املساواة

. )2(من كل وجه لعدم التمكن من ذلك

اعــد عامــة ولضــبط عقوبــة القصــاص يف األطــراف و اجلراحــات ، و ضــعت قو : الضبـــط -3 كان اهلدف من ورائها ، حتقيـق املماثلـة املمكنـة ، و حـىت ال جيـري االعتـداء علـى الـنفس فـال

.يتحقق معىن القصاص

:و قد ذكر هذه القواعد اإلمام أبو زهرة استجمعها يف ثالثة

، ، فاليــــد اليمـــىن باليــــد اليمــــىن التقابــــل بــــني األعضـــاء ، فاألعضــــاء املتقابلـــة تقطــــع: أولهـــا .الصحيحة بالصحيحة ، و ال تقطع الصحيحة بدل املريضة و هكذا و

أن يكـون التماثـل ممكنـا ال يزيـد عـن : أال تؤدي املقابلـة إىل زيـادة أو نقـص ، مبعـىن : ثانيها .طبيعة اجلرم ، فإن كان غري ممكن فال قصاص

القصـــاص ، فـــإذا كانـــت أن تكـــون املنفعـــة الـــيت فقـــدت مقابـــل املنفعـــة الـــيت تـــزول ب: ثالثهـــا املنفعــة الــيت تــزول بإيقــاع القصــاص أشــد فــال قصــاص ، كــأن يكــون اجلــاين أعــور ، و قــد زال

. 276: ص 1، ج إعالم الموقعين ابن قيم اجلوزية ، : ينظر – )2(

Page 174: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

174

بصــر إحــدى عيــين ذي العينــني ، فإنــه بــال شــك إذا اقــتص منــه يــزول عنــه نــور البصــر ، بينمــا . )1(اجلرم مل يذهب البصر كله

خلصـــت مـــن مجلـــة التفريعـــات الفقهيـــة و لعـــل هـــذه القواعـــد الـــيت وضـــعها اإلمـــام أبـــو زهـــرة اســـــــتيفاء القصــــــاص خاصـــــــة يف األطـــــــراف االختالفــــــات املتباينـــــــة بـــــــني الفقهــــــاء يف مســـــــائل و األعــور عــني رب بــاحلجر و القتــل بــاإلحراق و فــقءو الضــ القتــل بــالتغريقاجلراحــات ، مثــل و

عـــــدي لقصــــاص خطـــــريا قــــد يـــــؤدي إىل التالصــــحيح و غريهـــــا مــــن اجلـــــرائم الــــيت يكـــــون فيهـــــا ا .اإلسراف عن ما أوجبه الشرع و

: و هـذا مـا جعــل العلمـاء حيتـاطون يف القصــاص يف الـنفس و دون الـنفس ، قــال ابـن رشــد و أما ما جيب يف اجلراح العمد إذا وقعت على الشروط اليت ذكرنا فهو القصاص ،«

: قوله ) و ذلك فيما أمكن القصاص فيه ) 45:املائدة،

.)2(»منها ، و فيما وجد منه حمل القصاص و مل خيش منه تلف النفس

الفرع الثاني

من جهة المقصد األصلي

:ملا أوجب الشارع احلكيم القصاص نظر إىل جهتني

ــا ، و الــيت تكمــن مصــلحته يف -1 جهــة مــن وقــع عليــه اجلــرم ســواء كــان يف الــنفس أو دو .ذلك منإقامة العدل الذي هو القصاص ، فمكنهم الشارع احلكيم

. 384: ، ص العقوبةأبو زهرة ، : ينظر – )1( . 51: ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ، – )2(

Page 175: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

175

و الشارع احلكيم مكن أولياء الدم من قتل اجلاين قصاصا ، لدفع شره عن أنفسهم .)1(الك عنهم و حتقيقا ملعىن احلياة لألحياء يف دفع سبب اهل

فاجلـــاين الـــذي ارتكـــب جرميـــة القتـــل فـــرض عليـــه إذا أراد ويل الـــدم القصـــاص ، االستســـالم ألمــر اهللا و االنقيــاد لعدالتــه املشــروعة ، و إن ويل الــدم فــرض عليــه الوقــوف عنــد قاتــل وليــه و

.كما كان يفعل أهل اجلاهلية )2(عدم التعدي على غريه اة بطريـــق الزجـــر ، ألن مـــن قصـــد قتـــل عـــدوه ، فـــإذا تفكـــر يف فمـــن معـــاين القصـــاص أنـــه حيـــ

.عن قتله ، فكان حياة هلما انزجرعاقبة أمره أنه إذا قتله قتل به ، ـين عليـه ، -مع غلظتـه و شـدته -فالقصاص إمنا شرعه اهللا تعاىل ذلـك و ليشـفي غـيظ ا

نفــس وعلــى شــدة و أثرهــا علــى العــامل خطــرية ، أن جرميـة الــدماء مــن أعظــم اجلــرائم قســوة و ين عليه أشد ، فكان ال بد أن تعاجل هـذه الـنفس مبـا يـذهب غيظهـا ، و أن يطـب الشـارع ا

. سقامها أين عليه من القصاص ـو لذلك مكن الش إن من اجلاين، و قرب منه رقبتهارع أولياء اين عليه ـانت اجلنـك . )3(التمكن ها و يل الدم ، حىت حيقق وجهـفياية جناية قتل ، و ام إىل العفو من غري إجياب مراعاة ملبدأ اإلحسان و الذي يرتجح به و موازاة مع ذلك ند

: جانب العفو ، قال )وقال )90:النحل ،

:أيضــا ) وقوله ، )178:البقرة

: ،) 178:البقرة (.

. 106: ص 26، ج المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )1( . 193: ص 2، ج الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، : ينظر – )2( . 337: ، ص العقوبةأبو زهرة ، : ينظر – )3(

Page 176: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

176

جهة القاتل أو اجلاين الذي ارتكب جرمية القتل أو اجلرح عمدا و عدوانا ، فأمر - 2 : الشارع احلكيم بعدم التعدي عليه و عدم اإلسراف يف العقوبة ، قال تعاىل

: ، و قوله تعاىل )33:اإلسراء(

) 60:احلج (.

ـا األحكـام فإذا استقر هذا ، فإن ذلك إمنا يعـرب عـن العدالـة العقابيـة املطلقـة الـيت صـبغت الشرعية من لدن حكيم خبري ، فصـبغت الفـروع الفقهيـة الدقيقـة يف خمتلـف املـذاهب الفقهيـة ذه العدالة ، فصار الفقيه إذا استقر أمر العقوبة و ثبت ، ينظر إىل اجلهتـني مراعيـا يف ذلـك أوليـــاء املقتـــول و صـــاحب اجلنايـــة ، حـــىت تكتمـــل لديـــه الصـــورة، ســـعيا لتحقيـــق العدالـــة الـــيت

الشـــرع ، مقلـــدا يف ذلـــك الشـــارع احلكـــيم ، و إحكامـــا للنصـــوص الشـــرعية و حتقيقـــا اأوجبهـــ . ملقاصد الشرع اليت قصدها من تشريع العقوبات

العقوبة ، و هو الزجر اجلهتني ، حصول ما قصده الشارع من هذه بيانو القصد من الـذي هــو املقصــد األصــلي للعقوبــة ، و هــذا املقصــد قــد تضــمنته النصــوص الشــرعية الســابقة

.يف هذا الباب

المطلب الثاني القواعد األساسیة التي تقوم علیها الحدود

إن أمر احلدود قائم على شدة العقوبة و احلرص على تنفيذها من غري تعطيل هلا أو ا احلياة و إفساد للعامل ، و هذا تأخري تنفيذها ، ملا يف جرائمها من تعطيل ملقاصد تقوم

Page 177: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

177

.أصل عام قامت عليه احلدود

م علـــى األحكـــام الشـــرعية ن أشـــار إليهمـــا الفقهـــاء يفت فيهـــا قاعـــدتاو قـــد تنازعـــ خترجيـــا .اليت تتعلق باحلدود و

الفرع األول

القـاعدة األولى

عنـد وصـول اجلـاين الـذي اقـرتف حـدا مـن احلـدود : مبعـىن ، ني و التنفيـذتقوم على التمكـ إىل احلاكم و قد قامت األدلة الثابتة أو صح اإلقـرار علـى فعـل اجلـرم ، فإنـه ال يسـقط احلكـم

. جلانب الشدة فيها، و حيرم الشفاعة و العفو ، و هذا ترجيحا

فلقــد بــني القــرآن الكــرمي و الســنة النبويــة أحكــام العقوبــات علــى اجلــرائم املرتكبــة مــن طــرف اجلنــاة ، و بــني األصــل العــام للعقــاب عــن اجلــرائم الواقعــة علــى اآلحــاد و هــو القصــاص املبــين

.على العدالة العقابية ، سواء كان يف القتلى أو األطراف أو اجلروح

الـردة و و لقـذف و شـرب اخلمـر ى اجلماعـة كجـرائم الزنـا و السـرقة و اأما اجلرائم الواقعة علـ احلرابة و البغي ، فقد دلت النصوص على تشريع أشد العقوبـات فيهـا ، لتعلـق االعتـداء فيهـا

. حبق اهللا

و النـــاظر إىل عقوبـــات احلـــدود جيـــد شـــدة و غلظـــة ، قـــد تدفعـــه إىل القـــول بـــأن العقوبـــة ال ا ليس فيها معىن املسـاواة تتناسب مع اجلرم امل و ال تتحقـق فيهـا العدالـة العقابيـة قرتف ، و أ

.الشدة و من العصور ، ملا فيها من الغلظة ، و قد ال يناسب تطبيق حكمها يف عصر

Page 178: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

178

ا للجرم كحال حد السرقة ، قال فقد ذكر القرآن الكرمي ما يدل على عدالتها و مساوا :

)و تناسب بني عقوبة السرقة و جرمها ، فكلمة جزاء تدل أنه يوجد )38:املائدة

املقصد األصلي لتشريع احلدود ، أن هذه العقوبة يتحقق منها معىن الزجر الذي هواجلنايات تتفاوت بقدر األحوال ، و الالئق أن يغلظ احلكم بتغليظها ، فاألغلظ لألغلظ و

.و األخف لألخف ، و هذا ما تقرره قواعد الشرع

ـــا يـــأيت مـــن جهـــة اخلفـــاء ذلـــك أن الســـرقة متـــس مـــا تقـــوم بـــه احليـــاة و هـــو املـــال ، و إتيا منــه ، فاشــتد يف النــاس حــرز أمواهلــا التحــرز الغفلــة ، وهــذا أمــر يعســر علــى النــاس حفظــه و و

فكـــان مـــن العدالـــة أن تشـــدد العقوبـــة حـــىت يـــأمن النـــاس علـــى أمـــواهلم الـــيت هـــي مـــن مقاصـــد . التشريع الضرورية

ا التغليظ للمظان التالية :و قد خلص للفقهاء أن أحكام احلدود تعلق

.، ومتس الصاحل العام أن التغليظ كان سببه تعلق تلك العقوبات املقدرة حبق اهللا -1

و حفظهـا ، لتحقيــق عمـوم مصــاحل العبـاد و دفــع الضــرر فقـد وجبــت إقامـة حقــوق اهللا تأكيـدا فيها يكـون حقـا هللا تعـاىل عنهم ، فكل جرمية يرجع ضررها إىل العامة ، فإن العقاب

العقوبـات و عـدم قيقـا للنفـع العـام ، و إلعـالم املخـاطبني بلـزوم إقامـة هـذه و حت دلدفع الفساــا يســتلزم هــذه إىل اهللا تعــاىل باعتبــاره حقــا لــه و ضــرورة رعايتهــا ، ألن مــا يضــاف التفــريط

. )1(الرعاية و العناية ، و يستلزم عدم سقوطها بإسقاط األفراد و اجلماعة هلا

. 337: ، ص المدخل إلى الشريعةعبد الكرمي زيدان ، : ينظر – )1(

Page 179: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

179

إذا أنعــم علــى أن اهللا : دة الــنعم و تغلــيظ العقوبــة ، مبعــىن أن هنــاك تناســبا بــني زيــا -2 عبــده نعمـــة و عصــى اهللا فيهـــا بتعديـــه احلــدود الـــيت بينهــا هلـــذه النعمـــة ، فــإن العقوبـــة تغلـــظ ،

.كوجود اإلحصان مع الزنا ، فكانت العقوبة شديدة اليت هي الرجم

ا على عباده و هي الزواج ، يف نعمة أنعمه فالزنا مع اإلحصان تعد على حدود اهللا بضعف ما هدد به نساء النيب و العقوبة تغلظ باجتماع النعم ، و هلذا هدد اهللا

: غريهن ، قال

) 30:األحزاب (.

النظــر إىل طبيعــة هــذه اجلــرائم و آثارهــا املرتتبــة ، تــدل علــى فســادها العظــيم علــى عامــة -3 .الناس ، و فيها من الضرر ما حيتم تشديد العقوبة

فالســـرقة فيهـــا ضـــياع لألمـــوال ، و ال خيفـــى علـــى عاقـــل قيمـــة املـــال الـــيت منهـــا تـــأيت املنعـــة ، ـــــا فاإلنســـــان باملـــــال يتصـــــدق و حيفـــــظ مروءتـــــه مثـــــل إقامـــــة الضـــــيف و اهلـــــدايا ، فيكســـــب

.األحباب و األصدقاء ، و هو وقاية لعرضه من جهة بذله لدفع شر السفهاء

ح مــا يــذهب مبــاء الوجــه و يفســد الطبــاع البشــرية ، و فيهــا و الزنــا فيهــا مــن الفحــش و القــب اســـتهتار بـــالنفوس و األســـرة و فـــك حلمـــة القـــرىب و اجلماعـــة ، بـــل فيهـــا اعتـــداء علـــى النســـل

.الذي هو سر بقاء نوع اإلنسان

و اخلمر فيها من املفاسد اليت تعكر صـفو العقـول و تضـعفها ، و تقلـل مـن كرامـة الفـرد مـا .انة العجماء يردفه إىل مك

Page 180: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

180

أمـــا احلرابـــة و البغـــي ففيهمـــا مـــن االســـتهتار بالنظـــام و اســـتباحة للحرمـــات و تـــوهني شـــأن .الدولة ، ما يؤدي إىل خفاء األمن و قلة معايش الناس

و أمــا الــردة ففيهــا اعتــداء علــى الــدين الــذي هــو قــوام احليــاة كلهــا ، و فــك عــرى العالقــات غالطــات الــيت تضــعف متاســك اجلماعــة ، و تــوثر مــن الشــك االجتماعيــة ، و بــث الفــنت و امل

.فتضيع احلقوق ما تستخف به العقول ، و قد يؤدي ذلك إىل انتهاك حرمات اهللا

ـــا و جرائمهـــا ، لكـــن إذا و لـــذلك ، فالنـــاظر إىل طبيعـــة احلـــدود ال جيـــد تناســـبا بـــني عقوباأن اجلــزاء الــذي : درك حقيقــة مفادهــا دقــق النظــر إىل اآلثــار املرتتبــة عــن جنايــات احلــدود ، أ

تقـــرر يف احلـــدود ال ينظـــر فيـــه إىل الكـــم و ال إىل احلـــق الشخصـــي ، بـــل ينظـــر فيـــه إىل اآلثـــار .املرتتبة على اجلرمية

ال إىل مقــــدر االعتــــداء الشخصــــي ، فاحلــــدود ال ينظــــر فيهــــا إىل مقــــدار الفعــــل املرتكــــب و ن جرائمهـا ، و هـذه نظـرة تـوحي إىل معـىن العدالـة العقابيـة إمنا ينظر فيها إىل اآلثار املرتتبة عـو

ا احلدود يسـتقل بـه التشـريع اإلسـالمي عـن القـوانني الوضـعية و هـذا شـيء مـن اليت صبغت .فيض ، فلعل مرور الزمن و زيادة احملن يزيد من وضوح فكرة عدالة احلدود

الشـــــريعة اإلســـــالمية يف و عـــــدم إدراك هـــــذا املعـــــىن جعـــــل بعـــــض الكتـــــاب يهـــــامجون غلظـــــة م ، و لعــــل مقارنــــة تطــــور العقــــاب يف عقوبــــات احلــــدود ، خلفــــاء املعــــىن املقصــــود مــــن أذهــــاالقـــــوانني الوضـــــعية بالعقـــــاب يف التشـــــريع اإلســـــالمي ، و تعلـــــق النـــــاظر مبـــــا تقـــــرر يف القـــــوانني

.الوضعية خيفي املعىن املقصود بالعقاب عامة يف الفقه اإلسالمي

Page 181: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

181

الثانيالفرع

القــاعدة الثانیة

، الحدود مبنية علـى التخفيـف و علـى اإلسـقاط و المسـاهلةالفقهاء بعبارة أن اقد عرب عليه ـا ، ضـيق مـن نطـاق توقيعهـا و يقصدون بذلك أن الشرع احلكيم ملا أغلظ يف شـدد و عقوبا

ـا ، مراعــاة ملعـىن قــد تضـمنه التشــريع العقـايب مبجملــه و هـو املقصــود مـن العقوبــة أن: يف إثباا و إمنا الزجر .ليس ذا

:الغالبة يف احلدود املتمثلة يف يلي األسسو ميكن مالحظة ذلك من خالل

ا -1 .شدة العقوبة فيها استلزم شدة إثبا

.جيري فيها التداخل -2

ا ال تثبت بالقياس -3 .أ

شــدة العقوبـة اســتلزمت شـدة إثباتهــا: أمـا كــون احلـدود مبنيـة علــى قاعـدة : األسـاس األول للنصــــوص الشــــرعية الــــيت تتعلــــق باحلــــدود ، فوجــــدوا أن باالســــتقراء الفقهــــي قــــد ثبــــت فــــذلك

ـا ، الشارع احلكـيم مل يـرد العقـاب ذاتـه إمنـا أراد املقصـد و لكثـرة وضـع الشـروط الالزمـة إلثبار ، فــإذا حصـل ذلــك فقــد حصـل املقصــود ، و لــذلك اشــتهرت األصـلي منهــا الــذي هـو الزجــ

. الحدود تدرأ بالشبهات: قاعدة

: فاحلدود جيري فيها التداخل ، مبعىن : األساس الثاني

إذا اجتمــع أمــران إذا اتفقــت احلــدود يف اجلــنس و املوجــب ، فقــد اســتقر القــول علــى أنــه -

، و مل يتعلــق باحلــد مــن جــنس واحــد و لــم يختلــف مقصــودهما دخــل أحــدهما فــي اآلخــر غالبــا

Page 182: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

182

رب مـرارا ، أجـزأ يف ذلـك حـد ، فـإذا تكـرر فعـل الزنـا مـرارا و السـرقة مـرارا أو شـ )1(حق آدمي .من جنسه واحد

مــن هــذه و إذا اختلفــت يف اجلــنس و القــدر الواجــب كمــن ســرق و شــرب ، حــد لكــل - أن املقصـود : تعليـل ذلـك . )2(األفعال الختالفهـا يف اجلـنس و القـدر الواجـب ، فـال تـداخل

جـــار عـــن مباشـــرة ســـببه يف اإلنز و ، إخـــالء العـــامل مــن الفســـاد ، مــن إقامـــة احلـــد حقـــا هللا و ذلــك يف حالــة مــا إذا اتفقــت يف اجلــنس و املوجــب ، املســتقبل و هــذا حيــدث حبــد واحــد

.خبالف إذا زىن و قذف و شرب ، فيحد لكل واحد منها لعدم حصول املقصود أن األغـــراض خمتلفـــة ، فحـــد الزنـــا لصـــيانة األنســـاب و حـــد القـــذف : و الســـبب يف ذلـــك

مـوال ، فـال حيصـل لصيانة األعراض ، و حد الشرب لصيانة العقـول و حـد السـرقة لصـيانة األ . بكل جنس إال ما قصد بشرعه

ا ال تثبت بالقياس ، فقد اختلف العلماء يف ذلك إىل رأيني : األساس الثالث :أما كو

هـــو رأي ذهـــب إىل جـــواز القيـــاس يف احلـــدود ، و ينســـب ذلـــك إىل فقهـــاء الشـــافعية و -1 العقوبــــة ، فقــــرروا هلــــا نفــــس ، فقــــد قاســــوا اللواطــــة علــــى الزنــــا مــــن حيــــث لظــــاهر يف كتــــبهما

.)3(العقوبة

.)4(رأي ذهب إىل عدم جواز ذلك ، و ينسب إىل فقهاء احلنفية -2

:، و ينظر 123: ، ص) م 2009: دار الفكر ، بريوت ( 1، ط و النظائراألشباه السيوطي ، : ينظر – )1(

. 270: ص 1، ج المنثور في القواعدالزركشي ، . 533: ص 5، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )2( . 459: ص 2، ج) ت .ب: دار األرقم ، بريوت ( المستصفى من علم األصولالغزايل ، : ينظر – )3( . 551: ص 3، ج كشف األسرارالبخاري ، : ينظر – )4(

Page 183: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

183

أن املقــدرات و احلـدود ال يعقـل معناهــا ، و مـا ال يعقــل : فأمـا حجـة الــرأي الثـاين فهـي -أ .)1(معناه يتعذر القياس فيه

قلنـــا بالقيـــاس مـــن حيـــث ظفرنـــا بـــاملعىن الـــذي إمنـــا : و أمـــا حجـــة الـــرأي األول فقـــالوا -ب . )2(ألجله ثبت احلكم ، فحيث تعذر ذلك و كان بعيدا ، فإنا ال نقيس

لكـل مـذهب ، إمنـا بيـان وجـه التمكـني ، و يف هـذا ةو املقصود ليس بيان احلجة التفصيلي يف هـذا املقـام ، و مهما يكن من األمـر يف اخـتالف الفقهـاء « : املقام بقول اإلمام أبو زهرة

فإنــه مــن املقــرر الثابــت أن القيــاس يف بــاب العقوبــات و اجلــرائم كــان قلــيال و مل يكــن متســعا .)3(»األخرى ةكالشأن يف كل املسائل الفقهي

.أن الفقهاء علموا أن احلدود قائمة على اإلثبات و الشرعية : و السبب يف ذلك

فأما قيام احلدود على الشرعية ، فـذلك يـدل علـى أن لـيس لـويل األمـر الزيـادة أو النقصـان على ما قدره الشارع احلكيم ، فرجح فيها معىن التعبد ، فكان التوقـف علـى مـا قـدره الشـارع

.حلكمة يعلمها احلكيم القدير االزم اأمر

مــن احلـــدود أرادأن الشــارع احلكــيم و أمــا قيامهــا علــى اإلثبـــات ، فقــد ثبــت عنــد الفقهـــاء إذا قامــت األدلــة الثابتــة و املســتمرة علــى ثبــوت العقوبــة للجــاين ، كــان لزامــا : التمكــني مبعــىن

علــى ويل األمــر تنفيــذ احلـــد مــن غــري عفـــو و ال شــفاعة ، فــدل ذلـــك علــى أن احلــدود بنيـــت . على تغليب حق اهللا

.املصدر نفسه و اجلزء و الصفحة نفسها : ينظر – )1( 4، ج اإلحكام في أصول األحكاماآلمدي ، : ، و ينظر 324 :، ص تنقيح الفصول ، القرايف: ينظر – )2(

.67: ص . 243 :، ص)ت .ب: ، القاهرة دار الفكر العريب( أصول الفقهأبو زهرة ، – )3(

Page 184: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

184

فيهــا،ود التوقــف ، فلــم يوســعوا مــن دائــرة القيــاس فاسـتقر عنــد الفقهــاء أن الغالــب يف احلــد .و ابتعدوا عن ذلك

المطلب الثالث

القواعد األساسیة التي تقوم علیها التعازیر

و يتناول هذا املطلب قواعد عامة استقر عليها الفقهاء ، متثل ضوابط للحاكم حىت ال باعتبارها حق لويل األمر أو عن املقصود من التعزير ، و كذلك عن والية إقامتها خيرج

.واجب عليه

الفرع األول

القواعد العامة التي یقوم علیها التجریم و العقاب في التعازیر

التعزيــر مبــين علــى القواعــد العامــة الــيت يقــوم عليهــا التجــرمي و العقــاب ، كــالنهي عــن -1 .الفحشاء و املنكر و البغي و حترمي اخلبائث و الظلم و العدوان

فعـــدم التنصـــيص ال خيرجهـــا مـــن الشـــرعية ، إمنـــا هـــي مـــن ضـــمن قواعـــد عامـــة نصـــت عليهـــا الشـــريعة اإلســـالمية ، يف إطـــار العقوبـــات املســـموح بتوقيعهـــا ، فهـــي ال ترتقـــي يف الغالـــب إىل

.احلد أو القصاص ةمرتب

، احملرمــــات الــــيت حرمهــــا التشــــريع و لـــذلك ، إذا حتقــــق أن شخصــــا مــــا ارتكــــب نوعــــا مــــن فـــإذا الــيت متــس مصــلحة مــن مصـــاحل العامــة ، أو املصــلحة اخلاصــة يتقـــرر فيهــا حــق العبــاد ، و

Page 185: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

185

الســـلطة املختصـــة يف الدولـــة علـــى ضـــوء هـــذه القواعـــد العامـــة ، فهـــي تعاقـــب بعقوبـــة عاقبـــت .تعزيرية على جرمية سبق جترميها بنصوص شرعية

:عتبارين احلدود و القصاص و الدية ال خيتلف عنو التعزير مل -2

أن املصـــلحة العامــــة تقتضــــي التوســــع و عــــدم التضــــييق ، و طبيعــــة التعزيــــر : االعتبــــار األول .تقتضي هذا التوسع ، خبالف احلدود و القصاص

ا تتعلق باألحكام التكليفية أكثر مـن تعلقهـا باألحكـام الوضـعية ، فهـي : االعتبار الثاني أرمـة ، و ال تـنص علـى العقوبـة ، و إمنـا يـرتك تقـديرها إىل تنص على اجلرمية و تقرر األفعال ا

.السلطة املختصة يف حتديد نوع العقاب

ــرم ، و يكــون الزجــر -3 و التعزيــر مــن العقوبــات املرنــة ، فيهــا يراعــى أحــوال و ظــروف ا، و بـــذلك يعطـــى فيـــه بـــالكالم و التـــوبيخ و احلـــبس و النفـــي ، و لـــيس املقصـــود منـــه التلـــف

.لتقدير العقوبة دون إمهال شخص اجلاين اضي جمال واسعللق

مث ملا كانت مفاسد اجلرائم بعـد متفاوتـة غـري منضـبطة يف الشـدة و « : قال ابن قيم اجلوزية ـــا –و هـــي مـــا بـــني النظـــرة و اخللـــوة و املعانقـــة –الضـــعف و القلـــة و الكثـــرة جعلـــت عقوبا

حبســب و ســب املصــلحة يف كــل زمــان و مكــان ، حبراجعــة إىل اجتهــاد األئمــة و والة األمــور أرباب اجلرائم أنفسهم ، فمن سوى بـني النـاس يف ذلـك و بـني األزمنـة و األمكنـة و األحـوال

.)1(»مل يفقه حكمة الشرع

. 128: ص 2، ج إعالم الموقعينابن قيم اجلوزية ، – )1(

Page 186: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

186

أن : ، مبعــىن )1(التلــف ، و ال يقصــد منــه فالمقصــود مــن التعزيــر االستصــالح والتأديــب -4 الــــنفس ، ألن الواجــــب فيــــه األدب ، ال تــــؤدي هــــذه العقوبــــة إىل مــــا يفســــد البــــدن و يهلــــك

األدب ال يكون باإلتالف ، و يتحقق فيها معىن الزجر حىت يطلق عليها مفهوم العقوبة و

ا أن تــربز خصــائص العقوبــة -5 و يالحــظ أن التعــازير قــد تضــمنت قواعــد أخــرى مــن شــأاإلســالمي ، و هــي موجــودة ضــمن اجتهــادات الفقهــاء الــذين أقــاموا األســس العامــة يف الفقــه

: للتعزير ، و ضبطوا من خالهلا تصرفات احلكام ، من ذلك ما يلي

مـــا تضـــمنته العقوبـــات التعزيريـــة و الـــيت أثبتـــت أنـــه لـــيس يف التشـــريع اإلســـالمي مـــا يســـمى ص لوجود شـبهة أو لعفـو ، فـإن هـذا لـيس فالت من العقاب ، فإذا ختلف احلد أو القصااإلب

مـــربرا لســـقوط العقوبـــة ، و إمنـــا هنـــاك جانـــب تكلـــم فيـــه الفقهـــاء و فصـــلوا فيـــه تفصـــيال فيمـــا عند وجود الشـبهة يف احلـد أو صـدور عفـو يف القصـاص ، حـىت ال يتعلق مبراعاة حق اهللا

: يفلـــت اجلـــاين مـــن العقـــاب ، و هنـــا يطبـــق التعزيـــر بقواعـــده العامـــة ، و لـــذلك قـــال العلمـــاء جـــب أن و مل جيـــب فيهـــا احلـــد و ال كفـــارة ، املعصـــية تفتقـــر إىل مـــا مينـــع مـــن فعلهـــا ، فـــإذا«

.)2(»ها يشرع فيها التعزير ليتحقق املانع من فعل

:على سبيل البيان –و هذا الذي دفع العلماء إىل تقسيم التعازير إىل ثالثة أقسام و هي

.تعازير املصلحة و تعازير املخالفات و تعازير املعاصي و هو األصل

.أما التعزير للمعاصي فهو األصل و الغالب يف مفهوم الفقهاء له

:رم ، وهي على ثالثة أحكام و املعصية ترك الواجب و إتيان احمل

. 218: ص 2، ج تبصرة الحكام ابن فرحون ،: ينظر – )1( . 121: ص 6ج، كشف القناعالبهويت ، – )2(

Page 187: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

187

معصية فيها حد و كفارة ، كالزنا و السرقة و الشرب و القذف ، فيكفي يف ذلك - أ

.احلد عن عقوبة التعزير

ار رمضان -ب .معصية فيها كفارة و ال حد ، كاجلماع يف

.بهة يف احلد معصية ال كفارة فيها و الحد ، كاخللوة باملرأة األجنبية ، أو حتقق ش -ج

و هــذا النــوع األخــري هـــو الــذي يســوغ فيـــه التعزيــر وجوبــا عنــد أكثـــر الفقهــاء و جــوازا عنـــد . )1(اإلمام الشافعي

، لكــــن يف المقصــــود منـــه األدب و االستصـــالحمـــن ناحيـــة املبـــدأ العــــام للتعزيـــر ، فـــإن -6 ، خمالفـا يف ذلـك املبـدأ بعض جزئيات الفروع الفقهية تبني أن التعزير قد يصل إىل حـد القتـل

.العام

اسوس املسلم إذا ـفقد ذهب فقهاء املالكية و بعض فقهاء احلنابلة على جواز قتل اجل

، )2(جتسس على املسلمني ، و قتل الداعية إىل البدع املخالفة للكتاب و السنة كاجلهمية

. )3(و أجاز أبو حنيفة التعزير بالقتل فيما تكرر من اجلرائم

.143: ، ص الطرق الحكميةابن قيم اجلوزية ، : ينظر – )1( ، الطرق الحكميةابن قيم اجلوزية ، : و ينظر ، 223: ص 2، ج تبصرة الحكامابن فرحون ، : ينظر – )2(

إىل جهم بن صفوان ، و من بدعهم إنكار صفات) اجلهمية ( ، و ينسب هذا االعتقاد 143: ص مشس الدين الذهيب ، تاريخ اإلسالم و وفيات املشاهري و األعالم ،: و القول خبلق القرآن ، ينظر اهللا . 66: ص 8، ج) م 1987: دار الكتاب العريب ، بريوت ( 1حتقيق عبد السالم تدمري ، ط

. 63: ص 4ج، رد المحتارابن عابدين ، : ينظر – )3(

Page 188: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

188

الفرع الثاني

حكم القیام بالتعازیر

إذا كـــان ويل األمــــر مفوضـــا يف إقامـــة التعــــازير : مـــن ناحيـــة حكـــم القيــــام بالتعـــازير ، مبعـــىن ، فهل يعد هذا حقا لويل األمر أم أنه واجبا عليه ؟ الواجبة حقا هللا

:اختلف الفقهاء يف ذلك على مذهبني

يل األمــر ، ى أن التعزيـر واجـب يف أصـله علـى و املالكيـة ، علــمـذهب فقهـاء احلنفيـة و -1 ـا فلـيس لـه و اخليار له يف تقدير العقوبات على ما يـراه الشـارع احلكـيم مـن قيـود جتـب مراعا

. )1(مطلق احلرية يف ذلك

ظـــاهر مـــذهب الشـــافعية ، علـــى أن ويل األمـــر خمـــري بـــني العقـــاب و عدمـــه ، كمـــا هـــو -2 . )2(عقوبةخمري يف تقدير ال

ا احلجة و قد ردت كلهاأدلة بوقد استدل الشافعية على مذهبهم . )1(، فلم تقم

ا و إرجـــاع و اخلـــالف يف حقيقتـــه مل يكـــن جوهريـــا ، و إمنـــا حيتـــاج إىل رد األمـــور إىل نصـــا .الفروع إىل أصوهلا

. 320: ص 6، ج مواهب الجليل احلطاب ،: و ينظر ، 108: ص 9ج، المبسوط السرخسي ، : ينظر – )1( . 255: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )2( الفروق ، القرايف ، 346: ص 5، ج) ت .ب: دار الفكر ، بريوت ( شرح فتح القديرابن اهلمام ، : ينظر – )3(

. 145: ص 4ج

Page 189: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

189

فاملعاصي يف التشريع اإلسـالمي تنقسـم إىل قسـمني ، كبـائر و صـغائر ، و اإلمث يقـع فـيمن ا .ارتكب الكبائر ، و يقع يف الصغائر إذا كان معها اإلكثار منها و اإلصرار على ارتكا

و هذا يدل علـى أن العقوبـات التعزيريـة إمنـا تكـون علـى الكبـائر ال علـى الصـغائر ، إال إذا ت هــذه الصــغائر فيهــا اعتــداء علــى حقــوق الغــري ، و قــد أمجعــت األمــة علــى أن العقــاب كانــ

. )1(واجب يف ذلك : و الباعث عليها أمور ثالثة -عامة –و يالحظ يف العقوبة . وجود فساد عام -أ .احلمل على التوبة و الرجوع إىل اجلادة -ب .الزجر العام -ج بواحــدة مــن هـــذه األمــور الثالثــة و حتققـــت الشــروط ، أصــبح وجـــوب فــإذا حتقــق املوجـــب

إقامة التعزير على اإلمام شرعا إذا علم« : العقاب ضرورة ، و لذلك قال السرخسي ون مستحقا على املرء ال يتقيد بشرط ليس يف وسعهـأنه ال ينزجر إال به ، و ما يك

. )2(»التحرز عنه كمنـــع الفســـاد يف األرض و مـــا فوجـــوب العقـــاب يتعـــني إذا اســـتدعته الـــدواعي إىل ذلـــك ،

.إليه املصلحة يف منع اجلرمية و قطع دابرها يف املستقبل تدعود يتعــــني الفســــاد و توجــــلإلمــــام أن يــــرتك التعزيــــر حــــني : و الشــــافعية ال ميكــــنهم أن يقولــــوا

.دواعي العقوبة اإلمام أبوزهرة من خالل عبارات اإلمام بينهآخر قد الشافعية شيءفدل ذلك أن مراد

.46: ص 5، ج) ت .ب: دار املعرفة ، بريوت ( البحر الرائق شرح كنز الدقائقابن جنيم ، : ينظر – )1( . 108: ص 9ج، المبسوط السرخسي ، – )2(

Page 190: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

190

.الشافعي الواردة يف إفادة معىن التخيري فبني القصد منها أنـه لـيس بواجـب عليـه إن تعـني اإلنزجـار ، فهـو يقصـد أنـه مبـين علـى رأي

ة ، وإن تـــرك اإلمـــام و علـــى تقـــديره يف اجلملـــة ، فـــإذا عاقـــب فربأيـــه الـــذي تـــدفع إليـــه املصـــلح . )1(فألن املصلحة أوجبت ذلك

أن جيعـــــل و يل األمـــــر ملزمـــــا : مث هنـــــاك قصـــــد آخـــــر تضـــــمنته فـــــروع الشـــــافعية ، يتمثـــــل يف بضــمان مــا يــؤدي لــه العقــاب مــن عجــز أو وفــاة أو قطــع لطــرف و غــري ذلــك ، ألنــه مــا دام

.احلق لويل األمر فهو غري ملزم بعقوبة معينة و على ذلك فمىت اختار عقوبة ، فإنه يتقيد يف اختيـاره هلـذه العقوبـة بشـرط السـالمة الـذي

.هو قيد على استعمال احلق يف الشريعة اإلسالمية ففقهــاء الشــافعية عنــدما يتكلمــون عـــن ذلــك ، جيعلونــه يف بــاب املتلفــات ، و ال يـــذكرون

. )2(عنه شيئا يف باب التعزيريف أصل مشـروعيته مـن قبيـل األمـر بـاملعروف و النهـي عـن املنكـر ، و هـو أمـر مث إن التعزير

ال ميكن أن يقول فيه الشافعية أنه غري واجب على ويل األمر إذا كـان العقـاب قـد تعـني دفعـا .للمنكر و محال على املعروف ، و األمر باملعروف و النهي عن املنكر أمر واجب

ا قال الزيلعي علىـ االعتقاد بأن الفقهاء جممعون كمو قد خلص اإلمام أبو زهرة إىل أن التعزيــر واجــب إن تعــني ســببه ، فــال فــرق بــني نظــر الشــافعي و نظــر غــريه ، و أنــه إن مل

يتعــــني اإلنزجــــار بــــأن ظهــــرت علــــى العاصــــي بــــوادر التوبــــة ، فإنــــه ال موجــــب للعقــــاب إن مل . )3(حيصل فساد ، فكان لويل األمر ترك العقاب

. 301 – 300: ، ص الجريمةأبو زهرة ، : ينظر – )1( . 162: ص 4ج، أسنى المطالب ابن زكريا ،:و ينظر ، 173 - 171: ص 6ج، األم الشافعي ،:ينظر – )2( . 302 :، ص الجريمة أبو زهرة ،: ينظر – )3(

Page 191: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

191

و هــذا يــدل أن للفقهــاء نظــرة خاصــة يف موجــب العقــاب و الــذي يتمثــل يف منــع اســتمرار الفســـاد يف األرض بالنســـبة لعقوبـــات التعزيريـــة ، باعتبارهـــا محـــل علـــى أداء واجـــب الـــذي هـــو األمـر بـاملعروف و النهـي عــن املنكـر ، فالعقوبـة التعزيريــة ليسـت تكفـريا علــى مـا اقـرتف اجلــاين

.ا وجد املوجب أصبحت العقوبة واجبة و ضرورية باتفاق العلماء من جرمية ، فإذ

Page 192: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

192

المبحث الثالث األصول الشرعیة للعفو

و فيه بيان مشروعية العفـو يف كـل مـن عقوبـة القصـاص و احلـدود و التعـازير ، مـن الكتـاب .حكمه التكليفي إىل و السنة ، مع اإلشارة

المطلب األول في عقوبة القصاص

و املتمثل يف متكني الذي استقر عليه الفقهاء أن القصاص فيه حقان ، حق اهللا : العقوبــة ، و حــق العبــد املتمثــل يف العفــو ، و أضــيفت هــذه العقوبــة إىل حــق العبــد ، مبعــىن

. أن حق العبد يف القصاص غالب على حق اهللا دب الشــارع احلكــيم إىل العفــو يف كثــري مــن النصــوص و هـذا التغليــب إمنــا يــربز مــن خــالل نــ

. و قد ذكر من ذلك الكثري يف الباب األول يف الفصل األول اليت تتعلق بعدالة العقوبة ، الفرع األول القرآن الكریم

: قوله - 1 ) 178:البقرة(

: مث يقول

.فأتبع عدالة العقوبة بالعفو ، )178:البقرة(

Page 193: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

193

: مث قــــال )ألن « : ، قــــال القــــرطيب )178:البقــــرة

أهــل التــوراة كــان هلــم القتــل و مل يكــن هلــم غــري ذلــك ، و أهــل اإلجنيــل كــان هلــم العفــو و مل يكن هلم قود و الدية ، فجعل اهللا تعاىل ذلك ختفيفا هلذه األمة ، فمن شاء قتل و من شاء

وتيسـري أمـور ، ففيـه داللـة علـى أن العفـو مـن بـاب التخفيـف)1(»الدية و من شاء عفـا أخذ .هذه األمة

: قوله - 2

)ه ــ، إىل قول )45:املائدة :

)فشرع العدل و « :، قال ابن كثري ) 45:املائدة

.)2(»ندب إىل الفضل و هو العفو

أنه عندما يقر الشارع احلكيم بعدالة –من خالل النصوص الشرعية –و ال حظ العلماء العقوبة ، يتبع ذلك مبشروعية العفو ، و ال يقف عند ذلك ، و إمنا يدعو إىل تفضيل و

: ندب العفو على عدالة العقوبة ، من ذلك قوله

: ول من نفس اآلية ـ، مث يق )40:الشورى( و ،

: كذلك يف قوله )مث )126:النحل ،

: يقول سبحانه و تعاىل من نفس اآلية يقول ،

. 201: ص 2، ج جامع األحكامالقرطيب ، – )1( . 194: ص 7، ج تفسير القرآن العظيمابن كثري ، – )2(

Page 194: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

194

األوىل ترك ذلك االنتقام ، ألن الرمحة أفضل و هذا تصريح بأن« : هلذه اآلية الرازي مفسرا .)1(»لقسوة و اإلنفاع أفضل من اإليالممن ا

فظـــاهر داللـــة النصـــوص الســـابقة يقـــر بـــأن العفـــو أفضـــل مـــن العقوبـــة ، و أنـــه مشـــروع هلـــذه األمــة توســعة و رمحــة و تيســرا للعبــاد إىل مــا فيــه مصــلحتهم الــيت يعلمهــا اهللا ســبحانه و تعــاىل

.من ذلك الفرع الثاني السنة النبویة

رفــع إليــه قصــاص إال مــا رأيــت رســول اهللا : مــن الســنة ، حــديث أنــس بــن مالــك -1

. ))2أمر فيه بالعفو ما من رجـل يصـاب بشـيء : يقول مسعت رسول اهللا : حديث أيب الدرداء ، قال -2

. ))3 في جسده فيتصدق به إال رفعه اهللا به درجة و حط عنه به خطيئةبهــــا مــــا عفــــا رجــــل عــــن مظلمــــة إال زاده اهللا : قــــال حــــديث أبــــو هريــــرة أن النــــيب -3

. ))4عزاثـالث و الـذي نفـس محمـد بيـده إن :قـال حديث عبـد الـرمحن بـن عـوف أن النـيب -4

ال يعفـو عبـد عـن مظلمـة يبغـي بهـا ال ينقص مال مـن صـدقة فتصـدقوا ، و: فا عليهن لكنت لحاإال زاده اهللا بهـا عـزا يـوم القيامـة ، و اليفـتح :إال رفعه، قال أبو سعيد مولى بني هاشم جه اهللاوو

.))5عبد باب مسألة إال فتح اهللا عليه باب فقر

. 141: ص 20، ج التفسير الكبيرالرازي ، – )1( .4497: ، كتاب الديات ، رقم السننأخرجه أبو داود يف -)2( . 2613: ، كتاب الديات ، رقم السننأخرجه ابن ماجة يف -)3( .سبق خترجيه -)4( . 1584: رقم كتاب مسند العشرة املبشرين باجلنة ، ، المسندأخرجه اإلمام أمحد يف -)5(

Page 195: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

195

.. حـــديث أنـــس بـــن مالـــك يف قصـــة الربيـــع بنـــت النضـــر بـــن أنـــس كســـرت ثنيـــة جاريـــة -5 إن مــن عبــاد :، فعفــا القـوم ، فقــال رســول كتــاب اهللا القصــاص :فقـال النــيب

. ))1اهللا لو أقسم ألبره : و يستفاد من هذا احلديث أمران على القصاص ، داللة على أن احلق صار بأيد أولياء الدم إصرار النيب : األمر األول .، و هذا ما حرك فيهم مشاعر السماح و العفو ، و هذه من فوائد متكني القصاص إىل أنـه يف العفـو مل يبـدها ، ألنـه ملـا كـان العفـو أشـار النـيب رغبة النـيب : األمر الثاني

. صادف رضا يف نفسه .فهذه نصوص من السنة القولية و الفعلية صرحية يف الندب إىل العفو

المطلب الثاني الحدودعقوبات في

ا الفقهاء على مشروعية العفو يف احلدود ما يلي :من النصوص الشرعية اليت استدل تعـافوا الحـدود : قـال حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عـن جـده أن رسـول اهللا -1

. ))2 فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجبرأسه من تحتأخذ فنام في المسجد و توسد رداءه ، أنه : عن أبيهحديث صفوان - 2

ردائيهذا ، لم أرد : أن يقطع ، فقال صفوان النبي، فأمر به النبيإلى بسارقهفجاء

.سبق خترجيه -)1( . 4803: ، كتاب قطع السارق ، رقم السننأخرجه النسائي يف -)2(

Page 196: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

196

، و استدل به الفقهاء ))1 هال كان قبل أن تأتيني به :، فقال رسول اهللا صدقة عليه جبواز العفو عن عقوبة السرقة قبل رفع الدعوى إىل و يل األمر ، و قد استحسن الفقهاء

ين عليه قبل رفع السارق إىل احلاكم ليكون العفو منه ، عمال بقوله تعاىل : الشفاعة من ا ) 199:األعراف . (

واــين ما استطعتم ، فإن كان له مخرج فخلـادرءوا الحدود عن المسلم :قول -3

.))2 سبيله ، فإن اإلمام ألن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة

:و من أقوال الصحابة رضوان اهللا عليهم مجيعا و التابعني ما يلي -

أنــه لقــي رجــال قــد أخــذ ســارقا و هــو يريــد أن يــذهب بــه إلــى الســلطان ، روى عــن الــزبري -أ ـــه : ال ، حتـــى أبلـــغ بـــه الســـلطان ، فقـــال الزبيـــر : فشـــفع لـــه الزبيـــر ليرســـله ، فقـــال إذا بلغـــت ب

. )3(السلطان ، فلعن اهللا الشافع و المشفع

نعـم ، إن ذلـك يفعـل مـا : ال تشـفع لسـارق ، قـ: شفع لسارق فقيل لـه ما روي أن عليا -ب .)4( لم يبلغ اإلمام ، فإذا بلغ اإلمام فال أعفاه اهللا إذا أعفاه

ــا الفقهــاء علــى جــواز العفــو يف احلــدود ، و مــن أثــر هـذه مــن مجلــة النصــوص الــيت اســتدل اإلمــام و مــا بعــد رفعهــا إىل إىل تقســيم بالنســبة جلــواز العفــو إىل مــا قبــل رفــع الــدعوى : ذلــك

. سبق خترجيه -)1( 4ج، المستدرك، و ضعف رفعه ، و احلاكم يف 1424: ، كتاب احلدود رقم الجامعيف الرتمذي أخرجه – )2(

. 84: ص 3ج، سننهصحيح اإلسناد ، و الدارقطين يف : و قال 384: ص . 364: ، كتاب احلدود و الديات ، رقم السننأخرجه الدارقطين يف – )3( . 28082: ، كتاب احلدود ، رقم المصنفأخرجه ابن أيب شيبة يف – )4(

Page 197: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

197

السـرقة و القـذف، و تـرجيح مـا مام ، فما كان قبل ذلـك فقـد استحسـن الفقهـاء العفـو يف اإل .إىل العفو يف الزنا و الشرب و احلرابة ، كسرت العيوب واملسارعة إىل التوبة يدعو

أن نصـــوص متكـــني احلـــدود أصـــح مـــن نصـــوص : التنبيـــه إىل أمـــر مفـــاده مـــن إال أنـــه ال بـــد ذلك احتــاط العلمــاء فيهــا عنــد موضــع الشــبهة ، و رجحــوا جانــب أفضــلية العفــو فيهــا ، و لــ

. التمكني فيها عند حصول اإلثبات ، فال عفو و ال شفاعة باالتفاق

الثالث المطلب

التعازیر عقوبات في

: الذي عليه االتفاق بني الفقهاء ، جواز العفو يف جرائم التعازير ، لألدلة التالية

، قيــــــل هــــــم أصــــــحاب ))1 ذوي الهيئــــــات عثــــــراتهم إال الحــــــدود أقيلــــــوا :قولـــــه -1 ، و لــذلك فــرق العلمــاء بــني مــا )2( مــن مل يظهــر منــه ريبــة: الصــغائر دون الكبــائر ، و قيــل

.معروف بالصالح و إمنا هي زلة ، و بني ما هو معروف بالفجور هو

، و ذلـك يف ))3 أحـباشفعوا تـؤجروا ، و ليقضـي اهللا علـى لسـان نبيـه مـا :قوله -2 .التعزير و ليس احلدود

. ))4 محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهممن اقبلوا : يف األنصار قوله -3

.سبق خترجيه – )1( . 330: ص 10، ج شرح السنةالبغوي ، :ينظر – )2( . 1432: ، كتاب الزكاة ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )3( . 3799: ، كتاب مناقب األنصار ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف -)4(

Page 198: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

198

إن رجال أصاب من امرأة قبلة ، فأتى رسول : أنه قال ما روي عن ابن مسعود - 4

: ، فأنزل اهللا فأخبره اهللا

) يا رسول اهللا : فقال الرجل ، ) 114: هود

. ))1لجميع أمتي كلهم : ألي هذا ، قال

يف شراج ما روي أن رجال من األنصار خاصم الزبري بن العوام عند النيب - 5

ا النخيل ، فقال األنصاري )2(احلرة سرح املاء مير ، فأىب عليه ، : اليت يسقون ثم أرسل إلى بالمعروف سق يا زبيرا : للزبري ، فقال رسول اهللا فاختصما عند النيب

ثم اسق: ، ثم قال أن كان ابن عمتك ، فتلون وجه رسول اهللا : فقال األنصاري جارك ، نزلت في أهذه اآلية إنو اهللا : ، فقال الزبير و استوعى له حقهالجدر إلىالماء يرجع احبس

:ذلك

) 65: النساء ()3( .

، ألن التعزير تأديب ، فأشبه لو مل جيز التعزير لعزره الرسول : ووجه الداللة يف ذلك .من هذا الوجه تأديب األب و املعلم ، لكن ترك عقوبته

. 5261: ، كتاب مواقيت الصالة ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )1( ابن : ينظر أرض بركانية ملبسة باحلصى ،: الساقية اليت يف احلرة ، و احلرة :الشراج – )2(

. 305: ص 2، ج لسان العربمنظور ، . 2189: ، كتاب املساقاة ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )3(

Page 199: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

199

المبحث الرابع

للعفو عن العقوبةالضوابط العامة

و القصد من هذا املطلب هو تفصيل ما تقرر من أصل العفو و بيان حكمه التكليفي أن إثبــات الشــارع للعفــو يف العقوبــة مبــين علــى مقاصــد ، أشــار إليهــا الفقهــاء مــن : و املعــىن

.خالل ضبطهم ألمر العفو

المطلب األول في القصاص

املعلــوم أن الشــارع احلكــيم حـــث علــى متكــني القصــاص ، ألن فيـــه حيــاة النــاس و اســـتقامة

.أمورهم ، و حث على العفو و رغب يف ذلك تيسريا و ختفيفا للعباد حلكم يعلمها مــــا : ، قـــد يتبـــادر إىل الــــذهن ســـؤال مفـــاده ) القصــــاص و العفـــو ( و مـــع تشـــريع األمـــرين

أم العقوبة ؟األوىل للمظلوم ، هل العفو ال ينــدب عبــاده إىل العفـــو إال فقــد يقــول قائــل أن األوىل للمظلــوم العفــو ، ألن اهللا -

و فيه مصلحتهم راجحة على مصلحة االنتصاف من الظامل ، و زيادة علـى ذلـك فيـه األجـر .الكبري ، فالعايف يستحق من األجر ما ال يستحقه من العوض عن تلك املظلمة

ح لبــاب اإلحســان الــذي هــو العفــو علــى مبــدأ عدالــة العقوبــة ، إتباعــا للشــرع و هــذا تــرجي .احلكيم الذي حث و رغب يف العفو على عدالة العقوبة كما تضمنته النصوص السابقة

Page 200: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

200

و قد يقول قائل األوىل ترك العفو و االنتصاف من الظامل ، ألنـه مـا دام الشـارع احلكـيم - العفو ، فإننـا ال نعلـم هـل القيـام بالقصـاص أنفـع للمظلـوم أمر بتمكني القصاص و ندب إىل

س إىل القطــع بأولويــة العفــو طريــق ، و قــد أم أجـر العفــو ؟ و مــع قيــام االحتمــال و الــرتدد فلــي .تبني جزء من هذا يف الباب الثاين يف الفصل الثاين عند الكالم عن اإلشكاالت األصولية

يـأمر األحـداث بعـد تقريـر عقوبـة القصـاص كما كان يف كثـري مـن لوحظ أن النيب و قد مـــن بــالعفو و يفضــله و يرغـــب فيــه ، كـــان يــأمر بتثبيـــت العقوبــة العادلـــة الــيت هـــي القصــاص

:ذلك

أن نفــرا مــن عكــل ثمانيــة قــدموا علــى رســول فقــد ثبــت عــن أنــس بــن مالــك -1 فبايعوه على اإلسالم ، فاستوخموا األرض ، و سقمت أجسـامهم ، فشـكوا ذلـك إلـى رسـول اهللا

فقال : أال تخرجون مع راعينا فـي إبلـه ، فتصـيبون مـن أبوالهـا و ألبانهـا ، بلـى : فقـالوا، فخرجـــوا فشـــربوا مـــن أبوالهـــا و ألبانهـــا فصـــحوا ، فقتلـــوا الراعـــي و طـــردوا اإلبـــل ، فبلـــغ ذلـــك

، فبعث في آثارهم ، فأدركوا فجيء بهم ، فأمر بهم فقطعـت أيـديهم و أرجلهـم و ول اهللا رس، و إن كـان هـذا يف بـاب الـردة و احلرابـة ))1سمر أعيـنهم ، ثـم نبـذوا فـي الشـمس حتـى مـاتوا

.أقر بالعقوبة و إن كان باب التوبة إليهم قريب القتل ، إال أن النيب دمع وجو

مـن صـنع : أن جاريـة وجـد رأسـها قـد رض بـين حجـرين ، فسـألوها و كذلك عنه -2 ــا ، فأومــأت برأســها ، فأخــذ اليهــودي فــأقر فــأمر بــه هــذا بــك ؟ فــالن فــالن ، حتــى ذكــروا يهودي

.))2 أن يرض رأسه بالحجارة رسول اهللا

. خترجيه سبق -)1( . سبق خترجيه -)2(

Page 201: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

201

لذلك ، فـأمر العفـو يف القصـاص ال بـد أن ينضـبط يف إطـاره الشـرعي حـىت يتحقـق مقصـود .الشارع احلكيم من تشريعه للعفو يف هذه العقوبة

فــالعفو قــد يكــون منتجــا آلثــاره املطلوبــة شــرعا يف مواضــع و غــري منــتج يف مواضــع أخــرى ، قوبـة قصـدها الشـارع ، لكـن يف ميكن أن يكون للعفو مصلحة راجحة على عدالـة الع: مبعىن

مواضـــع أخـــرى مل تتحقـــق هـــذه املصـــلحة الراجحـــة و يـــرتجح عليهـــا جانـــب العـــدل الـــذي هـــو .القصاص

:وتعليل ذلك ميكن أن يكون من عدة زوايا منها

مـع ذلـك تتمثل يف تصرف الشـارع احلكـيم ، و قـد بينـا تصـرف الرسـول : الزاوية األولى قـــد ذكــــر العفـــو يف معـــرض املــــدح و ذكـــر القصــــاص يف معـــرض املــــدح ، أمـــا القـــرآن الكــــرمي ف

: ه ـــــــــــــــــــكــــــــــــــــذلك ، كقول

، فهــذا موضــع الرتغيــب إىل إقامــة القصــاص و النهــوض بــه كمــا بينــا ســابقا يف )179:البقــرة( : معــــــــــــرض متكــــــــــــني القصــــــــــــاص، و قولــــــــــــه

فكــان لزامــا بيــان الســبب يف مــدح و هــذا موضــع صــريح يف مــدح للعقوبــة ،، )39:الشــورى( .العقوبة و مدح العفو معا

االنتصـار يف البغـي يف معـرض ذكـر اهللا « : و قد بني ذلك ابن العريب يف تفسريه قـائال املدح ، و ذكر العفو عن اجلرم يف موضع آخر يف معرض املـدح ، فاحتمـل أن يكـون أحـدمها

: عا إىل حالتني رافعا لآلخر ، و احتمل أن يكون ذلك راج

Page 202: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

202

قحـــــا يف اجلمهـــــور ، مؤذيـــــا للصـــــغري أن يكـــــون البـــــاغي معلنـــــا بـــــالفجور ، و: إحـــــداهما - كـانوا يكرهــون أن «: الكبـري ، فيكـون االنتقـام منــه أفضـل ، و يف مثلـه قـال إبــراهيم النخعـي و

. » يذلوا أنفسهم فتجرتئ عليهم الفساق

ممـــن يعـــرف الزلـــة و يســـأل املغفـــرة ، فـــالعفو هنـــا أن تكـــون الفلتـــة أو يقـــع ذلـــك : الثانيـــة - .)1(»أفضل

ـــــــــــه : و يقـــــــــــول اجلصـــــــــــاص تفســـــــــــريا لقول

يـــــدل ظــــــاهره علــــــى أن االنتصــــــار يف هــــــذا املوضــــــع أفضــــــل ، أال تــــــرى أنــــــه قرنــــــه إىل ذكــــــر «:االســتجابة هللا تعـــاىل و إقامـــة الصـــالة ، و هــو حممـــول علـــى مـــا ذكــره إبـــراهيم النخعـــي ، فهنـــا فــيمن تعــدى و بغــى و أصــر علــى ذلــك ، و املوضــع املــأمور فيــه بــالعفو إذا كــان اجلــاين نادمــا

. )2(»مقلعا

مــع تصــرف النــيب ( و لعلــه الحــظ « : ذا مــا خلــص إليــه اإلمــام أبــو زهــرة ، يقــول و هــ م عوامـل احلقـد أنـه إذا كـان اجلـاين ممـ) اليهودي الذي قتل اجلارية احلسـد و ن تتحـرك يف قلـو

، فإنــه ال يكــون للعفــو موضــع ، ديف اإلفســاد ، و العفــو ال يزيــده إال عتــوا و إمعانــا يف الفســام للفســاد بالقصــاص و الزجــر و احليــاة الفاضــلة اآلمنــة الــيت بينهــا اهللا ســبحانه بــل يكــون احلســ

: و تعاىل )3(») 179:البقرة(.

