https://www.facebook.com/ehiaa.pub

اإلهداء

إلــى الوالـدة الطاهـرة، وإلـى الوالـد العـزيز أطـال هللا فـي عمـرهام...

إلــى إخويت وجميـع أفـراد عائلتـي...

إلــى كافـة األهـل واألقـارب ...

.، الذين ما انفكوا أن ساعدوين حتى و لو بكلمة طيبةإلــى األصدقـاء واألحبـاب

إلــى هـؤالء جميعـا أهـدي حصـاد جهـدي ومثـرة عملـي الذي أعتربه جامعي رغم

احتكاري له.

شكر

أتوجـه بخالـص الشكـر والتقديـر والعرفـان إلـى أستـاذي الفاضـل الدكتـور / حاممدة

محمد الطاهر، علـى مـا أسـداه لـي مـن نصـح وتوجيـه وإرشـاد خـالل إعـداد هـذه

املذكرة.

كمـا أتقـدم بجزيـل الشكـر واالمتنـان إلـى كـل مـن أمدنـي بيـد العـون واملساعـدة

فـي طبـع وإخـراج هـذه الرسالـة، وأخــص بالذكــر، األخ رؤوف الذي مل يبخل عيل

بالجهد فكان وزيرا من أهيل شد أزري حفظه هللا من كل رش.

وأخيـرا أمتنـى التوفيـق والسـداد فـي إعـداد هـذا البحـث.

المقدمة اإلشكالية:أوال: طرح

زخر العامل بعدد ال متناهي من الظواهر املتداخلة فيما بينها بأشكال جتعل من دراستها األمر املعقد، يف نفس الوقت جيتهد جل العلماء يف

تفسري هذه الظواهر وتأطريها كل حسب ختصصه. لكن ما يشد االنتباه هو حماولة بعض العلماء اخلروج عن ختصصهم والدخول يف حتليل

العالقات بني العلوم (علم االقتصاد وعلم االجتماع، علم االقتصاد وعلم الثقافة)؛ ذلك بغية تفسري ظواهر تتخطى التخصص.

يف نفس االجتاه عرف علم االقتصاد الكثري من الظواهر اليت استدعت ولعل أهم الظواهر اليت عين هبا علماء االقتصاد يف عصرنا هي الدراسة.

تلك الظواهر اليت تبدو غريبة عن علم االقتصاد (ظواهر اقتصادية عجز االقتصاد عن تفسريها). فهي ظواهر هلا أثرها االقتصادي الواضح

وامللموس والشيء املبهم عنها هو آلية عملها أو كيفية تأثريها وحتى كيفية التأثري فيها؛ األمر الذي جعل مجلة من العلماء يغوصون يف علوم أخرى

(على غرار علم االجتماع على أساس أنه املرجع الرئيسي لعلم االقتصاد) يف حماولة لتفسري تلك الظواهر.

بشيء من التخصيص جند مشكلة هي من األمهية مبكان، استحوذت على جزء كبري من تفكري جل علماء االقتصاد وهي مشكلة اختيار النموذج

االقتصادي الصحيح (أو األمثل) الذي حيقق اهلدف الرئيس لعلم االقتصاد يف العصر احلديث (الرقي باجملتمع وبناء حضارته، عن طريق

٦

التنمية املستدامة).وملا شغل هذا املوضوع تفكري جل االقتصاديني فقد برزت الكثري من

االجتهادات، وهو ما وضع يف أيدي البلدان العديد من اخلريات لتحقيق هدفها املنشود واملذكور سابقا.

يف الوقت نفسه جند أن الوصول إىل اهلدف املنشود وهو الرقي باجملتمع (التنمية املستدامة عند أهل االقتصاد)، حيتاج إىل سلوك مسلك واحد

يضمن النجاح، لذلك فإنه الختيار هذا املسلك جيب القيام بدراسة متينة ما هو األساس (أو -جلميع النماذج واختيار األمثل، يبقى السؤال األهم:

املرجع) الذي جيب أن يتم اعتماده الختيار النموذج أو املسلك الصحيح أو األمثل للوصول إىل اهلدف املنشود؟

هناك الكثري من األسس على اختالف وجهات النظر، وما اخرتناه حنن هو املقاربة بني هذا املتغري (النظام االقتصادي) ومتغري آخر له وزنه يف اجملتمع

اإلنساني ومن األمهية مبا كان ونقصد"الثقافة االجتماعية". من خالل هذا الطرح البسيط جند أنه لدينا حمركني من أهم احملركات

اليت تدفع باجملتمع إىل التغري (ونقصد بالتغري: السري حنو "الرقي" أو العكس "التخلف")؛ واألهم من هذا كله جند هذين احملركان يرتبطان يف

عالقة هامة من شأهنا األخر حتريك اجملتمع يف أحد االجتاهني ومنه وجب التحري حول طبيعة هذه العالقة (جتانس، تكامل...)، وأثرها على

اجملتمع اإلنساني ومدى مسامهتها يف حتقيق الرقي والتحضر له. ويف هذه الدراسة حناول معرفة األوجه املختلفة لكل حمرك وما هو أثره

٧

وكيفية تأثريه يف دراسة استنتاجيه، شبه مقارنة (ونقول شبه مقارنة ال مقارنة ألن املقارنة تتم بني متغريين من نفس اجلنس ويكون اهلدف هو

املقارنة) هدفها استنتاج العالقة بينهما.فإنه وجب حتليل كل متغري على والستنتاج طبيعة العالقة موضوع الدراسة

حدى وذلك بغية فهمه ومعرفة طبيعته اليت من املمكن أن تكون مفتاح التعرف على طبيعة العالقة املراد دراستها.

نبدأ بأول متغري أال وهو "النظام االقتصادي "؛ ليس غريبا على أحد هذا املصطلح فالكل ميلك فكرة عامة حول مفهوم هذا املتغري، رغم ذلك ندرج

تعريف عام وبسيط إلزالة بعض اإلهبام وحصره نوعا ما إىل أن يتم التطرق (أن النظام إليه بشيء من التفصيل فيما يتقدم من هذا البحث فنقول:

االقتصادي هو: مداخلة أو دمج بني مناذج ضبط للنشاط االقتصادي

... لكن هذا املفهوم العام هلذا املتغري ال يكفي ١ومناذج ملكية لوسائل اإلنتاج)لتقصي عالقة يكون فيها هذا املتغري، املتغري الرئيس فلعل هذه الدراسة

(النظام االقتصادي والثقافة هتدف إىل معرفة وتقصي العالقة بني االجتماعية) لكن ال خيفي البحث ميوله للجانب االقتصادي على حساب

العالقة وهي حقيقة يفرضها ختصص البحث (امليدان االقتصادي).يرجع االهتمام هبذا املتغري (النظام االقتصادي) لظاهرة تكاد تكون ملموسة

تاريخ الوقائع يف دنيا الواقع، وهي تقلب وتعدد األنظمة االقتصادية. أين االقتصادية مليء بالدالئل على تقلب وتعدد األنظمة االقتصادية، فمنذ

١. SILEM et AT,2004-p656] [

٨

العصر البدائي كانت هناك عدة أنظمة إنتاج بدءا باستعمال وسائل بسيطة إىل وسائل أكثر تعقيدا واليت عرفتها شتى احلضارات (احلضارة البابلية، احلضارة الفرعونية، احلضارة اليونانية...)؛ ثم تعقد اإلشكال فلم يصبح األمر يتعلق بوسائل اإلنتاج فقط بل تعداه إىل ملكية هذه الوسائل ليصل

الصراع أوجه بني فكرتني انفجرتا يف العصر احلديث متسببة يف خلق نظامني متمايزين ومتطرفني مها: "النظام االقتصادي الرأمسايل والنظام

االقتصادي االشرتاكي".دون نسيان أحد أهم األنظمة اليت عرفها تاريخ الوقائع االقتصادية،

وبالتأكيد نقصد " النظام االقتصادي اإلسالمي" الذي صنع حضارة ال ميكن ألحد نفيها، وما مييز هذا األخري هو عدم دخوله يف أي صراع عكس

ما حدث مع نظرييه سالفي الذكر.نشري أيضا إىل احلالة االنتقالية اليت تعيشها مجلة من االقتصادات الدولية اليت فشلت يف اللحاق بالدول املتقدمة ؛ مما جعلها تتخلى عن أنظمتها اليت مل حتقق هلا طموحاهتا وتتبنى نظم جديدة ترى فيها حل ملعضالهتا وتتوسم

فيها حتقيق أهدافها املنشودة (التنمية املستدامة).مها نقطتني من األمهية مبا كان (تقلب األنظمة وتعددها على مر التاريخ،

اليت تعيشها معظم اقتصاديات العامل)؛ واجلمع بينهما احلالة االنتقالية جيعلنا أمام ظاهرة هلا تاريخ وأوجه متعددة تستدعي الدراسة.

ثم ننتقل إىل املتغري الثاني "الثقافة االجتماعية"، فالثقافة االجتماعية هلا وزهنا االجتماعي الذي ال ينكره أحد؛ سواء من علماء االجتماع أو االقتصاد.

٩

فهي حمور هام يف قيادة اجملتمع إىل حتقيق الرقي والتحضر؛ لكن وبشيء من التعمق جند أن طبيعة هذه األخرية ختتلف عن املتغري األول (النظام

االقتصادي) فهي ليست موضوع اختيار رغم قبليتها للتغري (هو ما سنثبته ومنه فسنخضع الثقافة االجتماعية إىل دراسة يف خضم هذه الدراسة).

النظام (شاملة، ومبا أن مفهوم الثقافة االجتماعية أكثر غموض من نظريه نشري اآلن باختصار إىل أحد تعاريفها فنقول: (إن الثقافة )،االقتصادي

االجتماعية هي: حتليال لطبيعة العالقات واالرتباطات املوجودة بني أمناط اإلنتاج الفكري ومساته العامة من جهة، ومعطيات البنية االجتماعية بكل أبعادها االقتصادية السياسية والبيئية، التارخيي من جهة واملعاصر من

جهة أخرى، وبالتايل دراسة وظائف هذا اإلنتاج الفكري وآلياته وتفاعالته

.١يف اجملتمعات. إذا الثقافة هي حاضر ومستقبل من منظور سوسيولوجي)هكذا يعطينا هذا التعريف فكرة عامة حول الثقافة االجتماعية وهي إشارة

مبدأية تفتح اجملال لتقصي هذا املفهوم، الذي حري جل العلماء (االقتصاديني واالجتماعيني) بسب التعقيد الذي حيتويه والعالقة اليت

تربطه جبملة من املتغريات األخرى.فقد لعبت الثقافة أدوارا رئيسية عرب التاريخ (من العصور البدائية إىل

العصر احلديث)، فجسدها تاريخ املراحل البدائية من تطور البشرية يف األفكار البدائية وأسلوب املعيشة (الصيد الربي، الزراعة...) إىل بناء

احلضارات (احلضارة البابلية، احلضارة الفرعونية...)؛ ثم مع التطور ]15ص -١٩٨٢[قباري، .١

١٠

التارخيي خلقت الثقافة لنفسها مفاهيم جديدة وصار ارتباطها ببعض العلوم األخرى يف صلب موضوعها. وهو ما نلمسه يف املصطلحات اجلديدة على غرار "الصناعات الثقافية" (تعبري عن العالقة بني الثقافة والصناعة)،

"التغري الثقايف" (تعبري عن العالقة بني الثقافة وحالة اجملتمع)... أخريا ويف مرحلة متقدمة من الدراسة، حناول استنتاج العالقة بني املتغريين

ونقصد باستنتاج الرئيسيني (النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية).العالقة، حماولة الوصول إىل كيف جيب أن تكون العالقة بني املتغريين،

بالطريقة اليت حتقق التنمية املستدامة يف االقتصاد الوطين ويف الثقافة االجتماعية للوصول إىل اهلدف الرئيس وهو الرقي باجملتمع وبناء

احلضارة.وتأتي هذه املقاربة بني الفكر االقتصادي والفكر الثقايف نتيجة التداخل بني عناصر اقتصادية وأخرى ثقافية، هذه األخرية فتحت اجملال لدراسات على مستوى أدنى (مثال: املؤسسة واألخالق، الدين والعمل...). يف نفس الوقت

فتحت هذه الدراسات اجملال إىل ظهور دراسات متخصصة على مستوى أعلى (مثال: علم االقتصاد وعلم الثقافة ). وما اخرتناه حنن هو الوسط بني

املستويات الدنيا واملستويات العليا، كما مل مينع ذلك من التطرق إىل املستويني ما إن استدعت الضرورة ذلك. كما أن فهم طبيعة العالقة بني

النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية، تساعد يف فهم ومعرفة الكثري من األجوبة عن الكثري من التساؤالت نفصلها فما يلي:

١١

:التساؤل األساسي ما هي طبيعة العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية؟ وما

مدى تأثريها على االقتصاد يف جمتمع ما؟:التساؤالت الفرعية هل هناك عالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية ؟

هل هناك تأثري للثقافة االجتماعية على النظام االقتصادي؟

هل هناك تأثري للنظام االقتصادي على الثقافة االجتماعية؟

ما هي آلية تأثري العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية على اقتصاد بلد ما؟

كيف جيب أن تكون العالقة بني النظام االقتصادي والثقافةاالجتماعية يف جمتمع ما يهدف إىل حتقيق التنمية املستدامة (يف

مجيع امليادين: االقتصادية، االجتماعية، البيئية...)؟

ثانيا: الفرضيات:من خالل اإلشكال املطروح واملفصل يف شكل تساؤل رئيسي وعدد من

التساؤالت الفرعية، حناول تقديم مجلة من الفروض حتدد مسار اإلجابة عنها كما يلي:

إن النظرية التطورية ترجع سبب اختالف األنظمة االقتصاديةوتعددها إىل ضرورة تطور األنظمة االقتصادية نتيجة تطور اجملتمعات

اليت تطبق عليها تلك األنظمة.

١٢

لعل سبب اختالف األنظمة االقتصادية وتعددها هو اختالف الثقافاتاالجتماعية؛ الذي أدى بدوره إىل اختالف أنظمة اإلنتاج ومنه إىل

اختالف األنظمة االقتصادية. .هناك عالقة تكامل بني الثقافة االجتماعية والنظام االقتصادي

للثقافة االجتماعية دور أساسي يف بناء األنظمة االقتصادية وهلا تأثري مباشر على فعالية النظام االقتصادي ومدى جناحه.

.للنظام االقتصادي تأثري مباشر على الثقافة االجتماعية يف اجملتمع

جتانس وتكامل العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعيةيؤدي إىل تطور االقتصاد يف جمتمع ما، ويساعد على التنمية

املستدامة يف ذلك اجملتمع. ثالثا: منهجية البحث:

وقع اختيارنا على املنهج املعياري، فنحن نرى أنه األنسب للدراسة، من خالل طرح التساؤل: كيف جيب أن تكون العالقة بني النظام االقتصادي

والثقافة االجتماعية لتحقيق التنمية املستدامة؟ وهو ما يتوافق مع أهداف البحث.

أما فيما خيص األسلوب فهو دمج بني األساليب التالية: أسلوب استنتاجي، حبيث نعرض خصائص كل عنصر، ثم استنتاج

العالقة موضوع الدراسة، وحتقيق أهداف البحث.

أسلوب املقارنة، نعتمد عليه أساس يف املقارنة بني األنظمة االقتصادية يف الفصل األول، ويف املقارنة بني الظواهر الثقافية وأنواع الثقافة يف

١٣

الفصل الثاني، كما يأتي بشكل ضمين يف الفصل الثالث عند التطرق إىل "التجربة اليابانية".

أسلوب التحليل التارخيي، حبيث نعتمد على املراجع املتخصصة يفدراسة تاريخ الوقائع االقتصادية مع الرتكيز على املراجع اليت عنيت

باألنظمة االقتصادية وتطورها باإلضافة إىل املراجع اليت عنيت بالعلوم االقتصادية وعالقتها بالعلوم األخرى. وبنفس األسلوب نتعامل مع املتغري الثاني"الثقافة االجتماعية" حيث حناول حتليل أهم املراحل اليت مرت هبا

"الثقافة" يف عملية تبلورها وظهورها كعلم قائم حبد ذاته له من اخلصائص ما يستلزم الدراسة.

أسلوب التحليل النظري، يفرض هذا األسلوب نفسه كوننا سنناقش عددال بأس به من النظريات سواء فيما خيص املتغري األول أو املتغري الثاني

يف خمتلف الفصول. رابعا: أمهية املوضوع:

أمهية البحث نستمدها من أمهية املتغريين موضوع الدراسة يف حد ذاهتما. أين عين معظم علماء االقتصاد بدراسة وتدريس النظم االقتصادية، يف

نفس الوقت شغل موضوع الثقافة أغلب علماء االجتماع أين خصصوا هلا فرع كامل مسي "بعلم االجتماع الثقايف".

التقلبات اليت عاشتها وتعيشها البشرية إىل يومنا هذا هي نتيجة تداخل ظواهر كثرية على عدد من املستويات، ولعل أمهها فشل بعض األنظمة

االقتصادية (مما استدعى التخلي عنها والبحث عن بدائل جديدة) وظهور

١٤

بدائل جديدة تتسم باجلاذبية ونتائج تطبيقها غري مضمونة. ما جيعل الدول تسخر كل طاقتها البشرية واملادية بغية احلصول على النظام

االقتصادي األمثل الذي حيقق التنمية املستدامة (على املستوى االقتصادي، االجتماعي والبيئي).

يف نفس االجتاه لعبت الثقافة أدوارا رئيسة يف ترقية اجملتمعات ذلك أن الدول املتقدمة هي األكثر تثقيف (على األقل على مستوى تفكريهم)، حتى

ظهور املصطلحات واملفاهيم الثقافية اجلديدة اليت هلا عالقة ببعض العلوم األخرى على غرار علم االقتصاد، ظاهرة تستدعي الدراسة يف حد ذاهتا.

أما العالقة ككل يف حد ذاهتا (العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية) كانت موضوع دراسة العديد من علماء االقتصاد، وخري دليل

" يف أهم UNESCOعلى ذلك االهتمام الذي لقاه املوضوع من هيئة" املؤمترات اليت عقدهتا (املؤمتر الدويل احلكومي للسياسات الثقافية من

مشرتك ميثلون ٢٤٠٠) أين ضم أكثر من ١٩٩٨أجل التنمية، ستوكهومل منظمة غري ١٣٥منظمة حكومية دولية وقرابة ٢٣حكومة و ١٤٩

حكومية... ملناقشة قضية االرتباط بني االقتصاد والثقافة وحماولة تقصي العالقة الصحيحة بني املتغريين سالفي الذكر على أساس تأثري طبيعة هذه

العالقة يف جل اقتصاديات وجمتمعات العامل وكذا االقتصاد الدويل واجملتمع الدويل ككل.

كما أن مؤمتر من هذا احلجم ال يأتي من فراغ ، وليس هو الدليل الوحيد على أمهية املوضوع فالكثري من الدراسات اليت سارت يف نفس املسار،

١٥

ولرمبا هي اليت أكدت أمهية املوضوع، مما جعل معظم دول العامل تسارع يف تقصي األمر وحماولة االستفادة من اخلربات املتفاوتة يف نفس اجملال.

إىل أن توج املوضوع بقيام املؤمتر الدويل سالف الذكر والكثري من املؤمترات من خمتلف اهليئات الوطنية والدولية اليت تصب يف نفس

املوضوع. خامسا: أسباب اختيار املوضوع:

إن أهم سبب الختيار املوضوع هو احلالة الراهنة لالقتصادياتالدولية والتحوالت اليت تعيشها (الدول السائرة يف طريق النمو بصفة خاصة)، حيث نالحظ أن معظم دول العامل تعيش حتوالت كربى على

مستوى أنظمتها االقتصادية حتى بالنسبة لدول العامل املتقدم وهو ما يستدعي الدراسة.

تقلب وتعدد األنظمة االقتصادية الذي تؤكده دراسة الوقائعاالقتصادية وتاريخ االقتصاد بصفة عامة، حيث الكثري من األنظمة االقتصادية قد سقطت وحلت مكاهنا أنظمة ثم يأتي سقوط هذه األخرية على يد أنظمة جديدة ودواليك وهو ما يدعو إىل الدراسة

أيضا.

االهتمام البالغ الذي لقيه موضوع الثقافة من طرف معظم الدولوالتنظيمات الدولية، والدور الريادي الذي لعبته الثقافة يف تفسري

بعض الظواهر اليت عجزت عن تفسريها بعض العلوم األخرى خاصة الظواهر االقتصادية منها.

١٦

تعارض بعض متطلبات جناح األنظمة االقتصادية مع الثقافة

االجتماعية يف جمتمع ما؛ ينتج عنه بعض اآلثار اليت تستحق الدراسة. سادسا: أهداف البحث:

اإلحاطة مبفهوم النظام االقتصادي الذي شغل تفكري جل علماءاالقتصاد، ودور هذا األخري يف حتقيق التنمية يف مجيع امليادين

(االقتصادية ، االجتماعية والبيئية).

اإلحاطة مبفهوم الثقافة االجتماعية، وموقع الثقافة االجتماعية منبني باقي العلوم، مع اإلشارة إىل األدوار اليت لعبتها الثقافة يف بناء

اجملتمعات وحضارهتا.

تقصي طبيعة العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية اليتكانت حمور الكثري من الدراسات، وكيف كانت طبيعة هذه العالقة على

مر تطور الفكر االقتصادي واالجتماعي.

تقصي آلية تأثري الثقافة االجتماعية على النظام االقتصادي، منخالل التطرق إىل أهم العناصر اليت تكون فيها الثقافة االجتماعية هي املتغري املستقل (نسبيا) ويكون النظام االقتصادي املتغري التابع.

،معرفة آلية ومواطن تأثري النظام االقتصادي على الثقافة االجتماعيةوالوصول إىل نتائج هذا التأثري وتقيمه؛ ويف هذه املرحلة يكون النظام االقتصادي هو املتغري املستقل والثقافة االجتماعية هي املتغري التابع.

استنتاج أثر العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية على خمتلف اجملتمعات، أي كيف كان تأثري هذه العالقة على خمتلف

١٧

اجملتمعات؛ اليت كانت متلك أنظمة اقتصادية وأمناط ثقافية خمتلفة (وهو األمر الذي مييز اجملتمعات عن بعضها البعض).

استنتاج كيف جيب أن تكون العالقة بني النظام االقتصادي والثقافةاالجتماعية، حتى يستطيع اجملتمع حتقيق التنمية املستدامة، واليت

بدورها تساهم يف رقي اجملتمع، تطوره وبناء حضارته.

وما األهداف السابقة الذكر إال حماولة لإلجابة عن التساؤالت املطروحة، وحماولة تقصي صحة الفرضيات املدرجة يف هذا الطرح.

سابعا: صعوبات البحث:صعوبات البحث تتجسد يف اتساع املوضوع وعدم معرفة احلدود الرئيسية له؛ فالنظام االقتصادي يف حد ذاته حبر الغوص فيه هو إحبار دون رجعة،

فال ميكن حصر الدراسات اليت عنيت به يف نفس الوقت ال ميكن معرفة احلد األدنى الذي يوصل املفهوم بطريقة خمتصرة. حتى أن التطرق إىل جل

النظم االقتصادية وهذا على فرض حصر مفهوم النظام االقتصادي يعد من ضرب املستحيل، حتى الفصل يف طبيعة وتقييم األنظمة االقتصادية

استلزمت دراسات متخصصة ومعمقة ومل تفصل يف املوضوع.نفس الشيء بالنسبة ملوضوع الثقافة االجتماعية، وما يزيد يف صعوبة

التطرق إىل هذا املتغري هو عدم الفصل أو حتى اإلمجاع حول مفهوم عام هلذا األخري، مع اإلشارة إىل أنه خارج إطار اختصاصنا وما جترانا عليه إىل

حماولة استدعتها أمهية املوضوع بالنسبة إلينا كاقتصاديني. هذا بالنسبة إىل دراسة كل متغري على حدى، فكل الصعوبة تكمن يف اجلمع

١٨

بني املتغريين بطريقة ختدم أهداف البحث. وذلك يف حماولة معرفة واستنتاج الطريقة الصحيحة للربط بني املتغريين، لقياس أثر العالقة على

اجملتمع بصفة عامة .حتى شدة ارتباط املتغريين ببعض وتأثريمها املتبادل واملتداخل، زاد يف

صعوبة معرفة اجتاه التأثري وإمكانية تصنيفه ومعرفة آلية عمله. كما أن الكم اهلائل من املراجع املوجودة ودرجة تعمقها يف كل متغري على حدى (وصعوبة تصنيفها املراجع الرئيسية من الثانوية) من جهة، وندرة املراجع فيما خيص العالقة ككل (توفر بعض الدراسات الكاملة وأجزاء متفرقة بني مجلة من املراجع األخرى) من جهة أخرى؛ زادت يف صعوبة

البحث. ثامنا: هيكل البحث:

حسب املنهج املتبع واملعلومات اليت استطعنا توفريها ارتأينا تقسيم عملنا هذا إىل ثالث فصول جاءت كالتايل:

الفصل األول:

نناقش فيه املتغري األول "النظام االقتصادي"، ونبدأ املناقشة بالتطرق إىل مفهوم النظام وأساسياته بطريقة خمتصرة وبسيطة، تساهم يف إزالة الغموض حول هذا املفهوم، باإلضافة إىل آليات تقييم أثاره يف احلياة

االقتصادية.ثم نعرض أهم النظم االقتصادية اليت عرفتها البشرية يف نوع من املقارنة

بغية إثبات تعدد هذه النظم وكذا آلية تأثريها دائما يف احليات االقتصادية

١٩

بالنسبة جلملة اجملتمعات الدولية؛ وذلك من خالل التطرق إىل: :النظام االقتصادي الرأمسايل

هو النظام الذي عرف الكثري من التنظري والتطبيق على الصعيد احمللي والدويل، فنحاول إىل التعريف هبذا النظام والتطرق إىل أهم معامله وخصائصه، إىل أن نصل إىل أهم اآلراء اليت جاءت كمحاولة لنقده.

: النظام االشرتاكيهو اآلخر ميثل طرف صراع يبدو للكل أنه أفل لكن الواقع احلايل (وخاصة يف السنوات األخرية) بدأت عملية إحياء بعض معامله، وهو ما جعل التطرق

إليه من األمهية مبا كان. : النظام االقتصادي اإلسالمي

هو الطرف الذي مل يدخل يف أي صراع (كنظام اقتصادي)، لكن عرف الكثري من الصراعات كمحاولة إلعادة إحياءه، وما يستلزم إدراجه هو بقاءه كأهم اخلريات جلملة الدول العربية بصفة عامة واإلسالمية بصفة خاصة.

الفصل الثاني:

أما فيما خيص الفصل الثاني فكان موضوعه " الثقافة االجتماعية"؛ ومبا أهنا تندرج حتت إطار علم االجتماع بصفة عامة أو علم االجتماع الثقايف

وحتى علم الثقافة كما حيلو لرواده تسميته، فقد كان من الضروري معاجلتها بأسلوب أهل اختصاصها.

منه متت معاجلة موضوع الثقافة االجتماعية حسب أسلوب علم االجتماعي، حبيث تطرقنا يف البداية إىل مفهومها ثم عناصره ومكوناهتا...

إىل أن وصلنا إىل أهم الظواهر اليت حتكمها على غرار: التغري الثقايف،

٢٠

التكامل الثقايف... وهي مواضيع من األمهية مبا كان تسمح لنا بفهم موضوع الثقافة االجتماعية ومعرفة أهم معاملها.

الفصل الثالث: من خالل عرض الفصل األول والثاني نكون قد أجبنا على مجلة من

األسئلة املطروحة وما بقية أو ما تركناه للفصل الثالث إن صح التعبري فما هو إال إعادة ربط وإشارات واضحة إىل أهم مواطن جتلي العالقة أو

جتسدها.فنبدأ بتقصي معامل األثر الذي تركته الثقافة االجتماعية على النظام

االقتصادي (بإبراز الدور الذي لعبته الثقافة يف بناء األنظمة االقتصادية املذكورة سابقا). لنأتي بعد ذلك إىل إبراز أهم األفكار املنبثقة من خالل

الدراسات اليت جاءت يف نفس السياق، ففي البداية سنقتصر على النقاش الفكري للعالقة فقط.

ثم يف مرحلة ثانية نوضح طبيعة العالقة وآلية تركيبها لنذكر بعد ذلك أهم افرزاهتا على مستوى النظام االقتصادي من خالل خلق فروع

اقتصادية جديدة.يف آخر الفصل الثالث حناول تقصي أثر العالقة بني النظام االقتصادي

والثقافة االجتماعية على متغريين هلما درجة كبرية من األمهية سواء بالنسبة ملفكري علم االقتصاد أو علم االجتماع الثقايف (اجملتمع والتنمية)، لنصل بعد ذلك إىل عرض قضايا جتسد العالقة بني النظام االقتصادي

والثقافة االجتماعية يف مثالني يدعمان رؤيتنا للقضية (املؤمتر الدويل

٢١

احلكومي للسياسات الثقافية من أجل التنمية، والتجربة اليابانية).ويف ختام البحث نعرض مجلة من النتائج اليت جتيب على السؤال الرئيس

يف البحث، وهو كيف جيب أن تكون العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية لتحقيق التنمية املستدامة يف مجيع امليادين (االقتصادية

بالدرجة أوىل ثم االجتماعية والبيئية)؟وتكون اإلجابة على هذا السؤال ممكنة إذا استطعنا معرفة مواطن وآليات التأثري يف كل متغري، فهو الطريق الوحيد لتطويع العالقة مبا حيقق اهلدف

الرئيسي من تقصيها.

٢٢

٢٣

الفصل األول

النظام االقتصادي

متهيد:تعد دراسة األنظمة االقتصادية واحدة من اعقد التخصصات يف العلوم االقتصادية، ذلك إهنا تعنى بأهم و أوسع املواضيع يف هذا امليدان؛ وما

دراستنا هذه إال جزء يسري من هذا املوضوع املتشعب. آثرنا يف هذا الفصل الدمج بني املنهج االستقصائي و املقارن ألننا نرى أهنما األنسب يف تقصي

حقيقة النظام االقتصادي وكذا معرفة و تفريق أهم أنواعه. حناول يف املبحث األول حصر املفهوم العام للنظام االقتصادي يف بضعة تعاريف علمية تتميز

بشيء من الدقة، ثم ندعم تلك التعاريف جبرد بعض خصائص النظام االقتصادي، وهو ما يعطينا رؤية أوسع وأدق فيما خيص هذا املتغري. ثم نأخذ كمثال ثالث من أهم األنظمة االقتصادية اليت عرفتها البشرية بطريقة مقارنة

فيما تبقى من مباحث؛ فنتقصى يف البداية عن حقيقة النظام االقتصادي الرأمسايل فنناقش أهم األفكار اليت رمست معامله، وأهم املميزات اليت جعلت منه نظام يستحق الدراسة، لنطرح بعد ذلك تقيم أهم املفكرين االقتصاديني هلذا النظام. بطريقة مشاهبة نناقش النظام االقتصادي االشرتاكي موضحني

أهم الفروق واالختالفات املوجودة بينه وبني نظريه السابق. لنأتي يف أخر الفصل بنظام يعد املتميز بني نظرييه (ونوضح رأينا هذا من خالل املناقشة) نقصد بكل تأكيد النظام االقتصادي اإلسالمي. نشري هنا إىل مراحل دراسة

كل نظام ستكون خمتلفة عن سابقه نسبيا على أساس أن النقاط اليت ستناقش من طرف النظام الرأمسايل ليست بالضرورة ستناقش من طرف

النظام االقتصادي االشرتاكي؛ واملسائل اليت عنيت هبا كل من االشرتاكية

٢٤

والرأمسالية كأنظمة اقتصادية ليست بالضرورة اليت عين هبا النظام االقتصادي اإلسالمي، هذا يف حد ذاته واحد من األسباب اليت زادت من

أمهية الدراسة (تعدد واختالف األنظمة االقتصادية).

املبحث األول النظام االقتصادي والنتائج االقتصادية:

منهد يف هذا املبحث لدراسة أهم أنواع األنظمة االقتصادية (النظام االقتصاد الرأمسايل، االشرتاكي واإلسالمي)، عن طريق عرض أهم املفاهيم

األساسية للنظام االقتصادي (تعاريف، أساسيات، آليات تقيم النتائج...). وكلها أساسيات توضح لنا طريق أو منهج مناقشة األنظمة االقتصادية.

املطلب األول األنظمة االقتصادية (تعاريف، وخواص):

يأتي هذا املطلب ليقدم لنا مفهوم النظام االقتصادي، ويزيل اإلهبام و الغموض عنه. وذلك أن جل باحثي العلوم االقتصادية ميلكون مفهوم يتصف

بالعموم وبشيء من عدم الدقة لذا حاولنا حصر هذا املفهوم يف بعض التعاريف اليت جاء هبا بعض املتخصصني يف هذا امليدان، كما حاولنا تقديم

وباختصار أهم امليزات أو اخلواص اليت تفرق بني األنظمة، واليت اختالف منطها يطرح أنظمة خمتلفة.

الفرع األول: تعاريف: تعريف النظام: -١

٢٥

هو جمموعة من اهلياكل املتجانسة، كما أنه جمموعة العناصر العلمية واألفكار املنظمة منطقيا يف عالقاهتا. أو هو جمموعة من الظواهر املرتبطة ببعضها البعض. أو هو جمموعة متجانسة أقل أو أكثر تعقيد مكونة من عدد

حمدد من اهلياكل والعناصر املختلفة واملرتبطة يف خمطط مشرتك هبدف

.١مشرتك أيضا أو جمموعة من العروض أو احللول املقرتحة ألجل حتقيق هدف معني.

أو أيضا جمموعة تنظيمات أو هياكل مرتبطة وبصفة تعاونية ألجل حتقيق هدف معني.

تعريف النظام االقتصادي: -٢: ١تعريف

جمموعة متجانسة من اهلياكل االقتصادية و املؤسساتية القانونية، االجتماعية والذهنية، منظمة ألجل حتقيق بعض األهداف االقتصادية

.٢(التوازن، النمو...)  :٢تعريف

هو عبارة عن مداخلة (أو دمج) بني منوذج ضبط للنشاط االقتصادي

.٣٢ومنوذج ملكية لوسائل اإلنتاجحبيث منوذج الضبط يأتي هبدف ضمان تكييف اإلنتاج مع احلاجات

(العرض مع الطلب) من خالل السوق أو املخطط.

١. [SILEM et AT,2004 - p655] ٢. [SILEM et AT, 2004-p656] ٣. ]BROUSSEAU,1995 [

٢٦

ومنوذج امللكية لوسائل اإلنتاج قد يكون خاص (املؤسسة احلرة واليت تعرف بالرأمسالية ) آو عام ( املؤسسة ملك للدولة وللتجمعات وهو ما يعرف

 باالشرتاكية).

النظام االقتصادي يتميز أيضا بروح، وتقنية، وهيئة النشاط. الروح واليت متثل تقريبا البحث عن املنفعة الشخصية أو اجلماعية، التقنية حيث من املمكن أن تكون قبل التصنيع أثناء التصنيع أو بعد التصنيع اهليئة

واليت تنسب إىل طبيعة امللكية.  :٣تعريف

" ملوارد خمتلفة Assemblageالنظام االقتصادي هو عبارة عن جتميع "خصصت من طرف جمموعة من األفراد، هبدف إنشاء تبادالت وتعاونيات

فيما بينهم بطريقة متكنهم من حتقيق االستعمال األفضل واملمكن لتلك املوارد. ويف غالب األحيان جند أن بعض األفراد هلم منافع شخصية تتناقص

ومنافع البعض األخر، باإلضافة إىل أنه داخل أي نظام اقتصادي، جند أن نشاطات أي فرد هلا نتائج أو تأثريات على نتائج باقي األفراد.

:ASSAR. LINDBECK : (آسار ليندباك" اقتصادي سويدي:٤تعريف إن النظام االقتصادي عبارة عن جمموعة من آليات ومؤسسات لصنع القرار

وتنفيذ القرارات املتعلقة باإلنتاج والدخل واالستهالك يف نطاق منطقة

.١جغرافية معينة

]٣٣ص– ١٩٩٤جريجوري ، و آخرون ،[ .١

٢٧

:FREDIRICK. PRYOR : (فريدريك براير):٠٥تعريف النظام االقتصادي يشمل مجيع املؤسسات، واملنظمات، والقوانني واملعتقدات

والقيم واحملرمات، أي أمناط السلوك الناجتة اليت تؤثر مباشرة أو عن طريق

.١غري مباشرة على السلوك االقتصادي والنتائج

النموذج االقتصادي: -٣: ١تعريف

هو متثيل مبسط وعالئقي للحقيقة والذي يسمح للعامل بالتحليل (حتليل

. ٢ DORFMAN »حيث ندرس النموذج وليس العامل احلقيقي«الواقع): هذا التمثيل يأتي على شكل جمموعة من العالقات بني متغريات العامل احلقيقي

والذي يعرف بدوره على أنه أساسيات تنظيم الظاهرة حمل الدراسة.: ٢تعريف

: عبارة عن استخدام اللغة ٣و يطلق عليه أيضا اسم "منوذج املوضوع االقتصادي"الرياضية إلعادة صياغة موضوع النموذج يف شكل نظام يبسط العالقات

السببية (علة و معلول) والبنيوية التشكيلية (املورفولوجية) بني عناصر املوضوع األصلي. وبتعبري أخر، فإن النموذج االقتصادي هبذا املعنى هو ليس طبق األصل

عن موضوعه، بل خيتلف عنه نوعيا، فضال عن االختالف من ناحية املوضوعات الطبيعية (كاحلجم والشكل...). شكل النموذج ميكن أن يكون أدبي

أو رياضي (نظام جربي، ألعاب، منحنيات...) أو إعالم آيل (برنامج على

]٣٣ص– ١٩٩٤جريجوري ، و آخرون ،[ .١٢. [SILEM et AT, 2004-p468] ] ٤٤ص– ١٩٨١دادايان ،[ .٣

٢٨

الكمبيوتر)؛ كما ميكن أن يكون نظري (اقتصاد حبت) أو تعديل يف ميدان

أو (statique)اإلحصائيات (منوذج اقتصادي) حتى ميكن أن يكون ثابت

...(dynamique)متحرك إن النظام االقتصادي هو نظام متعدد األبعاد كما متثله املعادلة:

EcoSy(ES)=F(A1,A2 ,…….An) ES: Economic system

A1,A2…..An ميزات أو خواص النظام الفرع الثاني: ميزات أو خواص النظام:

وجند أن النظام االقتصادي هو واحد من أكثر النظم تعقيدا اليت قام علماء االقتصاد بدراستها. وككل النظم ميكن تصنيف النظام االقتصادي بناءا

على هيكله أو املبادئ اليت اعتمد عليها يف وضعه.كما أن ميزات أو خواص النظام تستعمل للتفرقة والتعرف على نوع أو شكل

النظام. حيث جند أربعة هي:.تنظيم ترتيبات القرار .آليات لتوفري املعلومات والتنسيق: السوق واخلطة .حقوق امللكية: حتكم ودخل .(حوافز) آليات لوضع األهداف ولتحفيز األفراد للعمل ومنه انطالقا من هذه امليزات ميكن تركيب وخلق أنظمة حبتة

جتريدية "مناذج اقتصادية" (ليس هلا عالقة مع الواقع) وذلك للتمكن من إسقاط هذه األنظمة على الواقع هبدف املقارنة بني األنظمة ا

٢٩

جملردة وما هو يف دنيا الواقع. شرح امليزات أو اخلواص األربعة:

تنظيم ترتيبات اختاذ القرار: .١

:J.M.MONTIASتعريف املنظمة: يعرفها تشمل املنظمة جمموعة من املشرتكني ( األعضاء) يتعاملون مع بعضهم البعض

.١بانتظام يف عملية واحدة أو أكثر من النشاط

كما تعترب عملية اختاذ القرارات من أهم األدوار اليت تلعبها املنظمة، وذلك ما يتجسد يف الشكل اهلرمي للمنظمة، حيث يعتلي اهلرم بعض األفراد الذين

يصدرون أوامر وتعليمات ألعضاء أو أفراد آخرين يف املنظمة والذين يتوجب عليهم اإلذعان هلا. وتعرف عملية اختاذ القرار:

، ٢على أهنا فعل ذهين تطوعي هدفه انتقاء خيار حلل إشكالية (مسألة) ما حيث تشكل عملية اختاذ القرار اهلدف املركزي لالقتصاد اجلزئي.

كما أن عملية اختاذ القرار تتم يف أربع خطوات:  حتديد اإلشكال. .١

 دراسة األجوبة احملتملة. .٢

 اختيار احلل املثايل أو احلل املرضي. .٣

 تنفيذ القرار ومراقبة اآلثار. .٤

نفرق أيضا بني القرارات اجلزئية والقرارات الكلية، حيث تتخذ األوىل من ]٣٥ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١٢. [SILEM et AT, 2004-p225]

٣٠

طرف الوحدات االقتصادية البسيطة (مؤسسة أفراد) يف حني الثانية تتخذ من طرف الوحدات االقتصادية املعقدة (الدولة ، جمموعة مؤسسات).

نشري كذلك إىل آلية اختذ القرار واليت من املمكن يف كل حالة (جزئية أو كلية) أن تكون فردية أو مجاعية. من ناحية نظرية ميكن التمييز بني ثالث أنواع من

اختاذ القرار:  منوذج املقرر الفردي العقالني. .١

 منوذج املنظمة للعقالنية احملدودة. .٢

 منوذج القرار السياسي. .٣

١) ١واجلدول اآلتي يوضح أهم أنواع القرار بصفة عامة: جدول رقم (

إن عملية اختاذ القرار يف املنظمة ميكن مناقشتها أيضا عن طريق ميزة رئيسة وهي املستوى الذي تتخذ فيه القرارات ونقصد درجة املركزية.

ومنه منيز بني مستويني بشيء من البساطة نقول أن النظام االقتصادي مركزي إذا اختذت القرارات يف املستويات العليا من املنظمة كما تعترب غري مركزية إذا

اختذت القرارات يف مستويات دنيا من املنظمة.

١. [SILEM et AT, 2004-p226]

التصنيف حسب املستوى

التصنيف حسب الطريقة

قرار عملي

واستغاليل

قرار تكتيكي أو تسريي

قرار اسرتاتيجي أو ختطيطي

قرار مربمج قرار غري مربمج مهيكل

قرار غري مربمج و غري مهيكل

٣١

جتدر اإلشارة إىل أن النظام االقتصادي مركب من األفراد الذين جيمعون عادة

وتشكل هذه الوحدات (Subunits)على شكل وحدات دنيا أو منظمات صغرية السلم اهلرمي للمنظمة، حيث جند أيضا أن الوحدات الدنيا يف أسفل اهلرم ما

هي إال بعض املنشآت واملستهلكني وميكن تشكيلهم بطرق خمتلفة صغرية أو كبرية مقارنة بنظامهم االقتصادي.

كما أن حجم هذه الوحدات (كبرية كانت أو صغرية احلجم) هو الذي حيدد مستوى اختاذ القرار يف نظام معني فهي تعترب هيكل املنظمة أي أن حجم وعدد

مع بعضها البعض يعترب حمدد مهم (Subunits)ومنط وضع الوحدات الصغرية حمتمل ملستوى القرار وبذلك فهو يؤثر على كفاءة النظام.

يف جانب آخر جند أن أهم عنصرين متعلقني بتحديد مستوى اختاذ القرار مها

. كما أنه من هذا األخري ميكن أن منيز بني ١توزيع املسؤولية واستغالل املعلوماتنظامني اقتصاديني متطرفني خمتلفني حبيث جند نظام اقتصادي كامل

Single Central)املركزية تقع مسؤولية وضع القرار على القيادة املركزية فقط

Command) .وهي مصدر األوامر بالنسبة للوحدات األدنى يف املنظمة حني جند الوجه اآلخر وهو حالة عدم املركزية الكاملة، وهو بنية تقع فيها

(Lowest Subunits)مسؤولية اختاذ القرار بكاملها يف أدنى الوحدات

من جهة   (العائالت واملنشآت) واليت يفرتض استقالهلا عن الوحدات العليا. أخرى جند أن مستوى اختاذ القرار يعتمد على التعامل باملعلومات فحسب

]٣٧ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٣٢

" فإن املركزية الكاملة فيما LEONID HURWICZ"ليوند هروتشز خيص املعلومات تعين أن متخذ القرار" الفرد" ميلك مجيع املعلومات عن

مجيع "املشرتكني" وأعماهلم وبيئتهم ومن ثم تعين الالمركزية أن متخذ

.١القرار "الفرد" لديه قدر أقل من املعلومات الكاملةفعلى سبيل املثال جند أن يف النظام الالمركزي تبادل املعلومات املتعلقة

باألسعار يتم بني الوحدات الدنيا فقط. على العكس من ذلك النظام املركزي املعلوماتي يعمل على توليد وهضم واستخدام املعلومات عن طريق

الوكاالت العليا من ثم حيول أجزاء بسيطة فقط من املعلومات إىل الوحدات الدنيا يف املستويات السفلى.

:-السوق واخلطة –آليات تزويد املعلومات والتنسيق .٢من الشائع عند االقتصاديني أن املركزية ارتبطت باخلطة يف حني

الالمركزية ارتبطت بالسوق وهي أبسط متثيل للعالقة بني مستوى اختذ القرار والسوق أو اخلطة كوسيلة آلية للتنسيق، لكن األهم أعقد من ذلك،

وسنحاول مناقشة هذا األمر بالبدء بتعريف االقتصاد املخطط:

(Subunits)إنه ذلك االقتصاد الذي يتم فيه التنسيق بني الوحدات الدنيا

مثل (املنشأة) بتعليمات حمددة إىل حد بعيد، أو إرشادات صاغتها هيئات تسمى عليا (جملس التخطيط املركزي) وأوصلتها عن طريق وثيقة

باخلطة ويتم تشجيع املشرتكني لتنفيذ التعليمات عن طريق حوافز مالئمة

. ٢مصممة من قبل السلطات التخطيطية ]٣٨ص– ١٩٩٤جريجوري ، و آخرون ،[ .١ ]٤٠ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .٢

٣٣

اخلطة (املخطط): .١مشروع منشأ حيتوي على متتالية منظمة ومتناسقة من العمليات املوجهة

لتحقيق هدف معني. ومبا أهنا مشروع فهي تظم جمموعة من التنبؤات واألهداف االقتصادية باإلضافة إىل جمموعة من الوسائل املنظمة بطريقة

منسقة لتحقيق أهداف معينة. وميكن للمخطط أن يكون على مستوى االقتصاد اجلزئي أو القطاعي أو الكلي. ومداه الزمين من املمكن أن يكون

.١على املدى القصري أو املتوسط أو الطويليف بعض احلاالت أين تكون اخلطة قصرية املدى تدعى ب "الربنامج"،

واخلطة طويلة األجل تدعى ب "اخلطة"، اآلفاق أو باآلفاق مباشرة

(Perspective) ؛ ويف معظم احليان يشار إىل مصطلح اخلطة(Le Plan)

" (مدى متوسط).Quadriennalملدى رباعي "كما جند عدة تعاريف أخرى واملهم أن النشاطات االقتصادية (خاصة ما تعلق األمر بتخصيص املوارد) يف اقتصاد خمطط تكون موجهة صراحة

وضمنا بتعليمات وإرشادات تضعها السلطات العليا ويتم إيصاهلا إىل الوحدات الدنيا مصحوبة مبكافآت هلذه الوحدات تعتمد على مدى حتقيق

"األهداف" .أما فيما خيص "اقتصاد السوق" جند أن "السوق" وعن طريق آلية "العرض

والطلب" (على حسب األسعار) يوفر اإلرشادات اليت تدفع هبا الوحدات الدنيا يف النظام إىل اختاذ قرارات ختصيص املوارد، وبذلك يقوم السوق

١. [SILEM et AT, 2004-p533]

٣٤

.١بتنسيق نشاطات وحدات اختذ القرارات املختلطة السوق .٢

" كما يلي: ٢تعرفها "املوسوعة االقتصادية .هو مكان التقاء العرض و الطلب بالنسبة لسلعة ما 

وبالنسبة لالقتصاد الصناعي السوق عبارة عن جمموعة من املنشآت املكونة لفرع نشاط ما.

ومن ناحية االقتصاد اجلزئي السوق ليس مبكان أو حمل، فهو يتميزبتحديده لسعر التنازل والكميات املتنازل عنها عند ذلك السعر من

طرف املنتج (أو العارض). والدليل على أن السوق ليس هو املكان بالنسبة لالقتصاد اجلزئي هو اعتباره من طرف هذا األخري عقد بيع

 وشراء سلعة أو خدمة بسعر حيدده هذا السوق.

إن نفي االقتصاد اجلزئي على كون السوق عبارة عن مكان ال يعين أنمعنى هذا املصطلح ينفي ذلك أيضا، ففي الكثري من األحيان ما نعين

بالسوق، السوق املادية واليت هي عبارة عن مكان منظم باتفاقيات هبدف السماح للمجموعة من املشرتين احملتملني (الطلب) أن يالقوا أو يقابلوا

 جمموعة العارضني وذلك حبضور مادي للسلع موضع اللقاء.

وميكن أن نقصد بالسوق أيضا شبكة من املعلومات أين الفاعلني يفالسوق مرتبطني بتسليم فوري (السوق العاجلة) أو التسليم يف تاريخ

الحق (السوق اآلجلة).

]٤٠ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١٢. [SILEM et AT, 2004-p448]

 

 

٣٥

يف النظرية االقتصادية، السوق من املمكن وصفه من خالل طبيعة املواد

Atomicité)(املتجانسة أو غري املتجانسة)، عدد املتدخلني

Molécularité) نوعية املعلومات (شفافة، غري واضحة)، التكيف ،

وشروط هذا التكيف ) Viscosité(املتبادل بني العرض والطلب السيولة حيث من املمكن أن يقسم إىل الدخول واخلروج من السوق (حرية أو

وجود حواجز الدخول واخلروج من وإىل السوق)؛ والوصف األخري خيص عوامل اإلنتاج...

إن التعريفان السابقان (تعريف االقتصاد املخطط، واقتصاد السوق) يصفان اثنني من أهم األنظمة املتطرفة نظريا واليت هي بعيدة نوعا ما عن الواقع

حبيث جند يف األول أن القرار األساسي مباذا ننتج؟ يقوم باختاذه املخططني املركزيني.