: ،و ينظر 87: ص 4، ج) ت .ب: دار الكتب العلمية ، بريوت ( أحكام القرآنابن العريب ، : ينظر – )1(

. 31:، ص الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، . 573: ص 3، ج أحكام القرآناجلصاص ، – )2( . 535 :، ص) ت .ب :دار الفكر ، القاهرة ( العقوبة ، أبو زهرة – )3(

Page 203: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

203

فتبـني أن الشـارع احلكـيم أراد العفـو و رغـب فيـه مـن حيـث كـون مصـلحته راجحـة متضـمنة .صالح اجلاين و سعيه إىل التوبة و إىل الغفران

أن الشـــارع احلكـــيم رغـــب يف العفـــو عنـــد موضـــع : التنبيـــه إىل أمـــر مفـــاده مـــن لكـــن ال بـــد ، فــإذا حتقــق ذلــك ينظــر إىل التمكــني للعقوبــة و حتقــق املقصــد األصــلي هلــا الــذي هــو الزجــر

اجلاين و أحواله ، فإن كـان مـن أهـل الصـالح و إمنـا هـي زلـة وقـع فيهـا نتيجـة الغضـب أو أي .شيء آخر ، فإن العفو يف هذه املوضع مرغوب فيه و إال متكني العقوبة

و إن كـان مـن أهــل الفسـاد و الفجـور و قــد اشـتهر بـذلك ، فــإن العفـو ال يزيـده إىل فســادا وينا بالنظام ، فكان األوىل العقوبة حسما للفساد و ا .ستهتارا باألحكام و

التحســينية ، فــإن الشــارع احلكــيم جعــل احلاجيــة و و هــو النظــر يف املقاصــد : الزاويــة الثانيــة جعـل و اجيـة ، مـن املقاصـد احل و التوبـة متكني العقوبة من املقاصد الضرورية ، و جعل العفـو

ـــا أحـــوال اخللـــق ، و هـــذا مـــن بـــديع الســـرت للعيـــوب مـــن املقاصـــد التحســـينية الـــيت تتحســـن . التشريع و أسراره

و الرجـوع و اإلنابـة إليـه ، والشـارع احلكـيم رغـب فإن التوبة هي من معاين العبوديـة هللا ـــا ختـــدم املقاصــد الضـــرورية و احلاجيـــة يف حتقــق اهلـــدف مـــن يف التوبــة يف مجيـــع األحــوال ، أل

.عقوبات و املتمثل يف خلو العامل من الفساد تشريع ال

فاملقصــــد التشــــريعي للعقوبــــات الــــذي هــــو الزجــــر ال يتحقــــق بــــاإليالم فقــــط و إن كــــان هــــو الظاهر ، و إمنا يتحقق بزوال الفساد و الفجور على الغالب ، و من شأن التوبة أن تزيل

.الرغبة يف الفساد ملا فيها من نوازع الندم و اإلقالع عن الذنب

Page 204: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

204

فالتوبــة فيهــا داللــة علــى النــدم و القلــوع عــن الــذنب و املعصــية ، فرمبــا مل يكــن القاتــل قتــل قاتلــه بإصــرار و ترصــد ، بــل كــان حتــت وطــأة الغضــب جعلتــه يقــع يف جرميــة القتــل ، و كــان

.ن هذا اجلانب راجحا و يندب إليه الندم يغلب عليه ، فيكون العفو م

ــــا العبوديــــة هللا ، خبــــالف املصــــر علــــى القتــــل و علــــى الفجــــور مــــن غــــري توبــــة تتحقــــق لـذلك جنـد مـن الفـروع الفقهيــة الـيت تتعلـق بالقتـل ، رجـح فيهــا جانـب العقوبـة مـن غـري عفــو و

.لكية ال من ويل الدم وال من ويل األمر ، كقضية قتل الغيلة عند فقهاء املا

فقتل الغيلة هو القتل الذي يكون عاتيا ظاملا ، و يكون قصد القتل فيه واضحا جليا مع ين عليه فيذحبه ألخذ ماله ، فذهب املالكية أن ال )1(اخلبث و الدناءة ، كأن يضجع ا

. )2(عفو فيه قياسا على احملارب ، ألن الغيلة يقتص منه لدفع الفساد يف األرض

آخر أشار إليه الشارع احلكيم ، يدخل من ضمن املقاصد التحسينية اليت و هناك أمر .ختدم الضروريات و هي صلة الرحم

والد من ـفقد استقر مجهور العلماء أنه ال يقتص من الوالد الذي قتل ولده ، ملا لل

اص علىـ، و من شأن قيام القص )3(التسلط على تأديب ولده و لقوة احملبة اليت بينهما

الوالد يف قتل ولده أن يفك صلة الرحم و تقع األسرة يف احلرج ، و هذا ال خيدم مقاصد . التشريع

. 168: ، ص نظريات في الفقه الجنائي، البهنسي : ينظر – )1( ، حتقيق زكريا عمريات المدونةسحنون ، : ، و ينظر 185: ص 2، ج الفواكه الدوانيالنفراوي ، : ينظر – )2(

. 653: ص 4، ج) ت .ب: دار الكتب العلمية ، بريوت ( . 37-36 : ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ، : ينظر – )3(

Page 205: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

205

و لذلك ، ميكن أن يكون التمكني للعقوبة يف موضع تنقطع به صلة الرحم ، فيكون .العفو يف ذلك املوضع راجحا و مرغوبا

العقوبة يف القصاص الذي هو الزجرأن ذلك يؤدي إىل إهدار معىن : و رمبا يقول قائل

مث إن اجلناية بالقتل من أعظم الكبائر ، مل يهدر فيها اخلطأ بل وجبت الكفارة ، فما بالك بالقتل العمد ؟

و مبجرد تعرض رقبة اجلاين للقصاص أن املقصد األصلي للقصاص إمنا يتحقق: و جوابه لذلك و رب ، يعفو و أال يعفو و القصاص أق العفو احتمال بعيد من ويل الدم ، فإن له أن

كتاب اهللا يف حديث أنس بن مالك يف قصة الربيع بنت النضر كان جواب النيب . بأفضلية العفو ، للتأكيد من متكني العقوبة مع علمه القصاص

يها حقان ، حق العبد و هو العفو و من جهة أخر ، فإن جرائم القصاص اجتمع ف عة الذي هو التمكني ، فإن أسقط العبد حقه ، بقي حق اجلماعة الذي يتوالهحق اجلماو

. ويل األمر يف النهوض به و املتثمل يف العقوبة التعزيرية مبا يراه مناسبا للجاين

أن من املقاصد العامة اليت قصدها الشارع احلكـيم مـن تشـريع العقوبـات أنـه : الزاوية الثالثة ال يعاقب من تاب و أناب و رجع عن الذنب تفضال منـه سـبحانه و تعـاىل و رمحـة لعبـاده ،

نـون و الصـيب و و املكـره و صـاحب الضـرورة علـى املخطـئو لذلك أسقط التكليف على ا .تفصيل بني الفقهاء

اســــتثىن صــــاحب الشــــرع مــــن عــــدم إشــــراك العلــــم و القــــدرة يف « : رايف يف ذلــــك يقــــول القــــ خطـــاب الوضـــع ، قاعـــدة األســـباب الـــيت هـــي أســـباب للعقوبـــات ، و هـــي جنايـــات كالقتـــل

Page 206: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

206

الــزاين و للقصــاص ، يشــرتط فيــه القــدرة و العلــم و القصــد ، فلــذلك ال قصــاص يف قتــل اخلطــأ مـن ال يعلــم أن املوطـوءة أجنبيـة ، بـل اعتقــد أيضـا ، و لـذلك ال جيـب علــى املكـره و ال علـى

ا امرأته ، سـقط احلـد لعـدم العلـم ، و كـذلك مـن شـرب مخـرا يعتقـدها خـال ، ال حـد عليـه ألعدم العلم ، و كذلك مجيع األسـباب الـيت هـي جنايـات و أسـباب للعقوبـات ، يشـرتط فيهـا

.العلم و القصد و القدرة أن رمحــة الشــرع تــأىب عقوبــة مــن مل : مــن خطــاب الوضــع و الســر يف اســتثناء هــذه القاعــدة

الطاعــــة يقصـــد الفســــاد و ال يســــعى فيــــه بإرادتــــه و قدرتــــه ، بــــل قلبــــه مشــــتمل علــــى العفــــة و .)1(»اإلنابة ، فمثل هذا ال يعاقبه صاحب الشرع رمحة و لطفاو قــق و هـذا توجيـه حسـن يـدل داللـة واضـحة أن الشــارع احلكـيم قصـد مـن تشـريع العقوبـة حت

ـــا ، فرغـــب يف العفـــو حيـــث يكـــون العفـــو منتجـــا و راجحـــا ملـــا فيـــه مـــن الزجـــر ال العقوبـــة ذا .الضرورية ، و إال متكني العقوبة مصاحل ختدم مقاصد الشرع

المطلب الثاني في الحدود

الســـــرقة : العفـــــو يف حـــــدين املالحــــظ حبســـــب الفـــــروع الفقهيــــة ، أن الفقهـــــاء ذكـــــروا جــــواز .يف احلدود األخرى فذكروا ما هو يف حمل العفو والقذف ، أما

الفرع األول العفو في جرائم السرقة

فأما السرقة ، فالذي عليه الفقهاء ، جواز العفو قبل الرتافع أو قبل رفع الدعوى إىل

. 183: ص 1، ج الفروقالقرايف ، – )1(

Page 207: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

207

. )1(احلاكم أو و يل األمر أو ما ينوبه ، لداللة النصوص الشرعية على ذلكال و لــذي عليـه االتفـاق أن ال عفـو فيــه أمـا بعـد الرتافـع و بعــد وصـول اجلـاين إىل اإلمـام ، فا

:شفاعة ، و فيه تفصيل حبسب احلدود .فالعفو عن السرقة بعد الرفع منهي عنه كالشفاعة لصراحة النصوص الشرعية يف ذلك و حــق حقــان ، حــق اهللا فــإن الســرقة اجتمــع فيهــا : و أمــا مــا يتعلــق بالتعليــل الفقهــي

. العبد ، و الغالب حق اهللا فحــق العبــد املتمثــل يف الــدعوى و قــد اســتوىف حقــه برفعهــا و املطالبــة حبقــه ، بقــي حــق اهللا

. )2(تعاىل و املتمثل يف متكني العقوبة الذي ال يقبل العفو الفرع الثاني

العفو في جرائم القذفهـــل القـــذف حـــق اهللا : أمـــا العفـــو يف القـــذف فـــاختلف فيـــه الفقهـــاء ، و ســـبب اخـــتالفهم أم حق اآلدميني ، أم حق لكليهما ؟ و هـــو الغالـــب ، مل جيـــز العفـــو كالزنـــا ، و مـــن قـــال أنـــه حـــق فمـــن قـــال بأنـــه حـــق اهللا

إذا كـان : رقة قـال لآلدميني أجاز العفو ، و من قال لكليهما قياسـا علـى األثـر الـوارد يف السـقبــل وصــول األمــر علــى الســلطان جــاز فيــه العفــو ، أمــا إذا وصــل أمــر القــاذف إىل الســلطان

. )3(فلم جيز العفو غلب حق اهللا

، حتقيق حممد حاشية الدسوقي على الشرح الكبيرحممد عرفة ، :، و ينظر 55: ص 6، ج بدائع الصنائعالكاساين، : ينظر – )1(

. 230: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ، و ينظر 347: ص 4، ج) ت .ب: دار الفكر ، بريوت ( عليش .املصادر السابقة نفسها – )2( . 141-140: ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ،: ينظر – )3(

Page 208: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

208

الفرع الثالث

العفو في جرائم الزنا و الشرب الحرابة و الردة

ــــا و أمـــا مـــا يتعلـــق حبـــد الزنــــا و الشـــرب و احلرابـــة و الـــردة ، فقــــد اتفـــق الف قهـــاء علـــى أ، ال عفو فيها و ال شفاعة ، لكنهم ذكروا إىل مـا يـدعو إليـه كرتجـيح جانـب حقوق اهللا

الســرت علــى إقامــة الشــهادة إلثبــات احلــدود و الــدعوة إىل املســارعة إىل التوبــة ، و مــا هــو يف : مرتبة العفو كإعمال الشبهة ، و بيان ذلك كالتايل

: إعمال الشبهة -1 الذي اسـتقر عليـه الفقهـاء ، أن احلـدود ال تقـام إىل بعـد اليقـني الثابـت و القـاطع الـذي ال

:شبهة فيه على فعل اجلرم لألدلة التالية . ))1.. مادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعت : حديث -أ أويت بلــص اعـــرتف اعرتافــا و مل يوجـــد أن رســول اهللا : حــديث أيب أميــة املخزومـــي -ب

بلـى يـا رسـول اهللا ، فأعادهـا : ما أخالك سرقت ، قال :معه متاع ، فقال له رسول اهللا ، فكــان النــيب ))2 بلــى يــا رسـول اهللا ، فــأمر بــه فقطـع: عليـه رســول اهللا مــرتين أو ثالثـا قــال

.يسأل املقر مرتني أو ثالث لعله يرجع عن إقراره ـــو كنـــت راجمـــا أحـــدا بغيـــر بينـــة :قـــال رســـول اهللا : قـــال عـــن ابـــن عبـــاس -ج ل

. ))3 لرجمت فالنة ، فقد ظهر منها الريبة في منطقها و هيئتها و من يدخل عليها

.سبق خترجيه -)1( . 3807: ، كتاب احلدود ، رقم السننيف أخرجه أبو داود -)2( . 2549: ، كتاب احلدود ، رقم السننأخرجه ابن ماجة يف – )3(

Page 209: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

209

و يف هـذا البــاب نصــوص كثـرية تــدل أن الشــارع احلكـيم تــرك العقوبــة مـن جهــة أنــه ال جيــب بنــــاء علـــــى –احلــــد بــــالتهم و الشــــك ملظنــــة اخلطــــأ و الغلــــط ، و لــــذلك اســــتوجب الفقهــــاء

شـروطا تتعلــق بإثبـات احلـدود ، حـىت تقــوم العقوبـة علـى البينـة الواضــحة –النصـوص الشـرعية .م الشهادة التامة عليه ، كإقرار الزاين أو قيا

فـإذا وجـدت شـبهة قويـة سـقطت العقوبـة ، و قـد متحـو معهـا حـىت وصـف اجلرميـة ، كشــبهة الـــدليل يف ســـرقة الوالـــد ملـــال ولـــده مـــن حـــرز مثلـــه ، و قـــد ثبتـــت مجيـــع أركـــان اجلرميـــة ، إال أن

: العقوبـة تسـقط لشـبهة اسـتحقاق النفقـة و سـرقة مـا ظنـه أنـه مـن ملكـه ، بـدليل قولــهـــــك ، فتســـــقط العقوبـــــة لوجـــــود الـــــدليل ، و هـــــذا يف مرتبـــــة العفـــــو ، ))1 أنـــــت و مالـــــك ألبي

.الشرتاكهما يف سقوط العقوبة

:العمل بالتوبة -2

ــا جتــب مــا قبلهــا بالنســبة حلقــوق اهللا الثابــت املقــرر أن حقــوق اهللا قابلــة للغفــران ، و أتعاىل ، والثابت املقرر عند الفقهـاء أنـه مـن تـاب بعـد إقامـة احلـد عليـه يغفـر لـه تعـاىل ، لقولـه

: ال يزنــي الزانــي حــين يزنــي وهــو مــومن و ال يســرق حــين يســرق وهــو مــومن و ال يشــرب . ))2ضة بعد حين يشربها وهو مومن ، و التوبة معرو

و الذي عليه االتفاق أن التوبة تسقط جرمية احلرابة قبل اإلمكان عليه ، بداللة النص يف : ه ـقول

) 34:املائدة (.

. 2282: ، كتاب املتاجرات ، رقم السننأخرجه ابن ماجة يف – )1( .6312: من حديث أيب هريرة ، كتاب احلدود ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف -)2(

Page 210: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

210

فاحملـارب إذا تــاب قبـل القــدرة عليــه سـقطت عنــه العقوبـات املقــررة علــى األفعـال الــيت تتعلــق .حبقوق اهللا تعاىل ، أما حقوق اآلدميني فال تسقطها التوبة

لكــن موضــع اخلــالف بــني العلمــاء يف توبــة الســارق و الشــارب و الــزاين قبــل وصــول أمــرهم .إىل احلاكم

إىل العفــو كوجــود ة األقــوال ، و إمنــا بيــان مــا يــدعوف و مناقشــو لــيس املوضــع بيــان اخلــال .التوبة قبل القدرة يف احملارب

أن احلرابــة جرميــة مــن أشــد اجلــرائم ترويعــا للنــاس ، فوضــع الشــارع احلكــيم هلــا : ووجــه ذلــك أشــــد العقوبــــات ، جتمــــع فيهــــا كــــل احلــــدود ، فهــــي مركبــــة مــــن عــــدة عقوبــــات علــــى حســــب

ال و ، و ال يقطـع إال مـن أخـذ املـال ، رتكبها احملارب ، فال يقتـل إال مـن قتـل اجلنايات اليت ا .)1(ينفى إال من يأخذ املال و مل يقتل ، على رأي فقهاء احلنفية و الشافعية

عفـــــو إىل ال التوبـــــة فيهـــــا ترجيحـــــا إىل مـــــا يـــــدعو و مـــــع ذلـــــك ، فـــــإن الشـــــارع احلكـــــيم شـــــرع مــــن بــــني الوجــــوه الــــيت دفعــــت الفقهــــاء إىل هــــوإليهــــا ، و والصــــفح ، و رغــــب إىل مــــا يــــدعو

استحسان جانب السرت يف احلـدود الحتمـال التوبـة و تعزيزهـا و عـدم العـودة إىل هـذه اجلـرائم . ، و هذا ما حيقق املقصد األصلي للحدود الذي هو الزجر

: ترجيح جانب الستر على الشهادة -3

عفــــو ، ذلــــك أن يف إقامــــة الشــــهادة متكــــني للعقوبــــة ، إىل ال و هــــو مــــن األوجــــه الــــيت تــــدعو .خبالف سرت العيوب فإن فيه معىن العفو

. 237: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : و ينظر ، 236: ص 3ج ، تبيين الحقائقالزيلعي ، : ينظر – )1(

Page 211: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

211

و ظــــاهر كــــالم الفقهــــاء يف هــــذه املســــألة ، أنــــه يفضــــل الســــرت علــــى إقامــــة الشــــهادة ، ألن :و تأسيس ذلك على نصوص شرعية منها الحدود بنيت على المساهلة

يـا رسـول اهللا إنـي أصـبت حـدا : فجـاءه رجـل فقـال كنت عنـد النبـي : عن أنس قال -أ ، فلمـا قضـى النبـي و حضرت الصالة فصلى مع النبـي : فأقمه علي ، و لم يسأله ، قال

ألــيس قــد : يــا رســول اهللا إنــي أصــبت حــدا فــأقم فــي كتــاب اهللا ، قــال : قــام إليــه الرجــل فقــال .))1 ذلك أو حدكفإن اهللا قد غفر لك في : نعم ، قال : صليت معنا قال

، إيثـارا و إمنا مل حيـده ألنـه مل يفسـر احلـد و مل يستفسـره النـيب « : قال القاضي عياض . )2(»للسرت ، بل استحب تلقني الرجل صرحيا

. ))3 من ستر مسلما ستره اهللا يوم القيامة :و قوله -ب

لـو أخــذت « : أنـه قــال و قـد روي عـن خليفــة املسـلمني األول ، أبـو بكــر الصـديق -ج .)4(» شاربا ألحببت أن يستره اهللا ، و لو أخذت سارقا ألحببت أن يستره اهللا

:و من أقوال الفقهاء ما يلي

الشـهادة و ال يشـهد يكتمونـهإذا علـم اإلمـام بـذلك « : يقول ابن القاسم مـن املالكيـة -أ .)5(»إن شهد على أحد جترؤها ، إال يف

.6323: ، كتاب احلدود ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )1( . 106: ص 7، ج نيل األوطارالشوكاين ، : نقال من – )2( . 2310: ، كتاب املظامل و الغصب ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )3( . 28082: رقم ، ، كتاب احلدود المصنفأخرجه ابن أيب شيبة يف – )4( . 287: ص 10، جالذخيرة القرايف ، : نقال من – )5(

Page 212: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

212

و حنـــن حنــب ملــن أصـــاب احلــد أن يســترت و أن يتقـــي اهللا « : و قــال اإلمــام الشــافعي -ب د ملعصية اهللا ، فإن اهللا و وال يع 1(»عن عباده يقبل التوبة(. ، الشـــــهادة مـــــن أداءاالمتنــــاع و ألنـــــه ب« : و قــــال السرخســـــي مـــــن فقهــــاء احلنفيـــــة -ج

.)2(»إليه مندوبيقصد به إبقاء السرت عليه و أنه أنه يعمل بالسرت و يرجح على الشهادة بالنسبة ملن: إال أن يف مسألة ضابط ، و هو و النــــدم مــــن اجلــــرم ، خبــــالف املشــــتهر ظهــــرت منــــه بــــوادر التوبــــة و الرجــــوع إىل اهللا

صـــحاب العـــود يف اجلرميـــة ، فـــإن األوىل فـــيهم إقامـــة الشـــهادة بـــالفجور و املعلـــن لـــذلك و أ .عليهم ، كما هو حال العفو يف القصاص

المطلب الثالث في التعزیر

و لـيس بإطالقـه ، و يتضـح ذلـك مـن خـالل مـا ن العفو يف عقوبـات التعزيـر مقيـد الظاهر أ

: قرره الفقهاء ، من مجلة ذلك يتقيــــد مبــــا هــــو يف احلــــدود ، فلــــيس للفــــرق بــــني وصــــول اجلــــاين إىل العفــــو يف التعزيــــر ال -1

احلاكم و بعد وصله أثر يف العفو ، و إمنا يتقيد مبا يراه ويل األمر من مصاحل ال خترج عن .مقاصد التشريع من العقاب والعفو

و لـــذلك بنيـــت التعـــازير علـــى مراعـــاة أحـــوال اجلـــاين و ظروفـــه و مكانتـــه ، فيقـــرر ويل -2 . مر حبسب ما يراه مناسبا له ، العفو أم العقوبةاأل

. 138: ص 6ج، األم الشافعي ، – )1( . 256: ص 9، ج المبسوطالسرخسي ، – )2(

Page 213: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

213

أنــه جيــب علــى : فــالعفو الصــادر مــن و يل األمــر ال يكــون إال بعــد حتقــق االجتهــاد ، مبعــىن ويل األمر أن ينظر إىل أحوال اجلاين و الظـروف الـيت دفعتـه الرتكـاب املعصـية ، و السـبب يف

و الضـــعف و القلــة و الكثـــرة ، و هــي مـــا مفاســد اجلـــرائم غــري منضـــبطة يف الشــدة ألنذلــك بـــني النظـــرة و اخللـــوة و املعانقـــة ، فجعلــــت عقوبتهـــا راجعـــة إىل اجتهـــاد األئمـــة ووالة األمــــور

.)1(حبسب أرباب اجلرائم يف أنفسهمو حبسب املصلحة يف كل زمان و مكان ، :يف احلقوق اليت جيوز فيها العفو إىل مذاهب لكنهم اختلفوا إال وك لـويل األمـر ، وال جيـوز تركـه يرون أن التعزير الواجـب هللا تعـاىل مـرت ء الحنفيةففقها -أ

. )2(إذا علم أن اجلاين قد انزجر قبل تنفيذ العقوبة ال جيــوز ألحــد إســقاطه إىل أن التعزيــر الواجــب حقــا هللا فقهــاء المالكيــةو ذهــب -ب على و يل األمر إقامته ، إال إذا جاء اجلاين تائبا ، أما ما كان حقا لألفراد ، فإن للعبد و

. )3(العفو عنه :قوالن الشافعيةو يف مذهب -ج ، خبــالف حقــوق العبــد ، فــإذا طلبــه لــويل األمــر تــرك التعزيــر يف حقــوق اهللا : األول -

.العبد فال جيوز لويل األمر تركه لــــويل األمــــر إقامــــة التعزيــــر أو العفــــو عنــــه ، ســــواء كــــان حقــــا هللا تعــــاىل أو حقــــا : الثــــاني -

. )4(لألفراد

. 128: ص2ج ، إعالم الموقعينابن قيم اجلوزية ، : ينظر – )1( . 534: ص 5ج ، بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )2( . 354: ص4، ج حاشية الدسوقيابن عرفة ، : ينظر – )3( . 255: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )4(

Page 214: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

214

. )1(فيهلويل األمر إذا رأى املصلحة العفو جبواز فقهاء الحنابلةو ذهب -د :و من فوائد اختالف املذاهب السابقة

جيـوز لـويل األمـر العفـو عنـه يف حـاالت االتفـاق علـى أن التعزيـر الواجـب حقـا هللا تعـاىل -1 أن يــرى اإلمــام أن املصــلحة يف العفــو ، أو أن املــذنب تــاب أو حتقــق معــىن الزجــر قبــل : مثــل

.العقوبة

جـــب حقـــا للعبـــد أو الغالـــب فيـــه حقـــه و التفريـــق بـــني احلقـــوق للداللـــة علـــى أن التعزيـــر الوا ابتـه ، و ال جيـوز للقاضـي إسـقاطه يتوقف على الـدعوى ، فـإذا طلبـه صـاحب احلـق لزمـت إج

.بالعفو و ال جيوز فيه العفو من ويل األمر

.، فإن العفو من ويل األمر جائز أما التعزير الذي جيب حقا هللا

أن : ، مبعــىن يراعــى فيــه األصــلحأو الغالــب فيــه ، و التعزيــر الــذي يكــون حقــا هللا -2 اجتهاد احلاكم فيمـا يـراه أنـه األصـلح للجـاينترجيح العقوبة على العفو أو العكس مبين على

.، و ذلك بالنظر إىل املصلحة ، فكان ذلك ضابطا آخر للعفو يف التعزير

ن التعزيـــــر الـــــذي هـــــو حصـــــول التأديـــــب فـــــإن كانـــــت العقوبـــــة حتقـــــق املصـــــلحة املقصـــــودة مـــــ اب أوىل و إال فاألخــــذ بــــالعفو أحــــوط ، ألنــــه رمبــــا يكــــون يف العقوبــــة االنزجــــار فهــــي مــــن بــــو

.حصول ضرر يقبح عقال و شرعا ، فال يستباح تأليم املسلم و إضراره

:منها نظر مؤسس من خالل أقوال الفقهاء و هذا ال

عبد اللطيف حممد موسى السبكي: ، حتقيق اإلقناع في فقه اإلمام أحمد بن حنبلاحلجاوي ، : ينظر – )1(

. 270: ص 4ج ،) ت .ب: دار املعرفة ، بريوت (

Page 215: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

215

، »مراعاة األصلح بالعفو أو التعزيرلويل األمر « : يقول ابن فرحون من املالكية

حيقق هـفإذا تقرر أن فاعل ذلك يؤدب ، فإن كان رفيع القدر ، فإن« : يفسر ذلك بقوله مث أدبه و يتجاىف عنه ، و كذلك من صدر منه ذلك على وجه الفلتة ، ألن القصد من

.)1(»التعزير الزجر على العودة

ألنـه غـري )التعزيـر( و جيتهـد اإلمـام يف جنسـه و قـدره « : الشـافعية شـيخ و يقول اخلطيـب ك األصـــــــلح ، الخـــــــتالف مراتـــــــب النـــــــاس مقـــــــدر شـــــــرعا ، موكـــــــل إىل رأيـــــــه جيتهـــــــد يف ســـــــلو

.)2(»باختالف املعاصي و

ينظـر «: و سئل اإلمام مالك عن الشفاعة يف التعزير بعد بلوغ اإلمـام أيصـلح ذلـك ، قـال اإلمام يف ذلك ، فإن كان الرجل من أهل املـروءة و العفـاف ، إمنـا هـي طـائرة أطارهـا ، جتـاىف

.)3(»السلطان عن عقوبته ، و إن كان قد عرف بالطيش و األذى ضربه النكال

ــم وضـعوا ضــوابط كثـرية لــه تتعلــق و املالحـظ أن ال -3 فقهــاء مـن خــالل متكـني للتعزيــر ، أو شـددوا يف ذلـك ، ألن األمـر ار احلـدود مبقداره و جنسـه ، فـال يصـل العقـاب فيـه إىل مقـد

يتعلــق باجتهــاد ويل األمــر ، فقــد يكــون ذلــك ذريعــة للظلــم ، أو قــد يــؤدي اإلفــراط يف العفــو .التعزير إىل االستهتار بالنظام العقايب يف

:فكان لزاما على ويل األمر أن يوازن بني العفو و العقوبة انطالقا من

. 225-224 : ص 2، ج تبصرة الحكامابن فرحون ، – )1( . 525: ص 5، ج مغني المحتاجالشربيين ، : نقال من – )2( . 488: ص 4، ج المدونةسحنون ، : ينظر – )3(

Page 216: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

216

ترجيح املصاحل الشـرعية املقـررة الـيت تبـىن علـى دفـع الضـرر عـن النـاس و جلـب النفـع هلـم -أ .، بعيدا عن األهواء و الشهوات

.ففة له أن يكون القرار الصادر عن ويل األمر حامسا ملادة الشر أو خم -ب

فقــد يكـــون يف تطبيـــق العقوبـــة و ترجيحهــا ضـــرر مؤكـــد و إفســـاد أشــد علـــى اجلـــاين ، و قـــد يكون فيها ما يقلل من آدميته و حتمل معاين اإلهانة كعقوبة السجن ، كما قـد يكـون للعفـو

.أثر كبري يف تنزيل من قيمة سلطان الدولة و النظام ، وشيوع فكرة اإلفالت من العقاب

Page 217: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

217

Page 218: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

218

المبحث األول ءعند األصولیین و الفقها الحقمفهوم

يتنــاول هــذا املبحــث مفهــوم احلــق و أقســامه عنــد كــل علمــاء األصــول و الفقهــاء ، و بيــان .املقصود من كل قسم عند كال املنهجني ، و بيان مصدر احلقوق يف الشريعة اإلسالمية

المطلب األول

المعنى األصولي

قبـل ذكـر املعــىن األصـويل للحــق ، فإنـه مــن الـالزم ذكــر املعـىن اللغــوي ، باعتبـار أن التحقيــق . اللغوي هو جزء من علم أصول الفقه

أوجبته ، مثل قوله : الثبات و الوجوب ، و أحققت الشيء : فاحلق يف اللغة مبعىن : تعاىل ، ) 1(، أي لزم و وجب) 13:السجدة( .

األمر املقتضي ، و يطلق على العدل و اإلسالم و املال و الصدق ، : و جاء مبعىن

. 49: ص 10ج، لسان العربابن منظور ، : ينظر – )1(

Page 219: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

219

. )1(العدل حق و اإلسالم حق و املال حق و الصدق حق: فيقال

. )2(إذ تيقنته أو جعلته ثابتا الزما: و يطلق على األمر الثابت الالزم ، حققت األمر

: أما يف االصطالح األصويل ، فيطلق على معنيني

:احلكم املطابق للواقع ، و لـذلك جاء يف تعريف البخـاري له : المعنى األول -

ال بد من حتققه حسا: ، مبعىن )3(»املوجود من كل وجه الذي ال ريب فيه يف وجوده «

.قل و داللة ذلك وجوده يف الواقع ، حبيث يدرك باحلس أو الع

.و هذا املعىن يف حقيقته فيه داللة على الثبات و اللزوم ، و مها من املعاين اللغوية للحق

.يطلق مبعىن الواجب الثابت ، و هو املعىن املوجود يف اللغة : انيـالمعنى الث -

فاملعنيني األصوليني يتطابقان مع املعىن اللغوي الذي ذكر قبـل ذلـك ، و يف اسـتواء اجلانـب اللغــوي مــع اجلانــب االصــطالحي داللــة علــى قــوة املعــىن و ثباتــه ، ولــذلك أخــذ احلــق مكانــة خاصـــة يف التفريـــق بـــني األحكـــام ، و أقصـــد مـــن ذلـــك األحكـــام الـــيت تتعلـــق بالـــدين وكـــان

كني للحقوق الربانية ، و األحكام اليت تتعلـق بالقضـاء و كـان القصـد منهـا القصد منها التم . ضمان حقوق العباد

. 889: ، ص القاموسالفريوزآبادي ، : ينظر – )1( ، ) ت .ب: املكتبة العلمية ، بريوت ( المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيالفيومي ، : ينظر – )2(

. 144: ص 1ج .230: ص 4ج، كشف األسرارالبخاري ، – )3(

Page 220: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

220

و لذلك ، فإن املعىن الثاين هو األقـرب إىل املقصـود مـن هـذا املوضـوع ، و هـو املعـىن الـذي .و حق العباد حق اهللا : من خالله قسم علماء األصول و الفقهاء احلق إىل

الثاني المطلب المعنى األصولي و الفقهي لحق اهللا

مبعان حبسب متعلق كل منهج ، فكان أطلق الفقهاء و األصوليون على حق اهللا ذا احلق عند كال املنهجني لزاما :بيان املراد

الفرع األول المعنى األصولي

عرفه التفتازاين من حيث إقامة املصاحل و احملافظة عليها على أنه ما تعلق به النفع العام . )1(للعامل ، من غري اختصاص بأحد

من حيث تعلق حق اهللا : و على هذا املعىن الذي أشار إليه التفتازاين والذي هو من ضروب جلب حصول النفع للناس كافة ، جعل العز بن عبد السالم حق اهللا

. )2(املصاحل و درء املفاسدمــــن أقســــام األحكــــام ، و قــــد ذكــــر و بعــــض األصــــوليني كالبخــــاري جعــــل حقــــوق اهللا

.)3(»احلقوق عند األصوليني هي األحكام « : ذلك ابن جنيم يف قوله

: دار الكتب العلمية ، بريوت( ، حتقيق زكريا عمريات شرح التلويح على التوضيحالتفتازاين ، : ينظر – )1(

. 315: ص 2، ج) م 1996 . 129: ص 1ج ، قواعد األحكامالعز بن عبد السالم ، : ينظر – )2( . 148: ص 6، ج البحر الرائقابن جنيم ، – )3(

Page 221: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

221

خطــــاب اهللا تعــــاىل املتعلــــق : و احلكــــم عنــــد األصــــوليني هــــو احلكــــم الشــــرعي و الــــذي هــــو بأفعـــــال املكلفـــــني باالقتضـــــاء أو التخيـــــري أو الوضـــــع ، و هـــــو غـــــري احلكـــــم الـــــذي أشـــــار إليـــــه البخاري سابقا املتعلق بـالوجود احلسـي ، و قـد يكـون لـه تعلـق باألحكـام الشـرعية مـن حيـث

.ا على الوقائع املختلفة أن املقصود منها إنزاهل

يـــه و جعـــل القـــرايف حقـــوق اهللا ، )1(مـــن أقســـام التكليـــف ، و عرفـــه علـــى أنـــه أمـــره و : واســتدل علــى ذلــك بقولــه تعــاىل )الــذاريات :

. )2( ال يشركوا به شيئاحق اهللا على العباد أن يعبدوه و :، و قوله ) 56

علــى العبــاد أن يعبــدوه و ال يشــركوا و أشــار إىل هــذا املعــىن الشــاطيب فــذكر أن حــق اهللا . )3(به شيئا و عبادته امتثال أمره و اجتناب نواهيه

الفرع الثاني المعنى الفقهي

:من جهتني املالحظ أن الفقهاء يطلقون على حق اهللا ا حىت يتحقق مقصدها الذي: املقصود منها و هو من جهة -1 إقامتها و النهوض ، و هـو املعــىن الــذي أشــار )4(هـو دفــع الفســاد أو حصـول النفــع العــام صـيانة ملصــاحل العبــاد

.إليه علماء األصول

. 80: ، ص) م 1997: دار الفكر ، بريوت ( 1، ط شرح تنقيح الفصولالقرايف ، – )1( . 2644: ، كتاب اجلهاد و السري ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )2( . 241: ص 2ج ، الموافقاتالشاطيب ، : ينظر – )3( . 315: ص 2، ج شرح التلويحالتفتازاين ، : ينظر – )4(

Page 222: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

222

هـو مـا ال دخـل أن حـق اهللا : ، مبعـىن مـن جهـة األثـر املرتتـب عـن حقـوق اهللا -2 هو الذي ال يقبل اإلسقاط و ال عفو فيها وال شفـاعة و ليس مصروفـا للصلح فيه أو

. )1(أداؤها إىل إذن الويل

الفرع الثالث

خالصة ما تقدم من المعنى األصولي و الفقهي

:يراد منه جهتان و خالصة ما تقدم من أقوال األصوليني و الفقهاء ، أن حق اهللا

من جهة التكليف ، أشار إليها علماء األصول من حيـث األصـل العـام حلقـوق : األولى - :و هو التعبد و مطلق االمتثال ، و هو املعىن الذي أشار إليه الشاطيب يف قوله اهللا

)2(»ما فهم من الشرع أنه ال خرية فيه للمكلف ، كان له معىن معقول أو غري معقول« .ال أمره و اجتناب نواهيه فحق اهللا على العباد امتث م جعلوا إقامة حقوق و هذا املعىن موجود عند علماء السياسة الشرعية ، من حيث أـــــب علـــــــى أوليـــــــاء األمـــــــور و ذلـــــــك يف بـــــــاب الواليـــــــة ، كـــــــالنهوض اهللا يف األرض واجــ

.بالقصاص و إقامة احلدود وغري ذلك من حقوق اهللا تعاىل

. 87: ، ص) ت .ب: قصر الكتب ، البليدة ، اجلزائر ( السياسة الشرعية ابن تيمية ، : ينظر – )1( . 241: ص 2ج ، الموافقات الشاطيب ، – )2(

Page 223: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

223

، وهو صيانة مصـاحل العبـاد يف العاجـل من جهة املقصود من إقامة حقوق اهللا : الثاني و اآلجل ، و قد دل االستقراء على أن األحكام و التكاليف الشرعية إمنا جاءت

.إلقامة مصاحل العباد و صيانتها من الضياع و العدم ، و على هذا جاء تعريف التفتازاين

المطلب الثالث

ي و الفقهي لحق العبدالمعنى األصول

. كذلك حلق العبد معىن أصويل و معىن فقهي

الفرع األول

المعنى األصولي

، و أشـار القـرايف )1(الظاهر من أقوال علماء األصول أن املقصود حبـق العبـد إقامـة مصـاحله :إىل املعىن املقصود من مصاحلة مبا يلي

2، جشرح التلويح التفتازاين ، : ، و ينظر 231-230: ص 4، ج كشف األسرارالبخاري ، : ينظر – )1(

.162-161: ص 1، ج ، الفروق، و ينظر ، القرايف 315: ص

Page 224: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

224

إيــاه ، و هـــو أن يدخلــه اجلنـــة إقامــة مصــاحله مـــن جهــة أن ذلـــك ملــزوم عبـــادة اهللا -1 .ويعتقه من النار

.إقامة مصاحله من جهة إقامة ما يستقيم به أمر دنياه و آخرته -2

. )1(من جهة تعلقه بغريه من العباد كالذمم و املظامل اليت له على العباد -3

الفرع الثاني

فقهيالمعنى ال

:و يطلق عندهم بعدة إطالقات حبسب األمر الذي يتعلق به

بـــاع بـــثمن حـــال مث : يطلــق علـــى مـــا يتعلـــق بـــاحلقوق املاليـــة و غــري املاليـــة ، مثـــل قـــوهلم -1 . )2(أجله ألنه حقه

تســـليم الـــثمن احلـــال أوال مث تســـليم : و مبعـــىن االلتزامـــات الـــيت ترتتـــب علـــى العقـــد مثـــل -2 . )3(أن الثمن ال يتعني إال بالقبضاملبيع ، و

. )4(ما مينح للفقهاء و القضاة و غريهم من بيت املال -3

. 162: ص 1ج، ، الفروقالقرايف : ينظر – )1( . 127: ص 4، ج البدائعالكاساين ، : ينظر – )2( . 204: ، ص المدخل لدراسة الشريعة اإلسالميةعبد الكرمي زيدان ، : ينظر – )3( بتهم و املفتني و الفقهاء ، من له احلق يف ديوان اخلراج كاملقاتلة و العلماء و طل« :قال ابن جنيم – )4(

دار الكتب العلمية( األشباه و النظائر: ينظر ، » ألوالدهم تبعا ، و ال يسقط مبوت األصل ترغيبا يفرض . 121: ، ص) م1980: بريوت

Page 225: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

225

. )1(مرافق العقار ، مثل حق الطريق و حق السيل و حق الشرب -4

ـــردة و هـــي املباحـــات كحـــق التملـــك و حـــق اخليـــار و حـــق الطـــالق و حـــق -5 احلقـــوق ا .العفو يف القصاص

آخــر أشــار إليــه الفقهــاء حلــق العبــد ، يطلقــون ذلــك مــن حيــث األثــر املرتتــب و هنــاك معــىن . )2(عن هذا احلق ، كحق الصلح و اإلسقاط و إقامة الدعوى و املعاوضة

المطلب الرابع

مصدر الحقوقبيـان احلقيقــة الشـرعية الكاملــة : الغـرض مــن ذكـر هــذا الفـرع مــن ضـمن هــذا املطلـب ، هــو

للحق ، ذلك ألن األلفاظ بالنسبة لألحكام هي أوضاع شرعية ، و ضعت ألجـل أن

. يتطابق معناه مع مقصود الشارع

ه املوجـــود و لـــذلك أشـــار العلمـــاء إىل أن احلـــق يف حقيقتـــه هـــو اهللا ســـبحانه و تعـــاىل ، ألنـــ أنت الحق و .. :، كما جاء يف قوله )3(حقيقة مل يسبق بعدم و مل يلحقه عدم

. ))4.. قولك الحق و وعدك الحق و لقائك الحق

. 445: ص 6، ج رد المختارابن عابدين ، : ينظر – )1( . 333: ص 5ج، بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )2( . 148: ص 6، ج البحر الرائق اين جنيم ،: ينظر – )3( . 6888: ، كتاب التوحيد ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف -)4(

Page 226: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

226

حــق أصــال ، فــذلك للعبــد و إطــالق احلــق علــى غــريه جمــاز ، فكــان ميكــن أن ال جيعــل اهللا .إمنا نسب إليه من باب الفضل

للعبــــد حقوقــــا تــــؤدى لــــه و كلفــــه بأدائهــــا هللا تعــــاىل و لآلخــــرين ، و أعلمــــه فجعــــل اهللا بذلك من خالل البيان الذي جاءت به الرسل و األنبياء ، فاحلاكم هو اهللا سبحانه وتعاىل

ا خطاب الشارع .و احلقوق من حيث األصل ، تكاليف و أحكام تعلقها

والـذي هـو و لذلك أثبت الشاطيب على أن كـل حكـم شـرعي لـيس خبـال مـن حـق اهللا التعبـــد ، املتمثـــل يف امتثـــال األمـــر و اجتنـــاب النهـــي ، و مـــا جـــاء يف الظـــاهر أنـــه حـــق للعبـــد

. )1(جمردا ، فذلك من جهة التغليب يف األحكام الدنيوية

. ابتداء فكل احلقوق يف أصلها ترجع إىل حقوق اهللا

:، و ما كان للعبد فهو هللا من جهتني فما كان هللا تعاىل فهو هللا

.من جهة أن فيه حق اهللا تعاىل -

مـــن جهــــة الوضــــع األول حلقـــوق العبــــاد ، فقــــد وضــــعت متســـاوية ال قضــــاء للعقــــل فيهــــا - حبسن و ال قبح ، فتسمية مصاحل العباد مصلحة ، فـذلك مـن قبـل الشـرع ، و يصـدقه العقـل

. )2(تطمئن إليه النفوس و

تمــع فيــه نظــر ، كمــا هــو مقــرر عنــد فــإذا تقــرر مــا ســبق ، فــإن تســمية حــق اهللا حبــق ا .بعض املتأخرين

. 241: ص 2، جالموافقاتالشاطيب ، :ينظر – )1( .، و اجلزء و الصفحة نفسها املصدر نفسه – )2(

Page 227: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

227

تمع على حق اهللا ، و لعلـه مـن كان مـن بـاب تفسـري حـق اهللا فإن إطالق حق ابــــاب النظــــر إىل اجلهــــة الثانيــــة الــــيت أشــــري إليهــــا ســــابقا يف املعــــىن األصــــويل حلــــق اهللا تعــــاىل ،

.إمنا كان القصد منها حصول مصاحل العباد و صيانتها أن حقوق اهللا : واملتمثل يف

تمع كـان كالتـايل ذلك ألن وجه تفسريهم حق اهللا أن اهللا تعاىل أمر: حبق ا

بامتثال أوامره و اجتناب نواهيه ، إلجياد جمتمع فاضل ختتفي فيـه الرذيلـة و يقـل فيـه الفسـاد تمــــع الفاضــــل و يعرضـــه لشــــيوع الفســــاد و متكـــني الظلــــم ، يكــــون ، و كـــل مــــا ميــــس هـــذا ا

.، و هذا يف حقيقته معترب شرعا ))1اعتداء على حق اهللا

ــا تمــع فيــه املقصـود ، فتســمية حــق اهللا و لكـن ، لعــل لأللفــاظ معــان يســتقيم حبــق اأشـاروا أن ذلـك خفاء ملعىن التعبد ، و لـذلك عنـدما نسـب علمـاء السـلف احلـق إىل اهللا

. كان تعظيما لشأنه

ـا حـق اهللا ، سـواء كانـت حـق للعبـد أو حـق للمجتمـع مـن جهـة مث إن احلقـوق تعلـق ظـــة علـــى مصـــاحل العبـــاد ، و لـــذلك ال جيـــوز إباحـــة الوضـــع الكلـــي لألحكـــام املتمثـــل يف احملاف

الزىن أو حتـرمي مـا أحـل اهللا علـى الـنفس ، أو إباحـة للعبـد قتـل نفسـه ، انطالقـا أن ذلـك لـيس تمع و إمنا هو من احلقوق الشخصية .من حق ا

. 76: ، ص العقوبة، أبو زهرة: ينظر – )1(

Page 228: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

228

المبحث الثاني على العقوبة اعتبار الحقوق مناألثر المترتب

حـق : أن احلـق مـن حيـث اعتبـار الشـارع لـه ، نوعـان –تبني من خـالل املطلـب السـابق .و حق للعبد ، و تبني مدلوهلما عند كل من الفقهاء و األصوليني هللا أما يف هذا املطلـب ، فإنـه يبـني األثـر املرتتـب عـن هـذا التقسـيم ، سـواء كـان األثـر فقهيـا أو

.أصوليا حلقــــوق كثــــرية مراعــــاة العتبــــارات كثــــرية ، نــــذكر منهــــا مــــا خيــــدم املوضــــوع ، و آثــــار اعتبــــار ا

خاصـــة اآلثـــار املشـــهورة يف الفقـــه و أصـــوله مـــن حيـــث اعتبـــار اإلســـقاط أو عـــدم اإلســـقاط ، .وما يهم أكثر من ذلك هو تقسيم العقوبات باعتبار احلقوق

المطلب األول المعنى الفقهي لإلسقاط

إزالـــة امللـــك أو احلــق ، ال إىل مالـــك و ال إىل مســـتحق ، : اإلســقاط يف اصـــطالح الفقهــاء فتســقط بــذلك املطالبــة بــه ، ألن الســاقط ينتهــي و ال ينتقــل ، كــالعفو يف القصــاص و اإلبــراء

. )2(كالعفو و االعتياض: و له ألفاظ ذات صلة به .)1(من الدين

. 159: ص 1، ج الذخيرةالقرايف ، : ينظر – )1( القاموس الفقهي لغــة سعدي أبو حبيب ، : ، و ينظر 117: ص 2، ج الفروقالقرايف ، : ينظر – )2(

. 35: ، ص) م 1988: دار الفكر ، دمشق ( 2، ط اصطالحا و

Page 229: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

229

في ، من التصرفات الشرعية يف اجلملة ، ألنه يعترب و اإلسقاط من حيث احلكم التكلي . )1(تصرف اإلنسان يف حقه و مبا حيقق مصاحله من غري أن يلحق الضرر بغريه

و يكون يف معىن القربة و الندب ، كالعفو عن القصاص ، و قد أشـرنا إىل مـا يـدل علـى .ذلك يف املبحث السابق

و حــق إىل قســمني حــق اهللا –ث النظــر العــام مــن حيــ –و ملــا كانــت احلقــوق تنقســم .العبد ، كان لزاما بيان و جه اإلسقاط فيها يف كل حق

و قبل التفصيل يف ذلـك ، فـإن اإلسـقاط قـد يكـون مـن قبـل الشـرع يف األسـاس ، كإسـقاط ا مشقة و حرج على املكلف ، و كإسقاط العبادات اليت تعلقت يف مباشر

.ا شبهة العقوبات اليت تعلقت و قد يكون اإلسـقاط مـن قبـل العبـاد نتيجـة أمـر الشـارع ، إمـا علـى سـبيل الوجـوب كـالعتق

يف الكفارات ، و إما على سبيل الندب ، كإبراء املعسر من الدين ، و كالعفو يف القصاص و قـــد يكــــون اإلســــقاط مــــن العبـــاد لبعضــــهم الــــبعض ، كإســــقاط حـــق الشــــفعة لعــــدم رغبــــة

. )2(الشراء

الثانيالمطلب ه من حقوق اهللا ما یقبل اإلسقاط و ما ال یقبل

.و ما ال يسقط و يتناول هذا املطلب ما يسقط من حقوق اهللا

-107: ص 2، ج) هـ 1423: دار العاصمة ، الرياض ( 1، ط الملخص الفقهيصاحل فوزان ، : ينظر – )1(

110 . . 160: ص 1، ج الذخيرةالقرايف ، : ينظر – )2(

Page 230: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

230

األولالفرع

ما یسقط من حقوق اهللا

و املقصـــود باإلســـقاط يف هـــذا املوضـــع ، باعتبـــار إســـقاط الشـــارع لـــه أساســـا ، و لـــيس مـــن .قبل العباد

تقبل اإلسـقاط يف اجلملـة ، بتحقـق األسـباب الـيت اعتربهـا الشـارع مسـقطة فحقوق اهللا علـــى رفـــع المشـــقة و الحـــرج و التيســـير: مـــن بـــاب الفضـــل و اإلحســـان ، و حتقيقـــا لقاعـــدة

نــون و النــاس ، كإســقاط العبــادات و العقوبــات عــن مــن رفــع عــنهم التكليــف ، كالصــيب واإسقاط بعـض العبـادات ألصـحاب األعـذار ، كاملرضـى واملسـافرين ، النائم حىت يستيقظ ، و

يكفـي يف « : و إسقاط فرض الكفاية عمن مل يقم به إذا قام به غـريه ، بـل إن القـرايف يقـول .)1(»سقوط املأمور به على الكفاية ، ظن الفعل ال وقوعه حتقيقا

ورة ، و إباحــة النظــر إىل العــورة و يــدخل يف مجلــة ذلــك اســقاط احلرمــة يف تنــاول احملــرم للضــر .للطبيب ، مما يدخل من باب الرخصة

، علـــى أنهـــا مبنيـــة علـــى المســـامحة حقـــوق اهللا و لـــذلك جـــاءت عبـــارات الفقهـــاء علـــى جـواز الرجــوع : أنـه سـبحانه و تعـاىل لـيس يلحقـه ضـرر يف شـيء ، و مـن فـروع ذلـك : مبعـىن

.عن اإلقرار بالزىن فيسقط احلد

. 132: ص 1ج، الفروقالقرايف ، – )1(

Page 231: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

231

الثالث الفرع

ما ال یقبل اإلسقاط من حقوق اهللا

األصـــل يف ذلــــك ، ســـواء كانــــت احلقــــوق تعلقـــت بالعبــــادات أو العقوبـــات أو مــــرتددة بــــني خـالصا ، كل العقوبة و العبادة كالكفارات و غريها من احلقوق اليت فيها حق اهللا

. س له احلق يف ذلكذلك موكول لصاحب الشرع ، فال تسقط بإسقاط العبد هلا ، و لي

مــانعي الزكـــاة ، و اعتـــربهم مـــن و إقــرارا لـــذلك حـــارب خليفــة املســـلمني األول أبـــو بكـــر م و خـــروجهم عــن الطاعـــة ، فكــان أن أقـــام علـــيهم البغــاة الـــذين خرجــوا عـــن النظــام لعصـــيا

. احلرب إلسقاطهم حلق اهللا

و من مجلة األحكام اليت ترتتـب علـى ذلـك ، حرمـة الشـفاعة فيهـا و عـدم جـواز االعتيـاض .عنها ، باعتبار ذلك كله تركا لواجب

ـــا إســـقاط حلـــق اهللا ، و لعـــل األدلـــة الـــيت قـــدمت يف فتحـــرم الشـــفاعة يف احلـــدود ، ألكلهـــا ، و إن كـــان يف الفصـــل األول تغـــين يف هـــذا املقـــام يف بيـــان حرمـــة الشـــفاعة يف احلـــدود

.ذلك تفصيل فقهي سيأيت بيانه يف املطلب املوايل

فهــو موكــول و أمــا التعزيــر فمــا كــان حقــا للعبــد جــاز العفــو فيــه ، و مــا كــان حقــا هللا .إىل احلاكم حبسب ما يراه من املصلحة يف اجلملة

ـا كـذ و ملا كانت حقوق اهللا لك ال تقبـل االعتيـاض ال تقبل اإلسقاط من العبـاد ، فإ .عن إسقاطها

Page 232: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

232

طلــب العــوض إلســقاط حــق مــن احلقــوق ، فــال يصــح : و االعتيــاض بــاملعىن الفقهــي العــام أن يصـاحل ســارقا أو شــاربا علـى عــدم رفعــه إىل اإلمـام إلقامــة احلــد عليـه ، ألنــه ال يصــح أخــذ

. العوض يف مقابلة ذلك

أو الشهــادة يف حقوق اهللا و كذلك ال يصح أن يصاحل شاهدا على إسقـاط

: لقوله تعاىل يف حق العبد ، باعتبار أن الشاهد يف إقامة الشهادة حمتسب حقا هللا ) 2: الطالق . (

باطــل ، و جيــب علــى مــن أخــذ العــوض عــن ذلــك رد مــا أخــذ و الصــلح عــن حقــوق اهللا ألنـــه أخـــذه بغـــري حـــق ، وألنـــه متصـــرف يف حـــق نفســـه إمـــا باســـتيفاء كـــل حقـــه أو باســـتيفاء

. )1(البعض و إسقاط الباقي أو باملعاوضة ، و كل ذلك ال جيوز يف غري حقه

و كـــان القصـــد مـــن شـــرعها و مــن احلقـــوق الـــيت أثبتهـــا الشـــرع ، تعتـــرب مــن حقـــوق اهللا حتقيـق مصــلحة للعبــاد ، فــال تسـقط بإســقاطهم هلــا ، ملنافــاة اإلسـقاط األمــر املشــروع ، و مــن

ـــذا : ذلـــك مـــا اعتـــربه الشـــارع احلكـــيم وصـــفا ذاتيـــا لصـــاحبه كالواليـــة علـــى الصـــغري ، فهـــو .االعتبار حق من حقوق اهللا تعاىل بإثبات الشرع هلا

الثالثالمطلب من حقوق العباد و ما ال یقبله اإلسقاطما یقبل

و يتناول هذا املطلب البحث عن الضابط حلقوق العباد و ما يسقط منها و ماال .يسقط

. 59: ص5ج، بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )1(

Page 233: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

233

الفرع األول ما یضبط حقوق العباد

: يف اجلملة ، فإن حقوق العباد منضبطة بأمرين أشــــــار إليهـــــا علمــــــاء منضــــــبطة حبســـــب الوضــــــع الكلـــــي للتشــــــريع و الـــــيت: األمـــــر األول -

. )1(األصول . )2(منضبطة حبسب الشروط العامة اليت أقرها الفقهاء: األمر الثاني - إلقامة املصاحل الضرورية للعباد يف اجلملة ، من يتعلق مبا وضعه اهللا : فالضابط األول

: ، لقوله سبحانه و تعاىل إباحة للطيبات ، فال جيوز للعبد حترمي ما أحل اهللا

: ، و قوله تعاىل )32:األعراف (

) النص مبنطوقه على ، فدل) 87: املائدة

.، باعتبار أن ذلك تعديا على حقوق اهللا تعاىل النهي عن حترمي ما أحل اهللا ، فقـــال إىل بعــض أصـــحابه الــذين مهـــوا إىل حتــرمي مـــا أحــل اهللا و قــد أشــار النـــيب : من رغب عن سنتي فليس مني )3(.

.و ما بعدها 243: ص 2، ج الموافقاتالشاطيب ، : ينظر – )1( .ذلك يف الفروع الفقهية للفقهاء املوجودة يف باب ما يسقط و ما ال يسقط ينظر يف – )2( . 4675: ، كتاب النكاح ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )3(

Page 234: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

234

: كل من حرم على نفسه مما وضعه من الطيبات ، فقال و قد ذم اهللا

) و يف قوله ) 103:املائدة ، :

) فتعلق ذم ) 138:األنعام ،

م اخرتعوا أشياء يف األنعام و احلرث ، حرموها جمرد التحرمي اهللا .هلم من حيث أ

مث إن حقوق العباد هي حقوق هلم من حيث أمـر الشـارع احملافظـة عليهـا ، كحـال املقاصـد .حفظ دينه و نفسه و عقله وعرضه و نسله و ماله : الضرورية و املتمثلة يف

.و لذلك ليس للعبد التسلط يف قتل نفسه أو تبذير ماله على وجه اللعب و اإلسراف

: و كان من أثر اعتبار هذا الضابط على الفروع الفقهية مايلي

الســفيه الــذي يســرف يف تبــذير األمــوال ، و يضــيعها خــالف مقتضــى الشــرع و العقــل -1 . )1(و احلنابلةحيجر عليه عند فقهاء املالكية و الشافعية

أن الشــــارع جعــــل األمــــوال قيامــــا ملصــــاحل النــــاس يف الــــدنيا ، و مــــن شــــأن : و علــــة احلجــــر الســـفه أن يضـــيع ذلـــك ، ألن الســـفيه مســـرف و مبـــذر ألموالـــه ، فقـــرر الشـــارع احلجـــر عليـــه

.يف هذه القضية ، و هذا ترجيحا حلق اهللا )2(صيانة لألموال من الضياع

االمتنــاع عــن األكــل و الشــرب حــىت املــوت ، فهــذا خمــالف للشــرع مــن حيــث أنــه جعــل -2 األكــل و الشــرب مــن مجلــة االكتســاب الــذي تتقــوى بــه الــنفس علــى الطاعــة ، و ذلــك أمــر

، كشاف القناع عن متن اإلقناعالبهويت ، : ، و ينظر 563: ، ص األشباه و النظائر السيوطي ، : ينظر – )1(

. 89: ص 6، ج منح الجليلعليش ، : ، و ينظر 452: ص 3ج ابن زكريا : كاحلجر على املفلس و الغرماء ، ينظر ملصلحة الغريالذي شرع هو و هذا النوع من احلجر – )2(

. 206: ص 2ج ، أسنى المطالب شرح روض الطالب األنصاري ،

Page 235: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

235

أكـل مندوب إليه ، و من األحكام املقررة اليت تدخل يف الرخص ، أن املضـطر إذا امتنـع عـنرخصـــة جنــــاية علـــى الـــنفس مـــع خمــــالفته ملقتضـــى الشـــرع يف امليتـــة حـــىت املـــوت ، اعتـــرب ذلـــك

. )1(األكل

مـــا ال تبيحـــه الضـــرورة و يتصـــور أن ذلـــك مـــن حـــق العبـــد ، كـــاإلكراه علـــى الزنـــا ، فـــال -3 ، وعلــــى ذلــــك ، ال جيــــوز )2(جيــــوز للمــــرأة الزنــــا ملــــا فيــــه مــــن فســــاد الفــــراش و ضــــياع النســــل

و مـن قتـل نفسـه بشـيء :للشخص قتل نفسه عند ظن اهلالك ، ، حلـديث رسـول اهللا أن رجال قاتـل فـي سـبيل اهللا أشـد القتـال ، : ، و حديث أيب هريرة ))3عذب به يوم القيامة

إنــه مــن أهــل النــار ، فبينمــا هــو علــى ذلــك ، إذا وجــد الرجــل ألــم الجــرح ، فقــال رســول اهللا .))4 فأهوى بيده إلى كنانته ، فانتزع منها سهما فانتحر بها

أن جنايـــة اإلنســـان علـــى نفســـه كجنايتـــه علـــى غـــريه ، مل يـــرخص الشـــارع لـــه : ووجـــه ذلـــك . ذلك

الــيت وضــعها الفقهــاء لضــبط مــا يســقط و هــو املتعلــق بالشــروط العامــة : الضــابط الثــاني - .وماال يسقط من طرف العباد

:فالذي عليه الفقهاء أن كل صاحب حق ال مينع من إسقاط حقه بشروط

.أن يكون جائز التصرف ، بأن مل يكن حمجورا -1

. 87: ص 24ج، المبسوط السرخسي ، : ينظر -)1( . 313: ص 5ج ، مواهب الجليل احلطاب ، : و ينظر ، 187: ص 6، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )2( . 1275: ، كتاب اجلنائز ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )3( . 6116: ، كتاب القدر ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )4(

Page 236: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

236

.أن يكون احملل قابل لإلسقاط بأن ال يكون عينا أو شيئا حمرما -2 . )1(املانع ، كتعلق احملل حبق الغريعدم وجود -4

الثاني الفرع حقوق العباد التي ال تقبل اإلسقاط

و يقصد بذلك ، ما حتتمل التعيني مطلقا جنسـا و نوعـا و قـدرا ، مثـل العـروض : العين -

.واملوزون من الثياب ، و العقار من األراضني و الدور و احليوان من الدواب و املكيـل . )2(فمالك العني له احلق يف التصرف فيها بالنقل على الوجه املشروع كالبيع و حنوه أسقطت ملكي يف هذه الدار لفالن ، و يريد : أما التصرف فيها باإلسقاط كأن يقول

. )3(بذلك زوال ملكه و ثبوت غريه ، فهذا التصرف باطل و ال يقبل هذا احلق اإلسقاط الثلثالفرع

ما یقبل اإلسقاط من حقوق العباد الــيت ليســت : يشــمل اإلســقاط يف حقــوق العبــاد ، الــديون و املنــافع و احلقــوق املطلقــة أي

.)4(دينا و ال منفعة و ال عينا ، كحق الشفعة و حق اخليار و حق القصاص

. 172: ص 6، البدائع ، ج الكاساني: ، و ينظر 228: ص 8، ج الذخيرةالقرايف ، : ينظر - )1( . 240: ص 1، ج مجلة األحكامدرر الحكام شرح علي حيدر ، : ينظر – )2( وبة اهلالكة و بالنسبة مابالنسبة للعني املغص ، و هناك تفصيل 117: ص 2، ج الفروق، القرايف: ينظر – )3(

.ي ، يرجع إليه يف أبواب الفقه مبا يتعلق باألعيان ورد يف الوقف ، ففيه تفصيل فقه .املصدر نفسه – )4(

Page 237: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

237

ــــدين -1 جيــــوز إســــقاطه و االعتيــــاض عنــــه باالتفــــاق ، و قــــد يكــــون االعتيــــاض فيهــــا : فالإذا أعطــى املــدين ثوبــا يف مقابلــة : صــلحا أو خلعــا أو تعليقــا ، مثــل مــا ذهبــت إليــه الشــافعية

. )1(إبرائه مما عليه من الدين ، فيملك الدائن العوض املبذول نظري اإلبراء و يربأ املدين

. )2(أقسام اإلسقاط بعوض ، الصلح على الدين و قد جعل القرايف من

فيجـــوز إســقاطها ، ســواء كـــان املســقط مالكــا للرقبـــة و املنفعــة ، أم كـــان : أمــا المنــافع -2 مالكـــــــا للمنفعـــــــة فقـــــــط ، مبقتضـــــــى عقـــــــد ، كاإلجـــــــارة و الوصـــــــية باملنفعـــــــة ، أم بغـــــــري عقـــــــد

. )3(كاالختصاص مبقاعد األسواق و ما شابه ذلك

ســبة إلســقاطها بعــوض ، فإنــه يرجــع إىل قاعــدة التفريــق بــني ملــك املنفعــة و ملــك و أمــا بالن االنتفــــاع ، فمــــن ملــــك املنفعــــة ملــــك املعاوضــــة ، و مــــن ملــــك االنتفــــاع فقــــط ، فإنــــه ميلــــك اإلسقاط و لكن ال جيوز املعاوضة عليه ، و هذا عند مجهـور الفقهـاء مـن املالكيـة والشـافعية

. )4(و احلنابلة

احلقوق املطلقة ، كحق الشفعة و حق اخليار و حـق القصـاص ، فهـذه احلقـوق ومـا أما - ها جيوز إسقاطها ا مانع ، كحق الصغري يف النسب ، فمن أقر )5(شا ، مامل يتعلق

5ج، )ت.دار إحياء الرتاث العريب ، ب( تحفة المحتاج في شرح المنهاجابن حجر اهليتمي ، : ينظر – )1( . 192: ص

. 256: ص 2ج، الفروقالقرايف ، – )2( . 52: ص 2، ج المنثور في القواعدالزركشي ، : ، و ينظر 355: ص 2، ج البدائعالكاساين ، : ينظر – )3( :، و ينظر 51: ص 7، ج منح الجليلعليش ، : ، و ينظر 56: ص 6، ج المغنيابن قدامة ، : ينظر – )4(

. 118-117: ص 5، ج نهاية المحتاجالرملي ، . 117: ص 2، ج الفروقالقرايف ، : ينظر – )5(

Page 238: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

238

. )1(بابن أو هنئ به فسكت ، فقد التحق به ، وال يصح له إسقاط نسبه بعد ذلك 3

و أمـا االعتيـاض عــن هـذه احلقـوق ففيهــا تفصـيل فقهــي و لكـن نـذكر مــا خيـدم املوضــوع ، فالقصاص جيوز االعتياض عنه عند مجيع الفقهاء ، و جيوز الصلح عـن التعزيـر الـذي هـو مـن ضـمن حــق العبـد ، و يصــح الصــلح يف إسـقاط حــق الــدعوى ، كحـق الشــفعة و الشــرب إال

. ى إثبات احلد أو النسب ما كان خمالفا للشرع ، كدعو

الرابعالمطلب

أقسام الحقوق بالنسبة للعقوبات :بناء على ما أسس و عرض سابقا ، فإن احلقوق بالنسبة للعقوبة قسمان

.من جهة احملض و من جهة التغليب ما كان فيه اعتبار حق اهللا : القسم األول -

.العبد من جهة التغليب ما كان فيه اعتبار حق : القسم الثاني -

الفرع األول

من جهة المحض و التغلیب اعتبار حق اهللا

و هــذا القســم غالـــب يف احلــدود ، و مثــل لـــه الفقهــاء حبــد الـــزىن : مــن جهــة المحـــض -1 .وحد الشرب و حد احلرابة و حد الردة

ابن: و ينظر ،95: ص 7ج، المبسوطالسرخسي ، : و ينظر ، 356:ص 2ج ، المدونةسحنون ، : ينظر – )1(

دار الفكر ، ( نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الرملي ، :و ينظر ، 489:ص 12ج ، المغني قدامة ، . 112:ص 5ج ،) ت .ب :بريوت

Page 239: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

239

، و قد مثل له الفقهاء بتـارك وكذلك يف التعازير ففيها ما هو حق خالص هللا الصالة عمدا ، و املفطر عمدا يف رمضان ، و من حيضر جمالس الشــراب و الفسق

. وغريها ، فهذه تصرفات فيها اعتداء على حقوق اهللا

.مبعىن أنه ليس فيها حق للعبد و اعتبارها حمضة هللا

، أن هنــاك مــن العقوبــات الــيت هــي مــن مجلــة و املقصــود مــن ذلــك :مــن جهــة التغليــب -2 ، و بنيـت علـى التـزاحم و التنـازع ، مبعـىن احلدود، ما اجتمع فيـه حـق العبـد مـع حـق اهللا

مــن وجــه آخــر ، لكــن حــق اهللا أنــه يراعــى حــق العبــد مــن وجــه و يراعــى حــق اهللا : .هو املعترب و املغلب كأصل عام

حــــد القـــذف ، فحــــق العبـــد فيهمــــا يتمثـــل يف حــــق رفــــع و مثـــل لــــه الفقهـــاء حبــــد الســـرقة و الــدعوى أو اخلصـــومة يف رد املـــال املســـروق أو دفـــع العــار عـــن الـــنفس ، و وجـــه حـــق اهللا

ما من املقاصـد الضـرورية الـيت أمـر الشـارع احلكـيم من جهة حفظ األموال و األعراض ، و أ .حبفظها

غالـب ، ومثـل و حـق اهللا و أما يف التعازير ، ففيها ما هو حق للعبد و حـق هللا تقبيـــل زوجـــة آخـــر و عناقهـــا ، ففيـــه التعـــدي علـــى حـــق العبـــد ، باعتبـــار أن : الفقهــاء بـــذلك

. من جهة ما يف ذلك من تعد على أعراض العباد الزوجة ملك خاص له ، و حق اهللا

Page 240: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

240

الفرع الثاني

ن فیه اعتبار حق العبد من جهة التغلیبما كا

و حــق العبــد ، و لكــن غلــب حــق و هــي العقوبــة الــيت اشــتملت علــى اعتبــار حــق اهللا العبــد عليــه شــرعا ، و قــد مثــل لــه الفقهــاء بالقصــاص ، ففيــه حــق العبــد املتمثــل يف حــق رفــع

ــــض بالقصــــاص ، فلــــه حــــق العفــــو و امل طالبــــة باملــــال الـــدعوى و املطالبــــة بالقصــــاص ، فــــإذا .والتعويض

، فمـــن جهـــة أمـــر الشـــارع احلكـــيم حفـــظ النفـــوس مـــن العـــدم و حتـــرمي و أمـــا حـــق اهللا .التعدي عليها بالقتل من غري حق

، لكـــن حـــق العبـــد فيهـــا و كـــذلك يف التعـــازير مثـــل الســـب و الشـــتم ، ففيهـــا حـــق اهللا .غالب ، فله احلق يف اخلصومة

و املالحظ من خالل تتبع أقسام احلقوق بتلك االعتبارات السـابقة ، أن وجـه التغليـب بـين ســــواء مــــن –علـــى األســــاس الشــــرعي ، و هـــذا قــــد أشــــرنا إليـــه مــــن خــــالل بعـــض النصــــوص

عند الكالم عن األصول الشرعية للعقوبة و العفو يف القصاص واحلدود -الكتاب أو السنة

يف احلـدود ، عنـد إثبــات اجلرميـة ووصـول أمـر اجلـاين إىل احلــاكم و اعتـرب تغليـب حـق اهللا .من غري شبهة قائمة تدفع احلد عنه

و أمـــا يف القصــــاص ، فـــاعترب تغليــــب حـــق العبــــد مــــن جهـــة أن الشــــارع احلكـــيم أقــــام هــــذه ــا أســقام العقوبــة علــى معــان منهــا ، متكينهــا علــى وجــه تتحقــق بــه العدالــة العقابيــة تتطيــب

Page 241: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

241

ـــ ا أن تعطـــي أولويـــة حلـــق العبـــد يف رفـــع ا ين عليـــه و تشـــفي غيظـــه ، و هـــذه املعـــاين مـــن شـــأ .و املطالبة حبقه ىالدعو

لكن من جهة أخرى ، أشار الشارع احلكيم إىل معىن آخر يشري إىل تعزيز حق اهللا : يف قوله تعاىل ) البقرة :

ا و حياة ) 179 ، ففي قتل القاتل عدال من غري إسراف و ال تعد بقاء للمهج و صوللنفوس من إعدامها ، فالذي يفكر يف القتل إذا علم أنه سيقتل قصاصا انكف عن صنيعه

. و هذا فيه تعزيز حلق اهللا

ــين عليــه صــاحب فالظـاهر أن الشــارع احلكــيم أراد إبقـاء احلقــني يف عقوبــة القصـاص ، و ا .احلق ممتحن بني العفو و القصاص

و أمــا الرتجــيح بينهمــا فمــن خــالل مــا أســس ســابقا ، فــإن الشــارع نــدب إىل العفــو كأصــل قصـود مـن ذلـك مبـين عام ، لكن من ناحية التفصيل الفقهي ، فإن الفقهـاء أشـاروا إىل أن امل

. على املوازنة بني العفو و القصاص

الخامسالمطلب

أوجه الموازنة بین الحقوق المتعلقة بالعقوبات

ما تقدم ، ميثل قواعد عامة للفقيه ينطلق منها عند تزاحم احلقوق املتعلقة بالعقوبة ، خاصة عليها عند إثباتو أن أمر العقوبات يتعلق بالنفس البشرية من خالل إجراء األمل

.جرمها بوسائل اإلثبات ، فاحتاطوا يف هذا األمر

:و املالحظ أن الفقهاء وازنوا بني احلقوق يف العقوبات من جهتني

Page 242: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

242

. من جهة األصل العام -1

. من جهة التفصيل الفقهي -2

الفرع األول

من جهة األصل العام

و يقصــــد باألصــــل العــــام ، تلــــك األســــس الــــيت أشــــري إليهــــا يف املطلــــب الثــــاين ، املتمثلــــة يف أقســـام احلقـــوق و اآلثـــار املرتتبـــة علـــى ذلـــك ، باعتبارهـــا قواعـــد عامـــة ينطلـــق منهـــا الفقيـــه يف

.معرفة العقوبات اليت جيري فيها العفو من اليت ال جيري فيها ذلك

: واعد و ميكن تلخيص ذلك يف ثالثة ق

.، ليس فيه العفو أصال كل عقوبة مبنية على اخللوص أو التغليب حلق اهللا -1

.كل عقوبة مبنية على مراعاة حق العبد أو تغليب حقه ، ففيها العفو -2

.كل عقوبة غلب فيها حق العبد فأسقطه ، متكن فيها حق اهللا -3

ـــا ال تســـقط بإســـقاط العبـــد لهـــا اهللا حقـــوق مبـــين علـــى أن : فالقاعـــدة األولـــى - ، و ألا النفع العام فال ميلك أحد من اآلدميني إسقاطها بالعفو .تعلق

فكـان اعتبــار جانــب العقوبــة أقــوى عنــد اإلثبـات و قيــام األدلــة الصــحيحة مــن غــري شــبهة ، .و ال اعتبار للشفاعة و ال للصلح ، و ال جيوز االعتياض عنها

Page 243: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

243

و هـــذا ظـــاهر يف احلـــدود ، فلـــذلك جنـــد أن الفقهـــاء بنـــوا احلـــدود كلهـــا علـــى أصـــلها العـــام متكينهــا عنــد اإلثبــات ، : ابتــداء مــن غــري النظــر إىل العفــو و الشــفاعة أو الصــلح و يتمثــل يف

.ففصلوا يف العقوبة و شروطها ترجيحا ملعىن العقوبة فيها ، و مل يفصلوا يف العفو

فمبنيـــة علـــى مراعـــاة مصـــلحة العبـــد ، تســـقط بإســـقاطه ، فيجـــوز فيهـــا : انيـــةالقاعـــدة الث - .العفو و االعتياض فيها و الشفاعة فيها

و قــــد نــــدب الشــــارع احلكــــيم يف هــــذا اجلانــــب إىل العفــــو و الصــــلح ، ترجيحــــا علــــى معــــىن العقوبـــة ، كمـــا هـــو احلـــال يف القصـــاص ، أو قبـــل وصـــول أمـــر اجلـــاين إىل احلـــاكم يف احلـــدود

.بالنسبة لعقوبة السرقة والقذف

من العقـاب مبنية على أن التشريع العام للعقوبات ليس فيه إفالت : القاعدة الثالثة -

و لذلك ، إذا سقط القصاص بالعفو ، كان لإلمام أن يعزر اجلاين بعقوبة يراها مناسبة له

الفرع الثاني

من جهة التفصیل الفقهي

م إىل العقوبــة ســواء كانـــت بنــاء علــى األصــل العــام الــذي ســبق ذكـــره ، أقــام الفقهــاء نظــر .حدا أو قصاصا أو تعزيرا

فلــيس فيهــا العفــو كاحلــدود فــرأوا أن هنــاك مــن العقوبــات مبينــة علــى اعتبــار حــق اهللا و عقوبــة مبنيــة علــى اعتبــار حــق العبــد ففيهــا العفــو كمــا هــو يف القصــاص ، وعقوبــات مبنيــة

.على النظر حبسب املصلحة اليت يراها احلاكم كما يف التعازير

Page 244: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

244

.نظرة أخرى تتعلق حبسب كل عقوبة لكن من حيث التفصيل الفقهي ، فهناك

تبني فيما سبق ، أن الشـارع احلكيم أراد من هذه العقوبة إبقـاء: بالنسبة للقصاص -أ

يف ، و إن كـــان حـــق العبـــد غالبـــا علـــى حـــق اهللا احلقـــني ، حـــق العبـــد و حـــق اهللا .القصاص

فقــد ذكــر الشــارع القصــاص يف معــرض املــدح ، مــن خــالل بيــان أن يف تطبيقــه حيــاة للنــاس و ذكر العفـو مـن بـاب النـدب و حـث عليـه ، فـدل أن الشـارع أراد معـىن يـدل علـى املقصـود مــن تشــريع القصــاص ، فاهتــدى العلمــاء إىل ضــبط العفــو حــىت يصــبح موافقــا ملقصــد الشــارع

رقـــوا بــــني العفـــو عــــن القاتـــل التائــــب و بـــني العفــــو عـــن القاتــــل مـــن تشــــريع هـــذه العقوبــــة ، فف .املعروف بالفجور و القتل

أما املعىن الذي استلزم ضبط العفو ، فقد أشار إليـه الشـارع يف احلـدود عامـة ، خاصـة حـد . )1(احلرابة وعقوبة قتل الغيلة حبسب تعريف فقهاء املالكية

علــى حــق العبــد ، و لــيس ابــة ، فإنــه يغلــب حــق اهللا فــاملعلوم أنــه إذا وقــع القتــل يف احلر ألولياء الدم أو ويل األمر العفو عـن ذلـك ، قبـل القـدرة علـى احملـارب ، وهـو حمـل إمجـاع عنـد

. )2(الفقهاء

. )3(، فليس ألولياء الدم العفو و قد رجح فقهاء املالكية يف قتل الغيلة حق اهللا

بة ، فإن كان لعداوة ففيه القصاصالقتل على مال ، فأشبه احلرا: قتل الغيلة عند فقهاء املالكية هو - )1(

. 293: ص 8 ، ج مواهب الجليل احلطاب ، : ينظر . 127:ص 10، ج المغنيابن قدامة ، : ينظر – )2( . 185: ص 2، ج الفواكه الدوانيالنفراوي ، : ينظر – )3(

Page 245: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

245

فيــه القتــل وعقوبــة قتــل الغيلــة ، يشــرتكان مــع القصــاص مــن و رغــم أن حــد احلرابــة إن وقــع مـا يفرتقـان مـن حيـث أن القتـل يف حـد احلرابـة و الغيلـة مل يكـن حيث صيانة الوجـود ، إال أ

.لعداوة كما هو شأن القتل يف القصاص ، و إمنا كان إلخافة السبيل و أخذ األموال

ء الدم ، و إمنا عـم ضـرره مجيـع النـاس ، فـرجح فالقتل يف احلرابة و الغيلة مل خيتص حبق أوليا .، و مل يراع فيها حق العبد فيها جانب حق اهللا

خبالف القتل يف القصاص ، فالضـرر اخـتص بـه العبـد وحـده ، فغلـب حـق العبـد علـى حـق .من هذه اجلهة اهللا

علــى اخللــوص فتبــني أن الشــارع احلكــيم ، إمنــا رجــح جانــب العقوبــة الــيت فيهــا حــق اهللا أو مــن جهــة التغليــب ، ملــا يف اجلــرم مــن فســاد يعــم النــاس و ال خيــتص بأحــد مــنهم ، و هــو

.املعىن املقصود

عنـد -و هذا املعىن موجـود يف القصـاص ، ألنـه يشـرتك مـع حـد احلرابـة و عقوبـة قتـل الغيلـة .من حيث صيانة الوجود -فقهاء املالكية

عن اجلاين ، فإنه جيلد مائة و يسـجن سـنة عنـد فقهـاء املالكيـة و لذلك إذا عفا أولياء الدم .)1(، فال ميلك أولياء الدم إسقاطه أن العبد أسقط حقه فبقي حق اهللا : ووجه ذلك

يف القصـــاص أريـــد إبقاؤهـــا أمـــام حـــق العبـــد ، حـــىت ينضـــبط و املالحـــظ أن حقـــوق اهللا حــق العبــد و الــذي هــو العفــو بــاملعىن املقصــود ســابقا ، و ليــدل علــى أن الشــارع احلكــيم ملــا

.شرع العفو و ندب إليه ، إمنا شرعه مع مراعاة ذلك املعىن

. 118: ص 9ج ، المنتقىالباجي ، : ينظر – )1(

Page 246: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

246

اص ، يتمثل و هذه من دقائق األمور اليت دفعت علماء الشريعة إىل ضبط العفو يف القص

. )1(يف أن ال حيصل معه ضرر ، فإن حصل ذلك كان ظلما من العايف على نفسه أو لغريه

بــني العفــو عــن الفــاجر املشــهور بفجــوره ، والعفــو عــن التائــب توبــة )2(وفــرق بعــض العلمــاء .ظاهرة تدل على حتقق الزجر

فـالعفو عـن الفـاجر القاتـل ال حيقـق املعـىن الســابق ، ألن ذلـك مـن شـأنه أن يزيـد مـن ظلمــه و عداوتـــــه و ميكـــــن لألعـــــداء مـــــن االســـــتهتار بـــــالنفوس ، فـــــال يتحقـــــق املعـــــىن املقصـــــود مـــــن

.القصاص

خبــالف العفـــو عـــن التائـــب ، فـــإن العفـــو عنـــه منـــدوب إليـــه يتحقـــق بـــه املعـــىن املقصـــود مـــن .تشريعه

و لــذلك ، حــق العبــد يف القصــاص منضــبط حبصــول املعــىن املقصــود مــن متكــني حقــوق اهللا و إمنا العبد ممتحن بني العفو و القصاص ، فتأيت املوازنة بـني تغليـب العقوبـة أو تـرجيح ،

.العفو حبسب حتقق ذلك املعىن

أقــام الفقهـــاء حـــد الزنــا و حـــد الشــرب و حـــد احلرابــة و حـــد الـــردة : بالنســبة للحـــدود -ب فيهـــا علـــى اخللـــوص ، فلـــيس فيهـــا عفـــو و ال صـــلح و ال شـــفاعة علـــى اعتبـــار حـــق اهللا

.عند اإلثبات و قيام األدلة على اجلرم

.حد السرقة و حد القذف : و إمنا املالحظ أن الفقهاء اعتربوا العفو يف حدين

في شرح غاية المنتهى مطالب أولي النهى الرحيباين ،: و ينظر ، 410:ص 9ج، الفروعابن مفلح ، : ينظر – )1( . 58: ص 6ج

. 87:ص 4ج، أحكام القرآن، ابن العريب :ينظر ، و 31: ص 16ج، جامع األحكامالقرطيب ، : ينظر - )2(

Page 247: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

247

:ضح من خالل اعتبار حالتني يف احلدين و ذلك يت

قبــــل وصــــول اجلــــاين إىل اإلمــــام أو الشــــرط و احلــــرس علــــى رأي اإلمــــام : الحالــــة األولــــى - . مالك، و هذا أمر ليس فيه خالف يف جواز العفو فيه

. بعد وصول اجلاين إىل اإلمام أو الشرط أو احلرس : الحالة الثانية -

فإن ثبت أمر السرقة أو القـذف عنـد اإلمـام و مـع قيـام األدلـة : لة الثانيةأما بالنسبة للحا - علـــى حـــق العبـــد ، فـــال عفـــو و ال شـــفاعة و ال مــن غـــري شـــبهة ، رجـــح جانـــب حـــق اهللا

.اعتياض ، قياسا على األصل العام

لكــن يف األمــر تفصــيل عنـــد الفقهــاء بغــض النظــر عـــن مــذاهبهم ، و ذلــك يف حــد الســـرقة ـين عليـه غائبـا وحد ال قذف من حيث اشرتاط اخلصومة و رفع الـدعوى يف احلـدين و كـان ا

.أو مل حيضر جملس القضاء

فأما بالنسبة حلد السرقة ، فـإن قـال املسـروق عنـد اإلمـام أن الشـهود شـهدوا شـهادة زور أو ، و هـذا لـيس باعتبـار عفـوه )1(أنه مل يسرق مـين أو العـني الـيت سـرقت لـه ال يقـام عليـه احلـد

، و إمنـــا باعتبـــار إثبـــات امللكيـــة للمـــتهم بالســـرقة ، خبـــالف إن قـــال الســـارق عفـــوت عنـــه أو . وهبت له املال ، ففيه القطع

. 171: ص 2ج، ) ت .املطبعة اخلريية ، ب( الجوهرة النيرة احلدادي العبادي ،: ينظر – )1(

Page 248: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

248

يـرون جـواز العفـو يف هـذه احلالـة )2(و احلنابلـة )1(و أما حد القذف ، فـإن فقهـاء الشـافعية ، و اسـتدلوا بأدلـة مـن السـنة واملعقـول لـيس ، ألن حق العبد عنده غالب على حق اهللا

.موضعها يف هذا املبحث

ومن حيث اشـرتاط اخلصـومة ففيـه اخـتالف بـني الفقهـاء ، فهنـاك مـن اشـرتطها اعتبـارا حلـق .العبد ، و هناك من مل يشرتطها اعتبارا حلق اهللا

مل يشــــرتط اخلصــــومة يف أن الــــذي: أمــــا اخلصــــومة يف حــــد الســــرقة فخالصــــة املســــألة هــــي أعمل يف الشهادة التهمة ، مبعىن أن الشـاهد إذا شهد على الســارق يصبح متهما ،

فيـــوازن القاضـــي يف أمـــره ، فينظـــر يف حـــال املـــتهم بالســـرقة إن كـــان مـــن أهـــل اخلـــري و الفضـــل ـــا ، فـــإن القاضــي يـــرجح شــبهة العفـــو و ال يكشــف عـــن حـــال ــم بعيــدا عـــن التهمــة الـــيت ا

.م ، و ال يلتفت إىل هذه التهمة املته

فللحـاكم خبالف إن كان حال املتهم ممــا تكـرر منـه فعـل السـرقة أو عـرف حالـه بالفجـــور ، أمــا يف حــد القــذف ، فالــذي عليــه االتفــاق أن اخلصــومة شــرط . )3(أن يســجنه و خيــرب حالــه

. )4(فيه ، و هو املختار كما اختاره العز بن عبد السالم

، روضة الطالبين و عمدة المفتينالنووي ، : ، و ينظر 487: ص 3، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )1( 7، ج) ت .ب: دار الكتب العلمية ، بريوت ( حتقيق عادل أمحد املوجود و علي حممد معوض . 323: ص

. 315: ص 10ج، المغنيابن قدامة ، : ينظر – )2( ردا( عبد اللطيف حسن عبد الرمحن : ، حتقيق شرح ميارة الفاسيأبو عبد اهللا املالكي ، : ينظر – )3(

. 445: ص 2ج، ) م 2000: الكتب العلمية ، بريوت . 237: ص 1، ج) م 1980: دار الكتب العلمية ، بريوت ( األشباه و النظائرابن جنيم ، : ينظر – )4(

Page 249: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

249

مـــن : رجـــح جانـــب الـــرتك ، مبعـــىن –مـــع قولـــه اشـــرتاط اخلصـــومة –لكـــن بعـــض الفقهـــاء . )1(األفضل للمقذوف ترك اخلصومة

أن مــــن شــــأن رفــــع الــــدعوى بالقــــذف إشــــاعة الفاحشــــة ، و فيهــــا مــــن : و العلــــة يف ذلــــك .اإلضرار ما يلحق باملقذوف من العار و يشتهر أمره بني الناس

مــن هـذه اجلهـة ، ألن منــع وقـوع الفحــش بـني النــاس تــرجيح حـق اهللا و فيـه إشـارة إىل .من مقاصد تشريع العقاب

:، مفاده و الظاهر أن األمر فيه موازنة بني حق العبد و حق اهللا

إن كان القاذف على غري مأل من الناس ، و ال يعلم ذلك إال الشاهدان و مها أهل : جيحا ملعىن العفو ، لقوله صالح يكون من األفضل الرتك ، تر

)و قوله ) 237:البقرة ،

) حىت لو وصل األمر للحاكم ، ال بد أن ينظر احلاكم إىل ) 237:البقرة ،

القاذف و املقذوف ، و من املستحسن إذا تبني صالح حاهلما ، أن يرجح جانب حال .السرت

مــــن بـــاب أوىل ، حــــىت ال أمـــا إذا كـــان القــــذف يف مـــأل مـــن النــــاس ، فـــريجح حـــق اهللا .جيرتئ الفساق على انتهاك أعراض الناس

املالحـظ أن التعـازير جيـوز فيهـا العفـو و الشـفاعة خبـالف مـا تقـرر يف احلـدود : التعازير -ج ا ، أمـا مـا يتعلـق حبقــوق اهللا ، ، و أن حقـوق العبـاد فيهـا ال تسـقط إال بإســقاط أصـحا

. 516: ص 5، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )1(

Page 250: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

250

فالظاهر أن ليس للويل إسقاطها ، و إمنا أشار الفقهاء و علمـاء السياسـة الشـرعية إىل قاعـدة . )1(من جهة احملض أو التغليب عقوبات التعزيرية اليت فيها حق اهللا تبىن عليها مجيع ال

ا مراعـــاة األصـــلحوهــي قاعــدة أن ينظـــر ويل األمــر إىل حـــال اجلــاين و يـــوازن : ، و مضــمو بني العفو و العقوبة ، و أيهم األصلح للجاين ، حىت يتحقق املعىن املقصـود من التعازير

. التأديب و اإلصالح : الذي هو

312: ، ص األحكام السطانيةاملاوردي ، : و ينظر ، 224:ص 2ج، تبصرة الحكام ابن فرحون ،:ينظر – )1(

. 82: ص 4ج، رد المحتارابن عابدين ، : و ينظر ، 488: ص 4ج ، المدونةسحنون ،: و ينظر

Page 251: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

251

المبحث الثالث

ما یتعلق بالحقوق من جهة العفو

.يتضمن هذا املبحث الشق اآلخر من املوضوع ، وهو عالقة احلقوق بالعفو

و لــــيس املقصــــود بيــــان أقســــامها باعتبــــار العفــــو فيهــــا كمــــا هــــو احلــــال يف الفــــرع الثــــاين مــــن املطلــب الســابق ، الــذي ذكــر فيــه أقســام احلقــوق باعتبــار العقوبــة ، و إن كــان قــد ذكــر ذلــك

.ضمنا

و إمنــا القصــد هــو بيــان طبيعــة و خصــائص احلقــوق الــيت جيــري فيهــا العفــو ، و احلقــوق الــيت فيهـا العفـو ، و هـذا مبحـث مهـم يف بيـان مسـالك الفقهـاء يف املوازنـة بـني العقوبـة و ال جيري

.العفو باعتبار هذا األساس

المطلب األول

ما یتعلق بالحقوق الشرعیة التي ال عفو فیها

ا بعض املعاين، وجد أن احلقوق اليت ال جيري فيها العفو و ال تسقط بوجوده ، تعلقت معىن التعبد و تعلقها بالنفع العام و تعلقها : بينت طبيعتها و خصائصها ، منها

.باإلثبات

Page 252: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

252

الفرع األول

تعلقها بمعنى التعبد

ال عفـــو فيهـــا و ال شـــفاعة مـــن حيـــث املعلـــوم و املســـتقر عنـــد الفقهـــاء أن حقـــوق اهللا إمنـا كـان القصـد مـن وضـعها : األصل العام اليت وضـعت مـن أجلـه هـذه احلقـوق ، الـذي هـو

، حــــىت يقــــف عنـــــد و تشــــريفا ، فأضـــــيفت إىل امســــه مطلــــق االمتثــــال ، تعظيمــــا هللا .حدها العباد

مــــن ذلــــك و لــــذلك جــــاء معــــىن التعبــــد يف تعريفــــات بعــــض أصــــويل املالكيــــة حلــــق اهللا « :، و عرفهــا الشــاطيب بقولــه )1(»امتثــال أمــره و اجتنــاب نواهيــه « : تعريــف القــرايف ، بقولــه

.)2(»ما فهم من الشرع أنه ال خرية فيه للمكلف ، كان له معىن معقول أو غري معقول

ـذا املعـىن ، تقـرر عنـد علمـاء السياسـة الشـرعية علـى أن و ملا كانت هـذه احلقـوق متعلقـة النهـوض باحلـدود و : إقامتها يف األرض أمـر واجـب علـى أوليـاء األمـور ، و يقصـدون بـذلك

.القصاص و التعازير

و ملـــا كـــان أمـــر إقامـــة العقوبـــات الـــيت حتفـــظ هـــذه احلقـــوق مـــن اختصـــاص ويل األمـــر ، فقـــد ضــبط الشــارع احلكــيم هــذه العقوبــات علــى أســاس الــنص ، فجــاءت هــذه العقوبــات حمــددة

مــن جهــة احملــض أو جهــة التغليــب ، فســمى الفقهــاء و نوعــا ، ســواء كــان حقــا هللا قــدرا .احلدود و القصاص بالعقوبات املقدرة شرعا

.80: ص شرح تنقيح الفصولالقرايف ، – )1( . 241: ص 2، ج ، الموافقاتالشاطيب – )2(

Page 253: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

253

ــــي مــــن حــــد فقــــد وجــــب : يؤكــــد ذلــــك يف قولــــه و جــــاء قــــول النــــيب ، ))3 فمــــا بلغن .واخلطاب ألولياء األمر من جهة أن هلم حق السلطنة يف إقامة احلدود و القصاص

حدها و مسيت احلدود بذلك ، لتعطي للعقوبة قدرا ال جيوز تعديه ، و ألن اهللا وقدرها ، فال جيوز ألولياء األمور اإلنقاص من قدرها أو الزيادة عليها أو استبداهلا بغريها و

: ب الشارع مقرعا ملن زاد أو أنقص منها ، قال اهللا لذلك جاء خطا

)1:الطالق. (

:و من آثار هذا املتعلق

، المقدرات الشرعية ال يدخلهـا القياساملقرر عند الفقهاء و علماء األصـول أن - 1

.فتقديرها ال يعرف إال من جانب الشارع الذي قدره

، ألن الشـــهادة فيهــا تقــام حســـبة اخلصــومة ليســت بشـــرط يف احلقــوق اخلالصــة هللا -2 ا على دعوى العبد .هللا تعاىل ، فال يتوقف ظهورها و إثبا

ــين : أن العقوبـات الـيت حتفــظ هـذه احلقـوق الزمــة ، مبعـىن -3 أنـه ال جيـــوز لـويل األمـر أو ا عليه العفو عنها أو إسقاطها ، و مل جيعل الشارع للسلطة التنفيذية سلطانا يف العفو عنها

ذه املعىن ، يكون يف الغالب برتجيح معىن العقوبة فحفظ هذه احلقوق اليت تعلقت

. 3804: أخرجه أبو داود يف السنن ، كتاب احلدود ، رقم -)3(

Page 254: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

254

ع الثانيالفر

تعلقها بالنفع العام

و يقصد بـذلك املصـاحل الكليـة ، و هـي املصـاحل الـيت تعـود علـى عمـوم األفـراد واجلماعـات . )1(عودا متماثال

و هـــذه املصـــاحل الكليـــة قـــد حصـــرها علمـــاء األصـــول يف مخـــس تقـــام احليـــاة عليهـــا ضـــرورة ، ل و األنسـاب و األعـراض واألمـوال حفـظ النفـوس و العقـو : ومسوها باألصول اخلمس و هي

)2( .

و لــــذلك حــــرم القتــــل العمــــد العــــدوان و الزنــــا و الســــرقة و الــــردة ، ألن يف حفظهــــا حفــــظ حلقـــوق عامـــة النـــاس املتمثلـــة يف صـــيانة النفـــوس مـــن ســـفك دمهـــا ، و ســـالمة األنســـاب مـــن

.االختالط ، و صيانة األموال من الضياع و سالمة العقول

و ملا كان عموم النفـع يتعلـق جبمـع مـن النـاس ، و ال يتعلـق بـالنفع الشخصـي ، حصـل مـن ــــا هــــذا املعــــىن ، فلــــم يعــــط اعتبــــار ذلـــك إمهــــال لالعتبــــار الشخصــــي يف احلقــــوق الــــيت تعلـــق

.للجانب الشخصي أو املصلحة الشخصية ، و إمنا اتصلت هذه احلقوق باملصلحة العامة

أنــه ال جيــوز ألحــد إســقاطها بــالعفو أو الصــلح عنهــا أو الشــفاعة فيهــا : فحصــل مــن ذلــك إال مــا تعلــق بـــالنفوس ، فقــد جــاء فيهـــا التخيــري بــني العفـــو و العقوبــة بــالنص الشـــرعي ، ألن

:دار سحنون للنشر و التوزيع ، تونس( 2، ط مقاصد الشريعة اإلسالمية، طاهر بن عاشور ال: ينظر – )1(

. 84: ، ص )م 2007 .636: ص 1، ج المستصفىالغزايل ، : ينظر – )2(

Page 255: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

255

عظــم فيهــا حــق اخلاصــة و تــرجح ، و الفــرد ميلــك خاصــية نفســه يف إســقاط حقــه بــالعفو أو .لك الصلح أو ما دل على ذ

لتشريـف ما عظم خطره ، و ينسب ذلك هللا و تعلق بالنفع العام حقوق اهللا

: ، فكان من أقوال الفقهاء الذي يناسـب هـذا املعـىن أن املقصـود بـالنفع العـام )1(وقوي نفعه، زيـادة علـى املقصـود األول الـذي ذكـر يف بدايـة الكـالم عـن هـذا )2(إخالء العامل مـن الفسـاد

.املتعلق

ا حق اهللا :إلفادة أمرين و تعلق

أال خيــتص هــذا احلــق بأحــد مــن العبــاد ، إمنــا هــو نفــع للعــامل كلــه ، فلــيس : األمــر األول - .يف إسقاطه بالعفو أو الشفاعة أو الصلح ألحد حق النيابة عن اهللا

ب تنفيــذه مــن غــري ملــا كــان األمــر يتعلــق بــه ســبحانه و تعــاىل ، كــان الواجــ: األمــر الثــاني - أن تأخــذ النــاس الرأفــة بالعصــاة و اجلنــاة الــذين انتهكــوا هــذه احلقــوق ، فكــان التنفيــذ للحكــم

أيهـا النـاس إنمـا هلـك الـذين :أمر يقع به املقصـود الـذي هـو الزجـر ، لـذلك قـال النـيب الحـد عليـه من قبلكم أنه كان إذا سرق فيهم الشريف تركـوه ، و إذا سـرق فـيهم الضـعيف أقـاموا

)3( ـــوق احلــــديث أن ســـــبب اهلـــــالك تــــرك إقامـــــة احلـــــدود و املداهنــــة فيهـــــا ســـــواء ، فــــدل منطــبالشــــفاعة أوالعفــــو مــــن طــــرف أوليــــاء األمــــور ، و دل مبفهومــــه أن ســــبب احليــــاة إقامــــة هــــذه

. 230 :ص 4، ج كشف األسرارالبخاري ، : ينظر – )1( . 111:ص 2،ج)م1996: دار الفكر ، بريوت ( التقرير و التحبير في علم األصولابن أمري احلاج ، : ينظر – )2( . 3197:، كتاب احلدود ، رقم صحيحهأخرجه مسلم يف – )3(

Page 256: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

256

حــد يعمــل فــي األرض :احلــدود ملــا فيهــا مــن حفــظ أســباب احليــاة ، و لــذلك قــال النــيب . ))1 صباحا ثالثينأن يمطروا خير ألهل األرض من

.فحرمت الشفاعة و العفو يف احلدود لتعلقها بالنفع العام

الفرع الثالث

تعلقها باإلثبات

ألن احلقـــوق الـــيت ال عفـــو فيهـــا و ال شـــفاعة هـــي احلقـــوق الثابتـــة عنـــد احلـــاكم ، و لـــذلك )2(»قيام احلجة على ثبوت السبب عند احلاكم « : عندما عرف الفقهاء الثبــوت قالوا بأنه

فــالثبوت الكامــل هلــذه احلقــوق عنــد احلكــام جيعــل إنشــاء العفــو أو الشــفاعة أو الــدعوة إىل .رف احلاكم أمرا خيالف الشرع ، لداللة النصوص الشرعية على ذلك الصلح من ط

فقـــد أشـــار الـــزبري بـــن العـــوام إىل هـــذا األمـــر ، يف شـــفاعته للـــص أرادوا أن يرفعـــوه إىل خليفـــة إذا بلغـت الحـدود السـلطان « : و استمسـكوا بـذلك ، فقـال املسلمني عثمان بـن عفـان أتيني ـال قبــل أن تـــفهــ :يف قصــة صــفوان قولــه ، و )3(» فلعــن اهللا الشــافع و المشــفع

.))4به

و املالحـــظ فيمـــا تقـــرر يف كتــــب الفقـــه ، و فيمـــا يتعلـــق جبانــــب احلـــدود و القصـــاص ، أنــــه تأسيس معىن العقوبة ، فتكلموا يف إثبات: غلب عليهم التأسيس ، و القصد من ذلك

. 4860: من حديث أيب هريرة ، كتاب قطع السارق، رقم السننأخرجه النسائي يف – )4( . 98: ص 1ج، التبصرة ابن فرحون ، – )1( .سبق خترجيه – )2( .سبق خترجيه – )3(

Page 257: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

257

. ، أكثر من كالمهم يف العفو و الشفاعة اجلرائم اليت فيها اعتداء على حقوق اهللا

: و حاصل هذا املعىن لتأكيد أمرين

أمــر يتعلــق مــن حيــث مقصــد العقوبــة ، فقــد حصــل للفقهــاء أن الشــارع احلكــيم أراد -1 االحتياط يف هذه العقوبات قدر اإلمكان ، حىت يكون لتطبيـق العقوبـة حجـة قويـة للجـاين و

ين عليه ، فتستقبله .ا العقول السليمة بالقبول و يتحقق معىن العدالة فيها ا

عنـــد اإلثبـــات ال بــد مـــن العقوبـــة حــىت ال جتـــرتئ النفـــوس : األمــر الثـــاين يتمثـــل يف أنــه -2 الضـــعيفة علـــى حقـــوق اهللا تعـــاىل الـــيت فيهـــا حفـــظ حلقـــوق العبـــاد ، و حـــىت ال يقـــع يف نفـــوس

.العامة االستهانة بأمور احلكم

هــذين األمــرين ، أن قســم الفقهــاء أمــر اإلثبــات قبــل الرفــع إىل اإلمــام و بعــد فكــان حاصــل .الرفع

فاستحسنوا السرت و العفو قبل الرفع ، خبـالف بعـد الرفـع ، فـال جيـوز ذلـك ، إال يف مسـائل .تتعلق باحلقوق اليت فيها حق خصومة العبد كالقذف و السرقة

م ، أنـه إذا تـاب اجلـاين توبـة نصـوحا قبـل الرفـع إىل و جاء من تفريعات العلماء و تفصـيال اإلمــام ، ســقط عنــه احلــد بــالعفو ، فــإذا رفــع إىل اإلمــام مل يكــن يف توبتــه أثــر يف ســقوط احلــد

، إذا أن ال يكـون ذريعـة للنفـوس الضـعيفة إىل تعطيـل حـدود اهللا : عنه ، والعلة يف ذلك . )1(لعقوبة و ال يعجزه ذلكميكن ألي أحد أن يظهر توبته ليتخلص من أمل ا

. 144:ص 3ج، إعالم الموقعين ابن قيم اجلوزية ، : ينظر – )1(

Page 258: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

258

و هنــاك مــن اجلــرائم الــيت فيهــا اعتــداء علــى حقــوق اهللا تعــاىل ال تفتقــر إىل رفــع الــدعوى أو خصــومة العبــد ، فجــرائم الزنــا أو الشــرب ، تقــام بالشــهادة مــن غــري دعــوى أحــد ، فــإذا ثبــت

ذه الطريقة أقيم احلد من غري عفو . أمرها اء األمـور عنـد إثبـات احلقـوق التنفيـذ ، و إمنـا حيتـاج للحـاكم ألن و لـذلك فـإن وظيفـة أوليـ

.)1(تفويض أمر احلقوق الثابتة للناس يؤدي على التهارج و القتال بـة أو صـلح ، فـإذا فعند اإلثبـات ، ال جيـوز تعطيـل احلـدود ال بـالعفو و ال بالشـفاعة و ال

. عقوبة أوىل رفع اجلاين إىل احلاكم و قد ثبت أمره عنده ، فال

المطلب الثاني ما یتعلق بالحقوق التي یجري فیها العفو

أما احلقوق اليت جيري فيهـا العفـو ، فتتعلـق باملصـلحة اخلاصـة ، و بـالتخيري ، و تعلقهـا حبـق

.السلطنة أو باإلمامة الفرع األول

تعلقها بالمصلحة الخاصةاحلقــوق الــيت أقرهــا الشــارع احلكــيم للعبــاد ، فســميت حبقــوق العبــاد ، : و املقصــود بــذلك

ا العبد .وال تتعلق بالنفع العام غالبا ، و إمنا تتعلق مبصلحة اختص

. 99-98: ص 1ج، التبصرةابن فرحون ، : ينظر – )1(

Page 259: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

259

فكان حاصل ذلك ، أن أجاز الفقهاء العفو و الصلح و الشفاعة يف العقوبات الـيت غلـب ســقاطها ، باعتبــار أن تصــرفه بإســقاط هــذه احلقــوق إمنــا هــو فيهــا حــق العبــد ، ألن لــه حــق إ

.تصرف يف حقه مبا حيقق مصاحله ، من غري أن يلحق الضرر بغريه

:و من تطبيقات ذلك يف العقوبات

. تغليب حق العبد يف القصاص ، و إثبات له حق االستيفاء و حق العفو -1

دود ، حــــد الســــرقة و حــــد القــــذف ، إثبــــات حــــق اخلصــــومة املقــــرر يف حــــدين مــــن احلــــ -2 وذلك من جهة اعتبار قيام حـد السـرقة و حـد القـذف حيتـاج إىل حتريـك دعـوى مـن املسـروق

.أو املقذوف

بالنســبة حلــد الســرقة ، فــذلك يتحقــق بتحقــق امللكيــة ، و كــون املــال مل -أ: و تعليــل ذلــك لنفقـــة ، فـــاعتربت املطالبـــة إلزالـــة يبحـــه للســـارق ، ألن األمـــوال جيـــري فيهـــا البـــذل و اهلبـــة و ا

.)1(الشبهة

و أمــا بالنســبة حلــد القــذف ، فالــذي عليــه االتفــاق أن اخلصــومة شــرط يف ذلــك قبـــل -ب وصـــول األمـــر إىل احلـــاكم ، ألن املقـــذوف يطالـــب القـــاذف ظـــاهرا و غالبـــا دفعـــا للعـــار عـــن

.)2(نفسه

ـا قبـل الرتافــع و بعـد الرتافـع ، فأجــازوا العفـو قبـل الرتافــع و فكـان أن قسـم الفقهـاء أمــر إثبا .مثله بعد الرتافع و قبل اإلثبات كما هو احلال يف حد القذف ، فاحلكم واحد

. 294: ص 10ج، المغني ابن قدامة ، : ينظر – )1( . 523: ص 5ج، بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )2(

Page 260: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

260

لكنهم اختلفـوا يف العفو بعد احلكم أو بعد اإلثبـات خـاصة بالنسبة حلد القذف ،

بالنســـبة للحـــد الســـرقة أنـــه ال جيـــوز العفـــو فيهـــا يف هـــذه احلالـــة ، ألن حـــق وحصـــل االتفـــاق الــذي هــو إقامــة العبــد يف اخلصــومة قــد اســتوفاه برفــع الــدعوى و املطالبــة ، فبقــي حــق اهللا

.)1(احلد

أن احلقــوق الــيت أقرهــا الشــارع احلكــيم للعبــاد و مسيــت حبقــوق العبــاد ، : ضــابط مــا ســبقو . أنه ما من حق للعبد إال و فيه حق اهللا : هة التغليب ، مبعىن إمنا كان ذلك من ج

فحصـــل مـــن ذلـــك ، أن العفـــو عـــن احلـــد قبـــل الرتافـــع أو بعـــدم إقامـــة القصـــاص ، ال يزيـــل ــين عليــه يف اخلصــومة ، لكــن ال يســقط حــق اهللا ، وصــف اجلرميــة ، فهــو يســقط حــق ا

. حقوق اهللا فلويل األمر التعزير حىت ال تظهر اجلرأة على

الثانيالفرع

تعلقها بالتخییر

تفـــويض األمـــر إىل اختيـــار ويل األمـــر أو مـــن لـــه : و املقصـــود بـــالتخيري يف هـــذا املوضـــع هـــو .احلق يف تعيني أحد احلقوق اليت أقرت له شرعا

: فالـذي عليـه االتفـاق بـني الفقهـاء أن لـويل الـدم أحـد شـيئني : و من ذلك حد القصـاص . )2(القصاص أو العفو إما على الدية و إما على غري الدية

لمدونةسحنون ، ا: ، وينظر 523-522:ص 5، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : للتفصيل يف القذف ينظر – )1(

. 195:ص 10، ج المغنيابن قدامة ، : ، و ينظر 530: ص 4ج . 73: ص 6ج، بداية المجتهدابن رشد ، : ينظر – )2(

Page 261: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

261

مــن قتــل لــه :و ذلــك لداللــة النصــوص الشــرعية علــى ذلــك منهــا حــديث رســول اهللا . ))1 إما أن يفتدي و إما أن يقتلظرين قتيل فهو بخير الن

و هـــذا الـــنص قـــد أثبـــت اخليـــار علـــى أن الواجـــب أحـــد األمـــرين ، و هـــو ظـــاهر الداللـــة يف .)2(ذلك

أنـه : و هناك من الفقهاء من أوقف ختيري ويل الدم يف أخذ الديـة علـى رضـا اجلـاين ، مبعـىن ال جيــوز أن يعفــو ويل الــدم إىل الديــة إال برضــا اجلــاين ، و أنــه لــيس لــويل الــدم أن جيــرب اجلــاين

. )3(على دفع الدية إذا سلم نفسه للقصاص

.الدم يف القصاص و هذا االختالف ال يضر يف إثبات اخليار لويل

ففـي العمـوم ، فـإن الفقهـاء قـالوا جبـواز التخيـري بـني العقوبـة : و من ذلك التخيري يف التعزير و العفـــو بالنســـبة لإلمـــام يف عقوبـــات التعزيـــر ، فلـــه االجتهـــاد يف اختيـــار العقوبـــة والنظـــر يف

لجــاين أو رأى مصــلحة أحــوال اجلنــاة و اجلنايــة ، و لــه احلــق يف العفــو ، إن كــان ذلــك زاجــرا ل . )4(يف ترجيح ذلك

.) )5و هناك من الفقهاء من قال بوجوب التعزير إن كان حلق اهللا

.سبق خترجيه -)1( . 433: ص 1ج، إحكام األحكام شرح عمدة األحكامابن دقيق العيد ، : ينظر – )2( - 38 -37:ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ، : و ملعرفة سبب االختالف و بيان املذاهب يف ذلك ينظر – )3(

39 . . 143:، ص الطرق الحكميةابن قيم اجلوزية ، : ، و ينظر 146: ص 4ج الفروقالقرايف ، : ينظر – )4( . 354:ص 4، جالشرح الكبيرالدردير ، : ،و ينظر 534: ص 5ج، بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )5(

Page 262: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

262

لكـــن هـــذا ال يضـــر يف عمـــوم مـــا ســـبق ، ألن أصـــل تعلـــيلهم مبـــين علـــى قاعـــدة عامـــة أقرهـــا :و هــو مــا مــن حــق يســقط بإســقاط العبــد لــه إال و فيــه حــق هللا أنــه : مجيــع الفقهــاء و هــي .حق اإلجابة والطاعة

أنـه هنـاك فـرق بـني وقـوع التخيـري يف القصـاص ووقوعــه يف : و ال بـد التنبيـه علـى أمـر مفـاده .التعزير

ال يبـىن علـى االجتهـاد مـن قبـل ويل الـدم ، و إمنـا قـد يقـع ذلـك مـن جانـب امليــل فـاألول - .لى االنتقام والثأر و الفطرة ، فإن فطرة الناس جمبولة على اإلحسان و العفو ، و ع

، فـــالتخيري يف التعزيـــر مبـــين علـــى اجتهـــاد ويل األمـــر ببـــذل اجلهـــد فيمـــا هـــو أمـــا الثـــانيو - مراعــــاة حكـــــم ، فعلــــى ويل األمــــر أصــــلح للمســــلمني ، خاصــــة إذا كــــان احلــــق حـــــق اهللا

. )1(يف العفو أو العقوبة األصلح

الفرع الثالث

تعلقها باإلمامة

.أو ما يسمى عند الفقهاء حبق السلطنة

احلقـــوق الـــيت وكـــل حفظهـــا إىل اإلمـــام ، و مـــن تعبـــريات الفقهـــاء علـــى : و املقصـــود بـــذلك التعزيـر اسـم خيـتص بفعلـه « : ، و قوهلم )2(»التعزير مفوض إىل رأي اإلمام « : ذلك قوهلم

.)3(»اإلمام أو نائبه

. 18: ص 2،ج الفروق القرايف ، :و ينظر ، 224: ص 2، ج التبصرة ابن فرحون ، – )1( . 62: ص 4، ج رد المحتار ابن عابدين ، – )2( . 191:، ص) ت .ب: دار الفنون ، كمربدج ( معالم القربة في معالم الحسبةالقرشي ، – )3(

Page 263: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

263

ر الفقهــاء جــواز صــدور العفــو منــه يف العقوبــات التعزيريــة فلمــا كــان األمــر مفوضــا إليــه ، أقــ لكـن بتفصـيل موجـود يف فـروعهم الفقهيـة ، و كـان الغـرض مـن ذلـك ضـبط األمـر لـويل األمـر

.حىت ال يؤدي ذلك إىل اجلور و الظلم ، فتفقد العقوبة عدالتها

:و قد ذكر الفقهاء جواز العفو لويل األمر يف األمور التالية

.إذا رأى املصلحة يف ذلك -1

.إذا جاء اجلاين تائبا ، و كان أمر التوبة ظاهرا فيه -2

. )1(إذا علم ويل األمر أن اجلاين قد انزجر قبل إقامة العقوبة التعزيرية عليه -3

و إمنــــا أقــــر الفقهــــاء ذلــــك بالنســــبة للحقــــوق الــــيت تتعلــــق بــــالنفع العــــام و تفــــرد التعزيــــر حبــــق .ما حقوق اآلدميني ، ففيه اخلالف السلطنة ، أ

ا باخليار -أ . )2(فاحلنفية و املالكية يرون أن العفو عنها موكول إىل أصحا

و أمـا الصــحيح عنــد فقهــاء الشــافعية ، فواجـب علــى احلــاكم إقامتهــا إذا طلــب األفــراد -ب . )3(حبقهم

. 75:ص 4ج، رد المحتار ابن عابدين ، : و ينظر ، 438: ص8ج، مواهب الجليلاحلطاب ، : ينظر – )1( .املصادر نفسها و الصفحات نفسها – )2( . 527: ص 5، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )3(

Page 264: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

264

المبحث الرابع

العقوبة و العفو من مسالك الموازنة بین

الحقوقمن خالل اعتبار

: يعترب هذا املبحث تطبيقا ملا سـبق ، و مـن خاللـه تتضـح املسـألة املـراد البحـث فيهـا و هـي .اعتبار احلقوق يف املوازنة بني العقوبة و العفو

و قــد ســلك العلمــاء يف ذلــك عــدة مســالك ، مثــل مســلك التقــدمي و التــأخري و ذلــك عنــد ماعـا تتسـاوى فيـه أو تتنـازع ، و مسـلك التغليـب و ذلـك عنـد اجتماع احلقوق سواء كان اجت

. موضع الشبهة أو عند مراعاة مباين هذه احلقوق

المطلب األول

مسالك التقدیم و التأخیرتبني من خالل الفروع الفقهية اليت تتعلق جبانب العقوبات خاصـة عنـد مسـألة تـداخلها إذا

اجتمعت علـى شـخص واحـد أو تعـددت األشـخاص ، أن الفقهـاء سـلكوا يف ذلـك مسـالك ، ذكـــرت يف كتـــبهم بشـــكل قواعـــد عامـــة تســـتعمل عنـــد تســـاوي احلقـــوق أو عنـــد تنازعهـــا أو

.تزامحها ، حبسب كل مذهب

بيـــان ذلـــك و توضـــيح هـــذه القضـــية ، فـــإن األمـــر يقتضـــي تقســـيما يتماشـــى مـــع طبيعـــة و ل .احلقوق عند تداخل العقوبات

Page 265: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

265

فقـد وجــد أن الفقهــاء بينـوا مســالكهم يف هــذه املسـألة عنــد تســاوي احلقـوق و عنــد تنازعهــا .و تزامحها

الفرع األول

عند تساوي الحقوق

وتكون شخص واحد أو على عدة أشخاص و يقصد بذلك عندما جتتمع عقوبات على متساوية من جهة احلق املعترب فيها ، و ملا كانت احلقوق قسمان ، قسم هللا

:و قسم للعباد ، فإن هذا القسم له وجهان

:، ففيه حالتان حالة كون احلقوق من حقوق اهللا : الوجه األول -

أن جتتمـع : يكـون فيهـا جرميـة قتـل ، مثـل حالـة اجتمـاع تلـك احلقـوق و : الحالة األولـى - على شخص واحد عقوبة زىن مع إحصان و الذي هو الـرجم ، و عقوبـة سـرقة و شـرب مخـر

.، فعقوبة اجلرمية األوىل القتل و الثانية قطع اليد و الثالثة اجللد

ي بـني يكفـ: فالذي عليـه فقهـاء املالكيـة و احلنفيـة ، أن القتـل يـأيت علـى ذلـك كلـه ، مبعـىن .)1(تلك العقوبات الرجم و يسقط الباقي الذي هو القطع و اجللد

أنه ال يسقط القتل احلدود : مذهب االستيفاء بالكل ، مبعىن )2(و ذهب فقهاء الشافعية

. الباقية و إمنا تستويف مجيعا ، فيبدأ باألخف فاألخف

: و ينظر ، 176: ص 9ج المبسوطالسرخسي ، : و ينظر ، 485: ص 4، ج المدونة سحنون ، : ينظر – )1(

. 117: ص 10ج ، المغني ابن قدامة، . 241: ص 4، ج المحتاجمغني الشربيين ، : ينظر – )2(

Page 266: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

266

عت احلـدود الـيت هـي مـن حقـوق اهللا أنـه إمنـا شـر : و تعليل فقهاء املالكية و احلنفية ما يلـي خالصـة ، ملقصـد و هـو الزجـر ، فـإن كـان فيهـا قتـل ، فـأمت مـا يكـون مـن الزجـر باســتيفاء

الـــنفس ، فمـــع القتـــل ال حاجـــة إىل زجـــر اجلـــاين ، فيكـــون االســـتيفاء مبـــا دونـــه اشـــتغال مبـــا ال . )1(يفيد

أن الــــذي عليـــه فقهــــاء احلنفيــــة ، إن كـــان بــــني تلــــك : إال أنـــه يف املســــألة توضـــيح ، مفــــاده احلـــدود ســـرقة ، يقـــدم تضـــمني الســـرقة أوال ، باعتبـــار ذلـــك حقـــا مـــن حقـــوق العبـــاد ، و ألن

. )2(الضمان قد وجب عليه باألخذ ، و إمنا يسقط القطع ألن القتل يأيت على ذلك كله

أن مـا وجـب مـع غـري القتـل وجـب مـع القتـل ، مثـل قطـع : عية فتعلـيلهم و أما فقهاء الشـاف . )3(اليد قصاصا اجتمع فيها القطع و القصاص

أن جتتمــع : و لـيس فيهــا جرميــة قتـل ، مثــل حالــة اجتمـاع حقــوق اهللا : ةالحالـة الثانيــ - .على شخص واحد زىن من غري إحصان ، و سرقة و شرب مخر

أن احلــدود كلهــا تقــام ، فيجلــد اجلــاين )4(احلنفيــة و الشــافعية و احلنابلــةفالــذي عليــه فقهــاء .مائة جلدة ، و أربعون أو مثانون جلدة لشرب اخلمر ، و تقطع يده

لكنهم اختلفوا من حيث التقدمي و التأخري ، فأيهم يقدم من تلك احلدود و أيهم يؤخر؟

. 176: ص 9، ج المبسوط السرخسي ، : ينظر – )1( .املصدر نفسه و الصفحة نفسها - )2( . 241: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )3( 242: ص 4ج ، مغني المحتاج الشربيين ،: و ينظر ، 532: ص 5ج ، بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )4(

. 117: ص 10ج ، المغني ابن قدامة ،: ينظر و ،

Page 267: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

267

أن : ففقهـاء الشـافعية ســلكوا يف ذلـك مســلك األخـف فــاألخف ، و تعلـيلهم يف ذلــك -أ مـــادام تلـــك احلقـــوق تســـاوت يف الوجـــوب فـــإن هـــذا يســـتلزم تســـاويها يف التقـــدمي و التـــأخري ،

، لكــن موجــب الرمحــة اســتلزم االبتــداء بــاألخف فــاألخف ، فيبــدأ فهــي كلهــا حقــوق اهللا ــــا أخــــف مــــن الســــرقة ، وأخــــريا حبــــد الشــــرب ألنــــه أخــــف مــــن الزنــــا و الســــرقة ، مث الزنــــا أل

. )1(السرقة

و أما فقهاء احلنفية ، فسلكوا يف ذلك مسلك الرتتيـب حبسـب مـا ثبـت نصـا والتخيـري -ب فيمـــا بينهــــا ، فيبـــدأ مبــــا ثبـــت بــــنص القـــرآن و يتخــــري يف ذلـــك ، فلــــو زىن و ســـرق وشــــرب ،

ا بنص .)2(القرآن ، مث حد الشرب ، ألنه ثابت بالسنة يتخري بني الزنا و السرقة لثبو

و أمــــا فقهــــاء املالكيــــة ، فقــــد فرقــــوا بــــني العقوبــــات املتجانســــة و غــــري املتجانســــة ، فــــإن -ج كانـــت متجانســـة تـــداخلت ، مثـــل حـــد الشـــرب و حـــد الزنـــا ، فـــإن العقوبـــة فيهـــا مـــن جـــنس

ملائــة ، فــإن كانــت غــري واحــد ، فتتــداخل و يضــرب بأشــدها و هــو حــد الزنــا الــذي هــو جلــد ا .)3(متجانسة كمن سرق و زىن ، أقيم احلدان ، لعدم تداخلهما

ــا و إمنــا قــال فقهــاء احلنفيــة و الشــافعية بعــدم التــداخل بــني تلــك العقوبــات املتجانســة ، ألا فتعــــــدد املســــــبب ، و قــــــال فقهــــــاء املالكيــــــة بالتــــــداخل بالنســــــبة للعقوبــــــات تعــــــددت أســــــبا

الحــــدين إذا تســــاويا فــــي القــــدر و الصــــفة تــــداخالأن : لــــى قاعــــدة و هــــي املتجانســــة بنــــاء ع .كاحلدين سببهما واحد

:كون احلق ، حق آدمي ، ففيه حالتان : الوجه الثاني -

.242: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )1( . 533: ص 5ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )2( . 333: ص 9ج ، منح الجليل شرح مختصر خليل عليش ،: ينظر – )3(

Page 268: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

268

أن يقطـع اجلـاين يـدا : عنـدما جتتمـع هـذه احلقـوق مـع جرميـة القتـل ، مثـل : الحالة األولى - .الواحد و يفقأ عينا و يقتل بالنسبة للشخص

.)1(فالذي عليه فقهاء املالكية أن القتل يأيت على ذلك كله و أما الذي عليه فقهاء الشافعية و احلنابلة أن االستيفاء يكون بالكل ، و يبدأ باألخف م يف اجتماع العقوبات على شخص واحد . )2(فاألخف على عادللـــنفس ، فـــدخلت األعضـــاء فيـــه أن القصـــاص بـــذل: و تعليـــل فقهـــاء املالكيـــة علـــى ذلـــك

تبعـا للـنفس كالديــة ، و ملـا كـان القصــاص جيـري فيـه العفــو ، فإنـه إن عفـا أوليــاء املقتـول علــى .)3(دية أو غريها ، فأهل اجلراح على حقوقهم من القود يف جراحهم

ـــا حقـــوق اآلدميـــني أمكـــن اســـتيفاؤها ، : و تعليـــل فقهـــاء الشـــافعية و احلنابلـــة يف ذلـــك أ .)4(فوجب ذلك كسائر حقوقهم

.عندما ال يكون مع هذه احلقوق جرمية قتل : الحالة الثانيةـا تسـتوىف كلهـا ، ســواء كـان مـن وقـع عليـه االعتـداء واحـدا أو أكثــر فالـذي عليـه الفقهـاء أ

ــــددة أمكـــــــن اســـــــتيفاؤها ، فوجـــــــب القصـــــــاص لكـــــــل واحـــــــدة لتعـــــــدد ـــــــا جنايـــــــات متعـــ ، أل .)5(األسباب

مــــن التنبيــــه ألمــــر ذكــــره الفقهــــاء يف هــــذه املســــألة ، و هــــو عنــــد تعــــارض حقــــوق و ال بــــد إذا قطــع اجلــاين اليــد اليمــىن لرجــل و قطــع اليــد اليمــىن : اآلدميــني عنــد التنفيــذ ، مثــل مســألة

. 334: ص 9املرجع السابق ، ج: ينظر – )1(: ص 10 ج ، المغني ابن قدامة ،: و ينظر ، 242-241: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )2(

117 . . 110: ص 9ج، المنتقىالباجي ، : ينظر – )3( . 117: ص 10 ج ، المغني ابن قدامة ،: و ينظر ، 242: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )4( .نفسها ينظر إىل املصادر – )5(

Page 269: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

269

لرجل آخر ، فإن موجب القصاص أن يستويف كـل واحـد منهمـا حقـه يف قطـع اليمـىن للجـاين ـــا واحـــدة ، ففـــي هـــذا احلـــال يقطـــع مينـــاه ألحـــدمها ، و يأخـــذ اآلخـــر ، لكنـــه تعـــذر ذلـــك أل

.بالدية ، ألن القصاص تعذر لفوات احملل فـــإذا عفـــا أحـــدمها ، يبقـــى حـــق اآلخـــر منهمـــا قائمـــا باالســـتيفاء ، فلـــو قبـــل أحـــدمها الديـــة

. اقتص الثاين إلمكان اجتماع العقوبتني

: ما يستفاد من هذا القسم -

:ميكن أن يستفاد من هذا القسم ما يلي

أو للعبـاد و مل يوجـد بينهـا قتـل فيما يتعلق باحلقوق عند التسـاوي سـواء كـان احلـق هللا :، فإن الفقهاء متفقون على استيفاءها بالكل ، لكن مبسالك خمتلفة

.ففقهاء الشافعية و احلنابلة سلكوا مسلك األخذ باألخف مث األخف -1

فقهـــاء احلنفيـــة ســـلكوا مســـلك التخيـــري بينهـــا يف حالـــة ثبـــوت العقوبـــة بـــالنص القـــرآين ، -2 .وتأخري ما هو ثابت بالسنة كحد الشرب

و أمـــا فقهـــاء املالكيـــة فســـلكوا مســـلك اجلمـــع بـــني املتجانســـات و التفريـــق بـــني مـــا هـــو -3 .خالف ذلك

و املالحظ أن الفقهاء قد استعملوا هذه املسالك يف موضع رجحوا فيـه معـىن العقوبـة بعيـدا مـن أجنـاس خمتلفـة ، خبـالف إذا كانــت عـن العفـو ، خاصـة يف حـال تسـاوي حقــوق اهللا

مــن جــنس واحــد ، كمــن ســرقة مــرارا أو زنــا مــرارا أو شــرب مــرارا ، فهــذه باالتفــاق تتــداخل ، .جر بواحد منها ، و يسقط الباقي ألنه حيصل معىن الز

Page 270: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

270

:لكن ال بد من التنبيه ألمرين

حقـــا للعبــد ، كحـــال الســرقة و حـــال القـــذف ، قـــد يتضــمن حـــق اهللا : األمــر األول - فالذي عليه فقهاء احلنفية أن أول ما يبتدئ به هو تضـمني مـال املسـروق منـه ، و تنفيـذ حـد

عنـد فقهـاء ذوف ، باعتبار أن حـد القـذف حـق هللا القذف ملا فيه من دفع املعرة عن املق .احلنفية

و الـــذي يتعلـــق حبقـــوق العبـــاد إذا تســـاوت ، فـــاملكلف يقـــع علـــى التخيـــري : األمـــر الثـــاني - فيهـــا ، و يراعـــى فيهـــا مصـــلحة العبـــد يف دفـــع الضـــرر عنـــه و فيـــه تـــوهم للعفـــو ، فقـــد يســـقط

. العبد حقه

الفرع الثاني

عند تنازع الحقوق و تزاحمها

مع حقوق العباد ، فيقـع الفقيـه بـني مـا و املقصود من ذلك ، عند اجتماع حقوق اهللا علــى حقــوق العبــاد ، و بــني مــا هــو أصــل هــو ظــاهر مــن النصــوص يف تقــدمي حقــوق اهللا

. عام يف تقدمي حقوق العباد على حقوق اهللا

الـــيت ال تقبـــل العفـــو ســـألة املوازنـــة بـــني حقـــوق اهللا و يف هـــذا القســـم تظهـــر فيـــه جليـــا م وبـــني حقـــوق العبـــاد الـــيت تقبـــل العفـــو ، و يتبـــني مـــن خالهلـــا مســـالك الفقهـــاء يف املوازنـــة بـــني

.احلقني

و حبسب النظر إىل تفصيالت الفقهاء هلـذه القسـم ، و حبسـب مـا تقـرر يف الفـروع الفقهيـة :، فإن هلذا القسم ثالث حاالت

Page 271: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

271

اجتمــاع زىن : حالــة اجتمـاع احلقـني و فيهــا عقوبـة القتـل ، و ذلــك مثـل : الحالـة األولـى - مـع إحصـان و شـرب مخـر أو اجتمــاع قتـل للـردة أو القصـاص مـع القــذف علـى قـول مـن قــال

.أنه حق للعبد

فتبعــا لألصــل العــام عنــد فقهــاء احلنفيــة و املالكيــة أن القتــل يــأيت علــى ذلــك كلــه ، لكنــه يف أنـــه إذا اجتمـــع مـــع احلـــدود أو القصـــاص حـــد قـــذف ، فالـــذي عليـــه : ذلـــك اســـتثناء مفـــاده

.فقهاء احلنفية و املالكية تقدمي حد القذف على مجيع احلدود و على القصاص

اآلدميـــني أو هـــو مشـــوب بـــاحلق اآلدمـــي علـــى رأي فقهـــاء أنـــه مـــن حقـــوق : و علـــة ذلـــك علـى احلقـوق الباقيـة كلهـا ، و ذلـك حلاجـة العبـد يقدم حـق العبـد فـي االسـتيفاءاحلنفية ، فهنا

. )1(لالنتفاع حبقه ، و ملا يلحق املقذوف من املعرة و العار عندما ال ينفذ احلد

م يف ذلـك اسـتيفاء اجلميـع األخـف فـاألخف : و هـي و أما فقهـاء الشـافعية ، فـأبقوا عـادم يقدمون حقوق العباد على حقوق اهللا .))2لكنهم من حيث الرتتيب ،فإ

حالة اجتماع احلقني و ليس فيها عقوبـة قتـل ، فالـذي اسـتقر عليـه الفقهـاء : الحالة الثانية - .هو استيفاء اجلميع لتعدد األسباب و بتعددها تتعدد املسببات

م يقـــدمون حقــوق العبـــاد علــى حقـــوق اهللا لكــنهم مــن حيـــث التقــدمي و التـــأخري ، فــإا . خبالف حقوق اهللا مبنية على الشح و الضيقإتباعا لألصل العام يف ذلك ، و أل

و ذلــك يف حالــة اتفــاق احلقــني علــى حمــل واحــد ، كاجتمــاع قتــل الــردة مــع : الحالــة الثالثــة .تماع قطع السرقة مع قطع القصاص قتل القصاص ، أو اج

. 427:ص 8ج ، مواهب الجليل احلطاب ، : و ينظر ، 533: ص5ج ، بدائع الصنائع الكاساين ، : ينظر – )1( . 421: ص األشباه و النظائر السيوطي ، : و ينظر ، 242: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )2(

Page 272: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

272

ـم يقـدمون حقـوق اهللا )1(فالظاهر من الفروع الفقهية لفقهاء املالكية علـى حقـوق ، أالعبـــاد ، كمـــا يف مســـألة اجتمـــاع قطـــع الســـرقة مـــع القطـــع قـــي القصـــاص ، فيقـــدم احلـــد علـــى

.القصاص

ل قصاصــــا و القتــــل حــــدا ، يف حالــــة اجتمــــاع القتــــ )2(و يــــرى فقهــــاء الشــــافعية و احلنابلــــة كـــــالرجم يف الزنـــــا و القصـــــاص قـــــدم القصـــــاص ، و إذا اجتمـــــع القتـــــل يف احلرابـــــة مـــــع القتـــــل قصاصــا ، بــدئ بأســبقهما ، و ذلــك باعتبــار أن القتــل يف احملاربــة فيــه حــق آدمــي ، فتســاوت