وبالنسبة للثاني السؤال الرئيسي ماذا ننتج ( أي املنتجات واخلدمات وبأي كميات )؟ فنجد أن املستهلك هو الذي يسيطر على اختذ القرار وهو ما

" وهي السلطة اليت Consumer Sovereigntyيعرف بسيادة املستهلك "مينحها له السوق عن طريق منحه حق التصويت.

فال جند يف دنيا الواقع نظام خمطط يهمل رغبات املستهلكني وال نتوقع   السيادة الكاملة للمستهلك يف اقتصاد السوق.

٣٦

:-رقابة ودخل -حقوق امللكية .٣: ١تعريف:

حقوق امللكية ما هي إال قوانني العالقات اإلنسانية املتعلقة باألشياء، أو

.١باألحرى اليت حتكم بني األفراد واألشياء: ٢تعريف:

تشري كلمة امللكية إىل جمموعة حقوق ميلكها الفرد على أشياء أو أحقية أشياء أو خدمات ،وأن بإمكان هذه احلقوق التأثري على حق التصرف يف

.٢"J. M. MONTIASهذه األشياء واستعماهلا ومنه نستنتج من هذا التعريف ثالث أنواع من حقوق امللكية:

:حق التصرف بالشيء

بالشيء موضع االهتمام، أي حتويل حقوق (Disposition)حق التصرف امللكية لآلخرين كما هو احلال عند بيع سيارة مملوكة ملكية خاصة.

:حق االستغالل

، حيث باستطاعة املالك (Utilization)تشمل امللكية حق االستغالل استخدام الشيء بأية طريقة يراها مالئمة.

:حق االستعمال

املنتجات أو اخلدمات (Use)تشمل امللكية أيضا على حق استعمال املتولدة عن الشيء موضع االهتمام.

١. [SILEM et AT, 2004-p250] ]٤٠ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .٢

٣٧

وترتبط أيضا حقوق امللكية بالزمن فقد تكون مؤقتة أو دائمة حبيث ميكن أن تقع حقوق امللكية السالفة الذكر يف يد شخص يف أزمنة خمتلفة كما

ميكن أن تقع يف وقت واحد.فقد يستأجر الشخص شيء فيتمتع حبق االستغالل ملدة معينة دون أن

يتمتع حبق التصرف (حبدود منظمة ) ودواليك. كما جند أيضا بني حقوق

" (مثال ملكية وسائل اإلنتاج يف De facto" وحقوق فعلية "De jureشرعية "). -نظام التعاونيات –االقتصاد االشرتاكي

بصفة عامة ميكن تقسيم حقوق امللكية إىل ثالثة أشكال وهي خاصة، عامة ومجاعية (تعاونية) وهي مرتبطة ارتباط وثيق بالنظام االقتصادي.

ومنه إذا سادت امللكية اخلاصة فكل احلقوق الثالثة املذكورة آنفا تعود لألفراد. بينما يف ظل امللكية العامة فتعود إىل الدولة. وجند أن اختالف النظم يفرض هذا التنوع يف أشكال امللكية كما ميكن أن جند نظام جيمع

بني أشكال امللكية يف بنيته.وما يهم يف هذه النقطة هو أن اختالف أشكال امللكية (توزيع امللكية) له أثر مباشر على النتائج االقتصادية، ذلك من خالل اختالف قواعد صنع القرار

وأنظمة احلوافز واألهداف وغري ذلك، واليت تفرضها األشكال املتعددة للملكية وهو ما ينعكس على النتائج االقتصادية.

إن طبيعة امللكية وأشكاهلا يف اقتصاد معني هي اليت حتدد نوع الدخل، ففي نظام اقتصاد معني يكون فيه رأس املال مملوك من قبل األفراد (مبعنى

الفرد املالك يتمتع باحلقوق الثالثة) فان املالكون يهدفون إىل تعظيم دخوهلم

٣٨

على مدى احلياة فإن رأس املال يتم توزيعه حبيث يعطي اهتمام أكرب للعائد الذي يتالءم مع درجة املخاطرة املوجودة. وإذا كان رأس املال مملوكا للدولة

فان قواعد ختصيص رأس املال قد ختتلف فسوف يعطى اهتمام أكثر ملعدالت العائد طويلة األجل كما تراها الدولة. وسيختلف توزيع الدخل يف

حالة ملكية الدولة مقارنة مع ملكية األفراد فعائد امللكية سيعود على الدولة يف احلالة األوىل وعلى الفرد يف الثانية. وطاملا حيدد ختصيص رأس املال بالنهاية اجتاه النشاط االقتصادي فإن ملكية رأس املال ستحدد ما إذا

كان ختصيص رأس املال من قبل الدولة أو الفرد.حتى التقليدين اعتمدوا يف تصنيفهم للنظم االقتصادية حسب حقوق

امللكية (رأمسالية وإقطاعية) ومنه تظهر أمهية حقوق امللكية للتفرقة بني األنظمة االقتصادية. وأخريا جتدر اإلشارة إىل أمهية طبيعة حقوق امللكية

يف توزيع الدخل يف اجملتمعات ونظرا ألمهية هذا األخري يف املقارنة بني النتائج االقتصادية ميكن استنتاج أمهية معرفة طبيعة امللكية يف النظام

االقتصادي لتوقع النتائج االقتصادية للنظام. احلوافز: .٣

إهنا آلية حتفيز األفراد يف املستويات الدنيا لتنفيذ إرشادات وتعليمات املستويات العليا لتحقيق أهداف اقتصادية معينة تعترب من أهم العناصر

.١اليت حتدد بنية أو شكل النظام االقتصادي

] ٤٥ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٣٩

كما ذكر "مونتاس" ثالث شروط لتكون احلوافز فعالة كما يلي:جيب أن يكون األفراد الذين سيحصلون على مكافأة قادرين على التأثري أ.

على النتائج اليت متنح املكافآت من أجلها.جيب أن يكون املشرتكني يف املستويات العليا قادرين على حماسبة ب.

املشرتكني يف املستويات الدنيا من أن الوجبات املالئمة قد مت تنفيذها.جيب أن تكون املكافآت املتوقعة موضع اهتما املشرتكني يف املستويات ت.

الدنيا. حتى أن احلوافز منها ما هو مادي ومنها ما هو أدبي (معنوي).وتعرف احلوافز املادية:

على أهنا نظام مكافآت يشجع سلوك مرغوب فيه، عن طريق منح الفرد اجملتهد و الذي كان أداءه جيد حق اكرب على السلع املادية من الفرد الذي

كان أداؤه اقل جودة؛يف حني احلوافز األدبية:

تكافئ السلوك املرغوب فيه عن طريق التطلع ملسؤولية املشرتك االجتماعية (أو الشركة) وبناء عليه رفع مكانة املشرتك االجتماعية داخل اجملتمع وال

متنح املشرتك حق اكرب على السلع املادية.حيث جند أيضا أن تربيرات احلوافز ختتلف باختالف النظريات حيث جند أمهها النظرية النيوكالسيكية واملركسية ، ويأتي هذا يف سياق آلية

توزيع الدخل واختالفها بني األنظمة وسنحاول الفصل فيها فيما سيتقدم يف هناية هذه النقطة من البحث وهي إعطاء أهم امليزات أو من البحث.

عناصر نرى اخلصائص اليت متيز نظام عن أخر واليت حصرناها يف أربع

٤٠

أهنا األهم نضع اآلن جدول يلخص لنا هذه النقطة.

١)٢جدول يوضح أهم عناصر النظام االقتصادي: جدول رقم (

املطلب الثاني: تبويب وتصنيف األنظمة االقتصادية:

يف هذا املطلب نتكلم عن أهم الرتاكيب للميزات واخلواص اليت مت طرحاها آنفا، وأهم إفرازاهتا بطريقة خمتصرة على أساس العودة للخريات ودراستها

بشيء من الدقة فيما يتقدم من البحث. الفرع األول: تبويب األنظمة االقتصادية:

و على مر الزمن عدد كبري من االقتصاديني أنشاءوا تبويب خاص لألنظمة

:٢االقتصادية حسب قواعد شخصية وموضوعية كما يلي تبويب "كارل ماركس": .١

مر االقتصاد حسب كارل ماركس بأربع مراحل هي:

]٤٧ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١٢. [SILEM et AT, 2004-p656]

الفروق العناصر

مركزي تنظيم اختاذ القرار ال مركزي

السوق توفري املعلومات والتنسيق اخلطة

حقوق امللكية

خاصة تعاونية عامة

مادية نظام احلوافز أدبية

٤١

العبودي أو اإلقطاعي). (اجملتمع البدائي أ. الرأمسايل. ب.

 االشرتاكي. ت.

نظام اإلنتاج األسيوي. ث.

تبويب القائمة: .٢ اقتصاد الصيد( الربي و البحري ). أ.

 اقتصاد التدجني. ب.

 اقتصاد مجاعي فالحي. ت.

اقتصاد مجاعي معملي. ث.

:HILDEBRANDتبويب "هلد برند .٣ اقتصاد املقايضة. أ.

اقتصاد دويل. ب.

اقتصاد نقدي . ت.

اقتصاد استدانة (اقتصاد القروض ). ث.

 : ROD BERTUSتبويب "رود برتس .٤

اقتصاد عائلي مغلق. أ. اقتصاد حضري. ب. اقتصاد دويل. ت.

٤٢

تبويب بن خلدون: .٣ اقتصاد البدو الرحل. أ.

االقتصاد احلظري . ب.

:A. Piettreتبويب برت .٣ Economie de la foiاقتصاد الثقة اقتصاد. أ.

Economie de moiاقتصاد األنا. ب.

Economie de la loiاقتصاد القانون. ت.

 .WALT WHITMANمراحل تطور االقتـصـاد عـنـد "والـت روسـتـو ث.

ROSTOW":

هي كالتايل: ١مير االقتصاد يف تطره عند أي جمتمع خبمس مراحل اجملتمع التقليدي. أ.

توفري شروط االنطالق املزمعة. ب.

االنطالق. ت.

السري حنو التزود بالوسائل املادية. ث. النزوع إىل جمتمع االستهالك. ج.

الفرع الثاني: مثال أهم األنظمة االقتصادية:نشري يف هذا الفرع إىل نظامني من أهم األنظمة االقتصادية، وذلك بغية فهم آلية التفرقة بني األنظمة أو كيف ميكن التميز بينها وليس التفصيل

١. [ROSTOW, 2002]

٤٣

فيهما (هو عمل تركناه لبقية الفصل).أي حناول بتقديم هذين املثالني معرفة آلية بناء األنظمة االقتصادية، أو

بصورة أخرى جتسيد معاير التفرقة بني األنظمة. الرأمسالية: .١

نظام اقتصادي يتميز بامللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج، صناعة القرارات غري مركزية وتقع بني أيدي مالكي عناصر اإلنتاج ويتم تنسيق صنع القرار

من طرف آلية السوق اليت تقوم بتوفري املعلومات الضرورية، وتستخدم

. ١احلوافز املادية لتحفيز املشرتكني اجتاه حتقيق األهداف من الناحية القانونية:

متثل وضعية امللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج. من الناحية السياسية:

متثل أيديولوجيا وتشريع للمنشآت احلرة. من الناحية االقتصادية:

هلا منظورين: هيكل يتضمن استعمال رأمسال كوسيلة إنتاج، كما ميكن أن ميثل درجة

 تركيز رأمسال يف هيكل معني.

.نظام اقتصادي أو منوذج إنتاج 

يعرف بثالث نقاط رئيسية: .العمالة ١. [SILEM et AT, 2004-p111]

٤٤

.(مقنن باألسعار) منوذج تقنني غري مركزي من طرف السوق .امللكية اخلاصة لوسائل اإلنتاج

التشريع الرأمسايل ما هو إال تطبيق جمرد للرأمسالية: و الذي يعرف حاليا ب " اقتصاد السوق " ومن هذا املنظور منيز بني عدة أصناف من

االقتصاد الرأمسايل احلقيقي. :النظام الرأمسايل احمللي

اخلاص بوحدات اإلنتاج الصغرية. :النظام الرأمسايل املبين على املنافسة

 الذي خيضع لقوانني السوق.

:االقتصاد الرأمسايل املبين على االحتكار  أو احتكار القلة.

:االقتصاد الرأمسايل املبين على القطاع اخلاص  أين تدخل الدولة غري موجود.

:االقتصاد الرأمسايل الدويل و هو ما يعرب عنه يف معظم األحيان بتأثري بعض الدول الرأمسالية الكربى

على بقية دول العامل (وجه من أوجه العوملة).

االشرتاكية: .٢ ومنيز بني نوعني من االشرتاكية:

اشرتاكية السوق: نظام اقتصادي يتميز بامللكية العامة لعناصر اإلنتاج، أما صنع القرار فهو

٤٥

غري مركزي ويتم تنسيقه عن طريق آلية السوق، وتستخدم كال احلوافز املادية واألدبية لتحقيق األهداف.

االشرتاكية املخططة:نظام اقتصادي يتميز بامللكية العامة لعوامل اإلنتاج، واختاذ القرار مركزي،

ويتم تنسيقه عن طريق اخلطة املركزية اليت يصدر عنها أوامر ملزمة للمشرتكني يف النظام، وتستخدم كال من احلوافز املادية واألدبية لتحفيز

املشرتكني هبدف حتقيق األهداف.و اآلن بعد أن عرفنا أهم املميزات أو العناصر املكونة للنظام، وعرفنا أهم

١)٣النظم حناول تلخيص ما سبق يف اجلدول التايل: جدول رقم (

املطلب الثالث: النظام االقتصادي وتقويم النتائج:

لقد عرفنا يف املطلب السابق أهم املعايري واملميزات اليت من خالهلا نستطيع التفريق بني نظام اقتصادي وآخر، كما قدمنا بعض التعاريف

]٤٨ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

هيكل اختاذ القرار

رأمسالية إمجاال المركزية

اشرتاكية السوق إمجاال المركزية

اشرتاكية خمططة إمجاال مركزية

آليات للمعدات والتنسيق

إمجاال اخلطة إمجاال السوق إمجاال السوق

إمجاال ملكية حقوق امللكية خاصة

الدولة أو ملكية مجاعية

إمجاال ملكية الدولة

مادية وأدبية مادية وأدبية إمجاال مادية احلوافز

٤٦

املرافقة ألهم األنظمة االقتصادية، وأما اآلن فنحاول إعطاء فكرة عن كيفية تقييم النتائج االقتصادية املشاهدة وكذا معرفة الطريقة اليت تنسب هبا

النتائج إىل عنصر من عناصر تركيب النظام االقتصادي أي معرفة النتائج اليت تفرضها الفوارق يف النظام االقتصادي، وبذلك نكون قد ملسنا شيء من

كيفية تقييم األداء االقتصادي الواقعي وهو ما سيعاجل يف ثالث خطوات متتالية:

بعض األسئلة املتعلقة باملدخل. أ. ماذا نعين بالنتائج االقتصادية واألداء االقتصادي. ب.كيف ميكن التحكم يف القوى اخلارجية عن النظام وذلك عندما ننسب ت.

النتائج لالختالف يف األنظمة. مقابل الواقع: -النماذج-الفرع األول: طرق املقارنة

إن عملية مقارنة األنظمة االقتصادية فيما بينها تبنى على مستويني:

النموذجMODELS .

احلقيقةREALITY . حيث تأتي النماذج بدرجة كبرية من التجريد إال أهنا أكثر فائدة ملقارنة

الفوارق النظرية يف النظم ألهنا توفر اإلطار النظري الذي اتفق عليه خمتلف

" ميكننا من احلكم على األداء الفعلي، ويف Normاملراقبني كما توفر "منطا نفس الوقت جند النظم احلقيقية املطبقة فعال هي اجلديرة باالهتمام

وهذا ما يتفق عليه معظم املراقبني. وتستخدم النتائج أساسا كدليل يساعد على فهم هذه احلقيقة،

٤٧

ولذلك فبالرغم من أن النموذج قد يساعدنا على استخالص تنبؤات نافعة حول النتائج اليت ميكن مقارنتها بالنتائج احملققة فعال، فإن معظم املراقبني

أقل اهتماما يف اعتبار مدى اقرتاب النظام احلقيق من مثله األعلى بقدر اهتمامهم مبعرفة مدى مناظرته لنظام آخر واقعي عندما حيكم عليه بناءا

على بعض املعايري املهمة للمراقب (مثل: الرقي والكفاءة). الفرع الثاني: القوى املؤثرة على النتائج االقتصادية:

بعض األفراد واملراقبني للعامل احلقيقي جيدون أن اقتصاديات الواقع تطابق النماذج النظرية البحتة رغم أن العامل مليء باقتصاديات خمتلطة

(جتمع مكونات من السوق واخلطة، امللكية اخلاصة، والعامة حوافز مادية وأدبية وغريها) لكن يف نفس الوقت يرجع معظم االقتصاديني اختالف

النتائج االقتصادية إىل قوى خارجة عن نطاق النظام االقتصادي نفسه ومن أمثلة ذلك: مستوى التطور االقتصادي واملعطيات من املوارد.

ومن املهم أيضا اإلشارة إىل أنه لدراسة أثر النظام على النتائج االقتصادية يف التطبيقات الكمية يتوجب علينا بصفة عامة، معاملة جماميع إمجالية

لألقطار الرأمسالية واألقطار االشرتاكية وأقطار أخرى هلا نظم اقتصادية خمتلفة (بعبارة أخرى تثبيت العوامل األخرى مع التغيري يف النظام) وميكن

التعبري عن هذه النقطة باختصار يف املعادلة التالية:

O=F(ES, ENV, POL)

٤٨

حيث أن:

O :.النتائج االقتصادية

ES :.النظام االقتصادي

ENV :.العامل البيئية

POL :.السياسات اليت يتبعها النظام االقتصادي )١ولشرح هذه املعادلة نضع املخطط التايل: الرسم البياني رقم (

العوامل املؤثرة على النتائج االقتصادية:

ومن املخطط السابق ميكن أن نستنتج بعض معايري األداء، واليت ميكن تطبيقها إمجاال لتقويم النتائج االقتصادية:

النمو االقتصادي: .١هو الزيادة يف الدخل الفردي احلقيقي، أي كمية السلع و اخلدمات املنتجة

. ويعرب عنه مبعدل يعرف ب"معدل١من طرف الفرد الواحد يف اقتصاد ما

١. [GEMEAP, 1996]

نظام اقتصادي

سياسات

عوامل بيئية

نتائج منو اقتصادي

كفاءة توزيع الدخل االستقرار

أهداف تطورية الوجود القومي

٤٩

النمو االقتصادي"، ويعد من أهم املعايري يف ترتيب اقتصاديات الدول، أي من أهم معايري تقييم األداء االقتصادي.

الكفاءة: .٢هي مرادف يف بعض األحيان للمردودية ويف بعض األحيان لإلنتاجية. نقول أن عملية أكثر كفاءة من األخرى إذا تطلبت األوىل وسائل أقل من الثانية، هي أيضا النسبة املعاكسة لإلنتاجية املتوسطة، حيث إذا كانت اإلنتاجية املتوسطة تساوي النسبة بني القيمة املضافة وحجم العوامل

، اذا الكفاءة ما هي ١املستعملة (تعطي اإلنتاجية للوحدة من عوامل اإلنتاج)إال كمية عوامل اإلنتاج الالزمة للحصول على وحدة واحدة من اإلنتاج أي

كما تبينه العالقة التالية:كمية اإلنتاج، وحل املعادلة الكفء هو استعمال أقل \كمية عوامل اإلنتاج

قدر من عوامل اإلنتاج أو باألحرى األقل تكلفة؛ وباختصار شديد الكفاءة هي: حتقيق اهلدف.

توزيع الدخل: .٣ عملية تقسيم للدخول املرتبطة بالنشاط اإلنتاجي.

االستقرار (استقرار الدولة االقتصادية، تضخم، بطالة...): .٤هو توقف مؤقت أو مراد لتحرك صاعد أو نازل يف مستوى حمدد:

استقرار دميوغرايف استقرار األسعار...

١. [SILEM et AT, 2004-p296]

٥٠

أو جمموعة من املقاييس السياسية واالقتصادية ملكافحة التضخم وتوجه إلرساء التوازنات األساسية لالقتصاد (امليزانية، العمل، ميزان

املدفوعات). أهداف التنمية: .٥

أين جند أن التنمية االقتصادية هي: ظاهرة نوعية مرتبطة بتحسني مستوى املعيشة (زيادة الدخل الفردي احلقيقي).

وجند أيضا مصطلح التنمية املستدمية: هي تلبية احلاجات احلاضرة دون املساس بقدرة األجيال القادمة على و

توجد عدة تعاريف ١تلبية حاجتهم (أحدث مفاهيم التنمية االقتصادية) أخرى نتطرق إليها فيما يتقدم من البحث.

استمرارية البقاء القومي: .٦أين كيان الدولة يصبح مرهون بقرارات اقتصادية، فإن املقدرة على

احملافظة على هذا الكيان هي األهم و اهلدف واملقياس الرئيس لنجاعة أي نظام اقتصادي.

باإلضافة إىل العديد من املؤشرات األخرى لكن هلا أبعاد نوعا ما بعيدة عن االقتصاد (القوة العسكرية مثال).

بعد عرض هذا املبحث نظن أنه أصبح بإمكاننا احلديث و التفصيل يف األنظمة االقتصادية، بعد أن أزلنا الغموض حول مفهوم النظام االقتصادي

وكيفية بناءه وأهم النقاط اليت تعطي الفروق بني األنظمة، هكذا أصبح ١. [SILEM et AT, 2004-p241]

٥١

بإمكاننا التفصيل والتعمق يف دراسة أهم هذه النظم االقتصادية متبعني منهج يتعرض ألهم النقاط اليت جاء هبا هذا املبحث.

املبحث الثاني النظرية الرأمسالية:

تعترب النظرية الرأمسالية املهد الفكري (النظري) لبناء نظام اقتصادي

أال وهو النظام الرأمسايل. ١عرف الكثري من التطورات واألشكالوما سنحاول توضيحه يف هذا املبحث هو ذلك األساس النظري لبناء

النظام الرأمسايل من خالل عرض أهم النظريات واألفكار اليت وضعت اللبنات األساسية يف بنائه، مع اإلشارة إىل أهم املفكرين واملؤسسني هلذا

النظام باختالف أنواعه ويبقى اهلدف هلذا الطرح املختصر هو فهم اجلوهر الفكري للنظام والذي يساعد على فهم املوضوع ككل .

املطلب األول أسس ومبادئ الرأمسالية:

تعترب معرفة أسس و مبادئ الرأمسالية من الناحية الفكرية (الفكر الرأمسايل) أهم نقطة ننطلق هبا ملناقشة النظام االقتصادي الرأمسايل،

على أساس أن الفكر الرأمسايل هو منبع أو منشأ النظام الرأمسايل مبختلف أنواعه وتطبيقاته.

رأسمالية سوقية، رأسمالية منظمة، دولة الرفاه الرأسمالية ... ألقاب مختلفة استخدمت لوصف أشكال الرأسمالية .١

المختلفة.

٥٢

الفرع األول: أسس الرأمسالية: يرتكز املذهب الرأمسايل على أسس رئيسية ثالثة، يتألف منها كيانه

العضوي اخلاص، الذي مييزه عن الكيانات املذهبية األخرى. وهذه األسس :١هي

: األخذ مببدأ امللكية اخلاصة بشكل غري حمدود: أوالامللكية اخلاصة يف هذا املذهب، هي القاعدة العامة اليت متتد إىل كل

اجملاالت وميادين الثروة املتنوعة وال ميكن اخلروج عنها إال حبكم ظروف استثنائية، تضطر الدولة أحيانا إىل تأميم هذا املشروع أو ذاك، وجعله ملكا

للدولة. فما مل تربهن التجربة االجتماعية على ضرورة تأميم أي مشروع، تبقى امللكية اخلاصة هي القاعدة النافذة املفعول.

وعلى هذا األساس تؤمن الرأمسالية حبرية التملك، وتسمح للملكية اخلاصة بغزو مجيع عناصر اإلنتاج من: األرض واآلالت واملباني واملعادن، وغري ذلك من ألوان الثروة. ويتكفل القانون يف اجملتمع الرأمسايل حبماية

امللكية اخلاصة، ومتكني املالك من االحتفاظ هبا.: فسح اجملال أمام كل فرد: ثانيا

الستغالل ملكيته و إمكاناته على الوجه الذي يروق له، والسماح له بتنمية ثروته مبختلف الوسائل واألساليب اليت يتمكن منها. فإن كان ميتلك أرضا

زراعية مثال، فله أن يستغلها بنفسه يف أي وجه من وجوه االستغالل، وله أن يؤجرها للغري، وأن يفرض على الغري شروطه اليت هتمه، كما له أن يرتك

] ٢٥٥-٢٥٤ص. ص-١٩٩١[ باقر الصدر، .١

٥٣

األرض دون استغالل. وتستهدف هذه احلرية الرأمسالية اليت مينحها املذهب الرأمسايل للمالك: أن جتعل الفرد هو العامل الوحيد يف احلركة

االقتصادية، إذ ما من أحد أعرف منه مبنافعه احلقيقة، وال أقدر منه على اكتساهبا. وال يتأتى للفرد أن يصبح كذلك ما مل يزود باحلرية يف جمال

استغالل املال وهتيئته ويستبعد من طريقه التدخل اخلارجي للدولة وغريها. فبذلك يصبح لكل فرد الفرصة الكافية، الختيار نوع االستغالل الذي

يستغل به ماله، واملهنة اليت يتخذها، األساليب اليت يتبعها لتحقيق أكرب مقدار ممكن من الثروة.

: ضمان حرية االستهالك: ثالثا

كما تضمن حرية االستغالل. فلكل شخص احلرية يف اإلنفاق من ماله كما يشاء على حاجاته ورغباته، وهو الذي خيتار نوع السلع اليت يستهلكها، وال مينع عن ذلك قيام الدولة أحيانا بتحريم استهالك بعض السلع، العتبارات تتعلق باملصلحة العامة، كاستهالك املخدرات. فهذه هي املعامل الرئيسية يف

املذهب الرأمسايل اليت ميكن تلخيصها يف حريات ثالث: حرية التملك، االستغالل، واالستهالك.

الفرع الثاني: مبادئ الرأمسالية:

:١هي ثالث مبادئ رئيسية جاءت كما يلي احلرية وسيلة لتحقيق املصاحل العامة: أ.

ترتكز هذه الفكرة على أساس اإلميان بأن الدوافع الذاتية تلتقي دائما ] ٢٨٠ص -1991[ باقر الصدر، .١

٥٤

باملصاحل العامة و الرفاه االجتماعي، إذا توفرت احلرية يف اجملال العملي جلميع األفراد، فإن اإلنسان يف اجملتمع احلر يسعى إىل حتقيق مصاحله

اخلاصة، واليت تؤدي يف النهاية إىل توفري املصاحل العامة. احلرية سبب لتنمية اإلنتاج: ب.

هذه هي الفكرة الثانية اليت ترتكز عليها احلرية الرأمسالية، واملقصود هنا هو حرية املنافسة واليت بدورها حتسن اإلنتاج وتزيده.

احلرية تعبري أصيل عن الكرامة اإلنسانية: ج. الفكرة الثالثة عن احلرية، اليت تقدر احلرية مبعيار ذاتي وتضفي عليها قيمة معنوية وخلقية أصلية، بوصفها املظهر اجلوهري للكرامة وحتقيق

الذات، اللذين ال يعود للحياة بدوهنما أي معنى. املطلب الثاني

أهم النماذج الرأمسالية: الفرع األول: النموذج الكالسيكي والنيوكالسيكي:

سنحاول عرض النموذج الكالسيكي و النيوكالسيكي بشيء من االختصار وذلك هبدف فهم النموذجني وإبراز أهم النقاط هلذا البناء النظري على

أساس أنه الركيزة األساسية هلذا النوع من النظم االقتصادية. التوازن واليد اخلفية: .١

بعد النقد املتواصل للنظام التجاري والذي تنبأ معظم االقتصاديني يف ذلك العصر بعدم كفاءة هذا الفكر كنظام، جاء نقد "آدم مسيث" يف كتابه "ثروة

كتحليل رائد ١١٧٧٦ " الذي نشر عامThe Wealth of Nationاألمم

]٥٥-٥٠ص. ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٥٥

لرأمسالية السوق يف ظل األوضاع التنافسية، وكان نقده للتجاريني يتمحور حول إمكانية بناء نظام اقتصادي عايل الكفاءة واالنسجام إذا تركت األسواق

التنافسية لتعمل حبرية دون تدخل احلكومة وقامت األخرية حبماية حقوق امللكية.

وتتمحور فكرة آدم مسيث حول إذا ما ترك لألفراد احلرية لتحقيق أهدافهم األنانية، فإن اليد اخلفية (السوق ) ستجعلهم يسلكون سلوكات اجتماعية مسئولة تصب يف خدمة اجملتمع ككل. ويرى مسيث أيضا أنه ودون تدخل حكومي أو اجتماعي فإنه يتم إنتاج السلع واخلدمات املرغوبة من طرف

املستهلكني وذلك باستخدام أكثر الوسائل كفاءة يف إنتاجها وبالكميات والنوعيات املالئمة. حيث كل فرد يعمل على حتقيق هدفه وذلك هو

الضمان بأنه سيقوم بالعمل الصحيح. ويعقب فإن تدخل احلكومة سيكون مبثابة عرقلة للسري الطبيعي للعملية، ومنه يرى أنه جيب احلد من صالحيات احلكومة حبيث ال تتعدى توفري

اخلدمات العامة (الدفاع القومي، محاية حقوق امللكية...). وخيلص مسيث إىل أنه إذا مت هذا السري الطبيعي لالقتصاد فإننا سنكون

أمام حالة التوازن بالنسبة لكل من املنتج واملستهلك يف نفس الوقت يف سوق تسوده املنافسة وإن مل يتحقق هذا التوازن بسبب خالف بني الطرفني فإن

سعر السوق سيلعب دوره يف إيصال اجملموعتان إىل التوازن. وبعد هذه املرحلة من البناء يعمم مسيث استنتاجه ليخرج به إىل املستوى

الدويل حيث يرى أنه لو تركت احلكومات احلرية للسري الطبيعي لتخصص

٥٦

كل دولة يف إنتاج املنتجات اليت متتلك فيها مزايا املطلقة بالكميات والنوعيات املطلوبة واليت متكنها من التبادل، وستتحسن أحوال كل دولة

نظرا لقدرهتا على مبادلة السلعة اليت ختصصت يف إنتاجها مقابل السلع اليت ميكن إنتاجها حمليا ولكن بتكلف عالية.

كما أن هذه اخلطوة األخرية هي السبيل إىل حتقيق التوازن على مستوى السوق الدولية واليت تلعب دورها أيضا يف إيصال الدول إىل التوازن ما إن

حدث خلل وذلك عن طريق سعر السوق الدولية وهبذا نكون قد أشرنا باختصار إىل مفهوم التوازن والذي صاغه مسيث وكان مهد لفكر عرف

بالفكر الليربايل. التوازن اجلزئي: .١

إن عمل مسيث فيما خيص األسواق يتميز بشيء من التنظيم و العموم حبيث وصفه للسوق مل يكن بالوصف الدقيق هذا الشيء الذي فتح الباب

أمام الركب املوايل والذي أخذ يدقق يف أفكار مسيث وخصوصا ما تعلق

الذي ١األمر بعمل األسواق ونظام األسعار، ليأتي مدخل التوازن اجلزئيتناوله خلف مسيث ومن بينهم الرائد يف هذا امليدان "ألفرد مارشال

ALFRED MARSHAL وتطور املفهوم بعد ذلك على يد كل من ،"

" PAUL SAMUELSON" و "بول سامولسن J. R. HICKS"هيكس أين وضعوا طريقة أكثر دقة لوصف اليد اخلفية (السوق).

ويأتي يف حتليل هذه اجملموعة للتوازن اجلزئي افرتاض قوتني حمركتني يف ]٦٠ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٥٧

٥٩

يف السوق: رغبة املنتجني يف تعظيم األرباح ورغبة املستهلكني يف تعظيم رفاهيتهم (منفعتهم ) يف ظل الدخل احملدود. ومنه ويف ظل األوضاع التنافسية فإن املنتجني سيقومون بإنتاج كميات أكرب من السلع يف ظل

األسعار املرتفعة والعكس صحيح، بينما املستهلكني سيلجئون إىل استهالك السلع بكميات أكرب كلما قلت األسعار وذلك بدون تدخل خارجي ومع بقاء

العوامل األخرى ثابتة ويسري كل اجتاه يف حتقيق منفعته. فإن احلصيلة هي التوازن يف السوق والذي يعطي مفردتني ليستا غريبتني مها (سعر التوازن،

وكمية التوازن) واللذان يعتربان عمود السوق. وقد حيدث خلل يف السوق ناتج عن عدم توافق بني العرض والطلب ولكن

سرعان ما تبدأ آليات السوق (األسعار والكميات) يف العمل إلعادة هذا التوازن وهو التحليل األبسط واملختصر هلذا النوع من التوازن.

: -وجوده واستقراره –التوازن العام .٣يأتي هذا املفهوم انطالقا من إشكالية تعدد السلع املتداولة يف السوق

الواحدة وحتى تعدد األسواق ومنه يصعب إجياد توازن كلي مالئم جلميع

؟ ١األسواق. أو هل سيعمل هذا التعدد على اإلخالل بالتوازن اجلزئييأتي هنا عمل أول رائد من رواد النيوكالسيك أال وهو "ليون فالراس

LEON WALRAS وهو من األوائل الذين طرحوا السؤال السابق " الذكر .

]٧٩ص– ١٩٩٤جريجوري ، و آخرون ،[ .١

٥٩

ومنه فقد توصل إىل نتيجة بالغة األمهية: بإمكان الرأمسالية التنافسية توليد جمموعة من األسعار التوازنية اليت بإمكاهنا أن توازن مجيع األسواق

يف نفس الوقت. وكشرح خمتصر هلذه النتيجة: أنه يف ظل اقتصاد ما متعدد األسواق (عدد

m من األسواق) فإن جداول العرض والطلب يف كل سوق تعتمد علىأسعارها وأسعار مجيع السلع األخرى يف االقتصاد ككل، ومنه يوضح

من mمعادلة وعدد M"فالراس" أن نظام التوازن العام يشتمل على عدد

مما ١اجملاهيل وهي نظريا تؤدي إىل وجود قائمة من األسعار التوازنيةيؤدي إىل حتقيق التوازن آنيا يف مجيع األسواق.

وقد طورت األحباث الالحقة واليت تعمد التحليل "الفالراسي" مفهوم التوازن الكلي، وفصلت فيه، وتوصلت إىل نتائج مشاهبة ملا وصل إليه "فالراس" كما أن ما مييزها هو البحث يف مصلحتني ملعطيات ظاهرة

التوازن الكلي. Stabilityواستقرار Existenceاقتصادية وهي: وجود وقد عمدت الدراسات اليت ناقشت مفهوم وجود واستقرار التوازن الكلي إىل

نقطتني أساسيتني:املساواة بني عدد املعادالت وعدد العوامل الغري معلومة (اجملهولة): ال )١

يضمن وجود جمموعة األسعار التوازنية.االستقرار يف التوازن الكلي: أي هل هناك ميل لالقتصاد للعودة إىل )٢

التوازن الكلي بعد أن خيل التوازن.

-على عكس "فالراس" الذي يؤكد أن المساواة تؤدي للوصل إلى مجموعة األسعار التوازنية انطالقا من مسلمة .١ أن قيمة المشتريات تساوي قيمة المبيعات في اقتصاد ما وهو ما يعرف ب "المساواة الفالراسية".

٦٠

وخالصة هذه الدراسة املتقدمة هي عدم تنفيذ نقطة "فالراس" األساسية حيث جتد هذه الدراسات املتقدمة أنه ويف ظل أوضاع معقولة يتواجد

التوازن الكلي ويعود االقتصاد لتوازن جديد إذا أخل بالتوازن املبدئي. مثالية الرأمسالية التنافسية (باريتو): .٤

فحو هذه النقطة ينطلق من كون أن إثبات وجود توازن كلي ال يعين بالضرورة أنه سيكون احلالة املثالية املرغوبة. ونذكر أن أهم رواد هذا

"والذي يضع جمموعة من الشروط واليت PARETOالتحليل "باريتو

" حيث ميكن وصف PARETO Optimalityتعرف حليا ب "أمثلية بريتو

ال ميكن إعادة تنظيم اإلنتاج «ختصيص ما للموارد على أنه أمثل عندما

»والتوزيع لزيادة منفعة فرد من األفراد دون التقليل من منفعة اآلخرينوهي: أساس ما يعرف بنظرية "الرفاهية االقتصادية احلديثة" حيث يتم

ذلك عن طريق التعريف غري املباشر للمثالية الذي جاء به "باريتو":

، »يتحقق الوضع األمثل عندما يتم حتقيق أعظم إنتاج من املوارد املتاحة «

، »األمثلية هي: تعظيم إشباع مجيع أعضاء اجملتمع«والتعريف املباشر: ولكن "باريتو" مل يفصل يف موضوع الرفاهية االقتصادية وذلك لوجود بعض النقائص يف حتليله وهو ما فتح اجملال جملموعة من االقتصاديني لالجتهاد

" و "ثيدور سكيتوفيسكي" KENETH ARROWآروفيه على غرار "كنث

"، والذين وضعوا الطرق اليت ABRAM BERGSONو "أبرام برجسون من خالهلا خيتار اجملتمع دالة رفاهية اجتماعية"

٦١

Social Welfare Function وتوصلوا إمجاال إىل أن إدخال دالة احلكم "الشخصي (غري املوضوعي) املتعلق برتتيب التفضيالت ال ميكن جتنبه، ومن املستحيل الوصول إىل دالة الرفاهية االجتماعية اليت تستويف عدد معقول

من الشروط. الفرع الثاني: النموذج الكينزي:

يأتي متحور هذا النموذج حول الفكر الذي جاء به رائد هذا النموذج "جون مينارد كينز " يف كتابه "النظرية العامة للعمالة، الفائدة والنقود" والذي

. ١٩٣٦نشر عام ضربة مباشرة للفكر الكالسيكي ، ١٩٢٩حيث يرى أن أزمة الكساد العاملي

حيث أكدت األزمة فشل النموذج الكالسيكي يف ختطي األزمات واحملافظة على استقرار االقتصاد الكلي وشكك يف عمود النظرية الكالسيكية، والذي ينص على وجود ميالن ذاتي اجتاه التوازن مع مرور الزمن، وعلى الدولة أن تلعب دورا حياديا خالل فرتات الكساد والبطالة، ليفرض بعد ذلك إضافة

واليت أسس هبا فحو نظريته حبيث يؤكد على: أن للحكومة دور اجيابي مطلوب يف تلك الظروف وهي املسامهة األساسية

له يف الفكر الرأمسايل. وقد انطلق "كينز" يف نقده للفكر الكالسيكي من إعادة النظر يف جل املفاهيم اليت ترتكز عليها النظرية واليت أمهها التوازن، العمالة الكاملة وعدم وجود بطالة (وجودها يعين أن العمال ال يرغبون يف

العمل) وإىل غري ذلك من املفاهيم. وارتكز خالف "كينز" مع الكالسيك حول عدم وجود ضمان حدوث توازن عند العمالة الكاملة أو أن آلية التكيف

٦٢

الذاتية ستعمل بسرعة معقولة (وهو الفرض "الكينزي"). وهو فحو النظرية "الكينزية" تعترب هذه مسؤولية احلكومة باستخدام أدوات

السياسات النقدية واملالية املالئمة لضمان العمالة الكاملة ملوارد الدولة. بأكثر تدقيق قد متحور اخلالف بني منظور الكينزية والكالسيكية

واحملدثون يف نقطتني باألمهية مبا كان: أوال: مرونة األسعار واألجور:

حيث يرى "كينز" عكس الكالسيك أن األسعار واألجور غري مرنة (خاصة يف ) ويستند إىل أن حقيقة األجور مل -االخنفاض –االجتاه حنو األسفل

بالرغم من ٢٠تنخفض يف بريطانيا يف العشرينات والثالثينات من القرن تسجيل معدالت بطالة كبرية نوعا ما.

ثانيا: االدخار واالستثمار:

ليس هلا التأثري املزعوم من طرف الكالسيك ١يرى "كينز" أن أسعار الفائدةعلى االدخار حيث يؤكد على أن ارتباط االدخار بالدخل أكرب منه بأسعار

الفائدة (مدخل الطلب الفعال)، وذلك من خالل دالة االستهالك اليت يضعها ويبني فيها أن كل من االستهالك واالدخار يرتبطان بعالقة طردية

مع مستوى الدخل، فيما خيص االستثمار فإن "كينز" يرى أن له عالقة مباشرة مع أسعار الفائدة لذلك ليس هناك ضمان للمساواة بني االستثمار

) Ex post) ولكنها تتساوى فقط فيما بعد ( Ex antواالدخار السابق ( نتيجة الزيادة واالخنفاض يف مستوى الدخل.

]١٠٣ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٦٣

ثم يستنتج "كينز" أنه لطبيعة العالقة بني االدخار واالستثمار واليت متثل مشكلة نظرا لعدم االستقرار الدوري للنفقات االستثمارية وبالصدفة فقط

سيكون االستثمار كافيا لضمان عمالة كاملة. وقد دخلت أفكار "كينز" التطبيق مباشرة بعد احلرب العاملية الثانية، حيث

أصبحت السياسات املالية والنقدية هي اآلليات اليت أدخلت االرتياح يف نفوس االقتصاديني واملوظفني احلكوميني وجعلتهم يتخلوا شيئا فشيئا عن

السياسات الكالسيكية بعدم التدخل. وأصبح باإلمكان أن تكون امليزانية العامة يف حالة عجز صريح من أجل إنعاش االقتصاد، ويف أوج هذه األفكار

" لالقتصاد وأعلن Fine Liningأصبح التفكري يف إمكانية التعديل الدقيق "أن الدورة االقتصادية قد ماتت ويسمى القبول العام هلذه األفكار بالثورة

الكينزية. املدرسة النقدية: -الفرع الثالث

من العنوان يتضح أن أصحاب هذه املدرسة قد ركزوا على دور النقود يف

" هو قائد هذه املدرسة وقائد الثورة اليت ١االقتصاد ويعد "ملتون فريدمنقامت يف الستينات بالواليات. م. أ ضد النشاط االقتصادي "الكينزي"، ورواد هذه املدرسة حييون سياسة عدم التدخل ويدعون إىل التخلي عن

السياسة االقتصادية املرنة، كما أولت هذه املدرسة األمهية للجانب الكلي من االقتصاد عكس الكالسيك (باإلضافة إىل دور النقود يف االقتصاد).

حيث جند أن جوهر النظرية النقدية هو: أن أكثر العالقات القائمة يف ]١٠٦ص– ١٩٩٤جريجوري ، و آخرون ،[ .١

٦٤

االقتصاد الكلي استقرارا هي تلك العالقة بني رغبة اجلمهور يف االحتفاظ بدخلهم واألرصدة النقدية. ويرون أن دالة الطلب على النقود أكثر استقرارا

وأن عرض النقود يشكل احملدد الرئيسي ملستوى نشاط االقتصاد الكلي. ويرون أيضا أن معدل التضخم يتغري على أساس معدل العرض النقدي

مقارنا مبعدل النمو احلقيقي يف االقتصاد، فإذا زاد عرض النقود بسرعة أكرب من الزيادة احلقيقية يف السلع واخلدمات فإننا نواجه وضع تضخمي

تقليدي حيث سيتوسع الطلب بسرعة أكرب من العرض فرتتفع األسعار. وجيادل النقديون بعد رفضهم لدور السياسات النقدية واملالية اليت حتتمل

اخلطأ أكثر من الصواب (بسبب سيطرة القرارات اخلطأ من جانب السلطات النقدية واملالية) بأن تغريات الضرائب من احملتمل أن يكون هلا أثر

(املصطلح اجلديد ١على اإلنفاق. ألن اإلنفاق يعتمد على الدخل الدائماملبتكر من طرف املدرسة) والذي ال يتغري بتغري الضرائب باإلضافة أن أثر

اإلنفاق احلكومي على النفقات الكلية بسيط. ألن االستثمار سيتكيف (نتيجة لتغري أسعار الفائدة) ليحبط التغري يف نفقات احلكومة، ويذهب

أصحاب هذا الفكر إىل أن احلكومة هي املسئول األول عن ظاهرتي التضخم والبطالة وذلك نتيجة التوسع النقدي غري املالئم والذي يسبب كوارث اقتصادية ويف هذا اجملال تأتي أهم توصياهتم حيث يرجعون إىل مبدأ احلرية االقتصادية رغم اعرتافهم بأن مبدأ احلرية االقتصادية غري

كامال على كل حال ألنه جيب على السلطات النقدية أن تطلع على القواعد

ملتون فريدمن .١

٦٥

اإلدارية للتوسع النقدي، وجيب التوسع يف عرض النقود مبعدل ثابت مساوي تقريبا ملعدل النمو االقتصادي احلقيقي (احملافظة على التوازن بني

دائرة االقتصاد النقدي ودائرة االقتصاد –الدائرتني االقتصاديتني

"). Dictonomieوهو ما يعرف ب "االزدواجية االقتصادي –احلقيقي الفرع الرابع: الفكر احلديث يف االقتصاد الكلي:

. ما نشأ عن التضخم الركودي: ١بروز النظرية الكينزية، نتج عن ١٩٢٩كما نتج عن الكساد العظيم لعام

التضخم الركودي النامي (اجتماع البطالة العالية مع معدالت التضخم املرتفعة يف آن واحد) يف السبعينات وأوائل الثمينات نظريات جديدة يف

االقتصاد الكلي. من الستينات اعتمد عمل االقتصادي االجنليزي "فيلبس

E. PHILIPS والذي اقرتح عالج لظاهرة التضخم حتت لواء الفكر "

"(حسب PHILIPS Curveالكينزي ووضع ما يعرف ب "منحنى فيلبس اسم واضعه).

فدرس "فيلبس" العالقة طويلة األجل بني التضخم والبطالة يف بريطانيا العظمى، وخلص إىل أن تلك العالقة مستقرة إىل مدى بعيد باإلضافة إىل

اإلشارة أن تلك العالقة كانت عكسية (كلما ارتفعت البطالة اخنفض التضخم والعكس صحيح).

وقد تطابقت النتائج املتوصل إليها من طرف االقتصادي يف بريطانيا مع نظريهتا يف الواليات املتحدة األمريكية، حتى فرتة منتصف التسعينات،

وكانت النتيجة أن وضع "فيلبس" اخليار بيد السلطات حيث ميكنهم اخليار

٦٦

بني التضخم والبطالة حسب متطلبات االقتصاد اليت يروهنا مالئمة (للحيلولة دون وقوع أزمات).

لكن ما حدث يف السبعينات و الثمانينات وجه ضربة قوية لتك العالقة املستقرة يف منحنى فيلبس فقد ازدادت وبسرعة كل من البطالة والتضخم ويف أن واحد، وهو ما شكل حتديا للفكر الكينزي التقليدي اجتاه التضخم

كظاهرة ناجتة عن فائض الطلب. ومنه برزت الكثري من التساؤالت اليت فتحت باب االجتهاد لالقتصاديني بغية اإلجابة عن معظمها كما يلي:

فرضية املعدل الطبيعي: .٢قدمت هذه الفرضية من طرف االقتصاديني "ميلتون فريدمن" و "ادموند

" MILTON FRIEDMAN and EDMUND PHILIPS""١فيلبسوهي فكرة أكثر حداثة للعمالة الكاملة واليت أطلق عليها اسم (املعدل

الطبيعي للبطالة) واملعدل الطبيعي للبطالة إمجاال (ذلك املعدل الذي ختلق عنده الوظائف بنفس معدل حبث العاطلني عن وظائف). وتفرتض فرضية

املعدل الطبيعي (األجور املتكيفة مع معدل التضخم) واألسعار احلقيقية (أسعار البيع املتكيفة) مع أثار تكاليف التضخم ( واملعدل الطبيعي هو

العمال واملنشآت بشكل صحيح معدل البطالة الذي يتحقق عندما يقيم األجور واألسعار احلقيقية)، حبيث لن يقبل األفراد عمل ساعات أطول

نتيجة لزيادة يف أجورهم االمسية إذا وجدوا أن األجور احلقيقية مل ترتفع ولن تقبل املنشآت زيادة يف إنتاجها عندما ترتفع أسعار

]١١١ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ،  .١

٦٧

البيع بنفس معدل ارتفاع تكاليف إنتاجهم ويف نفس الوقت. فيلبس" يفسرون حدوث ظاهرة –هذا األخري جعل االقتصاديني "فريدمان

التضخم والبطالة معا كما يلي: الظاهرة حتدث عندما يكون هناك تنازل متبادل مستقر بني البطالة

والتضخم (منحنى فليبس مستقر) وحبدث ذلك عندما تكون التوقعات التضخمية ثابتة، مبعنى عندما يتوقع اجلمهور استمرار نفس معدل

التضخم احلايل. وجتدر اإلشارة إىل آن كل من "فريدمان و فيلبس" يرون أن التنازل املتبادل

بني التضخم والبطالة مؤقت فقط. التوقعات الرشيدة: .٣

أيضا ما يعرف ب "االستباقات العقالنية" ويعترب االقتصادي "روبرت لوكس

ROBERT LUCAS من جامعة شيكاغو رائد هذه النظرية، حيث "تقرتح نظرية التوقعات الرشيدة أنه بإمكان الوحدات االقتصادية تكييف

توقعاهتم التضخمية بسرعة كبرية وحتى آنيا.إذا حدث هذا فإنه يعين عدم وجود تنازل متبادل بني التضخم والبطالة

حتى يف األجل القصري.ويرى لوكس أن البشر يف النهاية عقالنيون، ألن ذلك خيدم مصلحتهم االقتصادية ولذا فهم سيحاولون توقع معدل التضخم يف املستقبل عن

  طريق مجعهم كل املعلومات املمكنة واملتعلقة بالتضخم.

ولن يأخذوا يف احلسبان فقط معدالت التضخم السابقة بل سيتفحصون

٦٨

أيضا السياسات املالية والنقدية احلديثة يف حماولة لتحديد األثر النهائي هلذه السياسات على التضخم، وعلى كل حال فإن توقعاهتم قد تكون

صحيحة أو غري صحيحة. وجتادل مدرسة التوقعات الرشيدة على أن سياسات إدارة الطلب املقرتحة من طرف الكينزيني ستؤدي إىل ختفيض

معدل البطالة (على حساب تضخم مرتفع) فقط إذا كانت هذه السياسات غري متوقعة وذلك نتيجة الحتمال غري متوقع وهو أخذ الوحدات

االقتصادية على حني غرة وبانتظام (أي مفاجأة الوحدات االقتصادية بسياسات غري متوقعة ) ويدعي منظروا التوقعات الرشيدة أن سياسات

إدارة الطلب ستؤثر فقط على التضخم وليس على البطالة.

املطلب الثالث الرأمسالية و (دور الدولة، توزيع الدخل):

نربز يف هذا املطلب مناقشة الرأمسالية ألهم القضايا احملورية يف علم و عامل االقتصاد، ونقصد كيف ناقشت الرأمسالية مسالة تدخل الدولة وما

هي أهم اآلراء يف املوضوع ثم نتطرق ملسألة توزيع الدخل باعتبارها هي األخرى قضية حمورية.

الفرع األول: مسألة تدخل الدولة: تعريف الدولة: .١

ال ميكن حصر مفهوم الدولة يف عدة تعاريف لذا حناول تقديم بعض

:١التعاريف قصد تقريب املفهوم فقط ذلك كما يلي ١. SILEM et AT,2004-p٣٢٨] [

٦٩

جتمع إنساني ذو روابط متجانسة ثابتة على حميط جغرايف مسري .١ حصرا من طرف قوى مؤسساتية حتتكر قيود منظمة.

 سلطة سيادية على جتمع شعيب وعلى حميط جغرايف. .٢

 جمموعة من املؤسسات السياسية واحلكومية ألمة معينة. .٣

وتتعدد مفاهيمها حسب استعماالت هذا املصطلح "الدولة".

. الطرح العام:٢

يعترب أول اآلراء يف هذه القضية بالنسبة للتيار الرأمسايل يرجع إىل الكالسيك "آدم مسيث " والذي عاد إليه النيوكالسيك أيضا، وهو أنه يف

غياب االحتكار وأشكال املنافسة غري الكاملة وبغياب اآلثار اخلارجية جيب أن يكون دور الدولة حمدودا جدا ، فعلى الدولة توفري السلع العامة (مثل:

اخلارجية) واليت الدفاع القومي والطرق العامة والنظام القانوني والسياسة ال يستطيع القطاع اخلاص لو ترك حرا أن يوفرها بكميات مثالية.

وتوضح نظرية السلع العامة واليت قام بتطويرها أوال "بول

" سبب عدم قدرة رأمسالية املشروع PAUL SAMUELSONسامولسوناحلر (دعه يعمل) على إنتاج تلك السلع بكميات كافية.

وجتدر اإلشارة أيضا إىل دور "كينز" والذي يعترب من األمهية مبا كان والذي سبق اإلشارة إليه كما لنا عودة إليه يف النقاط التالية واليت تدقق يف بعض

األشكال اليت تظهر فيها هذه املسألة (مسألة تدخل الدولة). . االحتكار واملنافسة غري الكاملة:٣

املفهوم:

٧٠

جيمع االقتصاديني الرأمساليني على عدم أمثلية االحتكار، ولقد قام

" يف بداية ALFRED MARSHALLبتحليله رمسيا "ألفريد مارشال القرن العشرين وخنتصر تعريف احملتكر بأنه منتج ينتج أقل ويطلب سعر

وينتج عن عملية االحتكار خسارة ١أعلى من املنتج يف حالة املنافسةصافية، حبيث تكون أرباح احملتكر أو مكاسبه أقل من خسائر املستهلكني،

وهو بعيد كليا عن أمثلية " باريتو" فوجود االحتكار يعين بالضرورة ختصيص للموارد بوضع دون األمثل. وبتعريف أخر فإن احملتكر هو:

املنتج الوحيد يف سوق معينة لذلك يتبع الطلب على الناتج قانون الطلب وإذا أراد املنتج أن يزيد كمية املبيعات املنتجة فعليه ختفيض السعر، وإذا

أنتج كميات أقل فسريتفع السعر، ويتعارض هذا الوضع مع املنتج يف حالة املنافسة الكاملة.

ومن خالل هذا التعريف نرى أنه لالحتكار القدرة على وضع األسعار ينتج سلع ال بديل جيد أو قريب هلا وألن املنافس احملتمل ممنوع من الدخول إىل

حد ما حبواجز الدخول. وجتدر اإلشارة إىل أن االحتكار ليس مقتصر على املنتجني فقط فهناك

) حيث يوجد مشرتي Monopsonistsأيضا ما يسمى باحتكار املشرتين (واحد يف سوق معينة لسلعة ينتجها أكثر من منتج، ويذكر أيضا أن وجود

االحتكار أو املنافسة غري الكاملة يؤدي إىل توزيع أسوء للدخل. ]١١٧ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٧١

وفيما خيص املنافسة غري الكاملة وهي احلالة بني االحتكار واملنافسة

" EDWARD CHAMBERLINالكاملة جند أعمال "ادوارد شامربلني

" وهي أعمال معقدة سواء من JEEN ROBINSONو"جني روبنسون حيث التعبري أو التحليل ولذلك حناول تفاديها، لنتفرغ يف النقطة التالية

حملاوالت حل هذا النوع من الظواهر االقتصادية (االحتكار) . التحكم االجتماعي بالقوة االحتكارية: .٤

الضرائب والقوانني: تقرتح النظرية االقتصادية أربعة مداخل بديلة للتحكم يف االحتكار

واملنافسة غري الكاملة وهي كما يلي:املدخل األول: استخدام سلطة الدولة من خالل الضرائب واإلعانات:

ARNOLD" و "أرنولد هاربريجريA.C. PIGOUيقرتح "بيقو

HARBERGER تدخل الدولة بتقديم معونة أو فرض ضريبة لتصحح "وضع عدم االستعمال الكامل للموارد من قبل املنتجني االحتكاريني، والفكرة

األساسية املقدمة هي اجلمع بني معونة املستهلكني وفرض ضرائب على املنتجني لتحفيز احملتكرين على التوسع يف اإلنتاج إىل املستوى التنافسي.

واملشكلة األساسية يف هذا الطرح أنه على السلطات الضريبية أن تقوم حبسابات دقيقة ومتقدمة لتنفيذها، لذلك فاستخدام املعونات والضرائب

للحصول على ختصيص أمثل للموارد من قبل احملتكرين قد ال يبدو عمليا جدا مع أن كيفية عمل ذلك من الناحية النظرية واضح.

]١٢١ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٧٢

املدخل الثاني: التنظيم املباشر لالحتكار: وينطبق هذا على وجه اخلصوص يف حالة االحتكار الطبيعي، نظريا

باستطاعة السلطات التنظيمية احلكومية أن تؤمن االحتكار املقاول بإنتاج الكميات الكافية من الناتج بأسعار تساوي التكلفة احلدية، وإجبار احملتكر

على قبول السعر املقاول واملساوي للتكلفة احلدية، وبذلك يستطيع املقاولون احلكوميون هبذه الطريقة التحديد الدقيق واملباشر للتخصيص

الكفء للموارد . لكن هناك صعوبتني عمليتني يف هذا املدخل مها: حتديد املقاولون للطلب

يف السوق وتكلفة احملتكر احلدية. املدخل الثالث: عدم التدخل يف االحتكار الطبيعي:

وهو ما أوحى به "ميلتون فريدمان" ويرى أن التنظيم ضعيف اإلرادة وسيشجع احملتكرين على أن يكونوا غري أكفاء. فاحملتكر غري املقاول الذي

تدفعه الرغبة إىل تعظيم أرباحه واإلبقاء على منافسه خارج السوق سيوفر كمية أكرب بأسعار أقل من األسعار اليت سيوفرها احملتكر املقاول من قبل

الدولة بناءا على هذه النظرية. عالوة على أن احملتكرين يواجهون نوعا من املنافسة يف األجل الطويل وال ميكنهم االستمرار حتى النهاية باستخدام غري

كفء للموارد.

٧٣

املدخل الرابع: التشريعات املضادة لالحتكار:

وينطبق على احلاالت اليت يكون فيها اإلنتاج التنافسي ممكن أيضا حيث تستطيع الدولة من خالل تطبيق التشريعات املضادة لالحتكار واملضادة للكارتال باإلضافة إىل إزالة القوانني املعيقة للمنافسة فإنه ميكن حتويل

الصناعة من احتكارية إىل تنافسية. اآلثار اخلارجية والعمل اجلماعي:. ٥ ماذا يقصد باآلثار اخلارجية و العمل اجلماعي؟ –١

يقصد هبذا املفهوم الوضع الذي تؤثر فيه أعمال منتج ما (أو مستهلك) مباشرة على تكاليف (منفعة) املنتج اآلخر وهو ما يعرف بفكرة "اآلثار

.A.Cوالذي يعد من أهم رواده االقتصادي االجنليزي "بيقو ١اخلارجية"

PIGOU ونقصد أيضا باآلثار اخلارجية هي تلك اآلثار اليت تأخذ مكانا "خارج نظام السعر (بغض النظر عن نوعية تأثريها سلبا أو إجيابا).

وكمثال على ذلك جند أن رمي منتجي القمح فائض إنتاجهم يف النهر قصد رفع أسعار هذا األخري يفرض على املنتفعني بالنهر زيادة التكاليف عن

طريق آليات لتنقية املياه (كما ميكن أن تكون اآلثار اجيابية أيضا). ويف احلالة اليت يربزها املشكل لن يكون ختصيص املوارد مثاليا حتى ولو

كانت الصناعة تعمل يف ظروف املنافسة الكاملة. والسبب واضح ألن املنتجني املسببني لآلثار اخلارجية لن يطلب منهم أخذ األثر اخلارجي

ألعماهلم يف احلسبان عند اختاذهم لقراراهتم. وبدال من ذلك سيحاولون ]١٢١ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٧٤

تعظيم أرباحهم اخلاصة على أساس تكاليف اإلنتاج اخلاصة هبم وليس على أساس التكاليف االجتماعية.

األعمال التصحيحية يف حالة اآلثار اخلارجية: -٢افرتضت النظرية االقتصادية العديد من احللول ولعل أمهها حماولة اإلبقاء على هذه اآلثار داخلية، فبالعودة إىل املثال السابق ميكن حتميل املنتج الذي

يلقي بفائض إنتاجه يف النهر جزء من تكاليف تنقية املياه وبذلك تصبح تكاليف تنقية املياه تكاليف داخلية للمنشأة وستحدد التخلص من النفايات

كنتيجة طبيعية لتعظيم األرباح. وعند غياب احلل السابق، يبقى احلل اآلخر بيد الدولة اليت من املكن أن

تفرض ضرائب وإعانات لتبقى املساواة بني التكاليف االجتماعية والتكاليف اخلاصة قائمة.

ونشري يف مرحلة متقدمة من هذه العملية أنه يف غياب احللني السابقني الذكر جند البديل األكثر فعالية هو التنظيم احلكومي رغم تعقيد هذا األخري من ناحية التطبيق (املشكلة املتعلقة حبساب التكاليف احلدية

اخلاصة والتكاليف االجتماعية اليت يفرتض مساواهتا). ويف آخر مرحلة من هذه العملية (األعمال التصحيحية) نذكر مدخل أخري

) عن طريق Laissez Faireيعترب إحياء ملشروع احلرية االقتصادية (اإلنفاقات الطوعية بني األطراف املعنية واملقرتح من طرف املفكر

" وهو مدخل فيه شيء RONALD COASEاالقتصادي "رونالد كوس .من التعقيد ال يسمح حبثنا بتحليله ونكتفي باإلشارة فقط

٧٥

اخليار العام: .٦ويبدأ هذا االتفاق من االتفاق العام ملنظري الرأمسالية والذي ينص على أنه

يتوجب على الدولة يف حاالت معينة توفري سلعا وخدمات حمددة. وهناك اتفاق شائع بأن السلع العامة (الدفاع القومي، محاية الشرطة والنظام

القانوني، السدود والتحكم يف الفيضانات) ال يستطيع االقتصاد اخلاص توفريها بالكميات املثالية أو الكافية ويعود ذلك لسببني رئيسيني:

عدم القدرة على منع غري املشرتكني (يسمون ب"الراكب باجملان") من التمتع بقواعد السلع العامة.

استخدام فرد ما للسلعة ال حيول دون متتع اآلخرين بنفس السلعة.وباستثناء القطاع اخلاص يف إنتاج السلع العامة للسببني ألسابقي الذكر يبقى السؤال املطروح والذي أثار جدل كبري هو ما مدى كفاءة الدولة يف

توفري السلع العامة املذكورة سابقا؟ وما هي منطقية اخليار العام ؟ يأتي على رأس املنظرين الذين حاولوا اإلجابة على هاذين السؤالني "جيمس

GORDON"و" جوردن تولوك JAMES BUCHANANبوكنان

TULLOCK و"كنث آرو "KENNETH ARROW والذين توصلوا "فيما خيص اخليار العام إىل أن هناك عوامل معينة متنع اخليارات العامة يف جمتمع دميقراطي (قانون األغلبية) من أن تعمل بطريقة كفئة. وتتطلب الكفاءة يف حالة السلع العامة على األقل أن تكون املنافع احلدية اليت يتمتع

هبا املستخدمني للسلعة مساوية أو تفوق التكاليف احلدية لتوفري السلع، ويرى املنظرين السابقني الذكر يف هذا امليدان صعوبة الوصول إىل

٧٦

طريقة قانون –تلك املساواة بسبب الطريقة اليت تقرر هبا اخليارات العامة واليت واجهت انتقادات كثرية وبراهني على عدم -األغلبية يف التصويت

كفاءهتا يف تقرير اخليارات العامة وهو حتليل جد معقد هلذا املدخل نكتفي يف األخري باإلشارة إىل رأي االقتصادي "كنث أرو " والذي يشري بدوره ملشكلة

ARROWأخرى تتعلق باختاذ قرارات قانون األغلبية ويسمى ب "لغز آرو

Paradox ؛ فعند ترتيب مصوتني خمتلفني لربامج اخليار العام بطريقة"خمتلفة فليس هناك ضمان بأن تكون تلك القرارات منسجمة، مبعنى أنه قد يفضل املصوتون الربنامج (أ) على الربنامج (ب) والربنامج (ب) على الربنامج

(ج) ولكن عندما يواجهون قرار اختيار (أ) أو (ج) خيتارون (ج). الفرع الثاني: توزيع الدخل:

يرتكز النقاش حول توزيع الدخل يف جمتمع رأمسايل على أساس امللكية

احلق يف احلصول ١اخلاصة لألرض ورأس املال، وملالكي األرض ورأس املالعلى مقابل من أولئك املستخدمني لرأمساهلم وأرضهم، ومنه فدخول أعضاء

اجملتمع الذين ميلكون موارد ذات سعر مرتفع يف السوق تكون أعلى من أولئك الذين ميلكون موارد ذات أسعار سوقية أقل، وأهم مصادر الدخل هو دخل العمل الذي يعتمد على القدرة الطبيعية أو رأس املال البشري ومقدار

الزمن الذي خيصص للعمل. وتركز نظرية اإلنتاجية احلدية يف توزيع الدخل، على احلقيقة القائلة بأن

مالك العمل واألرض ورأس املال سيحصلون على مقابل مساوي إليراد ]١٣٤-١٣٢ص.ص – ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٧٧

اإلنتاجية احلدية ملواردهم. فإذا كانت سوق املوارد تسودها املنافسة الكاملة، حيصل املالك على القيمة احلقيقية إلنتاج املورد احلدي.

ويؤكد بعض االقتصاديني بناءا على ذلك بأن توزيع الدخل الناتج سيكون عادال ألن مالكي عناصر اإلنتاج (خاصة يف حالة املنافسة الكاملة)

سيحصلون على مكافأة مساوية للمسامهة احلدية للعنصر يف إنتاج اجملتمع.

ويقدم أصحاب وجهة نظر "العدالة الطبيعية " حجج يعارضون هبا إعادة توزيع الدخل من قبل الدولة ومن أمهها: أن النظام الذي يكافئ بناءا على

اإلنتاجية احلدية يشجع املالكني لعناصر اإلنتاج إىل رفع إنتاجية مواردهم. فإذا قامت الدولة بتعديل ذلك النوع من التوزيع بشكل كبري فسيكون هنالك حوافز أقل لرفع إنتاجية العنصر الذي ميلكه الفرد. ويتكون هناك استثمار

أقل يف رأس املال البشري وأقل أخذا للمخاطرة و بالتايل يكون إنتاج اجملتمع أقل.

وباملقابل هناك حجج لصاحل إعادة التوزيع من قبل الدولة و أمهها: هناك حجة أن الناس ليسوا غري مبالني برفاهية اآلخرين، أهنم يف األساس غيورين ورفاهيتهم تتناقص بوجود الفقر حوهلم. وبناءا على حوافز الغرية

يف الناس فمن املتوقع أن يكون هناك إعادة توزيع على نطاق كبري من خالل التقدميات اخلريية ولكن توجد هناك حتفيزات قوية ضد التقدميات

اخلريية، إذ يعلم أي فرد بأن ملسامهته أثر بسيط جدا على الفقر، وسيكون هنالك أثر ملحوظ فقط إذا ساهم عدد كبري من أفراد فئة الدخل العايل.

٧٨

كما أن مسألة ضمان مسامهة كل أصحاب الدخل العايل ال تأتي إال بتدخل الدولة، ولذلك شرعت الدولة يف برنامج إلعادة توزيع للدخل من خالل

الضرائب واإلعانات إذ يعلم كل فرد أن اجلميع سيقدمون حصتهم وبذلك تكون الدولة الوحيدة القادرة على توزيع الدخل. لكن احلجتني السابقتني

الذكر مل حتسم األمر يف اجتاه معني فال يزال اجلدل قائما يف أوساط املنظرين الرأمساليني.

املطلب الرابع: ملخص النظرية الرأمسالية:

الفرع األول: حتليل عام ألداء النظام االقتصادي الرأمسايل:ميكن القول أن التحليل الرأمسايل لالقتصاد ناقش فكرتني متعلقتني

: ١ببعضها البعض متثالن العمود الفقري هلذا التحليل.مدى جناح الرأمسالية يف حل مشكلة ختصيص املوارد ما هو الدور االقتصادي الذي جيب أن تلعبه الدولة يف النظام

الرأمسايل.ويأتي اجلواب يف املدخل السائد الذي يعترب أنه إذا كان املرء مهيأ لقبول

توزيع الدخل املتضمن فإن ختصيص املوارد سيكون مثايل إذا كان االقتصاد يعمل يف ظروف املنافسة الكاملة. وعرفت املثالية على أهنا ختصيص املوارد

الذي ال ميكن تغيريه لتحسني وضع فرد ما دون اإلساءة إىل فرد أخر (األمثلية الباريتية).

] ١٣٥ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٧٩

ويؤكد أصحاب هذا االجتاه أنه إذا كان االقتصاد تنافسيا إىل حد ما فإن الرأمسالية ستكون منظمة لنفسها ذاتيا وستعطي ختصيص جيد للموارد

وذلك بغض النظر عن مشكلة توزيع الدخل غري العادل، ومنه فإن دور احلكومة جيب أن يكون حمدودا وعليها إتباع سياسة كف اليد عن األعمال.

وتعترب النقطة األخرية (كف يد احلكومة) األمر الذي مل يستسغه الفكر الكينزي والذي بدأ مبسألة أن االقتصاد ميكن أن يصل إىل مرحلة التوازن

الكلي املستقر عند مرحلة تقل عن ( أو تفوق) إنتاج العمالة الكاملة. وبذلك تقع على احلكومة مسؤولية حتقيق توازن كلي مالئم (عن طريق السياسة املالية والنقدية). وفيما خيص أداء النظام الرأمسايل فإننا نقرتح اجلدول

التايل والذي من خالله ميكن أن نوضح بعض الشيء معامل النظام بالطريقة اليت ختدم البحث:

) ٤جدول رقم (جدول فرضيات حول أداء النظام االقتصادي الرأمسايل:

األداء املعايري

جيد الكفاءة

ضعيف إمجاليا جدا حول دور احلكومة االستقرار

عدم مساواة يف غياب تدخل الدولة توزيع الدخل

النمو االقتصادي

ال توجد فرضيات مسبقة وواضحة، كفاءة مرتفعة مقابل تراكم رأمسال منخفض حمتمل

ال توجد فرضيات واضحة أهداف تنموية

٨٠

جتدر اإلشارة إىل أن اجلدول ال يعطي احلقيقة املطلقة ألداء النظام الرأمسايل فهو يأتي حتت إطار نظري بعيد شيئا ما عن الواقع وذلك يعود إىل تعدد واختالف أمناط الرأمسالية من بلد إىل بلد ومن تنظري إىل آخر

ولكن يف نفس الوقت يعطي فكرة عامة على أداء هذا النظام واليت ميكن أن ختدم البحث.

الفرع الثاني: أراء حول النظام االقتصادي الرأمسايل:نزكي اجلدول السابق ببعض وجهات النظر حول أداء هذا النظام من طرف

بعض األطراف األخرى اليت تنطوي حتت النظام نفسه:

" :HAYEK and MISES - وجهة نظر "هيك ومايزز

١"MISES" و"مايزز F.V. HAYEKجاءت وجهة نظر االقتصاديني "هايك" القتصاديات السوق Relative Superiorityحول "األفضلية النسبية

مقارنة باالقتصاديات االشرتاكية املخططة. وحجتهم يف ذلك هو نظام املعلومات يف االقتصاديات الرأمسالية والذي

يعترب كفؤ بالنسبة لنظريه يف االقتصاديات االشرتاكية ويفصل "هايك" يف أن املشكلة االقتصادية الرئيسية ليس كيف ختصص املوارد املعينة كما أشار "باريتو" ولكن كيفية ضمان أفضل استخدام للموارد املتوفرة ألي عضو يف

اجملتمع لتحقيق غايات ال يعرف أمهيتها النسبية غريه. فمن خالل شرح كل من "هايك ومايزز" جند أن االقتصاديات السوقية تولد

كفاءة معلومات على شكل أسعار سوقية واليت بدورها متكن املنتجني

]١٥٤ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٨١

واملستهلكني من ختطيط أعماهلم بطريقة عقالنية وهي امليزة الرئيسية للرأمسالية وبذلك تضمن أفضليتها النسبية على االشرتاكية املخططة وهو لب نقدهم لالشرتاكية ودعمهم

للرأمسالية.

":GALBRAITHوجهة نظر "جالربيث" (الدولة الصناعية احلديثة ) "تأتي مداخلة "جالربيث" على أساس أن االقتصاديات الرأمسالية احلديثة يف الواقع

اقتصاديات ثنائية وتتكون من: أعمال متلك سلطة على أسواقها. -)١( أعمال صغرية وتنافسية تنقصها تلك السلطة. -)٢(

) من األعمال هي اليت تستخدم املوارد ١وعلى عكس رأي النيوكالسيك فإن اجملموعة () تستخدم املوارد بأقل مما جيب ويرى "جالربيث" ٢بأكثر مما جيب واجملموعة التنافسية (

أن األعمال ذات القوة االقتصادية والسياسية (عمالقة الصناعة يف الو.م.أ وأوربا الغربية) مل تعد خاضعة لقوى جهة الطلب والعرض السوقية، فبدال من قوى السوق قامت قوى

" الذي يضعه تقنيي Corporate Planningبديلة عن طريق "ختطيط الشركاتاإلدارة املتخصصني وحلت خطة الشركات حمل السوق وأن هدف خمططي الشركات

األساسي هو منو الشركة. ) من األعمال يف أن أصحاب الشركات ١وفحوى الفكرة األوىل اليت ختص اجملموعة (

الكربى يستعملون قوى خمتلفة (اإلعالنات والدعايات) لتحفيز الطلب ليزيدوا بعد ذلك

على احلكومة يف بعض ضغوطاهتمإنتاجهم، كما يستطيع تقنيو املؤسسات الكربى ممارسة

اجملاالت (خاصة املؤسسات اليت تعمل يف صنع األسلحة)، وبذلك تفرض هذه األنواع من املؤسسات سيطرهتا على كل من اجلمهور واحلكومة من خالل سيطرهتم على أسواق املوارد والعمل، وهو الشيء الذي مل يناقش عند النيوكالسيك الذين يرون أن السلطة

للجمهور املصوت (أي عن طريق األغلبية املصوتة ).) من األعمال التنافسية فريى "جالربيث" أن الصورة خمتلفة، ٢أما فيما خيص اجملموعة (

فالقطاع التنافسي غري قادر على منافسة قطاع الشركات الكربى على املوارد وبذلك يبقى

٨٢

حبصة غري كافية من موارد اجملتمع، ونتيجة لعدم قدرة هذه اجملموعة )) على منافسة الشركات القوية فإن قطاع املنافسة يلحظ ٢(اجملموعة (

تناقصا للطلب على سلعهم وتنخفض حصتهم من اإلنتاج االقتصادي . وحيدث اخللل بإنتاج أقل مما جيب يف القطاع غري التنافسي (اإلسكان،

العناية الصحية واخلدمات الشخصية) وزيادة أكثر من الالزم للعتاد احلربي والسيارات من قبل قطاع الشركات القوية.

وآخر نقطة جاءت يف وجهة نظر "جالربيث" هو اقرتاحه للحل حبيث يرى أنه جيب على اجلمهور أن يعيد حتكمه يف الدولة بدال من نظام ختطيط

الشركات وبعدها يستخدم الدولة ملواجهة عدم التوازن يف ختصيص املوارد. وجهة نظر "جوزيف شومبيرت" (املعجب املتشائم بالرأمسالية)

"JOSEPHSCHUMPETER :" يبدأ إعجاب االقتصادي "شومبيرت "من اعتقاده أن الرأمسالية نظام مرتفع

اإلنتاجية بالرغم من بعض األمراض مثل عدم االستقرار الدوري (والذي يرى فيه شيئا أساسيا للنظام ) وينتهي ذلك اإلعجاب باعتقاده أن

. ١الرأمسالية ستندثر لتحل حملها االشرتاكية

" والذي L’entrepreneurيويل "شومبيرت" يف حتليله دورا رئيسيا " للمنظم

" أو "مدير اإلدارة Managerخيتلف بدوره عن "مدير الشركة

Administrateur حيث يرى أن مدير الشركة أو مدير اإلدارة يقوم بتنظيم ،"

"Entrepreneurوتنفيذ النشاطات اليومية للمنشأة، يف حني أن املقاول "

] ١٦٠ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ،

٨٣

فهو مصدر األفكار اجلديدة والطرق احلديثة يف عمل األشياء و املغامرة يف األعمال اجلديدة ، ومنه فاملقاول هو احملرك الرئيسي للنظام الرأمسايل.

ومن هذا املنطلق يعتقد "شومبيرت" أن عمل املقاول يف دوره سيصبح مع الزمن بريوقراطيا وتقوم به شركات كبرية بدال أن يقوم به األفراد، واملنشآت

الصغرية اليت هي انعكاس للمنظم الفردي، وأخريا سيتالشى الدعم العام للمنظم، وخاصة دعم املكافأة املادية الضرورية لعمله وستفقد الرأمسالية

ميزهتا احلركية. ومنه يرى "شومبيرت" أن الرأمسالية حتمل بذور اندثارها وهنا ختتلف

أسباب اهنيارها كثريا عن األسباب اليت تصورها ماركس باإلضافة الختالفه مع الثورة الكينزية من خالل تشاؤمه من إمكانية التالعب يف تنظيم

الرأمسالية . ويف آخر هذا املبحث نشري إىل أن اهلدف من التطرق إىل هذا النظام ليس

اإلملام به، بل اإلشارة فقط ألهم معامله لفهم اجلانب النظري من النظام وخدمت معطيات البحث حبيث نكون قد أبرزنا أهم اخليارات املطروحة أمام الدول لتنظيم اقتصادها، لكن رغم هذا اخليار تبقى هناك خيارات

أخرى ال تقل أمهية عنه وهو ما سنتناوله يف بقية هذا الفصل.

٨٤

املبحث الثالث :النظام االقتصادي االشرتاكي

بعد التطرق للنظام الرأمسايل ومعرفة أهم معامله من نظريات ومفاهيم باإلضافة إىل مسامهة أهم رواده يف تطويره نأتي اآلن إىل رصد معامل ثاني

أهم نظام اقتصادي عرف يف تاريخ الوقائع االقتصادية املعاصرة.ويف هذا املبحث سنحاول إبراز أهم املفاهيم والنظريات اليت بنت هذا

النظام وسامهت يف تطويره لنربزه كثاني أهم اخليارات أمام الدول يف تنظيم االقتصاد وذلك كالتايل:

املطلب األول الفكر االشرتاكي:

يف هذا املطلب حناول املرور على أهم حمطات الفكر االشرتاكي، أو مبعنى أخر نلخص أهم األفكار اليت مهدت لظهور وتأسيس النظام االشرتاكي.

 الفرع األول: االشرتاكية من املنظور التارخيي:

نقدم أهم املراحل اليت مر هبا الفكر االشرتاكي يف نقطتني تعتربان األساس النطالق هذا األخري:

توطئة على االشرتاكية والنقد املركسي للرأمسالية: -١لقد ساهم التضارب يف بعض معامل الرأمسالية والنقص يف البعض اآلخر إىل توجيه انتقادات كثرية هلذا النظام، وقد اعتلى عرش النقاد هلذا النظام

االقتصادي ماركس وهو ما عرف" بالنقد املاركسي" ويشرتك ماركس ونظرائه كل من "لينني وماوتسي تونج" واليسار اجلديد يف طعن الفرضية

٨٥

إن الرأمسالية تستطيع من «الرئيسية للفكر الرأمسايل ، واليت كان فحواها: نفسها أو عن طريق التعديل الذي ال يغري السمة األساسية هلا حل املشكلة

. »١االقتصادية اخلاصة بتخصيص املوارد وبطريقة مرضيةيؤكد "ماركس" وزمالؤه أن الرأمسالية عرضه لتناقض داخلي أساسي ال

ميكن عالجه عن طريق تعديل النظام، ويعتقد املاركسيون أن النظام الرأمسايل سيذعن بالنهاية هلذه التناقضات وسيحل حمله نظام اشرتاكي

جديد أرفع منه اإلشارة أيضا إىل أنه من الشائع يف الغرب إقران اسم "ماركس" باالشرتاكية بالرغم من أن "ماركس" يف احلقيقة كان قد ركز جل

اهتمامه على حركية الرأمسالية، باإلضافة إىل أنه على الرغم من أن "ماركس" ويف إطار تارخيي لتحليل التطور، يرى أن االقتصاد يسري من

الرأمسالية إىل االشرتاكية انتهاء بالشيوعية إال أنه مل يسهم إال بالقليل يف األسئلة األساسية اليت سنناقشها يف هذا املبحث:

ما هي طبيعة النظام االقتصادي االشرتاكي بنوعيه املخطط والسوقي؟ «من النظم االقتصادية؟ وكيف وكيف ختصص املوارد النادرة يف هذا النوع

ستختلف ترتيبات التخصيص يف هذا النظام عن ترتيبات التخصيص يف

نشري هنا إىل أن "ماركس" مل يعطي أجوبة شافية عن هذه .»الرأمسالية؟األسئلة، حتى أن مناقشة مسألة التخصيص الرشيد للموارد مل تظهر إال

مع بداية القرن العشرين ومل تناقش بطريقة مباشرة لكن أدجمت يف نقاش ]١٨١ص– ١٩٩٤جريجوري ، و آخرون ،[ .١

٨٦

أوسع تناول آثار دور الدولة يف عملية النظام االقتصادي واليت مسيت بعدئذ

 ".Socialist Controversy"باجلدل االشرتاكي

و سنحاول يف هذا املبحث اإلملام باملعامل الرئيسة هلذا النظام دون التفصيل وذلك هبدف الفهم و إيصال فكرة النظام االشرتاكي فقط وهو ما يقتضيه

اشرتاكي البحث رغم أن املشكلة يف هذا املبحث هي غياب منوذج اقتصادي

" يفسر النظام على عكس سابقه وذلك يف احلقيقة يرجع Paradigmتام "إىل قلة االهتمام الذي يركز على االقتصادات االشرتاكية يف األعمال

النمطية يف تاريخ الفكر االقتصادي. الرؤية املاركسية اللينينية لالشرتاكية: -٢

يرى "ماركس" أن مساوئ الرأمسالية تتجلى يف امللكية اخلاصة واهليكل الطبقي املعتمد على امللكية اخلاصة وعدم املساواة، وهي البذور اليت

حتملها الرأمسالية يف طياهتا وستتسبب يف اختفائها لتحل حملها

. ١االشرتاكيةلكن ما ميز رؤية "ماركس" هو عدم الدقة يف حتديد بعض املفاهيم

كالرتتيبات العملية للمجتمع االشرتاكي أو ما يقصده باهليكل الطبقي إال أنه أبرز أمهيتها يف معظم حتليلها حيث طور إطار للتنبؤ بانتصار االشرتاكية على الرأمسالية، وخيلص "ماركس" إىل أن الرأمسالية ستكون آلة التقدم االقتصادي ونتائجها ستوزع بطريقة أكثر عدالة يف ظل االشرتاكية، ومن اجلدير بالذكر أن "ماركس" قد ركز على دور الدولة القوي وهو ما أردفه

]١٨٢ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ،

٨٧

وعززه فيما بعد "لينني"، ليرتكز بعد ذلك التحليل على دور الدولة والذي متيز بأنه غري تسلطي، و توزيع الدخل يكون بطريقة أكثر عدالة منها يف

الرأمسالية. ويتوقع من كل فرد يف ظل االشرتاكية أن يساهم يف النظام قدر استطاعته

وسيوزع الناتج على قدر اإلسهام، وركز "لينني" يف معظم كتاباته على أن عدم املساواة وامليول للرأمسالية ستبقى قائمة يف ظل االشرتاكية وبناءا عليه

من قبل الدولة ضرورية، كما شجع وجهة نظر ستكون األعمال القيصريةغريبة عن الدولة حيث افرتض أن مهمة إدارة الشؤون االقتصادية عملية

سهلة وبإمكان اجلميع أن يقوم هبا وأنه مل يكن هناك حاجة للمتخصصني، ألن مهمة اإلدارة اعتربت عمال روتينيا وهو ما القى انتقادات كبرية من

طرف املفكرين االقتصاديني . الفرع الثاني: التنظري االشرتاكي:

ميكن مناقشة التنظري االشرتاكي من خالل حمطتني أساسيتني مها كالتايل: اجلدل االشرتاكي: -١

يأتي هذا اجلدل على أساس فكرة قد سبق وأشرنا إليها، وهي عدم وجود منوذج اشرتاكي واضح وجلي يوازي منوذج املنافسة الكاملة الرأمسالية، لكن ما ميكننا وصفه باالشرتاكية فهو جتميع جزئي لشيء من النظرية واخلربة

التارخيية (األحداث التارخيية اليت ميزت حقبة من التاريخ). ويأتي يف سياق احلديث عن االشرتاكية ما يسمى باجلدل االشرتاكي ويقصد به مناقشة إشكالية ختصيص املوارد يف ظل االشرتاكية، وقد

٨٨

استحوذ هذا اجلدل على فكر معظم االقتصاديني لفرتة فاقت القرن من الزمن إىل يومنا هذا. ونشري إىل وجهة النظر السائدة حديثا وهي

التخصيص العملي للموارد يف ظل االشرتاكية شيء مؤكد التحقيق، ويركز النقاش احلديث على موضوعات أدق ولكنها مهمة وهي تلك املتعلقة

بالكفاءة االقتصادية املقارنة لالشرتاكية. وسنحاول اختصار هذه األفكار يف رؤيتني ألهم منظري الفكر االشرتاكي.

: ANRICO BAIRONأ) بريون: هيكل نظري

" أول من ANRICO BAIRONيعد االقتصادي االيطايل "أنريكو بريون وضع هيكل نظري متناسق لدراسة آليات ختصيص املوارد يف ظل

)، بنشره مقالة حتت عنوان "وزارة اإلنتاج ١٩٠٧االشرتاكية وذلك يف عام (يف الدولة اجلماعية " وناقش بريون نظريا إشكالية حتديد األسعار، وجادل

"، Relative Evaluationsحول كون األسعار عبارة عن تقوميات نسبية "وليست مقتصرة على تنظيمات مؤسساتية معينة (أو على وجه التحديد

Relation ofالسوق) بل جند أيضا تقويم معدالت التساوي "

Equivalence بني السلع وبني االستهالك اخلاص واملستقبلي أين يكون "

اليت Central Planning" (CPB)من نصيب اهليئة املركزية للتخطيط "لديها املقدرة على ذلك.

جاءت يف شكل وتعد الدراسة النظرية اليت أعدها "بريون"نظرية حبتةمنوذج (عرف بنموذج بريون) اشتمل على عدد كبري من املعادالت اآلنية

"Simultaneous Equationوهي تتعلق باملدخالت واملخرجات ملعدالت ،"

٨٩

"، وإذا مت حل هذه املعادالت فإهنا Relation of Equivalenceالتساوي "ستوفر تقوميات نسبية مالئمة للموارد املطلوبة ملوازنة العرض والطلب وكما سبق اإلشارة إليه أن دراسة بريون كانت نظرية حبتة فقد اعرتف بنفسه أن حل املعادالت يف واقع احلياة غري عملي. لكن ذلك مل مينعه من وضع بعض

االستنتاجات األساسية فهو يرى أن ختصيص املوارد الناتج من حل املعادالت سيكون إىل حد بعيد مشابه للمنافسة الرأمسالية ويف احلقيقة مل

يرى أي سبب قد يؤدي إىل اختالف أساسي. وما ميكن استخالصه من مدخل "بريون" يف يومنا هذا هو إمكانية اكتشاف التقوميات النسبية للموارد

الضرورية للتخصيص الرشيد للموارد عن طريق حل معادالت بدال من الرتتيبات املؤسساتية اخلاصة مثل السوق.

:" LODWIG VON MISES ب) حتدي "لدوج فان مايززتكلمنا سابقا عن "مايزز" ورأيه يف الرأمسالية، وقد ربطنا ذلك بنقده

لالشرتاكية لكن دون تفصيل آلرائه وهو ما سنوضحه يف هذه النقطة. كان حتدي "مايزز" موجها بشكل أساسي باجتاه مشكلة ختصيص السلع

اإلنتاجية يف نظام اقتصادي اشرتاكي، وهي مهمة من املفروض أن تكون بيد الدولة (ويرتك ختصيص السلع االستهالكية للسوق). وجادل "مايزز" أن

على الدولة اليت ستوجه املوارد املتاحة وبرشد هلدف حتقيق أهداف حمددة فانه عليها أن تلم مبعرفة القيم النسبية (األسعار) وكما يعتقد "مايزز" أن

الطريقة الوحيدة للوصول إىل هذه القيم ستكون من خالل السوق وهو األمر الغري موجود يف الدولة االشرتاكية حيث ختصص الدولة السلع

٩٠

اإلنتاجية مباشرة. وقد اختلفت ردود األفعال على موقف "مايزز" املبدئي وجاءت يف تفسريين مهمني مها:

إن ما كان يقوله "مايزز" هو عدم قدرة االشرتاكية على ختصيص املوارديف غياب آلية السوق، وأن أعمال بريون واالقتصاديني من بعده توفر

دليال فعاال و تفنيد آلراء "مايزز". أكثر مواقف "مايزز" شيوعا هو أن االشرتاكية لن تعمل بكفاءة، فاعتبار

حجة ختصيص املوارد بأقل كفاءة يف ظل االشرتاكية مقارنة بالرأمسالية مهم، ألن النظم االشرتاكية مازالت تعمل إىل يومنا هذا على

اختالف أنواعها، باإلضافة إىل اجلدل السائد حول" اجلودة النسبية لالشرتاكية والرأمسالية" على السؤال املتعلق بالكفاءة النسبية.

ويف األخري نشري إىل أن هجوم "مايزز" على حالة ختصيص املوارد الرشيدة يف ظل االشرتاكية قد أدى إىل حدوث بعض التطورات وجاءت يف نقطتني

رئيسيتني مها: قيام عدد من املؤلفني السوفيتيني (سابقا) الذين اهتموا بتطوير نظام

التخطيط لالقتصاد الروسي مبسامهات هامة يف تطوير نظرية  التخطيط واليت كانت حينئذ يف مراحلها البدائية.

وضع االقتصادي الشهري البولندي "أوسكار النجOSCAR LANGE " يف بداية الثالثينات منوذجه الشهري يف اشرتاكية السوق.

٩١

وهي األحداث اهلامة اليت طورت الفكر االقتصادي االشرتاكي ومسحت لهباالستحواذ على عقل الكثري من املفكرين االقتصاديني سواء الرأمساليني

من خالل نقدهم أو االشرتاكيني حبجهم. أ ركان االشرتاكية: –٢

ومما تقدم حناول تلخيص أركان االشرتاكية يف النقاط التالية: فالركن األول:

هو حمو الطبقية، الذي يضع حدا فاصال ملا زخر به تاريخ البشرية على مر

. فإذا أقيمت االشرتاكية وحولت اجملتمع إىل طبقة ١الزمن من ألوان الصراعواحدة، زال التناقض الطبقي، الذي نتج عن انقسام اجملتمع إىل مالكني

ومعدمني، واختفت كل ألوان الصراع، وساد الوئام والسالم إىل األبد. الركن الثاني:

السلطة الدكتاتورية: اليت هي ليست ضرورية ألجل تصفية حساب الرأمسالية فحسب، كما تزعم املاركسية، إذ تعتربها ضرورة مؤقتة، تستمر

. ٢حتى يقضى على كل خصائص الرأمسالية الروحية والفكرية واالجتماعية الركن الثالث:

ونصل بعد هذا إىل التأميم، والفكرة العلمية يف التأميم تقوم على: أساس تناقضات القيمة الفائضة، اليت تكشف عنها امللكية اخلاصة لوسائل

اإلنتاج. فإن هذه التناقضات ترتاكم، حتى يصبح تأميم كل وسائل اإلنتاج ضرورة تارخيية ال حميد عنها.

] ٢٣١ص -١٩٩١[ باقر الصدر، .١ ] ٢٣٧ص -١٩٩١[ باقر الصدر، .٢

٩٢

الركن الرابع:

.١مبدأ التوزيع القائل: من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله املطلب الثاني

 أهم أنواع االشرتاكية:

لقد عرفت االشرتاكية يف تنظريها كما يف تطبيقها نوعني رئيسني نفصلهما فيما يلي:

الفرع األول: االشرتاكية املخططة: أصول االشرتاكية املخططة: -أ

ترجع أصول االشرتاكية املخططة إىل االحتاد السوفياتي يف العشرينيات

"The soviet Union in The 1920s واليت وصفت "بالعصر الذهيب "لالقتصاد الرياضي السوفييت" لكن ما عالقة هذا بتخصيص املوارد يف ظل االشرتاكية؟ تتجلى العالقة يف ثالث أطروحات خنتصرها يف النقاط التالية:

كان يف العشرينات نقاش مفتوح نسبيا يف االحتاد السوفييت، مبا يفذلك نقاش هام حول الطرق واآلليات املالئمة للنمو والتنمية االقتصادية

يف ظل االشرتاكية. كان الرتكيز على إقامة طريقة اشرتاكية للتنمية من مبادئ اإليديولوجية

املاركسية اللينينية. ازداد نشاط رواد االقتصاد الرياضي، فهو موضوع مهم لتطوير نظرية

التخطيط االقتصادي. ] ٢٤١ص -١٩٩١[ باقر الصدر، .١

٩٣

وهو األمر العادي يف ظل تلك الظروف حيث جاءت إجراءات "ستالني" الصارمة بنهاية العشرينيات و إلزامه املنظرين واملخططني السوفيت بالبحث على أفكار مهمة خبصوص التخطيط يف ظل أوضاع امللكية

اجلماعية. ومن أهم األعمال التطبيقية يف تلك الفرتة هو تطوير "ميزان

WASSILYاالقتصاد القومي" وهو السابق يف حتليل "وسيلي ليونتيف

LEONITF" للمدخالت واملخرجات " Input-Output باإلضافة إىل ."

" وهو النظام املستخدم يف االقتصاديات Material Balance"امليزان العيين االشرتاكية املخططة. ومن الواضح أن تطوير مدخل املوازين العينية يبقى

مسامهة أساسية (لكنه بسيط) يف تاريخ الفكر االقتصادي وتطوره و ذلك ملا له من أمهية تطبيقية هائلة. ولقد لعب االحتاد السوفييت دورا كبريا يف

بناء وتطوير مناذج النمو الرياضية، وأوىل اهتمام كبري للمشاكل املتعلقة باالقتصاد الكلي. واحنصر معظم التحليل االقتصادي آنذاك داخل إطار

النمو والتنمية االقتصادية ألن ذلك يشكل االهتمام األساسي لتلك احلقبة. كما كان حمور اخلالف بني االحتاد السوفييت والنقاش الغربي هو األمر

الذي غاب عن األول ونقصد كيفية توجيه املنشآت على املستوى اجلزئي والذي ركز عليه الطرف الثاني. ومن خالل االهتمام الذي حظي به الفكر

االشرتاكي من قبل االحتاد السوفييت، فإننا ال جند أي غرابة يف ربط أصول الفكر االشرتاكي بالبلد الذي رعاه وساهم يف تطوير شكله املخطط (أي

الرتكيز على أمهية التخطيط يف الفكر االشرتاكي).

٩٤

األسس النظرية: -ب

يف غياب السوق كآلية لتخصيص املوارد كان من الضرورة إجياد بديل

لالشرتاكية املخططة يصعب فهم ١"Paradigmلذلك، ولعل غياب منوذج "النظرية لكن ذلك ال يعين عدم وجود آلية بديلة لتخصيص املوارد وهنا

بالتأكيد نقصد التخطيط االقتصادي كوسيلة لتخطيط املوارد. ومنه من الضروري يف غياب منوذج واضح للنظرية االشرتاكية املخططة يشبه منوذج

الرأمسالية التنافسية، فإنه ميكن أن نستند على نظرية التخطيط لفهم االشرتاكية املخططة، رغم ثقل البعد السياسي يف هذا املنظور ظهر ميل

لربط التخطيط القومي االقتصادي باالشرتاكية يف إطار سياسي واقتصادي أيضا. نشري أيضا إىل نوع التخطيط املقصود يف هذا اجلزء،

حيث جند ختطيط النظام االقتصادي مركزيا هو جوهر االشرتاكية املخططة، ويعود ذلك إىل أن التخطيط ينسجم مع أنواع خمتلفة كثري من

الرتتيبات املؤسساتية والعقائدية. كما اتفق جل االقتصاديني الذين ناقشوا مسألة التخطيط على أن كمية املعرفة الناجتة عن دراسة أكثر حداثة يف

وضع النماذج الرياضية للنظم االقتصادية يعرف ب"نظرية التخطيط

"Theory of Planning مع اإلشارة إىل أن هذه النظرية ناقشت خمتلف"وتطبيقات التخطيط وهي ترتاوح من اخلربة يف اإلدارة احمللية أصول

للمنشآت الرأمسالية الكبرية إىل عمل نظام اقتصادي بالكامل سواء كان اشرتاكي أو رأمسايل.

] ٢٠٨-٢٠٦ص.ص – ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

٩٥

هنا يتضح لنا أننا نواجه نوعني من التخطيط، وسنركز على التخطيط على الصعيد القومي وليس املستوى اجلزئي وهو ما سبق وأشرنا إليه باإلضافة

إىل اإلشارة إىل أنه حتى يف الدول اليت يتم فيها معظم التخطيط القومي (االحتاد السوفييت سابقا) فإن ما يسمى بنظرية التخطيط ما هي إال جمموعة من املبادئ العملية فليس هناك "نظرية" باملعنى الكامل ميكن

مقارنتها مع منوذج االقتصاد السوقي، وما سنناقشه يف بقية هذا النوع سيوضح ذلك.

ختطيط االقتصاد القومي: -ج ميكن مناقشة قضية ختطيط االقتصاد القومي يف عدة نقاط تأتي كالتايل:

املبادئ األساسية: -١

التخطيط حماولة األخذ يف االعتبار املنافع والتكاليف االجتماعية وذلك «برتكيز إدارة ختصيص املوارد بكفاءة، ألن املنافع والتكاليف تكون غري واردة

GERALD"جريالد سريكن »يف حسابات متخذي القرارات الالمركزية

SIRKEN ." هكذا عرف "جريالد سريكن" التخطيط، ومن املالحظ تركيز هذا األخري

على املستوى املالئم الختاذ القرار وكذلك العناصر االجتماعية مقابل

" G .M. HEALاخلاصة يف اختاذ القرار، وعلى مستوى أدنى وضع " هيل

حل مشكلة تعظيم حمدودة «وصف بليغ ملفهوم اخلطة حيث أورد أن اخلطة

ويقصد "هيل" هبذا التعريف أن جوهر اخلطة هو »يف ظل قيود معينة حتقيق مجلة من األهداف بوجود قيود على املوارد املتاحة. بطبيعة احلال

٩٦

ليس التعريفني السابقي الذكر مها الوحيدين، فقد عرف التخطيط القومي عدة تعاريف ناجتة عن اجتهاد الكثري من االقتصاديني، لكن نكتفي بفهم

التعريفني السابقني على أساس أهنما يوفيان حق البحث وما يهم أكثر هو فهم فكرة التخطيط القومي لالقتصاد ومنه سنعرض حتليل خمتصر جململ

التعارف املقدمة بشيء من االختصار. ختتلف تعارف التخطيط القومي شكال لكن يبقى املضمون ثابت ويأتي اجلوهر على أساس أن اخلطة االقتصادية القومية توجه النشاط يف االقتصاد من خالل الزمن حنو

حتقيق أهداف حمددة أو مرجوة. بعد هذه التوطئة حول جوهر التخطيط القومي نورد مصطلح جديد مل يذكر بعد ونقصد هنا مصطلح "التنبؤ"

. كما أننا »توقع النشاط االقتصادي يف املستقبل «الذي يعين باختصار لسنا يف حاجة إىل التعمق يف هذا املفهوم وآلياته، فقط نكتفي باإلشارة إىل

دور هذا األخري يف عملية التخطيط. كما ذكر سابقا فإن التخطيط يأتي كمحاولة لتغيري حركة اجتاه االقتصاد وبالتايل تغري النتائج االقتصادية وبطبيعة احلال ال يتم ذلك إال يف حالة املعرفة املسبقة لوجهة النشاط

االقتصادي. وبكل تأكيد ميكن اآلن استنتاج دور التنبؤ يف عملية التخطيط واألمهية اليت يعنى هبا خاصة إذا علمنا أن التخطيط على العموم ينقسم

". إذا كان Directive"و/أو "توجيهي Indicative"إرشادي ١إىل نوعنيالتخطيط اإلرشادي هو حتديد األهداف على أمل التأثري يف النتائج

وال توجه(االقتصادية عن طريق توفري معلومات خارجة عن السوق

التخطيط القومي لالقتصاد .١

٩٧

. فإن التخطيط التوجيهي )للمنشآت املنفردة عادة توجيهات من املخططني

Directive هو حتديد املخططني لألهداف مع توقع تغيري النتائج مباشرة "ألن أهداف اخلطة ملزمة للمنشأة قانونيا. بشيء من االختصار ميكن أيضا

Operativeتصنيف اخلطة إىل نوعني فهناك ما يعرف "باخلطة العملية

Plans وهي عادة ال تدوم أكثر من سنة مع إمكانية التعديل، وهناك ما "

" وهي تدوم يف العادة مخس Perspective Plansيعرف "باخلطة املنظورية سنوات مع إمكانية التعديل، ونالحظ هنا أن هذا التصنيف يعتمد على معيار الزمن باإلضافة إىل نوعية األهداف وقابلية حتقيقها. وباختصار أيضا نورد أن عملية التخطيط متر يف العادة بثالث مراحل هي كالتايل:

بناء اخلطة بتفصيل األهداف والغايات اليت نود حتقيقها والوسائل أوال: لتحقيق هذه األهداف وجيب حتديد اإلطار الزمين أيضا.