.احلقوق من هذه اجلهة

. يسقط فإن كان القصاص أسبق و عفا ويل الدم ، فإن حد احلرابة ال

: ما يستفاد من هذا القسم -

املالحظ من خالل التفصـيل الفقهـي املتقـدم يف مسـألة تنـازع احلقـوق ، أنـه هنـاك اتفـاق يف .موضع ، و اختالف يف موضع آخر

فأمـا موضــع االتفــاق ، فهــو يف حالـة اجتمــاع احلقــني و لــيس فيهـا عقوبــة قتــل ، فالــذي -1 ، و هـذا فيـه تقـدمي ملـا فيــه عليـه االتفـاق بـني الفقهـاء أنــه يقـدم حـق العبـاد علـى حــق اهللا

معــىن العفـــو باعتبـــار أن حقــوق العبـــاد يتـــوهم فيهـــا العفــو أو هـــي قابلـــة للعفــو ، علـــى مـــا فيـــه .معىن العقوبة

. 549: ص 4ج ، المدونة سحنون ، : ينظر – )1( . 117: ص 10، ج المغنيابن قدامة ، : ينظر – )2(

Page 273: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

273

و موضـــــع اتفـــــاق آخـــــر ، فيمـــــا إذا اجتمـــــع مـــــع احلـــــدود و القصـــــاص حـــــد القـــــذف ، -2 فالظــاهر أن الفقهــاء متفقــون علــى تقــدمي حــد القــذف الــذي هــو حــق العبــد علــى رأي فقهــاء

.املالكية و الشافعية ، و مشوب حبق العبد على رأي فقهاء احلنفية

يه تقـدمي ملعـىن العفـو و ذلـك الحتمـال ، و ف و يف ذلك تقدمي حلق العبد على حق اهللا أن يعفــو املقــذوف عــن القــاذف عنــد فقهــاء الشــافعية ، و يف حالــة إن أراد ســرتا علــى نفســه

.عند فقهاء املالكية

: و أما موضع االختالف ففي حالتني

إذا اجتمـــع مـــع احلقـــني قتـــل و لـــيس فيـــه حـــد القـــذف ، فقهـــاء املالكيـــة : الحالـــة األولـــى - واحلنفيــة قــدموا مــا فيــه يــرتجح معــىن الزجــر أو معــىن العقوبــة بقــوهلم علــى أن القتــل يــأيت علــى

:ذلك كله ، لكن يف ذلك تفصيل مفاده

أنــه إذا كــان القتـــل هــو قتـــل قصــاص ، ففـــي ذلــك تقـــدمي ملعــىن العفـــو باعتبــار أن القصـــاص و ذلـك باعتبـار أن احلـد حق للعبـد ، خبـالف إن كـان القتـل حـدا ، ففيـه تقـدمي معـىن العقوبـة

.ال يقبل العفو

ــا حـدا أو قصاصــا : الحالـة الثانيــة - إذا كـان التنـازع الواقــع بـني احلقــني يف حمـل العقوبـة كو :، ففي ذلك مسلكان

مسلك سلكه فقهاء املالكية حبسب ما هو ظـاهر مـن أقـواهلم ، أنـه يقـدم حـق اهللا -1 أن احلــــدود ال تقبــــل العفــــو ، خبــــالف القصــــاص ، : علــــى حــــق العبــــد ، و الســــبب يف ذلــــك

. فيقدم ما ال يقبل العفو على ما يقبل العفو ، حىت ال تعطل حدود اهللا

Page 274: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

274

مسلك سلكه فقهاء احلنفية و الشافعية و احلنابلة ، أنه يقـدم حـق العبـد علـى حـق اهللا -2 لعباد فيها من املشـاحة و املضـايقة مـا يـرجح تعجيلهـا أن حقوق ا: ، و السبب يف ذلك

. مبنية على المسامحة حقوق اهللا ، و أن

و املالحـظ أن فقهـاء املالكيـة متســكوا مبـا مـا هــو مقـرر مـن ظــواهر النصـوص الدالـة علــى أن أول مـا يحاسـب عليـه إن ، من ذلـك حـديث أول ما حياسب به العبد هي حقوق اهللا

، أمـا فقهـاء احلنفيـة و الشـافعية و احلنابلـة ، فتمسـكوا ))1 الصـالة لقيامة من عملـهيوم ا العبدأول مــا يقضــى بــين النــاس يــوم القيامــة فــي :مبــا هــو أصــل عــام يف القضــاء حلــديث النــيب

. ) )2 الدماء

و لــيس بــني احلــديثني تعــارض ، و إمنــا خمــرج املســألة ، أن احلــديث األول يتعلــق حبقــوق اهللا يف بيــــــان أولويــــــة احلســــــاب ، و احلــــــديث الثــــــاين يتعلــــــق حبقــــــوق العبــــــاد يف بيــــــان أولويــــــة

. )3(القضاء

لكن إشكال املسألة يف أيهم يقدم ؟

و كـــان جـــواب ابـــن عابـــدين أن ذلـــك أمـــر تـــوقيفي ، و أن ظـــواهر النصـــوص دالـــة علـــى أن . )4(قبل حقوق العباد الذي يقع أوال احملاسبة على حقوق اهللا

، كتاب 378: ، باب أن أول ما حياسب به العبد يوم القيامة الصالة ، رقم الجامعأخرجه الرتمذي يف – )1(

.الصالة . 6354: من حديث عبد اهللا كتاب الديات ، رقم صحيحهأخرجه البخاري يف – )2( . 57: ص 7ج ، نيل األوطار الشوكاين ،: ينظر – )3( . 351: ص 1ج، رد المحتارابن عابدين ، : ينظر – )4(

Page 275: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

275

ففقهــاء املالكيــة رجحــوا اجلانــب الــديين يف املســألة ترجيحــا لألصــل العــام الــيت قامــت األدلــة شـــافعية و احلنابلـــة ، فقـــد رجحـــوا اجلانـــب القضـــائي علـــى إثباتـــه ، خبـــالف فقهـــاء احلنفيـــة و ال

ترجيحــا ملــا هــو أصــل عــام يف بــاب القضــاء ، فهــو موضــوع لتثبيــت مصــاحل العبــاد و احملافظــة . عليها

المطلب الثاني

بــــمسلك التغلی

و املالحــظ أن هــذا التغليــب ، يكــون مــن جهتــني ، مــن جهــة تغليــب مــا يتــوهم فيــه العفــو .وقوعه فيها ، و من جهة مبىن احلقوق حصوله جلواز

الفرع األول

التغلیب من حیث توهم العفو

و يقصـد مـن هـذا الفـرع ، أنــه هنـاك مـن احلقـوق مــا حيتمـل اإلسـقاط بـالعفو ، و إن كانــت :و ذلك عند موضعني هذه احلقوق يف األصل من حقوق اهللا

بشــــبهة امللــــك أو شــــبهة احلــــق ، ، و قــــد عــــرب عليــــه الفقهــــاء شــــبهة االســــتحقاقعنــــد -1 .وذلك لتضمنها حقوق استحقها العباد شرعا

فكـــان مـــن عمـــل الفقيـــه أن يســـقط أحـــد احلقـــني ، مـــن حيـــث أن الشـــبهة متلـــك مـــن القـــوة .والضعف ما يغلب أحد احلقني على اآلخر

Page 276: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

276

، ألن و هذا من املسالك الدقيقة اليت سـلكها الفقهـاء يف تغليـب أحـد احلقـني علـى اآلخـر معرفــة قــوة الشــبهة و ضــعفها حيتــاج إىل حتقيــق علــة الضــعف أو القــوة فيهــا ، فــأدى ذلــك إىل

.حتمية االختالف بينهم

ورجـح فكان من نتائج ذلك أنه من أوصله التحقيـق إىل قـوة الشـبهة ، غلـب حـق اهللا لـب حـق العبـد معىن العقوبة ، فال عفو و ال شفاعة ، و من أوصله التحقيق إىل ضـعفها ، غ

. و رجح معىن العفو يف ذلك

:و االستحقاق يأيت على نوعني

و ذلــك عنــدما يكــون للعبــد حــق مشــرتك فيــدرأ بســببه احلــد : اســتحقاق علــى الخصــوص - لشــبهة احلــق أو شــبهة امللــك ، كالســارق الــذي يســرق دارا لــه فيهــا شــركة ، أو ســرقة الضــيف

. )1(ملضيفه ، أو سرقة األب ملال ولده

و ذلــك عنــدما يكــون املــال حقــا عامــا ، كمــن يســرق بيــت املــال : اســتحقاق علــى العمــوم - .ففيها اختالف بني الفقهاء

أن كـل مسـلم : ، و حتقيـق ذلـك )2(فريى فقهاء احلنفية و احلنابلة أن الشبهة يف ذلك قويـة له حق فيه ، و ليس لبيت املـال مالـك متعـني قياسـا علـى مـن سـرق مـاال لـه فيـه شـركة ،و قـد

الخطــأ فـي العفــو أفضـل شــرعا : يتـوهم السـارق أن املســروق ملكـه ، فـاعملوا يف ذلــك قاعـدة

و ، ، 191:ص 9ج ، المنتقىالباجي ، : و ينظر ، 22-21: ص 6ج ، بدائع الصنائع الكاساين ، : ينظر – )1(

. 281: ص 10ج ، المغنيابن قدامة ، : و ينظر ، 471: ص 5ج ، مغنى المحتاجالشربيين ، : ينظر . 281: ص10، ج المغنيابن قدامة ، : و ينظر ، 334: ص 9،ج المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )2(

Page 277: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

277

رم فعال أحب إىل اهللا و رسـوله مـمن الخطأ في العقوبة ن معاقبـة الـربيء ، ، حيث أن تربئة ا . فيدرأ عنه احلد

أن الســارق أخــذ مــاال : و يــرى فقهــاء املالكيــة أن الشــبهة يف ذلــك ضــعيفة ، و وجــه ذلــك ، فــال مــن حــرز ال شــبهة فيــه يف عينــه ، و ال حــق فيــه قبــل حاجتــه إليــه ، فغلبــوا حــق اهللا

.)1(يدرأ عنه احلد

عنــد قــوة اخلصــومة ، فقــد رأى الفقهــاء أنــه هنــاك مــن احلــدود الــيت هــي مــن حقــوق اهللا -2 فيهـــا مـــن حقـــوق العبـــاد ، و ذلـــك يتجلـــى يف حـــق اخلصـــومة ، كمـــا هـــو احلـــال يف حـــد

.القذف خاصة

أن حـــق اخلصـــومة فيـــه قويـــة ، حبيـــث غلبـــوا حـــق العبـــد فيـــه ، )2(فقـــد رأى فقهـــاء الشـــافعية .باعتباره حقا للعبد من جهة التغليب فأجازوا العفو عنه

، فقـد أقـروا بـأن فيـه حـق اخلصـومة ، لكـن حـق العبـد )3(خبـالف مـا هـو عنـد فقهـاء احلنفيـة ، فــال ميلــك يف ذلــك يقــف عنــد حتريــك الــدعوى فقــط ، و هــذا ال ينــايف إقامــة حــد اهللا

.العبد حق العفو عن احلد

قــذف لـــه أثــر كبـــري مــن حيـــث أنــه ميـــس مــا هـــو لكــن املالحــظ أن حـــق اخلصــومة يف حـــد ال عنـد اجتمـاع حـد القـذف -مبثابة الـنفس ، فكـان اعتبـاره قويـا جـدا ، حـىت أن مجيـع الفقهـاء

. 217: ص 2 ، ج الفواكه الدواني النفراوي ، : ينظر – )1( .153: ص 9، ج تحفة المحتاجاهليتمي ، : ينظر – )2( . 203: ص 3ج ،)هـ 1313: دار الكتاب اإلسالمي ، القاهرة ( تبيين الحقائقالزيلعي ، : ينظر – )3(

Page 278: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

278

يقــدمون حــد القــذف علــى احلــد و القصــاص ، ترجيحــا -مــع القصــاص أو حــد مــن احلــدود .حلق العبد يف دفع العار و املعرة عن نفسه

.ة ، فقد اختلف الفقهاء يف حق اخلصومة فيه خبالف ما هو يف حد السرق

مل يفتقـر إىل أنـه حـد هللا : ففقهاء املالكية يرون أن ذلـك لـيس بشـرط ، و تعليـل ذلـك . )1(حضور من له حق متعلق به ، أصل ذلك الزنا

و أمــا فقهـــاء احلنفيــة و الشـــافعية ، فـــريون أن ذلــك شـــرط ، فالســرقة عنـــدهم ال تتحقـــق إال أن املال يباح باإلباحـة و البـذل ، فيحتمـل أن مالكـه : ت ملكية املال و تعليل ذلك بعد إثبا

. )2(أباحه أو وهبه للمتهم بالسرقة ، أو رمبا كان شريكه يف املال

أن : فالظـــاهر أن الـــذي اشـــرتط اخلصـــومة يف حـــد الســـرقة ـ رجـــح جانـــب حمتمـــل و هـــو .دبه الشرع إليه ، فاعترب ذلك اإلنسان مندوب إليه شرعا العفو ، فريغب فيما ن

الفرع الثاني

التغلیب من حیث مبنى الحقوق

: من مجلة ما ذكره الفقهاء يف قضية مباين احلقوق ما يلي

أن اهللا تعــاىل لــيس : ، و يقصــدون بــذلك )3( مبنيــة علــى المســامحة حقــوق اهللا أن -1 م يتضررون عند ختلف حقوقهم عنهم يلحقه ضرر يف شيء ، خبالف حقوق العباد ، فإ

. 235: ص 9ج ، المنتقى الباجي ، : ينظر – )1( . 151: ص 7ج ، األم الشافعي ، : و ينظر ، 107: ص 4 ، جرد المحتارابن عابدين ، : ينظر – )2( . 315: ص 10 ،ج المغنيابن قدامة ، : ينظر – )3(

Page 279: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

279

. ، فكان من فروع املسألة ، قبول الرجوع عن اإلقرار بالزنا يف إسقاط احلد

وز االعتيـاض ، و بالتـايل ال جيـ )1(أن حقوق اهللا تعـاىل ال تقبـل اإلسـقاط عنـد اإلثبـات -2 عن إسقاطها و ال العفو عنها و ال الشفاعة فيها ، فال يصح أن يصاحل سارقا أو شاربا

.وال شاهدا على أن ال يشهد عليه حبق هللا أو لآلدمي

لكنهــا يف اجلملــة تقبــل اإلســقاط ، و ذلــك لألســباب الــيت اعتربهــا الشــارع مؤديــة إىل ذلــك نـــون وإســـقاط : ، مـــن ذلـــك تفضـــال منـــه و رمحـــة و رفعـــا للحـــرج إســـقاط العقوبـــات علـــى ا

.احلرمة يف تناول احملرم للضرورة

ـــم يتضـــررون عنـــد : ، مبعـــىن )2( حقـــوق العبـــاد مبنيـــة علـــى المضـــايقة و المشـــاحةأن -3 أا ا و يقع عليهم من احلرج و الضيق و الشح ما يدفعهم إىل اإلسراع يف املطالبة .فقدا

تعتـــرب مـــن بـــني التعلـــيالت الـــيت أقـــيم عليهـــا أمـــر تغليـــب حـــق علـــى حـــق عنـــد فهـــذه املبـــاين مــع حقــوق العبــاد ، أو عنــد تضــمني حقــوق اهللا الفقهـاء ، خاصــة عنــد تنــازع حقــوق اهللا

حلقوق العباد ، باعتبار أن إقامة حقوق اهللا فيها صيانة حلقوق العباد.

:لكن الفقهاء اختلفوا يف أمر التغليب من جهة تأسيس املسألة إىل فريقني

علـى حـق العبـد ، تأسيسـا علـى جممـوع ظـواهر النصـوص الــيت فريـق غلـب حـق اهللا -أ .ال تقبل اإلسقاط و ال العفو تدل على أن حقوق اهللا

. 141:ص 1ج ، قواعد األحكامالعز بن عبد السالم ، : ينظر – )1( . 87: ص 6، ج كشف القناعالبهويت ، : ينظر ، 9:ص 8، ج نهاية المحتاجالرملي ، : ينظر – )2(

Page 280: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

280

هــــا مــــن حصــــول الصــــيانة أن احلقــــوق الــــيت ال تقبــــل اإلســــقاط ، في: و وجــــه التغليــــب فيهــــا مـن هـذه ودفع الفساد عن العامة ما ال ليس فيه النيابة لعبد من العباد ، فغلـب حـق اهللا

.اجلهة

علـى حـق العبـد يف حـد السـرقة وحـد فكان من فروع ذلك أن غلـب الفقهـاء حـق اهللا ادمها العــام القـذف ، لتضــمنهما حلـق العبــد يف رفـع الــدعوى و املطالبـة بــاحلق ، لكـن دفــع فسـ

.كان أرجح على حق املطالبة باحلق ، مثل حد الزنا و الشرب

و مـــا ذكـــر ســـابقا كـــان عامـــا حيتـــاج إىل تفصـــيل ، خاصـــة يف حـــد القـــذف ، و لكـــن علـــى باعتبــار أنـه يتحقــق بــه مقصــد مـذهب احلنفيــة ، فــإن حـد القــذف قــد غلــب فيـه حــق اهللا

.عامة الناس عدم اجلرأة يف انتهاك أعراض: عام الذي هو

علـى حـق العبـد ، كتغليـب فقهـاء املالكيـة حـق و هناك سـبب آخـر غلـب فيـه حـق اهللا يف حالــة اجتمــاع عقــوبتني علـــى حمــل واحــد و كــان يف ذلـــك حــق للعبــد ، كاجتمـــاع اهللا

أن حقــوق العبــاد يتـوهم فيهــا العفــو ، : و الســبب يف ذلـك .القطـع يف الســرقة مـع القصــاص خبالف ذلك ، فقـدموا الـذي لـيس فيـه العفـو و هـو قطـع اليـد حـدا ، علـى و حقوق اهللا

. )1(ما حيتمل العفو و هو القطع قصاصا

تأسيســا علــى أصــل عــام وفريــق مــن الفقهــاء مــن غلــب حــق العبــد علــى حــق اهللا -ب مـع األخرويـة ، غلبـت املصـلحة الدنيويـة يف التقـدمي ةإنـه إذا اجتمعـت املصـلحة الدنيويـ: وهو

. )2(حقوق العباد مبنية على المشاحةعلى املصلحة األخروية ، ألن

. 204: ص 9ج، المنتقى الباجي ، : ينظر – )1( . 481: ص 4، ج البحر المحيط الزركشي ، : ينظر – )2(

Page 281: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

281

يف حـد القـذف عنـد فقهــاء تغليــب حـق العبـد علـى حــق اهللا : فنجـد مـن فـروع املسـألة .)1(الشافعية

و كان أمر التغليب عندهم مبين علـى التأسـيس السـابق ، حـىت أضـحى عنـد الفقهـاء مجيعـا كونـه مـع حـق اآلدمـي غلـب الثـاني اجتمع حـق اهللا إذا : كأصل عام ، و اشتهر بينهم أنه

. )2(مبنيا على التضييق

. 487: ص 3، ج مغني المحتاجالشربيين ، :ينظر – )1( كاملالكية ، و يف حقيقة األمر أن ذلك موجود عند مجيع الفقهاء ، 9: ص 8، ج نهاية المحتاجالرملي ، : ينظر – )2(

على احلدود األخرىو احلنفية و احلنابلة ، كقضية تقدمي تضمني األموال يف إقامة حد السرقة ، و تقدمي حد القذف ، و ينظر 584: ص8، ج، مواهب الجليلاحلطاب ، : ينظر . و على القصاص ، ملا فيه من دفع العار و املعرة على العبد

.315:ص10ج المغنيابن قدامة ، :ينظر ، و 117:ص9،ج المبسوطالسرخسي ،

Page 282: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

282

Page 283: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

283

المبحث األول

طبیعة المصالح

إن املوازنة بني العقوبة و العفو وفق هذا االعتبار ، يقتضي معرفـة طبيعـة املصـاحل وحقيقتهـا يف نفســـها ، و لـــيس املقصـــود مـــن هـــذا املطلـــب بيـــان مفهومهـــا أو تعريفهـــا ، فـــذلك أمـــر قـــد

ــا يف نفســها و أن : فصــل فيــه بــني علمــاء األصــول خاصــة ، و إمنــا املقصــود هــو تأكيــد تفاويعي فيها ، و اإلشـارة إىل قضـية مهمـة تتحقـق بـه املوازنـة أو مـا يـدعو إىل ضـرورة ذلك أمر طب

. النفع أو الضرر فيها أمر نسبيأن : املوازنة بينها ، و هي

.و هذا األمر األخري استدعى ضرورة ترتيبها وفق معايري موضوعية

ف هـو اإلشـارة إىل الفوائـد و ليس املقصود من هذا املبحـث بيـان هـذه املعـايري ، و إمنـا اهلـد .العملية هلذا الرتتيب

المطلب األول

التسلیم بتفاوت المصالح

لـيس املقصـود مـن هـذا الفـرع بيـان التفـاوت يف املرتبـة أو النـوع ، و إمنـا القصـد هـو التفـاوت أن هــذا التفــاوت يقــع مــن : العــام الــذي يــدخل ضــمن خصــائص املصــاحل و طبيعتهــا ، مبعــىن

الـيت ال ميكـن ردهـا ، فـال بـد مـن التسـليم بـالقول أن املصـاحل تتفـاوت فيمـا بينهـا و املسلمات .تتفاضل يف ذلك ، و هذا ما استقرت عليه الفطرة البشرية

Page 284: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

284

تقــــدمي األصــــلح فاألصــــلح ، و درء األفســــد فاألفســــد ، « : يقــــول العــــز بــــني عبــــد الســــالم . )1(»مركوز يف طبائع العباد

البشـر فحســب ، و إمنــا ذلــك مــن عـرف الشــرع ، يقــول ابــن القــيم و لـيس ذلــك مــن طبــائع و إن تزامحــــــت ..قــــــدم أمههــــــا و أجلهــــــا و إن فــــــات أدناهــــــا ) املصــــــاحل ( و إن تزامحــــــت « : ، فلمــا بــني تفــاوت املصــاحل و املفاســد ، » عطــل أعظمهــا فســادا بتحمــل أدناهــا ) املفاســد (

ـــــال أردف قولــــه علــــى أن ذلــــك مــــن الواضــــحات الــــيت ال ميكــــ « : ن إنكارهــــا يف الشــــرع ، فقـوهــذه اجلملـــة ال يســـرتيب فيهــا مـــن لـــه ذوق مـــن الشــريعة ، و ارتضـــاعها مـــن ثـــديها ، وورود

.)2(»من صفو حوضها

ـا درجـات خمتلفـة ، ومنهـا فاملصاحل و املفاسد ليست يف درجة واحـدة ، بـل العاقـل يـرى أ .الراجح و املرجوح ، و قد ال يظهر الرجحان

و مقابـــل ذلـــك ، أن املفاســـد ليســـت كلهـــا يف درجـــة واحـــدة بـــل هـــي متفاوتـــة ، و قـــد ال و تقـــدمي املصـــاحل الراجحـــة علـــى املصـــاحل « : يظهـــر التفـــاوت ، يقـــول العـــز بـــن عبـــد الســـالم

املرجوحـــة حممـــود حســـن ، و درء املفاســـد الراجحـــة علـــى املفاســـد املرجوحـــة حممـــود حســـن ، .)3(»لك الشرائع اتفق احلكماء على ذلك و كذ

ـــا و ضـــعفها ، و قـــد و هـــذا التفـــاوت ، قـــد يكـــون مـــن جهـــة اآلثـــار املرتتبـــة مـــن حيـــث قو . )4(يكون حبسب العوارض اليت تؤيد و تعضد آثارها ، أو العكس ، تبطلها

. 5: ص 1، ج قواعد األحكامالعز بن عبد السالم ، – )1( . 340: ص 2، ج) م1998: دار الكتب العلمية ، بريوت ( مفتاح السعادةابن قيم اجلوزية ، – )2( . 5: ص 1ج، قواعد األحكام ابن عبد السالم ، – )3( . 76:، ص مقاصد الشريعةطاهر ابن عاشور ، : ينظر – )4(

Page 285: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

285

فاسـتدعى األمـر كلــه إىل ضـرورة املوازنــة بينهـا مـن خــالل معرفـة التقــدمي و التـأخري فيهــا ، و .غالب و املغلوب فيها ، و معرفة الراجح و املرجوح عند التساوي بينها معرفة ال

المطلب الثاني

نسبیة النفع و الضرر في المصالح

المصـــالح مـــن حيـــث النظـــر إلـــى انتفـــاع ، يف أن )1(ال بـــد مـــن تقريـــر حقيقـــة أقرهـــا الشـــاطيب ا و بنــاء الجماعة بها نسبية تتنازع فيها المضار و المنافع ، و إن كانت من حيث كليا

:تعليل األحكام عليها قطعية ، و ذلك ألمرين

املضـــار و املنـــافع مـــن حيـــث العمـــوم إضـــافية و ليســـت حقيقيـــة ، و معـــىن : األمـــر األول - أن املنافع و املضار ختتلف من حال إىل حـال ، و مـن شـخص إىل آخـر ، و مـن وقـت :ذلك

.إىل آخر

مـــن املنــافع قـــد تكـــون ضــررا علـــى مجاعـــة ، أو تكــون ضـــررا يف وقـــت أو حـــال فهنــاك كثـــري .بينما قد ال يكون فيها ضررا على األخرى

أن األغـراض يف األمـر الواحـد ختتلـف ، فـإذا انتفـع بعـض النـاس و حتققـت : األمر الثـاني - . أغراضهم ، قد تكون يف نفس احلال أو الوقت ضررا آلخرين ملخالفة أغراضهم

:و إمنا تقرر ذكر هذين األمرين للداللة على حقيقتني

.30: ص 2ج، الموافقات الشاطيب ، : ينظر – )1(

Page 286: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

286

ــــى - أن وضــــع أحكــــام التشــــريع مل يــــأت علــــى وفــــق مــــا تشــــتهيه األنفــــس ، و إمنــــا : األول مراعاة املصاحل الشرعية مطلقا ، وافقت األغراض أو خالفتها : وضعت على أصل عام وهو

م ليســـــت دا: الثانيــــة - ئمـــــا موافقــــة أو مالئمـــــة للمصـــــاحل الـــــيت أن أغـــــراض النـــــاس و غايــــاقـصـدها املشــرع ، و إمنــا حيمــي املشـــرع مــن األغــراض و املنــافع مـــا يكــون متفقــا مــع املصـــلحة العامـــة و محايـــة الكليـــات الـــيت قصـــدها التشـــريع ، و لـــذلك جنـــد الغـــزايل عنـــدما يقـــرر أصـــل

ـا عبـارة عــن جلـب منفعـة أو دفــع ضـرر ، فـإن ذلـك مــن مقاصـد اخللـق ، و إمنــا املصـلحة كو . )1(املقصود من املصلحة هي ما جرت على مقصود الشارع

و القصـــد مـــن بيـــان مـــا ســـبق ، هـــو التنبيـــه إىل أن الفقهـــاء عنـــدما وازنـــوا بـــني مقـــدار الضـــرر والنفــــع ، لــــيس ذلــــك إتباعــــا للهــــوى أو التشــــهي ، و إمنــــا وازنــــوا بينهمــــا انطالقــــا مــــن مراعــــاة

.مقاصد الشرع

الثالمطلب الث

الفوائد العملیة لترتیب المصالح

مقـدمتني لـه ، ذلـك ايعترب نتيجـة للفـرعني السـابقني باعتبارمهـ –يف حقيقته -و هذا الفرع ألن التســليم بتفــاوت املصــاحل و تقريــر نســبية الضــرر و النفــع فيهــا ، مــن شــأنه أن يفــتح بــاب

. 636: ص 1، ج المستصفىالغزايل ، : ينظر – )1(

Page 287: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

287

ــــــا ، فاحتــــــا األمــــــر إىل ضــــــابط علمــــــي ، يبــــــني أدىن املصــــــاحل جاالخــــــتالف يف معرفــــــة أولويا .وأعالها يف االعتبار الشرعي

فاجتــه العلمــاء إىل الســعي يف ترتيــب املصــاحل حبســب األمهيــة و الفائــدة الشــرعية ، و حبســب الضــــرر و خطــــورة مفاســــدها ، و بــــذلك تعطــــى كــــل مصــــلحة مكانتهــــا مــــن احلفــــظ ، و كــــل

ا من الدرء .مفسدة مكا

دي الـبعض رأيـا يف عـدم فائـدة ذلـك ، علـى أن حماولـة العلمـاء ضـبط املصـاحل و مـا و قد يبـ يقابلهـــا مـــن املفاســـد ، و التفصـــيل يف ذلـــك ، و ترتيبهـــا حبســـب األمهيـــة و القـــوة ، و الســـعي علــى الرتجــيح بينهــا ، و توزيــع األحكــام الشــرعية علــى مراتبهــا ، فيــه طغيــان للجانــب النظــري

. إمنا ذلك جمرد تفلسف يف مقاصد التشريع من غري فائدة على اجلانب العملي ، و

لكن يف حقيقة األمر ، فإن لرتتيب املصاحل فوائد عملية تؤكـدها التطبيقـات الفقهيـة الكثـرية .اليت سوف تتأكد من خالل املطالب الالحقة

: )1(فمن الفوائد العلمية لرتتيب املصاحل ما يلي

لعامــة املشــهورة الــيت تبــىن عليهــا املصــاحل ، حــىت ال تفهــم علــى ضــبط و حتديــد القواعــد ا -1 :إطالقها ، و منها

فهــــذه القاعــــدة ليســــت علــــى » درء المفاســــد مقــــدم علــــى جلــــب المصــــالح« قاعــــدة -أ إطالقها ،

. 321: ، ص) 1997: دار الكلمة ، مصر ( 1، ط نظرية التقريب و التغليبالريسوين ، : ينظر – )1(

Page 288: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

288

ـا عنـد تعـادل املصـاحل مـع املفاسـد ، أو عنـد املفسـدة الغالبـة علـى املصـلحة ، و إمنا يعمل .فة ذلك إال من خالل معرفة مراتب هذه املصاحل و ال ميكن معر

، فرتتيـــب املصـــاحل مـــن شـــأنه أن يتعـــني لـــه » الضـــرورات تبـــيح المحظـــورات« قاعـــدة -ب .معرفة الضروري من غري الضروري ، و ما هو الضروري الذي تباح عنده احملظورات

هـــا األنظـــار ، فكـــان و احلاجـــات ختتلـــف في» الحاجـــة تنـــزل منزلـــة الضـــرورة« قاعـــدة –ج .لزاما معرفة مراتب احلاجات يف نفسها ، و ما هي اليت تنزل منزلة الضروري

تسهيل عملية املوازنـة بـني املصـاحل ، باعتبـار أن الرتتيـب مبـين علـى مراعـاة معـايري معينـة -2 مــن موضــوعية و دقيقــة ، يتحــدد مــن خالهلــا معرفــة املصــلحة الغالبــة مــن املغلوبــة ، والراجحــة

.املرجوحة ، و ما هو املقدم فيها و املؤخر

Page 289: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

289

المبحث الثاني

العقوبة و العفوالمقصد العام من تشریع

يتضـــمن هـــذا املبحـــث البحـــث عـــن مـــا قصـــده الشـــارع احلكـــيم مـــن تشـــريع العقوبـــة و مـــن حفظهــا تشــريع العفــو ، انطالقــا مــن بيــان األصــول الثابتــة الــيت أعطــى هلــا الشــارع األولويــة يف

. من العدم

المطلب األول

حفظ المصالح الكلیة : و املصــاحل الــيت اعتربهــا الشــارع مــن تشــريع العقــاب تــدخل مــن ضــمن مقصــد عــام و هــو

.حفظ نظام األمة و استدامة صالحها ، و ال يكون ذلك إال من خالل صالح العباد

تمام ينصب علـى تصـرفات اآلدميـني فشرع الشارع ما خيدم هذا املقصد العام ، و كان االه .اليت ختالف األحكام الشرعية عن طريق العصيان أو ترك الواجب الشرعي

فجاءت العقوبات حتسم ذلك زجرا و جربا لكل من سـولت لـه نفسـه التعـدي علـى حـدود ، و أن كــل أمــر فيــه ضــرر يعــود علــى هــذا املقصــد العــام بــالفوات أو اإلتــالف حبيــث اهللا

يــؤثر علــى نظامــه العــام و يعرضــه للخلــل ، يكــون دفعــه واجبــا ، و مبقــدار هــذا الضــرر و دفــع .الفساد تكون قوة الدفع

Page 290: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

290

هــــذا مــــن ناحيــــة النظــــر العــــام ، لكــــن مــــن ناحيــــة التطبيــــق العملــــي و الــــذي ميثــــل يف وضــــع قوبـــات و تشـــريعها و حصـــرها و وضـــع أحكامهـــا ، فـــإن الـــذي اســـتقر عليـــه العلمـــاء مـــن الع

ـــذا البـــاب ، أن املقصـــد العـــام يتمثـــل يف خـــالل االســـتقراء التـــام ملـــوارد الشـــريعة الـــيت تتعلـــق . )1(حفظ الكليات اخلمس

م و حفظ هذه الكليات ، كان الغرض منه حفظ مصـاحل العبـاد أفـرادا و مجاعـات مـن العـد م ا سعاد ا تستقيم أمور اخللق و تستمر .، ألن

الصــــاحل العــــام ، و لــــذلك جــــاءت عبــــارات : لكــــن تبــــني أن املعتــــرب يف هــــذه الكليــــات هــــو ـا شــرعت ال تقبــل النيابــة حقـوق اهللا الفقهـاء أن احلـدود هــي و ال اإلسـقاط ، باعتبارهــا أ

.لدفع فساد عام يعم مجيع األمة

ن احلــدود كــان املعتــرب فيهــا الكليــات دون اجلزئيــات ، فهــي أضــعف شــأنا يف و لــذلك ، فــإ : االعتبار ، و هذا مبين على أساسني

الحـــظ العلمـــاء أن الشـــارع احلكـــيم اعتـــىن باملنهيـــات أشـــد مـــن اعتنائـــه : األســـاس األول - ، وملـا كــان التعـدي علــى الكليـات يعرضــها للعـدم ، مل يســامح يف اإلقـدام علــى )2(باملـأمورات

.املنهيات ، و إن كان يف ذلك فوات مصلحة العبد اخلاصة

:أن الشارع احلكيم نظر إىل أمهية العقوبة من جهتني : األساس الثاني -

.بأكملها جهة أن اجلاين الذي اعتدى على هذه الكليات ، اعتدى على األمة -

. 191: ص 3ج ، التقرير و التحبير في علم األصولابن أمري احلاج ، : ينظر – )1( .37: ص 1ج، ، درر الحكامعلي حيدر : ينظر – )2(

Page 291: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

291

. )1(جهة أن االمتناع عن إنزال العقوبة على اجلاين ، فيه تعريض اجلميع لألذى - و لذلك أمجع العلماء أن احلدود الـيت شـرعت للمحافظـة علـى الكليـات اخلمـس ، ال تقبـل

اإلســقاط و ال جيــوز فيهــا العفــو و الشــفاعة أو الصــلح عليهــا ، ألن فيهــا مــن احلقــوق الــيت ال أحــد بــل منفعتهــا ملطلــق املســلمني ، و هــي األوىل يف االعتبــار إن كــان ينازعهــا حــق ختــتص ب

إن حفــظ هــذه الكليــات معنــاه حفظهــا « : للعبــد ، ، و يقــول يف ذلــك الطــاهر ابــن عاشــور . )2(»بالنسبة آلحاد األمة و بالنسبة لعموم األمة أوىل

المطلب الثاني أقسام المصالح الكلیة

:، تندرج ضمن قسمني )3(هذه الكليات يف مخس حصر علماء األصول .قسم اعتىن به الشارع حىت صار أصال مقصودا ، مسوه بالضروريات - قســـم اعتـــىن بـــه الشـــارع احلكـــيم ، لكـــن مـــن جهـــة مـــا خيـــدم هـــذه الضـــروريات ، و مســـوه -

.بقسم احلاجيات و التحسينيات الفرع األول

قسم الضروریات

تنحصـــر فيـــه الكليـــات اخلمـــس ، و هـــو األوىل يف االعتبـــار خاصـــة عنـــد و هـــو القســـم الـــيت .مع حقوق العباد التعارض أو عند تنازع حقوق اهللا

.7 :، ص العقوبة، أبو زهرة : ينظر – )1( . 80:، ص مقاصد الشريعةالطاهر ابن عاشور ، – )2( . 636:ص 1ج ، المستصفىالغزايل ، : ينظر – )3(

Page 292: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

292

هــي الــيت تكــون األمــة مبجموعهــا و آحادهــا يف « : و قــد عرفهــا الطــاهر بــن عاشــور بقولــه تـــؤول حالــــة تمـــضـــرورة إىل حتصـــيلها ، حبيـــث ال يســـتقيم النظــــام باختالهلـــا ، حبيـــث إذا اخنر

.األمة إىل فساد و تالش

و لست أعين باختالل نظام األمة هالكها و اضمحالهلا ، ألن هذا قـد سـلمت منـه أعـرق األمم يف الوثنية و اهلمجية ، و لكن أعـين بـه أن يصـري أحـوال األمـة شـبيهة بـأحوال األنعـام ،

.)1(»حبيث ال تكون على احلالة اليت أرادها الشارع منها

حفــظ مــا تقــام بــه احليــاة البشــرية الطيبــة الــيت تتحقــق بــه : و املقصــود مــن هــذا القســم هــو الســعادة العامــة تعــم مجيــع النــاس ، فلــذلك لــيس ألحــد مــن العبــاد احلــق يف التصــرف املطلــق فيهــا باعتبارهـــا حقــا خاصـــا لـــه ، أو أن لــه التخيـــري يف ذلــك ، و إمنـــا هـــي تتعلــق مبجمـــوع مـــا

.مبا يسمى بالنفع العام ينفع الناس ، أو

:و حفظ هذه الضروريات يكون من جهتني

ا من جانب الوجود ، كان القصد منه إقامة األركان و تثبيت القواعد -1 .مراعا

ا من جانب العدم ، كان القصد منه درء االختالل الذي ال تستقيم به احلياة -2 . مراعا

لثانيـــة ، ألن ألجلهـــا شـــرعت العقوبـــات ســـواء كانـــت و الـــذي خيـــدم املوضـــوع هـــي اجلهـــة ا .حدودا أو قصاصا

: و قد حصر علماء الشريعة هذه الضروريات يف مخس ، مرتبة كالتايل

حفظ الدين -أ

.76: ، ص مقاصد الشريعة الطاهر ابن عاشور ، – )1(

Page 293: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

293

حفظ النفس -ب

حفظ العقل -ج

حفظ النسل و العرض -د

.حفظ املال -ه

هــو حفــظ كــل مــا يفســد اعتقــاد الفــرد مــن فحفــظ الــدين الــذي هــو يف املقــام األول ، -1 ا .الكفر و الردة ، و إن كان هذا معتربا ، إال أنه يدخل يف عموم األمة يف حفظ أركا

اجلـاين مفشرعت لـذلك عقوبـة القتـل بالنسـبة للمرتـد ، و إن كـان فيهـا تفويـت لـنفس بإعـدا مــن ذرائــع إدخــال اخللــل يف ، إال أن فيــه حفــظ نظــام األمــة بأكملــه ، و ذلــك ملــا يف االرتــداد

عقـول عامـة النـاس ، فيـورث ذلـك اضـطرابا يف االعتقـاد و شـكوكا تعـرض النـاس إىل الفوضـى . )1(، ينتج عنه استهتار باملعتقدات و استهزاء بالنظام العام الذي حيتكم بأحكام الشريعة

ســواء كــان و حفــظ الــنفس يف املقــام الثــاين ، ميثــل يف حفــظ نفــس كــل فــرد مــن التلــف -2 القصـاص ، رغـم مـا قتال أو جرحا ، لكن الغالب يف ذلك حفظ العـامل كلـه ، فشـرع اهللا

.فيه من إتالف نفس ، إال أن هذا اإلتالف فيه حياة الناس مجيعا

و من جهة ، فإن املقصود من ذلك هو حفظ عموم األمة ، و إن كان لكل عبد احلق

أنــه ال : د بالوضــع الكلــي لألحكــام ، و معــىن ذلــك يف التصــرف يف نفســه ، فــإن هــذا مقيــ جيوز ألي إنسان قتل نفسه حبجـة أنـه ميتلـك قراراتـه يف ذلـك أو علـى أنـه حـق خـاص لـه ، ملـا

) م 1997: دار احلديث ، القاهرة ( 3، ط المقاصد العامة للشريعة اإلسالميةيوسف حامد العامل ، : ينظر – )1(

. 262:ص

Page 294: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

294

يف ذلـــك مـــن تعمـــيم فكـــرة االســـتهتار بـــالنفوس و عـــدم إعطائهـــا احلرمـــة و انتشـــار ذلـــك بـــني . الناس ، فيغيب عن عامتهم فكرة أن النفس مالكها هو اهللا

و من دقائق املسألة ، أن اجلاين إذا طلب منه دفع الدية لقتله نفسـا ، فإنـه لـيس لـه أن -3 . )1(يأىب ، بل جيرب على ذلك إن كان مليا ، ألنه يف قتل نفسه ليرتك ماله لغريه مضار

و حفــظ العقـــل ، مبعـــىن حفظـــه مـــن كـــل مـــا يفســـده و يفضـــي بـــه إىل اخللـــل باعتبـــاره منـــاط .تقوم عليه صحة التصرفات الشرعية ، و ينضبط به التصرف اإلنساين التكليف ،

اخلمـر و من آثاره ما يفسـد عامـة النـاس مـن جهـة أن دواعيـه قويـة ، و لـذلك حـرم اهللا . )2(و بني حكمه تدرجييا ، فاختالله يؤدي إىل مفسدة عظمى

عقوبـــة مائـــة جلـــة بالنســـبة للـــزاين غـــري و حبفـــظ النســـب حيفـــظ النســـل ، فشـــرع اهللا -4 .احملصن ، و شرع عقوبة أشد منها و هي الرجم بالنسبة للزاين احملصن

أن املزامحـــة يف األبضـــاع تفضـــي إىل اخـــتالط األنســـاب و إىل انقطـــاع : و الســـبب يف ذلـــك . )3(التعهد باآلباء ، و تعطيل النسل الذي يؤول إىل اضمحالل النوع اإلنساين و انتقاصه

ذا االعتبار يعادل حفظ النفس .فكان

. 295:ص8، ج مواهب الجليل احلطاب ، : ينظر و هي رواية عن أشهب ، – )1( . 189: ص 4ج ، ، البحر المحيطالزركشي : ينظر – )2( مقاصد الشريعة طاهر بن عاشور ، : و ينظر ، 191: ص 3ج ،التقرير و التحبيرابن أمري احلاج ، : ينظر – )3(

. 80:ص

Page 295: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

295

و حفــــظ األمــــوال مــــن الضــــياع و االخــــتالس و الســــرقة و اإلتــــالف ، باعتبــــار أن قــــوام -5 ـا يكتسـب اإلنسـان رفعـة بـني قومـه ا ، من جهة النصرة و تسهيل أمـور العـيش ، و احلياة

.يف القيام بالضيف و النصرة عند الضرورة :ارع احلكيم حفظها بأمرين فأقام الش .وجوب الضمان على من اعتدى عليه : أحدهما - . )1(قطع يد السارق: تشريع عقوبة شديدة و هي : ثانيهما - و من مجلة ما ذكر مع هذه الكليات ، حفظ العرض ، و قد اعتربه بعض العلماء على

. )3(، و بعضهم زاده على الكليات اخلمس )2(أنه أدىن الكلياتو قد ذكر العلماء على أن حصر هذه الكليات يف مخـس ، إمنـا كـان ثابتـا مـن جهـة النظـر

. )4(إىل الواقع و عادات امللل و الشرائع ، و باالستقراء ألحكام التشريع

الفرع الثاني ما یخدم الضروریات

و هو القسم الذي يدخل ضـمن مـا خيـدم الكليـات السـابقة و الـيت هـي مـن الضـروريات ،

:و قد قسمه العلماء إىل قسمني

. 188: ص 4، ج البحر المحيط الزركشي ، : ينظر – )1( : مكتبة العبيكان ( 2حممد الزحيلي و نزيه محاد ، ط: ، حتقيق شرح الكوكب المنيرابن النجار ، : ينظر – )2(

. 163:ص 4، ج) م 1997 . 191: ص 3ج ، التقرير و التحبير، ابن أمري احلاج: ينظر – )3( .املصدر نفسه و الصفحة نفسها – )4(

Page 296: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

296

و هو ليس مبنزلة الضروري ، و إمنا تفتقر إليه العباد من حيـث أنـه بـه : قسم الحاجيات -أ ا لـيس فيـه تـأثري علـى عامـة ترفع املشقة و حيصل من التوسعة ما ييسـر أمـور احليـاة ، و فقـدا . )1(الناس ، و ال حيصل من الفساد املتوقع مبا حيصل عند فقدان الضروريات

و لــذلك ، فــإن فــوات املصــاحل احلاجيــة ال يعــرض الكليــات الســابقة إىل الفســاد ، بــل تبقــي هـذه األصــول اخلمسـة حمفوظــة ، لكنــه ال حيصـل هلــا الكمــال يف حفظهـا إال إذا اعتــربت هــذه

.ت احلاجياوملـــا كـــان حفـــظ العـــرض يف أدىن املراتـــب الضـــرورية ، فـــإن بعـــض العلمـــاء جعـــل حفظـــه مـــن

، باعتبار أنه ميكن أن ينكف النـاس عن األذى بأسهل طرقه الذي هـو )2(احلاجيات .الكالم ، و هذا منطق سليم ملن اعترب حد القذف من حقوق العباد

احلاجي ، و إمنا يكمله حىت حيصل للمرء منو هو قسم دون : قسم التحسينيات -ب تيسري احلال ، ما حيقق به سعادته و يستكمل به مروءته ، و يسـتأمن بـه كلياتـه الضـرورية ،

مثــل اختـــاذ الوســائل الوقائيـــة الــيت حتـــد مــن اجلرميـــة كجرميــة الســـرقة ، كاإلنفــاق يف ســـبيل اهللا و ظ األمــــوال مــــن الســــرقة و كتابــــة ، حــــىت حتفــــأداء الزكــــاة و إقامــــة الشــــهادة علــــى األمــــوال و ال

االختالس

المطلب الثالث العقوبة مصلحة

إن مراعاة مصاحل العباد ، أمر قد ثبت طلبه يف الشريعة اإلسالمية بداللة قطعية من الشرع ، تضافرت النصوص عليها ، و من مجلة ذلك ما قصده الشارع من تشريع العقاب

. 80:، ص مقاصد الشريعة الطاهر بن عاشور ، :ينظر – )1( . 79:املصدر نفسه ، ص – )2(

Page 297: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

297

النصـــوص الكثـــرية أن الفســـاد ممنـــوع حبكـــم الشـــرع فشـــرعت ، فقـــد تبـــني للعلمـــاء مـــن خـــاللالعقوبــات لــدفع ذلــك، و كــان القصــد مــن ذلــك حتصــيل املصــاحل الضــرورية يف املقــام األول ،

.فشرعت العقوبات لتحفظ ذلك من العدم

و هذا ظاهر يف احلدود و القصاص ، فقد شرعت حلفظ ما قصـد الشـارع حبفظـه مـن األمـور ا حي ـا ، عـم الفسـاد و اليت تقام اة الناس كلها ، حبيث إذا اخنرمت و ضاعت و اسـتهني

.أقامها لسعادة الناس صعب أمر العيش يف هذه الدنيا ، مع أن اهللا

وشــــرعت عقوبــــات التعــــازير حلصــــول الكمــــال الــــذي قصــــده الشــــارع مــــن تشــــريع العقــــاب .واملتمثل يف الكف عن املعاصي و بعث معاين الطاعة يف قلوب الناس

والبحــث عــن املصــلحة املقصــودة مــن العقوبــة أمــر ذو فــروع كثــرية ، إال أن الفقهــاء اهتــدوا إىل . هلا ما يضبط ذلك من خالل بيان املقصد األصلي

الفرع األول

المقصد األصلي للعقوبة

، و لـــيس )1(واألمـــر الـــذي اســـتقر عليـــه الفقهـــاء ، أن املقصـــد األصـــلي للعقوبـــة هـــو الزجـــر التعــذيب ، فالعقــاب يف الفقــه اإلســالمي لــيس مقصــودا لذاتــه و إمنــا هــو وســيلة لتحقيــق هــذا

.املعىن

1ج ، األحكامقواعد العز بن عبد السالم ، : ،و ينظر 3:ص 4، ج رد المحتارابن عابدين ، :ينظر – )1(

2ج ، الفواكه الدوانيالنفراوي ، : ، و ينظر 133:ص 3، ج الفروقالقرايف ، : ، و ينظر 162:ص . 202:ص

Page 298: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

298

ــــا شــــرعت زجــــرا عــــن املعصــــية ، و لــــذلك ، فاحلــــدود و القصــــاص و التعــــازير زواجــــر ، أل .وزجرا ملن يقدم بعد ذلك على املعصية

أن متنــــع العقوبــــة كــــل مــــن ســــولت لــــه نفســــه اقــــرتاف اجلــــرم ، أو ارتكابــــه : و معــــىن الزجــــر . مستقبال

ذلك بـاجلوابر ، و معـىن ذلـك الطهارة من الذنب ، عرب عن: و هلا مقصد تبعي الذي هو .أن العقوبة لو نفذت يف الدنيا ، فإن ذلك وقاية من العذاب يف اآلخرة :

–إىل أن املقصـد مـن تشـريع العقـاب يف العمـوم )1(و قد ذهب العالمة الطاهر ابن عاشور :ثالثة أمور –سواء كان قصاصا أو حدا أو تعزيرا

إمنـــا كـــان القصـــد منهـــا إصـــالح أفـــراد األمـــة ، فبهـــا يـــزول فالعقوبـــات : األول ، التأديـــب - ـا اخلبث الذي بعث اجلاين إىل اجلنايـة ، و يتحقـق ذلـك يف احلـدود خاصـة ، فجـاءت عقوبا

ا .شديدة حىت يتحقق انزجار الناس

ـــا جعلـــت و الظـــاهر أن هـــذا املعـــىن يتحقـــق يف التعـــازير أكثـــر منـــه يف احلـــدود ، باعتبارهـــا أ .ح و تأديب اجلاين ، ألنه ليس مقصود منه التلف لالستصال

و هذا ظاهر يف القصاص ، من حيث امـتالك أوليـاء الـدم : الثاني ، إرضاء المجني عليه - حق االستيفاء و القود ، مراعاة لطبع النفس اليت امتألت حقنا و غيظـا ، فيسـري فيهـا حـب

. عدالة العقوبة ، فكان القصاصاالنتقام ، و قد يقع يف ذلك من اإلسراف ما يفوت

.و هذا املعىن أعظم يف االعتبار يف نظر الشريعة اإلسالمية من معىن تأديب اجلاين

. 205:، ص مقاصد الشريعة اإلسالميةطاهر بن عاشور ، – )1(

Page 299: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

299

و ذلك ألن حتقق العقاب على اجلناة ، يورث يأسا من أهل : الثالث ، زجر المقتدي - قد أشار إليه الفسوق و من سولت له نفسه اجلرمية من اإلقدام على اجلرمية ، و هذا معىن

: الشارع احلكيم يف قوله تعاىل )2:النور .(

قـد قصـدها الشــارع مـن تشـريع العقـاب ، لكـن األصـل العــام –يف العمـوم –و هـذه املعـاين . يف ذلك إمنا هو الزجر كما تقرر عند العلماء األوائل

: و ملا كان املقصد األصلي من العقوبة الزجر ، فالظاهر أن ذلك يتحقق بأمرين

.اإليالم ، و ذلك عند تنفيذ العقوبة عند اإلثبات : أحدهما -

.جمرد رجوع اجلاين عن اجلرم و الكف عنه : ثانيهما -

ــرم حــىت يكــون عــربة لغــريه فاحلــدود تقــام عنــد اإلثبــات ، و هــذا حيــتم إنــزال العقــاب علــى ارم من تنفيذ جرمه ، لشدة اإليـالم ، و لـذلك قـال العلمـاء أن املقصـود مـن احلـدود فيمتنع ا

.اإليقاع

ق مبجـــرد امــتالك أوليـــاء الـــدم حـــق االســـتيفاء ، فـــإن و أمــا يف القصـــاص ، فـــإن الزجـــر يتحقـــ .علم اجلاين أن مصريه عند أولياء الدم الذي قتل قتيلهم ، ارتدع عن جرمه

.و هذا ما حيقق معىن احلياة اليت أرادها الشارع احلكيم من تنفيذ القصاص

: الزجر إىل نوعني )1(و ملا كان أمر العقوبات الزاجرة منوطا بدفع املفاسد ، قسم العلماء

. 157:ص 1، ج قواعد األحكامالعز بن عبد السالم ، : ينظر – )1(

Page 300: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

300

قتـــل تـــارك : مـــا كـــان زجـــرا عـــن مفســـدة مالبســـة ، تنـــدفع بانـــدفاعها ، مثـــل : أحـــداها - ـــا و تــــاب عـــن ذلـــك تــــرك ، و ضـــرب الصــــبيان علـــى تــــرك الصـــالة حثـــا عليهــــا ، فـــإن أتــــى الصــالة ، فــإن أدوهــا تركــوا ، و زجــر البغــاة خرجــوا عــن النظــام ، فــإن رجعــوا إىل الطاعــة كــف

.م ، و حبس املمتنعني من أداء احلقوق إىل أن يبذلوها عن قتاهل

ــا ال تســقط إال باالســتيفاء : ثانيهــا - مــا كــان زجـرا عــن مفســدة ماضــية منصــرمة ، فعقوبا : ،و يكون ذلك بطريقني

ما فيه حق يتعلق بصاحبه ، فيجـب فيـه إعـالم صـاحب احلـق ، و ذلـك حـىت : إحداها - .، مثل القصاص يف النفوس و األطراف و حد القذف يستويف حقه أو يعفو عنه

ما ليس فيه حق ألحد ، و إمنا يدخل مـن بـاب األوىل السـرت و اإلخفـاء ، مثـل : ثانيها - .جرائم الزنا و اخلمر و السرقة

الفرع الثاني

مبنى المقصد األصلي للعقوبة

درء املفاسـد و جلـب املصـاحل ، قـال العـز ابـن : و الزواجر و اجلوابر مبنيان على قاعـدة اجلـــوابر مشـــروعة جللـــب مـــا فـــات مـــن املصـــاحل ، و الزواجـــر مشـــروعة لـــدرء « : عبـــد الســـالم

.)1(»املفاسد

. 162:ص 1، ج قواعد األحكام العز بن عبد السالم ، – )1(

Page 301: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

301

ــــا هــــي مصــــلحة ، مــــن جهــــة اعتبارهــــا أذى شــــرع لــــدفع و لــــذلك فــــإن العقوبــــة يف حــــد ذاد ، و دفــع املفســدة مصــلحة ، و كمــا قــال العلمــاء أن األصــل يف كثــرة العقــاب و قلتــه املفاســ

. )1(أن يتبع ذلك املصلحة بالفعل

.لكن املالحظ أن العقوبة فيها مفسدة من جهة و مصلحة من جهة أخرى

ا مصلحة فقد أشرنا إىل ذلك .فكو

ا مفسدة ، فذلك بالنسبة إىل طبيعة اجلرم و إىل اجلزاء املقابل هلـا ، فالزنـا فاحشـة لكن كو تضر مبا تقام به احليـاة الذي هو النسل ، فكان مقـابل ذلك جزاء يفسد بدن

اجلـــاين ، و األظهـــر مـــن ذلـــك عقوبـــة الســـرقة ، الـــيت هـــي قطـــع عضـــو مـــن أعضـــاء اجلســـم ال .يرجع أبدا

يهـا ، لعظـم جرمهـا مـن لكن هذه مفاسد كان من شأن الشارع عدم اعتبارهـا و االلتفـات إل جهـــة و مفاســـدها الـــيت تلحـــق الضـــرر مبـــا هـــو ضـــروري للنـــاس ، فقـــدمت املصـــلحة يف إقامـــة

ا .العقوبة على مفسد

مث إن املقـــرر يف التشـــريع أن املصـــاحل اجلماعيـــة ذات النفـــع العـــام و الـــيت روعيـــت يف احلـــدود ـــا نســـبية إضـــافية و ليســـت حقيقيـــة و ذلـــك بـــالنظر إىل الفعـــل مبفـــرده ، لكـــن يف خاصـــة ، أ

ا قطعية .كليا

و هــذه اخلاصــية الــيت تتمثــل يف النســبية ، جعلــت بــني املصــاحل و املضــار تنــازع ، مــن حيــث .كون الفعل الواحد جيمع بني النفع و الضرر

. 137: ص 2، ج الفروقالقرايف ، : ينظر – )1(

Page 302: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

302

و املقرر أنه عند تنازع النفع و الضرر ، يقدم العمل الـذي يكـون أكثـر نفعـا علـى غـريه ، و ، دفــع المضــار مقــدم علــى جلــب المصــالحلضــرر القليــل علــى الضــرر الكثــري ، ألن قــد يقــدم ا

. ودفع املضار يف حد ذاته مصلحة

فمــثال قطــع يــد الســارق إفســاد هلــا ، لكــن مــن شــأنه أن يزجــر كــل مــن فكــر يف أخــذ أمــوال م ، فقدمت مصلحة حفظ األموال على مفسدة قطع اليد .الناس اليت هي قوام حيا

قتل اجلاين مفسدة بتفويت حياته ، وهو زاجـر هلـا مـن حفـظ النـاس علـى العمـوم وحتقـق و .معىن احلياة هلم

وهتــك األعــراض مفســدة ، لكنــه جيــوز إقامــة الشــهادة علــى الــزاين و القــاذف ، حــىت حتفــظ .من الضياع ، و تسلم أعراض الناس من االنتهاك حقوق اهللا

، ال ميكـن تعميمهـا علـى العقوبـات الشـرعية العقوبات بتفاوت المفاسدتفاوت مث إن قاعدة .فيمكن للشارع احلكيم أن يساوي بني العقوبات مع تفاوت مفاسدها

و لذلك ، فإن مفسدة العقوبات الزاجرة و مصاحلها يف احلدود و القصاص، ال ميكن

. أن تدرك جمردة عن القواعد العامة لتشريع العقوبات

تهــدين و قــد تــرك الشــارع بعــض العقوبــات حبســب مــا يــراه أوليــاء األمــر ، منضــبطة بــآراء ا .تقوم على مراعاة األصلح للجاين ، و هو ظاهر يف التعازير

ـا مـن أمـور و ال بد اإلشارة أن املفاسد يف العقوبـات ال ميكـن أن تؤخـذ جمـردة عمـا يقـرتن ا ترجــع أخــرى قــد يســتعجل الــذهن يف معرفتهــا ، ك مفســدة اخلمــر ، فيقــول قائــل أن مفســد

.إىل السكر و تشويش العقل

Page 303: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

303

فاألخــذ بــذلك ، قــد يقــوي نظــرة مــن يــرى أن قليــل اخلمــر حــالل ، ألنــه ال يــوثر ســكرا وال .يفسد منطقا ، و هذا خمالف للمشروع

. و إمنا حرمت اخلمر ملفسدة التجرؤ على شرب الكثري من ذلك الزواجر ال تتعلق بالوازع الطبيعـي ، فمـن شـأن ذلـك أن يكـون كافيـا يف املنـع و املالحظ أن

، فمـن طبيعــة البشــر عــدم شـرب البــول أو أكــل الغــائط ، و إن كـان يف ذلــك مــن املفاســد مــا تمــــن طبــــاع اخللــــق النفــــرة مــــن هــــذه القــــاذورا يعــــرض الــــنفس للهــــالك ، فقــــد جعــــل اهللا

ذا الوازع .فاكتفى الزواجــر بــالوازع الــديين ، فشــرع احلــد فيــه ، كمــا هــو احلــال يف الزنــا والســرقة و و إمنــا تتعلــق

شرب اخلمر و القتل ، و ذلك ألن الطبـاع متيـل إىل مـا يـدعو إىل ذلـك ، وتـزداد شـدة ذلـك حبسب شدة رغبة النفس إليه ، فكان مـن الشـارع أن يسـد ذرائـع الزنـا و السـرقة و القتـل ، و

.ظا يورث شدة البعد عن هذه اجلرائم غلظ يف العقوبة تغليمث إن مفاســـد الزنـــا و الســـرقة و شـــرب اخلمـــر أشـــد ضـــررا مـــن مفاســـد شـــرب البـــول و أكـــل

الغـــــائط ، ذلـــــك ألن الضـــــرر يف هـــــذه القـــــاذورات خمتصـــــة بصـــــاحبها ، خبـــــالف جـــــرائم الزنـــــا . )1(والسرقة و شرب اخلمر ، فإن مفاسدها عامة و ضررها أشد من ذلك

الرابعالمطلب مصلحة العفو

ممــــا تقــــرر ســــابقا أن الشــــارع نــــدب إىل العفــــو مقابــــل عدالــــة العقوبــــة و رغــــب يف ذلــــك ،

يتجلـى ذلـك يف القصـاص خاصـة ، و رغـب فيمـا يـدل عليـه كاملسـارعة إىل التوبـة والتحبيــب

مكتبة الكليان ( ، حتقيق طه عبد الرؤوف سعد إعالم الموقعين عن رب العالمينابن قيم اجلوزية ، : ينظر – )1( . 103: ص 2، ج) م1968: األزهرية ، مصر ، القاهرة

Page 304: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

304

إىل إىل السرت و ترك الشـهادة فيهـا ترجيحـا جلانـب السـرت ، يتضـح ذلـك يف احلـدود قبـل الرفـع .اإلمام

جــرب مفســدة : و لعــل يف تشــريع العفــو مقابــل العقوبــة مصــلحة عظيمــة الشــأن ، تتجلــى يف العقوبة اليت قد يكون يف تطبيقها اخنرام مصلحة أخرى هي مـن مجلـة املقاصـد التحسـينية الـيت ا أحوال الناس ، و قد تقـدم ذكـر جـزء مـن ذلـك يف البـاب الثـاين يف الفصـل األول تتحسن

. املبحث الثاين يف

و لقد جاء العفو تطبيقا لقاعدة التيسري و التخفيف ، و لذلك قال علماء التفسري يف : قوله تعاىل )أنه كان يف بين ) 178:البقرة ،

ابن عباس ، إسرائيل القصاص فقط و مل يشرع فيهم العفو الذي هو الدية على قول . )1(وشرع هلذه األمة األمران من باب التخفيف و التيسري

علـــى تـــرجيح التخيـــري بـــني القصـــاص و الديـــة بنـــاء علـــى أن )2(و لقـــد جـــرى بعـــض العلمـــاء .مسلك الشرع هو التخيري و التيسري و رفع املشقة ، و هذه من مقاصد العفو

، و هذا اعتمادا على أن )3(ترك االستقصاء فمن مجلة معاين العفو، التيسري و التسهيل و : الشارع مييل إىل التخفيف و رفع املشقة على الناس و تيسري أمورهم ، قال تعاىل

) 28:النساء . (

. 201: ص 2، ج جامع األحكامالقرطيب ، : ينظر – )1( .11: ص 7ج ، نيل األوطارالشوكاين ، : ينظر - )2( . 59: ص 3ج ، أحكام القرآن اجلصاص ،: ينظر – )3(

Page 305: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

305

يف بـاب العفـو عـن النجاسـات ، إال التيسـيرالمشـقة تجلـب و قـد أشـار الفقهـاء إىل قاعـدة يف بــاب اجلنايـــات ، و ذلــك ملــا يف العفـــو عــن اجلنايــات مـــن اأن لــديها و فيهــا مـــا يســتدعيه

.حتقق هذه املعاين

و قد ندب الشارع إىل السرت و التوبة إشارة إىل العفو ، ملا فيـه مـن سـرت الفـواحش والسـوء ، جنس هذه األخبار ، و قـد يقـل احليـاء يف عمـوم النـاس ، و فقد متيل الطباع السيئة إىل مساع