يتوجب وجود آلية تنظيمية لتنفيذ هذه اخلطة وعلى وجه اخلصوص ثانيا:وسائل لضمان قيام املشرتكني يف النظام االقتصادي (مثل القطاع العائلي

واملنشآت) فعال مبحاولة حتقيق أهداف اخلطة.جيب أن يكون هناك وسائل لتقييم النتائج، وعندما تكون خمتلفة عن ثالثا:

األهداف جيب أن يكون هناك وسائل لضمان املعلومات اإلسرتجاعية املالئمة من أجل تعديل االجتاه املستقبلي للنشاط االقتصادي.

وهبذا نكون قد قدمنا أهم أساسيات التخطيط القومي لنبدأ بشيء من التوسع والتفصيل.

٩٨

ختطيط املوازنات العينية: -٢مبدأ ختطيط املوازنات العينية يبدأ بتحديد هيئة التخطيط املركزي قائمة

(عادة ما تكون سنة). ١السلع واخلدمات اليت جيب إنتاجها يف فرتة اخلطةويأتي هذا على أساس حتديد هيئة التخطيط املدخالت (األرض ،العمل،

رأس املال...) الضرورية إلنتاج وحدة واحدة من اإلنتاج (املخرجات) وهدف هيئة التخطيط هو تعظيم مستوى اإلنتاج يف ظل قيود املدخالت احملدودة.

وقد انتشر هذا املدخل (مدخل املوازنات العينية) يف عدد كبري من الدول نذكر على رأسها "االحتاد السوفييت سابقا وأوربا الشرقية باإلضافة إىل "الصني". وبالعودة إىل عملية التخطيط فإنه من الضروري بالنسبة هليئة

التخطيط املركزي معرفة املوارد املتوفرة، وما هي األهداف اليت تود حتقيقها وعلى مستوى أعلى العالقة بني االثنني. واملبدأ الرئيسي يف مدخل املوازنات العينية هو مساواة الكمية املطلوبة من اإلنتاج (الطلب) مع الكمية املتوفرة (العرض). وإن مل يتم التوازن بني اجلانبني، وجب اختاذ اخلطوات

اإلدارية للتقليل من الطلب و/أو زيادة العرض وجيب إجياد التوازن لكل عنصر باإلضافة إىل ضرورة توازن إمجايل العرض و إمجايل الطلب. ورغم

بساطة فكرة املوازنات العينية إال أنه ميكن مصادفة مشاكل معقدة وعلى مستوى كبري من األمهية حني التطبيق العملي هلا. ونتوقف عند هذا القدر

فيما خيص هذه النقطة فنحن نعنى فقط باإلشارة ال التفصيل وهو ما يتناسب مع أهداف البحث.

] ١٧٥ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ،

٩٩

نظرية التخطيط االقتصادي:-٣ نناقش نظرية التخطيط االقتصادي يف ثالث نقاط رئيسية تأتي كما يلي:

مشكلة التخطيط: -١-٣إن فحوى املشكلة يأتي يف شكل حماوالت متقدمة ومتزايدة لوضع منوذج

"Paradigm .لالقتصاد املخطط يشبه ذلك منوذج السوق التنافسية " يف هذا السياق جند منطق وضع اخلطة املثالية املبين على أساس تطبيق

مبدأ التعظيم املقيد. ويأتي ذلك على مستوى املنشأة من خالل املعادلة التالية واليت تلخص مشكلة التخطيط (يأتي هذا يف صدد التشابه الكبري

 :١بني مشكلة التخطيط يف املنشأة ونظريته على املستوى القومي)

U=(X1, X2 ,….Xn)….(1) i=1,2,….n  منتجات يتم إنتاجها بناءا على التكنولوجيا املوجودة: Xiحيث أن

Xi=F (U1, U2,….Um)…. (2) j=1,2,….m ترمز للموارد (أرض، مواد، عمل...) حمددة كالتايل: Uj و

Uj ≤ bj…. (3) j=1,2,….m املستخدمة jجمموعة كمية املوارد Uj ترمز لكميات املوارد املتاحة، و bj و

من قبل مجيع املنتجني.

Uj � ٠…. (4)

] ١٧٧ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

١٠٠

" ويقصد بذلك أن Objective Functionبدالة اهلدف ") 1(تسمى املعادلة هدف التخطيط هو إجياد حل هلذه املعادلة. وتلخص دالة اهلدف أهداف املخططني االقتصادين وتوفر عالقة دقيقة بني املنفعة اليت حيصل عليها

اليت تشتق منها املنفعة )Xi( ) و إنتاج السلع واخلدمات Uاجملتمع (االجتماعية أو اخلدمات. ومن ناحية أخرى يعتمد حجم السلع واخلدمات

) بافرتاض تكنولوجيا معينة. وال ميكن Ujاملتوفرة على توافر املوارد(

على املستوى اإلمجايل أو (bj)استغالل املوارد حبدود تفوق مدى توفرها كمورد واحد. لكن هذه املعادلة تبقى يف إطار نظري حبت، حيث جند على

املستوى العملي أو الواقعي صعوبة حتديد جل املتغريات وإذا مت ذلك فإنه ال يتم بالدقة املطلوبة واليت حتقق اهلدف املنشود. وهو ما يعكس مشكلة

التخطيط وهبذا تتضح ضرورة إجياد حل ملشكلة التخطيط وتتوفر هلذا

".Planning routineالغرض عدة طرق تسمى روتني التخطيط " روتني التخطيط: -٢-٣

تشبه مشكلة التخطيط منوذج التعظيم ملنشأة واحدة املشار إليه سابقا وميكن حله بطريقة شائعة. ويقصد بالروتني هنا ما هي آليات أو أهم

الطرق اليت يتم من خالهلا حل مشكلة التخطيط؟ وميكن مجعها يف ثالث أنواع أساسية: موجهة بالسعر، موجهة بغري السعر، أو مزيج من االثنني وقبل التطرق هلذه األنواع الثالثة نقدم بعض التوضيح

لتعميق فهمنا فيما بعد للحلول.

١٠١

إن تعقيد االقتصاد القومي وتسطري خطة له ثم إجياد حل هلا تستدعي املرور بالعديد من اخلطوات وتسمى هذه الطريقة بطريقة التكرار. إن

مدخل التكرار حلل مشكلة التخطيط يستخدم معايري مشاهبة لتقويم فعالية روتني التخطيط: أي روتينيات التخطيط حتقق أفضل احللول يف أصغر

فرتة من الوقت. لكن تبقى مشكلة ضخامة احلسابات اليت تتطلبها عملية إعداد خطة قومية رغم اعتبار أن احلل يأتي من خالل مدخل املوازنات

العينية الذي يأخذ يف احلسبان أهم االهتزازات الناجتة عن عدم التوازن. التخطيط باألسعار: -٣-٣

توضع يف العادة مناذج للتخطيط موجهة سعريا يف االشرتاكية املخططة مركزيا هبدف إجياد قائمة األسعار النادرة (توازنية) اليت تساعد املخططني لوضع قواعد لتخصيص املوارد. ومن بني روتينيات التخطيط املوجه سعريا

وهو ما سنعرضه بشيء من التفصيل ١واألكثر شيوعا جند منوذج" النج "عند االنتقال إىل اشرتاكية السوق . ولب هذا الروتني هو إمكانية توليد

أسعار توازنية مباشرة من عملية التخطيط دون أن نستخدم آلية السوق، وهي آلية جد معقدة تعتمد على إجياد حلني لدالة اهلدف، احلل األساسي

"Primale" واحلل املقابل "Dual ومها حالن نظريان بصيغة رياضية معقدة" نتفادى الدخول يف تفاصيلها.

تبعا لواضعه أوسكار النج .١

١٠٢

التخطيط الالسعري: -٤-٣

. كما جند تفسريين هلذا ١وهو الوجه املقابل أو البديل للتخطيط السعري املدخل:

التفسري األول:

" والذي سبق وأشرنا إليه Primale Solutionsيعتمد على "احلل األساسي وذلك من خالل جمموعة من املدخالت واملخرجات املثلى. اليت متثل ذلك

احلل واليت يعتمد املخططون عليها إلصدار توجيهات تتعلق بتحديد املدخالت واملخرجات املادية للوحدات اإلنتاجية. وتتم مجيع مداخل عملية

التخطيط على مدى العملية اإلنتاجية دون اإلشارة إىل األسعار، مع العلم أن تقوميات املوارد موجودة ضمنيا يف جتربة التخطيط .

التفسري الثاني:

"حيث تكون Quantity Planningوهو ما يعرف بالتخطيط الكمي "األسعار فيه غري واردة. وتتم عملية التخطيط حسب هذا التفسري انطالقا

من الفرضيات التالية: ثبات نسبة املوارد أي أهنا تكون عدمية املرونة بالنسبة للتكنولوجيا

املوجودة..لن تتغري العالقة بني املدخالت واملخرجات عندما تتغري األسعار

وتندرج الفرضيتني السابقيت الذكر يف أكثر النماذج انتشار وهو منوذج

" حيث تكون فيه األسعار غري واردة Static"املدخالت واملخرجات الساكن"

] ١٨٧ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

١٠٣

نظرا للفرضيات السالفة الذكر. ويستخدم روتني التخطيط الالسعري طريقة أخرى عمليا حيث أساس ختطيط املدخالت واملخرجات هو

" واليت تسمح للمخططني من Technology Matrixاملصفوفة الفنية "املقاربة بني مجيع املدخالت ومجيع املخرجات وعلى درجة عالية من

التجميع لالقتصاد ككل. ونشري أخريا إىل أن جوهر االختالف بني التخطيط السعري والتخطيط الالسعري هو أن الصيغة الالسعرية تكون ذات حرية حمدودة يف اختاذ القرارات. ففي الصيغة الالسعرية ليس هناك أسعار،

ويتم إمالء األوامر على املنشآت بالتفصيل فيما خيص ماذا تنتج وما هي املدخالت اليت عليها استعماهلا.

الفرع الثاني: االشرتاكية السوقية: األسس النظرية: (إسهامات "النج"): -أ

إن األساس أملنظوري الشرتاكية السوق يأتي من خالل إسهامات االقتصادي

(سبق وأشرنا إليه) ١"OSCAR LANGEالبولندي األصل "أوسكار النج"من خالل تطويره لنموذج يعرف بنموذج "التجربة واخلطأ". يركز منوذج

التجربة واخلطأ يف الواقع على استخدام إطار التوازن العام (مهد كتابات كل من "بريون" و "باريتو" و"فالراس") ويقرتح عدد من املراحل للوصول إىل

احلل (ما ركز عليه "ليون فالراس"). نشري أيضا إىل أن منوذج التجربة واخلطأ مل يكن حكرا على "النج" وحده فقد قدم العديد من االقتصاديني

" H .D. DICKSONهلذا النموذج ويأتي على رأسهم" ديكسون

] ١٩٢ -١٩١ص.ص – ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

١٠٤

" ومنه نستنتج وجود العديد من الصيغ ABBA LERNERو"آبا لرينر املختلفة هلذا النموذج، وننوه إىل أننا سنركز على األوجه الرئيسية للنموذج

العام بشيء من االختصار. يف بداية حتليلنا هلذا النموذج نذكر أن الدول االشرتاكية اليت تقرتب من منوذج "النج" (على رأسها يوغسالفيا) قد اختارت

نظامها دون معرفة سابقة بنموذج "النج"، عالوة على ذلك خيتلف منوذج "النج" لالشرتاكية السوفيتية عن تعريفنا هلا ويأتي ذلك من خالل إدراج النج لالستخدام الغري مباشر للسوق. بشيء من التعمق يف طرح منوذج "النج" نربز

تركيزه على ثالث مستويات من اختاذ القرار يف النظام االقتصادي كما يوضح الشكل التايل:

١)٢جدول يوضح تنظيم النظام االقتصادي حسب" النج": الرسم البياني رقم (

] ١٩٣ص– ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

١٠٥

نالحظ من الشكل السابق توزيع السلطة على ثالث مستويات حبيث يعتلي

" ثم على مستوى أدنى جند (CPB)هرم السلطة "هيئة التخطيط املركزي "السلطات الصناعية" لنجد يف املستوى األخري كل من "قطاع العائالت"

و"املنشآت". ويفرتض امتالك الدول لعوامل اإلنتاج باستثناء العمل باإلضافة لفرض ختصيص السلع االستهالكية عن طريق السوق. يف هذا

النموذج منوذج "النج" حتدد هيئة التخطيط املركزي أسعار السلع اإلنتاجية، ثم يتم إعالم املنشآت املنتجة هبذه األسعار ويطلب منها اإلنتاج

مع مراعاة قاعدتني رئيسيتني مها:إنتاج ذلك املستوى من اإلنتاج الذي تتساوى فيه التكلفة احلدية مع األسعار

(MC=P) وتقليص تكاليف اإلنتاج عند ذلك املستوى من اإلنتاج، لترتك ،حرية القرار فيما بعد للقطاع العائلي فيما خيص عرضه للعمل. يتضح من خالل هذه الطريقة يف التنظيم االقتصادي احتمال وجود خلل فيما خيص

مسألة التوازن، وذلك من خالل حقيقة أسعار السلع اإلنتاجية اليت يتم حتديدها يف بداية العملية من طرف هيئة التخطيط املركزي وهو ما

يفرض احتمال عدم تساوي أسعار السلع مع التكاليف احلدية مما يعين احتمال عدم حصول التوازن، فليس هناك سبب لالعتقاد أنه إذا ما اتبعت

املنشآت تلك القواعد املفروضة من طرف هيئة التخطيط املركزي (على افرتاض أهنا تطبقها فعال) سيتم إنتاج ذلك املستوى من السلع واخلدمات الذي يتساوى عرضه مع الطلب عليه. يف هذه النقطة يأتي تدخل "النج" حيث يقرتح أنه إذا حصل يف هناية فرتة التخطيط (رغم أنه مل حيددها)

١٠٦

فائض عرض من سلعة ما، مت ختفيض سعر تلك السلعة عن طريق هيئة التخطيط املركزي. وإذا نتج فائض طلب رفعت هيئة التخطيط املركزي

األسعار، وبذلك ستقوم هيئة التخطيط املركزي عن طريق العمليات املتتابعة مع الوقت بتكييف األسعار حتى تصبح يف املستوى الصحيح أين

يتساوى العرض مع الطلب.

يضيف" النج " دور آخر هليئة التخطيط املركزي ال يقل أمهية عن دورهايف حتديد األسعار وهو ختصيص العوائد االجتماعية (إجيارات وأرباح) املتحققة من استخدام املوارد اإلنتاجية اليت متلكها الدولة. وميكن توزيع

تلك العوائد على شكل خدمات عامة ذلك من خالل التعاون مع السلطات الوسيطة (السلطات الصناعية) حول قرار االستثمار، أين تلعب هذه األخرية دورا رئيسيا يف حتديد مستوى التوسع القطاعي للصناعة. أي توجيه الناتج الصناعي باختيار نوع الصناعة الالزمة

ومقدار املوارد املخصصة هلا من خالل عملية االستثمار وهبذا سيكون للدولة درجة عالية من السيطرة حبيث يكون باستطاعتها حتديد حجم واجتاه األرصدة االستثمارية، مع العلم أن "النج" جادل على أن األرصدة

االستثمارية جيب أن يتم ختصيصها إمجاال حبيث تتساوى املعدالت احلدية للعائد يف خمتلف التطبيقات. وخنلص يف األخري أنه يف منوذج

"النج" حتظى هيئة التخطيط املركزي بتحكم على درجة عالية يف النظام االقتصادي، ويف نفس الوقت تستخدم األسعار ألجل اختاذ

القرار من قبل هيئة التخطيط، ومبا أن ملكية وسائل اإلنتاج تعود للدولة

١٠٧

" واجتاه النشاط RATIOفسيكون بإمكاهنا حتديد كل من معدالت " االقتصادي.

ومنه يتم التخلص من تأثري امللكية اخلاصة وكذلك العائد عليها، وبناءا عليه سيكون توزيع الدخل إىل حد كبري أكثر تساوي منه يف الرأمسالية. أما فيما

يتعلق بنسبة االستثمار فإهنا ستكون احملدد الرئيسي للنمو االقتصادي، وسيكون هذا املعدل بدوره حمدد إىل درجة كبرية من طرف الدولة. نذكر

أيضا أن عمل "النج" مل خيل من االنتقادات بدءا من عدم تدقيقه يف عملية إدراج السوق بطريقة غري مباشرة يف االقتصاد االشرتاكي فلم يتكلم عن

عوائق الدخول إىل السوق أو اقتصاديات احلجم أو تغيري التكنولوجيا وكلها آليات تتحكم باألسعار يف السوق، ويتضح دورها من خالل التحليل

الرأمسايل الذي سبق وتطرقنا إليه، باإلضافة إىل مالحظة "النج" نفسه أن عدد املهام الكبري الذي خصصه هليئة التخطيط املركزي قد يؤدي إىل قيام

بريوقراطية كبرية وهي أحد املظاهر األكثر سلبية لالشرتاكية يف ذلك الوقت.

جند أيضا أن أكثر االنتقادات جرأة لنموذج "النج" جاءت من طرف االقتصادي احلائز على جائزة نوبل، والذي سبق وتكلمنا عنه "هايك

HAYEK أين جيادل على أنه على الرغم من أن جمموعة املهام املنوطة "هبيئة التخطيط املركزي من املمكن إدارهتا نظريا إال أنه من احملتمل أن

يتعذر ذلك من الناحية العملية. أخريا رغم أن النموذج مل خيلو من انتقادات الكثري من االقتصاديني والذين على رأسهم "هايك" كما سبق وأن أشرنا، إال

١٠٨

أنه أثار اهتماما عظيما نظرا الستخدام معظم النظم االشرتاكية املوجودة سابقا الشكل اخلام لنموذج التجربة واخلطأ لتحديد األسعار على األقل االستهالكية منها، واالعتماد على طريقة التجربة واخلطأ هام جدا ألن مناذج التخطيط الرياضية (حتديد األسعار) مل حتظى كثريا بتطبيقات

عملية على الرغم من أناقتها النظرية. االشرتاكية السوقية "الصيغة التعاونية: -ب

تعترب الصيغة التعاونية أو "اقتصاد عمال اإلدارة" أحدث أو آخر صيغة نظرية نوعا ما ملدخل اشرتاكية السوق. يأتي هذا التطور يف النموذج

التعاوني الشرتاكية السوق نتيجة بروز أمهية املشاركة العمالية يف صنع القرارات اليت تؤثر على حياهتم نذكر أيضا أن أهم االقتصاديني الذين نادوا

"حيث عمل على JAROSLAVE VANEKهبذا االجتاه "ياروسالف فانك

Participatoryبناء معامل مفهوم "االقتصاد املبين على املشاركة "

Economy من خالل حتديد مميزات هذا النظام خبمسة مميزات هي " كتايل:

تدار املنشآت بطريقة املشاركة من طرف الناس العاملني فيها. -١جيب أن يسود تقاسم الدخل و أن يكون عادال أي متساوي بني العمال -٢

ذوي النوعية و الكثافة الواحدة و جيب أن حيكم عن طريق توزيع الدخل دميقراطي متفق عليه وأن يقوم بتخصيص لكل وظيفة حقها النسيب على

صايف جمموعة اإلنتاج. برغم أن العمال قد يقطفوا مثار العملية اإلنتاجية إال أهنم ال ميلكون -٣

١٠٩

املوارد اإلنتاجية و عليهم أن يدفعوا مقابل استخدمها.على االقتصاد أن يكون اقتصادا سوقيا و ميكن استخدام التخطيط -٤

االقتصادي عن طريق آليات غري مباشرة ولكن ليس عن طريق األمر املباشر للمنشأة أو جمموعة املنشآت.

هناك حرية االختيار فيما يتعلق بالتوظيف. -٥بعد التعرف على أهم مميزات هذه الصيغة نأتي اآلن لشرح فحوى هذا

النموذج، متلك الدولة املوارد باستثناء العمل وتستخدم من قبل مجيع املنشآت اليت تدفع رمسا للدولة مقابل االستعمال. حتدد أسعار السلع اإلنتاجية واالستهالكية بتفاعل قوى الطلب والعرض يف السوق، وتدار

املنشآت من قبل العمال الذين حياولون تعظيم العوائد لكل عامل يف املنشأة. باإلضافة لفرض الدولة رمسا على استخدام األصول الرأمسالية،

واألرض فإهنا ستقوم أيضا بإدارة القطاع العام يف االقتصاد وقد تفرض الضرائب لتمويل اإلنشاءات الثقافية والصناعية. وهبذا نكون قد رمسنا

صورة أكثر بساطة وأكثر اختصار القتصادية السوق التعاونية مع العلم أنه فيما خيص سلوك املنشأة يف هذا النوع من التنظيمات االقتصادية فهي أكثر تعقيد لذا نتفادى التفصيل فيها. بطبيعة احلال أنه لكل منوذج جند

الكثري من االنتقادات والردود فيما خيص نصيب الصيغة التعاونية كان كالتايل:

نقد "بنجامني وارد": -١ من خالل حتليل "وارد" للنموذج التعاوني وبشيء من التفصيل الحظ وجود

١١٠

ميزتني أساسيتني هلذا النموذج:.أن املصلحة الذاتية املادية للفرد تشكل احلافز اإلنساني املسيطر .اللجوء لألسواق كوسيلة لتخصيص املوارد

ركز "وارد" على حتليل رد فعل التعاونيات للتغريات املختلفة يف البيئة السائدة، وذلك من خالل دراسته آثار أسعار املنتجات على العرض فهو

يرى أنه بالنسبة للمنشأة الرأمسالية ومنشأة "النج" كلما ارتفع السعر أدى ذلك إىل زيادة اإلنتاج مبعنى أن منحنى العرض مائل إىل األعلى،

كما استثنى حالة ميكن أن يكون فيها ميل منحنى العرض سالبا يف

وهو األمر الذي يوجه صفعة ١حالة التعاونية وخاصة يف األجل القصريلنظام ختصص فيه املوارد عن طريق السوق، فهي النتيجة اليت ميكن أن تنبأ حبدوث عدم استقرار على مستوى التوازن يف األسواق. جادل

"وارد" أيضا، إىل إمكانية أن تكون التعاونية غري مرغوبة خاصة يف بيئة غري تنافسية باإلضافة إىل اإلشارة أنه إذا اختلفت دوال إنتاج تعاونيتني تنتجان نفس السلعة فإن ذلك سيؤدي إىل سوء ختصيص للعمل ورأس

املال وهي احلالة اليت ال نراها يف منشأتني رأمساليتني تعمالن يف نفس الظروف. ويف آخر نقد "وارد" للنموذج التعاوني كان حول نظام

احلوافز، الذي خلق نوع من الطروحات صعبة احلل خاصة مع استعانةاملنشأة التعاونية بإدارة متخصصة فكانت كيفية حتفيز ورقابة املدراء -

وتبقى ماثلة. -ماثلة زيادة أسعار المنتجات تؤدي إلى انخفاض في مستوى اإلنتاج. .١

١١١

":JARSOLAVE VANEKرد "يارسوالف فانك - ٢على عكس نظريه فإن "فانك" ينظر إىل الصيغة التعاونية بنظرة اجيابية فهو

يدعي أن االقتصاد املبين على املشاركة يشكل منوذجا فيه عناصر التطور

(بالنظر إىل تاريخ دراسته ) كما ١االجتماعي املهمة يف السنوات القادمةيرى يف هذا النظام اخليار األمثل للدول النامية . ويعود "فانك" إىل نقد

"وارد" خبصوص النقاط السالفة الذكر:يرى "فانك" على عكس "وارد" أنه إذا متاثلت ظروف منشأتني تعاونيتني )١

وإذا كان هناك حرية دخول وخروج فسوف تكون قرارات املدخالت واملخرجات للتعاونيات مطابقة لقرارات املنشأتني الرأمساليتني

 العاملتني حتت نفس الظروف.

جيادل "فانك" بأن النتائج ستكون مرغوبة أكثر من وجهة نظر )٢اجتماعية، ألن عائد العمال يف حالة الرأمسالية سيكون بناءا على قيمة اإلنتاج احلدي بينما يف حالة التعاونية تتم مكافأة العمال بناءا على قرار

 الوحدة التعاونية اليت حيكمها العمال أنفسهم.

يعتقد "فانك" أنه ويف ظل أوضاع ممكنة أو مؤكدة اليت يكون منحنى )٣عرض املنشأة التعاونية سالب امليل كما اقرتح وارد. فإذا كانت املنشأة

تنتج عدة منتجات، وإذا كانت تواجه حمددا خارجيا، فقد بني فانك أن عرض املنشأة سيكون موجب امليل.

] ٢٠٤ص – ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

١١٢

املنشأة يف التعاونية يف حالة املنافسة الغري الكاملة تكون أفضل حاال من املنشأة الرأمسالية يف حالة املنافسة الغري الكاملة.

وهكذا نرى أن فانك قد واصل الرد على نقد وارد مربزا أهم مزايا الصيغة التعاونية.

املطلب الثالث كفاءة النظام االشرتاكي

يلخص هذا املطلب أهم اآلراء اليت أخضعت النظام االقتصادي االشرتاكي للتقييم وبذلك نشري إىل أهم ميزاته وحناول ابرز عيوبه على األقل من

وجهة نظر نقاده. الفرع األول: فرضيات أداء النظام االشرتاكي:

كما سبق أن وضعنا جدول يلخص فرضيات أداء النظام الرأمسايل حناول بناء جدول مماثل يوضح أهم فرضيات أداء النظام االشرتاكي ثم نتطرق

١)٥لشرحه: جدول رقم (

] ٢٠٦ص – ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

األداء املعايري غري مفصول فيها الكفاءة استقرار أكثر من النظام الرأمسايل مع وجود استثناءات االستقرار أقل تفاوت منه يف النظام الرأمسايل( أكثر مساواة) توزيع الدخل

غري مفصول فيها مع تغليب رأي أنه أقل ما هو يف الرأمسالية النمو االقتصادي قدرة أكرب على توجيه املوارد حنو أهداف تنموية حمددة أهداف تنموية

١١٣

تربير اجلدول : الكفاءة:

قدم كل من "فانك" و"النج" حجج ذات قوى هائلة على أن كفاءة االشرتاكية السوقية أعلى من الرأمسالية السوقية لكن توجد حجج بنفس القوى يف

اجلهة املعاكسة واليت ميثلها كل من "هايك" و"بريجنس" و "وارد".أكثر احلجج املقدمة تصب يف اجتاه أن االشرتاكية املخططة أكثر االستقرار:

استقرار من االشرتاكية السوقية والرأمسالية لكن رغم ذلك فإنه تتجلى فرضية ال يستطيع أحد إنكارها وهي وجود عدم استقرار مسترت كبري

(تضخم مكبوت وعدم توظيف كامل) يف االقتصادات االشرتاكية املخططة. توزيع الدخل:

توجد فرضية رئيسية وهي تشمل نوعي االشرتاكية السابقي الذكر حيث تنص على أن توزيع الدخل فيهما أقل تفاوتا عنه يف ظل الرأمسالية، ومبا

أن الدولة هي اليت متلك عوامل اإلنتاج باستثناء العمل فإهنا من غري املمكن أن توزع الدخل (غري األجري) بطريقة أكثر تفاوت عنه يف اجملتمعات

الرأمسالية. النمو االقتصادي:

نظريا يعد النظام االشرتاكي األكفأ كأداة لتحقيق معدالت منو أكرب، حيث مع تويل الدولة مهمة االستثمار وتسيري دواليب التنمية فكل املؤشرات تصب

يف أن معدالت النمو ستكون سريعة، لكن الواقع ال يعكس ذلك فجل الدول االشرتاكية صادفت معدالت منو منخفضة مع وجود بعض االستثناءات يف

١١٤

الدول اليت حاولت تطبيق االشرتاكية السوقية. األهداف التنموية:

من ناحية تسطري األهداف التنموية والقدرة على التخطيط فإهنما نقطتان حتسبان للنظام االشرتاكي لكن رغم ذلك تبقى إشكالية الواقع الذي سارت

إليه دول املعسكرين ومنه فقد بقي احلكم مبهم فال نستطيع احلكم على نظام هو األكثر كفاءة نظريا، على أنه األكفأ من نظريه الذي هو األكثر كفاءة

تطبيقيا من حيث الواقع. الفرع الثاني: وجهات نظر يف االقتصاد االشرتاكي:

لقد تباينت وجهات النظر يف االقتصاد االشرتاكي وكثرت ولقد ركزنا يف هذا البحث على وجهتني األوىل مست عنصر يعد الرئيسي يف هذا النظام

:١والثانية جاءت من خالل اقتصادي كبري حيسب على هذا النظام اخلطة والسوق:- ١

لقد طرحت العديد من التساؤالت حول هذا العنصر أال وهو التنسيق (اخلطة أم السوق) أي أيتم توزيع املوارد حسب اخلطة أم حسب السوق وهنا

يظهر تساؤلني جزئيني يضيفان بعض العمق للتساؤل الرئيسي ومها: هل من الواجب اختاذ القرارات مجيعها يف املستويات العليا من قبل

املخططني، أم هل جيب أن يكون هناك بعض الالمركزية لصاحل املستويات الدنيا؟

]٢١٠ص – ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

١١٥

" Consistencyهل ميكن حل اخلطة فعليا وحتقيق كل من االنسجام " ".Optimalityواألمثلية "

من خالل التساؤلني ألسابقي الذكر نالحظ أن اإلشكال يتجاوز التساؤل الرئيسي وهو "اخلطة أم السوق" ليتضح أن النظام االقتصادي االشرتاكي أكثر تعقيد من الرأمسايل فهو حيتاج إىل دراسات أعمق وتطبيقات أعقد

ليمكن التكلم على نظام اقتصادي هو األكفأ. كارني "واالقتصاد االشرتاكي:"– ٢

يأتي رأي "كارني" يف خضم مجلة من التناقضات، حيث جيادل بأن النظام

، حيث يكون فيه ١"Shortageاالقتصادي االشرتاكي املخطط نظام عجز "العجز منتظما دائما ويولد نفسه، وجادل أيضا على أن االقتصاد ذو العجز

يظهر إىل حد كبري نتيجة لطبيعة األعمال يف النظم االشرتاكية املخططة والقوانني اليت تعمل املؤسسات يف ظلها. ويرى أيضا أن حالة الظروف

اخلارجية للمنشأة يف النظام االشرتاكي أكثر يسر منها يف النظام الرأمسايل، حيث جند يف حالة املنشأة الرأمسالية أهنا خاضعة لقيود حتمية قاسية فيما خيص امليزانية، أين جند يف اجلهة املقابلة أن حمدد امليزانية يف

املنشأة االشرتاكية ضعيف ويعود السبب الرئيسي إىل الدور األساسي لألسعار الذي تلعبه يف احلالة األوىل وعدم أخذها بعني االعتبار (نسبيا) يف احلالة الثانية. ويعد موقف "كارني" متباين، حيث يعد املعجب املتشائم

من االشرتاكية بطريقة خمتلفة عن" شومبيرت " (املعجب املتشائم

]٢١١ص – ١٩٩٤[جريجوري ، و آخرون ، .١

١١٦

ن االشرتاكية بطريقة خمتلفة عن" شومبيرت " (املعجب املتشائم بالرأمسالية)، حيث جند أن "كارني" ينقد االشرتاكية يف بعض معاملها (باألخص قضية

التخطيط املركزي) ليجادل على كفاءاهتا كنظام اقتصادي مبزايا معينة عرفت "بنموذج كارني لالشرتاكية".

وهبذا نكون قد سطرنا آخر نقطة يف هذا النظام خامتني هذا املبحث لنرى مبحث آخر ونظام آخر ال يقل أمهية عن سابقيه وهو النظام االقتصادي

اإلسالمي.

املبحث الرابع النظام االقتصادي اإلسالمي

رغم االختالف الذي ظهر ويعرتف به جل االقتصاديني بني نظامني مها األشهر من حيث االنتشار؛ ورغم تالشي أحدمها، إال أنه جيمع معظم

االقتصاديني على تقارب املصدر أو املنشأ. هنا نأتي إىل عرض أهم نظام (على األقل من وجهة نظرنا أين نرى أنه فهم هذا األخري يقدم الكثري من

اإلجابات لألسئلة املطروحة)، وبالتأكيد نقصد النظام االقتصادي اإلسالمي.

نشري أيضا أنه خلصوصية هذا النظام فإننا يف حتليلنا له وضعنا بعض اخلصوصية مع منهج خيتلف بعض الشيء عن املنهج املتبع آنفا ليبقى

اهلدف دائما فهم هذا املدخل ال التعمق فيه مراعاة ملتطلبات البحث.

١١٧

املطلب األول عموميات حول النظام االقتصادي اإلسالمي

ربطت الرأمسالية بقدرة الفرد وحده على قيادة دواليب االقتصاد وربطت االشرتاكية بقدرة الدولة (أو اجلماعة) على تسيري مصاحل الفرد االقتصادية،

وربط النظام االقتصادي اإلسالمي بتنظيم خارج هذه املعضلة. فالنظام االقتصادي اإلسالمي يتجاوز إشكالية االنتقال من الفرد إىل اجملتمع أو

االنتقال من اجملتمع إىل الفرد لتحقيق أهداف االقتصاد، إذن ما هو األساس الذي يتبعه النظام االقتصادي اإلسالمي لتسيري مصاحل اجملتمع االقتصادي؟ يأتي اجلواب تدرجييا بداية من التحقيق يف عموميات هذا

األخري. الفرع األول: مفهوم النظام االقتصادي اإلسالمي:

قبل التطرق إىل مفهوم هذا النظام نشري إىل أننا آثرنا أن نعرض هذا املفهوم ألنه توجد بعض اخلصوصية مع وجود إضافة تفرض الفرق بني هذا األخري

والتعريف املتفق عليه من طرف الرأمسالية واالشرتاكية. تفصيل الدكتور "مسفر بن علي القحطاني":-١

تعريف االقتصاد اإلسالمي: -أ) :لغة

مأخوذ من القصد وهو استقامة الطريق والعدل، والقصد يف الشيء «

. ١»خالف اإلفراط، وهو ما بني اإلسراف والتقتري ] ٢٠٠٢[علي القحطاني ، .١

١١٨

:اصطالحا هو األحكام والقواعد الشرعية اليت تنظم كسب املال وإنفاقه وأوجه تنميته،

أو هو جمموع األصول العامة االقتصادية اليت نستخرجها من القران «الكريم والسنة، و هو البناء النظري االقتصادي الذي يقام على تلك األصول

. "حممد اجلمال ". ١»بنية وكل عصر حبسب كل أحكام االقتصاد اإلسالمي: -ب)

هي نوعني: األحكام الثابتة:

وهي ما كانت ثابتة بأدلة قطعية أو راجعة إىل أصل قطعي يف الكتاب آو السنة آو اإلمجاع كحرمة الربا، وحل البيع، ووجوب الواجبات وحتريم

احملرمات، وأحكام احلدود واملقدرات. وتتميز هذه األحكام بأهنا: ال تتغري آو تتبدل مهما تغريت األزمنة واألمكنة كما أهنا تتصف بصفة العموم واملرونة،

لتطبق على مجيع الناس من غري عسر وال مشقة، فهي حاكمة لتصرفات الناس ال حمكومة هبم.

:األحكام املتغرية وهي الثابتة باألدلة الظنية يف سندها أو يف أدلتها واملتغرية تبعا ملقتضيات

املصلحة. وهذه األحكام قد تتغري باختالف أحوال النظر فيها. فهي خاضعة الجتهاد العلماء وتغريها حبسب املصلحة خيتلف أحيانا حبسب األشخاص

واألزمنة واألمكنة، فيجوز لويل األمر اجملتهد أو العلماء اجملتهدين أن ]١١١ص-١٩٩٠[صادق سعد، .١

١١٩

خيتاروا من األحكام ما يرونه مناسبا ملستجدات احلياة وفق مقاصد الشريعة املعتربة، ومن أمثلتها: أحكام البنوك اإلسالمية.

تفصيل "علي النجار":-٢ يف مفهوم االقتصاد اإلسالمي: -أ)

هو ذلك العلم الذي حيكم العالقات االقتصادية واالجتماعية اليت تنشأ «بني أفراد اجملتمع من خالل إنتاج السلع وتوزيعها وتقديم اخلدمات إشباعا

حلاجات الناس، وهو ال خيتلف يف املفهوم االقتصادي املعاصر والذي يرتكز على إشباع حاجات الناس كهدف عام. إمنا يزيد عنه أن النظام االقتصادي

اإلسالمي يعنى أيضا جبانب ثاني وهو توفري احلياة الكرمية اليت تراعي

. ١»القيم، وتنمي خصائص اإلنسان العليا؛ وتزكي ثواب اهلل يف اآلخرة حتليل التعريف: -ب)

من خالل التعريف نالحظ أن االقتصادي علي النجار قد ميز النظام االقتصادي اإلسالمي عن مثيله الوضعي مبيزتني:

:مراعاة القيم حيث يوضح أن النظام االقتصادي اإلسالمي يزيد عن مثيله الوضعي، على

أنه ال يهتم فقط مبعاجلة املعامالت االجتماعية واالقتصادية بني أفراد اجملتمع، بل يزيد على ذلك اهتمامه جبانب األخالق واملثل العليا لإلنسان وارتباطه بالعقيدة اليت حتكم اجملتمع اإلسالمي أال وهي الدين اإلسالمي.

] ١١-١٠ص.ص– ١٩٧٨[علي النجار، .١

١٢٠

:مرحلية العمل االقتصادي ونقصد هنا اهتمام االقتصاد الوضعي مبرحلة واحدة وهي احلياة فريى أن اإلنسان يف صراع مع هذه األخرية لتلبية أكرب قدر من حاجياته على حساب

أشياء أخرى يرفعها النظام االقتصادي اإلسالمي إىل املرتبة األوىل. يأتي هذا يف سياق أن النظام االقتصادي اإلسالمي يضيف مرحلة ثانية للعمل

االقتصادي وهي مرحلة ما بعد احلياة الدنيا، حبيث يسعى الفرد يف اجملتمع اإلسالمي إىل تلبية حاجياته الدنيوية مراعيا آخرته والثواب عند اهلل عز وجل؛ من خالل مراعاته لقيم وأخالقيات الدين وهي املشار إليها

آنفا. تفصيل "حممد شوقي الفنجري": -٣يف اجملال االقتصادي، جاء اإلسالم، مببادئ وأصول معينة تنطوي على «

سياسة اقتصادية متميزة، وقد جرى تطبيق هذه املبادئ وتلك السياسة يف عهد الرسول صلى اهلل عليه وسلم بدقة، والتزم هبا من بعده اخللفاء

الراشدون، كما ارتبط هبا حكام وأئمة املسلمني بدرجات متفاوتة، ليس هنا جمال للحكم عليها، وإمنا كل ما يهم بيانه أن النظام االقتصادي اإلسالمي هو الذي يوجه النشاط االقتصادي وينظمه وفقا ألصول اإلسالم وسياسته

. ويرى صاحب التعريف من خالل هذا األخري أن لالقتصاد ١»االقتصادية اإلسالمي وجهني مها:

]٧٦ص -١٩٨٠[شوقي الفنجري، .١

١٢١

وجه ثابت (األصول أو املذاهب): -أ) وهو عبارة عن جمموعة املبادئ أو األصول أو السياسة االقتصادية اليت

جاءت هبا نصوص القرآن والسنة، ليلتزم هبا املسلمون يف كل زمان ومكان. وجه متغري (النظام أو التطبيق): -ب)

وهو عبارة عن األساليب واخلطط العملية واحللول االقتصادية اليت تتبناها السلطة احلاكمة يف كل جمتمع إسالمي، إلحالة أصول اإلسالم

وسياسته االقتصادية إىل واقع مادي يعيش اجملتمع يف إطاره. الفرع الثاني: خصائص االقتصاد اإلسالمي:

تأتي خصائص النظام االقتصادي اإلسالمي على أساس كوهنا امليزات اليت جعلته يربز كفكر منفرد ذو اجتاه معني ال يتصف به النظامني ألسابقي

الذكر وهي حتمل عدة تفاصيل منها املنشأ واألصل واملنهج ... ربانية املصدر: -١

يعترب النظام االقتصادي اإلسالمي جزء من األمهية مبا كان من الدين

، مستمد من بيان اهلل عز وجل. وميكن تقسيم ١اإلسالمي فمصدره إذا إهليهذا املصدر إىل أربعة مصادر جزئية تعد املرجع الرئيسي للفصل يف معظم

القضايا االقتصادية: املصدر األول: القرآن الكريم:

وهو املنزل على نيب األمة حممد صلى اهلل عليه وسلم واحملفوظ كما نزل ] ٣٨-٣٢ص.ص – ٢٠٠٢[السالوس، .١

١٢٢

إىل يوم القيامة، والقرآن الكريم فصل فيما ال يتغري تبعا للمكان والزمان: كاملرياث ونظام احلكم إىل غري ذلك.

املصدر الثاني: السنة:وتأتي كمفسر وميسر لفهم األحكام والقضايا اليت يستعص على بقية اخللق

فهمها وتطبيقها بالطريقة الصحيحة ويتجلى ذلك يف تفصيل أمور البيوع وغري ذلك.

املصدر الثالث: اإلمجاع: وهو ما اقتضاه التجديد يف العصر والناتج عن اختالط احلضارات فقد جدت قضايا استلزمت اجتهاد األئمة وأهل الذكر للفصل فيها، ذلك أن

القرآن والسنة مل يفصلوا فيها. املصدر الرابع: القياس:

وغريه من املصادر، خيضع الجتهاد أحد علماء الدين الذي يصدر فتوى أو حكم يف قضية اقتصادية حدث فيها خالف بني مجع العلماء وهو ال ينزل منزلة املصادر السابقة لكنه يصح حسب مقتضيات القضية االقتصادية

وتقبل اجملتمع للحكم يف حد ذاته (ومثل ذلك فوائد البنوك والتفصيل فيها).

النظام االقتصادي اإلسالمي يهدف إىل سد حاجات ربانية اهلدف: -٢الفرد واجملتمع الدنيوية، طبقا لشرع اهلل تعاىل الذي استخلف اإلنسان يف

–عز وجل –التصرف يف املال واالنتفاع به، فاملسلم يدرك أن املال ملك هلل فيكون إرضاء مالك املال هدفا يسعى إليه املسلم يف نشاطه االقتصادي.

١٢٣

ولذلك جند املسلم وهو يزاول نشاطه االقتصادي يسلك مسلكه وهو يعبد بل اهلدف من نشاطه أساسا عبادة اهلل تبارك وتعاىل. -عز وجل -اهلل الرقابة املزدوجة: -٣

خيضع املسلم يف نشاطه االقتصادي إىل نوعني من الرقابة : .رقابة بشرية .رقابة ذاتية الرقابة البشرية: أ.

حيث كان يراقب -صلى اهلل عليه وسلم -تعود إىل ما بعد هجرة الرسول األسواق بنفسه، وعندما فتحت مكة أرسل من يراقب أسواقها. ومن هنا

ظهرت وظيفة "احملتسب" ملراقبة النشاط االقتصادي إىل جانب األمر باملعروف والنهي عن املنكر.

الرقابة الذاتية: ب.أحل بعض األمور وحرم أخرى، -عز وجل –تنبع من إحساس املسلم أن اهلل

حيث يفرض رقابة ذاتية على املسلم ولذلك رأينا سلوك املسلم يف نشاطه االقتصادي كسلوكه يف عبادته.

اجلميع بني الثبات واملرونة والتطور: -٤رأينا يف األحكام وجود ثوابت يف الدين اإلسالمي وهي بعيدة عن نقاش العموم من الناس أو حتى علماء االقتصاد، ويفتح النقاش فيها يف بعض االستثناءات اليت تقتضيها الضرورة االقتصادية واالجتماعية ومثل ذلك

قضية حتريم الربا، حل البيع، وكثري من العقود باإلضافة إىل الزكاة، ومبا

١٢٤

أن اإلسالم جاء خامت لألديان ليطبق يف كل زمان ومكان، فكان يف اقتصاده من املرونة ما جعله يتسع لألساليب املختلفة والوسائل املتجددة. والعرف ما

دام ال يتعارض مع أصل ثابت. فنرى الثوابت اليت حتافظ على بقاء األمة اإلسالمية مع املرونة اليت تضمن سري مقتضيات العصر ومستجداته من

خالل األصول السابقة الذكر واليت أتاحت الفرصة للتنمية االقتصادية وفق منهج متعدد األبعاد.

: يرجع هذا إىل املفارقة املطروحة من طرف التوازن بني املادية والروحية -٥الغرب على أن النظام االقتصادي اإلسالمي يغلب عنه اجلانب الروحي وهو الذي عجل يف اندثاره لكن العكس هو الذي حدث، دون التفصيل يف تاريخ

الوقائع االقتصادية اإلسالمية، نورد أهم خاصية لالقتصاد اإلسالمي وهي التوازن بني املادية والروحية، فقد جاء بأحكام تنظم التعامالت املادية بني

األفراد وتوطد العالقة بينهم وبني خالقهم دون أن ميس هذا التنظيم بالعالقتني فهما متكامالن. فاإلسالم يغذي الفرد املسلم بالقيم واألخالق اليت يسعى من خالهلا إىل تلبية حاجاته الشخصية دون املساس حباجات

ومصاحل اجملتمع، كما يذم كل الظواهر اليت تعرقل التنمية وتنشر الفساد يف اجملتمع، كما يرى اإلسالم يف النظام االقتصادي اإلسالمي نوع من العبادة

حيث حيث الفرد على العمل جبد وبإتقان لكسب رزقه فهو خيدم نفسه وجمتمعه هبذا املنهج دون املساس بالقيم واألخالقيات اليت قد تتسبب يف

بعض الظواهر االقتصادية اليت تعيق التنمية (مثال ذلك حتريم العمل بالرشوة، أكل أموال الناس بالباطل...).

١٢٥

التوازن بني املصلحة الفردية واملصلحة اجلماعية: -٦أشرنا إىل هذه النقطة يف خضم النقطة السابقة، وندعم ذلك باإلشارة إىل أن اإلسالم ال حيرم على الفرد أو مينعه من العمل منفردا على كسب املال وتلبية حاجاته، ويف نفس الوقت هو حيفظ حقوق اجملتمع املرتتبة عن تلك

احلرية اليت مينحها للفرد، من خالل تنظيم املعامالت واألساليب والنهج الذي يكسب من خالله الفرد ثروته، وهو بذلك يضع عالقة تكامل بني

احلرية املمنوحة للفرد ومصلحة اجملتمع أو اجلماعة، كما ويف نفس السياق ال حيرم على الفرد القيام بالعمل اجلماعي بل حيبذه مبا تقتضيه الضرورة

وينظمه حبيث حيفظ حق اجلماعة وحق الفرد يف اجلماعة وحق الفرد خارج اجلماعة (اجملتمع)، فتاريخ االقتصاد اإلسالمي حافل بالوقائع اليت

تبني حق الفرد يف كسب الثروة بالطرق املشروعة وكيفية ضمان ذلك وضمان حق اجملتمع، كما هو زاخر أيضا بالوقائع اليت تدعم العمل

اجلماعي من خالل تشكيل ما يعرف ب"بيت مال املسلمني" والدور الذي كان يلعبه هذا التنظيم يف حل القضايا االقتصادية يف اجملتمع (البطالة...).

الواقعية: النظام االقتصادي اإلسالمي واقعي يف مبدئه ومنهجه -٧ وأحكامه:

فهو ينظر إىل الواقع العملي الذي يتفق مع طبائع الناس، ويرى دوافعهم وحاجاهتم ومشكالهتم، ال جينح إىل خيال أو تنظري بعيد عن الواقع. نرى يف

النظام االقتصادي اإلسالمي دقة األحكام اليت جاء هبا (يرجع ذلك إىل ربانية املصدر) فهي تساير الواقع، فهي األحكام اليت وصل إليها كثري من

١٢٦

علماء االقتصاد يف املناهج السابقة لكن بعد دراسات كثرية استغرقت مدة طويلة جدا، ويرجع سبب هذه األخرية إىل جنوح بعض العلماء إىل تفسري

بعض الظواهر خارج الواقع. وهبذا يتميز النظام االقتصادي اإلسالمي عن سابقيه فهو األكثر واقعية واألكثر تعمق يف الواقع، فال تستند أحكامه إىل

نظريات تنتظر الفصل فيها أو نقدها، كما أن أحكامه جاءت بسيطة يستوعبها كل فرد يف اجملتمع كما أهنا سهلة التطبيق يف احلياة العملية وهو

ما يعطي النظام سالسة وسهولة يف التطبيق بعيد عن تعقيد الدراسات املبنية على التنظري الذي خيرج عن أرض الواقع يف بعض األحيان رغم أنه

يعاجل يف األصل قضايا الواقع. هكذا نكون قد أحطنا بأهم مزايا وخصائص النظام االقتصادي اإلسالمي دون مبالغة يف التعمق، ذلك أن مقتضيات

البحث تقتضي هذا األمر.يرتكز النظام االقتصادي الفرع الثالث: أركان االقتصاد اإلسالمي:

١اإلسالمي على ثالثة ركائز أو أركان أساسية كما تعترب املبادئ الرئيسية لتنظيمه وهي كاليت:

الركن األول: امللكية املزدوجة: نبدأ بامللكية اخلاصة اليت خيتص الفرد بتملكها دون غريه، وامللكية العامة

واليت تعرف بأهنا امللك املشاع ألفراد اجملتمع. يتميز النظام االقتصادي اإلسالمي بكونه يقوم على النوعني يف آن واحد، ليحقق التوازن بني مصلحة

الفرد ومصلحة اجلماعة ويعرتف هباتني املصلحتني طاملا مل يكن هناك ]٣٩ص – ٢٠٠٢[السالوس، .١

١٢٧

تعارض بينهما، وإن وجد فقد أتى احلل بتغليب مصلحة اجلماعة على الفرد وكانت أدلة ذلك ما جاء يف النص الشريف:

أي ال »ال يبيع حاضر لباد«عن سيدنا حممد صلى اهلل عليه وسلم: أ. توجد مسسرة، حبيث يرفع السمسار السعر أعلى مما لو باعه البادئ

بنفسه.

؛ فامللتقي سيشرتي »ال تلقوا الركبان«قوله صلى اهلل عليه وسلم: ب. بسعر أقل ويبيع الناس بسعر أعلى، وقد حرم الناس من الشراء من

الركبان أنفسهم بسعر أقل. أجاز بعض الفقهاء إخراج الطعام من يد حمتكره قهرا وبيعه للناس. ج.

هذا من جهة و من اجلهة الثانية جند أن اإلسالم يف طريق حتديده للملكية ال يلجأ إىل املعيار الكمي، إمنا يستعمل املعيار الكيفي وهذا األخري يقوم

: ١على مخس من املبادئ كالتايل بتحديدها من حيث أسباب التملك، وتنمية امللك، ال يف كمية املال

اململوك..بتحديد كيفية التصرف .بكون رقابة األرض اخلارجية ملكا للدولة ال لألفراد .بصريورة امللكية الفردية ملكا عاما جربا يف أحوال معينة بإعطاء من قصرت به الوسائل عن احلصول على حاجته ما يفي بتلك

احلاجة يف حدودها. ]٤٠ص – ١٩٩٠[النبهاني، .١

١٢٨

ويأتي تفصيل امللكية يف النظام االقتصادي اإلسالمي كما يلي: ) امللكية اجلماعية: جماالت امللكية اجلماعية ومصادرها:١:األوقاف اخلريية

ويعين حتبيس األصل وتسبيل منفعته، وهذه املنفعة ال خيتص فرد مبلكيتها بل هي عامة لكل من يستحق الوقف.

:احلمى وهو أن حيمي اإلمام جزءا من األرض املوات املباحة ملصلحة املسلمني دون

أن ختص بفرد معني منهم.:احلاجات األساسية

كاملاء والكالء والنار، فهذه األمور مملوكة جلميع الناس ال جيوز لفرد أن ميتلكها دون غريه.

:املعادن هي ما أودع اهلل يف هذه األرض من مواد برية وحبرية ظاهرة أو باطنة

لينتفع هبا الناس من حديد وحناس وبرتول وذهب وفظة وملح وغري ذلك. وال خالف بني الفقهاء يف املعادن إذا ظهرت يف أرض ليست مملوكة ألحد

تكون ملكا للدولة أي تدخل يف ملكية األمة عامة. وقد يثور اخلالف إذا ظهرت هذه املعادن يف أرض مملوكة ملكية خاصة، والراجح ما ذهبت إليه املالكية يف أن ما يعثر عليه من معدن يكون ملكا لبيت مال املسلمني ينفقه على مصاحل املسلمني قياسا على املنافع العامة وحاجة مجيع الناس إليها.

١٢٩

:الزكاة

وهي من ١»احلق املايل الواجب لطائفة خمصوصة يف زمن خمصوص«وهي املصادر األساسية للملكية العامة.

:اجلزية وهي األموال اليت تأخذ من البالغني من رجال أهل الذمة واجملوس مقابل ما

يتمتعون به من حقوق. وهي يف مقابل عدم أخذ الزكاة من ماهلم وهي ال جتب إال مرة يف السنة ويراعى فيها العدل والرمحة وعدم تكليفهم فوق

طاقتهم. :اخلراج وهو املال الذي يقتطع ويؤتى به ألوقات حمددة من األراضي اليت ظهر

عليها املسلمون من الكفار، أو تركوها يف أيديهم بعد مصاحلتهم عليها، واألراضي اململوكة لغري املسلمني ال يؤخذ منها زكاة فيكتفا باخلراج بدال من

ذلك. :مخس الغنائم تقسم األموال اليت تغنم من الكفار إىل مخسة أقسام، ويعود اخلمس لبيت

املال. :األموال اليت ال مالك هلا

األموال اليت ال يعرف صاحبها تعود لبيت املال. ] ٢٠٠٢[علي القحطاني ، .١

١٣٠

:العشور املأخوذة من مال احلربني إذا دخل إلينا تاجر حربي بأمان أخذ منه العشر عن كل مال للتجارة وجعل

يف بيت مال املسلمني. امللكية اخلاصة: جماالت امللكية اخلاصة ومصادرها: -٢:البيع والشراء

وله الكثري من األدلة يف الكتاب والسنة. العمل بأجر لآلخرين:

جاءت الكثري من النصوص املرغبة بالعمل اخلاص والكسب املباح، كما وضعت عدة ضوابط لعمل األجري لدى املستأجر.

:الزراعة وهي من مصادر امللكية اخلاصة وقد رغب الشرع فيها كثريا على أساس

عموم نفعها للمجتمع.:إحياء املوات

نعين باملوات األرض امليتة املنفكة عن االختصاصات وعن ملك معصوم.:الصناعة واالحرتاف تعد الصناعة من أهم ما نص عنه النص النبوي الشريف وذلك مع مراعاة

الضوابط الشرعية يف ذلك. :االحتطاب

وكل ما ميكن حيازته وليس ملك ألحد.

١٣١

:الصيد اقتناص حيوان متوحش غري مملوك وبآلة معتربة بقصد االصطياد.

:متفرقات وهي :

.إعطاء السلطان وجوائزه .قبول اهلبة والعطية واهلدية .الوصايا واإلرث .املهر والصدقات

: ١الركن الثاني: احلرية االقتصادية املقيدةجاء النظام االقتصادي اإلسالمي على خالف نظرييه االقتصاد الرأمسايل

واالشرتاكي بعدة ضوابط شرعية تقيد احلرية االقتصادية ذلك بغية حتقيق الكسب احلالل لألفراد والنفع العام للمجتمع. ونقصد باحلرية االقتصادية

املقيدة عدم طلق حرية الكسب من غري قيود كما هو يف االقتصاد الرأمسايل وال يتزمت تزمت االقتصاد االشرتاكي فيمنع األفراد من التملك.

وكانت ضوابط النظام االقتصادي اإلسالمي للحرية االقتصادية كما يلي: الشرط األول: أن يكون النشاط االقتصادي مشروع:

أن «تتمثل يف حتريم بعض املعامالت باالستناد إىل قاعدة شرعية مفادها: األصل يف األشياء اإلباحة إال ما ورد حترميه، فمساحة احلالل يف

] ٢٠٠٢[علي القحطاني ، .١

١٣٢

يف االقتصاد واسعة، ولكن بشرط أن ال يوجد نصا يقتضي حرمة هذا

ومن عموم األشياء احملرمة ما يلي: . »النشاط االقتصادي أوال: الربا:

ال ينفي أي مسلم سواء أكان من عامة الناس أو من فقهاء األمة حرمة الربا وذلك لثبوت حترميه يف الكتاب والسنة كما أن حترميه مل يأتي على أساس

فقط بل حرم أيضا ملا له من آثار سلبية وأمهها -عز وجل-أنه أمر من اهلل ما يلي:

الفائدة اليت حيصل عليها املرابي ال تأتي نتيجة عمل إنتاجي بل أ. استقطاع من مال الفرد، أو من ثروة األمة دون أن ينتج ما يقابلها.

الفائدة الربوية تدفع بفئة من الناس إىل الكسل والبطالة ومتكنهم من ب. زيادة ثروهتم دون جهد أو عناء.

الربا يؤدي إىل ظاهرة التضخم يف اجملتمع ويوسع اهلوة بني الفقراء ج. واألغنياء.

إثقال كاهل املقرتضني عند العجز عن التسديد لتضاعف سعر الفائدة د. احملرمة شرعا.

كما للربا الكثري من اآلثار السلبية من الناحية االجتماعية لكن نكتفي ه. مبا أشرنا إليه سابقا وهو اجلانب االقتصادي.

ثانيا: الغرر:ومعناه بيع املخاطرة وهو اجلهل بالثمن أو املثمن أو سالمته أو أجله مثل:

بيع الثمار قبل أن تنضج وبيع السمك يف املاء والطري يف اهلواء.

١٣٣

ثالثا: القمار وامليسر: وصورته يف عصرنا هي:

:أوراق اليانصيب واليت تشرتى مببالغ مالية حمددة من أجل توقع احلظ بالفوز جبوائز هذه

األوراق وكذا يف املراهنة.األموال اليت تنفق على الشراء: من متجر ليس بغرض احلاجة لشرائها ولكن بقصد الدخول إىل

مسحوبات جوائز وغريها. الشرط الثاني:

تربية املسلم على أن يؤثر مصلحته ملصلحة غريه فيتوقف عن كل ما حيقق له النفع ويضر اآلخرين .

الشرط الثالث:إذ تتدخل الدولة حلماية املصاحل العامة وحراستها باحلد من حرية األفراد

إذا أساءت أو أضرت ببقية اجملتمع ومن أمثلتها: .حتديد األسعار منعا الستغالل الناس واإلضرار هبم .نزع امللكية اخلاصة للمنفعة العامة

الركن الثالث: التكافل االجتماعي:

من الثوابت أن األفراد يف أي جمتمع يتفاوتون يف الكثري من الصفات حبكم كوهنم بشر وبناءا على هذا التفاوت يف املواهب واإلمكانيات ومقدار التحمل

والبذل، ومنه هذا األخري سيخلق تفاوت يف نوعية العمل، وبالتايل مقدار

١٣٤

احلصول على املال. بل هذه العوامل تنتج فئات خمتلفة يف اجملتمع الواحد فمنهم معوزين ال جيدون كفايتهم من املال الذي ينفقونه على حاجاهتم.

وهلذا جاءت عدة تشريعات إسالمية لتحقيق التكافل والتعاون وسد النقص لدى أهل االحتياج من أفراد اجملتمع ومنها:

الزكاة لسد حاجات املعوزين. إعطاء بيت املال ألهل احلاجات.

اإلنفاق الواجب على األقارب ومن تلزم نفقته.النهي عن اإلسراف والبذخ حتقيقا للتوازن االجتماعي ومراعاة لنفوس

احملتاجني.شرعت الكفارات والصدقات والقروض واهلبات وصدقة الفطر واألضاحي

والعقيقة وغريها لتحقيق مبدأ التكافل والتعاون بني أفراد اجملتمع. وهبذا قد اكتملت أركان النظام االقتصادي اإلسالمي وبشيء من االختصار

لنأتي على التفصيل يف بقية النقاط التالية. املطلب الثاني

فصل النظام االقتصادي اإلسالمي يف أهم القضايا االقتصاديةبعد التطرق إىل عموميات النظام االقتصادي اإلسالمي وأخذ فكرة عامة عنه تسمح لنا بفهم هذا النظام نأتي اآلن لتحليل أحكامه فيما خيص أهم القضايا االقتصادية اليت حريت اقتصاديي العامل أمجع بتعقيداهتا وصعوبة

الفصل فيها.

١٣٥

الفرع األول: دور الدولة يف االقتصاد اإلسالمي:

ذلك اجلهاز املؤسسي الذي يضطلع بإدارة «ميكن تعريف الدولة بأهنا شؤون اجملتمع وفق مشروع حضاري اسرتاتيجي، يف إقليم جغرايف حمدد ويف حميط جيوسرتاتيجي حيوي، لتحقيق التنمية الشاملة املستدامة اليت

يف إطارها ترتفع املقدرة اإلجنازية اجملتمعية مبا يضمن بلوغ أهداف

يعد . ١»اجملتمع وتعظيم مصاحله ومواجهة حتدياته احلالية واملستقبليةهذا التعريف شامل ملم جبميع خصائص الدولة ومكوناهتا لذا نكتفي

بإدراجه وننتقل إىل حتديد دور الدولة يف االقتصاد اإلسالمي، والذي برز كنظام مسري جلميع التعامالت االقتصادية من خالل تعاظم ذلك الدور مع

املرونة اليت اكتسبها من طبيعة النظام نفسه فكانت النتيجة رسم دور مميز للدولة يف النظام االقتصادي اإلسالمي يتميز بالدقة واملصداقية الالزمة لتنمية االقتصاد واجملتمع اإلسالمي ككل. وقد أفرزت الدقة يف رسم دور الدولة يف النظام االقتصادي اإلسالمي عدة جماالت للتطبيق وذلك كما

يلي: دور الدولة يف جمال توجيه وتنظيم احلياة االقتصادية: .١

يأتي هذا الدور يف سياق ما تقوم به الدولة يف النظام االقتصادي اإلسالمي من خالل التوجيه والتنظيم القوي ملختلف املتفاعالت يف امليدان

االقتصادي، ويسرد تاريخ الوقائع االقتصادية أعظم خطوات اإلصالح االقتصادي يف تاريخ احلضارة اإلنسانية عندما يتكلم عن سلسلة

] ٣٤-٢٤ص.ص – ٢٠٠٥[صالحي، .١

١٣٦

التوجيهات والتشريعات اليت جاءت على شكل أوامر إجبارية ونواه زجرية واليت نظم هبا النظام االقتصادي اإلسالمي كافة املعامالت االقتصادية، وما زاد األمر اهتماما هو جناح هذا الدور يف الواقع املعاش حيث كلل هذا الدور

بالنجاح التام من الناحية االقتصادية وذلك من خالل االستجابة السريعة ومستوى تأثريه. ولعل أهم سبب كان مراعاة وارتباط هذا الدور بالقيم

األخالقية واملبادئ العقائدية. فالدولة اإلسالمية أول دولة ألغت أشكال التمويل القائمة على األسس االستغاللية الربوية وأقامت نظام التمويل

القائم على املشاركات املتنوعة بني أطراف العملية االستثمارية وفق صيغ عديدة كاملضاربة واملشاركة... وجنبت اجملتمع التكاليف الكربى اليت كان

يستعملها يف ظل نظام ربوي. وأشرفت الدولة على تنظيم املعامالت التجارية حبيث قللت مبوجبها دور الوساطة االستغاللية، ومنعت حماوالت

اهليمنة واالحتكار. دور الدولة يف جمال استخدام املوارد واملداخيل: .٢

كان ترشيد استخدام املوارد اجملتمعية لب القواعد اليت جسدهتا التجربة اإلسالمية، فقد انفردت حبسن تعبئة املوارد املعنوية وتوظيفها يف عملية

التنمية االقتصادية. لعل تأكيد حرية التملك ورعاية وحفظ األموال اخلاصة والعامة، هو األمر الذي هيأ املناخ املالئم لالستخدام الرشيد

للموارد املادية، باإلضافة إىل كون الدولة اإلسالمية هي السباقة يف ميدان التحفيز على االستثمار، والتشجيع على اإلنتاج باستخدام الوسائل املالية

كالزكاة . وما جيدر اإلشارة إليه على املستوى الفكري هو ريادة الفكر

١٣٧

االقتصادي اإلسالمي يف تناول دور الدولة بالتفصيل: وخاصة ما تعلق األمر مباليتها من حيث مواردها واستخداماهتا يف الوقت الذي مازالت فيه

الدراسات الغربية يف هذا اجملال غري موجودة، وعلى املستوى التطبيقي فقد جتلى ذلك الدور االقتصادي يف امليدان عن طريق جمموعة متكاملة من

التشريعات والتوجيهات ومنظومة من املؤسسات االقتصادية واإلجراءات الواقعية.

دور الدولة يف ضمان حيوية احلركية االقتصادية: .٣مل تلتزم الدولة احلياد يف اجملال االقتصادي كما مل يقتصر دورها على

احلراسة، بل كانت متدخلة يف احلياة االقتصادية سواء يف أوقات األزمات االقتصادية أو األوقات العادية، فمن جهة شاركت يف بناء القاعدة اهليكلية االقتصادية والثقافية واالجتماعية، وحاولت تنويع مصادر إيراداهتا لتغطية

نفقاهتا العامة. فمهدت لقيام قطاع عام خمتلف الصيغ وخاص غين بالزراعة بشكل خاص. ويرجع العالمة بن خلدون حالة الرواج االقتصادي

والتنمية اليت عاشتها الدولة اإلسالمية يف أحقاب هنضتها لدور الدولة

إن الصنائع وإجادهتا إمنا تطلبها الدولة، فهي «اإلسالمية املتميز فيقول: اليت تنفق سوقها وتوجه الطلبات إليها. وما مل تطلبه الدولة وإمنا يطلبه غريها من أهل املصر فليس على نسبتها، ألن الدولة هي السوق األعظم

، وحيلل الدكتور صاحل صاحلي هذا القول فيقول:١»وفيها نفاق كل شيء ] ٣٥ص – ٢٠٠٥[صالحي، .١

١٣٨

إن بن خلدون يؤكد أن الدولة قد تكون املشرتي األساسي ملنتجات صناعة «هامة وبالتايل هلا الدور الكبري يف بقاء تلك الصناعة وتطورها، وهذه اإلشارة البارعة اليت سبقت الكينزية مازالت تشمل حمور السياسات

االقتصادية لبعض الدول الغربية احملافظة على بعض صناعاهتا اإلسرتاتيجية، ففي فرنسا كانت مشرتيات الدولة من صناعة السيارات

.»وصمودها وتطورها الفرنسية العامل احلاسم يف استمرارهادور الدولة يف محاية أسواقها التجارية وتأمني املنافذ اجملالية على .٤

املستوى اإلقليمي والدويل:كانت التجارة اخلارجية من أهم أولويات الدولة اإلسالمية وذلك لضمان

تدفق السلع واخلدمات من وإىل االقتصاد الوطين، فوضعت الرسوم اجلمركية على التجار األجانب جتسيدا ملبدأ املعاملة باملثل يف جمال العالقات التجارية للحد من إمكانية السيطرة اخلارجية على القطاع

التجاري وسد سبل التبعية التجارية. وعنيت الدولة بتوفري األمن حلركة املبادالت التجارية حفاظا على الطرق التجارية اهلامة للديناميكية التجارية

بني الدول والعامل اخلارجي، كما عملت على تنمية النشاط التجاري على املستوى اإلقليمي، وعلى املستوى الدويل نكتفي هبذا احلد فيما خيص

تدخل الدولة يف النشاط التجاري لنفصل يف هذا األخري يف نقط أخرى هلا من األمهية مبا كان.

إن احملاور األربعة السابقة الذكر تعد احملطات الرئيسية اليت صورت الدولة أو باألصح تدخل الدولة اإلسالمية يف االقتصاد لكن تبقى الصورة غامضة

١٣٩

نظرا للتفصيالت اليت جاء هبا الفكر اإلسالمي خاصة ما تعلق األمر بدور الفرد يف اجملتمع وكيفية محاية حقوقه وضمان قيامه بواجباته.

الفرع الثاني: توزيع الدخل يف االقتصاد اإلسالمي: ال يعترب النظام االقتصادي اإلسالمي التفاوت يف الدخل أمر خيل بالعدالة

مادام ذلك التفاوت حيقق حد الكفاية، فاإلسالم حيث على ١االجتماعيةزيادة اإلنتاج لكنه حيرص أيضا على العدالة يف التوزيع. ويرى النظام

االقتصادي اإلسالمي أن التوزيع العادل يتم على أساس العناصر التالية: العمل: .١

يكلف الفرد املسلم بالعمل تكليفا وشرعا وصاحب املال جمرب على توظيف رأمساله يف اإلنتاج إذ ال جيوز اكتنازه وتؤخذ منه الزكاة. ومنه تعمل الدولة

واألفراد يف النظام االقتصادي اإلسالمي على حتقيق ما يلي:إعطاء فرصة عمل للقادر عليه من خالل تزويده برأمسال ليبدأ )١

مشروعا معني. ومن هنا فإن إحدى الوظائف األساسية للزكاة هي متكني الفقراء من إغناء أنفسهم بأنفسهم حبيث يكون له مصدر دخل

يغنيه عن طلب املساعدة من غريه.تساوي األفراد يف حدي الكفاف والكفاية، وتفاوهتم بعد حد الكفاية )٢

تفاوت غري مطلق ألنه إن كان التفاوت جائزا بسبب تفاوت قدرات األفراد إال أنه ليس مطلق بل منضبطا بالقدر الذي ال يسمح للسفيه

بتبذير األموال. ] ١٠٦-٩٩ص.ص - ٢٠٠٥[لحسن شوثري، .١

١٤٠

احلياة الكرمية حتى ملن هم غري مسلمني فقد أمر اخلليفة عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه بصرف مبلغ من بيت مال املسلمني لشيخ من أهل

ما أنصفناك إذا كنا قد أخذنا منك «الذمة يسأل على أبواب الناس فقال:

.»اجلزية يف شبابك ثم ضيعناك يف كربكاملصاب بالضرر يعطى حسب حاجته وباملقدار الذي يفرج ضائقته فتخلق

الثقة والطمأنينة مما حيضر األفراد على العمل ومن ثم اإلنتاج. احلاجة: .٢

يستند النظام االقتصادي اإلسالمي يف تقدير احلاجة على أساس حد الكفاية، والذي يتناسب مع العمل واملوقع السياسي واإلداري والعلمي

واالجتماعي للفرد، كما جند عاملني أساسني يتحكمان يف ذلك مها: العمل واملوقع االجتماعي. ويتحقق حد الكفاية عن طريق إعادة توزيع الدخل

القومي والذي يقوم بعملية التنظيم هو بيت املال الذي جيمع املوارد ويتحكم باإلنفاق.

امللكية: .٣ذكرت امللكية سابقا ورأينا مدى أمهيتها وكيفية تنظيمها يف االقتصاد اإلسالمي، وما ميكن إضافته هو حسر النظام االقتصادي اإلسالمي

استغالل املوارد يف اإلنتاج النافع حقا والذي يوصف باحلالل، فالعملية اإلنتاجية يف اإلسالم البد أن تكون متكاملة ذاتيا من حيث الشكل

واملضمون، أي أن يقع الشيء املنتج يف دائرة احلالل وأن تكون وسيلة مجع عناصر اإلنتاج (كالتمويل) منسجمة مع تعليمات النظام االقتصادي

١٤١

اإلسالمي وتراعي مبدأ املنفعة االجتماعية كمقياس رئيسي خيضع له اإلنتاج ومنه امللكية. باإلضافة إىل أن إجياد توازن بني احلق الفردي واحلق

االجتماعي العام يعد أمسى أهداف االقتصاد اإلسالمي. وخنلص إىل أن الفكر االقتصادي اإلسالمي يقر بالتفاوت تبعا الختالف املواهب والقدرات

لكنه ال يقبل االستغالل والسيطرة والفجوات الكبرية سواء بني األفراد أو بني الدول. وال يفوتنا أيضا يف آخر هذه النقطة اإلشارة إىل اعتماد النظام

االقتصادي اإلسالمي على الزكاة يف توزيع الدخل فهي تعترب األداة والوسيلة الرئيسية يف عملية توزيع الدخل على اعتبارها التزام نقدي أو عيين يؤخذ

من ذوي الفائض لريد إىل ذوي احلاجة حسب ترتيب وتنظيم شرعي إسالمي. هبذا جند أن توزيع الدخل أخذ نصيب األسد يف النظام النظام

االقتصادي اإلسالمي وذلك لألمهية اليت يراها فيه هذا األخري ويف قدرة هذا املتغري (توزيع الدخل) يف لعب دور مهم يف حتقيق االستقرار على

املستوى االجتماعي ومنه االقتصادي. الفرع الثالث: النقود يف منظور االقتصاد اإلسالمي:

رغم اجلدل القائم حول مكانة ودور هذه ١تعترب النقود عصب االقتصاد األخرية فماذا يرى فيها االقتصاد اإلسالمي؟

تعريف النقود : .١تعرض كثري من فقهاء األمة اإلسالمية ومؤرخيها إىل حتليل النقود

باعتبارها ظاهرة اجتماعية مرتبطة باحلياة االقتصادية اليت هي بطبيعتها ] ٦٥- ٦٣ص.ص – ١٩٨٠[أحمد صقر، .١

١٤٢

نشاط اجتماعي إنساني، بل منهم من تفرغ لعملية حتليلها ومتابعة تطورها على غرار املقريزي يف رسالته حول "شذوذ العقود يف ذكر النقود" أو كذا أبو

حامد الغزايل، وابن خلدون وغريهم. ومنه رؤية النظام االقتصادي

وأما «اإلسالمي للنقود كما يعرفها ابن تيمية يف مصنفاته فأشار مبينا: له حد طبيعي وال شرعي بل مرجعه إىل العادة الدرهم والدينار فما يعرف

واالصطالح، وذلك ألنه يف األصل ال يتعلق باملقصود به بل الغرض أن يكون معيار ملا يتعاملون به (مقياس للقيم)، والدراهم والدنانري ال تقصد لنفسها بل هي وسيلة إىل التعامل هبا وهلذا كانت أمثانا خبالف سائر األموال، فإن

املقصود االنتفاع هبا نفسها، فلهذا كانت مقدرة باألموال الطبيعية أوالشرعية والوسيلة احملضة اليت ال يتعلق هبا غرض ال مبادهتا وال بصورهتا،

يغنينا هذا التعريف املفصل للنقود يف ١»كانت حيصل هبا املقصود كيفماالنظام االقتصادي اإلسالمي عن جل التعارف األخرى لننتقل إىل اجلزء

الثاني. نشأة النقود وتطورها يف البالد اإلسالمية: .٢

انقسم تطور النقود يف العامل اإلسالمي إىل مخس مراحل جاءت كما يلي: النقود يف اجلزيرة العربية قبل اإلسالم: -١

تداول العرب قبل اإلسالم وحدتني أساسيتني مها:.الدينار الذهيب .الدرهم الفضي ] ٤٦٦- ٤٦٠ص.ص – ٢٠٠٦[صالحي، .١

١٤٣

وكالمها يساوي مثقال من صنفه وما ميزها عدم سكها داخليا بل ترد من الدول القوية اجملاورة حيث مصدر الدينار الذهيب من قيصرية الروم بينما

وبالتايل يعترب الدينار -الكسروية–يأتي الدرهم الفضي من البالد الفارسية والدرهم من أهم العمالت املتداولة.

النقود يف العصر الراشدي: -٢أقر نيب األمة صلى اهلل عليه وسلم التعامل بالنقود املوجودة يف اجلزيرة العربية، ثم أتى التغري يف عهد عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه يف السنة الثامنة للهجرة حيث أضاف عدة كلمات على الدرهم الفارسي فأصبحت

تلك الدراهم تربز الشعار والطابع اإلسالمي وتبعه يف ذلك عثمان بن عفان رضي اهلل عنه فأضاف بعض النقوش على تلك الدراهم.

القرن -النقود يف العصر األموي والعباسي والعثماني [القرن السابع -٣ الثامن عشر للميالد]:

اتسع استعمال النقود املنقوشة بالكلمات اإلسالمية اتساع العامل اإلسالمي مع الفتوحات، وازداد اهتمام اخللفاء بتميز النقود اإلسالمية عن نظرياهتا

من اهلجرة يف عهد اخلليفة "عبد املالك بن مروان" ضرب ٧٦ ففي سنةالدينار والدراهم املعربة، وضبط وزن الدرهم الشرعي. ثم تلى ذلك التوسع

انقسام فلما اتسعت رقعة العامل اإلسالمي وخاصة يف عصر الدولة العثمانية بدأت خمتلف األقطار تضرب عملتها اخلاصة حتى وإن ميزها

الطابع اإلسالمي ما فتح اجملال لربوز عدة ظواهر على غرار ظهور النقود املغشوشة وهو ما مهد لصدور عدة دراسات وحتاليل عن النقود خصوصا

١٤٤

ما تعلق األمر بنظرية النقود الرديئة تطرد النقود اجليدة. مرحلة االستعمار الغربي للعامل اإلسالمي: -٤

سيطرت نقود الدول املستعمرة فحلت حمل النقود احمللية طيلة فرتة االستعمار وعلى مجيع أطراف العامل االستعماري، فكان الفرنك الفرنسي

العملة الرئيسية يف الدول املستعمرة من طرف الفرنسيني واإلسرتليين فيما خيص االحتالل الربيطاني.

نقود الدول اإلسالمية املستقلة حديثا: -٥استقلت النقود يف الدول اإلسالمية مع استقالل هذه األخرية شكال. فتم

استصدار عملة خاصة من طرف كل دولة مستقلة لكن بالنسبة للقيمة فارتبطت هذه األخرية وضلت حتت تبعية النقود الغربية وهو ما خلف عدة مشاكل وأزمات على مستوى الدول العربية لكن ال يسعنا حتى اإلشارة إليها

وذلك خلصوصيات البحث. إن الكالم عن النقود يف النظام االقتصادي اإلسالمي ال يقتصر على تعريفها ومكاهنا ونشأهتا فقط بل هو جمال واسع

حيتاج التخصص فيه، وما كان يف هذا الفرع ما هو إال إشارة باختصار شديد إلعطاء فكرة عن اهتمام النظام االقتصادي اإلسالمي بالدائرة

الثانية يف علم االقتصاد بصفة عامة أال وهي الدائرة النقدية بغية خدمة أهداف البحث ككل.

١٤٥

الفرع الرابع: التنمية االقتصادية:

من ١أصر الفكر االقتصادي اإلسالمي على ضرورة التنمية االقتصاديةخالل احلث على العمل واإلنتاج، كما أن العمل واإلنتاج يف نظر اإلسالم

عبادة، والفرد العامل قريب من اهلل ومثاب على عمله يف الدنيا واآلخرة. ومسألة الثواب يف الدنيا واآلخرة تعترب حمفز نفسي ومادي يف نفس الوقت حيث يعمل الفرد ليزيد ثروته وثروة أمته وبذلك له أجره الدنيوي باإلضافة

الذي أمر بالعمل -عز وجل-إىل األجر األخروي الذي يرجع إىل طاعة اهلل

قل اعملوا فسريى اهلل عملكم ورسوله «وشدد عليه يف قوله تعاىل :

). و أكثر من ذلك، اعترب اإلسالم السعي ١٠٥سورة التوبة اآلية ( »واملؤمنونإىل الرزق وخدمة اجملتمع وتنميته أفضل ضروب العبادة وهي فريضة على

كل مسلم ومسلمة. ونفصل يف ضروب رؤية اإلسالم لتنمية من خالل النقاط التالية:

الفكر اإلسالمي أول من عاجل قضايا التنمية االقتصادية: .١وضح النظام االقتصادي اإلسالمي من خالل قدامى الفقهاء أن التنمية االقتصادية ليست عملية إنتاج فقط، وإمنا هي عملية كافية يف اإلنتاج مصحوبة بعدالة يف التوزيع باإلضافة إىل كوهنا ليست عملية اقتصادية حبتة، فهي عملية إنسانية تبتغي تنمية اإلنسان وتقدمه املادي والروحي

معا. نشري أيضا إىل أن ما ورد عن التنمية االقتصادية عند فقهاء املسلمني ] ٩٣ص -١٩٨٠[شوقي الفنجري، .١

١٤٦

بغية عمارة األرض وهي املرادف لصيغة التنمية فعن سيدنا علي بن أبي

وليكن نظرك يف «يف كتابه إىل وليه يف مصر: -رضي اهلل عنه –طالب نظرك يف استجالب اخلراج، ألن ذلك يدرك إال عمارة األرض أبلغ من

. هذا وسبقت ١»بالعمارة، ومن طلب اخلراج من غري عمارة أخرب البالداملؤلفات اإلسالمية املؤلفات االقتصادية العاملية يف جمال التنمية بعدة قرون

ومن أهم تلك املؤلفات خنص بالذكر: ) ه٧٨٤ابن خلدون الذي عاجل قضية التنمية االقتصادية يف مقدمته سنة ( -

الفقيه االقتصادي "أمحد -حتت عنوان "احلضارة وكيفية حتقيقها". الدجلي" يف كتابه "الفالكة واملفلكون" يعين الفقر والفقراء وذلك يف القرن

ومنه كان الفكر االقتصادي اإلسالمي السباق إىل .اخلامس عشر ميالدي الفكر التنموي.

شرعية امللكية باعتبارها وسيلة إمنائية: .٢بامللكية ودورها تكلمنا سابقا عن امللكية لكن نسجل اآلن اعرتاف اإلسالم

(أي حافز من حوافز التنمية) بالشكل الذي الكبري، باعتبارها وسيلة إمنائيةخيدم التنمية االقتصادية بأفضل وجه. فبتنظيم اإلسالم للملكية وتفصيلها

إىل خاصة وعامة خلق انسجام كبري بني أفراد اجملتمع باإلضافة إىل أنه ضمن التوزيع العادل وهو ما وفر مناخ مالئم لقيام تنمية اقتصادية ناجعة ولقد ركز النظام االقتصادي اإلسالمي على أربع نقاط أساسية يرى فيها

]٩٤ص -١٩٨٠[شوقي الفنجري، .١

١٤٧

:١مفتاح التنمية وهيهنى اإلسالم بشدة ال مثيل هلا عن اكتناز املال وحبسه عن التداول أ.

والدليل يف ذلك من الكتاب والسنة.هنى اإلسالم عن صرف املال بغري حق يف ترف أو سفه حتى أنه وصف ب.

املسرفني باجملرمني ودليل ذلك الكتاب والسنة.ال يسلم الفقهاء للحاكم بنزع امللكية اخلاصة أو التوسع يف امللكية العامة، ج.

إال بقدر ما تقتضيه املصلحة العامة وأخصها العمران والتنمية االقتصادية.

ربط اإلسالم اإلميان باإلنفاق يف سبيل اهلل، أي يف سبيل اجملتمع د. وتعمريه. فهو يضمن بذلك التوزيع العادل لثروة اجملتمع وهو الركن

الثاني للتنمية االقتصادية. التنمية االقتصادية يف اإلسالم هي مسؤولية الفرد واجملتمع: .٣

خالفا ملا يراه النظام الرأمسايل حول قضية التنمية ورؤيته بأهنا مسؤولية الفرد ال الدولة، وخالفا ملا يراه النظام االقتصادي االشرتاكي أن التنمية هي

مسؤولية الدولة ال الفرد. النظام االقتصادي اإلسالمي يرى أن التنمية االقتصادية هي مسؤولية الفرد والدولة يف آن واحد وبعالقة تكامل، كما

أما يف النظام االقتصادي «يرى ذلك الدكتور حممد شوقي الفنجري ويقول: اإلسالمي فإهنا (يقصد التنمية) مع األساس مسؤولية الفرد والدولة معا أي

]٩٥ص -١٩٨٠[شوقي الفنجري، .١

١٤٨

. كما أقر ١»يكمل اآلخر، ولكل جماله... القطاع اخلاص والعام، كالمها اإلسالم امللكية العامة واخلاصة بل ومحاها بتنظيمات وتشريعات هتدف

إىل إحداث توازن بني القطاعني حيققان اهلدف املرجو وهو التنمية االقتصادية مبفهومها اإلسالمي "عمارة األرض". هبذا نكون قد أشرنا إىل أهم القضايا اليت ناقشها النظام االقتصادي اإلسالمي وبالتفصيل، ولكن

ال يعين أهنا كل القضايا اليت ناقشها النظام االقتصادي اإلسالمي وما ذكر ما هو إال ضرب أمثلة باختصار شديد حسب مقتضيات البحث

فقط. املطلب الثالث

أداء النظام االقتصادي اإلسالميوضعنا يف بداية البحث منهجا نقيم على أساسه أداء األنظمة االقتصادية

مل يأتي فيه ٢مستقى من مرجع سابق لكن ونظرا ألن املرجع السابقنقاش النظام االقتصادي اإلسالمي فسنحاول استعمال املنهج واالستعانة

مبراجع االقتصاد اإلسالمي. الفرع األول: النظام االقتصادي اإلسالمي حسب املعايري الدولية:

كالعادة نبدأ برسم جدول ميثل أداء النظام االقتصادي اإلسالمي من )٦خالل أهم املعايري الدولية: جدول رقم (

]٩٦ص -١٩٨٠[شوقي الفنجري، .١ النظم االقتصادية المقارنة. .٢

١٤٩

األداء املعايري جيد بشروط الكفاءة مستقر لوجود أحكام تنظمه وتسريه االستقرار عادل إىل أبعد حد توزيع الدخل

فعال، حيقق منو بشروط النمو االقتصادي التنمية عبادة: أهم ما يصب إليه النظام أهداف تنموية

حتليل اجلدول:كالعادة يف حتليل اجلدول امللخص الذي يعطي صورة عامة عن أداء النظام

من خالل الفروض املتوفرة واليت تثبت تقييمنا ألداء هذا النظام حسبما جاء على لسان أهل املعرفة كما يلي:

أصدر الباحث احلكم على كفاءة النظام االقتصادي واإلسالمي الكفاءة: .١ على أنه "جيد بشروط" لسببني رئيسيني:

.عدم وجود فروض معينة تناقش كفاءة النظام االقتصادي اإلسالمي .التطور التارخيي لواقع النظام اإلسالمي

و نسند رأينا يف هذا احلكم إىل عدة دالئل وآراء نوردها فيما يلي من نقاش. سيطر النظام االقتصادي اإلسالمي على العامل اإلسالمي منذ نشأته مع بداية القرن الثامن ميالدي حيث رسم رسولنا الكريم سيدنا

حممد صلى اهلل عليه وسلم هذا النظام من خالل ما نزل عليه من الكتاب اجمليد (القرآن) فوضع ذلك التنظيم الرباني لشؤون العباد االجتماعية

واالقتصادية والثقافية. وسار واقع االقتصاد يف العامل اإلسالمي بالشكل

١٥٠

املرغوب حيث توسع العامل اإلسالمي وازدهر كما عرف تنمية اقتصادية ال مثيل هلا، وتطور الفكر االقتصادي اإلسالمي مع ذلك التطور والتنمية اليت

عاشها العامل اإلسالمي. وهو السبب يف إصدار احلكم على أن النظام االقتصادي اإلسالمي من حيث الكفاءة جيد وقادر على رسم معامل التنمية

املنشودة من طرف اجملتمع اإلسالمي، لكن ومع مرور الزمن وتعاقب اخلالفات وظهور دول ومعامل جديدة للعامل اإلسالمي واليت اختتمت بظهور

الدولة العثمانية، بدأت بعض أساسيات النظام االقتصادي اإلسالمي تسقط رغم القوة اليت كانت متتلكها الدولة العثمانية يف ذلك العصر إىل

حيث اهنار ١)١٩) وبداية القرن التاسع عشر (١٨هناية القرن الثامن عشر (آخر صرح للنظام االقتصادي اإلسالمي وبداية غزو النهج األوروبي للعامل

اإلسالمي والذي أعلن ظهوره وبداية سيطرته. بدون التعمق يف تاريخ وأسباب اهنيار الدولة العثمانية جيمع أهم املؤرخني والفقهاء على أن سبب

اهنيار الدولة العثمانية هو ختلي حكامها عن النهج اإلسالمي وبداية انقيادهم بالنهج األوروبي الذي كان قد بدأ ثورته الصناعية وثورته ضد

العامل اإلسالمي.هبذا نربز حكمنا حيث لنجاعة النظام االقتصادي اإلسالمي جيب األخذ

بشروط معينة أمهها: االلتزام بأحكام النظام االقتصادي اإلسالمي. )١ ١. ]Fossart,1991-p110 [

١٥١

البحث يف معامل النظام االقتصادي اإلسالمي عن بدائل لالقتصاد )٢ الوضعي (املنظومة البنكية خري مثال).

أن ال حيكم النظام اإلسالمي االقتصاد فحسب بل جيب أن يرسم مجيع )٣معامل الدولة السياسية واالقتصادية واالجتماعية حتى الثقافية وهي

األساس.وهبذا نكون قد حللنا وباختصار كفاءة النظام االقتصادي اإلسالمي حسب ما

توفر من فروض. االستقرار: .٢

يعد النظام االقتصادي اإلسالمي من أحسن األنظمة من حيث االستقرار ذلك أنه يستند إىل أحكام ثابتة حتكم تنظيم معامل اقتصاده ككل (السوق،

تدخل الدولة...) والدليل يف ذلك صمود هذا النظام ألكثر من اثنا عشر قرن (من ظهور اإلسالم الهنيار الدولة العثمانية) دون هزات وأزمات اقتصادية

وإن كان هناك تقلبات كثرية حدثت على مستوى السلطة والسياسة لكن فيما خيص النهج االقتصادي فكان واحد. يعد تفرد النظام االقتصادي اإلسالمي باهتمامه باجلانب الروحي واملادي يف املعامالت االقتصادية سر استقراره،

فال يغري الربح التجار ليجعلهم حيدثون هزات يف السوق عن طريق االحتكار أو انتهاز فرصة نضوب بعض احلاجات األساسية يف اجملتمع، كما وأن طابعه املنظم من ناحية العالقة بني التجار والسلطة ثابت وجيعل التكامل فيما بني

قطاعني خمتلفني ممكن وفعال (القطاع اخلاص والقطاع العام) باإلضافة إىل أن ميزة االستقرار أهم ميزة يف االقتصاد اإلسالمي.

١٥٢

توزيع الدخل: .٣تكلمنا سابقا عن آلية توزيع الدخل يف النظام االقتصادي اإلسالمي واليت

تعد امليزة الرئيسية يف االقتصاد اإلسالمي، وكأن النظام االقتصادي اإلسالمي أسس على أساس العدالة يف توزيع الدخل وذلك برسم يتعدى

حدود التفكري البشري، فيمكن التأكيد على أنه ال ينافس أي نظام اقتصادي النظام االقتصادي اإلسالمي من حيث العدالة يف توزيع الدخل. وملا رأينا

أمهية العدالة يف توزيع الدخل وتأثريها على جناعة النظام االقتصادي وهذا يف األنظمة السابق اإلشارة هلا كان من الضروري إبراز أثر العدالة يف

١يرى الدكتور أمحد صقرتوزيع الدخل على جناعة االقتصاد اإلسالمي. متفاوتة بني الناس، فال مناص من -كذلك اإلنتاجية -إذا كانت امللكية «

حدوث تفاوت يف توزيع الدخول الفردية، والتفاوت ليس عيبا يف ذاته، إذ أنه يشكل دافعا حركيا لتحسني اإلنتاجية واملنافسة، ويسمح بإحداث تفاوت

معقول يف األذواق، الذي يؤدي بدوره إىل تنوع اإلنتاج وترقية العملية اإلنتاجية. وباختصار فإن تفاوت الدخول يف هذا املعنى يفسح اجملال للتنوع

إىل ويشحذ احلوافز لإلبداع، أما التساوي التام يف الدخول فإنه يؤدي

.٢»جتميد العملية اإلنتاجية ويصيب االقتصاد حبالة من السكون واجلمودجاء رأي الدكتور حممد صقر عن قناعة فرضها النظام االقتصادي

اإلسالمي فهو يسيطر على آليات وجيند وسائل روحية ومادية ترسخ عدالة رئيس تحري مجلة "االقتصاد اإلسالمي" بجامعة الملك عبد العزيز (السعودية). .١ ] ٧٠ص – ١٩٨٠[أحمد صقر، .٢

١٥٣

تامة يف توزيع الدخل شريطة االلتزام بأحكام هذا النظام وباخلصوص الثوابت منها فهي القاعدة األساسية ولعل أهم تلك الثوابت فرض الزكاة

وحتريم الربا ومها وجهان لعملة قوية فاألول يوفر التمويل حسب احلاجة والثانية مينع تراخي اجملتمع واعتماده على مصدر دخل غري إنتاجي

(الفائدة). النمو االقتصادي: .٤

لالقتصاد اإلسالمي عكس التضارب املوجود يؤكده الواقع واجلانب النظرييف األنظمة السالفة الذكر. حيث حقق النظام االقتصادي قفزة نوعية يف

احلياة االقتصادية للبشرية مجعاء تنم عن مفاهيم جديدة دخلت حيز التطبيق يف احلياة العملية. نقصد هنا أن النظام االقتصادي اإلسالمي مل

يأت يف شكل نظري يعرض على خمتلف األمم ملناقشة فعاليته من حيث التنمية، بل جاء كمحدد ومرسخ لعملية التنمية يف اجملتمع اإلسالمي. فلقد

بنى حضارة ميكن وصفها بصفة التمام فقد عين جبميع املشاكل االقتصادية وقدم احللول بتفصيل نضري ال نظري له وتطبيق فعال ال مثيل له وهو ما حقق منو اجتماعي، ثقايف، سياسي واألهم هو النمو االقتصادي

وذلك لتوسع العامل اإلسالمي وحيازته مكانة مرموقة بني الدول إىل أجل غري بعيد وبالتحديد عند تغيري هذا العامل هنجه فبدأ يعاني، دون التفصيل

يف مسألة قدرة النظام االقتصادي اإلسالمي على حتقيق منو اقتصادي فإنه ميكن احلكم على أنه يعد أهم نظام اقتصادي قادر على حتقيق التنمية

على األقل يف العامل اإلسالمي الذي عاش التجربة.

١٥٤

األهداف التنموية: .٥كغريه من األنظمة االقتصادية يضع النظام االقتصادي اإلسالمي مجلة من األهداف التنموية واليت وجد أساسا لتحقيقها وجتسيدها على الواقع. وملا

عاش النظام االقتصادي اإلسالمي مرحلتني أساسيتني فقد تفرقت األهداف حسب كل مرحلة.

واقع النظام االقتصادي اإلسالمي قبل أن يتخلى عنه جل أو معظم العامل اإلسالمي كان زاخرا ولعل أهم أهدافه التنموية كانت إعطاء البشرية مفهوم

آخر للحياة، من خالل رسم معامل حلضارة مبنية على العدالة االجتماعية باإلضافة إىل الرقي املادي والروحي من خالل حمو الصورة اجلاهلية

والعشوائية لالقتصاد البدائي الذي كانت تعيشه رقعة من العامل قبل أن تعرف بالعامل اإلسالمي. استمر النظام االقتصادي اإلسالمي يف حتقيق

أهدافه التنموية مع استمرار توسعه ورقيه إىل أن مت التخلي عنه أين كانت بداية لعملية أخرى عرفت بالتخلف.

األهداف التنموية لالقتصاد اإلسالمي كحل ملشكلة التخلف: .٦.إعادة بناء االقتصاد الوطين على أسس صحيحة .حتقيق االستقالل االقتصادي وتعزيز االعتماد على الذات .استخدام املوارد اجملتمعية استخدام رشيد .توزيع الثروات و املداخل توزيعا عادال إشباع احلاجات اجملتمعية األساسية ورفع مستوى املشاركة اإلنسانية يف

العملية التنموية.

١٥٥

.التحديث والتأصيل للثقافة هي مجلة األهداف التنموية لالقتصاد اإلسالمي كما يراها أستاذنا الدكتور

.١"صاحلي صاحل"ال خيتلف اثنان حول أن األهداف التنموية لالقتصاد اإلسالمي ثابتة يف مرحلتني وال يهم التفصيل أكثر مما يهم وجود أهداف تنموية هي األكثر

منطقية واألكثر فعالية لتحقيق التنمية والرقي احلضاري املنشود يف نظام هو األصلح لذلك.

الفرع الثاني: ملخص عن النظام االقتصادي اإلسالمي:خنلص يف هناية نقاشنا حول النظام االقتصادي اإلسالمي إىل أن هذا

األخري يسلك هنجا خمتلفا عن سابقيه مبا يتميز من خصائص قد ذكرت وميزات قد مت اإلشارة إليها ومبا أننا يف صدد تقييم أداء أو كفاءة النظام االقتصادي اإلسالمي فرأينا أنه من الضروري طرح بعض اآلراء للفقهاء

والعلماء كما يلي: فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي: -١

رييه ظإن النظام االقتصادي اإلسالمي خيالف ن«الشيخ القرضاوي:

، حيث يرى أن نظرة النظام االقتصادي ٢»الرأمسايل واالشرتاكي يف النظرةاإلسالمي وسطية بني الفردية واجلماعية، فهو ينظر إىل الفرد واجملتمع يف

-النظر الرأمسايل-عملية توازن بينهما، أمة وسط فال يغلب مصلحة الفرد ] ١١٧ص– ٢٠٠٦[صالحي، .١ االقتصاد اإلسالمي بين الواقع والطموح"" .٢

١٥٦

فالنظام االقتصادي اإلسالمي -النظر االشرتاكي-وال اجملتمع على الفرد يعطي الفرد وميلك الفرد، يقر امللكية الفردية ويقر احلوافز الفردية، ولكن

ال يضع هذه امللكية بغري حساب، يقلم أظافرها وحيدد مسارها، ويضع عليها قيود وتكاليف، وهكذا اجملتمع له مصلحة وتراعى مصلحة اجملتمع

ومصلحة الفئات الضعيفة يف اجملتمع . ومن أجل ذلك جند أن اإلسالم أقر وشرع الفرائض ما يقيم التوازن بني الفرد واجملتمع، وجعل هناك احملرمات،

ففي قسم املنهيات الشرعية ما يقيم هذا التوازن ويقيم العمل وأهم ركيزتني يف النظام االقتصادي اإلسالمي أمرين بارزين جدا يف أمور

املأمورات واملنهيات: فريضة الزكاة وهذه دعامة من دعائم النظام االقتصادي اإلسالمي ويف اجلانب اآلخر جند حتريم الربا وحتريم االحتكار

وحتريم الضرر الذي يسبب النزاع واجملازفات وهو أساس اخلالف بني النظام االقتصادي اإلسالمي والوضعي. وخيالف الوضعي أيضا يف كونه

ليس هدفه ماديا فقط، بل يتميز بأنه اقتصاد أخالقي عكس الوضعي الذي يرى أن الشيء املهم يف االقتصاد حتقيق املكاسب املادية، إمنا النظام

االقتصادي اإلسالمي البد أن يرتبط باألخالق يف عمليات االقتصاد األربعة األساسية: إنتاج ، استهالك، تداول وتوزيع...

ونظن أيضا أن رأي الشيخ يوسف القرضاوي قد خلص لنا جوهر النظام االقتصادي اإلسالمي لكن مل يفصل فيه كل التفصيل وهو ما حيتم النظر

يف آراء أخرى.