و ال و حنــن حنـــب ملــن أصــاب احلـــد أن يســترت و أن يتقـــي اهللا « : لــذلك قــال الشـــافعي . )1(» يقبل التوبة عن عباده يعود ملعصية اهللا ، فإن اهللا

ل اإلمـام إن قصـد و لعل من دقائق املسألة ، أن فقهـاء املالكيـة قـالوا جبـواز العفـو بعـد وصـو منـــه املقـــذوف الســـرت علـــى نفســـه و مل يقصـــد إال ذلـــك ، خبـــالف إن قصـــد الشـــفقة أو جـــرب

ذا القصد . )2(خاطر من شفع عنده ، فال يسقط احلد

و الظــاهر يف قــول الفقهــاء جبــواز العفــو يف الســرقة و العفــو قبــل وصــول اإلمــام ، مبــين علــى ـرم ، و هـذا تفصـيل قـد قاعـدة عامـة دفعـت الفقهـاء إىل التفصـي ل يف معرفـة و مراعـاة حـال ا

، ألن الشـــارع يــأبى معاقبـــة الصـــالح التائـــباســتقر عليـــه ، تطبيقــا لعـــرف الشــرع متثلـــت يف أن .قبل وصول األمر لإلمام فيه مظنة التوبة

فقـد فصــل الفقهــاء يف هـذه احلالــة بــني املعـروف بالشــر و املعــروف بالصـالح ، و هــو ظــاهر يف مجيع العقوبات ، سواء كانت حدودا أو قصاصا أو تعزيرا ، من أجـل اخللـوص إىل مـا هـو

.األصلح للجاين هل العفو أم العقوبة ؟

. 138:ص 6ج، األم الشافعي ، – )1( . 332:ص 4، ج حاشية الدسوقيالدسوقي،: و ينظر ، 290:ص 9ج ، منح الجليلعليش ، : ينظر – )2(

Page 306: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

306

ظيمة ، و ذلك للذرائع فإن كان من أهل الفجور ، فإن العفو عنه سيكون فيه مفسدة ع اليت ستنجر عن ذلك ، كاجلرأة على الفسوق و الفجور و على أهل الصالح و لذلك قال

: إبراهيم النخعي يف تفسري قوله

. )1(»عليهم الفساقيكره للمومنني أن يذلوا أنفسهم ، فيجرتئ «: قال ) 39:الشورى (

فجـاءت احلـدود قاطعـة للعفـو ، ألن يف شـروط العقوبـة يف احلـد داللـة علـى أن العقوبــة ال ــاهرة بالســوء ، فيحصــل للنــاظر أن الــذي يــأيت تلــك املوبقــات ال يكــون إال تكــون إال عنــد اجمـــاهرا يريـــد الفســـاد يف األرض ، فـــال شـــفاعة و ال عفـــو ملـــن كـــان حالـــه ذلـــك ، خبـــالف مـــن

.فجوره سرت عيبه و كتم

ــا النفــع العــام ، مبعــىن أن مفســدة العقوبــة : مث إن العفــو ال جيــوز يف احلــدود ، ألنــه يتعلــق ين عليه فقط ، سواء كان سرقة أو زنا أو شرب مخر .قد عمت اجلميع و ليس ا

و إن كـان مـن أهــل الصـالح ، فقــد رغـب الشــارع يف العفـو ، فقــد يكـون ذلــك فلتـة أو زلــة ها يف التوبــة و املغفــرة ، و ألن الزلــل ال يســلم منــه أحــد ، فــإن كــان مــن صــغرية يرغــب صــاحب

فاملعــذرة أوىل ، ألن النفــوس مبختلــف أطوارهــا و أخالقهــا ال تســلم منهــا ، فكــان الوجــد فيهــا ـا سـاهيا ـا خاطئـا ، ويـزل مطرحا و العتب فيها مستقبحا ، و إن كانـت كبـرية فقـد يهفـو

.، و العتب عنها موضوع ، فاحلرج فيها مرفوع

فالعفو هنا أفضل لتحقق مصلحة الزجر ، و كما أشرنا سابقا ، أن الزجر قد يتحقق مبجرد التوبة و الرجوع ، فكان القصد من اآليات اليت أردفت العفو مع العقوبة هو العفو

. 29: ص 16، ج الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، : نقال من – )1(

Page 307: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

307

:عن أهل الصالح ، قال تعـــاىل )وقال )237:البقرة ،

: أيضا

) . 22:النور(

و لــــذلك ، فــــإن القصــــد الــــذي دفــــع الفقهــــاء إىل التفصــــيل يف حــــال الــــذي اقــــرتف اجلــــرم ، ، مبـــين علــــى حتقـــق املقصــــد األصــــلي ) العفـــو أم العقوبــــة ( والوصـــول إىل معرفــــة األصـــلح لــــه

.للعقوبة

فالعفو عن الصاحل يتحقق به مقصـد الشـارع مـن حتقـق الزجـر ، فمـن شـأن الصـاحل التوبـة و السرعة إىل طلب الغفران و عدم العـودة إىل اجلـرم ، و العفـو عـن صـاحب الشـر قـد يزيـد مـن جرأتــــه علــــى الظلــــم و الفحــــش ،و يزيــــد مــــن طمــــع أهــــل األهــــواء و الشــــهوات، فــــال يتحقــــق

.يالم أسرع إىل زجره و الكف عن ظلمه مقصود الشارع ، فيكون اإل

و الظـاهر ممـا تقـدم ، أنــه قـد يكـون يف العفــو حتقيـق ملقصـد الشـرع الــذي هـو الزجـر ، و قــد .حتفظ به مصاحل العباد كما أشرنا يف جواز العفو عن القاذف ملصلحة العبد يف السرت

أنــه قــد يتحقــق املقصـــد األصــلي يف تطبيــق العقوبــة كمــا أنــه قــد يتحقـــق : وينــتج مــن ذلــك ـــا و إمنـــا أراد حتقـــق بــالعفو ، وهـــذا إمنـــا يـــدل علــى أن الشـــارع احلكـــيم مل يـــرد مــن العقوبـــة ذامعناها ، و هذا إمنا دل عليه مشروعية العفو و الندب إليه و استحسـان الفقهـاء لـه ، حتقيقـا

. تخفيف عن العباد و تيسري أمورهم و حتقيق مصاحلهم ، رفعا ملشقة قد تصيبهم ملقصد ال

Page 308: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

308

المبحث الثالث العفو مصلحةمعاییر الموازنة بین مصلحة العقوبة و

املوضــــوعية الـــــيت وضــــعها العلمـــــاء يف املوازنــــة بـــــني املصـــــاحل و يتنــــاول هـــــذا املبحــــث املعـــــايري

املعـــايري و إمنـــا كـــان الرتكيـــز علـــى مـــا خيـــدم موضـــوع واملفاســـد عامـــة ، و لـــيس فيـــه ذكـــر مجيـــعاحلكـــم : املوازنـــة بـــني العقوبـــة و العفـــو مـــن خـــالل اعتبـــار املصـــلحة فيهمـــا ، و حصـــرناها يف

.والرتبة و يف النوع و من حيث العموم و اخلصوص مـع و ترتيب املعايري كان وفق ما يقتضيه الرتجيح بـني املصـاحل ، فإنـه إذا تعارضـت املصـاحل

نفسـها ، أول مــا ينظــر إىل احلكــم الشــرعي فيهــا ، فـإن مل يكــن ينظــر إىل رتبــة هــذه املصــاحل ، فــإن مل يكــن ينظــر إىل نــوع هــذه املصــاحل ، فــإن مل يكــن ، ينظــر إليهــا مــن حيــث عمومهــا و

. خصوصها

المطلب األول الحكم الشرعي: المعیار األول

هلـــذا املعيـــار قاعـــدة عامـــة اســـتقر عليهـــا العلمـــاء فأصـــبحت يف رتبـــة الثابـــت بالنســـبة لعالقـــة املصـــاحل و املفاســــد باألحكــــام الشـــرعية ، و هــــي اعتبــــار جهـــة الغالــــب يف مقاصــــد األحكــــام

.الشرعية

Page 309: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

309

فالغالـــب يف الشـــريعة أن أوامــــر الشـــرع تتبــــع املصـــاحل اخلالصـــة أو الراجحــــة ، و نواهيـــه تتبــــع . )1(فاسد اخلالصة أو الراجحةامل

فــاحلكم الشــرعي ينطــوي علــى جلــب مصــلحة أو درء مفســدة ، و علــى رتبــة احلكــم تتنــزل رتـــب املصـــلحة و املفســـدة ، فهنـــاك تالزمـــا رتيبـــا بـــني األحكـــام الشـــرعية مـــن جهـــة و بـــني مـــا

تكليفيــة مــن تعلـق بــه مــن املصــاحل و املفاســد ، فــإن ترتيـب علمــاء القواعــد الفقهيــة األحكــام ال . )2(الواجب إىل احلرام ، إمنا كان قائما على قدر املصلحة و املفسدة

:و من القواعد العامة الثابتة اليت تقررت عند العلماء عند تعارض األحكام

. إذا تعارض الواجب مع المندوب قدم الواجب على المندوب -1

. المكروه إذا تعارض الحرام مع المكروه قدم الحرام على -2

فإذا تعارضت املصاحل يف نفسها ، قدم ما حكمها واجب علـى مـا حكمهـا منـدوب ، و .إذا تعارضت املفاسد يف نفسها ، قدم ما حكمها حمرم على ما حكمها مكروه

لكــــن حيصــــل أن يــــرتجح احلكــــم الواحــــد يف نفســــه ، كتعــــارض الواجــــب مــــع الواجــــب ، أو .تعارض احملرم مع احملرم

من ذلك إذا تعارض واجبان أحدمها عيين و اآلخـر كفـائي ، فيقـدم الواجـب العيـين علـى و .الواجب الكفائي

. 132: ص 2، ج الفروقالقرايف ، : ينظر – )1( . 132:ص 2ج ،الفروق القرايف ،: و ينظر ، 338:ص 1ج، المنثورالزركشي ، : ينظر – )2(

Page 310: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

310

ــا مــن الواجبــات العينيــة و كــان حاصــل ذلــك ، مــا يتعلــق بتقــدمي حقــوق اهللا باعتبــار أـــا مــــن الواجبـــات الكفائيــــة ، أو بتقـــدمي مـــا يــــرتجح فيـــه معــــىن علـــى حقـــوق العبــــاد باعتبـــار أ

.ما حيتمل العفو و ذلك بالنسبة لألحكام اليت تتعلق بالعقوبة عقوبة على ال

.على حقوق العباد يف التقدمي و التأخري و هذه وجهة أخرى ملن غلب حقوق اهللا

لكـن ، مــا تقــدم ميثــل يف احلقيقــة القاعــدة العامــة ، و عنــد تطبيــق هــذه القاعــدة علــى بعــض املسائل اليت تتعلق باملصاحل و املفاسد ، جند أن هنـاك مـا خيالفهـا ، مثـل مسـألة تـرك الواجـب

.أمام املندوب

: و تقديم المندوب دفع الضرر بترك الواجب -

بيل الواجب الذي تتحقق معه عدالة التشريع ، فقد دلباعتبار أن العقاب هو من ق

، و إن كـان )1(على أن املعهود من التشريع ترك الواجـب إذا كـان ذلـك طريقـا لـدفع الضـرر األصل تقدمي الواجب ، فإذا أمكن حتصيل الواجب أو تـرك احملـرم مـع دفـع الضـرر، فـال يتعـني

.ترك الواجب و ال فعل احملرم

ذه القاعــدة يف كثــري مــن أبــواب الفقــه اخلاصــة باجلنايــات و إثبــات العقوبــة و قــد حتققــت هــ .فيها

أن أداء الشــهادة هــي بــاب أداء الواجــب باعتبــار : و مــن ذلــك مــا تقــرر يف الفــروع الفقهيــة ـــا حســـبة يف أداء حـــق اهللا ، لكنهـــا قـــد يلحـــق بـــذلك ضـــرر خيـــالف مقصـــود الشـــارع ، أن إقامــة الشــهادة علــى التائــب الــذي حتقــق صــالحه و اســتبانت كمــا هــو احلــال يف الزنــا ، فــإ

. 132:ص 2ج، الفروق القرايف ، : ينظر – )1(

Page 311: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

311

توبته ، قد ال حيقق املقصد األصـلي الـذي هـو الزجـر ، و قـد يكـون ذلـك ذريعـة إلفشـاء سـرت املؤمنني ، فنجد الفقهاء أحبوا السرت و استحسنوه و هو من مجلة ما يدخل يف باب العفو

الســــرت علــــى إقامــــة الشــــهادة الــــيت مــــن قبيــــل و لــــذلك مــــال الفقهــــاء إىل النــــدب املتمثــــل يف . الواجب

و هــــذا مــــن دقــــائق املســــائل الفقهيــــة الــــيت دفعــــت بعــــض الفقهــــاء بــــالقول بتقــــادم الشــــهادة وسقوطها ، ألنه قد يكون يف ذلك عداوة دفعـت الشـاهد إىل اإلشـهاد ، كمـا هـو مقـرر عنـد

. )1(فقهاء احلنفية

القـــذف ، مث أراد إقامــة العقوبــة ، فـــإن لــيس لـــه و قــد ســئل مالـــك علــى مــن عفـــا عــن حــد . )2(ذلك ، و إمنا االعتبار بعفوه

الشــفاعة فهــي تــرك واجــب ، لكـن جتــوز عنــد حلــوق الضــرر علــى املســلم ، : و مـن ذلــك - .قبل وصوله أمره إىل احلاكم أو الشرط

فالشفاعة إمنا شرعت ملا فيها من إغاثة املسلم و دفع الضرر عنه ،دون حد و ال حق يف الزم ، و إمنا تكون يف الذنب و املعصية اليت ميكن فيها العفو ، و قد شفع اهللا

: مسطح ملا حلف أبو بكر الصديق أن ال ينفق عليه ، فقال تعاىل

) 22: النور (.

. 202:ص 9ج ، المبسوط السرخسي ، : ينظر – )1( .488: ص 4ج ، المدونةسحنون ، : ينظر – )2(

Page 312: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

312

المطلب الثاني

رتبة المصالح و المفاسد: المعیار الثاني

تبــني ســابقا أن املصــاحل الشــرعية مرتبــة برتتيــب اســتقر عليــه العلمــاء حبســب أمهيتهــا حبســب .مرتبة الضروريات مث مرتبة احلاجيات مث مرتبة التحسينيات: االعتبار الشرعي هلا ، و هي

فـــأعلى رتبـــة فيهـــا الضـــروريات ، و هـــي أكـــرب شـــأنا و أعظـــم يف االعتبـــار الشـــرعي مـــن رتبـــة ا حيصــل للعبــاد مــا هــو غــري مقصــود مــن الشــرع مــن احلاجيــات و التحســينيات ، ألن بفقــدا

. )1(اختالل نظام احلياة كله و كثرة التهارج

ا حيصـل للعبـاد مــا ال حيصـل بفقـدان الضــروريات ، و و يليهـا رتبـة احلاجيـات ، ألن بفقــدا .إمنا عليهم من الضيق و العسر ما جيعلهم يعيشون يف حرج شديد

ا أن تصــبح حيــاة و تليهــا رتبــة التحســينيات ، فهــي مــن الكماليــات ، حبيــث حيصــل بفقــدا .العباد غري مستحسنة عند ذوي العقول السليمة و الذوق الرفيع

و كمــــا أن املصــــاحل تتفــــاوت رتبتهــــا ، فكــــذلك املفاســــد تتفــــاوت رتبتهــــا ، فأشــــدها خطــــرا دد الكليات اخلمس املفاسد اليت تتعلق بالضروريات ، و هي اليت .

مث تليها املفاسد املتعلقة باحلاجيات ، باعتبارها أقل ضررا من الضروريات ، مث تليها

املفاسد املتعلقة بالتحسينيات ، و هي أقل شأنا يف االعتبـار بالنسبة للضروريـات

. 159:ص 4، ج شرح الكوكب المنيرابن النجار ، : ينظر – )1(

Page 313: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

313

. )1(واحلاجيات

مث إن املفاســــد تتفــــاوت يف نفســــها إن كانــــت يف رتبــــة متفاوتــــة ، فــــإذا حــــدث تعــــارض بــــني مفســدتني مــن رتبتــني خمتلفتـــني ، و قــد تعــذر درؤمهــا معـــا ، و كــان ال بــد مــن درء أحـــدمها ، ـــا ، فتـــدرأ املفســـدة الـــيت هـــي مـــن رتبـــة الضـــروري قـــدمت درء مفســـدة الضـــروري علـــى مـــا دو

. )2(رتبة احلاجي أو التحسيين ، و هكذا مع احلاجي والتحسيين بارتكاب املفسدة اليت من

أنه إذا اجتمعت املصـاحل احملضـة و كـان التعـارض بينهـا ظـاهر ، وتعـذر : و جامع ما سبق . )3(باألصلح فاألصلح األخذحتصيلها ، طبق على ذلك قاعدة

درأ األفســـــد دة و إذا اجتمعـــــت املفاســـــد و تعـــــذر درؤهـــــا مجيعـــــا ، طبـــــق علـــــى ذلـــــك قاعـــــ . )4(فاألفسد

و هــذه القواعــد ، قــد طبقهــا الفقهــاء يف العقوبــات عنــد اإلثبــات خاصــة فيمــا يتعلــق بــدرء املفاسـد ، حبيــث كـانوا يرجحــون مـا حيتمــل العفــو علـى مــا فيـه معــىن العقوبـة ، و فــروع املســألة

:كثرية منها

مــن أكـــره علـــى شـــرب اخلمـــر أو غـــص و مل جيـــد مـــا يـــذهب غصـــته إال شـــرب اخلمـــر ، -1 أعظــم ) و هــو حفــظ الــنفس ( حفــظ الضــروري فإنـه يف هــذه احلالــة يشــرب اخلمــر ، باعتبــار أن

.، و هذا من مجلة ترجيح جانب العفو على العقوبة في نظر الشارع من رعاية المحرمات

.وما بعدها 7: ص 5، ج قواعد األحكامالعز بن عبد السالم ، : ينظر - )1( .444: ص 4،ج شرح الكوكب المنيرابن النجار ، :ينظر – )2( . 53: ص 1، ج قواعد األحكامالعز بن عبد السالم ، : ينظر – )3( .املصدر نفسه و الصفحة نفسها – )4(

Page 314: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

314

، فلـــو اضـــطر شـــخص ألكـــل مـــال الغـــري فأكلـــه ، فـــال أكـــل مـــال الغـــري عنـــد االضـــطرار -2 . فوات النفس أعظم جرما من إتالف مال الغير ببدلشيء عليه ، باعتبار

ـــــا و هــــذا باعتبـــــار أن رعايـــــة احملرمـــــات و ضـــــمان األمــــوال ، مـــــن األحكـــــام الـــــيت تكتمـــــل ـــا يف حقيقتهـــا مـــن احلاجيـــات ، باعتبـــار أنـــه يوجـــد يف احلـــاجي مـــا يكمـــل الضـــروريات ، أل

. )1(الضروري

لكـــن ، هنــــاك مــــن الفــــروع الفقهيـــة مــــا يــــدل علــــى أن الفقهـــاء قــــد قــــدموا احلاجيــــات علــــى .الضروريات خمالفة للقاعدة العامة السابقة يف الرتجيح بني املصاحل و املفاسد يف الرتبة

قـدموا مـا يـدل و قد استعمل الفقهاء يف هذه املسائل طريقة املوازنة بني العقوبة و العفو ، ف .على العفو أو حيتمله ، على ما يدل على العقوبة ، بطريقة تقدمي احلاجي على الضروري

و يتجلى هذا األمر يف تقدمي حد القذف على احلدود األخرى و القصاص ، و ذلك

، باعتبــار أن حــد القـــذف هــو مـــن )2(عنــد اجتماعهــا ، و هـــذا قــد تقــرر عنـــد مجيــع الفقهـــاءو بعيــــدا عــــن اخلــــالف األصــــويل يف اعتبــــار حــــد القــــذف مــــن الضــــروري أو مــــن احلاجيــــات ،

.احلاجي

فهـــذه مـــن املســــائل الـــيت ميكـــن أن تــــورث ارتباكـــا للنـــاظر يف الوهلــــة األوىل ، مـــن غـــري ربــــط ا .القواعد بفروع املسألة و تفصيال

2، ج) م 1999: دار الكتب العلمية ، بريوت ( حاشية العطار على شرح الجالل المحليالعطار ، : ينظر – )1(

. 323: ص .املبحث الثاين من هذا الفصل: ينظر تفصيل ذلك – )2(

Page 315: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

315

ة الـيت ذكـرت آنفـا يف أن هذا التقدمي يف حقيقته ليس خمالفـا للقاعـدة العامـ: و حتقيق األمر :تعارض املصاحل و املفاسد يف الرتبة ، و ذلك ألمرين

تقـديم حقـوق العبـاد علـى حقـوق اهللا أن ذلك كان تطبيقا لقاعدة أخرى و هي : أحدها - ا مبنية على املضايقة و املشاحة عند االستيفاء .، باعتبارها أ

القضــائي مــن غــري إســقاط للجانــب الــديين الــذي أن ذلــك كــان مراعــاة للجانــب : ثانيهــا - هو التمكني للعقوبة ، فإن صاحب حد القذف إذا عفا عن القاذف ، فليس له احلق يف

.إسقاط العقوبات األخرى الباقية بالعفو

المطلب الثالث

النوع: المعیار الثالث

بــة الضــروريات ، مرتبــة الــذي عليــه االتفــاق بــني العلمــاء أن الكليــات اخلمــس احملصــورة يف رت ترتيبا مبنيا علـى درجـة اهتمـام الشـارع بـه و يف حتصـيله ، و إن كـان هنـاك اخـتالف مـن جهـة

.التقدمي و التأخري

حفـــظ الـــدين و الـــنفس و العقـــل و النســـل و املـــال ، : فـــاملعلوم أن الكليـــات اخلمـــس هـــي لكن اختلف العلماء يف أيهم يقدم على اآلخر ؟

أن الدين يف حقيقة : فريق قدم حفظ الدين على األربعة األخرى ، و تعليله يف ذلك هو األصل يتفرع من حفظه حفظ األنواع األربعة كلها ، فبحفظ الدين حتفظ –األمر

النفس و حيفظ املال و حيفظ العقل و حيفظ النسل ، فهو املقصود األعظم من قوله

Page 316: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

316

: )و غريه مقصود ) 56:الذاريات ،

. )1(ألجله

أن األنواع : و فريق آخر قال بتقدمي األربعة على حفظ الدين ، و تعليلهم يف ذلك األربعة من غري الدين تندرج من ضمن حقوق العباد ، و هي مبنية على املضايقة واملشاحة

ا يتضررون ، خبالف حفظ الدين فإنه من املقـاصد م بفقدا فيلزم تقدميها أل

، و هــو ســبحانه و تعــاىل مبنيــة علــى المســامحةو هــي وق اهللا املبنيــة علــى مراعــاة حقــ . )2(ال يتضرر بذلك ، فهو غين عن عباده

علــى حقــوق العبــاد ، باعتبــار أن حفــظ الــدين أعظــم فــالفريق األول ، قــدم حقــوق اهللا املقاصـــد يف التشـــريع ، و بـــه حتفـــظ الكليـــات الباقيـــة األخـــرى ، فكـــان مـــن فـــروع املســـألة أن

.ح فقهاء املالكية تقدمي القطع حدا على القطع قصاصا رج

فقدموا حفظ الدين على حفظ الـنفس ، و فيـه تقـدمي مـا ال يسـقط بـالعفو علـى مـا يسـقط .بالعفو

خبالف الفريق الثاين ، فقد قدموا حفظ الـنفس أو املـال علـى حفـظ الـدين ، كتقـدمي فقهـاء احلنفية و الشافعية و احلنابلة قتـل القصـاص علـى قتـل الـردة يف حالـة االجتمـاع ، وفيـه تقـدمي

.ما فيه العفو على ما ليس فيه العفو

، التقرير و التحبيرابن األمري احلاج ، : و ينظر ، 727:ص 4، ج شرح الكوكب المنيرابن النجار ، : ينظر – )1(

. 307: ص 3ج .728: ص 4، ج شرح الكوكب المنيرابن النجار ، : ينظر – )2(

Page 317: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

317

ـــم كـــانوا يـــذكرون هـــذه لكـــن الظـــاهر ممـــا كتـــب يف هـــذا املوضـــوع مـــن العلمـــاء القـــدا مى ، أالكليات من غري ترتيب ، مث يرتبها احملقق كمـا هـو حاصـل يف كتـاب املوافقـات ، فقـد ذكرهـا الشاطيب من غري ترتيـب ، لكـن حمققـوه ذيلوهـا بالرتتيـب علـى أن ذلـك هـو األمـر املتفـق عليـه

. )1(بني العلماء

.)2(و بعض العلماء القدامى ذكروا ذلك بالرتتيب

و عموم ما استقر عليـه العلمـاء أن أعلـى مراتـب هـذه الكليـات هـو حفـظ الـدين ، و هـي األوىل باالعتبار عند التعارض مع األنواع األربعة البـاقية ، مث حفظ النفس ، مث حفظ

العقــل مث حفـــظ النســـل مث حفـــظ املــال ، و هـــو مـــا ذكـــره األســتاذ الـــدكتور الريســـوين يف كتابـــه و إن كان هنـاك اختالف بني تقدمي حفظ النسل على حفظ العقل أو نظرية التغليب ،

. )3(العكس

هــــذا األمــــر يف املصــــاحل ، و هــــو نفســــه يف املفاســــد ، باعتبــــار أن املفاســــد تتفــــاوت حبســــب الكلي الذي تتعلق به ، فأشدهـا مفسدة على العبـاد مفسدة الدين مث مفسدة النفس

.وهكذا مثل املصاحل

وجد تعارض بني مفسـدة الـدين و مفسـدة الـنفس ، فإنـه ترتكـب مفسـدة الـنفس لـدرء فإن مفسدة الدين ، و ترتكب مفسدة العقل لدرء مفسدة النفس ، و ترتكب مفسدة

8: ص 2ج، الموافقاتالشاطيب ، :ينظر – )1( . 300:ص 3،جاإلحكام اآلمدي ، : ، وينظر 307:ص 3، ج التقرير و التحبيرابن أمري احلاج ، : ينظر – )2( . 350:، ص) م 1997: دار الكلمة ، مصر ( 1، ط نظرية التقريب و التغليبالريسوين، :ينظر – )3(

Page 318: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

318

.النسل لدرء مفسدة العقل ، و ترتكب مفسدة املال لدرء مفسدة النسل

المطلب الرابع

العموم و الخصوص: المعیار الرابع

املعلــوم عنــد عامــة النــاس ، أن اخلــري األكثــر و األوفــر قــدرا هــو أوىل مــن الضــرر اليســري يف المصــلحة العامــة هــي أكبــر االعتبــار ، فكــان ممــا تقــرر يف عقــول النــاس و اســتقرت عليــه ، أن

.، فيكون تقدميها أمرا بديهيا قدرا و أولى في االعتبار من المصلحة الخاصة

مـــع الشـــرع و يقـــره ، فـــإن كـــان تعـــارض بـــني مصـــلحتني ، أحـــدمها عامـــة و هـــذا مـــا يتطـــابق واألخــــرى خاصـــــة ، فإنــــه تـــــرجح املصـــــلحة األكثــــر نفعـــــا و األعـــــم علــــى املصـــــلحة اخلاصـــــة ،

اعتنـــاء الشـــرع باملصــــاحل العامـــة أوفـــر و أكثـــر مــــن « : ولـــذلك يقـــول العـــز بـــني عبــــد الســـالم .)2(» لمصلحة العامة كالضرورة الخاصةا« : ، و قوله )1(»اعتنائه باملصاحل اخلاصة

فاملصلحة كلما كان مقدارها أكرب و أعم كانـت األوىل باجللـب ، يقـول الطـاهر بـن عاشـور و حيـــق للعـــامل أن يغـــوص برأيـــه يف تتبـــع املصـــاحل اخلفيـــة ، فإنـــه جيـــد معظمهـــا مراعـــى فيـــه « :

.)3(» النفع العام لألمة و اجلماعة و لنظام العامل

. 75: ص 2ج، األحكامقواعد العز بني عبد السالم ، – )1( .نفس املصدر السابق و الصفحة نفسها – )2( . 64: ، ص مقاصد الشريعة اإلسالميةالطاهر بن عاشور ، – )3(

Page 319: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

319

ر نفســه بالنســبة للمفاســد ، فإنــه لــو تعارضــت مفســدتان ، أحــداها عامــة و األخــرى واألمــ خاصــة ، فإنــه يــرجح درء املفســدة ذات الضــرر العــام بارتكــاب املفســدة ذات الضــرر اخلــاص

:إعماال لقواعد منها

.)1( يتحمل الضرر الخاص ألجل دفع الضرر العام -1

. )2(ضررا بارتكاب أخفهماإذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما -2

فهذه قواعـد عامـة للرتجـيح بـني مصـلحتني أو مفسـدتني مـن جهـة العمـوم و اخلصـوص ، و .هذه املعيار من بني أهم املعايري اليت بينها الشرع يف املوازنة بني العقوبة و العفو

ا يعــم مجيــع أن الشــرع أقــام احلــدود علــى النفــع العــام ، فــإن يف إقامتهــا نفعــ: و بيــان ذلــك النــاس ، و أمهــل يف مقابلهــا النفــع اخلــاص ، فلــم يعــط اعتبــارا لشخصــية اجلــاين فيهــا ، و إمنــا

.أعطى األولوية يف العتبار املصلحة العامة فيها

حىت يقف عندها كـل مـن سـولت لـه فحصل من ذلك ، أن اعتربت احلدود حقوقا هللا احلـــــاكم ، ألنـــــه ال جيـــــوز فيهـــــا العفـــــو و ال نفســـــه تعـــــديها أو تعطيـــــل تنفيـــــذها مـــــن الرعيـــــة و

.الشفاعة و ال الصلح عليها مبال

بينمــا أجــاز الشــارع احلكــيم العفــو ألوليــاء الــدم يف عقوبــة القصــاص و نــدب إليــه ، ترجيحــا : للمصلحة العامـة ، ألن يف إقامتـه حيـاة للنـاس ، و مـن جهـة اعتـرب مصـلحة خاصـة و هـي

. م إعطاء حق العفو ألولياء الد

دار الكتب العلمية ، ( غمز عيون البصائرشرح كتاب األشباه و النظائر البن نجيم احلموي ، : ينظر – )1(

. 281: ص 1ج ، ) م 1985: بريوت . 117:، صاألشباه و النظائرالسيوطي ، : ينظر – )2(

Page 320: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

320

Page 321: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

321

Page 322: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

322

المبحث األول ضبط إثبات العقوبة

و يتناول هذا املبحث ما يتعلق ببناء أحكام العقوبة و يفصل به األقضية من البينات وما هو يف مقامها ، و ما يدخل يف أحكام السياسة الشرعية يف بيان أحوال اجلناة عند االفتقار إىل البينات ، و ليس املقصود التفصيل يف ذلك و إمنا ذكر ما خيدم املوضوع من خالل

:لب ثالثة مطا ضرورة فقه أحوال اجلناة : املطلب األول

.ضبط مراحل اإلثبات : املطلب الثالث .ضبط طوارئ اإلثبات : املطلب الثالث

المطلب األول ضرورة فقه أحوال الجناة

ويتناول هذا املطلب ما يفتقر إىل السياسة الشرعية اليت يقوى فيها االجتهاد و النظر ما ينوبه يف تطبيق العقوبات ، خاصة يف املواضع اليت تتنازع فيها بالنسبة للحاكم أو

:احلقوق و تتباين فيها املصاحل ، و يقتضي البحث يف الفروع التالية .اليت يفتقر إليها إىل احلاكم اب باألس - .ضرورة إعمال فقه أحوال اجلناة - .قواعد عامة للعمل بفقه أحوال اجلناة -

. تطبيقات -

Page 323: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

323

فرع األولال

األسباب التي یفتقر إلیها إلى الحاكم

ملا كان أمر اإلثبات يف حقيقته يتعلق بقيام احلجاج على ثبوت أسباب العقوبة عند احلاكم ، كان من الالزم ذكر األسباب اليت يفتقر إليها إىل احلاكم ، و ذلك ألن ثبوت

. )1(احلكم عنده يسقط العفو ، باعتبار أن احلكم الصادر عنه هو إنشاء إلزام

ه كان من الالزم تنفيذها من غري مراعاة ألحوال اجلناة أو فإذا ثبت حكم العقوبة عند النظر إىل ما يدعو إىل العفو ، خاصة إذا تعلق األمر بالعقوبات املقدرة أو الصور الثابتة بطريق الشرع كالقتل للقصاص و القطع للسرقة ، فيتعني على احلاكم يف هذه الصور التنفيذ

. )2(و ال جيوز له إنشاء حكم من جهته

فإن كان للحاكم ريبة سأل اخلصم ليتعني دفعها ، فإذا انتفت كان من الالزم عليه تنفيذ احلكم على الفور من غري النظر إىل عفو ، باعتبار أن أحد اخلصمني ظامل و إزالة الظلم

. )3(واجبة على الفور

حرير موضع لكن قد توجد أسباب تفتقر إىل النظر و إىل االجتهاد من طرف احلاكم لت :العقوبة أو دفعها بالعفو أو بدواعيه ، و قد حصرها القرايف يف ثالثة أسباب

إذا كان احلكم حيتاج إىل نظر و بذل جهد يف حتقيق أسباب العقوبة : السبب األول -

. 9: ص 1، ج تبصرة الحكامابن فرحون ، : ينظر – )1( جامع القرطيب ، : ألن الشارع أقام احلكام على النهوض بالقصاص و إقامة احلدود عند اإلثبات ، ينظر – )2(

. 194: ص 2، ج األحكام املكتب الثقايف( 1، حتقيق أبو بكر عبد الرزاق ، ط اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكامالقرايف ، : ينظر – )3(

. 75: ، ص) م 1989: للنشر ، القاهرة

Page 324: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

324

و معرفة أحوال اجلناة و مقدار اجلناية ، و هذا يتحقق من خالل النظر إىل جسامة الضرر ين عليه أو اجلاين ، و هي من أوجه املوازنة ، و حىت تتحقق العدالة الذي قد يلحق با

.العقابية أن تفويض أمر تنفيذ العقوبة قد يؤدي إىل التهارج و الفنت و شدة : السبب الثاني -

احلميات ، خاصة إذا تعلق األمر باحلدود و القصاص ، فحسم الشارع هذه املادة وفوض م ما يردع و يكف الفنت األمر إىل احلكام .حىت يقع من سلطا

، فذلك يوجب افتقاره حالة تعارض حقوق العباد مع حقوق اهللا : السبب الثالث - . )1(إىل احلاكم ، فإذا أنشأ حكما تعني اإلذعان

الفرع الثاني إعمال فقه أحوال الجناة

العفو قبل الوصول إىل اإلمام أن املالحظ من خالل تتبع الفروع الفقهية فيما يتعلق جبواز الفقهاء أحالوا ذلك إىل ما تقتضيه شواهد حال اجلناة ، و على ما استقر عليه عرف .الناس يف التمييز بني الفاجر الذي يعرف بفجوره و بني الصاحل الذي اشتهر بصالحه

و قد يصعب ضبط هذا األمر ملا فيه من إعمال للظنون الغالبة و مقتضيات احلال ، فهذا أمر يبىن على اعتبار الظواهر و على ما اشتهر بني الناس يف بيان حال اجلناة ، لكن حصول إمجاع الناس على فساده أو صالحه فيه من القوة ما جيعل احلكم أقرب إىل

م الصواب ، فالعادة قد حكمت يف الناس اجتماعهم على اخلري و حب أصحابه و نفر .من الشر وبغض أهله

و على التقرير السابق ، استحسن الفقهاء العفو عن اجلاين قبل وصوله إىل احلاكم ، ملن

.املصدر السابق ، و الصفحة نفسها : ينظر – )1(

Page 325: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

325

ظهرت منه الزلة أو الفلتة ، و قد اشتهر صالحه بني الناس ، خبالف من اشتهر بالفجور دود و ظاهر يف عقوبات التعزير ، جاء يف املوازية من رواية عيسى ، و هذا عام يف مجيع احل

ال أحب أن يشفع ألحد وقع يف حد من حدود اهللا « : عن ابن القاسم عن مالك قال تعاىل بعد أن يصل إىل اإلمام أو احلرس و هو الشرط ، و أما قبل أن يصل يف أيدي هؤالء

فأما من عرف شره و أذاه للناس ، .. مل يشهد فالشفاعة حينئذ للرجال إذا كان منه فلتة و .)1(»فأحب إيل أن ال يشفع له أحد : قال مالك

بالنسبة للجاين يف باب التعزير األخذ باألصلحو قد ذكر علماء السياسة الشرعية قاعدة

، و ذكرت يف )2(يف حالة إن جتردت العقوبة التعزيرية عن حق آدمي و انفرد به حق السلطنةفيقول ص بالنسبة للمقتول الذي ال ويل له ، فيكون احلاكم ويل من ال ويل له ، القصا

:ه تعاىلـــاإلمام السرخسي يف قول

) إن شاء فكان لإلمام أن يستويف القصاص إن شاء و « ) : 179:سورة البقرة

صاحل على الدية ألنه جمتهد، و له أن مييل باجتهاده إىل املطـالبة بالدية وألنه ناظر ذه ،)3(»للمسلمني ، فرمبا يكون استيفاء الدية أنفع للمسلمني يقتضي القـاعدة و العمل

. معرفة أحوال اجلناة فيه الفقهاء قرائن و أما يف حالة التهمة و قد وصل األمر إىل القاضي ، فهذا وضع أعمل

األحوال يف معرفة اجلناة و فيه يتضح نوع من الفقه مل يؤسس كعلم مستقل ، وإمنا هو ذا الباب ، و لعل فقهـاء السياسة ظاهر من خالل استقراء الفروع الفقهية اليت تتعلق

. 27: ص 2، ج الفواكه الدوانيالنفراوي ، : نقال من – )1( . 312: ، ص األحكام السلطانيةاملاوردي ، : ، و ينظر 224: ص 2، ج التبصرةابن فرحون ، : ينظر – )2( . 380: ص 10، ج المبسوطالسرخسي ، – )3(

Page 326: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

326

.الشرعية قد وضعوا جزءا من معامله العامة ، و هو فقه أحوال اجلناة تتبني من خالل معرفة اجلناة الذين جيوز يف حقهم العفو من اجلناة الذين جتب و مثرته

.يف حقهم العقوبة و هو عظيم األثر يف الفقه ، خاصة إذا استشكل األمر على القاضي و استعصى معرفة

.احلكم املناسب للجاين ، فيسأل عن حاله ين عليه ، هل مييل و ليس األمر يتعلق مبعرفة حال اجلاين ، و إمنا كذلك معرفة حالة ا

إىل العفو أو شديد احلرص على العقوبة ، و هذا مما يدخل يف باب مراعاة حقوق العباد ا مبينة على املشاحة .أل

وص و قواعــــد و هـــذا التفصـــيل الـــذي جلـــأ إليـــه الفقهــــاء ، مل يكـــن اجتهـــادا بعيـــدا عـــن النصـــ الشرع ، إمنا ذلك جار على قواعد قد استقر الفقهاء و علمـاء األصول عليها ، وقـد

.أشري إليها يف األبواب املتقدمة أن الشـارع احلكـيم عنـدما شـرع العفـو مـع العقوبـة ، إمنـا كـان يريـد حتقيـق معــىن : و حاصـله

ـاهرة بالسـوء : قـد أشـري علـى جـزء مـن ذلـك يف السـابق ، و هـذا املعـىن هـو منـع الفسـاد و افقـد يكـون بـالعفو حتقـق ذلـك املعـىن ، فيكتفـي بـذلك عـن إنـزال العقوبـة ، و إن مل يتحقـق .

.ذلك طبقت العقوبة الفرع الثالث

قواعد عامة للعمل بفقه أحوال الجناةرم و احلكم باألصلح :و من هذه القواعد اليت راعاها الفقهاء يف تفصيلهم حلال ا

وجد أن الكليات الشرعية دعت إىل التوسط بني التشديد و التخفيف ، و وجد أن -1

Page 327: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

327

الشــارع احلكــيم مييــل إىل التشــديد يف مقابلــة مــن غلــب عليــه الفســاد و االحنــالل يف الــدين اهرة بالسوء ، و غريه من األمور اليت تدل على فساد صاحبها و فجوره .وا

بـل مـن غلـب عليـه احلـرج يف التشـديد و مـن غلبـت عليـه التوبـة و مـال إىل التخفيـف يف مقا . )1(و اإلنابة ، وهي ما فيها من الصالح و حب اخلري

مــــا دل عليــــه االســــتقراء لألحكــــام الشــــرعية ، أن الشــــارع احلكــــيم يــــأىب عقوبــــة مــــن مل -2 والطاعة يقصد الفساد و ال يسعى فيه بإرادته و قدرته ، بل قلبه مشتمل على معاين العفة

. )2(و اإلنابة ، فمثل هذا ال يعاقبه الشارع ، رمحة و لطفا و هاتان القاعدتان قد تتفرع منهما عدة قواعد ، دفعت الفقهاء إىل التفصيل يف حال رم عند إثبات العقوبة ، حىت ال يتعارض ذلك مع ما سبق مما قرره الشارع سابقا .اخاصية عامة هي من مجلة خصـائص التشـريع ، وهـي و ذلك كله ، إمنا يدخل ضمن -3 أن العقـاب مل يكـن القصــد منـه النكايــة و اإليـالم ، و إمنــا القصـد هــو حتصـيل مــا هـو أنفــع :

.للناس و دفعا للضرر عنهم ، من باب التخفيف و التيسري تقــرر و إمنــا لقصــد الزجــر كمــا –و إن كــان ذلــك ظــاهرا فيهــا –فالعقوبــة مل تشــرع لإليــالم

يف الســـابق ، فهنـــاك فـــرق بـــني الوســـائل و املقاصـــد ، فالعقوبـــة و مـــا يتحقـــق منهـــا مـــن إيـــالم .تعترب من الوسائل ، لكن املقصد من ذلك زجر اجلناة و رفع الفساد عن عامة الناس

ا ، بـــل حتصـــيل مـــا هـــو مقصـــود مـــن الشـــارع حفظـــه ، فقـــد فالوســـائل غـــري مقصـــودة لـــذا . ما هو احلال يف العقوبة حيصل بالعفو دفع فساد ك

. 128:ص 2ج ، الموافقاتالشاطيب ، : ينظر – )1( . 162: ص 1، ج الفروقالقرايف ، : ينظر – )2(

Page 328: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

328

و ذلـــــك أن املقاصـــــد ال تتحقـــــق إال بالوســـــائل ، و باعتبـــــار العقوبـــــات : و لألمـــــر ضـــــابط وســائل ملــا قصــده الشــارع مــن حفــظ ضــروريات النــاس ، فــإن زجــر اجلنــاة و ردعهــم ال يكــون

و متكني قصاصه ، فمن شـأن ذلـك حصـول قصـد الشـارع منهـا و إال بتطبيق حدود اهللا .األصل هو

الفرع الرابع و من تطبیقات ذلك

و أن بلغ األمر - ففقهاء املالكية قسموا حال املقذوف : عفو املقذوف عن القاذف - 1 :إىل قسمني - احلاكم

.املقذوف الذي خيشى مواقعة ما قيل فيه -أ .املقذوف الفاضل املعروف بالعفاف - ب يريد من ذلك سرتا على نفسه ، ملا يف ذكر ما قيل فيه جيوز عفوه إن كان فحال األول -

.عار عليه فليس فيه العفو ، فأمره معروف بني الناس ، و ليس ممن يداري بعفوه أما حال الثانيو -

. )1(سرتا عن نفسه ، فكان لزاما أن يعاقب القاذف حبد القذف لسرقة فيها من التسرت، و فيهامعرفة أحوال السراق ، باعتبار أن جرمية ا: من ذلك - 2 من األوضاع اليت حتتاج إىل تفصيل كبري ، يتحقق به معرفة اجلاين ، و فيها من الدواعي و

.احليل اليت قد يستعملها السراق لدفع شدة العقوبة عنهمفقد فصل الفقهاء فيها تفصيال يزيل كثري من الشبه ، من ذلك ما ذهب إليه فقهاء

فالن أرسلين إىل: لرجل يلقي يف جوف الليل و معه متاع ، فيؤخذ ، فيقول املالكية يف ا

. 202: ص 2ج ، التبصرة ابن فرحون ، : ينظر – )1(

Page 329: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

329

.منزله فأخذت له هذا املتاع : ففصل فقهاء املالكية يف هذا القضية حبسب حالتني أن يؤخذ السارق و قد دخل إىل املتاع من مدخله غري متسرت ، و أتاه يف : إحداها -

.ال يقطع حني ميكن إرساله فيه ، فهذا أن يؤخذ السارق متسرتا أو دخل إىل املتاع من غري مدخله أو يف حني ال : ثانيها -

. )1(يعرف ، قطع و إن صدقه صاحب املتاع دعوى اإلذن يف دخول املنزل : فانظر كيف تعامل فقهاء املالكية مع هذه الدعوى و هي

م مل حيكموا الشبهة ، و إ منا أزالوا ذلك من خالل التفصيل يف و إن كانت شبهة ، إال أ .حال املدعي

و من بني القضايا اليت أعمل فيها األخذ بقرائن األحوال ، يف املتهم الذي استعصى مته ثابتة عليه و هذا خيتلف عما سبق ، ألن التهمة هنا حمققة .كشف أمره ، مع أن

به اإلقرار و بني اإلكراه الذي يصح موازنة الفقهاء بني اإلكراه الذي يبطل : و من ذلك .معه اإلقرار ، مع أن اإلكراه يف األصل مسقط للتكليف

فقد أفىت متأخرو فقهاء احلنفية بصحة إقرار املكره بالسرقة بناء على قرينة احلال ، وقد نقل أن احلسن بن زياد سئل عن ضرب السارق حىت يقر ، فأجاب جبواز ضربه بشرط ما

. )2(إىل قطع اللحم و تبيني العظام مل يؤد ذلكو قد ذهب بعض فقهاء املالكية على خالف املشهور عندهم ، إىل أنه جيوز يف حالة إذا

. )3(رأى احلاكم أن السارق من أهل التهم ، أن يسجن و يضرب حىت يقر و يعمل بإقراره

. 193: ص 2، ج التبصرةابن فرحون ، : ينظر – )1( . 329: ص 9ج ، المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )2( . 345:ص 4ج، حاشية الدسوقيالدسوقي ، : ينظر – )3(

Page 330: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

330

و هذا التوجه الفقهي الذي هو خالف األصل ، إمنا كان مبنيا على النص الشرعي ، و قصة ابن أبي حقيق حين أخفى كنزا يوم خيبر و ادعى ذهابه بالنفقة ، فحبسه النبي ذلك يف

فكان ذاك قرينة على كذبه ، مث أمر ، » العهد قريب و المال كثير « : ، فرد عليه بقوله . )1(بعذاب حىت ظهر الكنزالزبري أن يسمه

و األصل العام يف هذه القضية أن ال يعذب املتهم ، و تفصيل أحوال املتهمني كان من ا أمر نسيب ختتلف فيه األحوال ، فقد يكون التوسع يف ذلك ذريعة أجل ضبط التهمة ، أل

.يف ضياع احلقوق و احلكم مبا فيه ظلم للناس إعمال التهم و قرائن األحوال ، كان القصد من ذلك ضبط و لذلك ، ملا قال الفقهاء ب

ا معوال إلسقاط حقوق اهللا –من جهة أخرى –الشبهة حىت ال يكون األخذ .بتنفيذه املتمثلة يف إسقاط حدوده ، أو تعطيل ما أمر اهللا

ء و الفقهاء عندما أقروا العمل بالتهم يف بعض املواضع ، إمنا أقروا ذلك على ضو :مبدأين

. فالمتهم بريء حتى يثبت دليل التهمةمبدأ استصحاب الرباءة األصلية ، -أ . فال يجوز تجريم متهم حتى يصدر نص العقوبةمبدأ شرعية العقوبة ، -ب و هذا من أوجه املوازنة بني املواضع اليت يعمل فيها بالتهمة ، و بني املواضع اليت ال جيوز

األخذ بالتهمة ، و إن كان هذا األمر من جهة الواقع عسري ، ألن ذلك يقتضي فقه . )2(جزئيات احلوادث من غري أن تعارض الكليات الشرعية

. 18851: ، كتاب السري ، باب من رأى قسمة األراضي ، رقم السنن الكبرىأخرجه البيهقي يف – )1( . 6: ، ص الطرق الحكميةابن قيم اجلوزية ، : ينظر – )2(

Page 331: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

331

المطلب الثاني مراحل اإلثبات

هذا املطلب التقسيم الفقهي ملراحل إثبات العقوبة وحكم كل مرحلة فيما يتعلقيتناول

.بالعفو ، و أثر هذا التقسيم على القضاء الفرع األول

التقسیم الفقهي لمراحل اإلثباتاملالحظ من خالل ما تقرر سابقا و ما هو موجود كتطبيق عملي للفروع الفقهية خاصة

، أن الفقهاء قد قسموا مراحل اإلثبات إىل ثالث مراحل فيما يتعلق بباب القضاة .ما قبل الرفع ، و قد ذكر أن الفقهاء استحسنوا العفو و استحبوا السرت: المرحلة األولى ما بعد الرتافع و قبل اإلثبات ، ففي هذه املرحلة رجح الفقهاء مجلة من : المرحلة الثانية

الذي هو مبدأ االحتياط ، كجواز التعريض و التلقني األحكام اليت تدخل ضمن مبدأ عام .و صحة رجوع املقر عن إقراره

، )1(أما التعريض فقد استحبه فقهاء احلنفية و احلنابلة و الصحـيح عند فقهاء الشافعية :واستدلوا باآلثار التالية أتي بلص اعترف اعترافا و لم يوجد معه أن رسول اهللا حديث أيب أمية املخزومي - 1

ادها عليهـبلى يارسول اهللا ، فأع: ما أخالك سرقت ، قال : المتاع ، فقال له رسول اهللا ما روي عن -.))2 بلى يارسول اهللا ، فأمر به فقطع: مرتين أو ثالثا ، قال رسول اهللا

مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهىالرحيباين ، : ، و ينظر 143:ص 9ج ، المبسوطالسرخسي ، :ينظر – )1(

9، ج تحفة المحتاجاهليتمي ، : ، و ينظر 190: ص 6، ج) م1961: املكتب اإلسالمي ، دمشق ( . 152:ص

. 3807: ، كتاب احلدود ، رقم السننأخرجه أبو داود يف – )2(

Page 332: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

332

: ال ، قالوا : أسرقت ، قولي : سالمة فقال : أتي بسوداء يقال لها ابن مسعود -2 .))1 جئتموني بأعجمية ال تدري ما يراد بها حين تفسر فأقطعها:أتلقنها ،قال

أن القول باستحباب التعريض أو : لكن ملا كانت املسألة فيها من اإلشكال الذي مفاده اجلناة ، ، و ما فيه من استبعاد اجلرم عن تلقني اجلاين فيه دواعي التعطيل حلقوق اهللا

فهذا يف حقيقته فيه إفالت عن العقوبة ، فمـا هو السبـيل إىل اجلمع بني األمر بتنفيذ حدود عند اإلثبات و قد جاء اجلاين معرتفا ، و بني استحباب التعريض دفعا عنه العقوبة اهللا

املقررة يف حقه ؟لنظـام العقـايب ، و اإلجابة عن هذا اإلشكال ، يقتضي النظر إىل شكل العقوبة يف ا

.النظر إىل شروط العقوبة : وأخص من ذلك ا على البينة الواضحة، فإن الناظر إىل شروط العقوبة جيد أن الشارع احلكيم أقام إثبا

.فإن وجد ما يدل على اإلخالل يف هذه البينة ، فإن العقوبة األصلية تسقطو لذلك للحاكم أن يوجه أسئلة للمقر مفصلة حىت يبني اجلاين السرقة و املسروق منه و

قدر املسروق للحصول على القطعية يف اإلقرار ، ألن خالف ذلك يفضي إىل وجود شبهة . )2(، فقد يظن غري السرقة املوجبة للقطع سرقة موجبة له

ا مث إن القاضي أبو يوسف احلنفي ذهب إىل اشرتاط تكرار اإلقرار يف احلدود ، أل تتضمن إتالفا فكان من شرطها التكرار ، و على أن الزيادة يف ذلك كان الغرض منها

.)3(التقليل من التهمة

. 525: ص 6، ج) ت .ب: دار افرك ، بريوت ( المصنفابن أيب شيبة ، – )1( . 86: ص 4ج ، رد المحتار ابن عابدين ، : ينظر – )2( . 323: ص 9ج ، المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )3(

Page 333: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

333

و العقوبة يف اإلسالم فيها من الغلظة و الشدة اليت تستجلب احلذر من تطبيقها ، فنتائجها إحلاق ضرر باجلاين كقطع اليد و الرجم و اجللد و القتل قصاصا ، فقد يكون يف تطبيق احلد ظلم على اجلاين عند اخلطأ ، و أن خيطئ اإلمام يف العفو خري له من خيطئ يف

.العقوبة و حق العباد ، فإن سقط عقوبة يف اإلسالم تتنازع فيها احلقوق ، ففيها حق اهللا و ال

.فمبني على اإلظهارأما الثاين مبني على اإلسقاطبقي حق العباد ، فاألول حق اهللا مث إن الفقهاء ملا استحبوا التعريض و التلقني ، مل يرتكوا األمر مفتوحا من غري ضبط ،

التفصيل خاصة و أن أحوال اجلناة ختتلف ، فهناك اجلاين اجلاهل قد يأيت ألن األمر يستلزما وال الفرق بينها و بني االختالس أو الغصب أو معرتفا مقرا جبرمية السرقة و ال يعرف نصا

.النهب هذا إن كان املقر جاهال بوجوب احلد ، بأن أسلم « : قال الرافعي من فقهاء الشافعية

ببادية بعيدة عن العلماء ، و إذا عرض له فإمنا يعرض مبا ال يسقط حق الغري قريبا أو نشأ عن العقوبة ، ال مبا يسقطه حىت ال يعرض يف السرقة مبا يسقط الغرم ، و إمنا يسعى يف دفع القطع ، كما أنه يف حدود اهللا يستحب السرت و يف حقوق العباد جيب اإلظهار ، وال يقول

لعلك: و حنوه من صرائح الرجوع كجحده ، بل يقول له ارجع عن اإلقرار أ . )1(»سرقت من غري حرز و حنوه

و هي مرحلة ما بعد حكم احلاكم و قبل إقامة احلد ، فالـذي عليه: المرحلة الثالثة

. 152:ص 4، ج أسنى المطالبابن زكريا األنصاري ، :نقال من – )1(

Page 334: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

334

على جهة فقهاء األمصار ، أنه ليس للعفو أثر يف إسقاط العقوبة ، ترجيحا حلق اهللا التغليب كما هو يف حد السرقة أو حد القذف من غري فقهاء الشافعية ، أو على وجه

.احملض كما هو احلال يف عقوبة الزنا و الشرب

الثانيالفرع أثره على القضاء

و بني القضاء يف حقـوق العباد ، و لقد فرق الفقهاء بني القضاء يف حقوق اهللا من تتمته االستيفاء ، و استيفاء احلد من تتمة قول فالقضاء يف حقوق اهللا

فالقضاء يف باب احلدود اليت يغلب فيها .حكمت أو قضيت بالقطع أو اجللد :القاضي .حق اهللا ، ليس فيه فائدة إن مل يتبعه استيفاء

مة عند استيفاء احلد و ملا كان اإلمضاء يف احلدود من القضاء ، فإنه يشرتط قيام اخلصو ما يكون شرطا لوجوب القضاء يراعى وجوده إلى و ملا كنت اخلصومة شرط يف ذلك ، فإنه

، كما هو احلال يف حدي السرقة و القذف خبالف حقوق العباد ، فإن وقت االستيفاء .)1(، فال حاجة إىل جعل اإلمضاء من تتمة القضاء القضاء فيها يفيد اإلظهار

هبة المال المسروق : و من بني أدق املسائل التطبيقية اليت بنيت على التفصيل السابق . للسارق

فالذي عليه مجهور فقهـاء احلنفية ، أنه إذا متلك السـارق املسروق بعد الرفع و قبل القضاء باهلبة أو حنو ذلك فإن القطع يسقط ، ألن املطالبة شرط لقيام احلدود ، و قد

. 407:ص 5ج ، ) ت .ب: دار الفكر ، بريوت ( العناية شرح الهدايةالبابريت ، : ينظر – )1(

Page 335: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

335

.)1(طت باهلبة سق

. )2(و خالف يف ذلك اإلمام مالك مرجحا العقوبة لعدم اشرتاطه اخلصومة و هذه املسألة تبني سبب اخلالف فيها من خالل ما ذكر ، فمن اشرتط اخلصومة

.أسقط احلد ، و من مل يشرتط أبقى احلد القضاء و قبل اإلمضاءلكن األمر الذي اختص به فقهاء احلنفية ، إذا حدثت اهلبة بعد .فإن احلد يسقط عندهم خمالفني يف ذلك مجهور الفقهاء :و من أوجه استدالهلم على ذلك .، فمن مل ميض ، فكأنه مل يقض القضاء في باب الحدود إمضاؤهاأن -أ . المعتبر بعد القضاء قبل االستيفاء كالمقترن بأصل السبب -ب و ألن متلك املسروق و إن مل يوجد وقت السرقة ، إال أنه أوجد شبهة عند - ج

.)3(التنفيذذا االعتبار ما يدعو إىل العفو على إقامة العقوبة . فرجح فقهاء احلنفية

الثالثالمطلب ضبط طوارئ اإلثبات

يقصد بطوارئ اإلثبات ، ما يطرأ بعد إثبات العقوبة من أحوال قد تسقط العقوبة وترجح معىن العفو ، كالرجوع عن اإلقرار أو الشهادة ، و قد وضع الفقهاء لذلك ضوابط

. و أقاموها على قواعد عامة

. 43:ص 6، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )1( . 198: ص 8، ج المنتقىالباجي ، : ينظر – )2( . 44-43: ص 6ج، بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )3(

Page 336: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

336

الفرع األول ضبط الرجوع عن اإلقرار

)االحتمال ( مل الصدق و الكذب ، و مع ذلك اإلقرار يف حقيقته خربا ، و اخلرب حيت أنه قد يكون يف املقر يف احلقيقة كاذبا ، : أجاز الفقهاء ختلف مدلوله الوضعي ، مبعىن

.إال أنه يرتتب على إقراره أثره لزوما :و الرجوع عن اإلقرار ختتلف إضافته اليت تدل عليه حبسب وضعني .رجعت عن إقراري ، أو كذبت : كأن يقول املقر يكون صرحيا ، : الوضع األول - .و قد يكون داللة ، كأن يهرب عند رؤية العذاب و إقامة احلد : الوضع الثاني - م متفقون على أنه يسقط و اخلالف احلاصل بني الفقهاء ليس يف الوضع األول ، فإ

ا احلد احلد ، و إمنا اخلالف يف الوضع الثاين ، و هذا من حيث اعتبا ر ذلك شبهة يدرأ أم ال ؟

و لتحرير املسألة ، فقد قسم الفقهاء الرجوع عن اإلقرار داللة حبسب احلق املعترب يف : العقوبة إىل قسمني

على جهة احملض أو التغليب ، فإن مجهور الفقهاء من احلنفية قسم فيه حق اهللا - 1 و املشهور عند املالكية و الشافعية و احلنـابلة ، على أنه رجـوع املقر عن إقراره معترب

.)1(ويسقط به احلد ذا االعتبار ، فإن اإلقرار داللة على أن شبهة قوية ، مبعىن ا متحوا عن صاحبها : و أ

.، وال يعاقب عقوبة تعزيرية وصف اجلرم أن رجوعه يورث احتمال الصدق و الكذب ، و الرتدد: و بيان قوة الشبهة يف ذلك

، 318: ص 4ج ، حاشية الدسوقيالدسوقي ، : و ينظر ، 530:ص5ج، البدائع الكاساين ، : ينظر – )1(

. 27:ص9، ج المغني ابن قدامة ، : و ينظر ، 416: ص 7ج ، نهاية المحتاجالرملي ، : وينظر

Page 337: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

337

بني ذلك يف حقوق تقبل اإلسقاط باالتفاق ، و تعضدها بالنص الشرعي يف قضية ماعز الرجوع عن اإلقرار ، فلو مل يكن حمتمال للسقوط بالرجوع ، ما كان فقد لقنه النيب

للتلقني فائدة ، و ما تقرر عند الفقهاء يف أن من شرط إقامة احلد باإلقرار بقاءه إىل متام .، فإن ذلك كله يدل على قوة الشبهة )1(احلد

مجيع الفقهاء الذي إىل هذا احلد ، فإن الكالم فيه عام يقتضيه األصل املتفق عليه عند ، لكن هل القول جبواز ختلف املدلول أن اإلقرار شبهة تسقط حقوق اهللا : هو

الوضعي لإلقرار داللة ، يؤدي إىل ترك املسألة من غري ضبط ، مع إن احتمال الكذب وارد و قد يكون قويا بقرينه احلال ؟

يس كذلك ، و إمنا جواز ذلك كان فاملقرر عند فقهاء املالكية و الشافعية ، أن األمر ل وفق ضوابط ، تضبط أمر اإلقرار داللة حىت ال يكون يف ذلك ذريعة إىل إسقـاط حدود

. اهللا

أنه قيد قبـول رجوع املقر يف –يف رواية غري مشهورة عنه –فقد روي عن مالك

لو رجع عن اليت تسقط بالشبهة ، بأن يكون الرجوع لوجود شبهة ، أما حقوق اهللا إقراره بغري شبهة فال يعتد به ، و قد نـص على ذلك أشهب و بــه قال ابن

.)2( املاجشون

.املصادر نفسها – )1( . 319-318:ص 4ج ، حاشية الدسوقي على الشرح الكبيرالدسوقي ، : ينظر – )2(

Page 338: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

338

ليستثبت رسول « : و لعل فقهاء املالكية استدلوا بقول جابر راوي حديث ماعز يف قوله إمنا قال ذلك ألجل االستثبات واالستفصال « : ، قال الشوكاين مبينا ذلك » منه اهللا

ا احلد أسقطه ألجلها ، و إن مل جيد شبهة كذلك أقام عليه ، فإن وجد شبهة يسقط . )1(» احلد

و األصح عند فقهاء الشافعية أن الرجوع يكون بالداللة الصرحية دون غريها ، فال يرون اتركـوين أو ال: ند التنفيذ بعد اإلمضاء رجوعا ، و لو قـال املقر مثل اهلروب ع

. )2(حتدوين أو هرب قبل حده أو يف أثنائه ، فال يعتد ذلك رجوعا على األصح عندهم قسم فيه حق للعبد ، فقد اتفق الفقهاء أنه ال يسقط بالرجوع ، باعتبار أنه حق ثبت - 2

الحقوق التي تبنى على المشاحةه ، و أنه من مجلة لغريه ، فلم ميلك إسقاطه بغري رضا .)3(فما دام قد ثبت للعبد حق ، فال جيوز إسقاطه بغري رضاه

أن قضية الرجوع عن اإلقرار من ناحية األصل العام تسقط : احلاصل من هذه املسألة احلد و يرتجح معىن العفو فيها ، لكن من ناحية تطبيق هذا األصل العام على اجلزئيات الفرعية ، فإن الفقهاء مل جيعلوا األمر مطردا ، و إمنا سعوا إىل ضبط ذلك ضبطا يدفع

.تملة بعض اإلشكاالت احملو رمبا االستدالل على احلاصل السابق حيتاج إىل أدلة أكثر حىت يستقر األمر و يثبت ،

إال أن ذكر الضوابط كلها قد خيرج البحث عن موضوعه األصلي ، فيكفي يف ذلك الرجوع إىل احملققني من أصحاب املذاهب ، فقد دققوا يف املسألة و ضبطـوها ضبطا

. 108: ص 7ج ،نيل األوطارالشوكاين ، – )1( . 196:ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )2( و ، 410:ص 4، ج نهاية المحتاجالرملي ، : ، و ينظر 530:ص 5، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )3(