١٥٧

األستاذ "مناع خليل القطان": -٢يؤكد األستاذ "مناع خليل القطان" على أن هنج النظام االقتصادي اإلسالمي

واضح خاصة ما تعلق األمر مبسألة امللكية ويوضح ذلك، على أن اإلسالم أعطى خصوصيات كثرية هلذه القضية (قضية امللكية) وهو ما متيز به حيث

يؤكد ما مت ذكره سابقا على أن اإلسالم راعى عدة مبادئ يف منهجه يصنفها الدكتور كاآلتي:

:مراعاة الغريزة والفطرة يف امللكية اخلاصة وامللكية العامة يؤكد األستاذ مناع على أن حسب التملك من الغرائز األصلية يف النفس

البشرية، يقرر هذا علماء النفس، ويشهد له الواقع. ليأتي دور النظام االقتصادي اإلسالمي ويؤكد هذا احلق للفرد وينمي فيه هذه الغريزة

باحلث على الكسب وإباحة امللكية الفردية من وسائلها املشروعة. يف نفس الوقت يراعي النظام االقتصادي اإلسالمي جانب حب التملك، الشعور

االجتماعي الفطري يف اإلنسان، حيث يشعر كل فرد أنه عضو يف أسرته، وأن أسرته عضو يف األسرة االجتماعية الكبرية أي يف اجملتمع الذي يعيش

فيه، لذا يضع النظام االقتصادي اإلسالمي إىل جانب امللكية اخلاصة للفرد حقوقا اجتماعية، أو ملكية مجاعية للمصاحل العامة. وهو التفرد

واالختالف عن باقي األنظمة االقتصادية.:احلرية االقتصادية احملدودة بنطاق احلالل واحلرام والقيم األخالقية

يتفق األستاذ مناع مع ما ذكر سابقا حول احلرية االقتصادية احملدودة ويضيف أن النظام االقتصادي اإلسالمي يستنفر غريزة حب التملك لتكون

١٥٨

حافزا قويا على العمل، فإنه ال يعطي هلذه الغريزة حريتها املطلقة، و إمنا يقيدها باحلالل واحلرام والقيم األخالقية اليت جاء هبا اإلسالم لتحافظ

على تكتل وتكامل اجملتمع. وقد أتت التجربة اإلسالمية يف هذا مثارها الطيبة يف صدر اإلسالم، خيرج كثري من أبناء هذه األمة من ماله ابتغاء

مرضاة اهلل.وفجرت تلك التجربة يف النفس البشرية إمكاناهتا املثالية العالية ومنحتها رصيدا روحيا زاخرا مبشاعر العدل واخلري والرب واإلحسان، وبرهنت على كفاية اإلنسانية وجدارهتا خبالفة األرض، واستأصلت من النفس البشرية

عناصر الشر ودوافع الظلم والفساد.

:التوازن والتكافل شرع اإلسالم أمناط متعددة للتكافل االجتماعي، بدأت يف بناء اجملتمع

اإلسالمي األول باملؤاخاة بني املهاجرين واألنصار. تلك املؤاخاة اليت بلغت درجة اإليثار، فكان األنصاري يؤثر أخاه املهاجر على نفسه.

واإلسالم ال يعتمد يف حتقيق التكافل االجتماعي على األوامر الصارمة امللزمة، إمنا يستجيش نفس املؤمن، ليوقظ الدوافع اإلميانية. فيصل الغين الفقري، وميد يده إليه يف إخاء ورمحة، تستل بواعث احلقد الطبقي، وحتول

دون انتزاع املال بالقوة.من خالل هذه املبادئ اليت يرى فيها األستاذ مناع أهنا القاعدة الصلبة اليت بين عليها االقتصاد اإلسالمي، فإنه يرى يف النظام االقتصادي اإلسالمي

هو حل لألمة اإلسالمية فيما خيص مشكلتها االقتصادية سواء البدائية أو

١٥٩

ما بلغته من تطور ويقول يف ختام رأيه حول كفاءة النظام االقتصادي إن مهمة املسلمني إزاء ما حيدث من مشكالت، أن يطوعوا «اإلسالمي

احلياة لإلسالم وأن يطوعوا اإلسالم ملشكالت احلياة، والنظام االقتصادي اإلسالمي سريتبط ارتباطا وثيقا بالعقيدة اإلسالمية، ومفاهيم اإلسالم عن

الكون واحلياة و اإلنسان. وهو جزء من اإلسالم الذي ينظم شتى نواحي احلياة يف اجملتمع، فال جيوز لنا أن نفصل النظام االقتصادي اإلسالمي عن

جوانب اإلسالم األخرى، وال تستطيع األمة اإلسالمية حتقيق أسباب

.١»السعادة و الرفاه إال إذا أخذت اإلسالم كال ال يتجزأ ...هو الرأي الصريح لألستاذ مناع رغم كونه متخصص يف القضاء ال

االقتصاد لكنه يرى يف النظام االقتصادي اإلسالمي مفتاح الرفاه والسعادة املنشودة وهو ما يضعه علم االقتصاد هدفه املنشود. كما يشدد على أن النظام االقتصادي اإلسالمي هو جزء من نظام ال يتجزأ ومفتاح جناعة

النظام االقتصادي اإلسالمي هو التقيد بالنظام العام والذي يعرب عنه بكلمة واحدة "اإلسالم".

هنا وقبل رصد أي نتائج يتضح من خالل الدراسة البسيطة اليت قمنا هبا حول النظام االقتصادي اإلسالمي، أن هذا األخري مبين على أساس فكري

إسالمي، والذي بدوره يلغي العادات والرواسب الفكرية السيئة يف اجملتمع ، مما جيعل هذا األخري (اجملتمع) أكثر كفاءة وأفراده أكثر إنتاجية وهي بكل

بساطة فكرة التنمية. ] ١٤٢ص– ١٩٨٠[خليل القطان، .١

١٦٠

ذلك من خالل اإلحساس الذي يفرضه الفكر اإلسالمي من مسؤولية اجتاه العمل بشكل فعال انطالقا من العقاب واملراقبة للذات يتمان على مستويني

دنيوي و أخروي.ثم تأتي الثقة اليت يفرضها النظام االقتصادي اإلسالمي بني أفراد اجملتمع

بعدالته االجتماعية (ثقة املواطن بالسلطة والعامل برئيسه يف املؤسسة)، واليت تلعب دور احملفز.

ويف ختام هذا املبحث والذي تناولنا فيه واحد من أهم األنظمة االقتصادية اليت عرفتها البشرية البد أن خنلص إىل نتيجتني حول هذا األخري مفادمها:

إن جل األفكار اليت متخضت عن دراسات املفكرين املسلمني يف هذا -العصر حول النظام االقتصادي اإلسالمي جاءت وكأهنا: تأتي بنموذج

رأمسايل أو اشرتاكي ثم حتاول حتويره ليصبح مبا يسمى "بالنظام االقتصادي اإلسالمي "، حيث كل مفكر يناقش أهم القضايا أو النظريات

الرأمسالية و االشرتاكية من وجهة نظر إسالمية، دون األخذ جبوهر النظام االقتصادي اإلسالمي والذي هو قائم حبد ذاته، وله أسلوب دراسة متميز

ومجلة من النقاط اليت ال ميكن اعتبارها نظريات. النظام االقتصادي اإلسالمي؛ مجلة من األحكام والتشريعات الربانية اليت -

نظمت التعامالت االقتصادية يف اجملتمع اإلسالمي لفرتة فاقت االثين عشر قرنا (من هناية القرن السادس إىل هناية القرن الثامن عشرة) وهي الفرتة

اليت تكفي للحكم على أنه النظام األجنع الذي ميكن أن ختتاره األمة اإلسالمية لتسري قضاياها وحل مشكلتها االقتصادية.

١٦١

وهو اإلطار النظري الذي يثبت ذلك أما الواقع احلايل فرأي مجلة من علماء االقتصاد يف العامل اإلسالمي يكفي والذين يروا يف هذا النظام أنه األجنع

أما الرأي اخلاص فليس مطلوب وإن أتى فسيكون يف هناية البحث ألن اهلدف من البحث يقتضي ذلك.

١٦٢

خالصة الفصلما نوقش يف هذا الفصل هو كتلة نظرية بالغة األمهية حيث ناقشنا

أساسيات النظام االقتصادي يف املبحث األول لنتعرف على أهم مكوناته أي متى نطلق على مركب أنه نظام اقتصادي، مزاياه، أنواعه وأخريا آليات

تقييمه، ما مهد لنا الدخول يف دراسة عامة حول أهم األنظمة االقتصادية اليت عرفتها البشرية.

فكانت البداية من "النظام االقتصادي الرأمسايل" الذي يرى يف الفرد احملرك األساسي للتنمية االقتصادية فأعطاه كل الصالحيات واحلرية اليت

ختدمه وختدم اجملتمع بطريقة غري مباشرة، كما ركزت جل نظريات هذا النظام على أن حمور التوازن فيه وهو "السوق"، حبيث يكون احلكم واحلل

جلميع املشاكل االقتصادية وبذلك قلصوا دور الدولة، وكل هذا جاء يف نظريات حتدث عنها وأكدها رواده من آدم مسيث املؤسس إىل آخر

الليرباليني اجلدد باإلضافة إىل مجلة من القضايا ختصص يف دراستها النظام االقتصادي الرأمسايل واليت ذكرنا منها ما تيسر بالشيء املختصر.

ثم انتقلنا إىل "النظام االقتصادي االشرتاكي" الذي يقدس العمل اجلماعي؛ ويرى أن حمرك التنمية االقتصادية هو تلك الكتلة االجتماعية، فاجملتمع ال

الفرد من حيفز التنمية، فتضافر اجلهود هو ما حيقق الرفاه االجتماعي ومنه الرفاه الفردي، ويف منهجه جند أن الدولة هي الوصي على التنمية، فهي اآللة أو الرأس املدبر معتمدة على التخطيط كآلية لتحقيق األهداف وبدأ يدمج بعض الوسائل األخرى اليت تساعد على التنمية ما إن اقتضت

١٦٣

الضرورة ذلك، وهي األشياء اليت ذكرنا منها ما تيسر رغم عدم وضوح آليات عمل هذا النظام عكس سابقه ذلك أن جل الدراسات جاءت ملعاجلة

قضايا آنية كانت تسبب مشاكل اقتصادية أعجزت النظام وسارعت يف تالشيه.

ختمنا الفصل بنظام اقتصادي هو املتميز "النظام االقتصادي اإلسالمي"، فاختالف سابقيه عن بعضهما مل ينفي وجود نقاط تالقي (كاألهداف)،

فنظرته املختلفة للحياة البشرية واإلنسانية يف حد ذاهتا هي السبب الرئيسي يف ذلك، ما أعطى نظام يعتمد على مصادر خمتلفة و هو ما رأيناه

وما حاولنا إبرازه يف املبحث األخري من الفصل.وحوصلة الفصل تنتهي بطرح سؤالني أو تساؤلني قد طرحا يف مقدمة

البحث ومها جزء من اإلشكال املطروح والذي سنحاول اإلجابة عنه فيما تبقى من البحث:

ملاذا مل جند نظام اقتصادي واحد؟

وملاذا قادتنا الدراسة إىل إجياد عدة أنظمة ختتلف جذريا عن بعضهاالبعض، رغم أننا مل نتعمق الدراسة ومل نوسع رقعة البحث لتشمل مجيع

مناطق العامل؟

كلها أسئلة، حتليلها واإلجابة عنها يقودنا لفهم اإلشكالية وسبب طرحها ومناقشتها.

مالحظة: االشرتاكية غلب عليها اجلانب النظري والتارخيي، أين فشل التطبيق. والرأمسالية غلب عليها التطبيق وحدوث بعض الضربات

١٦٤

مما أدى إىل نشوء التيار النظري رغم أنه مل يكن بقوة اإلقناع االشرتاكي.يف حني جند أن النظام االقتصادي اإلسالمي سري أمة كاملة وملدة ليست

بقليلة دون ما يكون فيه أي تنظري أو دراسات للتطبيق، لكن هذا ال يعين أن اجلانب النظري والتطبيقي كانا غائبني، بل كانا مها الركيزة اليت مكنته من الصمود لقرون، أما التقصري فكان يف الدراسات املستوحاة من هذا النظام،

فلم تنشأ نظريات تفسر الواقع، ليتم جتريبها وتطبيقها فيما بعد.

١٦٥

الفصل الثاني

الثقافة االجتماعية

١٦٦

متهيد:بعد التطرق إىل املتغري األول يف العالقة موضوع الدراسة آال وهو "النظام

االقتصادي"، كان من الضروري التطرق إىل املتغري الثاني "الثقافة االجتماعية" وحماولة اإلملام جبوانبه اليت تساعد يف فهم املوضوع.

يف بداية احلديث عن الثقافة االجتماعية نشري إىل خصوصية هذا املتغري الذي هو حكر على املختصني يف علم االجتماع (علم االجتماع الثقايف)،

وجترأنا على هذا املتغري يندرج يف ظل ضرورة أمهية املوضوع.كما سبق وأشرنا إىل أن الثقافة االجتماعية هي ضرب من ضروب علم

االجتماع لذا فإننا ويف صدد دراسة هذا املتغري سنخضع لقوانني علم االجتماع فيما خيص األسلوب واملنهج، وحناول بشيء من االختصار إيصال

الفهم البسيط هلذا املتغري للوصول إىل هدف البحث.ونظرا لتعقيد هذا املتغري وارتباطه بالكثري من املتغريات األخرى سواء يف علم االقتصاد أو علم االجتماع فإننا سنكتفي باإلشارة إىل تلك املتغريات بتعريف مبسط أو بطرح نظري فقط دون التعمق والتفصيل فيها، جتنبا للدخول يف متاهات تفقدنا السبيل للوصول إىل اهلدف الرئيسي وهو ما

تقتضيه الدراسة.

١٦٧

املبحث األول مفهوم الثقافة االجتماعية وأساسياهتا

نعرض يف هذا املبحث أهم التعاريف اليت حاولت الوصول إىل مفهوم الثقافة االجتماعية، من خالل اجتهادات مجلة من علماء االجتماع على مر العصور. باإلضافة إىل تقديم مجلة من العناصر اليت تعترب هامة لتقريب املفهوم أكثر،

واليت نعدها هي األساسية لتقريب مفهوم الثقافة أكثر. املطلب األول

مفهوم الثقافة االجتماعيةالرائحة" شبهت الثقافة بالنسبة إىل جمتمعها كالرائحة للزهرة، لكن "تلكأن خيتلط ظلت تفوح وتتكثف وتورق وتتشعب فروعا وأغصانا حتى أوشك

يف "باقة" من أمرها مع أمر الزهرة ذاهتا، وتعددت بالتايل أوصاف الثقافةجتمع بني تعريفا، تؤكد يف جمملها أن الثقافة ١٥٠التعريفات زادت على

كوهنا منتجا وإنتاجا. أو امسا وفعال باستخدام املقابل اللغوي، هكذا يديل

بدالئه يف التعريج على الطرح العام لتعريفات الثقافة. ١الدكتور "نبيل علي"من هذا املنطلق ونظرا لتعقيد هذا املتغري (الثقافة االجتماعية)، نرى من

الضروري التطرق إىل عدد معترب من التعاريف تويف حق املتغري دون التطرق إىل جل تلك التعاريف اليت من املمكن أن تفقدنا اهلدف الرئيسي للبحث.

نبيل علي"، مناقشا تعاريف "وعلى عكس املخاض الذي تطرق إليه د. الثقافة على كوهنا منتجا أو إنتاجا. فالطريق الذي اخرتناه هو مناقشة

]١٢٦ص-٢٠٠١[نبيل علي، .١

١٦٨

تعاريف الثقافة من ناحية مصدرها (الفكر العربي والفكر الغربي). الفرع األول: الثقافة االجتماعية يف الفكر العربي:

أصل كلمة الثقافة عند العرب: .١ وثقف الرمح أي قومه وسواه. الثقاف وهو األداة اليت تسوى هبا الرمح،

ويقال إن الرمح أصبح مثقفا، وثقف الشيء أقام املعوج منه وسواه، واإلنسان ويستعار هبا للبشر فيكون الشخص مهذبا ومتعلما أدبه وهذبه وعلمه.

ومتمكنا (أساسا هي احلذق والتمكن) من العلوم والفنون واآلداب، فالثقافة للعلوم واملعرفة يف شتى جماالت احلياة، فكلما اجملتمعهي إدراك الفرد و

زاد نشاط الفرد ومطالعته واكتسابه اخلربة يف احلياة زاد معدل الوعي الثقايف لديه، وأصبح عنصرا بناء يف اجملتمع. وكان أول من استعمل

يف العصر احلديث عند العرب هو Cultureمصطلح ثقافة ليقابل به لفظة

.١سالمة موسى أما الثقافة عند أهم رواد هذا امليدان يف الفكر العربي فهي كما يلي:

مفهوم الثقافة عند "د. نبيل علي ": .٢يف حماولة جادة حلصر مفهوم الثقافة والذي كما أوردنا سابقا أنه يتعدى

، عرض الدكتور "نبيل" طرح يصنف فيه مجلة التعاريف يف ٢تعريفا ١٥٠ ستة أصناف كما يلي:

] ٢٠٠٧[ويكيبيديا، .١ ]١٢٨-١٢٧ص ص-٢٠٠١[نبيل علي، .٢

١٦٩

أ) الثقافة كنسق اجتماعي:والعادات واملمارسات االجتماعية قوامه القيم واملعتقدات واملعارف والفنون

واألمناط املعيشية.

ب) الثقافة كإيديولوجيا: الذي يرى الفرد من خالله ذاته تعرف الثقافة يف إطارها بصفتها املنظار

على األمور أيضا. وجمتمعه، وبصفتها أيضا معيار احلكم

ج) الثقافة بوصفها انتماء: وطابع احلياة اليومية للجماعة تعرب عن الرتاث واهلوية واحلمية القومية

الثقافية.

د) الثقافة بوصفها تواصال: من خالل نقل أمناط العالقات واملعاني واخلربات بني األجيال.

ه) الثقافة بصفتها دافعا: والتصدي لصنوف الظلم. على االبتكار واإلبداع والنضال ضد القهر

و) الثقافة بوصفها حصاد متجدد:والتفاعل معه وإدماجه يف مسار احلياة يتم استهالكه وإعادة إنتاجه

اليومية. وهنا يربز مفهوم "إعادة اإلنتاج " ويقصد به ثقافيا إعادة النشر ونسخ الربامج وجتديد استخدام الرتاث وما شابه، وقد أصبح والتسجيل

اقتصاد هذا ا ملفهوم بال منازع باعتباره احملور الرئيسي الذي يدور حولهاملنتج عصر املعلومات، والعامل األساسي يف إعادة تشكيل العالقات بني

.واملستهلك واملبدع واملتلقي والناشر واملؤلف

١٧٠

ذلك الشائع الغامض،«كما حيوصل الدكتور "نبيل" مفهوم الثقافة يف كوهنا: الواقع خارج حدود الوعي الفردي واجلماعي، الغائر يف العادات و أمناط

.١»السلوك اليت تؤخذ عادة كقضايا مسلم هبا مفهوم الثقافة عند "عبد الغين عماد": .٣

الثقافة هي فعل تفاعل يرتجم إدراك اإلنسان بكافة جتلياته الفطرية «والرتكيبية، وجيد املرء يف الثقافة، خاصة االجتماعية منها مناذج جاهزة

صداقية كبرية يف بيئته ووسطه، يعمد إىل تبنيها بشكل تلقائي محتوز على

مفهوم الثقافة، اليت تندرج حتت «ثم يضيف: . ٢»كوهنا شائعة ومعممةاجتاهني، األول اجتاه واقعي يرى الثقافة كل ما يتكون من أشكال السلوك

املكتسب اخلاص مبجتمع أو مجاعة معينة من البشر، والثاني اجتاه جتريدي يرى الثقافة جمموعة أفكار جيردها العامل من مالحظته للواقع احملسوس الذي يشتمل على أشكال السلوك املكتسب اخلاص مبجتمع أو

وقد يكون التعريف السوسيولوجي للثقافة يشمل املقاربات .»جبماعة معينةاألخرى لفهمها (األنثروبولوجية واأليديولوجية)، باعتبارها (الثقافة) حتليال

لطبيعة العالقات والرتابطات املوجودة بني أمناط اإلنتاج الفكري ومساته العامة من جهة، ومعطيات البنية االجتماعية بكل أبعادها االقتصادية والسياسية والبيئية، التارخيي منها واملعاصر من جهة أخرى، وبالتايل

دراسة وظائف هذا اإلنتاج الفكري وآلياته وتفاعالته يف اجملتمعات على ]١٢٨ص-٢٠٠١[نبيل علي، .١ ] ٢٠٠٦[عماد، .٢

١٧١

فالثقافة كمفهوم سوسيولوجي تشمل كل ما يف البعد على مستوياته كافة. األدبي والرتاثي واملسرحي والفين، كما تشمل البعد األنثروبولوجي الذي

يطال األدب والفن، ويطال حقل التعابري اليت نطلق عليها عادة صفة "اجتماعية"، إذا الثقافة هي حاضر ومستقبل من املنظور السوسيولوجي.

الثقافة يف مفهوم مالك بن نيب: .٤أضاف مالك بن نيب عنصر أساسي ملفهوم الثقافة الق من خالله اهتمام

كبري يف هذا النوع من الدراسات، فهو يرى أن مفهوم الثقافة ال يقتصر على األفكار فقط، وإمنا يضم أسلوب احلياة يف جمتمع معني، وخيص السلوك

االجتماعي ذاته. والحظ أيضا أن ثقافة أي جمتمع من اجملتمعات هي انعكاس للواقع املوضوعي لذلك اجملتمع بكل ما فيه من ماديات ومعنويات،

هي جمموعة من الصفات «فالثقافة كما عرفها يف كتابه "مشكلة الثقافة": اخللقية والقيم االجتماعية اليت تؤثر يف الفرد منذ والدته لتصبح ال

شعوريا؛ تلك العالقة اليت تربط سلوكه بأسلوب احلياة يف الوسط الذي ولد

. ١»فيه، فهي على هذا: احمليط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيتهوحني تتكون ثقافة جمتمع ما هبذا الشكل فإهنا ختلق تارخيه حيث تولد

العالقة بني الثقافة والتاريخ، إذ ليس مثة تاريخ بال ثقافة. ] ٦٨،ص١٩٩١[السويدي، .١

١٧٢

الفرع الثاني: الثقافة االجتماعية يف الفكر الغربي:

الطرح العام: .١كما سبق و أن أشار الدكتور نبيل إىل تعدد مفاهيم الثقافة فإننا جند يف

التفكري الغربي من يسانده الرأي، فلقد أحصى كل من "ألفرد كروبر

ALFRED KROEBERو"كاليد كلوكهون " CLYDE

KLUCKOHN تعريف خمتلة عن مصطلح ١٢٠٠" قائمة مبا يزيد عن

"Culture" :أي الثقافة يف كتاهبما "Culture: a critical review of

concept and definition" :من ويكيبيديا ، املوسوعة احلرةاذهب إىلعندما نتحدث عن مصطلح الثقافة، يشري املصدر اللغوي حبث، تصفح

واملفهوم املتبادر للذهن واملنتشر بني الناس إىل حالة الفرد العلمية الرفيعة

" يف اللغات Cultureاملستوى، فإن استخدام هذا املصطلح كمقابل ملصطلح "األوروبية جيعله يقابل حالة اجتماعية شعبية أكثر منها حالة فردية. حيث

كان املفهوم الغربي وهو األكثر مشوال: تتكون الثقافة من جمموعة من العادات والقيم والتقاليد اليت تعيش وفقها مجاعة أو جمتمع بشري، بغض النظر عن مدى تطور العلوم لديه أو مستوى حضارته وعمرانه. ويستخدم

مصطلح الثقافة وفق املفهوم الغربي لإلشارة إىل ثقافة اجملتمعات . ٧اإلنسانية، وهي طريقة حياة متيز كل جمموعة بشرية عن جمموعة أخرى والثقافة يتم تعليمها ونقلها من جيل إىل آخر؛ ويقصد بذلك جمموعة من

١. ]WIKIPEADIA,2007 [

١٧٣

األشياء املرتبطة بنخبة ذلك اجملتمع أو املتأصلة بني أفراد ذلك اجملتمع، ، التقاليد احملببة، حبيث تصبح قيما الشعبية، الفنون املوسيقىذلك ثلوم

). األوروبينيتتوارثها األجيال (ومثال ذلك الكرم عند العرب، الدقة عند املفهوم الفرنكوفوني: -١

" أي الثقافة يف املفهوم الفرنسي هي جمموعة املعارف Cultureمصطلح " العامة للفرد وهو التعريف الوحيد الذي جاءت به املوسوعة الوطنية

". وحددت املعرفة العلمية يف BESCHERELLE" ١٨٦٢الفرنسية لعام املقام األول، ثم تطور هذا املفهوم يف منتصف القرن العشرين، وذلك من

، والذي أعطى مفهوم ١٩٨٠" لعام LAROUSSEخالل املوسوعة الشهرية "يزيد عن األول بكون الثقافة مفهوم مجاعي باإلضافة إىل املفهوم الفردي املعروف سابقا. حيث عرفت الثقافة بأهنا: جمموعة اهلياكل االجتماعية

والدينية...كما أهنا تظاهرة فكرية، فنية. .. واليت متيز جمتمع ما وهو املفهوم العام.

املفهوم األجنلوسكسوني: -٢

" واملرادف لكلمة ثقافة عندنا ويف اللغة الالتينية Cultureمصطلح "

"Cultura"عموما توحي إىل نوع معني من النشاط اإلنساني باإلضافة إىل ١ .كوهنا هيكل رمزي يعطي لكل نشاط معنى. واختلف مفهوم الثقافة عند

األجنلوسكسونني، حسب اختالف النظريات، وعمم عندهم مفهوم الثقافة حبيث أصبح يعين كل ما ينتجه الفرد أو جمموعة جزئية من اجملتمع، ويزيد

١. ]WIKIPEADIA,2007 [

١٧٤

التعريف األجنلوسكسوني عن نظريه الفرنكوفوني عن كون األول يضيف التكنولوجيا والفن والعلم إىل مركبات الثقافة، ويتفق مع الثاني يف األجزاء

األخرى "النظام الذهين، والسلوك املميز...اتفق علماء األنثروبولوجيا

" لإلحياء على Cultureاألجنلوسكسون على استعمال مصطلح الثقافة "املقدرة العامة لإلنسان يف التصنيف، التفسري واالتصال باإلضافة إىل

اخلربة الرمزية. تقسيم مفهوم الثقافة: -٣

من خالل التعريف الفرنسي اتضح أنه يوجد نوعني من املفاهيم: :تسلك بعد اإلنشاء والبناء، فهي البناء الشخصي الثقافة الفردية

 جملموعة من املعارف وهي قريبة من مفهوم التعليم.

:يقصد هبا وحدة تثبيت اهلوية، فهي مرجع للقيمة الثقافة اجلماعيةاملرتبطة (بتاريخ أو فن مدمج متاما يف جمتمع) كما أهنا ال تتطور إال

ببطء شديد بالعكس فإن قيمتها متيل إىل االستقرار والثبات والتذكري بالتاريخ. ومنه فثقافة اجلماعة هي اهلوية الثقافية للمجتمع.

إن التمحيص يف النوعيني السابقني "الثقافة اجلماعية مالحظة هامة:والفردية " يبني أهنما ينطويان على تناقض فيما بينهما، حيث جند أن

الثقافة اجلماعية غري مرنة بالنسبة للتطور عكس الثقافة الفردية اليت هي يف تطور مستديم. كما يتم التفريق بني هذين املفهومني من خالل ثالثة

عوامل هي: الذي هو دائما يف تطور، ال يرتبط فقط مبفهوم الثقافة الفردية، فهو العلم:

١٧٥

 أحد املركبات األساسية للمصطلح (مصطلح الثقافة).

الثقافة الفردية حتوي املعارف الفنية والتارخيية واليت الفن والتاريخ: ختتلف بدورها حسب اختالف الثقافات اإلنسانية، وجند أن تلك املعارف

تنبثق من الثقافة اجلماعية (أي من جممل إفرازات الثقافة اجلماعية )واليت ينتمي إليها الفرد. كخالصة هلذا التداخل بني املفهومني جند أن الثقافة

الفردية تعترب جممل املعارف املكتسبة من الثقافة اجلماعية من خالل ارتباط وثيق بني املفهومني. كما جند أن مصطلح الثقافة الفردية يفسر على

و تفصيل الفكر الغربي حول أنه جمموع املعارف املرتبطة بالفن والتاريخ. الثقافة جاء على لسان أهم رواد هذا امليدان كما يلي:

:(١٩٧٥-١٩٠٠) LESLEY WHITEلسلي وايت مفهوم الثقافة عند" .٢

نظريته يف تعريف الثقافة على اجتاهني مها: ١بنا "لسلي وايت""كل" يتكون ذا االجتاه أن الثقافة هي يرى أصحاب هاالجتاه الواقعي: -١

من أشكال السلوك املكتسب اخلاص مبجتمع إنساني معني، أو جبماعة معينة من البشر.

يرى أصحاب هذا االجتاه أن الثقافة هي جمموعة االجتاه التجريدي: -٢من األفكار جيردها العامل من مالحظته للواقع احملسوس الذي يشتمل على

أشكال السلوك املكتسب اخلاص مبجتمع إنساني معني أو جبماعة معينة من البشر.

أول باحث حاول التأسيس منظوميا لنظرية عامة للثقافة وهو عالم أمريكي مشهور في األنثروبولوجيا الثقافية، .١

يا نظريته هذه "علم الثقافة" Culturologyمسم

١٧٦

األشياء واألفعال ذات املعنى، «"وايت" إىل تعريف الثقافة بأهنا: وقد خلص

وهو أعقد طرح طرحه "وايت" ١»واليت تدرس يف اإلطار خارج الشخصثم زاد "وايت" عبارة يف حتليله للثقافة فاعتربها وطرح يف موضوع الثقافة.

" مقسمة إىل جمموعة من "املنظومات التحتية" System"منظومة

Subsystems (أو منظومات دنيا)، و قد قسمها "وايت" منذ أواسط القرن

 كما يلي: ٢"١٩٤٩العشرين يف كتاب "علم الثقافة، نيويورك،

تتكون املنظومة التحتية التكنولوجية من . املنظومة التحتية التكنولوجية: ١األدوات أو التجهيزات اجملسمة ماديا ومن تقنية استخدامها، اليت بفضلها جيري تفاعل األفراد واجلماعات البشرية مع الوسط الطبيعي (وقد أدخل

"وايت" يف هذا الباب: أدوات اإلنتاج، وسبل املعيشة، ومواد بناء املساكن، ووسائل اهلجوم والدفاع). كما يعترب التكنولوجيا حامسة ورئيسة يف تطور

الثقافة وقيامها بوظائفها (على عكس ما بقي من املنظومات املوالية).تتضمن املنظومة التحتية االجتماعية . املنظومة التحتية االجتماعية: ٢

العالقات بني الناس، وما يقابلها من أمناط السلوك (وهذا يشمل منظومات القرابة، واملنظومات االقتصادية والسياسية واألخالقية واحلربية واملهنية).

املنظومة التحتية اإليديولوجية املكونة . املنظومة التحتية اإليديولوجية:٣من األفكار واملعتقدات واملعارف، اليت جيري التعبري عنها مبساعدة احلديث

(الكالم) واألشكال الرمزية األخرى؛ وهي تضم أيضا اخلرافة والدين ] ٥٦،ص١٩٩١[السويدي، .١ ] ٢٠٠٥[سالمة، .٢

١٧٧

واألدب والفلسفة والعلم واحلكمة الشعبية. : وهذه األخرية أضيفت إىل منظومة "الثقافة" . املنظومة التحتية السلوكية٤

).١٩٥٩الحقا يف أحد أعمال "وايت" حول تطور الثقافة، (نيويورك، "ماركس": مفهوم الثقافة عند .٣

كل ما ابتدعه (خلقه) اإلنسان: أي إهنا «عرف ماركس الثقافة على أهنا: عامل اإلنسان، أو "الطبيعة الثانية" وهذا يف أعماله املبكرة نسبيا

. »١)١٨٥٩-١٨٥٧(املخطوطات االقتصادية، أصناف تعاريف الثقافة حسب األمريكيني "كلوكهون وكروبر": .٤

بدأت مسرية العاملني يف البحث عن تعريف صحيح وشامل للثقافة، بتفحصهم ملا يزيد عن مائة وستني تعريفا صاغها علماء األنثروبولوجيا،

فكانت النتيجة أهنما مل جيدا من بينها تعريفا مقبوال. لذا كان عليهما تصنيف هذه التعاريف وحماولة اإلملام مبفهوم الثقافة وذلك كما يلي:

يشتمل جمموعة التعاريف اليت تأخذ بعني االعتبار التعريف الوصفي: أ.عنصري الثقافة املادية والالمادية، وجتمع تلك التعاريف على كون

الثقافة تنطوي على كل مظاهر العادات االجتماعية وردود أفعال األفراد، كما تنطوي على نتاج األنشطة اإلنسانية اليت صيغت يف إطار

هذه اجلماعات ويعترب أهم رواد هذا الصنف من التعاريف العامل

.٢"BOAS"فرانس بواس ] ٢٠٠٥[سالمة، .١ ] ١٤،ص١٩٩١[السويدي، .٢

١٧٨

جتمع التعاريف اخلاصة هبذا الصنف على أن التعريف التارخيي: ب.الثقافة هي: الوراثة الكلية للجنس البشري كما تعين كذلك تلك الصفوة

املختارة من الوراثة االجتماعية وميثل هذا التعريف العالمة "رالف

".R LINTONلنتون

هو صنف خيضع الثقافة للمفهوم النفسي، فالثقافة التعريف النفسي: ت.يف هذا االجتاه تركز يف حل املشكالت التقليدية، اليت تتكون من

االستجابات اليت ثبت جناحها، ومن العمليات الفردية، كالتكيف والتعلم والعادة، فالغرض من الثقافة وفقا هلذا التعريف هو: إشباع حاجات

األفراد والتغلب على مشاكلهم، وذلك بقصد تكيفهم مع البيئة اخلارجية ومع غريهم من أعضاء اجملتمع. وأهم رواد هذا االجتاه العامل

".C.S FORD"فورد

أهنا حمور «الثقافة ما هي إال أسلوب مميز للحياة: التعريف املعياري: ث.

، ويزيد يف هذا االجتاه العامل »األفكار اإلنسانية وما يتبعها من نتائج

هي «". الذي يذهب إىل القول بأن الثقافة "O. KLINBERG"كلينربج ذلك "الكل" أو ما ميكن تسميته بأسلوب احلياة الذي حددته البيئة

.»االجتماعية

نسق تارخيي «يصف هذا التعريف الثقافة بأهنا: التعريف البنائي: ج.

، وهو تعريف يتعارض »استنتاجي لطرق املعيشة الظاهرة منها والباطنة

بناء منطقي، أو منوذج قائم «: وجهة النظر القائلة بأن الثقافة هيمع

١٧٩

".W.A.KELLYوهو ما يذهب إليه العامل "كيلي »على التجديد

هو إجابة عن أصل الثقافة وكيفية تواجد هذه التعريف الوراثي: ح.األخرية، وهذا الصنف ركز على العامل الوراثي وأواله جانب كبري من

االهتمام حيث يف أهم تعريف من جمموعة تعاريف هذا الصنف والذي

أن الثقافة: هو L.G. CARRصاغه رائد هذا االجتاه املفكر "كار

هي ذلك النتاج الرتاكمي القابل للتحول من السلوك املاضي يف مجاعة «

».أو جمتمع مايف األخري نورد التعريف الذي صاغه صاحب هذه الدراسة والذي كان يف شكل خالصة جملموع أصناف التعاريف السالفة الذكر، حيث عرف"كاليد

نقصد بالثقافة مجيع خمططات احلياة اليت «كلوكهون" الثقافة كما يلي: تكونت على مدى التاريخ، مبا يف ذلك املخططات الضمنية والصرحية،

والعقلية و الالعقلية، وهي توجد يف أي وقت كموجهات لسلوك الناس عند

. ثم يؤكد "كلوكهون" بأن لكل جمتمع ثقافته املميزة وأن ثقافة ١»احلاجةجمتمع من اجملتمعات هي نسق تارخيي املنشأ، يضم خمططات احلياة

الصرحية والضمنية ويشرتك فيه مجيع أفراد اجملتمع...

 ":A. WEBERمفهوم الثقافة عند "ألفرد فيرب .٥

ركز "ألفرد" على األسلوب التارخيي واألسلوب املقارن يف دراسة ملعامل

، ٢احلضارة احلديثة لكن ما استنزف جهوده فكان "علم االجتماع الثقايف" ] ٤٨،ص١٩٩١[السويدي، .١) هو األخ األصغر لعالم االجتماع األلماني "ماكس فيبر"، وهو صاحب مدرسة علم ١٨٢٨"ألفريد فيبر" ( .٢

االجتماع الثقافي التي نشأت في هيدلبرج.

١٨٠

حماوال اإلجابة على االستفسارات واألسئلة اليت أثريت حول موضوع الثقافة. وقد ركز "ألفريد" على التفرقة بني الثقافة واحلضارة حيث أعطى

لكل مصطلح تعريف يتميز بشيء من الدقة فكان: تعريف احلضارة عند

تشتمل على املعرفة الوضعية والعلم «"ألفريد" هو أن احلضارة: والتكنولوجيا. واليت تتكون من معلومات ميكن متريرها من جيل إىل جيل،

وتتمتع بدرجة عالية من الدقة والضبط. وأما الثقافة: فتتعلق بدراسة األشكال الروحية لإلنسان، وما تتضمنه من قيم، مقاييس، عادات، أفكار وانطباعات، ال ميكن القول عنها بأهنا صحيحة، وذلك ملرونتها ونسبيتها واختالفها من جمتمع آلخر، ومن فرد آلخر، ومن فرتة زمنية ألخرى. أو

هي: أشكال روحية تقوم على العواطف النفسية مثل الدين، وهي خبالف احلضارة غري قابلة لالنتشار، فكل ثقافة تعترب شيئا وحيدا، وحقيقة أصلية

خاصة بشعب معني يف فرتة زمنية من تطوره التارخيي، وهي مظهر من

. وهو مفهوم الثقافة الذي تبناه عامل االجتماع األملاني ١»وحدته مظاهر"ألفريد فيرب"، فعمقه كفرع ختصص من فروع علم االجتماع وأطلق عليه

اسم "علم االجتماع الثقايف". قسم "ألفريد" الثقافة إىل ثالث أقسام:الناجتة عن االختبار وتشمل املواضيع املادية الثقافة االستقرائية: -١

كاآلالت واألمناط غري املادية املتمثلة يف املعرفة.كالتصور اإلبداعي الذي ال ميثل نفعا فقط، وإمنا لذة الثقافة اجلمالية: -٢

ومتعة أيضا.

] ٥٥،ص١٩٩١[السويدي، .١

١٨١

اليت هتيمن على سلوك اإلنسان، كاآلداب االجتماعية أمناط السيطرة: -٣ والسنن الشعبية واإليديولوجية.

:"MERRILL. F.Eمفهوم الثقافة عند "فرنسيس مرييل .٦وضع "مرييل" عدة أسس لبناء تعريفه للثقافة يف كتابه "اجملتمع والثقافة

Society and Culture "كالتايل: ١ .الثقافة إنتاج إنساني ينشأ عن التفاعل االجتماعي الثقافة تقدم األمناط االجتماعية املقبولة واليت تقابل احتياجات

اإلنسان البيولوجية واالجتماعية..الثقافة مرتاكمة، ألهنا تنتقل من جيل إىل جيل .للثقافة مغزاها بالنسبة للناس نظرا ملا تتسم به من الصفات الرمزية .يكتسب الفرد الثقافة من خالل فرتة منوه يف جمتمعه اخلاص .الثقافة حتدد شخصية الفرد بصورة أساسية تعتمد الثقافة يف وجودها على األداء الوظيفي املستمر للمجتمع، ولكنها

مستقلة عن أي فرد أو مجاعة.كما ناقش "مريل" العديد من القضايا اليت ختص الثقافة وأكد على أن

-التطور التقين -الثقافة ختضع للظروف اجملتمعية منها (البيئة اجلغرافيةاحلدث التارخيي)، وهذه األربع متثل أساس االختالفات -البناء الثقايف

فالثقافة هي مركب عام، باإلضافة إىل كوهنا مادية وغري مادية يف الثقافية. تكوينها، ودراسة األمناط الثقافية تعين ضرورة االهتمام بتوضيح اجلوانب

] ٦٥،ص١٩٩١[السويدي، .١

١٨٢

املهمة يف األمناط الثقافية، كبيان ترتيبها وتطورها ووظيفتها واختالفاهتا ومدى تأثريها باالتصال يف احمليط االجتماعي وخارجه.

مفهوم الثقافة عند اليونسكو: .٧

« La culture, dans son sens le plus large, est considérée comme l’ensemble des traits distinctifs, spirituels et matériels, intellec-tuels et affectifs, qui caractérisent une société ou un groupe so-

cial. Elle englobe, outre les arts et les lettres, les modes de vie, les droits fondamentaux de l’être humain, les systèmes de va-leurs, les traditions et les croyances»1.

الثقافة يف مفهومها الواسع، تعترب كمجموعة من املعامل اخلاصة -١"الروحية و املادية، الفكرية و الشعورية " اليت متيز جمتمع ما أو جمتمع فرعي. فهي تشمل: الفنون واألدب، أسلوب املعيشة، احلقوق األساسية

 اإلنسانية، األنظمة والقيم، التقاليد و املعتقدات.

قد تكون اليوم عبارة عن مجاع السمات الروحية واملادية والفكرية -٢والعاطفية اليت متيز جمتمعا بعينه أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل:

الفنون واآلداب وطرائق احلياة كما تشمل احلقوق األساسية لإلنسان ونظم

... ٢القيم والتقاليد واملعتقدات ١. [UNESCO,1982] ٢. ]UNESCO ،٦ص– ١٩٩٨ [

١٨٣

من «كما تعرف الثقافة أيضا على أهنا جمموعة من التعاريف املنقولة: -٣طرف: أنظمة اعتقاديه أو طرق تفكري سببية، أو التجربة أو املطورة يف إطار

. » السلوك اإلنساني يف عالقته مع الطبيعة والعامل احمليط به على املستوى الفردي: الثقافة هي جمموع التعاريف، التدريبات والعلم املستقاة لدى اإلنسان. على املستوى اجلماعي:

الثقافة تتمثل يف جمموعة من اهلياكل االجتماعية، الدينية... باإلضافة إىل السلوك اجلماعي على غرار التظاهرات الفكرية والفنية. ..واليت متيز

كما تشمل على ثالثة جمموعات كبرية هي الفن، اللغة واملعتقدات. .جمتمع ما

:"Culturologieمفهوم " علم الثقافة .٨

:"MIKHAÏL EPSTEINتعريف: عند "ميخائيل إبشتاين -١

هو علم يعتين بالدراسات الثقافية، وحيمل املفهوم األساسي الشامل غري «القابل للتجزئة أو االختزال إىل عدد من الدراسات اخلاصة. وموضوع

الدراسة يف هذه احلالة هو الثقافة بوصفها منظومة متكاملة من خمتلف

.١»الثقافات (االجتماعية، الوطنية، املهنية والفردية...)

موضوع "علم الثقافة": -٢يبحث علم الثقافة العديد من الظواهر وكذا العناصر ولعل أهم هذه

:٢العناصر ما يلي ١. [EPSTEIN,١٩٩٥] ] ٦٠ص – ١٩٨٢[ قباري، .٢

١٨٤

.أنساق السياسة والقانون واالقتصاد .جمموعة الظواهر الفيزيقية وااليكولوجية والدميوغرافية نسق املعتقدات واملعايري واللغة والتنظيم االجتماعي، مع دراسة دورة

احلياة اليومية.:نظام الرتبية ويتمثل يف

التكنولوجيا واملعرفة. أ. تقييم املشاريع الروحية: ب.

.الدين والسحر .الفن، اخللق، اإلبداع واالبتكار

تعد هذه النقاط من أهم اجلوانب العامة واخلاصة، لدراسة خمتلف مضامني وحمتويات الثقافات واحلضارات، وهي حسب تصنيف "الدكتور

قباري حممد إمساعيل". الفرع الثالث: أهم نظريات و أنواع الثقافة:

 أهم النظريات الثقافية: .١

جيتمع علماء الثقافة إن صح التعبري بصفة خاصة وعلماء األنثربولوجيا واالجتماع بصفة عامة، يف عدة كتل متثل توجهات معينة، حنصرها يف

 : ١النظريات التالية

يرى أصحاب هذا االجتاه أن الثقافة تتمثل يف النظرية االنتشارية: -١ مظاهر كثرية وخمتلفة وهذه املظاهر مادية أو روحية، وهي متشاهبة يف

]٤٣- ٤٠ص.ص – ٢٠٠٣[العيفة، .١

١٨٥

 يف اجملتمعات البدائية لكن كيف وقع هذا التشابه؟ هناك نظرتان:

!إما نظرة النظرية التطورية لداروين صحيحة 

.أو أن هذه املظاهر واملالمح تنشأ يف مكان ما ومن ثم تنتقل وتنتشر 

وهذه النظرية من خالل مواقفها جندها قد عززت بعض الدوافع السياسية واالستعمارية يف أن بعض اجملتمعات غري قادرة على تطوير نفسها.

ترى هذه األخرية أن الثقافة هي جموعة من الوسائل النظرية الوظيفية: -٢(املادية أو املعنوية) حيدثها اإلنسان ويستعملها لتحقيق الغاية اليت يسعى

إليها وهي احلياة والبقاء على األرض، حيث يبتكر وسائل تساعده يف احلفاظ على احلياة واستمرارها كما ترى النظرية الوظيفية أن الثقافة

ظاهرة كلية تشمل مجيع األدوات اليت يستعملها اإلنسان لالستهالك ومجيع املواثيق اليت تنظم العالقات داخل اجملموعات املختلفة وكذلك األفكار والفنون واملعتقدات والتقاليد... ويؤكد أصحاب هذا االجتاه على كون

الثقافة ظاهرة بيولوجية واإلنسان حسبها حيوان خيضع لبعض الشروط البيولوجية الضرورية للبقاء يف احلياة وأن طموحه اإلنساني النهائي

بيولوجي حبت، والوظيفية هي إرضاء حاجة بواسطة نشاط يشرتك فيه مجيع أفراد اجملتمع وحسب هذه النظرية فإنه ال ميكن أن يكون هناك تغيري

يف اجملتمع إال إذا ظهر احتياج جديد، ومن أبرز مفكريها "مالينوفسكي" صاحب كتاب "نظرية جديدة للثقافة".

تبدأ بنقدها للمدرسة التطورية حيث ترى أن هذه النظرية البنيوية: -٣ األخرية خاطئة يف تفسريها ونظرهتا للثقافة؛ إن الثقافة هي مجيع نتاج

١٨٦

الفكر اإلنساني يف أي جمتمع وأن لكل جمتمع ثقافة مبنية على اهليكل املوجود يف اجملتمع فهي ال تتطور وال تنتشر بل يكون هناك احتكاك بني

الثقافات، لكن هذه النظرية اختذها املستعمر كمربر للهيمنة على الشعوب البدائية يف نظرهم.

بعض أنواع الثقافة: .٢يطلق عليها األستاذ "حممد علي اجلابري" اسم: الثقافة النخبوية: أ.

"الثقافة العاملة"، وهي الثقافة اليت حتصلت عليها خنبة من اجملتمع بواسطة عدة وسائل منها الكتاب وهي ثقافة مكتوبة ال يتحصل عليها

إال من يعرف القراءة والكتابة وهي تعرب عن مواقف اجملتمع عندما تكون نابعة منه. وحسب األستاذ "علي جابر" فإهنا تضم طريقة احلياة

املادية والروحية لكن متنح لكل أمة خصوصيتها، وهي معدن اهلوية، حيث متتد من طريقة امللبس واملأكل والضحك... إىل مكونات الذاكرة

اجلماعية واخليال االجتماعي والرأمسال الرمزي.

هي عكس األوىل فهي الثقافة الشفوية اليت ينقلها الثقافة الشعبية: ب.اجملتمع من جيل آلخر شفويا، كالشعر امللحون واحلكايات والعادات

من غناء ورقص، وهذا ١والتقاليد، ويف الغرب تسمى " الفلكلور"الفلكلور الذي يعرب عن تفاعل مباشر بني الناس بشكل متناغم تتبوأ فيه

الكلمات الشفهية املكانة األوىل، أما أحدث تعريف للفلكلور بالنظر إىل مادته هو " املأثورات الروحية الشعبية"، وبصفة خاصة "الرتاث الشفوي

" تعني"المعرفة" lore" تعني "الناس"و " folk "مركبة من مقطعين، أين" folk-loreالفلكلور: كلمة انكليزية " .١

الناس. "حرفيا هي معارف الناس أو حكمةfolklore و منه "

١٨٧

Oral Tradition ."وهو أيضا العلم الذي يدرس هذه "املأثورات" 

هي من أحدث املفاهيم ختتلف عن النوعني ألسابقي الثقافة اجلماهريية:الذكر، وهي مرتبطة بوسائل االتصال وتنقل بواسطتها. وهي تؤثر على أفراد اجملتمع بالتكرار وعلى طول الزمن، وبذلك فهي غالبا ما تصطدم

 بالنوعني السابقني.

وألكثر تفصيل ألنواع الثقافة الثالثة السابقة الذكر ندرج اجلدول التايل:

١)٧جدول رقم (

]٤٥ص– ٢٠٠٣[العيفة، .١

الثقافة اجلماهرييةMass culture

الثقافة الشعبيةPopular culture

الثقافة النخبويةHigh culture

نوع الثقافة

املفهوم واخلصائصالثقافة اجلماهريية هي

املواقف اجلديدة اليت تنشرها وسائل اإلعالم واالتصال

لدى اجلماهري الواسعة وبصفة اصطناعية و متتاز

ا ثقافة مصطنعة ختضع بأملقاييس السوق وفق مبدأ العرض والطلب وظهرت بظهور وسائل االتصال

احلديثة.

يطلق عليها أيضا اسم الفلكلور و هي اليت

ينقلها اجملتمع من جيل إىل ألخر شفويا كالشعر

امللحون و احلكايات واألساطري وهي ثقافة أصلية وحية ومباشرة

تفرض منذ الصغر على الفرد.