.71:ص12، ج المغنيابن قدامة ، :ينظر

Page 339: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

339

احملتملة ، كما هو احلاصل عند القرايف يف كتابه الفروق ، و ابن يدفع مجيع اإلشكاالت .)1(جزي يف قوانينه الفقهية

الفرع الثاني ضبط الرجوع عن الشهادة

األصل العام يف أثر الرجوع عن الشهـادة أنه يسقط احلد ، ألن ذلك يـورث شبهة ، لكن الرجوع ال خيلوا أن يكون من ناحية التفصيل الفقهي و املتقرر يف باب القضاء ، أن

.بعد القضاء أو قبله ما ، ألن احلق إمنا يثبت بالقضاء ، و القاضي ال فإن كان قبل القضاء سقطت شهاد

.يقضي بكالم متناقض و إن رجعا بعد القضاء و قبل التنفيذ ، فالذي عليه الفقهاء أنه ال جيوز استيفاؤها ، ألن

.تسقط بالشبهة و الرجوع شبهة ظاهرة حقوق اهللا .)2(أما إن رجعا بعد تنفيذ احلكم ، فإنه ال ينقض احلكم باالتفاق

الفرع الثالث قواعد عامة في اإلقرار و الشهادة

الظاهر أن الفقهاء استخدموا يف معرفة اإلقرار و بيان حالة الشهود بعض القواعد العامة واليت بفضلها توصلوا إىل وضع موازنة دقيقة ملعرفة أمر الرجوع عن اإلقرار الذي يسقط به

احلد و الذي هو يف معىن العفو ، و بني الرجوع الذي ال يسقط احلد ، كذا يف مسألة .الرجوع عن الشهادة و أو تقادمها

. 207: ، ص القوانين الفقهيةابن جزي ، : ، و ينظر 40:ص 4ج الفروقالقرايف ، : ينظر – )1( ، 504:ص 8، ج منح الجليلعليش ، : و ينظر ، 504:ص 5ج ،الدر المختار ابن عابدين ، : ينظر – )2(

. 130:ص 12، ج المغني ابن قدامة ، : و ينظر

Page 340: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

340

. حركهاأن الظنون ال تقع إال بأسباب تثيرها و ت: إحدى هذه القواعد - 1 و قد تقدم يف مسألة ضبط الرجوع عن اإلقرار ، أن الفقهاء مل يتفقوا عن اإلقرار الذي

يقع بالداللة ، فمنهم من رأى أن ذلك يسقط العقوبة ، و منهم من مل ير ذلك و أبقى .القضية على أصلها العام

ما حيتمالن الصدق و ملا كان اإلقرار والشهادة مبنيان على الظنون ، و ذلك من جهة أ و الكذب ، و قع اخلالف و استدعى ذلك معرفة أحوال املقر و الشاهد ، و قد تقرر

، و تلقني املقر للوصول إىل معرفة ) صراحة و داللة ( ذلك يف تقسيم حال اإلقرار حقيقة الشبهة اليت دفعته إىل اإلقرار، و السؤال عن الشهـود من طرف القـاضي ، كل

يستفاد من العادات لرتجيح جانب الصدق أو الكذب فيهما ، فاحلاجة ملعرفة ذلك ذلك .ضرورية

أن تكون األدلة قاطعة يف : فنجد أن الفقهاء اشرتطوا شروطا يدفع االحتمال من ذلك اإلثبات مستمرة من وقت التقدم إىل وقت احلكم ، بل عند أكثر الفقهاء أن يستمر ذلك

.إىل وقت التنفيذ قطعية يف داللتها على املعىن ، فقد قرر الفقهاء أن : و املقصود بالقطعية يف هذا املوضع

تكون عبارات الشاهد اليت يتقدم إىل اإلثبات اجلرمية صرحية الداللة ، فإذا حصل خلل يف ا احلد .العبارة ، فإن ذلك يورث شبهة يسقط

لك ، كان مسقطا للعقوبة األصلية ، كأن كذلك ، أال يوجد معها ما يعارضها فإذا وجد ذ مقرر يشهد ثقات من النساء بأن املرأة عذراء ، فإنه ال يلتفت إىل شهادة اإلثبات كما هو

.)1(عند الشعيب و الثوري و الشافعي

. 614:ص 7، ج المغنيابن قدامة ، : ينظر – )1(

Page 341: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

341

. الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي: قاعدة - 2

ن الشهادة و الرجوع عن اإلقرار ، و هذه القاعدة كانت أساسا يف التفريق بني الرجوع ع حكموا بسقوط احلد يف رجوع املقر عن إقراره ، أما –كأصل عام –و لذلك أن الفقهاء

م ففيه تفصيل .رجوع الشهود عن شهادبل إن الفقهاء من احلنفية ذهب إىل أدق التفاصيل يف قضية استمرار اإلثبات ، فإذا

و بعد احلكم فإن احلد ال جيب ، كرجـوع الشهـودانقطع وصف القطعية قبل التنفيذ م .)1(عن شهادأن اإلقرار مقدم على البينة ، من جهة أن الظن املستفاد منه أقوى من : و تعليل ذلك

.الظن املستفاد من شهادة الشهود فوازع املقر طبعي ، ألن اإلنسان إمنا يقر يف الغالب مبا يعتقد صحته ، أما وازع الشهود

. شرعي ، ألن قيام الشهادة حسبة هللا ا تقام حقوق اهللا و من جهة أخرى ، أن الشهادة حجة عامة على مجيع الناس ،

، فكان الـوازع العـاماص أقوى من ـالخأما اإلقرار فهي حجة قاصرة على املقر ، و . )2(الطبعي أقوى من الوازع الشرعي

. قاعدة ترجيح الغالب على المغلوب - 4 فأمر اإلثبات يف العقوبات سواء كان حدا أو قصاصا مبين على الغالب، و األمر الغالب

إمنا ندين به عن طريق ترجيحه على املغلوب ، فحكم الفقهاء برتجيح جانب الصدق يف

. 280: ص 6ج ،البناية في شرح الهدايةالعيين ، : ينظر – )1( . 119: ص 2، ج قواعد األحكامالعز بن عبد السالم ، : ينظر – )2(

Page 342: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

342

الشهادة و اإلقرار ، ألن الغالب فيهم الصدق و تقتضيه حاجة القضاء يف إثبات حقوق .و حقوق العباد اهللا

Page 343: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

343

المبحث الثاني ضبط موانع العقوبة

يتناول هذا املبحث مناذج هي يف حقيقة األمر تعترب يف الغالب مانعا للعقوبة ، إال أن

ضبط مواضعها ، فاستعملوها تارة : التوازن ، أقصد بذلك الفقهاء سلكوا فيها مسلك .سببا مرجحا للعفو ، و يف مواضع أخرى مل يعطوا هلا اعتبارا يف إسقاط العقوبة

و يقصد من املانع يف هذا املبحث ، ما يلزم من وجوده ختلف العقوبة ، و ال يلزم عدم املقصود حصر كل املوانع ، و إمنا الكالم املؤاخذة ، و إمنا هو ترك للعقوبة األصلية ،و ليس

:منحصر يف ثالثة مطالب .الشبهة : ضبط ما هو مانع للعقوبة كأصل عام و هي : املطلب األول -

ضبط ما هو مانع للعقوبة من جهة وجود نقص يف حتمل التبعة : املطلب الثاين - .اإلكراه : وختتلف فيها األحوال و تتناسب ، و اختري يف ذلك

. التأويل الفاسد : ضبط ما مينع العقوبة سياسة ، و اختري يف ذلك : املطلب الثالث -

المطلب األول ضبط الشبهة

ملا كان أمر الشبهة خيتلف فيه املآخذ و تتناسب بوجودها األحوال ، سعى الفقهاء إىل ضبطها حىت ال تكون معوال إلسقاط العقوبة ، فليس كل شبهة تسقط احلد ،و أن قاعدة درء احلدود بالشبهات قد تصادم قواعد أخرى ، فاقتضى احلال التحقيق و التفصيل يف

:خالل فرعني الشبهة ، و ذلك ظاهر من

Page 344: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

344

ضبطها من جهة التدقيق يف العبارات اليت استعملها الفقهاء يف بيان قوة أو : الفرع األول .ضعف تأثريها يف ختلف العقوبة

. ضبها بالقواعد العامة : الفرع الثاين الفرع األول

ضبط العبارات الفقهیة للشبهةاستعمل الفقهاء عبارات دقيقة للشبهة ، دفعت بعضهم إىل تفصيلها وبيان أقسامها حىت

م للشبهة تدل على طبيعتها من حيث القوة و الضعف أو حىت أضحت بعض مصطلحاما بينهما ، و هي منزلة توحي إىل دقة االستعماالت االصطالحية و براعة االختيارات

تحقق فيه املوازنة بني درء احلد الذي فيه معىن العفو و بني الفقهية يف الوصول إىل حكم ت .متكني العقوبة

:و هذه الدقة إمنا فرضتها حقيقتان .أن احلكام كما أمروا بتنفيذ احلدود و القصاص ، أمروا بدرئها بالشبهات: أحدها - قوبات يف كثري من تنازع قاعدة درء احلدود بالشبهات مع املقاصد األصلية للع: ثانيها -

هل يف تطبيق القاعدة حتقيق للمقصد األصلي للعقوبة ؟: الفروع الفقهية ، مبعىن ألنه إذا مل يتحقق ذلك فال معىن من وضع العقوبة ، باعتبار أن متكني الشبهة إمنا هو يف

.حقيقته ترك للعقوبة األصلية الذي هو يف معىن العفو أن يف أصل التشريع يف النظام العقايب ال يوجد : يل مفاده و هذه الفكرة حتتاج إىل تفص

إفالت من العقوبة ، و أن درء احلدود بالشبهات و إن كان يف معىن العفو ، فإنه ال يدل وهذا –و هذا حبسب التوجه الفقهي العام يف هذه املسألة –على إسقاط العقوبة بالكلية

.إلسالمي ما حيدد املعىن الدقيق للعفو يف الفقه ا

Page 345: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

345

كذلك تفصيل الفقهاء يف أحوال اجلناة يف مواضع العفو ، من خالل بيان من يستحق العفو ممن ال يستحقه ، ال يستلزم ذلك عدم عقوبة اجلاين الذي ارتكب جرمية و إن كان مل يعرف بالفساد أو الفجور أو فعل ذلك مكرها أو عن طريق اخلطأ ، فإنه يف كثري من

ة قد استبدل الفقهاء العقوبة األصلية بالعقوبة التعزيرية ختتلف يف الشدة الفروع الفقهي .والضعف حبسب اختالف اجلناية

ا و لذلك ، حىت ال يقع الفقهاء يف هذا اإلشكال ، فصلوا يف الشبهة و دققوا يف عبارا .حىت يناسب احلكم موضعه ، و حىت تتوازن العقوبة مع العفو

ق ، فإن من مجلة العبارات الفقهية اليت وظفها الفقهاء يف الشبهة ، واليت فإذا تقرر ما سب :هي من آثار املوازنة بني العقوبة و العفو ما يلي

، و قد )2(عند فقهاء املالكيةمحققة أو )1(عند فقهاء احلنفية عبارة شبهة متمكنة - 1 ا و مقارنتها يف إسقاط احلدود و القصاص ، أو استعملت هذه العبارة للداللة على قو

.لتعجيز اخلصم يف عدم نقض أو قدح علة متكينها أو حتقيقها ، فيفحمه باحلجة ا ذه املسألة ، جيد أن هذه الشبهة استجلبت قو و الناظر إىل الفروع الفقهية املتعلقة :من جهتني ابنه من حرز مبثله ، من جهة وجود دليل يقويها ، مثل السارق يسرق مال: إحداها -

فهذه شبهة متمكنة و متحققة يف إسقاط حد القطع عن السارق ، للنص الثابت قوله : و أنت و مالك ألبيك )3( . كذلك حتقق الشبهة يف مال األعمـام و العمـات و اخلال و اخلـاالت و اإلخوة

. 302:ص 9ج ، المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )1( . 157:ص 1ج ، الذخيرةالقرايف ، : ينظر – )2( .سبق خترجيه – )3(

Page 346: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

346

: واألخوات لقوله تعاىل

)النور :

.، فال يقطعون أصله األبوة متنع القطع ) 61 .من جهة وجود قواعد عامة تقرها أو ما هو يف موضع اإلمجاع : ثانيها - أن القاضي ال يعرف عدالة الشهود ، و ال جيوز الطعن : مثال ذلك عند فقهاء احلنفية

فيهم حىت يسأل عنهم ، ألنه صار اجلاين متهما بارتكاب حد من احلدود ، فال يقام احلد م قبل التزكية .حىت يسأل الشهود ، ألن الشبهة متمكنة يف شهاد

أن الشهادة لو وقع فيها الغلط ، فإنه ال ميكن تداركه ، فعلى القاضي أن : ووجه ذلك . )1(يسأل الشهود صيانة لقضاء نفسه و طعن اخلصم فيه

و من أوجه تعجيز اخلصم ، متكني الشبهة بالقواعد العامة ، كما هو احلاصل عند فقهاء س فيه حد ، ألنه وطء متكنت الشبهة منه ، احلنفية يف قضية تزوج ذات احملرم على أنه لي

.فلم يوجب احلد أنه قد وجدت صورة املبيح و هو عقد النكاح الذي هو سبب لإلباحة ، : بيان ذلك

. )2(فإذا مل يثبت حكمه و هو اإلباحة ، بقيت صورته شبهة دارئة للحد و لنا أنه وطء « : ال فرد ابن قدامة احلنبلي على ذلك مستدال على ضعف الشبهة ، فق

يف فرج امرأة جممع على حترميه من غري ملك وال شبهة ملك ، و الواطئ من أهل احلد

. 302:ص 9، ج المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )1( . 24:ص 4، ج رد المحتارابن عابدين ، : ينظر – )2(

Page 347: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

347

وعامل بالتحرمي ، فيلزمه احلد كما لو مل يوجد العقد ، و صورة املبيح إمنا تكون شبهة إذا ىل كانت صحيحة ، و العقد هاهنا باطل حمرم ، و فعله جناية يقتضي العقوبة انضمت إ

ا . )1(»الزنا فلم تكن شبهة ، كما لو أكرهها و عاقبها مث زىن عند فقهاء املالكية ، و هي الشبهة احملتملة ، و قد يكون هلا عبارة إمكان الشبهة - 2

:اعتبار قوي يف إسقاط العقوبة األصلية و من ذلك م إن غ ابوا قبل أن يسألوا فال غياب الشهود يف جرمية السرقة ، فعند فقهاء املالكية أ

قطع إلمكان الشبهة ،ألن االستيفاء مع غيبة الشهود استيفاء مع الشبهة الحتمال الرجوع . )2(عن الشهادة

و قد يكون إمكان الشبهة من جهة شدة اعتبارها خاصة يف العقوبات اليت يشرتط فيها .ألخرى كعقوبة السرقةاخلصومة أو العقوبات اليت هي أوسع يف اإلسقاط من العقوبات ا

فقد اشرتط فقهاء احلنفية حضور مالك املسروق و أن يدعيه ، فاعتربت املطالبة لزوال احتمال متليك املال املسروق للسارق عن طريق اهلبة أو الوقف أو : احتمال الشبهة و هي

.)3(اإلذن يف الدخول ، و هذه احتماالت قوية باعتبار أن املال يباح بالبذل ، و هي الشبهة اليت تعلقت بأوصاف ظاهرة عم اعتبارها يف عبارة وضوح الشبهة - 3

األحكام ، فزادها ذلك قوة و اعتبارا ، من ذلك املكره ال حيد لوضوح الشبهة ، و هـو .)4(األظهر لعموم اعتباره يف الطالق ، و كذلك املضطر لإلساغة لوضوح الشبهة

ا هذهو هي دون منزلة الشبه السـابق ة ، ألن هذه األوصـاف الشرعية اليت تعلقت

. 148:ص 10، ج المغنيابن قدامة ، – )1( . 174: ص 12ج ، لذخيرةا القرايف ، : ينظر – )2( . 294:ص 10ج ، المغنيابن قدامة ، : ، و ينظر 31: ص 6، ج البدائعالكاساين ، : ينظر – )3( . 434: ص 8، ج مواهب الجليلاحلطاب ، : ينظر – )4(

Page 348: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

348

الشبهة من حيث األصل العام للتكليف ميكن أن تكون مؤثرة ، لكن من حيث التفصيل .الفقهي ، فإن األمر خيتلف ، و سيأيت بيان ذلك يف املطلب الالحق

الثانيالفرع بالقواعد ضبطها

و ليس املقصود من هذا الفرع بيان شروط الشبهة ، و إمنا ذكر مجلة من القواعد اليت أنه قد يظن الناظر أن ملوضع : استعملها الفقهاء يف دفع موضع االلتباس الذي مفاده

.الشبهة أثرا كريا يف إسقاط العقوبة ، لكن عند التحقيق يتبني أن لذلك ضابطا :ملت و من القواعد اليت استع ا : )1(قاعدة اعتقاد المقارنة في دفع الحد - 1 و املقصود بذلك أنه ليس كل شبهة يدرأ

احلد ، فقد تكون الشبهة ضعيفة ال يقوم عليها االعتبار ، أو ليس هلا من القوة يف دفع العقوبة ، فالبد أن تكون الشبهة مساوية أو مقارنة للحد ، حبيث يكون هلا األثر القوي يف

. قاط احلد إس .و سيتضح هذا املعىن عند بيان مراتب الشبهة يف الفروع الالحقة

حسبتها امرأيت ، فهذه : ما لو فجر إنسان بامرأة ، فقال : و من تطبيقات ذلك ا احلد ، باعتبار أن احلسبان و الظن ليس دليال شرعيا له يعتمده يف ليست شبهة تدرأ

.اإلقدام على الوطء ف الزفاف ، كمن زفت إليه امرأة غري امرأته فوطئها ، فقد كان هذا الوطء حالال له خبال

. )2(يف الظاهر ، فال يسقط إحصانه ، فاعترب هذا الظاهر يف إيراث الشبهة

. 140:ص 4، ج الفروقالقرايف ، : ينظر – )1( . 150:ص 9، ج المبسوط السرخسي ، : ينظر – )2(

Page 349: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

349

، كما هو األخذ بالشبهة يكون عند موضع التحقيق ال من حيث اعتبار صاحب الشبهة - 2 فصل العلماء يف بيان هذه الشبهة و بيان مراتبها وبيان احلال يف شبهة اجلهل ، و لذلك

.شروطها و ذلك من حيث بيان مراتب اجلهل :فاجلهل يأيت على أربعة مراتب ختتلف فيه األحكام جهل ال تقوم به احلجة ، و هو كل جهل يدخل من ضمن ما ال : المرتبة األولى -

أصول و ، و هو الذي يطرد يف أصول الدين و يعذر االحرتاز عنه ، و ال يكون ذريعة للعفالفقه و بعض أنواع الفروع ، كجهل ما علم من الدين بالضرورة ، أواجلهل بأصل التحرمي

شرط اإلسالم ، فاملسلم و غري بمثل حرمة السرقة و الزنا و القذف ، و هذا كله ال يتقيد . ليت حيرتز منها عادةمور الشائعة ااملسلم سواء ، باعتبار أن ذلك يقوم على األ

و مثله غري املسلم الذي اقرتف جرمية الزنا أو شرب اخلمر ظانا أنه حالل و هو يعيش حتت ظل النظام اإلسالمي ، فال يرفع عنه احلد باعتبار أنه جزء من املسلمني ، و ألن هذه

فال يعتد اجلرائم تقوم حرمتها على الشيوع ، فجرمها يعلمه كل واحد من امللل األخرى ، . )1(ذه الشبهة يف تدفع احلد ، بل االشتباه وقع يف تقصريه يف الطلب فال يعذر

اجلهل يف املواضع االجتهادية ، و هي املواضع اليت وقع فيها اخلالف : المرتبة الثانية - تهدين ، أو تدخل يف دائرة النظر و قيام الربهنة ، كمن قتل و له وليان ، فعفا بني ا

أحدمها عن القصاص ، مث قتله الثاين و هو يظن أن القصاص باق له ، و أنه وجب لكل جهله حصل يف أنار ـاص ، العتبـعنه القص واحد منهم قصاص كامل ، فإنه يسقط

. )2(علم ثبوته فاألصل بقاؤه واجبا في حقه ظاهرا ماموضع االجتهاد ، و

.544و 402: ص 4ج، كشف األسرارالبخاري ، : ينظر - )1( . نفسه و الصفحة نفسهااملصادر – )2(

Page 350: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

350

جهل يكون فيه أسباب العلم غري متوفرة ، و هذه املرتبة فيها تفصيل : المرتبة الثالثة - :مفاده

جهل يتعذر االحرتاز منه ، كحكم احلـاكم يقضي بشهود الزور مع جهله حباهلم ، - أ ا أخته من الرضاعة ، )1(فال إمث عليه يف ذلك ، و كذلك فيمن يعقد على امرأة فتبني أ

. )2(أصله نكاح ، يدرأ عنهما به احلد ، و يلحق الولد فيه: و قد سئل مالك عنه فقال أسباب العلم ، لكن ادعى اجلهل مع وجود مظنته ، كمن ادعى أنه جهل تقوم به -ب

أن ذلك من : وطئ امرأة أجنبية بالليل ظنهـا امرأته ، فمظنة اجلهل موجـودة ، و هي . )3(األمور اليت ال حيرتز منه ، ألن الفحص عن ذلك مما يشق على الناس

اطن اليت مل يبلغها اخلطاب الشرعي ، اجلهل باألحكام الشرعية يف املو : المرتبة الرابعة فاجلهل هنا هو جهل يف أصل احلكم ، يف موضع خفي فيه اخلطاب الشرعي ، فيصري

.، و تقوى الشبهة من هذه اجلهة و يكون هلا اعتبار قوي يف إسقاط احلد )4(اجلهل عذراالذي و القصد من بيان هذه املراتب املختصرة ، إثبات أمر يتعلق بصاحب الشبهة

يدعي اجلهل ظنا منه أن هذا احلال ميلك من القوة ما يدفع عنه العقوبة األصلية سواء كانت حدا أو قصاصا ، فاقتضى األمر التحقيق و التفصيل يف مسألة اجلهل حىت ال

ذه الدعوى ، قال اإلمام الشافعي لو عذر اجلاهل ألجل جهله ، « : تسقط العقوبة

. 155: ص 2ج، الفروقالقرايف ، :ينظر – )1( . 28: ص 2ج، المدونة سحنون ، : ينظر – )2( . 155:ص 2، ج الفروقالقرايف ، : ينظر – )3( . 561:ص 4، ج كشف األسرارالبخاري ، : ينظر – )4(

Page 351: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

351

علم ، إذ كان حيط عن العبد أعباء التكليف و يريح قلبه من ضروب لكان اجلهل خريا من ال .)1(»التعنيف ، فال حجة للعبد يف جهله باحلكم بعد التبليغ و التمكني

، فاخلالف الذي وقع بني الفقهاء يكون شبهة وقوع الشبهة في أصل الحل و الحرمة - 3 يف أصل التحرمي و احلل ، خبالف إذا كان ) اخلالف ( موجبة ملنع احلد إذا كان

اختالفهم يف هل هذا األمر شبهة أم ليس بشبهة ، فهذا ال مينع إقامة احلد ، كما لو .اختلف الفقهاء يف الشيء املسروق ، فهذا ال مينع إقامة حد القطع

الثالثالفرع عفالقوة و الضباعتبار هاأقسام

تبني من خالل الفروع الفقهية أن الفقهاء اعتربوا الشبهة يف بعض املواضع و مل يعتربوها يف البعض اآلخر يف إسقاط العقوبة األصلية ، فتبني أن الشبهة خيتلف اعتبارها حبسب

ا يف مقارنتها للعقوبة .قوذا االعتبار ثالثة أقسام : )2(و قد ذكر القرايف اتفق الفقهاء على اعتبارها يف إسقاط احلدود ، كوجود شركة يف مال يف قويةشبهة - 1

ا ا حد القطع ، أو يسقط حال إذا سرق الشريك شريكه ، فهذه شبهة قوية يسقط .القصاص كظن أحد أولياء الدم أنه له حق القصاص و مل يسمع بالعفو

ا ليس هلا أثر يف إسقاط العقوبة ، : اتفق الفقهاء على إلغائها ، مبعىن شبهة ضعيفة - 2 أا مثل سرقة األجري مال أجريه أو سرقة الصديق مال صديقه ، فهذه شبهة ال يسقط

.احلد بني القوة و الضعف ، و هذا القسم قد كثرت فروعه: ، أي قسم متردد بينهما - 3

. 17: ص 2ج ، المنثور في القواعد الفقهية الزركشي ، : نقال من – )1( . 158: ص 12ج، الذخيرةالقرايف ، : ينظر – )2(

Page 352: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

352

، و فيه تظهر واشتد فيه اخلالف بني الفقهاء حبسب اختالف مآخذهم يف اخلالف االعتبارات اليت اعتربها الفقهاء يف إثبات قوة الشبهة و بيان ضعفها ، بني ترجيح معىن

.العفو من خالل إثبات قوة الشبهة و بني ترجيح العقوبة من خالل بيان ضعفها و من بني تطبيقات هذه املسألة ، اختالف الفقهاء يف تأخري الشهادة هل هي شبهة

تسقط احلد ؟، )1(فمذهب فقهاء الشافعية و املالكية على أن ذلك ال يعد شبهة يف إسقاط احلدود

ا حقوق العامة ، و إقامة الشهادة فيها ما حيقق ذلك : بيان ذلك أن احلدود تعلقت .وحيافظ على مصاحلهم ، فتأخريها ليس له أثر كبري يف إسقاط هذه احلقوق

، ألن الشهادة فيها تضمني حلقوق العباد إلى البواعث صدق األقوال دون النظرفاعتربوا و هذا يتحقق بإقامتها و لو تقادمت ، فرجحوا جانب املصلحة العامة دون النظر إىل

.مصلحة املتهم ، فتبني من خالل ذلك ضعف الشبهة حبسب رأي هذا املذهب أما فقهاء احلنفية فأثبتوا قوة الشبهة من جهة أخرى ، و ذلك من حيث اعتبار البواعث صدق األقوال يقوم على الظهور دون أن : و إن كان ذلك معارض لقاعدة عامة مفادها –

فعندهم تأخري الشهادة عن . لكنهم رجحوا البواعث استحسانا – النظر إلى البواعث: أداء الشهادة حسبة هللا تعاىل ، قال : سقاط احلد ذلك ألن وقتها يعد شبهة قوية إل

) و أن السرت مطلوب شرعا حلديث النيب ) 02:الطالق ، :

املسلم مرتدد بينهما ، فلما مل يشهد ، و) )2 من ستر مسلما ستره اهللا يوم القيامة على اختيار و ترجيح جـانب السرت ، فإذا شهد بعد ذلكعلى فور املعاينة ، دل ذلك

. 56:ص 7، ج األم الشافعي ، : و ينظر ، 286:ص 16، ج المدونةسحنون ، : ينظر – )1( .سبق خترجيه – )2(

Page 353: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

353

. )1(قويت مظنة الضغينة اليت محلته على الشهادة ، فال تقبل استحساناو هناك من الفقهاء من اعترب قوة الشبهة من جهة مظنة التوبة ، و هي حجة ابن أيب

أن املقصد األصلي للعقوبات هو الزجر ، و يكون ذلك بتنفيذها حاال : ليلى ، ومفادها حىت إذا تأخرت عن و قتها فقد يتوب اجلاين ، فيذهب ذلك معىن الزجر فال فائدة يف

. )2(إقامتها .مثل ذلك مسألة الزىن باملكرهة و ادعى أحدمها النكاح دعوى أحدمها : فمذهب فقهاء احلنفية على أن ذلك شبهة تسقط احلد ، و وجه ذلك

. )3(النكاح فيه احتمال أن يكون صادقاو ميكن أن يرد على ذلك تبيينا ضعفها على أن جمرد دعوامها أو دعوى أحد منهما

الناس بدعواهم لو يعطى : قال احلد حلديث ابن عباس أن النيب النكاح ال يسقط

، و هذا ألن كل ) )4 دماء رجال و أموالهم و لكن اليمين على المدعى عليهناس الدعى زان ال يعجز عن دعوى نكاح صحيح أو فاسد ، فلو أسقط احلد مبجرد الدعوى لسد

. )5(باب إقامة احلدفيتبني من خالل عرض املسألتني، أن الفقهاء رجحوا معىن العفو من خالل إثبات قوة

ا ال تقـارن باحلد، لكن هذا الشبهة، و رجحوا العقـوبة من خالل تضعيفها و على أ .الرتجيح كان مبنيا على اعتبارات معينة سبق ذكر بعضها عند عرض املسألتني

. 116:ص 9 ، المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )1( .نقال من املصدر نفسه و الصفحة نفسها – )2( . 87: ص 9ج املصدر نفسه ، : ينظر – )3( .3228: كتاب األقضية ، رقم صحيحهأخرجه مسلم يف – )4( . 188: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : نقال عن – )5(

Page 354: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

354

أنه إذا ترددت الشبهة بني القوة : م يف هذا املقـام و هو و ال بد من التنبيه إىل أمر مه إذا تردد الفقيه بني ترجيح جانب العفو من خالل إثبات قوة الشبهة ، : والضعف أي

وبني ترجيح العقوبة من خالل إثبات ضعفها ، استعمل أدوات أخرى قد تكون قواعد ا أو ضعفها .أصولية أو قواعد فقهية إلثبات قو

.الف إذا ثبت قوة الشبهة أو ضعفها من خالل قيام األدلة الشرعية على ذلكخب .و سيأيت بيان ذلك يف الفروع الالحقة

الرابعالفرع على العقوبة الشبهة تقسیم أثر

من اآلثار اليت حصلت من خالل تقسيم الفقهاء للشبهة من حيث القوة و الضعف ما : يلي

.الشبهة الضعيفة ، هي الشبهة اليت تسقط العفو و ترجح العقوبة - الشبهة املرتددة بني القوة و الضعف ، فهذه شبهة خيتلف حكمها حبسب مآخذ -

.الفقهاء ، و األمر فيه اجتهاد :الشبهة القوية ، و هي الشبهة اليت تسقط العقوبة األصلية ، لكنها على قسمني - ا تسقط : أحدهما شبهة قوية ترجح العفو بإسقاط العقوبة األصلية و التبعية ، مبعىن أ

:احلد أو القصاص و تسقط التعزير ، و يرتتب على ذلك ا متحو وصف اجلرمية ، فال يكون فاعلها قد ارتكب جرما ، كمن أخذ مال ابنه ، - 1 أ

.أو دخل يف نكاح اختلف فيه ا تسقط العقوبة التع - 2 زيرية ، فال حد و ال تعزير ، ألن وصف اجلرم زال ، فال معىن أ

.للعقاب

Page 355: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

355

ا ال تسقط حقوق العباد ، فمثال - 3 إذا : إذا كانت يف فعل يشرتط فيه اخلصومة ، فإسقط حد السرقة بشبهة قوية ، فإن رد املال واجب ، و بالنسبة للزنا ، فمن دخل على

ا زفت إليه و كانت شبهة قوية ، فإنه يرتتب على ذلك تثبيت النسب امرأة يظنها أ .ووجوب العدة و يرتتب عليها مجيع أحكام النسب و العدة

شبهة قوية تسقط احلد ، لكن ال تسقط العقوبة التعزيرية ، و ال متحو وصف : ثانيها - .اجلرم ، كسرقة الضيف مضيفه ، وكل ما يدخل يف معىن االختالس عموما

الثانيالمطلب ـراهـضبط اإلك

و فيه بيان اإلكراه املعترب يف إسقاط العقوبة ، و أثره على اجلرائم املختلفة ، و بعض التطبيقات الفقهية اليت تتضح من خالهلا موازنة الفقهاء بني اإلكراه الذي هو يف حمل العفو

. و بني اإلكراه الذي ال يسقط العقوبة

الفرع األول المعتبر في إسقاط العقوبةاإلكراه

املالحظ من خالل الفروع الفقهية اليت تتعلق مبسألة اإلكراه على فعل اجلرائم ، أن

الفقهاء اعتربوه يف معىن العفو من ناحية األصل العام للتكليف ، و قد استدلوا على ذلك اية ، وعلى رو ))1 رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه حبديث

ا فقهاء احلنفية قوله ، ))2 عفوت عن أمتي الخطأ و النسيان :أخرى استدل و هذا

. 2045: ، كتاب الطالق باب طالق املكره ، رقم السننأخرجه ابن ماجة يف – )1( . 190: ص 6، ج بدائع الصنائعذكره الكاساين يف – )2(

Page 356: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

356

دل على لـزوم أن يكـون حكم ما استكره عليه عفوا ، باعتبـار أن املكره ال يقصد . )1(بالتصرف ما وضع له ، إمنا يقصد دفع املضرة عن نفسه

.فدل ذلك على أن رفع املؤاخذة عن املكره إمنا هو من قبيل العفو لكن يف املقابل ، مل يعتربوا اإلكراه مسقطا للعقوبة بأي حال ، و ال ترفع عن املكره

املؤاخذة ، و مل يسقطوا عنه تبعة جرائمه ،و ألزموه العقاب عن أفعاله خاصة مبا يتعلق .ة اإلكراه باجلرائم اليت ارتكبها حتت وطأ

هذا التفريق بني اإلكراه الذي يسقط العقوبة و يكون شبهة يف حمل العفو ، و بني اإلكراه :الذي ليس له أثر يف إسقاطها ، كان مبنيا على االعتبارات التالية

.)2(أن أصل احلكم يف حقيقته يتعلق بفعل فاعل خمتار ، فجاز تكليف املكره عقال - 1 كل فعل تسبقه داعية النفس ، فإن حكم اإلكراه خيتلف حبسب اختالف أنه إن كان - 2

.الدواعي رمة ، إن كانت فكان من آثار ذلك ، اختالف حكم اإلكراه باختالف األفعال ا

.قتال أو ارتكاب حد من حدود اهللا تعاىل ، كالزىن و السرقة و شرب اخلمر و الردة كراه على الزىن أو على السرقة أو على الردة ، فيختلف فاإلكراه على القتل ليس كاإل

.احلكم باختالف اجلرمية املرتكبة مث إن الفقهاء نظروا إىل اإلكراه ، فرأوا أنه يأيت على أنواع ، فمنه اإلكراه التام - 3 ، فأصبح هذا التقسيم أصال من األصول ) غري امللجئ ( و منه اإلكراه الناقص ) امللجئ (

.تمدة ملعرفة حقيقة اإلكراه ، و قد بسط ذلك يف كتب أصول الفقه املع

.املصدر نفسه و اجلزء و الصفحة نفسها – )1( . 203:ص 1، ج اإلحكاماآلمدي ، : ينظر – )2(

Page 357: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

357

فرأوا أن اإلكراه املعترب يف إسقاط العقوبة و الذي هو يف حمل العفو هو اإلكراه التام أو أن يكون املكره قادرا على إيـقاع ما هدد به من: اإلكراه امللجئ ، و املقصـود به

. )1(الإتالف لنفس أو عضو أو إتالف م ، و إن كان )2(و املعترب يف معرفة اإلكراه التام من اإلكراه الناقص هو غلبة الظن - 4

فقهاء احلنفية قد ضبطوا ذلك بإكراه السلطان و املتغلب على أنه هو اإلكراه التام باعتبار م يؤثرون تأثريا كبريا على األحكام ، إال أن ذلك خيتلف باختالف العصر ، يقول العيين أ

كراه فالسلطان كان يف زمنه قوة و غلبة حبيث ال يتجاسر أحد على إ« من فقهاء احلنفية .)3(»غريه ، و يف زماننا ظهرت القوة لكل متغلب

أن املكره يقع يف: و األساس الذي يقوم عليه الرتخيص يف مسألة اإلكـراه هو -5 . )4(موازنة بني دفع الضرر الكثري عن نفسه بالضرر اليسري الذي يناله غريه بفعله خبالف إذا كان الضرر الذي ينال غريه كبريا كحال اإلكراه على القتل أو حىت اإلكراه

.على الزىن ، فيتساوى طرفا الضرر بناء على ما تقرر من االعتبارات السابقة ، ميكن اخللوص إىل أن الفقهاء قد وازنوا بني

ىن العفو ، و بني اإلكراه اإلكراه الذي يكون شبهة مؤثرة يف إسقاط العقوبة و يدخل يف مع .الذي تتقرر معه العقوبة فال تسقط بأي حال

الفرع الثاني على الجرائم المختلفة هأثر

79-78: ص 24ج، المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )1( ، ) م 1995: دار الكتب العلمية ، بريوت ( 1، ط القواعد الفوائد األصوليةابن اللحام ، : ينظر – )2(

. 14:ص . 270:ص 6ج ، البناية شرح الهدايةالعيين ، – )3( .ينظر إىل املراجع السابقة – )4(

Page 358: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

358

املعترب يف هذا الفرع هو اإلكراه التام و ليس اإلكراه الناقص ، فالذي عليه االتفاق بني

.الفقهاء أن اإلكراه الناقص ال يسقط احلد و ال القصاص

و لقد فصل علماء األصول يف بيان أثر اإلكراه على اجلرائم املختلفة تفصيال يتناسب مع :كل جرم ، و خيتلف هذا التأثري باختالف اجلرم الذي اقرتفه اجلاين ، و ملخص ذلك

إكراه تام يسقط العقوبة و ليس فيه مؤاخذة ، كمن أكره على شرب اخلمر ، فهذا - 1 أن الضرورة حتول احملظور إىل مباح بل إىل : رة ، و تقرر شرعا املوضع هو موضع الضرو

:واجب يف حالة خمافة تفويت النفس و تفصيل ذلك ، و لكن بعض الواجبات العينية )1(أن اإلكراه من ناحية الشرع ال يسقط التكليف

يرتك شربه تصبح باإلكراه خمرية ، فإن شارب اخلمر قبل اإلكراه واجب عليه وجوبا عينيا أن من غري ختيري ، فأصبح حتت وطأة اإلكراه خمري بني واجبني ، واجب احملافظة على النفس و

حفظ األبدان مقدم واجب االمتناع عن احلرام ، فأصبح يف حقه حمظورا مباحا ، باعتبار أن .بتقرير من الشرع على حفظ األديان

لكن يرخص للمكره الواقع حتت إكراه تام يسقط العقوبة و ال يسقط النهي ، و - 2 .التهديد الشديد القيام باملنهي عنه ، كالنطق بكلمة الكفر أو االعتداء على مال الغري

فالنهي ما زال قائما ، و الكفر أو االعتداء على مال الغري ال حيتمل اإلباحة حبال ، صة كان هلا األثر يف فاجلرمية قائمة ، إال أن املؤاخذة سقطت بوجود اإلكراه ، و أن الرخ

، و لقد جعل الشارع احلكيم الفعل )2(تغيري حكم الفعل ال يف تغيري وصفه و هي احلرمة : يف هذا املوضع الذي هو حتت تأثري اإلكراه عفوا ، قال

. 641:ص 4، ج كشف األسرارالبخاري ، : ينظر – )1( . 161: ،ص) منشورات جامعة دمشق ( 4الثاين ، ط، القسم فقه المعاوضاتديب البغا ، : ينظر – )2(

Page 359: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

359

) 106-105: النحل ، اآلية . (

ذة األخروية ، فال يباح بأي حال بل املكره يف ذلك آمث تام يرتتب عليه املؤاخإكراه -3 ، أما من ناحية املؤاخذة الدنوية و اليت تكون بالعقوبة ، فقد اختلفت فيه مآخذ الفقهاء ،

.كاإلكراه على القتل أو اإلكراه على الزنا ألة من خالل التطبيقات و ستتضح موازنة الفقهاء بني العقوبة و العفو يف هذه املس

.املوالية الفرع الثالث

تطبیقات المسألة

من تطبيقات املسألة اليت توضح كيف وازن الفقهاء بني اإلكراه الذي يسقط العقوبة .اإلكراه على القتل و اإلكراه على الزنا : وبني اإلكراه الذي ال يسقطها

ذين املثالني باعتبار أن ا أن الزنا يف حقيقته يعترب قتال ، : حملل واحد مبعىن و إمنا اكتفينا باعتبار و لد الزنا هالك حكما لعدم من يربيه ، فال )1(ألن فيه قتل النفس بضياعها

ا من هذه اجلهة .يستباح بضرورة ما كالقتل ، فتشا . اإلكراه على القتل: المسألة األولى - الذي عليه مجهور الفقهاء على أن اإلكراه على القتل ال يسقط العقوبة ، لكنهم اختلفوا

.على من توقع العقوبة على املباشر أم على اآلمر و احلامل :و قد ذكر ابن رشد أن يف املسألة ثالثة مذاهب

. 137: ص6ج ،رد المحتار على الدر المختارابن عابدين ، : ينظر – )1(

Page 360: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

360

مذهب يرى أنه يقتل قصاصا اآلمر دون املباشر ، و هو الراجح عند فقهاء احلنفية ، -أ

. )1(وهوأحد قويل الشافعية .)2(ذهب يرى قتل املباشر دون اآلمر ، و هو أحد قويل الشافعية م -ب . )3(مذهب يرى قتلهما مجيعا ، و به قال املالكية - ج :ووجه كل مذهب أن اختياره كان فاسدا ، فلم يرتتب عليه شيء من حكم القتل : ذهب األولفوجه الم -

اقطع يدي فقطعهما كان آمثا : ، و ال يدل لزوم اإلمث على بقاء احلكم ، كما لو قال لغريه . )4(وال شيء عليه من حكم القطع ، بل جيعل كأن اآلمر فعل بنفسه

ألن اإلكراه يراد يف املكره داعية القتل أنه يقتص من اآلمر ،: ووجه المذهب الثاني - . )5(غالبا له ، ليدفع اهلالك عن نفسه و قد آثرها بالبقاء

. )6(ملباشرته) بالفتح(لتسببه ، و املكره ) بالكسر(يقتل املكره : و وجه المذهب الثالث - :و مآخذهم في ذلك ها من ال اختيار له ، فالذي أسقط القصاص عن املباشر دون اآلمر ، فذلك تشبي

ولفساد اختياره مل يكن عليه شيء من حكم الفعل ، فكان مبثابة املعفو عنه فيمن ال .اختيار له

4ج ، ، أسنى المطالبابن زكريا األنصاري : و ينظر ، 648:ص 4ج ، كشف األسرارالبخاري ، : ينظر – )1(

. 8-7: ص . 8-7:ص 4، ج المطالبأسنى ابن زكريا األنصاري ، : ينظر – )2( . 22-21:ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ، : ينظر – )3( . 648: ص 4ج ، كشف األسرارالبخاري ، : ينظر – )4( . 8-7: ص 4، ج أسنى المطالب ابن زكريا األنصاري ، : ينظر – )5( . 23:ص 9ج ،) ت .ب: ، بريوت دار الفكر( منح الجليل شرح مختصر خليلعليش ، : ينظر – )6(

Page 361: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

361

.و أما الذي أسقط العقوبة عن اآلمر دون املباشر فتغليبا جلانب االختيار فيه ملباشر ، و أما الذي أقام العقوبة عليهما مجيعا ، فكذلك غلب جانب االختيار يف ا

وهذا باعتبار أن املكره مرتدد بني جهة االختيار و جهة املضطر املغلوب ، أما من جهة .اآلمر فهو املتسبب لذلك

لكن الذي يهم يف هذه املسألة هو املباشر و ليس اآلمر باعتبار أن فعل القتل حقيقة أتى .من املباشر

ألة ، أن بعض الفقهاء أقاموا عليه فالظاهر مما تقدم من عرض التفصيل الفقهي للمس القصاص و بعضهم اآلخر أسقط عنه القصاص ، و التوجيهات و املآخذ السابقة كانت

: مبنية على التفصيل اآليت من نظر إىل القصاص كونه عقوبة ، فإن ذلك يستدعي جناية كاملة ، واملباشر قد -أ

.هر ، فكان العفو أوىل من العقوبة نقص اختياره ، ومع نقصانه نقصت اجلناية و هذا ظاو من نظر إىل القصاص كونه عوض ، فإن ذلك يستدعي إتالف نفس مقابل ذلك -ب

.، اعترب املباشر قاتال ، فرتجحت العقوبة من هذه اجلهة .اإلكراه على الزنا : المسألة الثانية الراجح عند فقهاء احلنفية و الصحيح عند فقهاء الشافعية أن املكره على الزنا ليس عليه

رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا :حد،واستدلوا على ذلك حبديث

))1. عليهأن اإلكراه على الزنا متصور : و التوجيه الفقهي لدرء احلد عن املباشر يف هذه املسألة

تشار تقتضيه الطبيعة عند املالمسة ، و هو دليـل مرتدد ، ألنه قد يكـون من غري فاالن

.سبق خترجيه -)1(

Page 362: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

362

قصد ، فقد يكون االنتشار طبعا ال طوعا كما يف النائم ، و هلذا الرتدد أورث يف املوضع

ا احلد .)1(شبهة قوية سقط

أما بالنسبة للمرأة ، فإنه مل يوجد منها فعل الزنا ، بل املوجود هو التمكني ، و قد خرج .)2(من أن يكون دليل الرضا باإلكراه ، فيدرأ عنها احلد

: الحاصل من المسألتين

فالفرق بني املسألتني ، أن اإلكراه على القتل ال يسقط العقوبة ، فالعقوبة ثابتة إما أو اآلمر على اختالف الفقهاء يف ذلك ، أما الزنا فالظاهر عند املذاهب الفقهية للمباشر

م يسقطون العقوبة باإلكراه و جيعلون ذلك عفوا زيادة على املذهب احلنفي و الشافعي ، أ .لتمكن الشبهة يف ذلك

: و هذا يقتضي ما يلي

كاإلكراه على من حقوق اهللا أن اإلكراه التام على األفعال إن كان يتعلق به حق -1 شرب اخلمر أو الزنا ، فإن له تأثري يف إسقاط احلد ، خبالف إن كان يتعلق به حق من حقوق العباد ، كالقتل ، فال خالف أن اإلكراه ليس له تأثري يف إسقاط العقوبة ، بل

.)3(العقوبة ثابتة على اآلمر و إن كان هناك اختالف يف املباشر

، و دواعي العفو فيها قوية لتمكن مبنية على المسامحة حقوق اهللا فاألول باعتبار أن .الشبهة

. 188:ص 4ج ، مغني المحتاجالشربيين ، : و ينظر ، 270:ص 6، ج البناية شرح الهدايةالعيين ، : ينظر – )1( . 187:ص 6ج ، البدائعالكاساين ، : ينظر – )2( . 313:ص 5ج، مواهب الجليلاحلطاب ، : ينظر – )3(

Page 363: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

363

.و دواعي العقوبة فيها قوية حقوق العباد مبنية على المشاحةأما الثاين فاعتبار أن

مطلب الثالث التأویل الفاسد

ليس املقصود من املطلب البحث عن التأويل األصويل الذي يستفاد من داللته معرفة مقصود األحكام ، و إمنا بيان أثر التأويل الفاسد الذي اتفق الفقهاء على فساده من

و ذلك خالل تصرف الصحابة رضي اهللا عنهم يف الوقائع اليت حدثت بعد وفاة النيب :يف موضعني مشهورين

ترجيح جانب العقوبة على شارب اخلمر املتأول ، و قد جاء نص الواقعة - : أحدهما ما حملك على :أن قدامة بن مظعون شرب اخلمر ، فقال له عمر : كما يلي

: إن اهللا تعالى يقول: ذلك ، فقال

) و إني مهاجر من أهل بدر و أحد ، فطلب عمر ، ) 93:املائدة

إنما أنزلها اهللا تعالى عذرا للماضين لمن شربها : من الصحابة أن يجيبوه ، فقال ابن عباس

: قبل أن تحرم ، و أنزل

) حجة على الناس ، ) 90: املائدة

.) )1 إنك أخطأت التأويل يا قدامة إذا اتقيت اجتنبت ما حرم اهللا عليك: و قال عمر

: ، كتاب األشربة و احلد فيه ، باب من وجد منه ريح شراب ، رقم السنن الكبرىأخرجه البيهقي يف – )1(

. 315:ص 8، ج 17970

Page 364: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

364

احلد على قدامة ، و مل يشفع له أنه بدري أو مغفور و قد أقام عمر بن اخلطاب ال تسقط احلدود الواجبة يف الدنيا ، و قد يستدل به على له،فتبني أن املغفرة من اهللا

.التوبة ليس هلا أثر يف إسقاط العقوبة بأي حال أنفهذا نوع من التأويل مل يعترب يف إسقاط العقوبة ، ألنه ال يقارن به يف درء احلد ، و ال

ت بأدلة و اليت ثبت ميكن أن يكون شبهة ، و لعل أن احلدود اليت هي حقوق اهللا اإلثبات القاطعة ، اكتسبت من القوة يف تنفيذها و ضرورة العقوبة فيها ، حبيث مل تؤثر فيها أسباب الصالح كالتوبة و االستغفار اليت فيها داللة على حتقق معىن الزجر يف اجلاين

.فهناك فرق بني توبة اجلاين قبل الظفر عليه و بني التوبة بعد الظفر فإن الشرع مل يعط اعتبارا لشخصية اجلاين عند حتقق إثبات اجلرمية ، و من جهة أخرى

خاصة إذا ادعت هذه الشخصية اجلهل املكسو بثوب التأويل الفاسد ، و إمنا أكد على .متكني العقوبة و تنفيذها ،و حذر من عواقب تعطيلها

على احلاكم بتأويل خروج طائفة: مااتفق عليه الفقهاء يف قضية البغي ، و هو : ثانيها - يبيح هلم ذلك يف نظرهم ، فهذا تأويل فاسد باالتفاق و يعترب بغيا ال خيرج أصحابه عن

. )1(امللة و ال يكفرون و إمنا هم مسلمون : و قد نقل يف مسألة معاقبة البغاة مذهبان ال يضمن إذا ما ذهب إليه فقهاء احلنفية و املالكية ، أن ما أتلفه من مال أو نفس - .قدر عليه .ما ذهب إليه فقهاء الشافعية على أنه يضمن -

: ، حتقيق جامع األمهاتابن احلاجب ، : و ينظر ، 129:ص 6، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )1(

:و ينظر ، 335:،ص) م 2004: دار الكتب العلمية ، بريوت ( 1أيب الفضل بدر العمراين ، ط . 46:ص 10ج ، المغني ابن قدامة ، : و ينظر ، 163:ص 4، ج مغني المحتاجالشربينين ،

Page 365: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

365

أن هلم يف االستحالل تأويال يف اجلملة و إن كان فاسدا ، لكن : فوجه المذهب األول

. )1(هلم منعة ، و التأويل الفاسد عند قيام املنعة يكفي لرفع الضمان كتأويل أهل احلربأن الباغي جان يستوي يف حقه وجود املنعة و عدمها ، ألن : انيو وجه المذهب الث

. )2(اجلاين يستحق التغليظ دون التخفيف .)3(لكن األظهر عند الشافعية عدم الضمان يف حال القتال لضرورة .و قد اختلفت الروايات يف ذلك يف كال املذهبني و كثرت ، لسبب يتعلق بفقه التنزيل هل إذا ظفر باخلارجني عن احلاكم ، ينزلون منزلة احملارب أم منزلة : و أقصد بذلك

.البغاة ا فاملسألة حتتاج إىل تفصيل فقهي على طريقة فقهاء الشافعية ، ألن طريقتهم قد أخذ

.املذاهب األربعة الشوكة و : مها فيشرتط فقهاء الشافعية يف البغي اجتماع أمرين حىت يسمى الفعل بغيا و

م وغلبتهم . التأويل ، و يقصد بالشوكة املنعة على رأي فقهاء احلنفية و املالكية ، تربز قواالعتقاد جبواز اخلروج على احلاكم ، فإن خالف من غري تأويل : و التأويل املقصود هو

. )4(كان معاندا للحق

. 335:ص جامع األمهاتابن احلاجب ، : و ينظر ، 129:ص 6، ج بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )1( . 163:ص 4، ج مغني المحتاجالشربينين ، : ينظر – )2( .و الصفحة نفسها نفسه املرجع : ينظر – )3( . 160: ص 4، ج مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )4(

Page 366: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

366

لة ينزلون منزلة قاطع الطريق ، فيضمنون و فإن كانوا بال شوكة و ال منعة ، ففي هذه احلا م ألنه لو أسقط جتري عليهم أحكام قاطع الطريق يف العقوبة ، فال عفو عنهم عند الظفر

نفس أو مال تريد إتالف عليهم الضمان يف هذه احلالة، مل تعجز كل فرقة .)1(أن يدعي تأويال و تفعل من الفساد ما تشاء ألقوا السالح ، فإن دمائهم و أمواهلم معصومة ، و يرى القرطيب يف فإذا تبني بغيهم و

: تفسري كلمة العدل يف قوله

) ومن ) 9:احلجرات ،

.)2(العدل يف صلحهم أال يطالبوا مبا جرى بينهم من دم و ال مال ، فإنه تلف على تأويل

مع البغاة عند –رضوان اهللا عليهم –ذه املسألة كيف تصرف الصحابة فانظر إىل ه م ، و هذا ليس فيه دليل على سقوط العقوبة عنهم ، م و حكموا بعدم ضما الظفر وإمنا الذي يلتمس من ذلك أن الصحابة مالوا إىل العفو يف حكمهم أكثر من ميلهم إىل

م يف جانب العقوبة ، فاملعول مما نقل من سرية اخللفاء الراشدين مع تعاملهم مع البغاة ، أم مل يتبعوا مدبرا و ال ذففوا على جريح و ال قتلوا أسريا ، وال ضمنوا نفسا وال حرو

. )3(ماال

. 163:ص 4ج ،املرجع نفسه : ينظر – )1( . 227-226: ص 16ج، الجامع ألحكام القرآن، القرطيب : ينظر – )2( . 227:ص 16جاملصدر السابق ، : ينظر – )3(

Page 367: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

367

، ذلك شرب اخلمر ) املتأول يف شرب اخلمر ( و األمر يف حقيقته خبالف املوضع األول بعفو أو شفاعة ، و ال ميكن أن تسقط حقوق اهللا إمنا هو حق من حقوق اهللا

.حاكم أو حمكوم كما تقرر سابقا و لذلك حىت مسألة البغـي ، فإن الذي تقرر فقها أن البـاغي إذا ارتكب جرائم ال تقتضيها طبيعة املغالبة ، فإنه يعاقب حبسب اجلرم إن كان شرب اخلمر أو الزنا عقوبة

. )1(بأي حال أصلية ، وال يعفى عنهأما إذا اقرتف الباغي من جرائم تقتضيها مقتضيات احلرب و املغالبة ، فالغالب أن

التأويل يف هذا املوضع معترب ، ألن املسألة تدخل ضمن سياسة األمم اليت تقوم على اعتبار املصاحل ، خاصة إذا كان األمر يتعلق مبصلحة األمة ، فكان من آثار ذلك ، أن سلك يف

لبغاة مسلك العفو حبسب ما يراه احلاكم ، مراعاة ملبدأ األصلح هلم ، ألن يف ذلك امصلحة راجحة على مصلحة العقوبة ، فإن سقوط الضمان يف الباغني قطع الفتنة

.)2(واجتماع الكلمة ، و يف طلبهم تنفري هلم عن الصلح يف مســـألة البغـــاة ال يـــدل فـــإن القـــول برتجـــيح جانـــب العفـــو : لكـــن ال بـــد مـــن تنبيـــه مفـــاده

علــى ســقوط العقوبــة بالكليــة ، فقــد يعاقــب احلــاكم البغــاة معاقبــة تعزيريــة خاصــة إن علــم أن م هلم فئة ينحـازون إليهـا ، فـاألمر لـيس بالسـهل و إمنـا يـوازن احلـاكم مـن أهـل العـدل يف شـأ

. )3(حبسب مصلحة األمة

. 163: ص 4ج ، مغني المحتاجالشربيين ، : ينظر – )1( . 227:ص 16، ج ، الجامع ألحكام القرآن القرطيب :و ينظر ، املرجع السابق نفسه: ينظر – )2( . 127:ص 6ج ، بدائع الصنائعالكاساين ، : ينظر – )3(

Page 368: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

368

Page 369: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

369

المبحث األول تنزیل الحاجة منزلة الضرورة

الحاجة التي تنزل منزلة و فيه بيان منزلة الضرورة مقارنة مع منزلة احلاجة ، وما هي واليت من خالهلا رجح الفقهاء العفو على العقوبة ، و تطبيقات ذلك من خالل الضرورة

. تصرف خليفة املؤمنني عمر بن اخلطاب

المطلب األول منزلة الضرورة

يف حقيقة األمر أن احلاجة دون منزلة الضرورة من حيث املعىن الذي وضعت له و من .حيث الرتتيب األصويل عند موضع التعارض

فمن حيث املعىن فالفرق بينهما ، إن كانت حالة جهد و مشقة ترتبت على ذلك حرج .و ضيق ، فإن هذه املنزلة هي منزلة احلاجة دون الضرورة

رتتيب األصويل ، فاملعلوم أن الضروريات هي أعلى مراتب املقاصد ، تعترب من حيث ال ، ألن تحصيل األصل أولى باالعتبارمبثابة األصل للحـاجيات اليت تعترب مكملة هلا ، و أن

ا ا كاملساعد ، فإذا عـارضته سقط حفظ املصلحة يكون باألصل ، و غاية املكملة أ ن حفظ املهجة مهم كلي و حفظ املـروءات مستحسن ،أ: االعتبار ، و بيـان ذلك

فحرمت النجاسـات حفظا للمروءات ، فإن دعت الضرورة إىل إحيـاء املهج بتناول . )1(النجس ، كان تناوله أوىل باالعتبار

11:ص 2ج ، الموافقاتالشاطيب ، : ينظر – )1(

Page 370: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

370

و األرذل فاألرذل عند الدفع درء األفسد فاألفسدو ضابط العمل بالضرورة ، مراعاة ، و قد تقدم من األمثلة يف مطلب اإلكراه ما يثبت ذلك ، كاإلكراه )1(واجتماع املفاسد

على القتل ، فيلزمه أن يدرأ مفسدة القتل بالصرب على القتل ، ألن صربه على القتل أقل مفسدة من إقدامه عليه ، فيقدم درء القتل بالصرب على القتل ، و من أكره على شرب

صة سوى اخلمر ، فإنه يلزمه الشرب حفظا حلياته اخلمر أو غص و مل جيد ما يسيغ به الغو إذا اضطر إىل أكل مال الغري كله كان له ذلك ، ألن فوات النفس أعظم من إتالف مال

. الغري و أن حفظ احلياة أعظم يف نظر الشرع من رعاية احملرمات ا ليست يف مرتبة واحد : ة ، مبعىنفاملالحظ من خالل ما تقدم ، أن الضرورة يف حد ذا

أنه ال تراعى ضرورة إال و قد مت اإلخالل بضرورة أخرى عند التعارض ، فهي مراتب ختتلف ا ، مبين على املوازنة بني ما هو األهم من املهم من مراتب باختالف اهتمام الشرع

.الضرورة

المطلب الثاني تغلیب الحاجة على الضرورة الحقیقیة

ا املعلوم أن الشارع احلكيم اعتىن باحلاجيات عناية تقرب عنايته بالضروريات ، باعتبار أا هو يف حقيقته إخالل بالضرورة .مكملة هلا ، و أن اإلخالل

أن املكلف إذا و قع موقع املخمصة و : ، مبعىن الضرورة تستوجب كمالهاو لذلك ، فإن ذلك جلب اليسر و رفع احلرج ، و يباح احملظور ويرتك احلاجة الشديدة استوجب لكمال

.الواجب

. 79:ص 1، ج ، قواعد األحكامالعز بن عبد السالم : ينظر – )1(

Page 371: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

371

و قد تقرر أن الشارع جعل أسبابا يف حقيقتها هي مصاحل للعباد تدخل ضمن احلاجيات ، قد رغب يف تقدميها عند وجود الضرورة ، فنجد أن الشارع احلكيم شرع مع القصاص

.الذي فيه حفظ النفوس العفو و ندب إليه

عل أسبابا أخرى تعترب أعذار طارئة يتحقق معها حصول التخفيف و رفع احلرج ، و و ج .لذلك كانت الرخص سببا يف تقدمي احلاجة على الضرورة استثناءا

الحاجة إذا عمت أو خصت كانت فتقرر عند علماء القواعد الفقهية و علماء األصول أن . )1(تغلبها، و أن احلاجة تنزل منزلة الضرورة و كالضرورة

م ذا التنزيل ، فقد وجد من خالل أعمال اخللفاء الراشدين أ و قد تأثر النظام العقايب قدموا العفو على العقوبة عند احلاجة و إنزاهلا مرتبة الضرورة رغم وجود أدلة اإلثبات ، و

.الرمادة يظهر جليا يف رفع أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب حلكم القطع يف عام ذلك

المطلب الثالث تطبیقات المسألة

يف عـام الرمـادة ، من تطبيقـات املسألة ما فعله أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب عن يحي بن عبد الرحمن بن حاطب ، أن رقيقا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من : ونص الواقعة هو

يقطع أيديهم ، ثم مزينة ، فانتحروها ، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب ، فأمر عمر كثير بن الصلت أن و اهللا ألغرمنك غرما يشق عليك: أراك تجيعهم ، ثم قال : قال عمر

)2(.

، األشباه و النظائرالسيوطي ، : و ينظر ، 24: ص 2ج، ، المنثور في القواعد الفقهية الزركشي:ينظر – )1(

. 117:ص . 1431: ، كتاب األقضية ، باب القضاء يف الضواري و احلريسة ، رقم موطئهأخرجه مالك يف -)2(

Page 372: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

372

: لقطع نفذ ، و إمنا كان عمر أمر بقطعهم ، مث قال غلط من ظن أن ا« : قال الداودي ، مث أمر بصرفهم و مل يقطعهم ، و عذرهم اجلوع ، و هذا معلوم من سرية أراك تجيعهم

. )1(»عمر عام الرمادة ، فإنه مل يقطع سارقا اعة أو عند احلاجة الشديدة ، و به قال و قد أفىت فقهاء احلنابلة بعدم قطع يد السارق

. )2(ابن حزم الظاهرياعة تغلب على الناس : و مأخذهم يف ذلك حمض القياس و مقتضى الشرع ، ألن ا

احلاجة ، فال يكاد يسلم السارق من حاجة تدعو إىل سد رمقه ، يكثر فيها احملاويج واملضطرون ، و ال يتميز املستغين منهم و السارق لغري حاجة مع غريه ، فاشتبه من جيب

ا احلدعلي . )3(ه احلد مع من مل جيب عليه ، فأضحت الشبهة شبهة قوية سقط :و تصرف أمري املؤمنني كان مبنيا على الشرع ، فقد تضافرت األدلة على ذلك منها –سمعت عباد بن شرحبيل : ما أخرجه ابن ماجة عن أيب بشر بنت إياس قال - 1

رجلحائطا من حيطانها ، فأتيت صابنا عام مخمصة ، فأتيت المدينة أ: قال –ر من بني غب

فجاء صاحب الحائط ، فضربني و أخذ ففركته و أكلته و جعلت في كسائي ،فأخذت سنبال ، و ساغباما أطعمته إذا كان جائعا أو : فأخبرته ، فقال للرجل ثوبي ، فأتيت رسول اهللا

فرد إليه ثوبه و أمر له بوسق من طعام أو نصف وسق العلمته إذ كان جاهال ، فأمره النبي

)4(.

. 444-443: ص 7، ج ، المنتقى شرح الموطأالباجي : ينظر – )1( . 343: ص 1ج ، المحلى ابن حزم ، : و ينظر ، 281:ص 10ج ، المغني ابن قدامة ، : ينظر – )2( . 12: ص 3ج ، إعالم الموقعينابن قيم اجلوزية ، – )3( . 2289: ، كتاب التجارات ، رقم السننأخرجه ابن ماجة يف -)4(

Page 373: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

373

أنه سئل عن رسول اهللا –رضي اهللا عنهما –حديث عبد اهللا بن عمرو بن العاص -2 اجة غير متخذ خبنة ـاب بفيه من ذي حـمن أص: لق ، قال ــعن التمر المع

فال شيء عليه )1(.

.)2(»إذا أخذ احملتاج بفيه لسد فاقته فإنه مباح له « : قال الصنعاين شارحا للحديث يف التعامل مع مطابقا لسنة رسول اهللا » أراك تجيعهم« و لعل قول عمر بن اخلطاب

إخوانكم خولكم ، جعلهم اهللا تحت أيديكم ، : قال الرقيق ملا روي أن رسول اهللا و ال تكلفوهم ما ه مما يلبسيده فليطعمه مما أكل و ليلبسه مما يلبس فمن كان إخوة تحت

يغلبهم ، فإن كلفتموهم فأعينوهم )3(.

مل خيالف نصا أو عطل حكما ، أن أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب : و التنبيه يف ذلك و إمنا كان قضـاؤه وفق الشرع و مقتضى القواعد العامة ، ذلك أن الشارع احلكيم مل

. )4(يقصد من التكليف املشقة و اإلعنات : إمنا يفهم من خالل حقيقتني و تصرفه قويا على وصفأن سلطان احلاجة و أساس اعتبار املصلحة إمنا يكون تأثريه : أوالهما الفعل ال يف أصل احلكم ، فإن هذا التصرف مل يبطل حكما شرعيا ، فحكم القطع

ثابت على كل سارق باملعىن الشرعي للسارق ، و إمنا التغيري حصل فيما كان الفعل حمرما .أصبح مع احلاجة يف حكم العفو

. 29: ، كتاب األميان ، رقم صحيحهالبخاري يف أخرجه – )1( . 44: ص 4، ج سبل السالمالصنعاين ، – )2( 30: ، كتاب اإلميان باب املعاصي من أمر اجلاهلية وال يكفر صاحبها رقم صحيحهيف ي ر أخرجه البخا -)3( . 122-121: ص 2، ج الموافقاتالشاطيب ، :ينظر – )4(

Page 374: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

374

عن األوهام ، واألمر أن احلاجة و الضرورة مضبوطتان بضوابط مادية بعيدا : ثانيها خيتلف و تتناسب فيه األحوال ، فليس كل حاجة سببا يف سقوط العقوبة ، و لذلك قال ابن قدامة ضابطا املسألة السابقة أن ذلك حممول على من ال جيد ما يشرتي به أو جيد ما

. )1(يشرتي به ، فإنه له شبهة يف أخذ ما يأكله

المبحث الثاني الذرائعسد استثمار

من مجلة األصول اليت استعملها الفقهاء للموازنة بني العفو و العقوبة ، سد الذرائع واليت توسع فيها خاصة فقهاء املالكية ، وقد تقرر يف الفصل السابق أن من أسس املوازنة

.املصلحة ، و قد بين هذا األصل على املوازنة بني املقاصد و الوسائل مراعاة للمصاحل و الغرض من هذا املطلب ليس التأصيل ، و إمنا بيان أوجه التطبيقات اليت استعملها

.الفقهاء يف استثمار هذا األصل يف املوازنة بني العقوبة و العفو

المطلب األول سد الذرائع في مقام الشرع

ا و ذرائعها ، و بقدر ما املعلوم أنه من لوازم العناية باملصاحل و املفاسد ، العناية بأسباتعظم املصلحة يعظم حكمها ، و تعظم وسيلتها ، و يزداد اعتبارها ، و بقدر ما تعظم

. 281:ص10، ج المغني ابن قدامة ، : ينظر – )1(

Page 375: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

375

و الوسيلة إىل أفضل املقاصد « : املفسدة ، تعظم وسيلتها ، و يزداد قبحها ، يقول القرايف .)1(»ل الوسائل ، و إىل أقبح املقاصد أقبح الوسائل ، و إىل ما يتوسط متوسطةأفض

و من تصرفات الشارع احلكيم ، أنه رغب إىل كل وسيلة هلا أثر كبري يف إصالح اجلناة ، كالتوبة و العفو يف مواطن العفو ، و شدد يف منع كل وسيلة قد تفضي إىل املقبحات و

.قبح وسائلها شدد الشارع احلكيم يف العقوبة حىت يتحقق الردع قبل إتيان وسائل الفساد و لذلك

فكان القطع رادعا للسرقة و كان اجللد رادعا للزنا و القذف و كان القصاص رادعا للقتل املتعمد العدوان ، بل املالحظ أن هناك تناسبا بني زيادة النعم و تغليظ العقوبة ، فإذا أنعم

على عبده بنعمة ، و عصى اهللا فيها بتعديه احلدود ، فإن العقوبة تغلظ اهللا . كاإلحصان مع الزنا ، فجاءت عقوبة الرجم

يف مقام غلق باب الفساد أو ما يؤدي إىل ) سد الذرائع ( لذلك ، كان هذا األصل .ذلك ، حىت ال جترتئ النفوس الضعيفة على حمارم الشرع

المطلب الثاني د الذرائعمبنى س

إن هذا األصل ليس يف متناول اجلميع ، ألن معرفة املفاسد و ترتيبها ، و معرفة املصاحل و ترتيبها ، حيتاج إىل فقه معرفة الفاضل من املفضول ، و املقدم من املتأخر ، و لذلك فقد خيتلف الفقهاء يف بعض رتب املصاحل و املفاسد ، و هذا يستلزم االختالف يف تقدميها

. 39: ص 2، جالفروقالقرايف ، : ينظر – )1(

Page 376: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

376

عند تعذر اجلمع ، سواء تقدمي درء املفسدة أو جلب املصلحة ، زد على ذلك توفيق من . )1(يف معرفة رتب املفاسد ، خاصة يف درء أعظمها بأخفها عند التزاحم اهللا لذلك ، فإن سد الذرائع يقوم على درجة االحتمال و نسبة اإلفضاء إن كان حمققا أو

أن الذرائع : تاج إىل فقه املوازنة ، و يقرر حقيقة أصولية مفادها نادرا أو غالبا ، و هذا حيكما ميكن سدها ميكن فتحها ، و أن هذا األصل قائم على التغليب يف حسم مادة

و االعتماد يف جلب معظم « : الفساد أو فتح باب الصالح ، قال ابن عبد السالم ن ، و للدارين مصاحل إذا فاتت مصاحل الدارين و درء مفاسدها على ما يظهر على الظنو

فسد أمرها ، و مفاسد إذا حتققت هلك أهلها ، و حتصيل معظم هذه املصاحل بتعاطي ا مظنون غري مقطوع .)2(»أسبا

المطلب الثالث من موجبات العمل بسد الذرائع

ذا األصل ، أوجب على الفقهاء التوقي و االحتياط ملا يتوقع من املفاسد اليت إن العمل حتصل خاصة من تلك اجلرائم اليت قررت هلا عقوبات شديدة كاحلدود و القصاص ،

ا استلزمت شدة اإلثبات .فشدعند إقامة فقد لزم على احلكام و القضاة خاصة يف أحكام الدماء و األعراض و األموال

الشهادة عليها اإلثبات ، بعيدا عن اهلواجس أو جمرد التخيالت ، فال بد أن يراعى يف ذلك .التوقعات الراجحة أو قريبة من ذلك

. 66:ص 1، ج األحكام، قواعد العز بن عبد السالم : ينظر – )1( . 3:ص 1ج املصدر السابق نفسه ، – )2(

Page 377: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

377

و هذا يقتضي معرفة مواطن العفو و مواطن العقوبة ، خاصة إذا استشكل على الفقيه يف ن العفو عنه ذريعة يف تقوية شوكة أمر اجلاين الذي مل يصل أمره إىل احلاكم ، فقد يكو

.املفسدين ، أو فيه ذريعة لإلصالح حالة اجلاين بالتوبة و العودة إىل جادة الصواب و شدة االحتياط اليت كانت مسلكا للفقهـاء يف إثبات العقوبة ، إمنا كانت تطبيقـا ن مفاسد العقوبة ، و أل الخطأ في العفو أفضل من الخطأ في العقوبةأن : لقاعدة مفادها

.عند التهمة أو الشبهة أعظم من مفاسد العفو

لكن يف املقابل ، فإن الفقهاء مل يبالغوا يف شدة االحتياط عند درجة التحقق القطعي للمفسدة أو عند إثبات العقوبة ، فلم جييزوا العفو و ال الصلح على مال و ال الشفاعة من

و من جهة ثانية ، فإن حتكيم العفو يف احلدود أو جهة قيام النصوص الشرعية على ذلك ،يف القصاص أو يف التعزير عند حتقق الفجور يف اجلاين فيه من املفاسد العظيمة اليت تفسد

.و تشجيع للمفسدين النظام العام و تنتهك حقوق اهللا

المطلب الرابع درجات تحقق مفاسد العفو أو العقوبة

يف غالب األمر ، فإن أكثر ما يطلق اسم سد الذرائع على سد األفعال و الوسائل اليت تؤدي إىل الفساد ، و ملا كانت حقيقة هذا األصل مبنية على املوازنة بني املقاصد والوسائل ، فإن األمر حيتاج إىل معرفة درجات املفاسد املتحققة ، باعتبار أن هذه املوازنة

.ة اإلفضاء يف معرفة درجات املفاسد تقوم على نسبي

Page 378: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

378

و هذا مالحظ يف األحكام الشرعية اليت تتعلق بالعفو أو العقوبة ، فقد تبني أن الشارع احلكيم ندب إىل العفو يف بعض العقوبات ، و حرمه يف بعضها اآلخر ، فاستقرأ الفقهاء

و أن هذه لعقوبة ،ذلك ، فتبني هلم أن األمر يتناسب حبسب مفاسد العفو أو مفاسد ا .النسبية تتأرجح حبسب درجات حتقق املفاسد

فاملالحظ أن الشارع احلكيم مل يعط اعتبارا للعفو و : الدرجة األولى ، التحقق القطعي - الصلح و الشفاعة يف العقوبات املقدرة بالنسبة للحدود عند اإلثبات القطعي املبين على

حتقق قطعي ملفاسد عظيمة األثر على العامة ، فتمكني األدلة املستمرة ، ملا يف ذلك من، و فيه ما يفوت العفو يف هذه العقوبات املقدرة ذريعة إىل االستهتار حبدود اهللا

.أحكامها مقصد العقوبة اليت من أجلها شرع اهللا

و ذلك من خالل اجتهادات الفقهاء يف: الدرجة الثانية ، التحقق القريب من القطعي - بيان مفسدة العفو يف بعض العقوبات األصلية كالقصاص ، و إن كان يف هذا املوضع مندوب إليه ، و ذلك بالنظر إىل موضع معني يكون اجلاين فيه قد كثر فساده و اشتدت شوكة الفجور فيه ، حىت أضحى العفو عنه حمققا ملفسدة اإلفالت من العقاب ، أو ما

.عي تؤدي إليه مفاسد التحقق القط

املعلوم أن العفو مندوب يف القصاص ، و قبل الوصول إىل احلاكم بالنسبة : من ذلك للحدود ، لكن الفقهاء ضبطوا األمر حبسب النظر إىل حال اجلاين ، فإن كان مشتهرا

.بالفساد معروفا بالفجور ، فإن العفو عنه مفسدة

و املالحظ أن الفقهاء راعوا مسألة حق العفو للعبد يف القصاص ، فإن عفا العبد عن .اجلاين يف القصاص ، فإن فقهاء املالكية تداركوا األمر حىت مع وجود هذا احلق

Page 379: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

379

.)1(فقد حكموا على اجلاين القاتل قتل عمد املعفى عنه بضربه مائة جلدة و حبس عام

و فيها يتبني كيف حكم الفقهاء التوقعات الراجحة : لتحقق الغالبدرجة الثالثة ، اال - املبنية على التغليب ،و كيفية ترتيبهم للمفاسد ، و إن كانت هذه القضية عسرية املأخذ ذا املوضوع ، و كل يف خاصة يف معرفة مآخذ الفقهاء يف املسائل املختلفة اليت تتعلق

. ذلك يديل دلوه

الغالب يف الشهادة الصدق ، فإذا شهد ثالثة شهود يف - : ذه الدرجة و من تطبيقات ه م م ، بل أقـام احلد عليهم من حيث أ الزنا ، فإن الشارع احلكيـم مل حيكم بكذ

م شهود زور ، سدا لذريعة إفشاء سرت املدعي عليه .)2(قذفوا ال من حيث أحوال كأصل عام ، دون اإلقرار الصحيح إلغاء الشارع احلكيم احلكم بالتهم و قرائن األ -

و البينات املعتربة ، سدا لذريعة هتك األعراض بالتهم ، لكن جند يف مقابل ذلك ، أن الفقهاء أجازوا ذلك للحكام يف بعض املواضع اليت اشتدت فيه التهمة ، ألن العمل بالتهم

.)3(يف هذه املواضع الغالب فيه مصادفته للصواب و النادر خطؤه

المطلب الخامس سد الذرائعب أثر العملمن

من مجلة ما حتصل من أحكام فقهية تتعلق بالعفو أو العقوبة من خالل إعمال هذا :األصل

. 185:ص 2ج ، الفواكه الدوانيالنفراوي ، : ينظر – )1( . 105: ص 4ج ، الفروق القرايف ، : ينظر – )2( .املصدر نفسه و اجلزء و الصفحة نفسها – )3(

Page 380: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

380

ليس للسلطان حق العفو يف احلدود و القصاص ، وإمنا الواجب عليه تنفيذ العقوبة - 1 .)1(عند اإلثبات ، سدا لذريعة إسقاط العقوبة بدعوى السلطان

النهي عن إقامة احلدود بغري سلطان و بغري شهود ، قطعا لذريعة سفك الدماء - 2 .)2(بدعوى يدعيها عليه من يريد أن يبيح دمه

مة - 3 عدم جواز قضاء القاضي بعلمه يف احلدود و غريها ، ألن ذلك يفضـي إىل . )3(الحدود مبنية على السترالقاضي باحلكم بالتشهي ، و ألن ، فمن شرب األدوية املخبئة و قتل فعليه )4(العصيان ليس سببا إلسقاط العقوبة - 4

أن أسباب العقوبات : القصاص ، ال يعذر هلذا السبب ، فلو عفي عنه أخذا بقاعدة .يشرتط فيها العلم و القصد ، فإن ذلك يفضي إىل أن يصري عصيانه سببا إلسقاط العقوبة

بعض حاالت الضرورة العقوبة من غري عفو ، كمسألة اإلكراه و قد مكن الفقهاء يف - 5 على الزنا أو اإلكراه على القتل ، فإنه من قتل باإلكراه و لو كان بقتل نفسه ، فإنه عليه

. )5(القود ، و من زنا حتت وطأة اإلكراه ففيه خالف ترجيح جانب العقوبة قتل اجلماعة بالواحد ، فقد ذهب فقهاء احلنفية و املالكية إىل - 6

.اليت هي القصاص عليهم مجيعا

و ما 160: ص للعقوبةفي األصول الشرعية الثالثالباب قد تقدم بيانه يف املبحث األول للفصل األول من – )1(

.بعدها . و ما بعدها 160:كذلك تقدم ذكره يف بيان األصول الشرعية للعقوبة ص – )2( ، 47:ص 2، ج التبصرةابن فرحون ، : ، و ينظر 446- 445: ص 5، ج البدائعالكاساين ، : ينظر – )3(

. 401:ص 11ج ، المغنيابن قدامة ، : ، و ينظر 246:ص 8، ج المحتاجنهاية الرملي ، : و ينظر . 521:ص 5ج ، كشف القناعالبهويت ، :ينظر – )4( . 313:ص 5، ج مواهب الجليلاحلطاب ، : ينظر – )5(

Page 381: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

381

أن القتيل معصوم و قد قتل عمدا ، وهذا فيه إهدار ألصل : و مأخذهم يف ذلك القصاص ، باختاذ االستعانة و االشرتاك ذريعة إىل القتل ، و ذلك إذا علم أنه ال قصاص

.)1(يف قتل اجلماعة بالواحد ألن القتل ال يوجد عادة إال « : و يزيد الكاساين املسألة توضيحا فيقول رمحه اهللا تعاىل

على سبيل التعاون و االجتماع ، فلو مل جيعل فيه القصاص النسد باب القصاص ، إذ كل ليبطل القصاص ، و فيه تفويت ما شرع له القصاص و .. من رام قتل غريه استعان بغريه

.)2(» هو احلياة

: ص 1ج ، قواعد األحكام العز بن عبد السالم ، : و ينظر ، 126:ص 2ج ، االعتصامالشاطيب ، : ينظر – )1(

. 33:ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ، : و ينظر ، 166 . 280:ص 6ج، بدائع الصنائع الكاساين ، – )2(

Page 382: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

382

المبحث الثالث استثمار وجه االستحسان

املالحــظ مــن مجلــة الفــروع الفقهيــة املتعلقــة حبفــظ الــدماء و احلــدود ، أن الفقهــاء وازنــوا بــني

املنــافع و املضــار مـــن خــالل أصـــول اســتعملوها ، و ذلــك مـــن أجــل تـــرجيح معــىن العقوبـــة أو معىن العفو و ما يـدل عليـه أو مـا يـدخل يف معنـاه ، و هـذا األمـر يتجلـى يف اسـتثمار أصـلني

.فقه الذي هو االستحسان و القياس من أصول ال

المطلب األول األخذ بوجه االستحسان مقابل القیاس

فقد يأيت يف املسألة الفقهية الـيت تتعلـق بالعقوبـات وجهـان ، وجـه استحسـان ملعـىن العفـو و اآلخــــر فيــــه وجــــه قيــــاس ترجيحــــا ملعــــىن العقوبــــة أو يكــــون العكــــس ، فــــوازن الفقيــــه بينهمــــا يف

.ا مع بيان وجه األخذ بأحدمها ترجيح أحدمهأنــه : و كـان هـذا مبنيـا علـى مراعـاة القصـد العـام للشـارع يف اجلملـة ، و املقصـود مـن ذلـك

قد يتعني ترجيح وجه االستحسان على وجه القيـاس يف القضـية الواحـدة ، حتقيـق ملصـلحة أو ملــا عهــدت عليــه دفــع مفســدة ، فيقــدم الفقيــه وجــه االستحســان يف مقابــل القيــاس ، تأسيســا

أنـــه عنـــد تنـــازع املنـــافع و املضـــار ، يقـــدم الـــذي يكـــون أكثـــر دفعـــا للضـــرر ، : الشـــريعة و هـــو فــدفع املضــار مقــدم علــى جلــب املصــاحل ، و هــذا يوافــق قصــد الشــارع يف اجلملــة ، فقــد أقــام

.الشارع أحكامه على دفع املفسدة مطلقا مصلحة أو جلب مفسدة ، أو قد و لذلك ، فقد يقتضـي العمل بوجه القياس فـوت

يؤدي إىل احلرج الشديد أو حصول مشقة تنايف قصد الشـارع ، و قد يؤدي ذلك إىل

Page 383: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

383

.خمالفة القواعد العامة و قــــد يكــــون يف العمــــل باالستحســــان معــــىن أدق و أجــــل مــــن العمــــل بوجــــه القيــــاس ، فيــــه

يتحقـــق أكـــرب قـــدر مـــن املنـــافع أو دفـــع بالكليـــة للضـــرر ، فيوافـــق يف ذلـــك قصـــد الشـــارع مـــن . التشريع

و بغــض النظــر عــن وجــه االخــتالف يف اعتبــار االستحســان مصــدرا مــن مصــادر التشــريع ، شــــهي عنــــد الــــبعض ، و بغــــض النظــــر عــــن أدلــــة املخــــالفني و أدلــــة أو علــــى كونــــه موضــــع الت

القــائلني بــه ، و بعيــدا عــن بيــان تفصــيالته مــن خــالل بيــان أنواعــه عنــد مــن قــال بــه ، أو بيــان .حقيقة معناه كونه استدالل مرسل أو كونه من مجلة ختصيص العلة

ا اخلاص ، وهو علم أصول الفقـه ، فقـد قتلـت حبثـا فمن شأن هذه املسائل أن تعلم يف با .، و بني علماء األصول فيها حمل النزاع

فهــذا كلــه لـــيس هــو املقصــود ، و إمنـــا القصــد مــن ذلـــك بيــان مــا ترتـــب مــن اســتثمار معـــىن .االستحسان مقابل القياس يف باب اجلنايات و العقوبات

حســـان و وجــــه وجــــه االست( فقـــد تبـــني أن الفقهــــاء يف بـــاب العقوبــــات اســـتثمروا الـــوجهني مــن خــالل املوازنــة بــني إقــرار العقوبــة أو تــرجيح العفــو أو مــا يــدل علــى معنــاه أو مــا ) القيــاس

.ترك للعقوبة –يف حقيقته –يدعو إليه ، باعتبار أن العفو فتجدهم تارة يرجحـون وجـه االستحسـان و تـارة أخـرى يرجحـون وجـه القيـاس ، و قـد كـان

.ر وجه املصلحة الشرعية أساس ذلك كله مبين على اعتباو االستحســـان يف حقيقتـــه و بيـــان معنـــاه ، بـــاب مـــن أبـــواب العمـــل باملصـــلحة الشـــرعية ،

باعتبار أن أساسه مبين على رفع احلرج و طلب السهولة ، و ترك العسر إىل اليسر كما

Page 384: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

384

. )1(هو حاصل السرخسي يف مبسوطه ان ، و قصـــــده مـــــن ذلـــــك إبطـــــال و قـــــد مجـــــع ابـــــن حـــــزم بـــــني االستصـــــحاب و االستحســـــ

احلكم مبا رآه احلاكم « : املصدرين ، فكان حاصل تعريفه لالستحسان أن قال بأنه . األخذ باألصلح، و إن كان هذا املعىن يوافق قاعدة )2(»أصلح يف العاقبة و يف احلال

أن حــىت مــن أبطــل العمــل باالستحســان كليــة : و القصــد مــن بيــان حاصــل ابــن حــزم ، هــو أشــار إىل معــىن املوازنــة يف هــذا األصــل ، بغــض النظــر عــن مفهــوم هــذه املقولــة و املآخــذ الــيت

.تؤخذ عليها :و قبــل بيــان املعــىن الــذي يوافــق املقصــود مــن املوضــوع ، ال بــد مــن اإلشــارة إىل أمــر مفــاده

أن املصلحة املرجوة من العقوبة قد تكون يف تطبيقها و إقامتهـا علـى اجلـاين ، و قـد تكـون يف .تطبيق معىن العفو أو ما يدل عليه ، و قد أكد هذا األمر مرارا يف املباحث السابقة

و هذا لندل أن ترجيح ملعىن االستحسـان على وجه القيـاس ، ليس فيه داللة على ما يدل على معناه على العقوبة ، باعتبـار أن العفـو فيـه معـاين االستحسـان ترجيح العفو و

.كاليسر و اللطف و الرمحة ــا فقــد يكــون تــرجيح لوجــه االستحســان مقابــل القيــاس ترجيحــا ملعــىن العقوبــة أو العقوبــة ذا

.و يكون يف وجه القياس األخذ بالعفو أو ما يدل عليهتحســـان و الـــذي يناســـب املوضـــوع ، هـــو تعريـــف أيب احلســـن و لعـــل أبـــني التعريفـــات لالس

تهد عن أن حيكم يف املسـألة مبثـل مـا « : الكرخي من فقهاء احلنفية ، بقوله هو أن يعدل ا . )3(»حكم به يف نظائرها ، لوجه أقوى يقتضي العدول عن األول

. 250 :ص 1، ج المبسوطالسرخسي ، : ينظر -)1( . 132:ص 2، ج اإلحكام في أصول األحكامابن حزم ، – )2( . 8: ص 4، ج كشف األسرارالبخاري ، : نقال من – )3(

Page 385: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

385

تهـد وقـع يف اجتهـا ده بـني مسـألة جزئيـة و و هذا التعريف فيه معىن املوازنـة مـن حيـث أن امســـألة كليـــة ، فـــرجح املســـألة اجلزئيـــة مقابـــل الكليـــة ملعـــىن أدق ووجـــه أقـــوى ، مـــع أن الغالـــب األخــذ بالكليــات ، ألنــه وقــع لــه مــن مــوارد األحكــام أن االشــتغال بالكليــة فيــه ابتعــاد ملقصــود

.الشرع

المطلب الثاني تطبیقات المسألة

:فقهية اليت تتعلق بالعقوبات أمثلة كثرية منها و إلنزال ذلك على القضايا ال ، أنه إذا )1(الذي عليه مجهور الفقهاء من احلنفية و املـالكية و الشافعية و احلنابلة -1اشرتك مجاعـة يف قتـل واحـد قتلـوا بـه مجيعـا ، كاجتمـاع رهـط علـى قتـل واحـد فقتلـوه ، طبـق

.القصاص عليهم مجيعا و هذا استحسانا ، أما قياسا فال يلزمهم القصاص املسـاواة مـن غـري زيـادة : أن املعترب يف عقوبة القصاص من حيث املعـىن هـو : ووجه القياس

ادة من الظلـم و ملـا يف النقصـان مـن الـبخس يف حـق املعتـدي عليـه ، و ال نقصان ، ملا يف الزي .و ال مساواة بني العشرة و الواحد ، و هذا فيه ميل إىل ما يدعوا إىل العفو

أن تأســيس ذلــك كــان مبنيــا علــى األثــر املــروي عــن عمــر بــن اخلطــاب : ووجــه االستحســان لــو « : القصــاص ،وقــال يف ســبعة رهــط مــن أهــل صــنعاء قتلــوا رجــال ، فكــان قضــاء عمــر

.، و هذا فيه ميل و ترجيح للعقوبة )2(» تماأل عليه أهل صنعاء لقتلتهم به

: ، و ينظر 234:ص 18، ج المبسوطالسرخسي ، : ، و ينظر 651:ص 4ج، المدونةسحنون ، : ينظر – )1(

. 367:ص 9ج ، المغنيابن قدامة ، : ، ينظر 22:ص 6ج ، األمالشافعي ، . 1368: ، كتاب العقول ، رقم الموطأأخرجه مالك يف – )2(

Page 386: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

386

ص إمنــا شــرع حلكمــة احليــاة و ذلــك بطريــق الزجــر أن القصــا: و وجــه األخــذ باالستحســان حىت مينع من سولت له نفسـه القتـل لقـوة العقوبـة ، و معلـوم أن القتـل بغـري حـق يف العـادة ال يكـــون إال عـــن طريـــق التغالـــب و االجتمـــاع ، فلـــو مل جيـــب علـــى اجلماعـــة القصـــاص بالواحـــد

قتـل الواحـد ، هـذا فيـه ســد لكـان حاصـل ذلـك فـتح بــاب الذريعـة للقتـل بـأن يتعمـد اجلماعــة . )1(لباب القصاص ، و هذا النظر مبين على املصلحة

أن وجــه القيــاس كــان فيــه أخــذ لظــاهر الــنص ، و أمــا وجــه االستحســان : و حاصــل ذلــك فكان فيه مراعاة ملقصد الشرع ، و قد تضـافرت النصوص على أن األخذ مبقصـود

.الشارع أوىل من األخذ بظواهره احملافظـة علــى مصـاحل املسـلمني و وضــع الزواجـر املانعـة مــن وقـوع الفسـاد فــيهم : ن ذلـك أل

.أصل قامت عليه العقوبات ، فال يتحقق ذلك إال بإيقاع العقوبة عليهم مجيعا يف مســألة تقــادم الشــهادة علــى الــزاين ، فالــذي عليــه فقهــاء احلنفيــة أنــه إن شــهد علــى -2

. )2(د عن القاذف استحسانا ، لكن قياسا ال يدرأ عنه ذلكاملقذوف بزنا متقادم درء احل .أن الشهادة على الزنا بعد التقادم غري مقبولة فوجودها كعدمها : ووجه القياس إمنـــا ال تقبـــل الشـــهادة علـــى الزنـــا بعـــد التقـــادم لتـــوهم الضـــغينة ، فقـــد : ووجـــه االستحســـان

معتــرب يف منــع وجــوب احلــد علــى املشــهود يدفعــه ذلــك عــداوة بينــه و بــني املقــذوف ، و ذلــك . ، و هذا كان استدراك بعد بيان وجه القياس )3(عليه ، ال يف إسقاط احلد عن القاذف

أن الشـــاهد خمـــري بـــني أداء الشـــهادة و الســـرت ، فلمـــا تقـــادم : و وجـــه األخـــذ باالستحســـان ، دل على أنالعهد ، دل على أن الشاهد اختـار جهة السرت ، فإذا شهد بعد ذلك

. 33:ص 6، ج بداية المجتهدابن رشد ، : ، و ينظر 234:ص18، ج المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )1( . 199:ص 3، ج تبيين الحقائقالزيلعي ، : ينظر – )2( . 202:ص 9ج المبسوطالسرخسي ، :ينظر – )3(

Page 387: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

387

. )1(الضغينة هي اليت دفعته إىل الشهادة ، فوقعت الشبهة ، و احلدود تدرأ بالشبهات فرجحوا مصلحة املتهم دفعا ملفسدة تعرض أبدان الناس إىل التلف ملا يف عقوبة الزنا من

. هالك ل مجـاعةو من املسائل الفرعية اليت تقع يف السرقة ، االشرتاك يف السرقة ، بدخـو -3

الدار ، فجمعوا املتاع و محلوه على ظهر أحد منهم ، فكان هو الذي خرج به و قد خرجوا .معه أو بعده يف فوره

.فيقطعون مجيعا : أنه يقطع احلمال وحده ، و أما االستحسان : فالقياس أن السرقة إمنا مت من احلمال ، و ذلك لتحقق شرط السرقة يف اإلخراج ، : ووجه القياس

.فأما اآلخرون فلم يوجد إخراج املتاع منهم حقيقة و ال حكما ، فال يلزمهم القطع م خرجوا و ال شيء يف أيديهم حقيقة : بيان ذلك .أم اشرتكوا يف هتك احلرز ،: ووجه االستحسان فصـار املـال خمرجا ملعاونتهم ، أ

. )2(فيلزمهم القطع ، كما لو أخرجوه على ظهر دابةأن ذلك كان من أجل أن ال جيرتئ الناس على أخذ أموال : ووجه األخذ باالستحسان

بعضهم البعض، ففي ذلك زيادة حيلة معروفة بني السراق ، بأن يباشر محل املتاع واحد ون مستعدين لدفع صاحب البيت عنه و عن أنفسهم ، فال جيوز منهم ، و أصحابه يكون

.أن يكون ذلك مسقطا للحد عنهم و من ذلك أيضا ، قاطع الطريق ، فإذا قطع الطريق و أخذ املال ، مث ترك و أقام يف - 4

.أهله زمانا ، مل يقم عليه اإلمام احلد استحسانا ، و قياسا يقام عليه احلد

. 270:ص 4ج ، كشف األسرارالبخاري ، : ، و ينظر 507:ص5، ج بدائع الصنائعالكاساين ، :ينظر – )1( . 162:ص 9، ج المبسوطالسرخسي ، : ينظر – )2(

Page 388: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

388

.حلد لزمه الرتكاب سببه ، و قد وجد منه فعل احملاربة ا: ووجه القياس أخذا مبا روي أن احلارث بن زيد قطع الطريق ، مث ترك و تاب: و وجه االستحسان أن الحـارث بـن زيـد كـان مـن قطـاع الطـرق ، إىل عاملـه بالبصـرة ، فكتب علي بن أيب طالـب

. )1(و قد ترك و تحول عنه ، فال تعرض له إال بخيرمــن عقوبــة قــاطع الطريــق و هــي تــرجيح مــا اســتثناه اهللا : و وجــه األخــذ باالستحســان

.التوبة ، ملا يف ترك اجلرمية من معناها ، فبالتوبة تتحقق اإلنابة ، فال معىن للعقوبة أن األمثلــة املتقدمــة يف تــرجيح وجــه االستحســان مقابــل : و ال بــد اإلشــارة إىل تنبيــه مفــاده

اس ، كــان الغالــب فيــه مــذهب احلنفيــة ، فقــد يوجــد مــن املــذاهب مــن يــرجح وجــه وجــه القيــ .القياس يف نفس املسألة ، ملعىن يراه هو األوىل

تقــادم الشــهادة يف الســرقة ، فــإن فقهــاء احلنفيــة رجحــوا وجــه االستحســان كمــا : مــن ذلــك هو احلال يف تقادم الشهادة على الزنا ، و تفريعا على أصلهم يف أن تقادم الشهادة يسقط

، خبالف فقهاء املالكية و احلنابلة ، فقد رجحوا وجه القياس الذي يوجب قيام )2(احلد . )3(الشهادةاحلد مع تقادم

أن ذلـك إمنـا هـو انتقـال ملـك بعـد السـرقة كالشـهادة علـى القيـاس : و وجه القياس عنـدمها : وتفصـيل ذلـك . ، ألنه فيه احتمال يتمثل يف أنه قد يعرض للشاهد ما مينعه مـن الشـهادة

دقـص أن: أن ترجيح وجه القياس كـان مبين على أصل عام و هو فرجحــوا ، كمــا هــي نظــرة فقهــاء احلنفيــة ، دون النظــر إلــى البواعــث األقــوال يقــوم علــى الظهــور

.دون النظر إىل مصلحة املتهم جانب املصلحة العامة املتمثلة يف إقامة حد اهللا

. 363:ص 9،ج مبسوطهذكره السرخسي يف – )1( . 199: ص 3، ج تبيين الحقائقالزيلعي ، : ينظر – )2( . 595:ص 6ج ،مطالب أولي النهىالرحيباين ، : ، و ينظر 542: ص 4، ج المدونةسحنون ، : ينظر – )3(

Page 389: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

389

اخلامتة : من النتائج اليت توصل إليها البحث ما يلي

ا أضحت عاجزة يف –من ناحية الفلسفة العامة للعقوبة –يرى فقهاء القانون -1 أحتقيق مقصدها بالصورة التقليدية هلا املتميزة بالصرامة و اإليالم ، و أصبحت ال تستوعب رمون ، و رغم تطور فلسفة النظام اجلزائي إال أن العقوبة ا ا كافة األساليب اليت يعامل

.ما زالت حتتفظ خبصائصها مما يعرقل تطور اجلانب اإلصالحي ظرة السابقة دفعت فقهاء القانون إىل الدعوة يف إعادة النظر يف النظام العقايب هذه الن -2

بأكمله حىت وصل األمر فقها عندهم إىل إلغاء العقوبة ، مث جاءت فكرة التدابري االحرتازية ا مل اليت كانت متثل الصورة الثانية للجزاء ، و كان الغرض منها حتقيق الردع اخلاص ، إال أ

االنتقادات باعتبار أنه هناك حاالت من اإلجرام جتتمع على اجلاين العقوبة و تسلم من .التدابري االحرتازية و هو موضع تنازع بني فقهاء القانون

أبدع فقهاء القانون يف إجياد حلول أخرى ختفف من إفراط العقوبة ، من خالل إنشاء -3نفيذ و العفو العام ، و قد طبق مؤسسات ثانوية و متمثلة يف الظروف املخففة ووقف الت

نظام انقضاء العقوبة بالنسبة حلالة خاصة و هي حالة اجلاين الذي يرجى صالحه ، و طبق نظام األعذار املعفية اليت يستلزم منها احلكم برباءة املتهم كلية من العقوبة ، باعتبار أن

.عد جرمية املشرع رأى أن يعفى املتهم من العقوبة حلكمة ما رغم أن فعله يرمني دون -4 أن أمر تنفيذ هذه املؤسسات الثانوية حمدود ، و يطبق على فئة من ا

.الفئات األخرى ، فقد استعملت هذه األنظمة بشكل ضيق

Page 390: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

390

إن العفو يف القانون الوضعي ما زال يشهد سجاال فكريا بني فقهاء القانون ، خاصة -5استقر على أنه من أعمال السيادة اليت ال من حيث بيان طبيعته ، و إن كان األمر قد

.ختضع لرقابة القضاء العفو يف القانون الوضعي يشمل مجيع العقوبات األصلية ، و أن أثره ال يتعدى عن -6

رم لظرف ما أو حلكمة ما ، أما وصف اجلرم فباق .كونه يرفع العقوبة عن ا :مبيزتني –فيما يتعلق بالعقوبة –اختصت الشريعة اإلسالمية عن القانون الوضعي -7

أن العقوبة ضرورة بناء على فكرة العدل ، فمن العدل معاقبة املسيء مقابل : األولى -ميثل تطبيقا –يف حقيقته –إساءته من غري زيادة يف ذلك و ال نقصان ، وهو

.للقاعدة الشرعية من حيث أن الشارع احلكيم أمر بتنفيذها عند اإلثبات

أن : اجلمع بني املسؤولية األخالقية و املسؤولية الشرعية بناء على ما يلي : الثانية -فكرة العدل ال ميكن أن تكون هي احلل الوحيد ، و إمنا ال بد من إسناد خيفف من

.اإلفراط يف العدل

فالشريعة اإلسالمية و هي تشرع العقوبة حتث على تقوية املسؤولية األخالقية يف نفس رتف خبطئه فيتقوى فيه جانب التوبة و اإلنابة و إصالح نفسه ، فإن كانت املذنب ليع

هناك وسيلة للوصول إىل ذلك و لتكن طريقة العفو ، فليس من احلزم اإلصرار على مل العدالة االجتماعية بتحقيق ما يشبع حاجات الناس ذا اجلمع مل العقوبة ، و هي

.تبار أن أصل اإلجرام هو احلاجة واجلهل حىت ال يفكر اإلنسان من اإلجرام ، باع :يطلق العفو عن العقوبة يف الشريعة اإلسالمية من جهتني -8من جهة كونه استحقاقا ، و يرتتب عن ذلك اعتبار العفو حقا مقررا شرعا ، : األولى -

.يتجلى ذلك يف إعطاء الشارع حق العفو ألولياء الدم يف عقوبة القصاص

Page 391: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

391

كونه إحسانا و فضال يدخل من باب مراعاة اجلانب األخالقي من جهة: الثانية - .واإلنساين

أنه هناك عقوبات يندب : أقرت الشريعة اإلسالمية العفو ضمن أصول العقوبة مبعىن -9فيها العفو و أخرى حيرم فيها من غري أن تضع سلطانه يف يد احلاكم و ذلك بالنسبة

.و ترك أمره للحاكم بالنسبة للعقوبات التبعية ) القصاص و احلدود( للعقوبات األصلية فيندب العفو يف عقوبة القصاص ، و حيرم يف عقوبات احلدود و ليس للحاكم أن يعفو

عن العقوبات السابقة عند اإلثبات ، خبالف عقوبات التعازير فللحاكم حق العفو ، فهي .املرتع اخلصب للعفو عن العقوبة

ا جمموع النصوص دعوة املوازنة بني - 10 العقوبة و العفو عند مواطن التخيري بينهما ، أقرأن الشارع احلكيم استتبع العقوبة : الشرعية و أقرها اجتهاد الفقهاء ، و حاصل املسألة

ا خاصة إذا تعلق بالعفو حتقيق معان قصدها الشارع ، كأن يكون بالعفو ليخفف من وطألرحم أو منع إشاعة الفاحشة وفساد عام أو سرت مؤمن أو فيه جرب األحزان أو تقوية صلة ا

.إنظار تائب و قد الحظ الفقهاء من تصرف الشارع أنه مال إىل العقوبة و شدد يف ذلك و استعمل

أسلوب التهديد و التخويف يف مقابل من غلب عليه االحنالل و الفساد و الفجور ، ومن .الشهرة يف ذلك كثر عصيانه و أصر على الذنب و بلغ حد

و مال إىل العفو يف مقابل من غلب عليه الصالح و حتققت فيه بوادر الندب و اإلصرار .على التوبة

و لذلك جاءت فتاوى الفقهاء يف النوازل اليت تتعلق باجلنايات جارية على النظر إىل ام أو الوسط لبلوغ غاية االعتدال بني تطبيق العقوبة أو ندب العفو خاصة يف حالة اال

Page 392: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

392

الشبهة ، و إىل النظر إىل جسامة الضرر الالحق من جراء تطبيق العقوبة أو العفو يف ها الشارع احلكيم على التخيري بينهما ، كما هو مقرر يف عقوبة القصاص املواضع اليت أقام

.أو ما قبل وصول أمر اجلاين إىل احلاكم يف عقوبات احلدود إن النظر إىل جسامة الضرر الذي يرتتب عن العفو أو عن العقوبة هو الداعي القوي - 11

العفو أكثر من ضرر العقوبة، للموازنة بينهما ، و كان تركيز الفقهاء على النظر إىل ضررألن يف العفو تركا ملا هو ثابت الذي هو العقوبة ، و لذلك كثر احتياطهم يف مسائل العفو

.عن العقوبة ، و استدعى ذلك معرفة أحوال اجلناة و قصي أمرهم :و فهم هذه املوازنة يقتضي نظرتني - 12العقوبة و العفو انطالقا من الوحدة نظرة تقوم على الرؤية الشاملة ألحكام: األولى

القرآنية ، فمن شأن جمموع النصوص الشرعية املباشرة و غري املباشرة اليت تتعلق بباب تشريع العقوبة أو العفو أن تبني مقصود الشارع من ندب العفو يف مواضع و حترميه يف مواضع

.أخرى الفقه اإلسالمي بعيدا عن التقسيم نظرة تقوم على الوحدة الكلية للعقاب يف : الثانية

.النظري للعقوبات القصد الذي دفع الفقهاء إىل التفصيل يف حال الذي اقرتف اجلرم و البحث عن - 13

األصلح له بني العقوبة و العفو هو حتقيق الزجر ، فقد يتحقق بتنفيذ العقوبة و قد يتحقق فو أسلم و أحوط يف املواضع اليت مبجرد التوبة و الرجوع إىل جادة الطريق ، فيكون الع

ا و إمنا أراد حتقق بنيت على التخيري بني العقوبة و العفو ، فالشارع مل يرد العقوبة لذا .مقصدها األصلي

Page 393: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

393

فليس إن املوازنة بني العقوبة والعفو مبنية على مراعاة احلقوق ، فإن كان احلق هللا - 14ق يف العفو ، خبالف حق العبد فإن له العفو ألي إنسان مهما كانت منزلته السياسية احل

.عن حقه على حق العبد كل عقوبة مبنية على اخللوص أو تغليب حق اهللا : كأصل عام - 15

فليس يف ذلك العفو بل حيرم ، و كل عقوبة مبنية على مراعاة حق العبد و تغليبه على حق .ففيها العفو اهللا ) و حق العبد حق اهللا ( خاصة عند تنازع احلقني لكن من ناحية التفصيل الفقهي

: ففي ذلك تفصيل على حق العبد ، فذلك تأسيس على ظواهر النصوص اليت من غلب حق اهللا -

ال تقبل العفو و أن حقوق العبد تقبل العفو ، فيقدم ما دلت على أن حقوق اهللا .ال حيتمل العفو على ما حيتمله

فبناء على مراعاة املصلحة تأسيسا على تقدمي على حق اهللا و من غلب حق العبد - ما هو مبين على الضيق و املشاحة على ما هو مبين على املساحمة ، كتغليب فقهاء

. الشافعية حق العبد يف حد القذف :الظاهر أن املوازنة بني العقوبة و العفو حتتاج إىل فقهني - 16موازنتهم بني الضرر الواقع بالعقوبة أو بالعفو و النفع املطلوب انطالقا من فقه الضرر -

منهما ، و ذلك بالنسبة يف املواضع اليت بنيت على التخيري بينهما ، باعتبار على ما تقرر ين عليه ، وألنه : شرعا مفاده أن كل ضرر جيب إزالته حىت يتحقق العدل بني اجلاين و ا

ا أباحه الشرع ، و يتحقق هذا النوع من الفقه خاصة عند حيرم التعدي و التجاوز فوق م .حصول التنازع بني احلقوق و املصاحل اليت تتعلق جبانب العقوبات

Page 394: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

394

، و يتحقق ذلك يف البحث عن قرائن األحوال و تقصي ظروفهم فقه أحوال الجناة - .والنظر إىل مكانتهم االجتماعية

ال ضرر وال « و قاعدة » درأ احلدود بالشبهات ت« ضبط القواعد الفقهية كقاعدة - 17، ملا يرتتب يف إرسال إعماهلا وجود مظنة التعدي » و األصل يف املتهم الرباءة » ضرار

ين عليه ، سواء كان ذلك بتطبيق العقوبة أو العفو .على أحد الطرفني إما اجلاين أو اد األعذار الطارئة ، كتقدمي العفو خمالفة معهود الشريعة عند اختالف النوازل ووجو - 18

على العقوبة عند احلاجة و تنزيلها منزلة الضرورة ، أو تقدمي احلاجيات على الضروريات كتقدمي حد القذف باعتباره من قسم احلاجيات على احلدود األخرى كلها و حىت

لسرت القصاص عند االجتماع ، و دفع الضرر برتك الواجب و تقدمي املندوب ، كتقدمي ا .على الشهادة

:و من بني االقرتاحات و التوصيات تعزيز فكرة العدل اليت تقوم على معاقبة املسيء من جنس إساءته بدال من فكرة إلغاء -

.العقوبة تعزيز فكرة الشريعة اإلسالمية يف مجعها بني القاعدة الشرعية و القاعدة األخالقية ، -

أخالقية جبانب العقوبة اليت متثل القاعدة الشرعية للتخفيف فقد مجعت بني العفو كقاعدة .من إفراط العدل

ربط الناس بالدين من أجل أن يتقوى فيهم اجلانب اإلنساين و األخالقي ، و يبث يف - رمني معاين اإلنابة و التوبة ، فإن لتعاليم الدين سلطانا قويا يف تصريف النفوس نفوس ا

.املريضة حنو التغيري إىل األصلح

Page 395: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

395

يعة اإلسالمية من أجل إجياد قنوات قوية و جادة بني فقهاء القانون و فقهاء الشر - معاجلة ظاهرة اإلجرام اليت تشهد يف أيامنا هذه تصاعدا خطريا ، و مواجهة اآلراء املتطرفة

.اليت تتعلق بفلسفة العقاب بعد املراجعات الكثرية –و أخريا ، فإين ال أدعي الكمال يف هذا البحث ، و قد وجدت

، و هناك من املواضيع قد تستدعي أن بعض قضاياه حتتاج إىل تفصيل أكثر –للبحث ا حبثا مستقال ، و لكن بذلت من الوقت و اجلهد ما أظنه مناسبا ملقام البحث ، و حبد ذاليس من زلة األذهان أمان و ال من تسطري البنان اطمئنان ، و رحم اهللا من أوقفين على

. خطأ و صححه و كان يل عاذرا عمل ثوب اإلخالص و أن جيمله بالقبول ، فهو املعني أن يكسو هذا ال أرجو من اهللا

. و املوفق لذلك

Page 396: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

396

Page 397: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

397

فهرس اآليات القرآنية

الصفحة اـاتهـــآي السورة

- البقرة ) 109: ااآلية (

- ) 129 ) 140: اآلية

- ) 132 ) 173: البقرة

- ) 88-86 ) . 178:البقرة-123-133-160-164-165-166-177-191-279

- ، ) 108 ) . 179: البقرة-123-125-199-200-231-301

) 121 ،) 185: البقرة

- ) 174-89 ) 194: البقرة

- ) 122 . ) 216: البقرة

Page 398: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

398

- ) 132 ،) 229: البقرة

، ) 237: البقرة (

- ) 282: البقرة ( .

97-129-238-283

- ) 160-129 ،) 283: البقرة

آل عمران

، ) آل عمران :

135-136 . (

115-116

- النساء

، ) 18- 17: النساء . (

114-

- ) 281 ) . 28:النساء

- ) 166 ) 29: النساء

-

) 34: النساء (،

171

-

) 65: النساء (

196

Page 399: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

399

-

). 103: النساء (

160

-

) 110: النساء ( ،

116

- المائدة

، ) 33:المائدة(

17-101-168

-

). 34:المائدة (

206

- ،

) . 38: المائدة (

17-102-168-169-179

-

) 45:المائدة .(

91-161-176-192

-

) 87: المائدة (

225

-

) 90: المائدة(

338

-

) 93:المائدة (

338

Page 400: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

400

-

) 101: المائدة (

42

- ) 226 )103:المائدة

- األنعام ، ) 117 ) 54: األنعام

- ، ) 112 ) 131: األنعام

- ) 226 )138:األنعام

- ) 175 ،)152:االنعام

) 32 ) 164: األنعام

- األعراف

) 32:األعراف(،

225

- ) 40 ) 95: األعراف

- ) 194 ) 199:األعراف

- األنفال ،

) 33: األنفال (

117

-

، ) 38: األنفال . (

117

- التوبة

، )80: التوبة ( .

111

Page 401: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

401

هود

-

) 114:ھود (

196

- النحل

) 90: النحل. (

81-177

-

) 106-105: النحل ، اآلية (

334

- ) 174-89 ) . 126: النحل-192

-

127- 126:النحل

89

- اإلسراء ، ) 112 ) 15: اإلسراء

-

) . 16: اإلسراء ( ،

112

-

) 33: اإلسراء . (

161-173-178

- الحج ) 178 ). 60:الحج

- ) 121 ) 78: الحج

- النور ) 169-104 )2:النور

- ) 277-167 ) 2:النور

Page 402: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

402

- ) 169-104 ) 2: النور

-

) 4: النور.(

167

- :

،) 19: النور (.

127

-

، ) النور :

22. (

95-283

-

)61: النور(

321

- القصص

، ) 59: القصص . (

112

- السجدة ، ) 213 ) 13:السجدة

األحزاب -

) 30:األحزاب

180

- فصلت ) 46: فصلت ( 32

Page 403: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

403

- الشورى ) 124 ) 39: الشورى-135-199-282

- ، ) 91-90 ) 40: الشورى-109-174-192

- ، ) 124 )40: الشورى

- الحجرات ) 341 ) 9:الحجرات

- ،) 97 ) . 13: الحجرات

- الذاريات )291-215 56: الذاريات

النجم - ) 32 ) 39:النجم

المنافقون

-

، ) 6: المنافقون . (

111

- التغابن

، ) 14: التغابن ( .

96

- الطالق )240 ) .1:الطالق

- ) 224-129 ) 02: الطالق

Page 404: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

404

فهرس األحاديث و اآلثار

الصفحة األثر والحديث

- أ -

- أتشفع في حد من حدود اهللا ، ثم قام فخطب .......................105-169 -242

- إخوانكم خولكم ، جعلهم اهللا تحت أيديكم...............................348 - ادرءوا الحدود عن المسلمـين ما استطعتم ................................194-204

- إذا بلغت به السلطان ، فلعن اهللا الشافع و المشفع .......................195

- إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه..............................................147

- و اهللا ألغرمنك غرما يشق عليك: أراك تجيعهم ، ثم قال..................346 - أتلقنها ،: ال ، قالوا : أسرقت ، قولي ...................................307

- اسق يا زبير بالمعروف ثم أرسل إلى جارك ................................196

- اشفعوا تؤجروا ، و ليقضي اهللا على لسان نبيه ما أحب.................196

- اقبلوا من محسنهم و تجاوزوا عن مسيئهم.................................196

- أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إال الحدود................................100-195

- أال تخرجوا مع راعينا في إبله.............................................198

- نعم : أليس قد صليت معنا قال........................................208 - .. أنت الحق و قولك الحق و وعدك الحق و لقائك الحق .................218

- أنت و مالك ألبيك.....................................................205-320 - إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة من عمله الصالة ...............257 - أن الحارث بن زيد كان من قطاع الطرق..............................324

- إن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى اهللا تاب اهللا عليه...................116

- إنك أخطأت التأويل يا قدامة إذا اتقيت اجتنبت ما حرم اهللا عليك.......338 - إن اهللا قد حبس عن مكة الفيل و سلط عليها رسوله و المؤمنين.....92

Page 405: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

405

- إن اهللا يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.......................................114

- إنما خيرني .............................................................111 - إن من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه................167 - ، إنه من أهل النار ، فبينما هو على ذلك ، إذا وجد الرجل ألم الجرح....227 - أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء...........................257 - أيها الناس قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود اهللا..........................79 -127 - إني ألحسبه رجال مغضبا يريد أن يقتل مؤمنا ...........................115

–ت -- تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب.................100- 194

–ث -- : ثالث و الذي نفس محمد بيده إن كنت لحالفا عليهن..................99-193

–ح -

- حد يعمل في األرض خير ألهل األرض من أن يمطروا ثالثين صباحا.....105-242

- حق اهللا على العباد أن يعبدوه و ال يشركوا به شيئا....................215

–خ -

- خذوا عني خذوا عني قد جعل اهللا لهن سبيال ...........................167

–د -

- دونك فانتصري ......................................................109

–ر -

- رفع عن أمتي الخطأ و النسيان و ما استكرهوا عليه..............143-330 - 336

–ف -- فأتى به النبي فلم يزل حتى أقر به فرض رأسه بالحجارة..............112 - فأمر لهم النبي بلقاح و أمرهم أن يخرجوا فيشربوا من أبوالها و ألبانها....113

Page 406: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

406

- فحبسه النبي العهد قريب و المال كثير « : ، فرد عليه بقوله«.........306

- فقضى رسول اهللا بدية المرأة على عاقلتها .............................33 - فما بلغني من حد فقد وجب ...........................................240 - فهال قبل أن تأتيني به.............................................106-194 -243

–ك -- ، كان في بني إسرائيل القصاص و لم يكن فيهم العفو..................166 - كتاب اهللا القصاص ، فرضي القوم و قبلوا األرش............93-164-193 -202

- كل أمتي معافى إال المجاهرين...........................................79 -127 - كنا نؤتي بالشارب على عهد رسول اهللا و إمرة أبي بكر............167

-ل -

- ال يحل دم امرئ مسلم يشهد أن ال إله إال اهللا و أني رسول اهللا.........162 -168 -164 - ال يحل قتل مسلم إال في إحدى ثالث خصال..........................164 - ال يزني الزاني حين يزني وهو مومن.....................................205

- ال يؤاخذ الرجل بجريرة أبيه و ال بجريرة أخيه............................32 - لجميع أمتي .........................................................196 - لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له..........................128 - لقد تاب توبة لو قسمت بين أمة لوسعتهم..............................128 - لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم.........128

- ، لو أخذت شاربا ألحببت أن يستره اهللا..............................207 - لو تماأل عليه أهل صنعاء..............................................361

- لو سترته بثوبك كان خيرا لك........................................100

- ، 205.............................لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمت فالنة - لو يعطى الناس بدعواهم الدعى ناس دماء رجال و أموالهم ............328

Page 407: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

407

- ليس للقاتل شيء من الميراث.........................................171

–م -- بلى يا رسول اهللا: ما أخالك سرقت ، قال ..........................205 -307 - ما أصر من استغفر.................................................116

- ما أطعمته إذا كان جائعا أو ساغبا...................................347 - ما خير النبي بين أمرين إال اختــار أيسرهما ما لم يأثم ..........104

- ما رأيت رسول اهللا رفع إليه قصاص إال أمر فيه بالعفو...........193 - ما رفع إلى رسول اهللا شيء فيه القصاص إال أمر فيه بالعفو.........99 - رجل عن مظلمة إال زاده اهللا بها عزا ما عفا.............................193 - ما من رجل يصاب بشيء في جسده فيتصدق به ......................99-193

- ما نقصت صدقة من مال و مـا زاد اهللا عبدا بعفو إال عزا............98

- ، المسلم أخو المسلم ال يظلمه و اليسلمه............................129

- المسلمون تتكافأ دماؤهم............................................87 - من أتاكم و أمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم.....168 - من أصـاب بفيه من ذي حـاجة غير متخذ خبنة فال شيء عليه.....347 - بقتل أو خبل فإنه يختار إحدى ثالث من أصيب .......................93-164

- من حالت شفاعته دون حد من حدود اهللا............................105-169

- من رغب عن سنتي فليس مني.........................................225

- من ستر مسلما ستره اهللا يوم القيامة.................................207-327 - من صنع هذا بك ...................................................198 - إما أن يفتدي ، : من قتل له قتيل فهو بخير النظرين..........164-165-246 - من قتل له قتيل ، فهو بخير النظرين إما أن يفدى.................163- 246 - من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا..............................100

Page 408: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

408

–ن -- ، نعم ، إن ذلك يفعل ما لم يبلغ اإلمام..............................195 - نصبر و ال نعاقب..................................................90

-هـ -- هؤالء رجال أسلموا من أهل مكة و أرادوا أن يأتوا النبي ..........96

–و -

- و أن ال يجني جان إال على نفسه......................................32 - و اهللا ال أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة......................95

- و ما زاد اهللا عبدا بعفو إال عزا.......................................92

- و ما يمنعني ال تكونوا عونا للشيطان على أخيكم......................106

- و من قتل عمدا فهو قود...............................................162 - و من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودي وإما يقاد...........92- 165 - و من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة...........................227

- و هل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها هللا تعالى...............128

–ي -

- يا أبا ذر أعيرته بأمه ، إنك امرؤ فيك جاهلية..........................171

Page 409: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

409

فهرس القواعد األصولية و الفقهية

الصفحة القاعدة 145....................................................اختيار أهون الشرين لدفع أعظمهما - 301-289.........................................................األخذ باألصلح فاألصلح - 182....إذا اجتمع أمران من جنس واحد و لم يختلف مقصودهما دخل أحدهما في اآلخر غالبا - 294-147.......................إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما -

286...................................إذا تعارض الحرام مع المكروه قدم الحرام على المكروه - 286...............................إذا تعارض الواجب مع المندوب قدم الواجب على المندوب - 262.........................................مع حق اآلدمي غلب الثاني إذا اجتمع حق اهللا - 150 -131..............................................................األصل براءة الذمة - 151..............................................................األصل في األشياء اإلباحة -

323............................................................اعتقاد المقارنة في دفع الحد - 140.................................................اعتماد اليقين في أدلة اإلثبات ما أمكن - 142.......................................إعمال الشبهة ال يعدم المؤاخذة من الناحية العقلية - 185.........................................................األمر الذي لم ينص على حكمه -

344............................................................تحصيل األصل أولى باالعتبار - 317............................................................ترجيح الغالب على المغلوب - 279........................................................قوبات بتفاوت المفاسد تفاوت الع - 91..................................................................تقابل كل جناية بمثلها - 290 -255..............................عند االستيفاء تقدم حقوق العباد على حقوق اهللا - 28..............................................................الجوابر مشروعة لجلب ما فات من المصالح -

346............................................الحاجة إذا عمت أو خصت كانت كالضرورة -

Page 410: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

410

268.............................................................الحاجة تنزل منزلة الضرورة -

182..............................................................الحدود مبنية على التخفيف - 206-182......................................................الحدود مبنية على المساهلة - 252.......................................... إذا تساويا في القدر و الصفة تداخال الحدين - 333................................................ حفظ األبدان مقدم على حفظ األديان - 289..........................حفظ الضروري أعظم في نظر الشارع من رعاية المحرمات - 309.......................................................حقوق العباد مبنية على اإلظهار - 261 -255 -91.................................حقوق العباد مبنية على الشح و الضيق - 232...............................................ال تسقط بإسقاط العبد لها حقوق اهللا - 270.........................................................ال تقبل النيابة حقوق اهللا - 337-291-260 -257-223..........................مبنية على المسامحة حقوق اهللا - 352- 140.......................................أ في العقوبة الخطأ في العفو أفضل شرعا من الخط -

136.........................................الخطأ في نفي العقوبة أولى من الخطأ في تحقيقها - 289.................................................................درء األفسد فاألفسد - 42...............................................................درء الحدود بالشبهات - 267 -147.............................................درء المفاسد مقدم على جلب المصالح -

122..........................................................دفع أعظم المفسدتين بأدناهما - 279..................................................دفع المضار مقدم على جلب المصالح - 223.............................................رفع المشقة و الحرج و التيسير على الناس - 182.....................................................شدة العقوبة استلزمت شدة إثباتها - 161................................................................شرع ما قبلنا شرع لنا - 140.................................................................الشك يشفع به المتهم - 364 -327...............................................صدق األقوال يقوم على الظهور - 143................................................................الضرر ال يزال بالضرر -

145...................................................................الضرر ال يزال بمثله -

Page 411: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

411

268 - 146-143.............................................................الضرر يزال -

146............................................................الضرر يزال بقدر اإلمكان -

345............................................................الضرورة تستوجب كمالها - 268........................................................الضرورات تبيح المحظورات -

315..........................................الظنون ال تقع إال بأسباب تثيرها و تحركها - 30................................العادة إذا اختلفت رجعت كل عادة إلى أصل شرعي -

289.................................فوات النفس أعظم جرما من إتالف مال الغير ببدل - 311..................................................القضاء في باب الحدود إمضاؤها - 151- 29.........................................ال حكم ألفعال العقالء قبل ورود الشرع - 29.......................................................ال جريمة و ال عقوبة بغير نص - 143 -138.........................................................ال ضرر و ال ضرار - 151............................ال يكلف شرعا إال من كان قادرا على فهم دليل التكليف -

325.....................................ما علم ثبوته فاألصل بقاؤه واجبا في حقه ظاهرا - .............................247ما من حق يسقط بإسقاط العبد له إال و فيه حق اهللا - 310...................ما يكون شرطا لوجوب القضاء يراعى وجوده إلى وقت االستيفاء - 131..............................................مبنى األحكام على التوسط و االعتدال - 360 -301 -247- 238 -210.....................................مراعاة األصلح - 282..............................................................المشقة تجلب التيسير - 265...........................................المصالح نسبية تتنازع فيها المضار و المنافع - 139............................مصلحة حفظ األبدان مقدمة على مصلحة حفظ األديان -

293.......................المصلحة العامة أكبر قدرا و أولى باالعتبار من المصلحة الخاصة - 293..................................................المصلحة العامة كالضرورة الخاصة - 311.............................المعتبر بعد القضاء قبل االستيفاء كالمقترن بأصل السبب - 240...............................................المقدرات الشرعية ال يدخلها القياس - 187 -186.................................المقصود من التعزير االستصالح و التأديب -

Page 412: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

412

264..........................................................النفع و الضرر أمر نسبي - 316...........................................الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي - 293......................................ل الضرر الخاص ألجل دفع الضرر العام يتحم -

Page 413: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

413

أعالم البحث فهرس ابن رشد -من فقيه و فيلسوف ، ، يكىن بأيب الوليد ، يعرف بابن رشد احلفيد ،) هـ 595 -هـ 520( القرطيب األندلسي

اية املقتصد تهد و افت التهافت مصنفاته بداية ا .، و . 318:ص 5ج) م 2002: دار العلم للماليني ( 15، ط األعالمالزركلي ، : ينظر

ابن عبد البر -حفاظ احلديث ر، من كبا) هـ 463، هـ 368( يوسف بن عبد اهللا بن حممد بن عبد الرب النمري القرطيب املالكي االستذكار ، االستيعاب ،: ملغرب ، من مصنفاته مؤرخ أديب ، يقال له حافظ ا،

. 240: ص 8، ج األعالمالزركلي ، :رينظ ابن العربي -

احلديث حفاظ ، قاض من) هـ 453ــ ، ( حممد بن عبد اهللا بن حممد االشبيلي املالكي أبو بكر بن العريب ، أحكام القرآن: ه ، و لد يف إشبيلية ور حل إىل املشرق و برع يف األدب و بلغ رتبة االجتهاد ، من مصنفات

اإلنصاف يف مسائل اخلالف . 230: ص 6، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

ابن فرحون - و مات يف ، عامل حباثة و لد و نشأ )هـ799، ــ ( إبراهيم بن علي بن حممد بن فرحون ، برهان الدين اليعمري

.احلكام الديباج املذهب ، تبصرة: املدينة ، و هو مغريب األصل ، توىل القضاء باملدينة ، من مصنفاته . 52: ص 1، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

ابن المبارك -احلافظ شيخ ،) هـ 181، هـ118(الرمحن بن واضح احلنظلي بالوالء التميمي املروزي أبو عبد عبد اهللا بن املبارك

اهد التاجر ، كان من سكان خر . سانااإلسالم ا . 115: ص 4، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

ابن القاسم -بابن ، أبو عبد اهللا ، يعرف) هـ 191، هـ 132( عبد الرمحن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقي املصري

هي من أجل لك ، له املدونة اليت تالها على سحنونمن تالمذة اإلمام ما بني الزهد و العلم ،م ، فقيه مجع القاس .املالكية رواها عن اإلمام مالك كتب

. 323: ص 3، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

Page 414: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

414

ابن قدامة -أكابر حممد ، فقيه من، أبو ) هـ 620، هـ 541( عبد اهللا بن حممد بن قدامة املقدسي مث الدمشقي احلنبلي

.املغين ، و روضة الناظر : انيفه احلنابلة ، من تص . 67: ص 4، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