تتضمن الثقافة النخبوية األعمال الراقية اليت يقدمها املبدعون يف جماالت الفنون

املختلفة من أدب وشعر ومسرح وحنت ورسم، وهي

تشمل طريقة احلياة املادية و الروحية اليت متنح لكل أمة

خصوصيتها.

املفهوم

١٨٨

املرسل يف أغلب الوقت ال يرى مجهوره سواء كان كاتبا،

صحفيا أو مذيعا أو مقدم لألخبار يف التلفزيون، وعادة ما يكون له مصدره األصلي (جهة حكومية أو مؤسسة

خاصة).

(راوي القصص سابقا مثال) له مجهور مباشر

جيالسه وجها لوجه ويتفاعل معه، كما

اجلمهور بكل أفراده احلاضرون هم مرسلون

ومستقبلون يف نفس الوقت.

تلقن عن طريق العلماء واملثقفني واألكادمييني

واألساتذة، إما عن طريق تأليف الكتب أو إقامة

الندوات وامللتقيات واملنظرات أو التدريس باملعاهد و اجلامعات

واملدارس واألكادمييات املتخصصة، وال ختضع يف اإلطار العام إىل اإلشراف

الرمسي.

املرسل

مجهورها عريض ومشتت وغري معروف وال يستطيع

االجتماع يف مكان واحد وال يفرتض أن تكون له ثقافة

عالية بل هو من األفراد العاديني خاصة إذا تعلق

األمر بالراديو أو التلفزيون عكس الصحيفة اليت حتتاج

إىل معرفة القراءة.

مجهور هذه الثقافة هم أفراد اجملتمع املتفاعلون فيما بينهم مباشرة دون وسيط أي بعبارة أخرى هناك "وحدة بني املبدع

واملشاهد).

يشرتط يف من يتحصل على هذا النوع من الثقافة

الوصول إىل مستوى ثقايف معني مصحوب مبعرفة جيدة بالقراءة والكتابة

وحىت التفكري.

املستقبل

تنتج الثقافة اجلماهريية رسالة ة ختضع متسلسلة و متشا

ملقاييس التقنية الفنية املبتذلة اليت ختضع للظروف اآلنية.

الشفهية خاصية متأصلة يف طبيعة النص الشعيب

(الرسالة)، واملضمون خال من البهرجة واألعمال األدبية والفنية اهلابطة.

احلكايات (الرسائل) يف -الثقافة الشعبية هادفة

وذات مغزى تربوي ا حتمل واجتماعي كما أ

قيما أخالقية.

الرسالة يف هذا النوع من الثقافة تكون إما شفهية عن

طريق اإللقاء والتدريس يف شكل حمضرات، أو مكتوبة

أو منشورة أو مذاعة، ا بأنه جاد ويتسم مضمو

وهادف تعليمي وتربوي تثقيفي وفكري ذو مستوى

عال.

الرسالة

١٨٩

النص املذاع أو املنشور أو املرئي يصل إىل املتلقي من

خالل وسائل بث الكرتونية وأدوات تقنية حديثة (الصحيفة، الراديو، التلفزيون، االنرتنت)

يعرب الفلكلور عن تفاعل مباشر بني الناس ويكون

عن طريق اللقاءات واجللسات و التجمعات

الشعبية و احلكايات واألحاجي واأللغاز والرقص اجلماهريي.

وسائلها متعددة و لكن أبرزها املدارس واجلامعات ودور العلم واألكادمييات

وامللتقيات والندوات والدوريات.

الوسيلة

رجع الصدى والتفاعل على املباشر يكاد ينعدم يف الثقافة

اجلماهريية حيث تفصل املرسل عن مجهوره حواجز ال

يستطيع من خالهلا أن يتفاعل معهم.

رجع الصدى موجود عن طريق التفاعل املباشر

واحلي يف املكان والزمان بني األفراد عن طريق احلكايات واجملالس

املشرتكة.

يكون باملناقشات بني خمتلف الكتاب واملبدعني

والعلماء أو الردود يف الكتب والصحف واملقاالت

املتخصصة.

رجع الصدى

حتليل اجلدول:إن اجلدول حوصلة جملموعة مهمة من أنواع الثقافة تكاد تكون شاملة، و الشيء املهم يف هذا اجلدول هو أنه تفصيل آللية عمل كل نوع من أنواع

الثقافة على حدا. كما حيدد اجلدول مجيع األطراف املتفاعلة يف كل نوع من الثقافة و طريقة تأثره (تأثريه يف الثقافة) وهو ما يسهل علينا فهم كل

نوع واستخدامه يف موضعه؛ فلما نريد غرس ثقافة من نوع معني يف اجملتمع فإننا نبحث هلا عن مكاهنا بني األنواع الثالثة السابقة الذكر

ملا -ونستعمل مزايا هذه األخرية إلمتام العملية بالطريقة املناسبة. مثال: نريد نشر مادة جديدة لالستهالك يف اجملتمع فإننا نستعمل خصائص

النوع الثالث "الثقافة اجلماهريية" لضمان وصوهلا للمجتمع.

١٩٠

أما ملا نريد غرس فكرة معينة يف اجملتمع فاخليار سريسو على النوع - األول "الثقافة النخبوية" ألهنا مفتاح الفكر يف اجملتمع.

الثقافة العملية: -ث)

"، ويف نفس Opérationnelهي الثقافة اليت حتتوي على مضمون عملي" الوقت استعمايل دون أن ينقصها يف ذات الوقت احملتوى اجلمايل أو اجلانب

الروحي. يسعى اجملتمع لتحويل هذه الثقافة العملية إىل ثقافة جمتمعية تشمل مجيع أفراد اجملتمع، يأخذ كل منهم على قدر طاقته وحاجته

بنصيب، دون أن يؤثر ذلك على عموميتها، وإشعاعاهتا، وتداوهلا، أي أهنا ال تقتصر على خنبة معينة متخصصة دون غريها، وإمنا يتمثلها اجلميع وإن

ختصصت طائفة ببعض فروعها العملية املمتدة من أصلها العام. الفرع الرابع: الثقافة واحلضارة:

نبدأ من مفهوم احلضارة، حناول فيما بعد التميز بني الثقافة واحلضارة مربزين نقاط التقارب واالختالف ؛ نومئ إىل أن إدراجنا ملفهوم احلضارة هو واحد من أهم أهداف البحث، وتتضح األسباب فيما سيأتي من البحث

مفهوم احلضارة: .١ مفهوم احلضارة عند "توينيب": -) ١

بتتبع العوامل واملبادئ اليت حتكم ١اهتم "توينيب" يف كتابه "دراسة التاريخ"منو وأفول احلضارات، واعتمد يف ذلك على دراسة إحدى وعشرين

حضارة، ويفرتض بأهنا قد اجتازت حياهتا بشكل طبيعي وكامل. ] ١٥،ص١٩٩١[السويدي، .١

١٩١

ويشري مفهوم "احلضارة" عند "توينيب" إىل عدد معني من الشعوب اليت تتميز بطائفة كبرية من السمات املشرتكة، فهو يعتقد أن احلضارات تظهر يف زمن معني، ثم تنمو يف ظل ظروف خاصة، ويعود هذا النمو يف النهاية

إىل حالة " إخفاق يليها أفول". يشري"تويتيب" يف دراسته إىل الثنائية (التحدي واالستجابة) والذي يرى فيها األصل والنمو احلضاري، فقد يكون التحضر

صادرا عن االختالف احلضاري نفسه بني احلضارات املتجاورة، أم االستجابة تكون عندما تكون فيه أقلية ذكية يف اجملتمع تقود التغري وتبين احلضارة. إال أن منو احلضارة يتوقف ملا يكون التحدي خطري، أو ال جتد

األفكار اجلديدة االستجابة املطلوبة، وقد شاع أن حيدث اإلخفاق بعد بضعة قرون قليلة فقط من ظهور احلضارة.

العالمة األملاني " أ.شبنجلر": -) ٢

كانت األمثل فهو يرى أن اجملتمع والثقافة واحلضارة كيان ١رؤية "شبنجلر"واحد وهو ما أطلق عليه "املنظور العضوي"، فكل وحدة تارخيية قائمة حبد

ذاهتا: الصينية، الروسية وغريها. متر بدورة من الوالدة والنضج ثم االحنالل، وهي دورة مقررة بقوانني عضوية داخلية، واليت ال ميكن أن توجد

قوة ميكن أن تغريها. ولكل وحدة منها علومها ودينها وفنها، وكل وحدة تتطور تطورا مستقال مطلقا عن كل وحدة أخرى، وال يوجد بينها تفاعل

أصيل، باإلضافة إىل أنه توجد قوة بإمكاهنا أن تعجل أو تؤخر نضج واجتاه واحنالل كل وحدة.

] ١٦،ص١٩٩١[السويدي، .١

١٩٢

ويرى "شبنجلر" بأن التاريخ هو عبارة عن تعاقب لوحدات ثقافية فردية

" فلكل ثقافة Culturesحتتوي نفسها بنفسها، واليت يدعوها "ثقافات طابعها اخلاص هبا، فالثقافة تعرب عن ذلك الطابع يف كل أوجه حياهتا ويف مراحل تطورها. ثم يف دراسة مطولة يرى "شبنجلر" أن كل ثقافة متيل ألن

تصبح يف األخري حضارة، إذ كلما اتسعت احلضارة وتعقدت احلياة، اشتدت اهلجمات والضربات اليت تسددها احلضارة ضد الثقافة، إذ مييل سكان

القرى واألرياف إىل كسر الروابط العائلية والقبلية، والنزوح إىل املدينة ليشهدوا جزرا ثقافية منعزلة، سرعان ما تتالشى حدودها وسط حضارة

معقدة ومركبة، ألهنا حتررهم من القيود األوىل، وألهنا مؤسسة على التجارة والعالقات الثانوية الشخصية. فاحلضارة جتتث الناس من جذورهم

. ١الثقافية، فتقضي على تضامنهم، وتعمل على هلهلت النسيج االجتماعيومن جهة أخرى فإن منو املدن واستعمال النقود يف التعامل، وإدخال التعاقد

يف احلياة، زحزح القيم الثقافية يف التعامل اليومي وحلت حملها القيم .-املدينة–احلضارية

املؤرخ احلضاري اإلجنليزي "ول ديورانت": -) ٣

نظام «يف موسوعته التارخيية "قصة احلضارة" يعرف احلضارة بأهنا:

وهو يرى أن « ٢اجتماعي يعني اإلنسان على الزيادة من إنتاجه الثقايف الثقافة تتألف من أربع عناصر أساسية هي:

] ١٧،ص١٩٩١[السويدي، .١ ] ٢٠،ص١٩٩١[السويدي، .٢

١٩٣

.املوارد االقتصادية 

.النظم السياسية 

.التقاليد اخللقية 

.متابعة العلوم والفنون 

وهي تبدأ بنهاية القلق واالضطراب، واملناخ املناسب لتفتح العقول واجملال اخلصب لإلبداع واإلنشاء، وبعد ذلك ال تنفك احلوافز الطبيعية تستنهضه

للمضي يف طريقه إىل فهم احلياة وازدهارها. عند ابن خلدون: -) ٤

فلتعلم أن احلضارة يف العمران أيضا كذلك، ألنه غاية ال مزيد وراءها. «وذلك أن الرتف والنعمة إذا حصال ألهل العمران، دعاهم بطبعه إىل مذاهب

احلضارة والتخلق بعوائدها، واحلضارة كما علمت، هي التفنن يف الرتف واستجادة أحواله، والكلف بالصنائع اليت تؤنق من أصنافه وسائر فنونه،

كالصنائع املهيأة للمطابخ أو املالبس أو املباني أو الفرش أو اآلنية، ولسائر

. هو وصف دقيق ملظهر احلضارة كحالة يعيشها اجملتمع ١» أحوال املنزل...يف مرحلة متقدمة من تطوره، أين يليب مجيع االحتياجات يف مرحلة ثم

يتفنن يف خلق وابتداع صنائع أخرى (الكماليات يف عصرنا). مفهوم احلضارة عند علماء االجتماع: -) ٥

عمم بعض الباحثني قول أن احلضارة تتصل بنظام الدولة، بينما الثقافة ترتبط حبياة الشعب.

] ٤٠٧ص- ٢٠٠٣[الزغبي، .١

١٩٤

Civilis" من اللغة الالتينية "Civilizationاشتقت كلمة "حضارة" أو "مدينة

"، وقد عنت بادئ األمر "اجملامالت" اليت كان الرومان يبدوهنا Civilitasأو اجتاه الشعوب املغلوبة على أمرها.

إال أن املعنى احلديث لكلمة احلضارة قد تطور على أيدي الفالسفة خالل القرن الثامن عشر، ويف مقدمتهم "فولتري" والكتاب املوسوعيون، ويعترب

"بوسويل" أول من قدم هذا املصطلح إىل اللغة االجنليزية، فقد استوحى املعنى األول من التناقض الذي كان قائما بني النظام اإلقطاعي واحلضارة،

أو بني العهد املظلم وعصر النور، وكان املفهوم الكامن وراء هذا التناقض هو التقدم العقلي، كما أشاع بعض الكتاب اآلخرين تناقض بني احلضارة

والرببرية، وهو تناقض قائم على أساس االجناز الشخصي والعقلي وليس على أساس قاعدة احلرية السياسية واملساواة. أما العصر احلديث فيجمع

كتابه على التفريق بني املصطلحني "الثقافة واحلضارة" ومل يعد يقتصر البحث على الثقافة ومظاهرها املادية احملسوسة فقط.

" يف كتابه R. DIXONفقد اتفق كل من "روالند ديكسون

"TheBuilding of Cultures و"ليبريت ،"LIPPERT يف كتابه "

"Evolution of Cultures بأن الثقافة هي كل شيء يعمله اإلنسان لرفع "

؛ وهلذا ال تكون وال ميكن أن تكون للحيوان ١مستواه فوق حدود الطبيعةثقافة، وأن الثقافة ظاهرة تشمل كافة االجنازات اليت توصل إليها اإلنسان من خالل حياته اجلماعية، سواء كانت تلك احلياة اجتماعية أو اقتصادية

] ١٩،ص١٩٩١[السويدي، .١

١٩٥

أو دينية. ويفرق "ديكسون" بني الثقافة واحلضارة؛ بتأكيده أن علماء األنثروبولوجيا واالجتماع قد استعملوا كلمة "الثقافة" للداللة على جمموع

إنتاج الناس وفعاليتهم، وعلى النظام االجتماعي والديين، العادات والتقاليد االجتماعية والعقائد، ومن املألوف كما يرى "ديكسون" استعمال كلمة

" فأعطى S. KEY"حضارة" لوصف الشعوب املتقدمة. ثم جاء "سريلنج كي

:١مخس خصائص للحضارة وهي

" احلضارة من حيث اجلوهر واألساس ظاهرة حضاريةUrbane" ألهنا تشمل تقسيما للعمل واختصاصا فيه، وتركزا يف الفعاليات االقتصادية.

تتميز احلضارة بالتقنية، أي أهنا تطبق الصناعة، وختضع أوجه احلياةاإلنسانية باستخدام النظام اآليل امليكانيكي، وهلذا تتصف بتنظيم

 احلياة االجتماعية على هذا األساس.

ختتص احلضارة بسيادة الفلسفة العقلية كقيمة سامية ملختلف الفعاليات.

."ظهر يف احلضارة اجتاهني أساسني مها "املركزية" و"السلطة 

ونتيجة لتمركز السلطة، والنتشار وسائل النقل، وتوسع النظامالصناعي، تظهر الدولة الديكتاتورية أو احلكم املطلق. والفصل يف كالم الباحثني بأن احلضارة تتصل بنظام الدولة، بينما ترتبط الثقافة حبياة

الشعب. ] ٢٠،ص١٩٩١[السويدي، .١

١٩٦

الفرق بني الثقافة واحلضارة: .٢واجهنا صعوبة حتى يف إدراج هذا العنصر يف البحث، واملالحظ أنه من خضم الكالم قد نكون بدأنا باحلديث عن الثقافة لننتهي عند احلضارة

دون قصد. ما نقصده هو ما يراه "ايكه هولتكرانس" يف قاموسه (قاموس

ثقافة معقدة، وعادة احلضارة«مصطلحات األنثروبولوجيا والفولكلور) أن:

. ١»ما تكون واسعة االنتشارونقدم يف البداية مفهوم من مفاهيم الثقافة الذي هو األقرب ملفهوم

احلضارة وذلك هبدف إبراز التداخل بني املفهومني وصعوبة الفصل بينهما: الثقافة املادية والالمادية:

أما األوىل يقصد هبا جمموعة األشياء املادية اليت يصنعها اجملتمع لسد حاجاهتم اليومية، (كاآلالت واألسلحة واملالبس وأدوات الزينة واملساكن...) وتطلق أيضا على األساليب والوسائل اليت تتصل بإنتاج هذه األشياء وطرق

. ويكمن الفرق بني الثقافة املادية (غالبا ما يقصد هبا ٢استخدامهااحلضارة) والالمادية، بكون األخرية ختتص جبانب النظم واألفكار،

والشعائر الدينية والعقائد والعلوم والفنون، وهي تفرقة غري مسلم هبا، ألن كل عنصر من الثقافة املادية يرتكز على أفكار واعتبارات معنوية تتصل بكيفية إنتاجه وطريقة استخدامه، والغرض منه، والدور الذي يؤديه يف

احلياة االجتماعية. ] ٢٠،ص١٩٩١[السويدي، .١ ] ٢٣٦،ص١٩٩١[السويدي، .٢

١٩٧

يعنى علماء االجتماع و األنثروبولوجيا بالعناصر الالمادية أكثر من املادية على اعتبار أن األوىل هي األساس وهي أبقى وأدوم، وذلك ألن املظاهر

املادية للثقافة قد تتحول وتتبدل بل وقد تفنى وتزول أما مدلوالهتا فتبقى. لكن اآلراء الصرحية اليت فرقت بني املفهومني فهي كالتايل:

عند األنثروبولوجيني من ذوي االجتاه السوسيولوجي:-١جتدر اإلشارة إىل أن هذه االستنتاجات جاءت على ضوء الدراسات اليت

سبق اإلشارة إليها:

":R. THURNWALDاألنثروبولوجي األملاني "ثورنوالد -أيرى أن الثقافة تشتمل على جمموع األشياء والعادات واألفكار اليت تبدو يف اجملتمعات وتكون مرتبطة هبا، على حني متثل احلضارة الكفاءات واملهارات اليت تنمو من خالهلا التكنولوجيا واملعرفة، وباختصار فإن الثقافة تستخدم

احلضارة كوسيلة هلا.

": MALINOWSKIاألنثروبولوجي "مالينوفسكي -بكان أقل اعتمادا على التفسري السوسيولوجي لعلماء االجتماع يف هذا

امليدان، ومع ذلك فقد بقي متأثرا بآرائهم فهو يرى أن كلمة "ثقافة" تستخدم يف بعض األحيان كمرادف لكلمة "حضارة" إال أنه من األفضل

استخدام الكلمتني على حنو متمايز، وختصيص كلمة "حضارة" على املظهر اخلاص من الثقافة املتقدمة.

عند مؤسسي علم االجتماع الثقايف: -٢ ": A. WEBER"ألفريد فيرب -أ

١٩٨

يرى أن "عملية احلضارة" تقوم على استمرار التفكري والتقدم العقلي، فاحلضارة متثل اجملهود اإلنساني يف سبيل السيطرة على عامل الطبيعة بوسائل عقلية يف ميدان العلوم واحلياة العملية والتخطيط، يف حني أن

فاحلضارة تراكمية، والثقافة غري -الثقافة تقابل الفلسفة والدين والفن .-تراكمية

  "بوتومور": -بويفسر "بوتومور" بأن "أ. فيرب" قد استخدم مصطلح احلضارة لإلشارة إىل

املعرفة العلمية والفنية، ومدى سيطرهتا على املوارد الطبيعية بينما استخدم مصطلح الثقافة لإلشارة إىل الناتج الفين والديين والفلسفي

للمجتمع. ثم اجتهد "بوتومور" وصاغ تعريف لكل مصطلح يف حماولة منه للتفريق بينهما، فعرب عن الثقافة على أهنا (املظاهر الفكرية للحياة

االجتماعية) وهي بذلك تتميز عن العالقة الواقعية وأشكال العالقات املختلفة اليت تنشأ بني األفراد، إذن فالثقافة هي املظاهر الفكرية جملتمع

معني.

ذلك املركب الثقايف الذي يشكل «أما احلضارة حسب رأي "بوتومور"، فهي من خالل السمات الثقافية األساسية املتماثلة السائدة يف عدد معني من

.»اجملتمعات "ماكيفر" و"بيدج": -ج

الثقافة: جمموعة مرتابطة من »كان تعريف الثقافة عند "ماكيفر" هو:

وهو "املستوى ١٩٤٢، أما احلضارة فقد أعطاها اسم جديد عام »الغايات

١٩٩

التكنولوجي" على أساس أهنا تشتمل على التكنولوجيا واالقتصاد واألنساق السياسية اليت تكون على جانب كبري من اهليبة والتعقيد.

ثم اتفق "ماكيفر" وزميله "بيدج" على نقاط االختالف بني احلضارة والثقافة

:١وصاغاها كالتايل

 احلضارة دون الثقافة معيار دقيق للقياس: -

إذ ختضع احلضارة أو النظام النفعي ملعيار الفعالية، فعند مقارنة نتاجات احلضارة وعملياهتا نستطيع أن ننسب إليها التفوق واالحنطاط يف نفس الوقت، حيث أن احلضارة تعترب من الوسائل لتحقيق أهداف معينة، فإن

تقدير درجة فعاليتها يكون أكثر سهولة، ولكن إذا مل يكن هناك من جيادل يف تفوق اجلرار على احملراث اليدوي، أو يف تفوق العملة احلديثة ونظام

االئتمان على املقايضة البدائية، فإن اجلانب الثقايف هو الذي يثري مشكلة القيم النهائية، واليت ميكن أن نفصل فيها فصال هنائيا حامسا.

  احلضارة يف تقدم مستمر خالفا للثقافة: -أي اجناز حضاري يتم استغالله بوجه عام، وتدخل عليه التحسينات، يف تقدم من قوة إىل قوة، إىل أن يبطل أو يصبح غري ذي موضوع، وذلك بعد

ظهور اخرتاع جديد، وهذا خبالف املنجزات الثقافية اليت تؤدي بصفة مؤكدة إىل منجزات أعلى أو معدلة. فمنذ أن اخرتعت السيارة وهي يف تطور مستمر ودون انقطاع وبفعالية أكرب، ولكن ال نستطيع أن نقوم بنفس الشيء

بالنسبة ملسرحياتنا ومتاثيلنا ومناقشاتنا. ] ٢٥،ص١٩٩١[السويدي، .١

٢٠٠

  إن احلضارة خالفا للثقافة تتقدم دون جمهود: -يتم نقل الثقافة يف نطاق اجملتمع وفق مبدأ خمتلف عن ذلك الذي حيدد

نقل احلضارة، ذلك أن الثقافة ال تنتقل إال يف عقول متشاهبة، فليس هناك شخص ممن مل حيظوا بالصفات الفنية يستطيع أن يقدر قيمة الفن، ولكننا

نستطيع أن نستمتع بنتاج احلضارة، ودون أن نشارك يف املقدرة اليت أوجدهتا، وأكثر من هذا فإن عملية اإلبداع ذاهتا تتباين، فالعقول األقل

مقدرة تدخل التحسينات على أعمال كبار املخرتعني يف احلضارة، ولكن الشعراء األقل مقدرة ال يدخلون التحسينات على روائع شكسبري.

إن احلضارة خالفا للثقافة تستعار دون تغري: -فنقل العناصر الثقافية من إحدى املناطق باجملتمع إىل منطقة أخرى،

خيتلف على نفس النحو يف اعتبارات هامة عن نقل العناصر النفعية أو "استعارهتا" فبتوافر الوسائل املناسبة لالتصال ينتشر أي حتسن يف أجهزة

احلياة بسرعة، ومع التطور احلديث لوسائل االتصال أصبح أي نظام حضاري أسرع يف انتشاره يف خمتلف أحناء العامل. تعترب احلضارة أيضا

اجلانب املادي من الثقافة، وبالتايل تعترب الشق التكنولوجي الذي هو شكل من أشكال الثقافة، على اعتبار أن الثقافة تشمل أيضا على جوانب أخرى ال

.١مادية (كالدين، الفن، الفلسفة والقانون...) كما ميكن تلخيص العالقة بني الثقافة واحلضارة كما يلي:

] ١٥ص – ١٩٨٢[ قباري،

٢٠١

الثقافة ملا تتأصل يف اجملتمع وتصبح نتائجها ظاهرة، تصل باجملتمع إىل مرحلة من التحضر (أي تفرز معامل احلضارة) فيبين اجملتمع حضارته

ويصل إىل مرحلة أخرى تسمى مبرحلة التحضر فنقول عنه أنه "جمتمع متحضر". يف مرحلة أخرى متقدمة تصبح تلك احلضارة الناشئة هي املعلم الثقايف الذي مييز ذلك اجملتمع ومع مرور الوقت وتغري اجملتمع أين يصبح اجملتمع يبحث عن عناصر ثقافية جديدة يرى فيها اإلشباع حلاجاته فإنه

يرى أن احلضارة اليت وصل إليها قد أصبحت من املاضي فيبدأ مرحلة جديدة وهي مرحلة البحث عن حضارة جديدة، فيعود إىل نقطة البداية؛

إذن هي حلقة يدور فيها اجملتمع لكن األمر املهم أن نتائج كل دورة ختتلف عن سابقتها.

الفرع اخلامس: الثقافة واهلوية:يعد اجلدل القائم حول العالقة بني مصطلحي "الثقافة واهلوية" من أهم ما تطرق إليه علماء االجتماع وعلماء الثقافة ويتلخص ذلك اجلدل فيما يلي:

تعاريف عامة: - تعريف اجلرجاني:-١

"" ١اجلرجاني"يعرف " احلقيقة املطلقة املشتملة على "«بأهنا: اهلوية

. »٢احلقائق إشتمال النواة على الشجرة يف الغيب املطلق".. هو مبعنى أهنا جوهر الشيء، وحقيقته، لذا اهلوية: اهلوية مأخوذة من هو

السيد الشريف علي بن دمحم .١ ]٢٠٠٥بسيسو،[ .٢

٢٠٢

كما سبق: -يف كتابه الذائع الصيت التعريفات يقول عنها اجلرجانيجند أن

بأهنا احلقيقة املطلقة املشتملة على احلقائق اشتمال النواة على الشجرة «

.١»يف الغيب٢- : تعريف اهلوية: لغويا وفلسفيا

" الصادر عن مجمع اللغة العربية " "، فلسفيا، اهلو يعرف "املعجم الوسيط

.٢»حقيقة الشيء أو الشخص اليت متيزه عن غريه«بأنه:

الذي يبدو أنه أحد مصادر حتديث تعريف الكلمات “أكسفورد ” أما قاموس

حالة الكينونة "«يف املعاجم العربية احلديثة، فإنه يعرف "اهلوية" بوصفها

. ٣»املتطابقة بإحكام، أو املتماثلة إىل حد التطابق التام أو التشتابه املطلق والكينونة، هنا، تتعلق بالشيء املادي أو بالشخص اإلنساني.

تعريف قاموس العلوم اإلجتماعية ملفهوم اهلوية:

باعتباره ”Identification“ "قاموس العلوم اإلجتماعية" "التماهي" يعرفامليل للتقليد، أو عملية تقليد سلوك شيئ ما، ورمبا يدل على عملية

التمازج العاطفي، أو حالة هذا التمازج الناجم مع هذا الشيء ذاته بوصفه ميتلكه، وهذا ما جيعله مهما يف شخصا يريد أن يكونه، أكثر مما يريد أن

اإلرتباط، وقوة سلوك اجملموعات، وهو يفسر حاجة الفرد ومقدرته على الروابط العاطفية املشار إليها كخصائص جوهرية للبشر، وهو يذكر يف

] ٢٠٠٦[ابن عبد هللا القاسم، .١ ]٢٠٠٥بسيسو،[ .٢ ]٢٠٠٦[مصطفى، .٣

٢٠٣

نفس الوقت األصل الطفويل لعملية "التماهي"، ويفرتض أن هذا األصل الطفويل هو الذي يفسر بقاءها على مستوي الالوعي وقوهتا كعامل

حتفيزي، وتظاهراهتا الالعقالنية. املفهوم التقليدي للهوية: -٤

املفهوم الكالسيكي للتماهي يري أن الذوات االجتماعية متثل معطيات أصلية، أو بدئية، موروثة مثل اخلصائص البيلوجية، ولكن هذا املفهوم

خيلي الساحة اآلن ملفهوم آخر هو أن اهلويات تتكون وتصنع اختياريا، وهي يف حالة مستمرة من التكوين، ولكن اختيارات الناس هلوياهتم حمكومة

وحمدودة بالعوامل املعطاة مثل مالحمهم، أسرهم، مجاعاهتم، توارخيهم، ثقافاهتم. .. إخل

من هنا يتضح صعوبة تعريف اهلوية عند الغري حتى أن "غوتلوب فريغه"

يرى بأن اهلوية مفهوم ال يقبل التعريف وذلك ألن كل تعريف هو هوية «

.١»حبد ذاته اهلوية يف تعريف إسالمي: -٥

ماهية الشخص مما يتسم من جمموع الصفات اليت متيزه عن «اهلوية هيكل اجلوانب اجلسدية –أي الصفات –اآلخرين وجتعله متفردا شاملة

.٢»والنفسية واالجتماعية والسلوكية بل وحتى املعتقدية: متيز الشخص عن غريه من ناحية الطول والقصر فاجلسدية مثال

]٢٠٠٦[مصطفى، .١

] ٢٠٠٦[ابن عبد هللا القاسم، .٢

٢٠٤

والنحافة والبدانة واخلشونة والنعومة. .اخل.والنفسية: متيزه من الناحية العقلية واإلدراكية عن غريه وغرائزه الفطرية

وعواطفه.أما االجتماعية: حياته وسط اجلماعة اليت تساعده على تكوين ذاته إذ

يالحظ الفروقات بينه وبني غريه من هذه اجلماعة وكلما شعر بقبوله يف وسطهم زاد تقديره وإحساسه هبويته.

االختالف بني الثقافة واهلوية: .٢جيمع بعض علماء االجتماع على أن الثقافة واهلوية هم كل واحد، ويتجسد

فهوية اإلنسان. . «ذلك يف تعريف الدكتور: ابن عبد اهلل القاسم أين يقول: أو الثقافة. . أو احلضارة، هي جوهرها وحقيقتها، وملا كان يف كل شيء من

الثوابت واملتغريات.. فإن هوية الشيء -إنسانا أو ثقافة أو حضارة–األشياء هي ثوابته، اليت تتجدد ال تتغري، تتجلى وتفصح عن ذاهتا، دون أن ختلي

.١»مكاهنا لنقيضها، طاملا بقيت الذات على قيد احلياةهي إشارة بسيطة حلجم التداخل بني املفهومني، لكن يصر البعض األخر من العلماء على التفرقة بني املفهومني، فريون أن اهلوية ترتبط بأشخاص

كأفراد أكثر منها كجماعات، والعكس بالنسبة للثقافة فهي ترتبط باجلماعات أكثر منها كأفراد، لكن هذا ال يعين تفرد كل واحدة بصفة، فاهلوية ميكن أن تكون فردية كما ميكن أن تكون مجاعية، نفس الشيء

] ٢٠٠٦[ابن عبد هللا القاسم، .١

٢٠٥

:Thierry Méniss” تريي منيسري”بالنسبة للثقافة؛ وهو باختصار ما يؤكده

«l’identité peut être singulière ou collective. La primauté de la condition langagière engendre en effet une telle possibilité: dans l’existence humaine la plus banale, des communautés de taille et de nature différentes consti-tuent des “ centres d’identification ” à la fois collectifs et particuliers, à partir du partage d’un langage commun – groupe familial ou clanique, rassemblement social, com-munauté nationale dont la base est ethnique et qui est susceptible de recevoir une forme politique étatisée. Ce qui apparaît donc très nettement, surtout dans le cas de la communauté nationale ethnique, c’est la dimension initialement culturelle de l’identité. “ Culture ” désigne en effet l’ensemble des principes d’une civilisation ou en-semble homogène de sociétés humaines ; parmi ces principes, le langage occupe une des premières places, en tant qu’il est le moyen de rassembler les hommes (il est donc une condition de la civilisation elle-même) et le vecteur des valeurs dont l’affirmation permet aux membres d’une même culture de s’identifier et de se dis-tinguer»1.

1. ]Ménissier,2007[

٢٠٦

وما نالحظه أكثر يف كالم "منيسري" هو انه على قدر تفريقه بني املصطلحني إال أنه يؤكد االرتباط فيما بينهما.

الفرع السادس: الثقافة االجتماعية:الفرع بتعريف اجملتمع على أساس أن مفهوم الثقافة االجتماعية ارتبط نبدأ

مبفهوم اجملتمع يف حد ذاته. لنعرض أهم ما جاء حول الثقافة االجتماعية عند أهل االختصاص ثم يف األخري ندرج استنتاج خاص بالبحث.

اجملتمع: .١جمموعة الناس اليت تشكل النظام نصف املغلق واليت تشكل شبكة العالقات بني الناس، املعنى العادي للمجتمع يشري إىل جمموعة من الناس تعيش سوية

يف شكل منظم وضمن مجاعة منظمة. واجملتمع هو الركيزة الرئيسية يف دراسة العلوم االجتماعية. وهو جمموعة من األفراد تعيش يف موقع معني

ترتابط فيما بينها بعالقات ثقافية واجتماعية، يسعى كل واحد منهم

مجاعة منظمة من األفراد. ملا «فاجملتمع: لتحقيق املصاحل واالحتياجات.

تقابل كلمة جمتمع يف االنكليزية كلمة " . ١»يف عالقة الثقافة باجملتمع

Society اليت حتمل معاني التعايش السلمي بني األفراد، بني الفرد "

.. واملهم يف اجملتمع أن أفراده يتشاركون مهوما أو اهتمامات ٢واآلخرينمشرتكة تعمل على تطوير ثقافة ووعي مشرتك يطبع اجملتمع وأفراده

بصفات مشرتكة تشكل شخصية هذا اجملتمع وهويته. ] ٣٠،ص١٩٩١[السويدي، .١ ]٢٠٠٧[ويكيبيديا، .٢

٢٠٧

يف العلوم االجتماعية، مييل العلماء العتبار "اجملتمع" نظاما شبه مغلق تشكله جمموعة من الناس، حبيث أن معظم التفاعالت والتأثريات تأتي من

أفراد من نفس اجملموعة البشرية. وتذهب بعض العلوم أشواطا أبعد يف التجريد حني تعترب اجملتمع جمموعة عالقات بني كيانات اجتماعية. تربز يف

االنكليزية كلمة أخرى قريبة يف املفهوم هي اجلماعة املشرتكة"Community اليت يعتربها البعض التجمع أو اجلماعة بدون العالقات "

املتداخلة بني أفراد اجلماعة، فهو مصطلح يقصد به أن مجاعة ما تشرتك يف املوطن واملأكل دون اهتمام بالعالقات اليت تربط بني أفراد اجلماعة.

" يرى FERDINAND TÖNNIESبعض علماء االجتماع مثل "توينز هنالك اختالفا عميقا بني اجلماعة املشرتكة واجملتمع ويعترب أهم ما مييز

اجملتمع هو وجود بنية اجتماعية اليت تتضمن عدة نواحي أمهها احلكم والسيطرة والرتتاب االجتماعي. ويعرف اجملتمع أيضا على أنه: جمموعة من

األفراد واجلماعات تعيش يف موقع جغرايف واحد وتربط بينها عالقات اجتماعية وثقافية ودينية. ومن ذلك جند أن العناصر اليت تكون اجملتمع

:١تتمثل يف .إدراك أفراد اجملتمع وشعورهم بأهنم يكونون وحدة واحدة

.نطاق جغرايف جيمع أفراد اجملتمع ومجاعاته

.وجود نظام يسمح ألعضاء اجملتمع بالتعبري عن آرائهم

.متكن اجملتمع من إشباع االحتياجات األساسية ألفراده إىل حد ما

]٢٠٠٧[ويكيبيديا، .١

٢٠٨

.وجود سلوكيات اجتماعية داخله مثل التعاون، التكافل والصراع

.بناء اجتماعي خاص به

؛ وحدة مركبة من عدة جمتمعات فرعية؛ وكل جمتمع فرعي يتكون اجملتمعمن عدة أحياء؛ وكل حي يتكون من عدة شوارع؛ وكل شارع يتكون من عد مباني؛ وكل مبنى يتكون من عدة شقق أو من املمكن أن نقول عدة أسر؛ وهذه األسر مكونة من أفراد ولكل فرد اجتاهاته اخلاصة اليت يتوجه هبا؛

فنستطيع أن نقول أن كل هذه السلسلة تكون مفهوم أن اجملتمع عبارة عن

أي أن xxxعدة جمتمعات فرعية تتشابك مع بعضها البعض لتكون اجملتمع

."Subsocitesاجملتمع يتكون من جمتمعات فرعية أو "

الثقافة االجتماعية: .٢

عبد الغين عماد: -١

كما هي عليه بكل بساطة، جمموعة العادات والتقاليد اليت يتقلد هبا «اجملتمع وتلك الثقافة هي نتاج لكل الثقافات واملوروثات اليت بداخل كل

": GERT HOFSTEDEويعرفها "جريت هوستد »جمتمع فرعي...

على أهنا برجمة ذهنية مجاعية خاصة مبجموعة من األفراد. «ولكل جمتمع ثقافته اخلاصة اليت يتسم هبا ويعيش فيها، ولكل ثقافة ميزاهتا وخصائصها ومقومات املادية اليت تتألف من طرائق املعيشة

واألدوات اليت يستخدمها أفراد اجملتمع يف قضاء حوائجهم واألساليب اليت

.١»يف قضاء حوائجهم واألساليب اليت يضعوهنا الستخدام هذه األدوات

] ٢٠٠٦[عماد، .١

٢٠٩

وأحسن وصف ألي ثقافة اجتماعية يقوم على معرفة نظمها االجتماعية وحتليل هذه النظم اليت حتل فيها الثقافة، وميكن حتديدها بتسعة نظم:

األسرية والرتبوية والدينية واألخالقية واجلمالية واللغوية واالقتصادية والقانونية والسياسية، ويكتسب األفراد هذه األمناط الثقافية املناسبة عرب

عملية التنشئة االجتماعية، بدءا بأساليب السلوك املتنوعة وصوال إىل األنشطة اجلماعية وسلوكياهتا.

الدكتور: عبد الرمحن بسيسو: -٢

طريقة احلياة اليت تتمكن مجاعة بشرية من تأسيسها لتكون مقبولة من «مجيع أفراد اجلماعة، ومالئمة هلم كمجموع، وهي طريقة تتضمن أساليب

اإلدارة وآلياهتا، ومنط التفكري، وآداب السلوك واملعتقدات، أو منظومة األخالق والقيم اليت حتكم اجلماعة، وكذلك اللغة، ومنط العيش مبا

يتضمنه من مسكن ومأكل ومشرب ومن عالقات وأنظمة سلوك تؤسس التواصل بني الفرد والفرد، وبني الفرد واجلماعة، وبني الفرد والطبيعة،

وبينه وبني الوجود. إذن، هي مجاع األنظمة املادية والروحية اليت ابتكرها اإلنسان لتحكم سلوكه فيما هو ذاهب إىل االرتقاء هبويته وذاته ومنط حياته

واإلعالء من شأن وجوده يف احلياة عرب االخنراط يف صريورة هي الثابت الوحيد يف هذه احلياة، وعرب االحتفاظ بأبنية ثقافية حتملها اللغة إىل

األجيال الالحقة كي تسكنها وتتولى تعديلها أو إعادة إنتاجها وفق حاجاهتا

. ١»وشروط تطورها ] ٢٠٠٥[ بسيسو، .١

٢١٠

الثقافة الفرعيةكل جمتمع ينقسم إىل عدة أجزاء تسمى باجملتمعات الفرعية ولكل جزء من

هذه األجزاء ثقافة خاصة وقيم وعادات وتقاليد وموروثات واجتاهات

" Subcultureخاصة هبا فقط. تسمى تلك الثقافة بالثقافة الفرعية أو "ومن املمكن أن جند أن الثقافة الفرعية هي يف ذات الوقت تنقسم إىل

ثقافات فرعية أصغر منها حتى نصل إىل ثقافة الفرد ومن خالل ثقافة الفرد جند أن املوروثات والقيم والعادات اليت بداخل هذه الثقافة هي جزء

من الثقافة العامة للمجتمع. الدكتور قباري حممد إمساعيل: -٣

:""Social Cultureالثقافة االجتماعية:

" كألوان الفن Non-Materialتتعلق بدراسة كل أشكال الثقافة الالمادية "واملعرفة وضروب الفلسفات والقيم واملعتقدات، وكل ما يتصل باجلوانب

"يف اجملتمع. Spiritualالروحية "

من خالل ما سبق تقدميه اص: استنتاج مفهوم الثقافة االجتماعية اخل .٣خري صياغة مفهوم خاص هلذا املتغري يكون هو من تعاريف حناول يف األ

املقصود يف بقية البحث (مقصود مصطلح: الثقافة) إال إذا أوردنا عكس

١»الثقافة االجتماعية بكل بساطة هي: صبغة اجملتمع«لك، كما يلي: ذ إن تجرأنا على صياغة هذا التعريف إنما هي محاولة فقط تأتت من خالل فهمنا البسيط لهذا المتغير، وما تجدر .١

اإلشارة إليه انه تمت صياغة هذا التعريف لخدمة متطلبات البحث، أي أنه من المكن أن ال يصح في مواضع أخرى (غير هذا البحث) حتى وأنه في هذا البحث من الممكن أن نحتاج إلى تعاريف أوسع من هذا لتغطية نقطة

معينة، أو مفهوم أضيق وسنحاول إدراج تعاريف خاصة ببعض النقاط إن لزم األمر.

٢١١

ونقصد بصبغة اجملتمع مجلة األشياء الروحية واملادية اليت حييا هبا جمتمع ما ويعيش ألجلها. وهو تعريف أقرب إىل تعريف "فريون" الذي يقول فيه:

أنه إذا كان اجملتمع يتحقق يف مجاعة أو زمرة تعيش وتعمل يف معية، فإن « "الثقافة "هي منط احلياة" أو "طريقة العمل" أو "أسلوب املعيشة" بالنسبة

نضع حتت مجلة . ١»للجماعة، أو كيفية مشاركة األفراد يف الفكر والعملاألشياء الروحية على سبيل املثال ال احلصر كل من: األفكار واملبادئ

واملعتقدات والقيم واألخالق والسلوكيات...اليت هي موجودة يف اجملتمع أو أما فيما خيص األشياء املادية، فنذكر أيضا ودائما يسعى للوصول إليها.

على سبيل املثال ال احلصر: الرتكيبة العمرانية (البنى التحتية، املصانع...)، طرائق وأساليب العيش (األكل، الشرب واللباس)، األدوات املستعملة لتلبية

حاجات اجملتمع بصفة عامة... املوجودة يف اجملتمع أو يسعى اجملتمع لتحصيلها. وهي مقاربة نظرية ملفهوم الثقافة املادية كما أوردها الدكتور"

" تتصل Material Culture"الثقافة املادية «قباري حممد إمساعيل": بدراسة املنتجات املادية، ومعرفة للموضوعات أو األشياء اليت تشبع احلاجة

٢»أو الرغبة، مثل: األدوات، اآلالت، األسلحة وبناء املساكن...

املطلب الثاني أساسيات الثقافة

بعد التطرق ملفهوم الثقافة وأهم أنواعها، نفصل يف هذا املطلب نوعا ما يف ] ١٦ص – ١٩٨٢[ قباري، .١ ] ١٩ص – ١٩٨٢[ قباري، .٢

٢١٢

تلك املفاهيم من خالل عرض أساسيات الثقافة من حمددات، أوجه الثقافة. ثم نعرض كل من عناصرها ووظائفها؛ ذلك قصد إمتام الرؤية

ملفهوم الثقافة. الفرع األول: مصادر، أوجه وعناصر الثقافة:

مصادر وحمددات الثقافة االجتماعية: .١ الدين: -١

الدين ثقافة كاملة، فهو يعرب عن رؤية للعامل، للطبيعة والوجود واإلنسان وهو كذلك يقدم تصورا لبناء االجتماع اإلنساني على حنو يغطي أحيانا أدق

تفاصيل هذا االجتماع اقتصادا وسياسة وأخالقا وأحواال شخصية، فهو منط من القيم والعادات والطقوس والشعائر، وطريقة ثابتة املالمح يف

ممارسة احلياة يف بناء االجتماع وإعادة إنتاجه. املعتقدات: -٢

هي الثوابت أو املعارف اليت ال ختضع لإلثبات أو الرفض عن طريق البحث التجرييب.

  القيم: -٣هي كل ما اكتسب معنى اجتماعيا من مبادئ وأحكام واختيارات وذلك من

خالل التجربة اإلنسانية، والقيم كانت املوجه الرئيسي للمجتمع فيما خيص ما هو مرغوب فيه وما هو مرفوض؛ وتتميز القيم بقدرهتا على التفضيل بني الناس حيث كل من حيمل هذه القيم حيظى هبيمنة ومكانة اجتماعية

عالية. أو أنظمة القيمة: حتوي جمموعة األفكار اليت يهيئ لنا أهنا مهمة يف

٢١٣

احلياة، فهي تقود باقي مكونات الثقافة. ويف الفكر األجنلوسكسوني، القيم توضع يف املرتبة األوىل لتأسيس الثقافة اجلماعية، والقيم: هي جل

تؤلف القيم نسقا متماسكا، فتحتل كل املعتقدات وخصوصا الدينية منها. قيمة يف هذا النسق أولوية خاصة بالقياس إىل القيم األخرى، وأنساق القيم هي املستويات اليت حنتكم إليها يف ذاتنا أمام اآلخرين، أو هي املوجهات اليت

حترك تصرفاتنا، لكي نبدو أمام اآلخرين بالصورة اليت نفضلها، فهي توجهنا يف إقناع اآلخرين والتأثري فيهم لتبين مواقف أو معتقدات أو

اجتاهات أو قيم نعتقد أهنا جديرة باالهتمام، وتسهم القيم يف إعطاء نوع من التماسك جملموع القواعد والنماذج الثقافية يف جمتمع معني، واليت إذا

للقيم وظائف أخذت منفصلة سوف يكون من الصعوبة إجياد تفسريات هلا. هامة بالنسبة للثقافة، إذ هي إحدى مقومات التكامل الثقايف.

املعايري: -٤تتشكل املعايري من خالل تراكم الطرق اليت جيب أن يسلكها األشخاص يف

وضعيات متفرقة (سلوك عام يسلكه الفرد كلما واجه نفس الوضعية)، ولكل ثقافة طريقة لفرض معايريها. ويف الغالب جند أن جممل املعايري اليت

يفرضها اجملتمع بطريقة تركيبية هي اهليكل القانوني له. مثال ذلك اللغة الفرنسية يف فرنسا فهي اللغة الرمسية، ومنه فاللغة الفرنسية هي لغة

اإلدارة ولغة القانون. لنجد يف الواليات املتحدة األمريكية تقاليد معيارية كبرية األمهية فيما خيص الصناعة واملالية، واليت بدورها أهلمت املعايري

احملاسبية يف أوروبا ويف الوقت الراهن.

٢١٤

العناصر املعرفية: -٥هي مجلة املعارف اليت حتتويها الثقافة واليت تفسر العامل الطبيعي

واالجتماعي، ومن ثم فهي معارف هلا تطبيقات وأهداف عملية يف حياة اإلنسان االجتماعية، فهي تستهدف بالدرجة األوىل إجياد توافق بني اإلنسان

وبيئته، وتدعيم احلياة اجلماعية، واحملافظة على بقاء أعضاء اجلماعة واستمرارهم يف الوجود، وذلك مثل العناصر املعرفية اليت تتعلق بطرق

احلصول على الطعام وإعداده وبناء املساكن والطرق اليت تتبعها اجلماعة يف محاية أفرادها من قسوة الطبيعة، ومن خصوصية هذه العناصر أهنا

مكتسبة يكتسبها الفرد يف اجملتمع عن طريق التعلم، وتنتقل من جيل إىل

. ١"H. JOHNSONجيل. حسب "هاري جونسون العادات: -٦

من بني العناصر الثقافية اليت تبدو أكثر عمومية هي العادات، وهي تكرار عملية معينة، أو النشاط "الالشعوري" والالواعي لعملية ما، والناتج عن

تكرار فعل حتى لو كان فعال اجتماعيا، والعادات تكون فردية، تتكون ومتارس يف حاالت العزلة عن اجملتمع، فيكاد اإلنسان يكون جمموع عادات

متشي على األرض، بل إن قيمته تعتمد يف بعض األحيان على عاداته. وفيما خيص العادة اجلماعية فهي جمموعة من األفعال واألعمال وألوان السلوك اليت تنشأ يف قلب اجلماعة بصفة تلقائية لتحقيق أغراض تتعلق مبظاهر

سلوكها وأوضاعها، ومتثل ضرورة اجتماعية تستمد قوهتا من هذه الضرورة. ١. ]WIKIPEADIA,2007 [

٢١٥

األعراف: -٧وختتلف األعراف عن العادات، فاألعراف هي السنن االجتماعية اليت تدل

على املعنى الشائع لالستعماالت والعادات والتقاليد والقوانني خاصة عندما حتوي حكما، والفرق هو فرق تكويين، فالعادة عرف ناقص يعوزها لتصبح عرفا أن يشعر الناس بضرورة احرتامها، فكل عرف عادة، وليست كل عادة

عرفا. التقاليد: -٨

تعرف التقاليد على أهنا جمموعة من قواعد السلوك اخلاصة بطبقة معينة أو طائفة حملية حمدودة النطاق، وهي تنشأ عن الرضا واالتفاق اجلماعي على إجراءات وأوضاع معينة خاصة باجملتمع الذي تنشأ فيه، والتقليد ما

هو إال عادة فقدت مضموهنا ومل يعد من املمكن أحيانا التعرف على معناها -األصلي، وتغيري التقاليد حيتاج عادة إىل كسر يف النظام السياسي

.-االقتصادي القائم الشعائر: -٩

تتميز الشعائر بأهنا مصحوبة دائما حبس خاص باجلربية أو اإللزام، واملظهر الغالب للشعائر والطقوس أهنا دينية، تنظمها قواعد مقدسة أو موقرة ذات سلطة قهرية ضابطة لتتابع بعض احلركات املوجهة لتحقيق

غايات ذات وظيفة حمددة. كما اكتسب مفهوم التقاليد والشعائر بعدا سوسيولوجي جديدا يعرب عن مدى ارتباط حاضر اجملتمع مباضيه، كما أنه

يشكل أساس مستقبله.