ابن القيم -اإلسالم ابن ، من تالمذة شيخ) هـ 751 -هـ 691( حممد بن أيب بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي

.كمية و مدارج السالكني و الطرق احل إعالم املوقعني ،: ، من مصنفاته تيمية .56: ص 6، ج ألعالماالزركلي ، : ينظر

ابن نجيم -و النظائر األشباه: ، فقيه حنفي ، من تصانيفه ) هـ 970، ــ ( ين الدين بن إبراهيم بن حممد الشهري بابن جنيم ز .البحر الرائق ،

. 64: ص 3، ج األعالمالزركلي ، : ينظر أبو الدرداء -يوم بدر و أسلم ، كنيته أبو الدرداء) هـ 32ــ ، ( عومير بن مالك بن قيس مب أمية بن عامر األنصاري اخلزرجي

.شهد أحد ، حكيم األمة ) ه1412: دار اجليل( 1، طعلي حممد البجاوي : ، حتقيق اإلصابة في تمييز الصحابةحجر العسقالين ، : ينظر

. 747: ص 4ج، أبو ذر - . ، كنيته أبو ذر ، تويف باملدينة بالربذة) هـ 32ــ ، ( جندب بن جنادة الغفاري

) .هـ 1412: دار اجليل ، بريوت ( علي حممد البجاوي : ، حتقيق االستيعابابن عبد الرب ، : ينظر

. 253: ص 1، ج ، أبو زهرة -

الكربى ، و اإلسالمية ، و لد مبدينة احمللة ، أكرب علماء الشريعة) م 1974م ، 1898( حممد بن أمحد أبو زهرة العربية ، وعني استاذا ، و توىل تدريس العلوم الشرعية وترىب باجلامع األمحدي ، و تعلم مبدرسة القضاء الشرعي

وبة و اجلرمية العق: من مؤلفاته ألعلى للبحوث العلميةو عضوا للمجلس ا ، حماضرا للدراسات العليا يف اجلامعة .أربعني كتابا و قد بلغت كتبه يف الفقه اإلسالمي ، . 26: ص 6، ج ) 2002: دار العلم للماليني ( 15، ط األعالم، الزركلي : ينظر

Page 415: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

415

أبو شريح الخزاعي -و تويف يف ته أبو شريح ، أسلم قبل فتح مكة،، كني) هـ 68ــ ، ( خويلد بن عمرو بن صخر ، اخلزاعي الكعيب

.احلجاز . 1689: ص 4، ج االستيعابابن عبد الرب ، : ينظر

أبو قالبة -احلديث تويف ، كثري ، اإلمام شيخ اإلسالم أبو قالبة اجلرمي البصري) هـ 104ــ، ( ابن عمرو بن ناتل بن مالك

مبصر ، 4، ج) ت .ب: ، بريوت سالةمؤسسة الر ( شعيب األرناؤوط : ، حتقيق سير أعالم النبالءالذهيب ، : ينظر

. 469: ص أبو مالك األشجعي - .سعد بن طارق بن أشيم ، كويف صدوق ، روي عنه الثوري و يزيد بن هارون

. 186: ص 6ج سير أعالم النبالءالذهيب ، : ينظر أبو يوسف -الفقه عن ابن حلديث مث غلب عليه الرأي ، و أخذ، كان من أصحاب ا) هـ 182ـــ ، ( يعقوب بن إبراهيم

. د أيب ليلى مث عن أيب حنيفة ، وو يل القضاء هلارون الرشي: دار الرائد العريب ، بريوت ( 1إحسان عباس ، ط: ، حتقيق طبقات الفقهاءأبو إسحاق الشريازي ، : ينظر

.134: ص 1، ج) م 1970 أبي بن كعب -من أصحاب العقبة الثانية ، يكىن بأيب املنذر ، سيد القراء ، كان) هـ 32ـ ، (بن قيس األنصاري اخلزرجي

.و شهد بدرا و املشاهد كلها ، و كان عمر بن اخلطاب يسميه سيد املسلمني . 27: ص 1، ج اإلصابة في تمييز الصحابةالعسقالين ، : ينظر

أشهب -فقيه الديار ، يكىن بأيب عمرو) هـ 204، هـ 146( القيسي بن عبد العزيز بن داود القيسي العامري اجلعدي

.املصرية يف عصره ، صاحب اإلمام مالك . 333: ص 1، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

أنس بن مالك - .مات بالبصرة خادم رسول اهللا ، أبو محزة ،) هـ 93، قبل اهلجرة هـ10( بن ضمضم األنصاري اخلزرجي

. 25: ص 2، ج األعالمالزركلي ، : ينظر الباجي -

Page 416: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

416

و ، فقيه مالكي من رجال احلديث ) هـ 474، هـ 403( سليمان بن خلف بن سعد القرطيب أبو الوليد الباجي ملا روي عنه البخاري يف املنتقى شرح املوطأ ، و التعديل و الرتجيح: يل القضاء يف أحناء األندلس من مصنفاته

.الصحيح . 125: ص 3، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

البخاري -األصول ، من ، فقيه حنفي من علماء ) هـ 730، ـــ ( عبد العزيز بن أمحد بن حممد عالء الدين البخاري

.ار شرح أصول البزدوي املسمى كشف األسر : تصانيفه . 13: ص 4ج ، األعالمالزركلي ، : ينظر

التسولي -، فقيه مالكي تسويل األصل و املولد ، ) هـ 1258، -- ( علي بن عبد السالم بن علي أبو احلسن التسويل

.لتحفة احلكام البن عاصم البهجة شرح : ويل القضاء و تويف بفاس ، من مصنفاته . 299: ص 4، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

التفتازاني -ولد املنطق ، من أئمة العربية و البيان و) هـ 793، هـ 712( مسعود بن عمر بن عبد اهللا التفتازاين سعد الدين

ضد علىمقاصد الطالبني حاشية على شرح الع: سان ، من تصانيفه ابتفتازان من بالد خر .التلويح إىل كشف غوامض التنقيح خمتصر ابن احلاجب ،

. 219: ص 7، ج األعالم الزركلي ،: ينظر الجصاص -، مفسر و فاضل من أهل الرأي سكن بغداد و ) هـ 370، هـ 305( أمحد بن علي الرازي أبو بكر اجلصاص

.أحكام القرآن : ها ، من مصنفاته مات في . 171: ص 1ج ، األعالمالزركلي ، : ينظر

جيرمي بنتام -درسة التقليدية من مؤلفاته مبادئ األخالق و ، فيلسوف إجنليزي من أنصار امل)م 1832 -م1748(

.التشريع الدار اجلامعة ،( دراسة في علم اإلجرام و العقاب، حممد زكي أبو عامر: ينظر

. 348: ، ص) م 1993 :بريوت

الخطيب -

Page 417: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

417

الشافعية مبصر ، شيخ) هـ 596، هـ 510( إبراهيم بن منصور بن املسلم املصري أبو إسحاق املعروف باخلطيب .شرح املهذب للشريازي : ، من تصانيفه

. 74: ص 1، ج األعالمالزركلي ، : ينظر الداودي -كتاب يف أحكام أموال : فقيه مالكي ، من مصنفاته الداودي ، أبو جعفر ، ) هـ 307، ــ ( أمحد بن نصر

.راضي اليت يتغلب عليها املسلمون املغامن و األ . 264: ص 1، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

الرازي -، اإلمام ) هـ 606، هـ 544( البكري أبو عبد اهللا فخر الدين الرازي التيميحممد بن عمرو بن احلسن بن احلسني

.يف التفسري أو التفسري الكبري من تصانيفه مفاتيح الغيباملفسر ، . 313: ص 6، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

الرافعي -الشافعية ، أبو القاسم الرافعي القزويين ، فقيه من كبار) هـ 623، هـ 557( بن حممد بن عبد الكرمي الكرميعبد

.، و شرح مسند الشافعي احملرر يف الفقه: ، من مصنفاته . 55: ص 4، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

الزبير بن العوام -و ابن عمته ، اهللا ، أبو عبد اهللا ، حواري رسول) هـ 36قبل اهلجرة ، 28( بن خويلد القرشي األسدي

.لستة أصحاب الشورى ن باجلنة ، و أحد اأحد العشرة املبشري . 553: ص 2، جاإلصابة العسقالين ،: ينظر

الزبيري -القضاء ، و يل) هـ 801، هـ 740( أمحد بن حممد بن حممد بن حممد الزبريي اإلسكندري املالكي

. باإلسكندرية و عمل تعليقا على خمتصر ابن احلاجب الفرعي ، و استقر يف قضاء املالكية بالقاهرة . 225: ص 1، ج األعالمالزركلي ، :ينظر

زينب بنت جحش -و طلقها زيد ، فتزوجها النيب ، و بن رئاب األسدي أم املومنني ، كانت زوجة زيد بن حارثة ، و امسها برة

.هـ 20مساها زينب ، توفيت عام . 1850: ص 4ج االستيعابابن عبد الرب ، : ينظر

الزركشي -

Page 418: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

418

ادر بن عبد اهللا الزركشي أبو عبد اهللا بدر الدين شافعي صويل، عامل و فقيه أ) هـ 794، هـ 745( حممد بن البحر احمليط ، و املنثور يف: املذهب ، أصله من الرتك مصري املولد و الوفاة ، من تصانيفه

.القواعد . 61: ص 6، جألعالم الزركلي ، ا: ينظر

يزيدالسائب ين - .ن أخت منر بن سعيد بن مثامة بن األسود الكندي ، يعرف باب

. 27: ص 3، ج اإلصابةالعسقالين ، : ينظر السرخسي -جمتهد من أهل س األئمة قاض من كبار األحناف ،، كنيته ابو بكر ، مش) هـ 483، ــ ( حممد بن أمحد بن سهل

.و هو يف السجن ، أمالهاملبسوط : سان ، من مصنفاته اسرخس يف خر . 315: ص 5، ج األعالم الزركلي: ينظر

سعد بن عبيدة - ائةأبو محزة السلمي ، إمام ثقة من علماء الكوفة ، تويف كهال يف حدود سنة بضع و م

. 10: ص 5، ج سير أعالم النبالءالذهيب ، : ينظر سفيان الثوري - .رة ، أمري املومنني يف احلديث ، مات يف البص) هـ 161، هـ 97( بن مسروق الثوري سعيدسفيان بن

. 204: ص 1، ج )ت .ب: إحياء الرتاث العريب ، بريوت دار(، تذكرة الحفاظالذهيب ، : ينظر

السيوطي -إمام ، )هـ 911، هـ 849( السيوطي جالل الدين اخلضرييعبد الرمحن بن أيب بكر بن حممد ابن سابق الدين

.األشباه و النظائر طأ، إسعاف املبطأ يف رجال املو ناإلتقان يف علوم القرآ: حافظ ، مؤرخ أديب ، من مصنفاته . 301: ص 3، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

الشاطبي -أهل غرناطة من ، أصويل حافظ) هـ 790ــ ، ( إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي الشهري بالشاطيب

.واإلنشادات املوافقات يف أصول الفقه ، و اإلفادات : ، كان من أئمة املالكية ، من مصنفاته . 75: ص 1، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

الشوكاني -

Page 419: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

419

اليمن علماء ، فقيه جمتهد ، من كبار ) هـ1250، هـ 1173( حممد بن عبد اهللا الشوكاين بنحممد بن علي جرة شوكان ، من مصنفاته م .الفحول شادنيل األوطار ، و فتح القدير ، و إر : ن أهل صنعاء ، و لد

. 298: ص 6، ج األعالمالزركلي ، : ينظر الشيباني -حضر جملس أيب حنيفة ، مث تفقه على ) هـ 189ـ، ( حممد بن احلسن الشيباين موىل لبين شيبان

.أيب يوسف . 135: ص 1، ج طبقات الفقهاء، الشريازي: ينظر

شيزاري دي بيكاريا -ت اإلصالح اجلنائي ، و قد تأثر قليدية ، كان أكثر اهتماما حبركة، زعيم املدرسة الت) م 1794 –م 1738(

.بأفكاره كل التشريعات الوضعية . 176: ، ص) م 1985: الدار اجلامعية ، اإلسكندرية ( علمي اإلجرام و العقابعلي قهوجي ، : ظر ين

الضحاك -ه كان يف يقال أنو ، مفسر و كان يؤدب األطفال ،) هـ 105ــ ، ( بن مزاحم البلخي اخلرساين ، ابو القاسم ا

.مدرسته ثالثة آالف صيب . 215: ص 3، جاألعالم الزركلي ، : ينظر

الطبري -: ن تصانيفه م، املؤرخ املفسر ، استوطن بغداد ) هـ 310، هـ 224( حممد بن جرير ين يزيد الطربي ، أبو جعفر

.ن ، و قد كان جمتهدا يف األحكام جامع البيان يف تفسري القرآ . 69: ص 6، جاألعالمالزركلي ، : ينظر

عبد الرحمن بن عوف -اجلنة و أحد كنيته أبو حممد ، أحد املبشرين ب )هـ32ــ ، ( بن عبد عوف بن عبد احلارث بن زهرة الزهري القرشي

.الستة أصحاب الشورى

. 346: ص 4ج ، اإلصابةالعسقالين ، : ينظر عبد العزيز بن عبد السالم -بسلطان العلماء ، فقيه شافعي بلغ لقب، امل) هـ 660، هـ 577( بن أيب القاسم بن احلسن السلمي الدمشقي

:من مصنفاته خطيبا ، مث اعتزل و لزم بيته ، ضيارتبة االجتهاد، توىل اخلطابة و التدريس يف دمشق ، و كان قا .قواعد األحكام يف إصالح األنام

. 21: ص 4، ج األعالملي ، الزرك: ينظر عبد اهللا بن عمر -

Page 420: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

420

.يبلغ احللم صغري مل، كنيته أبو عبد الرمحن ، أسلم مع أبيه و هو ) هـ 73ــ ، ( بن اخلطاب دار( ، حتقيق عادل أمحد الرفاعي أسد الغابة في معرفة الصحابةابن األثري ، : ينظر

. 348: ص 3، ج) م 1996: إحياء الرتاث العريب ، بريوت عبد اهللا بن عمرو بن العاص

.تويف بالطائف د ،، صحايب ، كنيته أبو حمم) هـ 63ــ، ( بن وائل القرشي السهمي . 192: ص 4، ج اإلصابةالعسقالين ، : ينظر

عبد اهللا بن مسعود -فضال و علما ، و من السابقني و عبد الرمحن ، من أكابر الصحابة، أب) هـ32 ،ــ ( بن غافل بن حبيب اهلذيل

.القرآن مبكة إىل اإلسالم ، و أول من جهر بقراءة . 337: ص 4، ج األعالمالزركلي، : ينظر

عبد اهللا بن صفوان . هـ ، و لد يف عهد رسول اهللا 73بن أمية بن خلف اجلمحي تويف عام

. 14: ص 5، ج اإلصابةالعسقالين ، :ينظر ن الزبيرعروة ب -

الفقهاء ، أحد، من التابعني ) هـ 93ــ ، ( بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي األسدي ا .السبعة باملدينة

. 226: ص 4، ج األعالمالزركلي ، : ينظر عمرو بن شعيب -التابعني و من بين عمرو بن العاص و من ، كنيته أبو إبراهيم ، من) هـ 118ــ ، ( عمرو بن شعيب بن حممد

.ف رجال احلديث تويف بالطائ . 79: ص 5، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

عياض -املغرب و ، أبو الفضل ، عامل) هـ 544، هـ 476( عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصيب السبيت

م و أيامهمإمام أهل احلديث يف وقته ، كان من أعلم الناس بكالم الع ، ويل القضاء رب و أنسا .ترتيب املدارك و تقريب املسالك :سبتة و غرناطة ، من مصنفاته

. 99:ص 5، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

العيني -

Page 421: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

421

من مصنفاته عمدة القارئ شرح للبخاري ، فقيه حنفي ، ) هـ 855 -هـ 762( احلليب العيين حممدبدر الدين أبو .، و البناية شرح اهلداية

. 163: ص 7ج، ألعالماالزركلي ، : ظر ين القرافي -علماء املالكية من، ) هـ 684، ــ ( أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن أبو العباس شهاب الدين الصنهاجي القرايف وق يف أنواء الفروق ، الذخرية ،أنوار الرب : مصري املولد و املنشأ و الوفاة ، من مصنفاته ،

.الفصول شرح تنقيح . 94: ص 1، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

القرطبي -، من القرطيب ، أبو عبد اهللا) هـ 676، ـ(األنصاري اخلزرجي األندلسي حممد بن أمحد بن أيب بكر بن فرح

.امع ألحكام القرآن ، تويف مبصر اجل: كبار املفسرين ، من مصنفاته . 322: ص 5، ج األعالم الزركلي ،: ينظر

الكاساني - بدائع : ، ملك العلماء ، من مصنفاته ، فقيه حنفي ) هـ 587ــ ، ( أبو بكر بن مسعود بن أمحد الكاساين

.و هو مهر لزوجته الفقيهة فاطمة الصنائع . 70: ص 2ج، األعالمالزركلي ، : ينظر

الكتاني -األصويل ، فقيه، ال) هـ 738، هـ 653( عمر بن أيب احلرم بن عبد الرمحن بن يونس الشيخ زين الدين الكتاين

.شيخ الشافعية . 378: ص 10، ج طبقات الشافعية الكبرىالسبكي ، : ينظر

الكرخي -مولده رياسة احلنفية بالعراق ، أبو احلسن ، فقيه انتهت إليه) هـ 340، هـ 260( عبيد اهللا بن احلسني الكرخي

.ع الصغري ، و شرح اجلامع الكبري شرح اجلام: يف الكرخ ، و وفاته ببغداد ، من مصنفاته . 193: ص 4، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

لبيد - أحد الشعراء الفرسـان األشراف يف ،) هـ 41ــ ، (لبيد بن ربيعة بن مالك أبو عقيل العامري

:اجلاهلية ، أدرك اإلسالم ، أحد أصحاب املعلقات ، و مطلع معلقته هذا البيت فرجامهاعفت الديار حملها فمقامها مبىن تأبد غوهلا

.240: ص 5، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

Page 422: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

422

الماجشون -مالكي ، أبو مروان ابن املاجشون ، فقيه) هـ 212، ــ ( عبد امللك بن عبد العزيز بن عبد اهللا التيمي بالوالء

.فصيح دارت عليه الفتيا يف زمانه . 160: ص 4، ج األعالمالزركلي ، : ينظر

المأمون -سابع اخللفاء هـ 218، هـ 170( عبد اهللا بن هارون الرشيد بن حممد املهدي بن أيب جعفر املنصور أبو العباس

.لوك يف سريته و علمه و سعة ملكه من بين العباس يف العراق ، أحد أعاظم امل . 142: ص 4، ج األعالمالزركلي ، :ينظر

الماوردي -مصنفاته شافعي املذهب ، تقلد القضاء من) هـ 450، هـ 364( أبو احلسن علي بن حممد املشهور باملاوردي

، األحكام السلطانية إلقناع يف فقه الشافعية ، و كتابهاحلاوي و ا . 267:ص 5، ج طبقات الشافعية الكبرىالسبكي ، : ينظر

مجاهد - التابعني، املقرئ و املفسر احلافظ من ) هـ 104، هـ 21( بن جرب اإلمام أبو احلجاج املخزومي

. هريرة و ابن عباس و لزمه مدة مسع من سعد و عائشة و أيب . 92: ص 1، ج تذكرة الحفاظالذهيب ، : ينظر

المرداوي -نابلس و قرب ، فقيه حنبلي ، و لد يف مردا) هـ 885، هـ 817( علي بن سليمان بن أمحد املرداوي مث الدمشقي

.نصاف يف معرفة الراجح من اخلالف اإل: انتقل إىل دمشق ، من مصنفاته . 292: ص 4، ج األعالم لي ،الزرك: ينظر

مسطح بن أثاثة -أيب بكر بن عباد بن املطلب بن عبد مناف ، كان امسه عوفا ، و أما مسطح فهو لقبه ، و أمه بنت خالة

.أسلمت و أسلم أبوها قدميا ، و قد كان أبو بكر ميونه لقرابته . 93: ص 6، ج اإلصابةابن حجر العسقالين ، : ينظر

النخعي -قا و ، من أكابر التابعني صالحا وصد) هـ 96، هـ 46( إبراهيم بن يزيد بن قيس بن األسود أبو عمران النخعي

.حفظا للحديث من أهل الكوفة . 74: ص 1، ج تذكرة الحفاظالذهيب ، : ينظر

النفراوي -

Page 423: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

423

لفواكه ا: أزهري مالكي املذهب ، من مصنفاته ، ) هـ 1126 -هـ 1044( أمحد بن غنيم بن سامل النفراوي .الدواين يف فقه املالكية

. 192: ص 1ج، األعالمالزركلي ، : ينظر الوراق - .ر أكثر شعره يف املواعظ و احلكم ، شاع) هـ 225ــ ، ( حممود بن احلسن الوراق

. 167: ص 7، ج ألعالم، ايالزركل: ينظر يزيد بن نعيم -قصة رجم نيوندمالك ، سكن املدينة ، و روي عنه امل هزال من التابعني ، و أبوه نعيم بن هزال بن بن

.ماعز األسلمي . 1509: ص 4، ج االستيعابابن عبد الرب ، : ينظر

يزيد بن هارونمن حفاظ احلديث الثقات ، ) هـ 206، هـ 118( بن زاذان بن ثابت السلمي بالوالء الواسطي ، كنيته أبو خالد .قدر من كان حيضر جملسه بسبعني ألف و

. 190: ص8ج ، األعالمالزركلي ، : ينظر

Page 424: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

424

فهرس املراجع

القرآن الكريم - التفسيركتب

) ت .ب: دار الكتب العلمية ، بريوت ( أحكام القرآنابن العريب ، -2 ) ت .ب: دار إحياء الرتاث العريب ، بريوت ( تفسير القرآن العظيمابن كثري ، -3 ) ت .ب: دار إحياء الرتاث العريب ، بريوت ( 3، ط التفسير الكبيرالرازي ، -4 ) م1999: ر ابن حزم ، بريوت دا( 1، ط تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنانالسعدي ، -5 م 1995: طباعة و النشر و التوزيع ، بريوتدار الفكر لل( أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآنالشنقيطي ، -6 1، خرج أحاديثه أمحد بن شعبان بن أمحد و حممد بن عيادي ، ط الجامع ألحكام القرآنالقرطيب ، -7

.) 2005: مكتبة الصفا ، القاهرة (

كتب الحديث وشروحه )ت .ب: دار افرك ، بريوت ( المصنفابن أيب شيبة ، -8 1، ط، حتقيق مصطفى شيخ مصطفى و مدثر سندس األحكامإحكام األحكام شرح عمدة ابن دقيق العيد ، -9

) 2005: الرسالة ( ) ت .ب: دار الفكر ، بريوت (حممد فؤاد عبد الباقي : ، حتقيق سنن ابن ماجةابن ماجة ، -10 ) ت .ب: دار الكتاب العريب ، بريوت ( سنن أبي داودأبو داود ، -11 ) 2001: الرسالة ( 1شعيب األرناؤوط و عادل مرشد ، ط: ، حتقيق المسندأمحد ، -12 )م 2004: مكتبة الثقافة الدينية ، القاهرة ( المنتقى شرح الموطأالباجي ، -13 :دار الكتب العلمية ، بريوت ( 5حممود حممد حسن نصار ، ط: ، حتقيق صحيح البخاريالبخاري ، -14

2007 ( املكتب اإلسالمي، دمشق ( 2، حتقيق شعيب األرناؤوط و حممد زهري الشاويش ، ط السنة شرحالبغوي ، -15

) 1983: بريوت ) هـ 1344: جملس دائرة املعارف النظامية ، اهلند ، حيدر آباد ( 1، ط سنن الكبرىالالبيهقي ، -16 ) م2004: بيت األفكار الدولية ، لبنان ( بيت األفكار الدولية : ، اعتىن به فريق الترمذيجامع الرتمذي ، -17 .) 2000دار احلديث ، القاهرة ، ( 1ط، نيل األوطار، الشوكاين -18

Page 425: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

425

)هـ 1379: دار املعرفة ، بريوت ( ، فتح الباري شرح صحيح البخاريالعسقالين ، -19 ) ت .ب: دار اجليل و اآلفاق اجلديدة ، بريوت ( ، الصحيحالجامع مسلم ، -20 :مكتب املطبوعات اإلسالمية ، حلب ( 2عبد الفتاح أبو غدة ، ط: ، حتقيق المجتبى من السننالنسائي ، -21

1986 ) هـ 1392 :، بريوت ر إحياء الرتاث العريب دا( 2، ط المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاجالنووي ، -22

كتب اللغة )م 1999: دار اجليل ، بريوت ( عبد السالم حممد هارون : ، حتقيق معجم مقاييس اللغةابن زكريا ، -23

)ت .ب: بريوت دار صادر ، ( 1، ط لسان العربابن منظور ،

ـــ -24 . 619:ص 1ج، ) 1993: دار صادر ، بريوت ( 3، ط لسان العرب، ـ ت .ب: دار العلم و الثقافة ، القاهرة( حممد إبراهيم سليم : ، حتقيق الفروق اللغويةأبو هالل العسكري ، -25 ) 1998: دار الفكر ، دمشق ( 2، ط القاموس الفقهي لغة و اصطالحاسعدي أبو حبيب ، -26 ) ت .ب: املكتبة العلمية ، بريوت ( المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعيالفيومي ، -27 )م 2007: دار الكتب العلمية ، بريوت ( 2، ط القاموس المحيطالفريوزبادي ، -28 .)هـ 1410: دار الفكر املعاصر ، دمشق ( 1، ط التوقيف على مهمات التعاريفاملناوي ، -29

كتب األصول م 1986: بريوت دار الكتاب العريب ،( 2سيد اجلميلي ، ط: ، حتقيق اإلحكام في أصول األحكاممدي ، اآل -30 ،)م1996: دار الفكر ، بريوت ( التقرير و التحبير في علم األصولابن أمري احلاج ، -31 )م 2007 :دار الفكر ، بريوت ( اإلحكام في أصول األحكامابن حزم ، -32 م 1997: مكتبة العبيكان ( 2حممد الزحيلي و نزيه محاد ، ط: حتقيق ، شرح الكوكب المنيرابن النجار ، -33 )ت .ب: دار الفكر العريب ، القاهرة ( أصول الفقهأبو زهرة ، -34 بريوـ دار الكتاب العريب ،( 3حممد املعتصم باهللا البغدادي ، ط: ، حتقيق كشف األسرارالبخاري ، -35

1997 ) م 1996 :دار الكتب العلمية ، بريوت ( ، حتقيق زكريا عمريات شرح التلويح على التوضيحالتفتازاين ، -36 األوقاف و الشؤون وزارة( 1عجيل جاسم النشمي ، ط: ، حتقيق الفصول في األصولاجلصاص ، -37

) 1985: الكويت اإلسالمية، )م 2000: دار الكتب العلمية ، بريوت ( حممد تامر : ، حتقيق البحر المحيطالزركشي ، -38 الكتب دار( 3عبد اهللا دراز و حممد عبد اهللا دراز ، ط: ، حتقيق الموافقات في أصول الشريعةالشاطيب ، -39

) 2003: بريوت ،العلمية

Page 426: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

426

: بريوت دار الفكر ،( حممد سعيد البدري :، حتقيق الفحول إلى تحقيق علم األصولإرشاد الشوكاين ، -40 1992 (

)م 2007 :دار سحنون للنشر و التوزيع ، تونس( 2، ط مقاصد الشريعة اإلسالمية، طاهر بن عاشور ال -41 ت .ب: دار املعارف ، بريوت( حممود التالميد الشنقيطي : ، حتقيق قواعد األحكامالعز بن عبد السالم ، -42 )م 1999: دار الكتب العلمية ، بريوت ( حاشية العطار على شرح الجالل المحليالعطار ، -43 )ت .ب: دار األرقم ، بريوت ( المستصفى من علم األصولالغزايل ، -44 ) 1997: دار الفكر ، بريوت ( 1، ط شرح تنقيح الفصولالقرايف ، -45 سراح عبد الرمحن اجلبريي ، عوض القرين ، أمحد: ، حتقيق التحبير شرح التحرير في أصول الفقهاملرداوي ، -46

). 2000: مكتبة الرشد ، الرياض (

كتب الفقه الفقه الحنفي

) 2000: دار الفكر ، بريوت ( رد المحتار على الدر المختار، ابن عابدين -47 ) ت .ب: دار املعرفة ، بريوت ( البحر الرائق شرح كنز الدقائقابن جنيم ، -48 ) ت .ب: دار الفكر ، بريوت ( شرح فتح القديرابن اهلمام ، -49 ) ت .ب: دار الفكر ، بريوت ( العناية شرح الهدايةالبابريت ، -50 ) ت .املطبعة اخلريية ، ب( الجوهرة النيرة احلدادي العبادي ، -51 ،)هـ 1313: دار الكتاب اإلسالمي ، القاهرة ( تبيين الحقائقالزيلعي ، -52 ).م 2000: دار الفكر ، بريوت ، لبنان ( 1خليل حمي الدين امليس ، ط: ، حتقيق المبسوطالسرخسي ، -53 .) 2008: ملكتبة العصرية ، بريو ا( ، حتقيق حممد الدايل بلطه المرامسبل السالم شرح بلوغ الصنعاين ، -54 :بريوت دار الكتب العلمية ،( سيين فهمي احل: ، حتقيق درر الحكام شرح مجلة األحكامعلي حيدر ، -55

. ) ت.ب .)م 2009: دار الفكر ، بريوت ( البناية في شرح الهداية، العيين -56

دار إحياء( 1حممد عدنان بن ياسني درويش ، ط: ، حتقيق بدائع الصنائع في ترتيب الشرائعالكاساين ، -57 .)م 2010: العريب ، بريوت الرتاث

الفقه المالكي :دار الكتب العلمية ، بريوت ( 1أيب الفضل بدر العمراين ، ط: ، حتقيق جامع األمهاتابن احلاجب ، -58

2004 . الكتب العلمية ، ردا( عبد اللطيف حسن عبد الرمحن : ، حتقيق شرح ميارة الفاسيأبو عبد اهللا املالكي ، -59

Page 427: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

427

) .م 2000: بريوت ).م 1992: الشؤون الدينية ، اجلزائر وزارة( ، الشرح الصغيرأمحد الدردير ، -60 )م 2003: دار عامل الكتب ( زكريا عمريات : ، حتقيق خليل مواهب الجليل لشرح مختصرحلطاب ، ا -61 ).ت .ب: دار الكتب العلمية ، بريوت (، حتقيق زكريا عمريات المدونةسحنون ، -62 ) .ت .ب: ، بريوت دار الفكر( منح الجليل شرح مختصر خليلعليش ، -63 .)م 1989: دار الفكر ، بريوت ( ، منح الجليل شرح مختصر خليلـــ ، -64 .)م 1994: دار الغرب ، بريوت ( حممد حجي : ، حتقيق الذخيرة القرايف ، -65 .) ت .ب: دار الفكر ، بريوت ( ، حتقيق حممد عليش حاشية الدسوقي على الشرح الكبيرحممد عرفة ، -66

.) 2009: دار الفكر ، بريوت ( الفواكه الدوانيلنفراوي ، ا -67 الفقه الشافعي

.)ت.دار إحياء الرتاث العريب ، ب( تحفة المحتاج في شرح المنهاجابن حجر اهليتمي ، -68 .)م2007 :دار املعرفة ، بريوت ( 3ط، مغني المحتاجابن اخلطيب الشربيين ، -69 .)ت .ب: دار الكتاب اإلسالمي ( أسنى المطالب شرح روضة الطالباألنصاري ، ابن زكريا -70 ).م1961: املكتب اإلسالمي ، دمشق ( مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهىالرحيباين ، -71 ).ت .ب :دار الفكر ، بريوت ( نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج الرملي ، -72 .)ـ ه1393: دار املعرفة ، بريوت ( األم الشافعي ، -73 دار املعارف( 3حممد خليل عيتاين ، ط: ، اعتىن به مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاجالشربيين ، -74

.) 2007: بريوت ، لبنان دار الكتب ( حتقيق عادل أمحد املوجود و علي حممد معوض ، روضة الطالبين و عمدة المفتينالنووي ، -75

).ت .ب: العلمية بريوت الفقه الحنبلي

).م 2003 :مؤسسة الرسالة ، بريوت ( 1عبد اهللا بن احملسن الرتكي ، ط: ، حتقيق الفروعابن مفلح ، -76 .)م1996: ، بريوت عامل الكتب( شرح منتهى اإلراداتالبهويت ، -77 ).هـ 1402: دار الفكر ، بريوت ( هالل مصيلحي : ، حتقيق كشف القناع عن متن اإلقناعـــ ، -78 دار املعرفة ،( عبد اللطيف حممد موسى السبكي: ، حتقيق اإلقناع في فقه اإلمام أحمد بن حنبلاحلجاوي ، -79

. ) ت .ب: بريوت .) 1961: اإلسالمي ، دمشق املكتب( مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهىالرحيباين ، -80 ). هـ 1419 :دار إحياء الرتاث العريب ، بريوت ( 1، ط اإلنصاف في معرفة الراجح من الخالفاملرداوي ، -81

Page 428: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

428

الفقه الظاهري ) .ت.ب: دار الفكر ، بريوت ( المحلىابن حزم ، -82

والقواعد الفقهيةالفقه المقارن 1، ط حممد معوض و عادل أمحد عبد املوجود علي: ، حتقيق بداية المجتهد و نهاية المقتصدابن رشد ، -83

.)م 1996: دار الكتب العلمية ، بريوت (

).ت .ب: دار الشروق ، بريوت ( حتقيق عبد الرزاق املهدي ، االستذكارابن عبد الرب ، -84 .)هـ 1405: بريوت ، الفكر دار( 1، ط المغنيابن قدامة املقدسي ، -85 ). م 1995: دار الكتب العلمية ، بريوت ( 1، ط القواعد الفوائد األصوليةابن اللحام ، -86 ).م 1980: دار الكتب العلمية ، بريوت ( األشباه و النظائرابن جنيم ، -87 م 1985: دار الكتب العلمية ، بريوت( البصائرشرح كتاب األشباه و النظائر البن نجيمغمز عيون احلموي ، -88 اجلوزي دار ابن( أبو عبد الرمحن عادل بن يوسف الغرازي : ، حتقيق الفقيه و المتفقهاخلطيب البغدادي ، -89

).هـ 1421: السعودية زارة األوقاف و الشؤون اإلسالمية ،و ( 2تيسري فائق أمحد ، ط: ، حتقيق القواعدالمنثور في الزركشي ، -90

.)هـ 1405: الكويت .) 1991: دار الكتب العلمية ، بريوت ( 1، ط األشباه و النظائرالسبكي ، -91 ) . م 2009: بريوت دار الفكر ،( 1، ط النظائر األشباهالسيوطي ، -92 باجلامعة عمادة البحث العلمي( 1، ط القواعد و الضوابط الفقهية المتضمنة للتيسيرعبد الرمحن بن صاحل ، -93

.) 2003: اإلسالمية ، املدينة املنورة .)م 2007: املكتبة العصرية ، بريوت ( عبد احلميد هنداوي : ، حتقيقالفروق القرايف ، -94

) .م1998: دار القلم ، دمشق ( المدخل الفقهي العاممصطفى أمحد الزرقا ، -95

كتب القضاء و السياسة الشرعية

).ت .ب: قصر الكتب ، البليدة ، اجلزائر ( السياسة الشرعية ابن تيمية ، -96 ).م 1995: دار الكتب العلمية ، بريوت ( التبصرةابن فرحون ، -97 ).م 1973: دار اجليل ، بريوت ( حتقيق طه عبد الرءوف سعد ، إعالم الموقعينابن قيم اجلوزية ، -98ـــ -99 ــ :اجليل دار( 1عصام فارس احلرستاين ، ط: ، حتقيق الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ـ

Page 429: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

429

).م 1998: بريوت 1عجو ، ط إبراهيم يوسف ، مصطفى: ، حتقيق الرياسة وترتيب السياسةتهذيب أبو عبد اهللا القلعي ، -100

. )ت .ب: املنارة ، األردن ، الزرقاء مكتبة( ).م2008: املكتبة العصرية ، بريوت ( ، البهجة شرح التحفةالتسويل ، -101 اق ،عبد الرز أبو بكر: ، حتقيق اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام و تصرفات القاضي و اإلمامالقرايف ، -102

. )م 1989: املكتب الثقايف ، األزهر الشريف ، مصر 1ط ).ت .ب: دار الفنون ، كمربدج ( معالم القربة في معالم الحسبةالقرشي ، -103 :مكتبة دار ابن قتيبة ، الكويت( 1أمحد مبارك البغدادي ، ط: ، حتقيق األحكام السلطانيةاملاوردي ، -104

). م 1989

كتب الشريعة و القانون : اللبناين ، بريوت لكتابدار ا( ، القسم العام الوجيز في شرح قانون العقوبات الجزائريإبراهيم الشباسي ، -105

).ت .ب ).هـ 1383: مصر معهد الدراسات العربية العاملية ،( فلسفة العقوبة في الفقه اإلسالميأبو زهرة ، -106 ).ت .ب: دار الفكر العريب ، القاهرة ( الجريمة، ـــ -107 ) . ت.ب: دار الفكر ، القاهرة ( العقوبة ، ـــ -108نسي ، -109 دار الشروق ( 5، ط نظريات في الفقه الجنائي اإلسالمي ، دراسة فقهية مقارنةأمحد فتحي

.)م 1988: بريوت ـــ -110 ــ .) 1983: دار الشروق ، بريوت ( ، 5، ط العقوبة في الفقه اإلسالمي، ــ

:املطبوعات اجلامعية ، اجلزائر ديوان( علم اإلجرام و علم العقابموجز في إسحاق إبراهيم منصور ، -111 1997 (.

). ت .ب: دار اهلدى، عني مليلة ، اجلزائر ( مبدأ الشرعية في قانون العقوبات الجزائريبارش سليمان ، -112 ). م2002: دار مهومه ،اجلزائر ( مبادئ القانون الجزائي العامبن شيخ حلسني ، -113

:تبريو دار بريوت ( 3، ط األنظمة السياسية و الدستورية في لبنان و سائر البلدان العربيةحسن احلسن ، -114 1981.(

: املطبعة اجلديدة ، دمشق ( المفصل في شرح قانون العقوبات ، القسم العام عبد الوهاب ، حومد -115 ).م 1990

). 1993: أطلس للنشر ، اجلزائر ( تاريخ النظم القديمةدليلة فركوس ، -116 .) م1991: دار النشر للجامعات املصرية ، مصر ( موجز القانون الجنائيراشد علي ، -117

Page 430: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

430

75:، ص)م 1992: دار اخللود ، بريوت ( 2، ط االتجاهات الحديثة في قانون العفو العامرباح غسان ، -118

) 2008: منشورات احلليب احلقوقية ( 1، ط الوجيز في العفو عن األعمال الجرمية ، ــــ -119 .) م 1985: منشورات عويدات ، بريوت ( 1، ط نظرية العفو في التشريعات العربية، ــــ -120 . )م 1985: منشورات عويدات ، بريوت ( 1، ط نظرية العفو في التشريعات العرية، ــــ -121نام ، -122 ).ت .ب: أ املعارف ، االسكندرية منش( المجرم تكوينا و تقويمارمسيس .) 1998: منشورات اجلليب احلقوقية ، بريوت ( األحكام الجزائية العامة، زرق فؤاد -123 . ) 1962: دار املعارف ، مصر ( العقوباتاألحكام العامة في قانون السعيد مصطفى ، -124 ).2000: عة اجلديدة للنشر ، اإلسكندرية دار اجلام( النظرية العامة لقانون العقوباتسليمان عبد املنعم ، -125 .) 1994: املؤسسة اجلامعية ، بريوت ( 2، ط )القسم العام ( أصول قانون العقوبات مسري عالية ، -126 .)ت .ب: الدار اجلامعية ، بريوت ( النظم السياسية و القانون الدستوريشيحا إبراهيم ، -127 .)م 1985: منشورات جامعة بريوت العربية ( حق الدولة في العقابالصيفي عبد الفتاح ، -128 .)م 1994: املؤسسة اجلامعية ، بريوت ( 2، ط –اقسم العام –أصول قانون العقوبات عالية ، -129 .) 1995 :جامعة امللك سعود ، الرياض ( 1، ط األحكام العامة للنظام الجزائيعبد الفتاح مصطفى ، -130 :تمؤسسة الرسالة ، بريو ( 14، ط التشريع الجنائي اإلسالمي مقارنا بالقانون الوضعيعبد القادر عودة ، -131

1982 .(

.) 1995: ديوان املطبوعات اجلامعية ، اجلزائر ( شرح قانون العقوبات الجزائريعبد اهللا سليمان ، -132

ــــ -133 .)م 1990: ؤسسة الوطنية للكتاب ، اجلزائر امل( ، النظرية العامة للتدابير االحترازية، ــ احلديث ،املكتب املصري ( الوضعيةسيادة القانون بين الشريعة اإلسالمية و الشرائع عبد اهللا مرسي ، -134

. ) ت .ب اإلسكندرية ) . 1990: دمشق اجلديدة ( المفصل في شرح قانون العقوباتعبد الوهاب محيد ، -135 ).م 1939: دار النهضة ، مصر ( المبادئ األساسية للتحقيقات و اإلجراءات الجنائيةعلي زكي ، -136

).م 1992 :الدار اجلامعية ، بريوت ( مبادئ قانون أصول المحاكمات الجزائية اللبنانيعلي قهوجي ، -137 املؤسسة اجلامعية للدراسات( 1، ط فلسفة العقوبات في القانون و الشرع اإلسالميعلي حممد جعفر ، -138

) . 1997: و التوزيع ، بريوت النشر .) م1967: دار النهضة ، مصر العربية ( ، مبادئ اإلجراءات الحديثةعمر رمضان السعيد ، -139 )م 1992: الدار اجلامعية ، بريوت ( ، مبادئ علم اإلجرام و العقابعوض حممد و حممد زكي أبو عامر، -140 . ) 1965: مطبعة جامعة دمشق ، دمشق ( قانون العقوبات المبادئ العامة فيالفاصل حممد ، -141 .) 1985: الناشر املؤلف ، بريوت ( 1، ط الموسوعة الجزائية اللبنانية الحديثةفريد الزغيب ، -142

Page 431: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

431

منشورات( –المؤسسات العقابية و محاربة الجريمة في الجزائر -علم العقاب فريد زين الدين بن شيخ ، -143 ) . م 1998: اجلزائر دحلب ،

. )1976: دار الفكر العريب ، بريوت ( 3ط –القسم العام –قانون العقوبات مأمون سالمة ، -144يد عبود ، -145 دار الكتب( 1، ط العفو عن العقوبة في ضوء الشريعة اإلسالمية و القانون الوضعي ماهر عبد ا

).م 2007: بريوت العلمية، ) .م 1968: دار النهضة العربية ، بريوت ( ، الرقابة على أعمال اإلدارةحممد كامل ، -146 ).م1959: دار الفكر العريب ، مصر ( 2، ط شرح األحكام العامة في قانون العقوباتحممود إمساعيل ، -147 ).م 1983: دار املعارف ، القاهرة ( 2، ط في أصول النظام الجزائي اإلسالميحممد سليم العوا ، -148 ) م 1984: دار النهضة ، بريوت ( –) القسم العام ( شرح قانون العقوبات اللبناني حممود جنيب حسين ، -149ــــ -150 ــ .)م 1966: دار النهضة ، مصر ( علم العقاب، ــ

دار النهضة (السياسة الجنائية المعاصرة و مبادئ الدفاع االجتماعي من منظور إسالمينادر حممود سامل ، -152 العربية

) . م 1995: القاهرة .) 1983: دار الشروق ، جدة ( 1، ط علم اجتماع العقابنبيل السمالوطي ، -153 ).م 2003: دار ابن حزم ، بريوت ( -دراسة فقهية مقارنة –االغتصاب نشوة العلواين ، -154

الموسوعات و المجالت

إجراءاته التحضيرية و مدى خضوعهاالتكييف القانوني لقرار العفو الخاص و داود سليمان العيسى ، -155 ).م 1981السنة اخلامسة : جملة احلقوق و الشريعة ، العدد الثالث ، الكويت ( لرقابة القضاء

) م1939 :السنة التاسعة ، تشرين الثاين : ، القاهرةجملة القانون و االقتصاد ( حق العفوالسيد صربي ، -156 اإلسالمية نظرية براءة المتهم حتى تثبت إدانته و حظها من االعتبار في الشريعةعبد اهللا بن سليمان منيع ، -157 )العلمية و الدعوة و اإلرشاد جملة البحوث اإلسالمية ، الرئاسة العامة إلدارات البحوث(

. هـ 1403العدد السابع من رجب إىل شوال لسنة .)هـ 1404: ، السالسل ، الكويت 2، وزارة الشؤون اإلسالمية ، ط الموسوعة الفقهية -158

كتب التراجم

: إحياء الرتاث العرب، بريوت دار( ، حتقيق عادل أمحد الرفاعي أسد الغابة في معرفة الصحابةابن األثري ، -159 ). م 1996

Page 432: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

432

: دار اجليل( 1علي حممد البجاوي ، ط: ، حتقيق اإلصابة في تمييز الصحابةابن حجر العسقالين ، -160 ه1412

) .هـ 1412: دار اجليل ، بريوت ( علي حممد البجاوي : ، حتقيق االستيعابابن عبد الرب ، -161

.)ت .ب: إحياء الرتاث العريب ، بريوت دار(، الحفاظ تذكرةالذهيب ، -162 .)ت .ب: ، بريوت سالةمؤسسة الر ( شعيب األرناؤوط : ، حتقيق سير أعالم النبالءالذهيب ، -163 ). 2002: دار العلم للماليني ( 15، ط األعالمالزركلي ، -164 2و عبد الفتاح حممد احللو ، ط حيحممد الطناحممود : ، حتقيق طبقات الشافعية الكبرىالسبكي ، -165

. )هـ 1413: للطباعة و النشرو التوزيع هجر دار( 1حتقيق عبد السالم تدمري ، ط ، تاريخ اإلسالم و وفيات المشاهير و األعالممشس الدين الذهيب ، -166

).م 1987: العريب ، بريوت الكتاب .)م 1970: دار الرائد العريب ، بريوت ( 1إحسان عباس ، ط: ، حتقيق طبقات الفقهاءالشريازي ، -167

كتب عامة

)م 1975: دار املعرفة ، بريوت ( 2حممد حامد الفقي ، ط: ، حتقيق إغاثة اللهفانابن قيم اجلوزية ، -168ــــ ، -169 ).م1998: دار الكتب العلمية ، بريوت ( مفتاح السعادةــ ) .منشورات جامعة دمشق ( 4الثاين ، ط، القسم فقه المعاوضاتديب البغا ، -170 .) 1997: دار الكلمة ، مصر ( 1، ط نظرية التقريب و التغليبالريسوين ، -171 .) ت.ب: مصر املكتبة التجارية الكربى ،( ، االعتصامالشاطيب ، -172 .)هـ 1423: دار العاصمة ، الرياض ( 1، ط الملخص الفقهيصاحل فوزان ، -173 ). 1999: الرسالة ، بريوت ، لبنان ( 16، ط المدخل لدراسة الشريعة اإلسالميةعبد الكرمي زيدان ، -174 .)م 1997: دار احلديث ، القاهرة ( 3، ط المقاصد العامة للشريعة اإلسالميةيوسف حامد العامل ، -175

Page 433: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

433

فهرس املوضوعات اإلهداء

شكر و تقدیر المقدمة

الباب األول العقوبة و العفو في القانون الوضعي و الشریعة اإلسالمیة

الفصل األول القانون الوضعيالشریعة اإلسالمیة وفي في ماهیة العقوبة و العفو

15......... ماهیة العقوبة في الفقه اإلسالمي و القانون الوضعي: المبحث األول -

15.................................................................. تعریف العقوبة: المطلب األول - 20............................................................ الغرض من العقوبة: المطلب الثاني -

20 .............................................................في القانون الوضعي: الفرع األول - 25 ...............................................................في الفقه اإلسالمي: الفرع الثاني -

28...............................................................خصائص العقوبة : المطلب الثالث -

28..................................................................خاصیة الشرعیة: الفرع األول - 32.................................................................شخصیة العقوبة : الفرع الثاني -

35.......ماهیة العفو في القانون الوضعي و الشریعة اإلسالمیة: المبحث الثاني -

Page 434: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

434

35........................................ماهیة العفو في القانون الوضعي : المطلب األول -

35 ..................................................................تعریف العفو: الفرع األول - 36........................................................فو السند التاریخي للع: الفرع الثاني - 38....................................................طبیعة العفو في القانون : الفرع الثالث - 39............................................... مجال العفو عن العقوبة: الفرع الرابع -

40.................................................العفو في الشریعة اإلسالمیة : المطلب الثاني - 40...................................................................مفهوم العفو: الفرع األول - 43..............................................من أحكام العفو باعتباره حقا: الفرع الثاني -

الفصل الثاني مشكلة العقوبة و العفو في القانون الوضعي و خصوصیة الشریعة اإلسالمیة

48.................................. تفرید العقاب في القانون الوضعي: المبحث األول -

48.................................أسباب تخفیف العقوبة و تشدیدها : المطلب األول - 48..........................................................أسباب التخفیف : الفرع األول - 50............................................................أسباب التشدید : الفرع الثاني -

52.....................................................نظام انقضاء العقوبة : المطلب الثاني - 52........................................................وقف تنفیذ العقوبة : الفرع األول - 54.............................................................. تقادم العقوبة: الفرع الثاني - 55.......................................................................العفو : الفرع الثالث -

56................................................................نظام األعذار المعفیة : المطلب الثالث

58.....................................مشاكل العقوبة في القانون الوضعي : المبحث الثاني 58..............................................................مشاكل تطبیق العقوبة : المطلب األول

59..........................................................عدم كفایتها في إصالح الجاني : الفرع األول 60...........................................................عدم فعالیتها في ردع الجاني : الفرع الثاني 63............................................................قصور العقوبة عن التطبیق : الفرع الثالث

63..........................................................ة مشاكل التدابیر االحترازی: الثانيالمطلب 64.................................................................ماهیة التدابیر االحترازیة : الفرع األول

Page 435: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

435

65................................................ مشكلة تطبیقها على المجرمین الشواذ: الفرع الثاني انتقادات فقهاء القانون للعفو عن العقوبة و تمییزه عن باقي األنظمة : المبحث الثالث

67........................................................................................ المشابهة

67..................................ما یناهض حق العفو في القانون الوضعي : المطلب األول 67......................................................................من جهة مشروعیته : الفرع األول 69..................................................................من حیث القیمة العلمیة : الفرع الثاني 71................................................................شروط العفو عن العقوبة : الفرع الثالث

72 ......................تمیزه العفو عن العقوبة عن باقي األنظمة األخرى: الثانيالمطلب 72............................................................................عن العفو العام : الفرع األول 74....................................................................... عن العفو القانوني: الفرع الثاني

76..............ة اإلسالمیة في العقوبة و العفوخصوصیة الشریع: المبحث الرابع 76............................النظر إلى العقوبة في ضوء كلیات التشریع : المطلب األول 78.......................................مراعاة الجانب الدیني في العقوبة : المطلب الثاني 80....................... الموازنة بین عدالة العقوبة و أفضلیة العفو: المطلب الثالث

الباب الثاني التأصیل الشرعي للموازنة بین العقوبة و العفو

الفصل األول التأصیل الشرعي للموازنة من خالل النصوص الشرعیة

أدلة الموازنة بین العقوبة و العفو من خالل : المبحث األول

86................................................................النصوص الشرعیة 86.............................................استتباع الشارع العقوبة بالعفو : المطلب األول

Page 436: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

436

86......................................................االستدالل بالنصوص القرآنیة : الفرع األول 92................................................االستدالل بنصوص السنة النبویة : الفرع الثاني

94.........................................................ة شمولیة هذه المالزم: المطلب الثاني 95.............................................................نصوص القرآن الكریم : الفرع األول 98............................................................نصوص السمة النبویة : الفرع الثاني

100.......................................ضرورة تطبیق العقوبة عند اإلثبات : المطلب الثالث 101.............................................................نصوص القرآن الكریم : الفرع األول 104.............................................................نصوص السنة النبویة : الفرع الثاني

107................مقصود من استتباع العفو للعقوبة المعنى ال: المبحث الثاني 107...........................................من خالل النصوص المباشرة: المطلب األول 110.............................من خالل مجموع النصوص الشرعیة : المطلب الثاني

الفصل الثاني أدلة الموازنة من خالل االجتهاد الفقهي و إشكاالته و قواعده

120.........................................االجتهاد الفقهي و إشكاالته : المبحث األول 120...................................اإلشكاالت األصولیة و الفقهیة : المطلب األول

120.......................................................اإلشكاالت األصولیة : الفرع األول 125........................................................اإلشكاالت الفقهیة : فرع الثاني ال

131..............................التوجیهات الفقهیة لهذه اإلشكاالت : المطلب الثاني 131..........................مبنى أصول األحكام على التوسط و االعتدال : الفرع األول 133.............................................................جسامة الضرر : الفرع الثاني

138..............ي بنیت علیها اإلشكاالت الفقهیة القواعد الت: المبحث الثاني .138...............................................درء الحدود بالشبهات : المطلب األول

.138....................................................المعنى الفقهي للقاعدة : الفرع األول

140..............................................................ضبط القاعدة : الفرع الثاني 143.................................................ال ضرر و ال ضرار : المطلب الثاني

Page 437: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

437

143...................................................المعنى الفقهي للقاعدة : الفرع األول 146....................................................تطبیقها في العقوبات : الفرع الثاني 148............................. اعتبار الضرر الذي یلحق بالمجني علیه: الفرع الثالث

150...................................................األصل براءة الذمة : المطلب الثالث 150..........................................................االستعمال الفقهي : ألول الفرع ا 152.............................................................. ضبط القاعدة: الفرع الثاني

الباب الثالث أسس الموازنة بین العقوبة والعفو

الفصل األول الشرعياألساس

159...........................................األصول الشرعیة للعقوبة : المبحث األول 160.....................................مشروعیة عقوبة القصاص : المطلب األول

160..........................................................القرآن الكریم : الفرع األول 162..........................................................السنة النبویة : الفرع الثاني

166......................................مشروعیة عقوبات الحدود : المطلب الثاني 167.................................من القرآن الكریم و السنة النبویة : الفرع األول 170.................................................. اإلجماع و المعقول: الفرع الثاني

170................................................مشروعیة التعزیر : المطلب الثالث

173.........................................القواعد األساسیة للعقوبة : المبحث الثاني 173..................القواعد األساسیة التي یقوم علیها القصاص: المطلب األول

173................................................من جهة األسس المعنویة : الفرع األول 176............................................... من جهة المقصد األصلي: الفرع الثاني

178.................القواعد األساسیة التي تقوم علیها الحدود : المطلب الثاني

Page 438: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

438

179...............................................................القاعدة األولى :الفرع األول

182.............................................................القاعدة الثانیة : الفرع الثاني 184..............القواعد األساسیة التي تقوم علیها التعازیر : المطلب الثالث

185....القواعد العامة التي یقوم علیها التجریم و العقاب في التعازیر : الفرع األول 187...................................................... حكم القیام بالتعازیر: الفرع الثاني

191............................................األصول الشرعیة للعفو : المبحث الثالث 191................................................في عقوبة القصاص : المطلب األول

191..............................................................القرآن الكریم : الفرع األول 193.............................................................السنة النبویة : الفرع الثاني

194.................................................في عقوبات الحدود : المطلب الثاني 195...............................................في عقوبات التعازیر : المطلب الثالث

197.............................................الضوابط العامة للعفو : المبحث الرابع 197............................................................في القصاص : المطلب األول .203.............................................................. في الحدود: المطلب الثاني

203.................................................العفو في جرائم السرقة : الفرع األول .204....................................................العفو في جرائم القذف: الفرع الثاني

.204................. العفو في جرائم الزنا و الشرب و الحرابة و الردة: الفرع الثالث

208................................................................في التعزیر : المطلب الثالث

الفصل الثاني أسس الموازنة من خالل اعتبار الحقوق

213......................مفهوم الحق عن األصولیین و الفقهاء: المبحث األول 213........................................................المعنى األصولي : المطلب األول . .....................214المعنى األصولي و الفقهي لحق اهللا : المطلب الثاني

214...........................................................المعنى األصولي : الفرع األول 215............................................................المعنى الفقهي : الفرع الثاني

Page 439: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

439

216..........................................................خالصة ما تقدم : الفرع الثالث 217...........................المعنى األصولي و الفقهي لحق العبد: المطلب الثالث

.217...........................................................المعنى األصولي : الفرع األول

217.............................................................المعنى الفقهي : الثاني الفرع 218........................................................مصدر الحقوق : المطلب الرابع

221........األثر المترتب عن اعتبار الحقوق على العقوبة : المبحث الثاني 221..................................................المعنى الفقهي لإلسقاط: المطلب األول ............222ما یقبل اإلسقاط و ما ال یقبله من حقوق اهللا : الثانيالمطلب

.................................................222ما یسقط من حقوق اهللا : الفرع األول ....................................223ما ال یقبل اإلسقاط من حقوق اهللا : الفرع الثاني

225................ما یقبل اإلسقاط وما ال یقبله من حقوق العباد : المطلب الثالث 225.......................................................ما یضبط حقوق العباد: الفرع األول 227...........................................حقوق العباد التي ال تقبل اإلسقاط: الثانيالفرع

228............................................حقوق العباد التي تقبل اإلسقاط: الثلثالفرع 229.................................أقسام الحقوق بالنسبة للعقوبات : المطلب الرابع

.229.......................من جهة المحض و التغلیب اعتبار حق اهللا : الفرع األول

230........................ ما كان فیه اعتبار حق العبد من جهة التغلیب: الفرع الثاني 232..........أوجه الموازنة بین الحقوق المتعلقة بالعقوبات : المطلب الخامس

232..........................................................من جهة األصل العام : الفرع األول 233...................................................من جهة التفصیل الفقهي : الفرع الثاني

239............................ما یتعلق بالحقوق من جهة العفو : المبحث الثالث 239..............ما یتعلق بالحقوق الشرعیة التي ال عفو فیها : المطلب األول

239.........................................................تعلقها بمعنى التعبد: الفرع األول 243.........................................................تعلقها بالنفع العام: الفرع الثاني .243.............................................................تعلقها باإلثبات: الفرع الثالث

.244..................ق بالحقوق التي یجري فیها العفو ما یتعل: المطلب الثاني

245.................................................تعلقها بالمصلحة الخاصة : الفرع األول 246............................................................تعلقها بالتخییر : الفرع الثاني

Page 440: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

440

248.............................................................تعلقها باإلمامة: الفرع الثالث

و العفو من خالل من مسالك الموازنة بین العقوبة: المبحث الرابع 249.................................................................اعتبار الحقوق

249...................................................مسالك التقدیم و التأخیر: المطلب األول 249............................................................عند تساوي الحقوق : الفرع األول 254............................................... عند تنازع الحقوق و تزاحمها: الفرع الثاني

258...............................................................مسلك التغلیب: المطلب الثاني 258..................................................التغلیب من حیث توهم العفو : الفرع األول 260...............................................التغلیب من حیث مبنى الحقوق : الفرع الثاني

الفصل الثالث أسس الموازنة من خالل اعتبار المصلحة

264............................................................طبیعة المصالح : المبحث األول 264...................................................التسلیم بتفاوت المصالح: المطلب األول 265...................................و الضرر في المصالح نسبیة النفع: المطلب الثاني 267......................................الفوائد العملیة لترتیب المصالح : المطلب الثالث

269.................العام من تشریع العقوبة و العفو المقصد : المبحث الثاني .269.......................................................كلیة حفظ المصالح ال: المطلب األول

270................................................... أقسام المصالح الكلیة: المطلب الثاني 271.........................................................قسم الضروریات : الفرع األول 274.....................................................ما یخدم الضروریات: الفرع الثاني

275.......................................................مصلحة العقوبة : المطلب الثالث 276..................................................المقصد األصلي للعقوبة : الفرع األول .278..........................................مبنى المقصد األصلي للعقوبة : الفرع الثاني

Page 441: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

441

281........................................................مصلحة العفو : المطلب الرابع

ة العقوبةمعاییر الموازنة بین مصلح: المبحث الثالث 285...................................................و مصلحة العفو

285...................................الحكم الشرعي: المعیار األول : المطلب األول 288..................................معیار رتبة المصالح و المفاسد: المطلب الثاني 291............................................................معیار النوع: المطلب الثالث

293.....................................معیار العموم و الخصوص : المطلب الرابع

الباب الرابع صولیة للموازنة بین العقوبة األ اآلثار و التطبیقات الفقهیة و العفوو

الفصل األول اآلثار و التطبیقات الفقهیة

298.........................................ضبط ما یثبت العقوبة : المبحث األول 298.......................................ضرورة فقه أحوال الجناة : المطلب األول

299.....................................األسباب التي یفتقر إلیها إلى الحاكم : الفرع األول 300..................................................إعمال فقه أحوال الجناة : الفرع الثاني 302..................................قواعد عامة للعمل بفقه أحوال الجناة : الفرع الثالث 304.......................................................... من تطبیقات ذلك: الفرع الرابع

307...........................................................مراحل اإلثبات : المطلب الثاني 307...........................................التقسیم الفقهي لمراحل اإلثبات :الفرع األول 310..........................................................أثره على القضاء : الفرع الثاني

Page 442: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

442

.311.................................................ضبط طوارئ اإلثبات : المطلب الثالث

311................................................ضبط الرجوع عن اإلقرار : الفرع األول 314...............................................ضبط الرجوع عن الشهادة : الفرع الثاني 315......................................الشهادة قواعد عامة في اإلقرار و : الفرع الثالث

318..................................................ضبط موانع العقوبة: المبحث الثاني 318................................................................ضبط الشبهة : المطلب األول

.319.............................................ضبط العبارات الفقهیة للشبهة : الفرع األول

323..............................................................ضبطها بالقواعد: الفرع الثاني 326.........................................أقسامها باعتبار القوة و الضعف : الفرع الثالث 329............................................أثر تقسیم الشبهة على العقوبة : الفرع الرابع

330...............................................................ضبط اإلكراه: المطلب الثاني 330...........................................اإلكراه المعتبر في إسقاط العقوبة : الفرع األول 332..................................................أثره على الجرائم المختلفة : الفرع الثاني

334..........................................................تطبیقات المسألة : الفرع الثالث 338........................................................التأویل الفاسد : المطلب الثالث

الفصل الثاني التطبیقات األصولیة

344...............................تنزیل الحاجة منزلة الضرورة : المبحث األول

344.......................................................منزلة الضرورة : المطلب األول 345.......................تغلیب الحاجة على الضرورة الحقیقیة : المطلب الثاني .346.................................................... تطبیقات المسألة: المطلب الثالث

350..............................................استثمار سد الذرائع : المبحث الثاني 350...............................................سد الذرائع في مقام الشرع : المطلب األول 351........................................................... مبنى سد الذرائع: المطلب الثاني 352............................................من موجبات العمل بسد الذرائع : المطلب الثالث

Page 443: ﻮﻔﻌﻟﺍ ﻭ ﺔﺑﻮﻘﻌﻟﺍ ﲔﺑ ﺔﻧﺯﺍﻮﳌﺍ · 2 ﺀﺍﺪﻫﺇ ﲏﻗﺯﺮﻳ ﻥﺃ ﺍ ﻼﺋﺎﺳ ، ﻱﺪﻟﺍﻭ ، ﱄﺇ ﺱﺎﻨﻟﺍ ﺰﻋﺃ

443

353..................................................درجات تحقق مفاسد العفو : المطلب الرابع 355......................................................من تطبیقات المسألة : المطلب الخامس

358......................................استثمار وجه االستحسان : الثالث المبحث 358.....................................األخذ بوجه االستحسان مقابل القیاس : المطلب األول 361............................................................. تطبیقات المسألة: المطلب الثاني

365..............................................................................................الخاتمة

الفهارس

373....................................................................فهرس اآلیات القرآنیة

379....................................................................فهرس األحادیث النبویة

384...............................................فهرس القواعد الفقهیة و األصولیة

388..........................................................................فهرس أعالم البحث

399..................................................................................فهرس المراجع

408..........................................................................فهرس الموضوعات