٢١٦

الرتاث الشعيب: -١٠

الرتاث مبعناه الواسع هو ما خلفه السلف للخلف من ماديات ومعنويات أيا «كان نوعها. أو مبعنى آخر، هو كل ما ورثته األمة وتركته من إنتاج فكري

وحضاري، سواء فيما يتعلق باإلنتاج العلمي، باألدب، بالصورة احلضارية

. ١»اليت ترسم واقع األمم ومستقبلهاوأخريا يتجلى الرتاث الشعيب يف عناصر كثرية، مثل الفولكلور واملوروث

الثقايف واملعتقدات الشائعة من خرافات وأساطري، وهي يف أساسها تلقائية غري واعية ألن أساسها احملاولة العشوائية يف سد احلاجات الطبيعية

الضرورية. املؤسسات: -١١

تلك اهلياكل يف اجملتمع واليت ترتجم كل من القيم واملعايري. دائما يف مقارنة بسيطة بني اجملتمع الفرنسي واألمريكي وهي كمثال فقط:

جند يف فرنسا أن معظم املؤسسات الثقافية هي عبارة عن تنظيمات لتسيري عمومي وتنظيمات بشكل شركات بارتباط قوي مع جتمعات عمومية: (أكادميية، متحف، مكتبة...)؛ يف حني يف الواليات املتحدة

األمريكية أن القوى العامة ليس هلا تأثري كبري على الثقافة. ففي الواقع جند عدد ال يستهان به من املؤسسات الكربى تقتحم ميدان الفن والثقافة مثال: املتاحف اخلاصة... وما يشد االنتباه األكرب يف النموذج األمريكي هو وجد

رجال أعمال ومليارديرات وهبوا أنفسهم وثرواهتم لتأسيس جممعات (حتمل

] ١٣ص– ١٩٨٨[سليمان، .١

٢١٧

فيما بعد أمسائهم ) ليصبح هلذه األخرية تأثري ملموس على الثقافة يف

" ؛ Guggenheimm ,Metropolitanاجملتمع كمثال ذلك (املتاحف الكربى"

...) ناهيك عن التنظيمات Carnegie، كرجني FORDاملؤسسات: فورد األخرى وخصوصا املالية منها أو الثقافية ذات اهلدف الرحبي كاملؤسسات

، WARNERالتلفزيونية واليت كانت هلا إفرازات على العامل كله (وورنر

. يف الوقت نفسه جند يف هذه املقاربة بني ١. ..)DISNEY ديزنيالنموذجني الفرنسي واألمريكي نتيجة تعترب أحد أهداف البحث ككل (تأثري

األنظمة االقتصادية على الثقافة ) وهي إشارة سابقة ألواهنا فرضها تسلسل الدراسة.

أوجه الثقافة: .٢للثقافة عدة أوجه وهذا من وجهة نظر األجنلوسكسونية؛ نستعني هبا ملزيد

من الفهم حول هذا املتغري. وهي كما يلي: الثقافة كحضارة: -١

أخذ كثري من الناس فكرة عن الثقافة وخصوصا الغرب وبالتحديد األوربيني الذين عاشوا فرتة تطور كبرية يف هناية القرن الثامن عشر وبداية القرن

التاسع عشر. أين عكس مفهوم الثقافة عدم املساواة بني اجملتمعات األوربية، وحتى بني القوى األوربية ومستعمراهتا يف خمتلف أرجاء العامل،

حينها رادف مصطلح "الثقافة" مصطلح " احلضارة". ١. ]WIKIPEADIA,2007 [

٢١٨

أين بدأت معامل التصنيف تظهر فأصبحت هناك بلدان أكثر حضارة أو حتضر من بلدان أخرى ويف املقابل بعض األفراد أكثر ثقافة من البعض

اآلخر. ويف نفس اجملال من ناحية أخرى انعكس مفهوم الثقافة على جمموعة من النشاطات ك: تظاهرات املتاحف، الفن، واملوسيقى

الكالسيكية، فأصبح العامل املثقف يصف األشخاص الذين هلم معرفة هبذه النشاطات "بذوي املستوى الثقايف الرفيع"، أعطوا عدة ألقاب لتمييزهم عن

باقي فئات اجملتمع حتى املثقفة منها. ومع مرور الوقت ويف هناية القرن العشرين بدأت تضمحل املقاربة اليت تربط الثقافة باحلضارة شيئا فشيئا،

لكن هذا ال يعين أهنا انعدمت فالكثري من الدراسات العلمية تؤكد تقارب

أينما وجدت احلضارة توجد « املفهومني وخصوصا إذا تعلق األمر بالتواجد

، ففي الكثري من األحيان ما »معها الثقافة حتى وإن كانت ال تعين احلضارةتفرز احلضارة ثقافتها اخلاصة فريبط مصطلح الثقافة بتلك احلضارة

ويرتادف املصطلحان يف التعبري عن حالة اجملتمع يف تلك الفرتة (املستوى الثقايف واحلضاري).

الثقافة كرموز: -٢

CLIFFORDالرؤية الرمزية للثقافة حسب وصية كل من "كلفورد قريتز

GIEERTZ )و "فيكتور تورنر ١٩٧٥ "(VICTOR TURNER )١٩٦٧ "(هي أن الرموز عبارة عن: ممارسات األفراد االجتماعية واإلطار الذي مينح تلك املمارسات معنى، أي أن األفراد يف اجملتمع يستعملون الرموز للتخاطب

فيما بينهم، وبالطبع لكل رمز خصوصية ومعنى. ومن جهة أخرى الرمز

٢١٩

حيدد حدود الفكر الثقايف. الثقافة كميكانيزم مستقر: -٣

تأخذ النظريات الثقافية احلديثة على كوهنا ناتج ميول فطرية مستقرة للتطور املتشابه بني اجملتمعات ككل، بأكثر توضيح هلذه النقطة جند أن

الثقافة هي متغري قابل للتطور ضمن ميكانيزم مستقر أي أن هناك مكونات هلذا املتغري جد حساسة للتطور يف نفس الوقت ختضع لثوابت نادرا ما

تتغري، هلذا فإنه جيب التفريق بني كون الثقافة متغري قابل للتطور وكوهنا يف

. ١نفس الوقت متغري نادر التغري (فهي إذا ميكانيزم مستقر)

:٢عناصر الثقافة .٣غري بعيدين عما قاله "رالف لنتون" تأتي النقطة املوالية يف إحدى أهم

حتليالت تصنيف "رالف لنتون" لعناصر الثقافة. الحظ "رالف لنتون" أن لكل جمتمع ثقافة متجانسة وأن حمتوى هذه الثقافة يضم ثالث أقسام من

العناصر وهي كاآلتي:وهي األفكار والعادات والتقاليد واالستجابات العاطفية العموميات: -١

املختلفة، وأمناط السلوك وطرق التفكري اليت يشرتك فيها مجيع أفراد اجملتمع العاقلون، كما تشمل "العموميات" اللغة اليت يتكلم الناس، وطريقة

األكل وطريقة بناء املساكن، واألمناط األساسية للعالقات االجتماعية. واملالحظ أيضا أن هذه العموميات ختتلف من ثقافة إىل أخرى ويصبح

] ٢٠٠٦[عماد، .١ ] ٩٠-٨٢،ص.ص ١٩٩١[السويدي، .٢

٢٢٠

األساس العام للثقافة الذي تتميز به عن أي ثقافة أخرى. تكتسب عموميات الثقافة السمات األساسية هلذه الثقافة واليت تؤدي إىل تشكيل منط مشرتك من االجتاهات ميتاز به أفراد ثقافة عن غريها من الثقافات األخرى، حبيث يستطيع الفرد إذا ما عرف هذه العموميات أن مييز الفرد الذي ينتمي إىل

ثقافته. كما تشمل العموميات التاريخ املشرتك للجماعة مبا فيه من ذكريات وماض مشرتك، مما جيعل من اليسري على األفراد أن تتوثق بينهم الوحدة،

فاألفراد يشعرون بأن هلم ماض مشرتك مما يؤدي إىل بلورة منط ميكن على أساسه بناء احتادهم. باإلضافة إىل اللغة والتاريخ جند أن التعليم

والذي كثر احلديث عن أمهيته يف موضوع الثقافة هو اآلخر من العموميات األساسية يف بناء الثقافة، فهو وسيلة لتوحيد اجملتمع ومتاسكه االجتماعي،

واملدرسة كمؤسسة اجتماعية تعليمية تعين بالعموميات "العناصر الثقافية العامة" اليت جيب على أفراد اجملتمع أن يكتسبوها وأن يوجهوا سلوكهم على

أساسها. وال شك أن التعليم املشرتك يقوم على عموميات الثقافة يف أي جمتمع من اجملتمعات. وهلذا اهتمت خمتلف الدول يف العصر احلديث

بعنصر التعليم نظرا لدوره الفعال يف عملية التنشئة الثقافية، فسنت هلا القوانني اخلاصة اليت جتعل منها ضرورة شبه حتمية على أفراد اجملتمع.

العناصر الثقافية التخصصية: -٢تكرر ذكر أن لكل جمتمع ثقافته اخلاصة، ويف هذا العنصر حناول اإلشارة

أنه لكل مجاعة أو فئة من اجملتمع عناصر ثقافية حكر عليه أو باألحرى حيتكرها، وتلك العناصر الثقافية التخصصية هي تلك العناصر من الثقافة

٢٢١

اليت تشرتك فيها جمموعة من األفراد هلا تنظيمها االجتماعي اخلاص، واليت ال يشرتك فيها مجيع أفراد اجملتمع. وتتمثل هذه العناصر يف العادات

والتقاليد واألمناط السلوكية املختلفة املتعلقة بنشاطات اجتماعية هلا تأثريها املتبادل، وقد حددها اجملتمع لتغطية خمتلف أنشطة احلياة فيه، وذلك يف نطاق تقسيم العمل بني أفراده وفئاته. وإذ كانت معظم العناصر

الثقافية التخصصية تتعلق باملهارات اليدوية واملعرفة الفنية، فإن جزءا كبريا منها خاص باستغالل البيئة الطبيعة والسيطرة عليها، وعلى الرغم من أن

هذه العناصر الثقافية ال يشرتك فيها مجيع أفراد اجملتمع، فإن الفوائد الناجتة عنها مشرتكة بالنسبة جلميع األفراد، ولدى كل واحد منهم فكرة

عامة وواضحة عن نتيجة هذه النشاطات التخصصية املختلفة (مثال ذلك: اخلباز، احلداد، املعلم، القاضي. ..) كل واحد منهم على علم مبا حتققه له

بقية التخصصات األخرى من مزايا يف حياته وإن كان هو ال حيسنها. البدائل: أو العناصر الثقافية البديلة: -٣

هي البني بني العنصرين سابقي الذكر فهي املوجودة لدى أفراد معينني من اجملتمع، ولكنها ال تكون مشرتك بني أفراد الثقافة الواحدة، وإمنا تسود بني أفراد فئة أو مجاعة هلا تنظيم اجتماعي معني، أي أن هذه العناصر ليست

من "العموميات" الثقافية حبيث يشرتك فيها أفراد فئة أو مجاعة أو مهنة أو حرفة، وإمنا هي عناصر ثقافية تتضمن جماال واسعا ومتنوعا من األفكار

والعادات واألمناط السلوكية وطرق التفكري. ومتثل استجابات خمتلفة ملواقف متشاهبة أو وسائل خمتلفة لتحقيق أهداف متشاهبة، وهي عناصر

٢٢٢

ثقافية تظل مرتددة حائرة على سطح الثقافة قبل أن تتحول إىل عناصر ثقافية ختصصية أو عامة، لتثبت وتستقر بعد ذلك وتتميز هذه العناصر

بكثرهتا وهذه الكثرة إمنا هي معيار ملدى تطور ثقافة اجملتمع (عالقة طردية بني كثرة العناصر البديلة وتطور الثقافة). كما تشري بعض الدراسات أن معظم العناصر الثقافية البديلة هي نتاج تداخل عدد من الثقافات فيما

بينها، واملالحظ أنه عندما تظهر عناصر ثقافية بديلة يف الثقافة، فإهنا تتسبب يف اضطراب يف النمط الثقايف العام وبدرجات خمتلفة، حيث تبدأ

يف منافسة العناصر الثقافية األصلية "العناصر العامة والعناصر التخصصية"، يستدعي قبول هذه البدائل، ومن ثم قبول التغري يف العالقات بني خمتلف العوامل وعلى تأثري كثرة العناصر البديلة الذي يؤدي إىل وجود

ثقافة متطورة ومتغرية، فإن قلتها نسبيا تؤدي إىل درجة عالية من االستقرار بالنسبة هلذه الثقافة. والظاهر أن تتبع العناصر البديلة أشق كثريا من معرفة وتتبع العناصر العامة والتخصصية، فهناك العديد من

خصائص هذه الفئة اليت قد ال يشرتك فيها إال عدد قليل جدا من السكان، ولذا حيتمل أن يهملها اآلخرون، ومثة خصائص أخرى قد تتعارض عادة مع

األفكار والقيم اليت تقرها أغلبية أعضاء اجملتمع، مما جيعل األشخاص الذين يشرتكون فيها يرتددون يف التحدث عنها. ويف احلالتني لن يتمكن الباحث من اكتشاف عدد كبري منها إال إذا جنح يف إقامة عالقات وثيقة

وغري رمسية مع العديد من أفراد اجملتمع الذي يدرسه.

٢٢٣

الفرع الثاني: خصائص ووظائف الثقافة: خصائص الثقافة: .١

خيتص كل جمتمع بثقافة مميزة لذا فإن لكل ثقافة مميزات، لكن تلك املميزات جتتمع يف نقط هي خصائص الثقافة كمفهوم جمرد وظاهرة

:١اجتماعية حبد ذاهتا كما يلي متيز واستقالل الثقافة: -١

إن الثقافة منفصلة ومستقلة حبد ذاهتا عن األفراد الذين حيملوهنا وميارسوهنا يف حياهتم اليومية، واملقصود بذلك أن عناصر الثقافة يكتسبها

اإلنسان بواسطة التعلم من اجملتمع الذي يعيش فيه وذلك على اعتبار أهنا هي الرتاث االجتماعي الذي يرتاكم على مر العصور، حبيث يتمثل يف آخر األمر يف شكل تقاليد متوارثة. شدد معظم العلماء على أن الثقافة ترتكز

على عنصر "التعليم" أو "االكتساب" يف تقصي مفهومها وألغوا احتمال كوهنا فطرية أو مورثة بيولوجية، ومنه فهي حصيلة العمل واالخرتاع واالبتكار

االجتماعي أو أهنا حصيلة النشاط البشري، وأن وجودها غري مرتبط بوجود األفراد من حيث هم أفراد.

االستمرار: -٢أكد "إدوارد تايلور" على أن استمرار الثقافة من أهم خصائص هذه األخرية،

فالعناصر الثقافية هلا القدرة اهلائلة على االنتقال من جيل إىل آخر لعدة قرون، ورغم تعاقب األحداث فإن كثريا من املالمح اليت متثل العادات

] ٨٠-٧٦،ص.ص ١٩٩١[السويدي، .١

٢٢٤

واألفكار والعقائد واخلرافات... حتتفظ بوجودها وكياهنا لعدة أجيال. يدعم "رالف لنتون" قول "إ. تايلور" فيما خيص استمرار الثقافة، يزيد

فيؤكد على أن استمرار هذه األخرية نابع بالضرورة من تصور الثقافة على

الرتاث االجتماعي الذي يرثه أعضاء اجملتمع كل جيل عن «أهنا ذلك

، هذا مع األخذ بعني االعتبار أن للثقافة عناصر »األجيال السابقة وخصائص أساسية أصلية هي اليت تتجذر وتستمر يف اجملتمع.

الثقافة سلوك مكتسب: -٣سبق وأن أشرنا إىل كون التعليم عنصر رئيسي يف مسألة الثقافة، من هنا

تربز خاصية أخرى من خصائص الثقافة أال وهي أهنا سلوك مكتسب. فاإلنسان يعتمد إىل حد كبري على الوراثة الثقافية، فهو خالل حياته حيصل على املعلومات اجلديدة تدرجييا من وسطه االجتماعي لتوجيه سلوكه فيما

بعد وخالل املراحل املختلفة من عمره. يكتسب اإلنسان مسات ثقافته بواسطة التعليم أو التلقني الذي يعين انتقال املعلومات والتجارب، إىل حد كبري بواسطة االتصال باآلخرين. كما أن التعليم يؤدي وظائف متعددة، إذ

يسهل التفاهم بني األفراد الذين يشكلون اجملتمع، ويعمل على إجياد شبكة من العادات واألعراف والتوقعات املتبادلة اليت ترتبط معا يف وحدات

اجتماعية. الثقافة فوق عضوية: -٤

املقصود أن الثقافة تستمر بعد أجيال عديدة، مما يؤكد أن مضموهنا هو نتاج اجملتمع اإلنساني، أكثر من كونه نتاجا بيولوجيا له، فالتطور الثقايف

٢٢٥

" وغريه من علماء األنثروبولوجيا D. BIDNEZكما يرى "دافيد بيدني مرتبطا بالبناء العضوي لإلنسان. فقدرة اإلنسان على االخرتاع واإلبداع ال

حد هلا وهو ما يعين اكتساب أشكال جديدة للحياة، دون أن يكون هناك أدنى تغيري أو حتويل يف بنائه العضوي.

الرتاكم واالنتقال: -٥من أهم خواص الثقافة هو انتقاهلا من جيل آلخر، وكما أشرنا سابقا فإن للمجتمع قدرة على خلق الثقافة دون املساس بالثقافة األصل ومنه حيدث

تراكم، وعلى املستوى الفردي ميكن للفرد أن ينمو على حصيلة األجيال السابقة، فهو ليس حباجة إىل أن يبدأ من جديد يف كل جيل، كما جند كثريا

من مظاهر الثقافة قد تراكمت وبطرق خمتلفة، وخري مثال على ذلك "العناصر التكنولوجية" والتغريات اليت تطرأ على خصائصها ووظائفها.

التعقيد والرتكيب: -٦اجتمع رأي عدد من علماء األنثروبولوجيا حول هذه اخلاصية يف مجلة

التعاريف اليت قدموها وعلى رأسهم كل من "كروبر وكلوكهون"، باإلضافة إىل "إدوارد تايلور" و"ديكسون"... فالثقافة تتألف من أمناط مسترتة أو ظاهرة للسلوك املكتسب واملنقول عن طريق الرموز، فضال عن االجنازات املتميزة للجماعات اإلنسانية، ويتضمن ذلك األشياء املصنوعة، أما جوهر الثقافة

فيتكون من أفكار تقليدية وكافة القيم املتصلة هبا، وكل هذا يصب يف تعقيد الثقافة. كما أكد "رالف لنتون" على أن الثقافة كل معقد إىل أبعد حدود التعقيد، وذلك نظرا الشتماهلا على عدد كبري جدا من السمات واملالمح

٢٢٦

والعناصر اليت حاولت بعض التعريفات أن تذكر جانبا منها، يرجع ذلك التعقيد حلد كبري إىل تراكم الرتاث االجتماعي خالل عصور طويلة من

الزمن، وكذلك إىل استعارة كثري من السمات الثقافية من خارج اجملتمع. وجوهر التعقيد يكمن يف أن الفرد لن يستطيع أن يكسب خمتلف عناصر

الثقافة السائدة يف اجملتمع الذي ينتمي إليه. التوافق والتكيف: -٧

طبيعة منو اإلنسان جتعل منه لبنة يسهل تشكيلها من طرف اجملتمع، ومبا أن لكل جمتمع ثقافته فإن هذه األخرية هي اليت ترسم معامل شخصية الفرد

بطريقة بسيطة وسلسة دون تدخل متغريات أخرى. حيث يبدأ الفرد يف التوافق يف مرحلة مبكرة من العمر، وباملمارسة يزداد توافقه مع خمتلف

جوانب احلياة يف اجملتمع، حبيث تصبح أكثر سهولة ويسرا، وهذا بفضل التوافق الثقايف. كما أن عملية التكييف والتوافق ختتلف من جمتمع آلخر،

فهي سهلة يف بعض اجملتمعات عكس البعض اآلخر، فلكل جمتمع منوه التارخيي املتفرد، وجمموعة املواقف ومنط األدوار الثقافية ومن ثم فكل جمتمع ختتلف فيه عملية التنشئة االجتماعية باختالف طبيعة الثقافة.

الذيوع واالنتشار: -٨من اخلواص الظاهرة واحملسوسة للثقافة هي انتشار عناصرها ومساهتا

داخل اجملتمع الواحد، أو بني عدد من اجملتمعات، ويعرف االنتشار الثقايف بأنه العملية اليت ينتشر بواسطتها العنصر الثقايف من فرد أو مجاعة أو جمتمع إىل فرد أو مجاعة أو جمتمع آخر، ويفسر االنتشار الثقايف بأنه

٢٢٧

عملية يف دينامية الثقافة تنتشر فيها العناصر أو املركبات الثقافية «بأنه

، ولعملية الذيوع واالنتشار "حمركات" أو وسائل تتم من »من جمتمع آلخر خالهلا كالتجارة واحلروب واآلداب. ..

الثبات والتغري: -٩حتدثنا عن الثبات كخاصية مالزمة للثقافة فهي تتأصل و تتجذر يف

اجملتمع ولكنها حتمل يف طياهتا معامل التغيري فهي متغرية. والواقع أن هاتني اخلاصيتني متالزمتان منطقيا، ذلك أن التغيري ال ميكن أن يقاس إال مقابل

العناصر اليت تعد ثابتة نسبيا. كما ال ميكن قياس الثبات إال مقابل تلك العناصر اليت تتغري بسرعة أكرب.

التكامل: -١٠املقصود أن العناصر الثقافية تؤلف فيما بينها كال متكامال متناسقا هذا ما

اجتمع عليه معظم علماء الثقافة. لكن طرح جدل كبري بني عدد من علماء األنثروبولوجيا املعاصرين حول إذا كان هذا التكامل تاما أم مطلقا، وطرحت

معه إشكالية وضوح التكامل الثقايف عندما تكون مركباته الثقافية غري متجانسة وأين تكون العناصر الثقافية يف تغيري مستمر، وهو نقاش بعيد

عن متطلبات حبثنا. اخلاصية االجتماعية: -١١

ختلق الثقافة بفضل خاصيتها االجتماعية خليط بني التوقعات املعيارية وأمناط مثالية للسلوك يف اجملتمع، إذ عادة ما ينظر إىل العادات اجلماعية اليت تتضمنها الثقافة على أهنا أمناط مثالية للسلوك، وعلى أفراد اجملتمع

٢٢٨

أن يتوافقوا معها. يف نفس الوقت جند أن املالحظ أن بعض األفراد يقتسمون توقعات معينة ذات صفة معيارية، تؤكد اخلاصية االجتماعية

للثقافة، هذه التوقعات ليست إال نتاجا للتفاعل االجتماعي، ويتخذ السلوك شكال معينا لألنشطة اخلاصة باجلماعة، إذ لكل مجاعة منظمة ثقافتها

املكونة هلذه التوقعات املعيارية. وأكد عامل األنثروبولوجيا "رالف لنتون" هذه

جيب أن نذكر أن الثقافة «: -دراسة اإلنسان–اخلاصية حني قال يف كتابه ظاهرة اجتماعية نفسية وليست ظاهرة عضوية، وإذا أمكن وصفها بأهنا

موجودة، فمعنى ذلك أهنا تتألف من عناصر تشرتك فيها شخصيات األفراد

. »الذين يسهمون يف الثقافةتلعب الثقافة عدد من األدوار بالنسبة للفرد واجلماعة، ممثلة فيما تقدمه

للفرد من طرق ووسائل إلشباع حاجاته ومطالبه البيولوجية والنفسية االجتماعية، وكذا هي توفر للجماعة املناخ الرئيسي للتعايش والتفاهم فيما

:١بينهم وهذه الوظائف هي كالتايل هي مفتاح املعرفة السليمة بالنسبة للفرد، فهي تعطيه القدرة على

التصرف يف أي موقف كما هتيئ له أسباب التفكري والشعور. تعطي الثقافة الفرد ما يشبع به حاجته البيولوجية، إذ ليس على الفرد

أن يبدأ من الصفر ليتمكن من إشباع جوعه مثال، وذلك ألن خمتلف الطرق واألساليب اليت تنظم هذه الوظائف وتصبها يف قوالب حمددة،

معروفة من قبل ويوجهها اإلنسان بالتدريج يف مراحل منوه املختلفة، كما ] ٩٥-٩٢،ص.ص ١٩٩١[السويدي، .١

٢٢٩

تعلم الثقافة أين ومتى يشبع حاجاته هذه وغريها. يتعدى دور الثقافة تزويد األفراد بطرق إشباع حاجاهتم، فتطور لديهم

حاجات جديدة، فرغبة اإلنسان يف التدخني تكون يف بعض األحيان أقوى من حاجته إىل الطعام والشراب، واختالف الرغبات وشدهتا وقد تتنافى شدة الرغبة مع املنطق املفروض من طرف الثقافة يف حد ذاهتا.

تعترب الثقافة مرجع أفراد اجلماعة يف تفسري أصل اإلنسان والكونوالظواهر اليت يتعرضون هلا كالزالزل والعواصف... ولكن قد تكون هذه

التفسريات املقنعة من النوع اخلرايف، وقد تكون على أساس علمي جترييب (األرض كروية الشكل تدور حول نفسها) ويف كال احلالتني

جتيب الثقافة على تساؤالت أفرادها بطريقة أو بأخرى. حتدد الثقافة خمتلف املواقف وتعرفها ألعضائها كما تزودهم مبعاني

األشياء واألحداث، وهلذا يستمد أفراد الثقافة الواحدة من ثقافتهم عددا من املفاهيم األساسية لكي يتمكنوا من حتديد ما هو طبيعي وغري

طبيعي، منطقي وغري منطقي، مجيل وقبيح، كريم وخبيل، خري وشر...اخل، أي أن الثقافة حتدد معنى احلياة وهدف الوجود.

تكسب الثقافة اجلماعة الضمري الذي ينبثق من اإلمجاع، ذلك أن ترسيخقيم اجلماعة ومستوياهتا يؤدي يف العادة إىل امتزاج يف شخصية كل فرد

من أفرادها، األمر الذي يؤدي إىل شعور كل واحد منهم بالذنب والندم  عند خمالفة هذه القيم.

ترسم الثقافة معامل الوحدة والشعور باالنتماء، ألهنا تربط أعضاءها يف

٢٣٠

مجاعة واحدة يشعرون باالندماج فيها، يظهر هذا جليا عندما يتقابل شخصان من ثقافتني خمتلفتني فيحس كل منهما مبدى انتمائه وتعلقه

بثقافته. ترسخ الثقافة مكانة األفراد يف جمتمعهم وتعطيهم منزالهتم وحتفظها

هلم، فتقيم بينهم نوع من الرضا والعدل يف توزيع الرتب ذلك من خالل تقديم الوسائل الضرورية ألفراد اجملتمع للقيام بأدوارهم، ولذلك كانت

الثقافة تربة خصبة لنمو وترعرع الشخصية وازدهارها. تعترب الثقافة قاعدة االحتماالت اليت تتوفر لدى الفرد واجلماعة اليت

جيد نفسه مضطر لالختيار منها ملواجهة عدد من الصعوبات، وقد جيد  أمامه أيضا عدد كبري من البدائل األخرى أو الفرص.

يواجه األفراد يف الثقافة املعقدة احتماالت تفكك الشخصية يف بعضاألحيان أكثر من احتماالت التكامل، وهلذا تكثر األمراض النفسية نتيجة

تعرض الفرد لضغوط كثرية، ولتعدد اجلماعات اليت ينتمي إليها وهي اجلماعات اليت حيتاج كل منها إىل تكيف من نوع معني قد يفشل فيه

الفرد.

املبحث الثاني عموميات الثقافة االجتماعية

هذا املبحث على مطلبني منفصلني. أين نتناول يف املطلب األول جل ينطوي الظواهر الثقافية اليت تعرضت للدراسة وحازت عل اهتمام مجلة من

ونعرض هذه منظري علم االجتماع، األنثروبولوجيا وعلم االجتماع الثقايف،

٢٣١

ونعرض هذه الظواهر هبدف فهم آليات وتداخالت عمل الثقافة االجتماعية.

ثم حناول يف املطلب الثاني إدراج مثال خمتصر عن واحدة من أهم الثقافات االجتماعية اليت عرفتها البشرية مجعاء، نقصد بكل تأكيد "الثقافة العربية

اإلسالمية" ونشري أهنا جمرد حملة فقط وليست حتى دراسة مبسطة. املطلب األول

أهم الظواهر الثقافية: (التنوع، االنتشار والتغري الثقايف، التخلف والتكامل الثقايف):

للثقافة عدة ظواهر تتداخل فيما بينها، ولعل دراسة هذه الظواهر يقدم لنا فكرة أمشل للثقافة وآليات عملها وهو ما قدمناه بطريقة حاولنا من خالهلا

خدمة البحث وأهدافه. مت تقسيم هذه الظواهر إىل قسمني حسب درجة االرتباط فيما بينها،

ونقول حسب درجة االرتباط ألنه يف األصل هي كلها مرتابطة ومتداخلة بعالقات معقدة نتفادى الدخول فيها.

الفرع األول: التنوع، االنتشار والتغري الثقايف:ظواهر ارتبطت فيما بينها على أساس األوىل والثانية تعتربان من أهم

مسببات الثالثة، وهي ظواهر صنفت على أهنا ثقافية تعيشها جل اجملتمعات وعلى خمتلف املراحل التارخيية لتطورها. وترجع أمهيتها إىل

كوهنا أحد أهم التفسريات للكثري من الظواهر االجتماعية واالقتصادية على غرار التغري االجتماعي والتطور االقتصادي.

٢٣٢

: التنوع الثقايف: أواليعترب التنوع الثقايف من أهم املواضيع اليت نوقشت يف موضوع الثقافة، حتى

أن هذا النقاش مل يفصل فيه بعد إىل يومنا هذا ولعل اهتمام جل دول العامل هبذا العنصر مل يأتي من فراغ وما يزيد على أمهيته هو اهتمام هيئة األمم

وعقد مؤمتر دويل هبذا اخلصوص حتت عنوان اتفاقية UNESCOاملتحدة )، ٢٠٠٥بشأن محاية تنوع املضامني الثقافية وأشكال التعبري الفين (باريس،

الذي متخض عنه تقرير أكد على ضرورة محاية التنوع الثقايف وتعزيزه

. لذا سنناقشها يف ١وصونه على اعتباره ثروة نفسية لألفراد واجملتمعات قسمني رئيسيني مها:

.اإلطار النظري والتارخيي للتنوع الثقايف 

:ما متخض عنه تقريرUNESCO.يف خصوص التنوع الثقايف :

اإلطار النظري والتارخيي للتنوع الثقايف: .١تنوعت الثقافات يف الزمان واملكان، وهو ما يعين أن الثقافات ختتلف

اختالفا كبريا من بيئة إىل أخرى، بل ويف اجملتمع الواحد من جيل إىل آخر، لنصل إىل أن الثقافة تتباين يف الزمان واملكان بقدر تباينها يف النوع واألصل.

حتى وإن تشاهبت حاجات اإلنسان (األكل، النوم...) فإن طريقة إشباعها ختتلف من ثقافة إىل أخرى، أي أنه تعددت الثقافات واإلنسان واحد. من

٢هذا يرى عامل االجتماع واألنثروبولوجيا الفرنسي "كلود ليفي سرتاوس" ١. ]UNESCO ،٢٤ص -٢٠٠٥[ ] ٩٤ص -١٩٩١[السويدي، .٢

٢٣٣

أنه جيب علينا أن نرى أن مبدأ التنوع يف الثقافات بدأ مرن، ألن هذا التنوع ليس تنوعا جامدا أو جاف، إذ مما ال شك فيه أن اإلنسان قد أنتج ثقافات خمتلفة وذلك بسبب البعد اجلغرايف وخصائص الوسط الطبيعي، أو بسبب جهله لباقي اجملتمعات من بين جنسه، غري أن هذا ال يكون صحيحا إال إذا كانت كل ثقافة أو كل جمتمع قد نشأ وتطور مبعزل عن مجيع الثقافات أو

اجملتمعات األخرى، وهذا نادر جدا، فاجملتمعات البشرية ليست وحدها أبدا، وعندما تبدوا أكثر انفصاال عن بعضها البعض، فإمنا حيصل ذلك يف شكل جمموعة من اجملتمعات تكون على صلة ببعضها البعض. وإىل جانب

االختالفات املذكورة، والناجتة عن االنفصال واالنعزال فهناك اختالفات أخرى هلا نفس األمهية، أساسها اجلوار، وهي تعود إىل الرغبة يف املعارضة

والتميز، إذ هناك عادات كثرية تنشأ ال من حاجة داخلية أو من طارئ طبيعي أو اجتماعي، وإمنا من الرغبة يف معارضة جمتمع جماور، والوقوف

ضد ثقافته حتى ال تتسرب إىل ثقافة ذلك اجملتمع اجملاور (الثقافة اإلسالمية والثقافة األوربية).

وهنا فإن "سرتاوس" يفصل نسبيا يف هذه املسألة عندما قرر أنه ال جيب أن ننظر إىل الثقافات اإلنسانية من زاوية كوهنا جمزأة ومتفردة، وذلك أن هذا التنوع ليس وليد انفصال اجملتمعات اإلنسانية، بقدر ما هو وليد العالقات

اليت جتمع بينها.

: يف خصوص التنوع الثقايف:UNESCOما متخض عنه تقرير: .٢

" اهتمام كبري مبوضوع التنوع الثقايف وهو ما أكده UNESCOلقد أولت "

٢٣٤

املؤمتر الذي جاء حتت عنوان" اتفاقية بشأن محاية تنوع املضامني الثقافية ، حيث عزم ٢٠٠٥مارس ٣وأشكال التعبري الفين "املقام ب"باريس" يف يوم

جل األعضاء املشاركني على نقاش مسألة التنوع الثقايف وإعطائها بعدها الصحيح ورسم معاملها، وذلك كعالج ملشكلة يرى األعضاء أهنا من أخطر املشاكل املعاصرة وهي "صدام احلضارات"، فقد سطرت أهداف ومبادئ

هلذا املؤمتر وكل ما يهم هو جوهر النقاش الذي دار واإلطار النظري الذي متخض عنه، على أن نعود إىل التقرير كلما استدعت الضرورة ذلك.

: UNESCOتعريف التنوع الثقايف عند -١يقصد بعبارة "التنوع الثقايف" الطرق املتنوعة اليت يتم بواسطتها التعبري عن ثقافات الفئات اإلجتماعية واجملتمعات. ويتم تناقل أشكال التعبري عن هذه

الثقافات داخل اجملتمعات وفيما بينها وال تنغلق بالضرورة داخل إطار احلدود الوطنية. ومن األشكال املتنوعة اليت تتبدى هبا الثقافة عرب الزمان واملكان تنبع خصوصية وتعددية اهلويات وهو ما يعرف ب: "أشكال التعبري الثقايف" للشعوب واجملتمعات اليت تتألف منها البشرية، وال يتجلى التنوع الثقايف فقط من خالل تنوع أساليب التعبري عن الرتاث الثقايف للبشرية،

وأساليب محايته وإثرائه ونقله إىل األجيال املقبلة، بل يتجلى أيضا من خالل تنوع "أشكال التعبري الثقايف" اليت حتملها (السلع واخلدمات الثقافية) يف

مجيع أحناء العامل ومن خالل شتى أمنط اإلنتاج والنشر والتوزيع

.١واالستهالك، أيا كانت الوسائل والتكنولوجيات املستخدمة ١. ]UNESCO ،٢٢ص -٢٠٠٥[

٢٣٥

أشكال التعبري الثقايف: -٢يقصد بعبارة "أشكال التعبري الثقايف" أشكال أو مظاهر التعبري اليت تنقلها

"السلع واخلدمات" واألنشطة الناشئة عن إبداع أفراد أو جمموعات أو جمتمعات واليت تنطوي على "مضمون ثقايف". ويشتمل "املضمون الثقايف"

هلذه "السلع واخلدمات واألنشطة" على معنى رمزي وبعد فين وقيم ثقافية ميكن أن تنقلها هذه السلع واخلدمات واألنشطة.

هي القيم واملعاني الرمزية "أو اهلويات" الناشئة عن املضامني الثقافية:-إبداع أفراد أو جمموعات أو جمتمعات واليت ينقلها األفراد واجملموعات

واجملتمعات. السلع واخلدمات الثقافية: -٣يقصد بعبارة "السلع واخلدمات الثقافية" السلع واخلدمات واألنشطة اليت

جتسد أو تنتج (أشكال من التعبري الثقايف) وتتسم باخلصائص التالية: أهنا مثرة اجلهد البشري (الصناعي أو الفين أو احلريف) ويقتضي

إنتاجها ممارسة اإلبداع البشري. أهنا تعرب بصورة ما عن مدلول رمزي أو تنقل هذا املدلول، مما يضفي

عليها قيمة أو أمهية ثقافية متميزة عن أي قيمة جتارية قد تنطوي عليها.

أهنا تولد أو ميكن أن تولد، ملكية فكرية، سواء كانت أم مل تكن مشمولة باحلماية يف الوقت احلاضر مبوجب تشريع قائم للملكية الفكرية.

يقصد بعبارة "الصناعات الثقافية" الصناعات اليت الصناعات الثقافية:

٢٣٦

تنتج وتوزع ( السلع واخلدمات الثقافية) وفقا لتعريفها املبني أعاله. السياسات الثقافية: -٤يقصد بعبارة "السياسات الثقافية" السياسات اليت تعتمد على املستوى

احمللي أو اإلقليمي أو الوطين أو الدويل واليت تتناول أو تأثر يف أي جانب من (أشكال التعبري الثقايف) للفرد أو اجلماعة أو اجملتمع، مبا يف ذلك ابتكار

(السلع واخلدمات الثقافية) وإنتاجها وتوزيعها ونشرها والوصول إليها. إن اإلشارة إىل هذه النقطة ونقصد بالنقطة (التنوع الثقايف عند اليونسكو)

هي حديث سابق ألوانه دون التعمق على أن نعود هلذا احلديث يف الفصل الثالث، ألنه من األمهية مبا كان، باإلضافة إىل أنه يف صلب املوضوع وميثل

املنظور احلديث للتنوع الثقايف بشكل خاص والثقافة بشكل عام. ثانيا: االنتشار الثقايف:

يلعب االنتشار الثقايف دورا مزدوج يف تقدم البشرية، فقد ساعد على منو الثقافة اإلنسانية ككل، ويف نفس الوقت أغنى حمتوى الثقافات الفردية،

ودفع اجملتمعات اليت محلتها إىل األمام يف طريقها حنو الرقي والتقدم، كما ساعد االنتشار الثقايف على تعجيل تطور الثقافة ككل بإزالة احلاجة عند أي جمتمع إىل القيام بنفسه ووحده بإتقان كل خطوات أحد االخرتاعات.

كما أنه من جهة أخرى لن يكون ألي جانب كبري من معناه يتوقف على مدى انتشاره وشيوعه.

مفهوم االنتشار الثقايف: .١ ويعرف االنتشار الثقايف على أنه:

٢٣٧

انتشار عنصر ثقايف من مجاعة أو جمتمع إىل مجاعة أو جمتمع آخر، وهو «

. أو هو خمتلف العمليات املنظمة اليت ١»عملية اجتماعية أكثر منه فرديةتؤدي إىل تشابه الثقافات يف جمتمعات خمتلفة عن طريق آخر غري االخرتاع،

ويشتمل على ثالث مناذج مميزة من العمليات التارخيية تنتشر من خالهلا الثقافة وهي:

قد تنتشر الثقافة أحيانا خالل هجرة بعض األفراد، أو اجلماعات )١ويطلق على هذه العملية االنتشار األول، مثل انتشار القانون العام

 الربيطاني يف بعض بلدان إفريقيا.

قد يظهر االنتشار خالل االستعارة املباشرة أو ما يسمى باالنتشار )٢ الثانوي للثقافة، ويتضمن ذلك العناصر املادية من الثقافة.

وقد يكتفي بفكرة االنتشار لوحدها بوصفها عملية أطلق عليها "كروبر" )٣ "االنتشار املثري".

ويرى "ادوارد تايلور" أن هجرة العناصر الثقافية أو انتقاهلا أو استعارهتا من جمتمع إىل آخر عملية مقررة معروفة، نشهدها بأعيننا يف اجملتمعات احلالية، كما أن هناك أدلة قاطعة على انتقال بعض مالمح الثقافة يف

اجملتمعات التارخيية اليت لدينا عنها معلومات صادقة وأكيدة، إذن فليس هناك ما مينع من إمكان حدوث هذه اهلجرات أو االستعارات الثقافية بني

اجملتمعات القدمية األوىل، أو بني اجملتمعات البدائية القائمة اآلن، وأن هذه اهلجرات تتمثل يف استعارة بعض الفنون والصناعات، أو اقتباس بعض

] ١٥٣ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٣٨

العادات أو حتى بعض األفكار واملعتقدات والتصورات. وهنا البد أن نأخذ يف االعتبار طبيعة األشياء الثقافية، فاألشياء الثقافية املادية تنتشر بسهولة

أكرب حيث يكون االتصال سهال ميسورا (السلع االستهالكية ذات االنتشار الواسع)، لكن قد توجد بعض القيود (احملرمات بالنسبة لبعض الدول)؛

فمثال املواد املمنوعة يف ثقافة ما ال تنتقل بسهولة، واملالبس الثقيلة املصنوعة من الفراء ال هتاجر إىل املناطق املدارية. أما األفكار الدينية فإهنا

، وكذلك القصص واألساطري فإهنا تنتشر ١تنتشر وتسرى يف سهولة ويسرألهنا متاع خفيف، وعلى عكس ذلك جند التنظيمات االجتماعية اليت تبدو

أصعب اجلوانب الثقافية مجيعا على االنتقال واالنتشار. وقبل نشوء األوضاع احلديثة لالتصال بني الشعوب، كان ظهور أي عنصر ثقايف جديد يستغرق قرونا لالنتشار يف املنطقة ذاهتا، واليت ال يستغرق فيها اليوم أكثر

من بضعة أشهر وسنني على األكثر. ورغم سهولة عملية االنتشار الثقايف يف الوقت احلاضر إال انه حتكمه قواعد معينة لكي يتم، إذ من الواضح مثال أنه كلما تقاربت اجلماعتان اللتان متتلكان نفس النمط الثقايف، كان ذلك أقرب

إىل القول بأهنما اختذتاه من نفس املصدر، أو أن إحدامها استعارته من األخرى، كذلك من الضرورة أنه كلما زادت املالمح املشرتكة بينهما زادت

احتماالت وجود اتصال بينهما عن طريق االنتشار. املزج الثقايف واالحتكاك الثقايف: .١

يقصد باملزج الثقايف التثقيف من اخلارج، وهي عملية تتم بني ثقافتني، ] ١٥٥ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٣٩

إحدامها غالبة على األخرى (خاضعة)، وهي يف الغالب ناتج االستعمار أو الغزو الثقايف. حيث تفرض ثقافة أجنبية "أعلى" على ثقافة وطنية أصلية

"أدنى" وكثريا ما تتخذ القوة وسيلة إىل ذلك وهي مشكلة تتخذ أشكال كثرية: فثمة مشكلة تربز عند اتصال ثقافة أعلى بثقافة أدنى للمرة األوىل، ومثة

مشكلة ثانية، تربز عندما تكون الثقافة الوطنية قد بدأت تتحلل فعال حتت تأثري الثقافة األجنبية بعد أن يكون السكان األصليون قد تشربوا قدرا من

الثقافة األجنبية، مما يصعب معها التخلص من تلك الثقافة وبالتايل طردها.

مثة مشكلة ثالثة تربز من خالل العملية اليت يتم مبقتضاها اقتالع عدد من الشعوب من مواطنها األصلية، ثم العمل على خلطهم عشوائيا كما حدث

. ١بالفعل يف جزر اهلند الغربية

وعلى مر التاريخ تأتي فكرة االستعمار من اهلجرة، وعندما كانت الشعوب هتاجر خمرتقة آسيا وأوربا يف صور ما قبل التاريخ، ويف العصور املتقدمة،

كانت تتحرك يف إطار قبلي، أين كانت القبيلة تتحرك بكل من فيها، أو على األقل بقسم منها ميثلها متثيال كامال، ولذا فقد كانت القبيلة اليت تنتقل من

مكان إىل آخر هي مبثابة ثقافة كلية. أما خالل هجرات العصور احلديثة، فإن املهاجرين أتوا من بلدان وصلت إىل درجة عالية من التمدن، وبلغ

تنظيمها االجتماعي صورة معقدة، ومل يكن املهاجرون قط يف هذه احلالة ممثلني "لكل" ثقافة البلد الذي أتوا منه، أو كانوا ميثلوهنا بنسب خمتلفة كل

] ١٥٧ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٤٠

االختالف. وقد نقلوا أنفسهم من وسط إىل وسط أخر طبقا حلتمية اجتماعية أو دينية أو ثقافية أو سياسية.

هذا باإلضافة إىل أنه عندما حيتك شعب بآخر خيتلف عنه يف نسق حياته، فإن هذا احلادث ال يعجل بالضرورة يف حدوث تعديالت جذرية على ثقافة

أي من الشعبني، حتى لو ظل التفاعل االجتماعي قائما بينهما، ولذا قد جند حاالت ال يؤدي فيها التفاعل االجتماعي بني فئتني إىل تغيريات جذرية

يف النسق الثقايف لتكيف عند أي منهما، وإمنا يقتصر على تبادل املنافع واخلدمات والسلع التخصصية اليت بإمكان كل منهما أن يوفرها لآلخر، ومثل هذه احلالة قد ال تؤدي إىل احلد األدنى من التثقيف. ويرى "ارفنج

أن ما يعنينا من االنتشار الثقايف هو كيف حتدث التغريات من ١هالوول"االحتكاك الثقايف بني شعوب ختتلف يف نسق حياهتا، واملشكلة اليت متثل

حمور االهتمام هنا ليست يف واقع االقتباس الثقايف وال يف واقع عملية االنتشار الثقايف، وإمنا يف فهم شروط االقتباس وعملياته وأثره يف نسق

حياة شعب من الشعوب. وتضيف الباحثة " ايثل لندجرين" حيث تعرضت لدراسة العالقات اليت دامت بني القوقاز والروس وقبائل "التوجنوس" يف

االحتكاك «مشال "منشوريا" مدة قرن تقريبا، وصفتها بأهنا منوذج من

. ومن الوسائل الرئيسية للتفاعل »الثقايف الذي ال يشوبه أي صراعاالجتماعي بني هذين الشعبني األسواق واملقابالت يف الغابات، أو أحيانا تبادل الزيارات والضيافة، وعلى الرغم من هذا التفاعل، فلم تنشأ بينهما

] ١٥٨ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٤١

عالقات قائمة على الزواج، فاالتصاالت بينهما تتخذ يف أكثر احلاالت طابع حاملا تنتهي املقابالت يعود «العالقات التجارية املنتظمة، وتقول "لندجرين": . »كل منهما إىل احلياة العادية اخلاصة مبجتمعه

وهبذا نكون قد وصفنا أهم مالمح املزج واالحتكاك الثقايف بشيء من االختصار على أن الدراسة فيه ال زال باإلمكان التعمق فيها لكن ال تسري يف

مقتضيات دراستنا. االنتشار بني الثقافة املادية والالمادية: .٣

سبق وأن اشرنا إىل صلب اإلشكالية لكن مل نوفيها حقها، لنعود ونطرح اإلشكال الذي حري العديد من العلماء يف عدة ميادين. أين يعتقد عدد كبري

من علماء االجتماع واالنثروبولوجيا واالقتصاد أن الثقافة املادية واحلضارية واالقتصادية أكثر ذيوعا وانتشارا من الثقافة الالمادية أو الثقافة اليت تقوم

على اإليديولوجية والعقائد. إال أن البعض اآلخر يرون العكس، فالعنصر التكنولوجي مل يكن أكثر

امتدادا أو انتشارا من فكرته، كما مل تكن الظاهر اإليديولوجية للظاهرة العلمية التكنولوجية أقل انتشارا أو ذيوعا من عناصرها املادية. ويقف يف

مقدمة املؤيدين هلذا االجتاه عامل االجتماع األمريكي "برتيم سوروكني" الذي يرى أن العناصر اإليديولوجية تنتشر بشكل أكثر من العناصر املادية، كما

يتحقق ذلك ألي ظاهرة ثقافية أخرى. وإذا كان أصحاب هذا االجتاه يرون أن الظاهرة العلمية والتكنولوجية واالقتصادية تكون أسرع امتدادا من

الظواهر الدينية واألخالقية والفنية والتشريعية والفلسفية واللغوية.

٢٤٢

حينئذ تكون افرتاضاهتم حمل تساؤل واستفهام حتى ولو بدت آراؤهم يف هذه الصيغة منطقية. ويستند "سوروكني" يف نقده لنظرية "ويليام أوجربن"

، »تغري الثقافة املادية أسرع من الثقافة الالمادية«حني قال هذا األخري أن إىل أن انتشار الديانات التبشريية العاملية كاإلسالم واملسيحية وانتشار

اإليديولوجية االشرتاكية واستمرار القانون الروماني والنابليوني كمصدر للقانون املدني، وهناك مثال آخر نالحظه يف التقبل العاملي لفلسفة التنمية

االقتصادية بالنسبة للدول النامية. وخيلص هذا االجتاه إىل أن الظاهرة سواء كانت دينية أو فنية أو علمية أو اقتصادية فإن فكرهتا والدعوة إليها تصل أوال، ثم يبدأ تأثريها على السلوك االجتماعي وعلى الثقافة املادية.

ويؤكد أيضا بعض علماء االجتماع أن عناصر الثقافة التكنولوجية واألنساق الثقافية يف اجملتمع الصناعي تتغري بالدرجة األوىل من الداخل، نظرا لوجود

" املادة اخلام" واملعرفة الالزمة، إىل جانب القدرة العقلية اليت يتطلبها االخرتاع يف األشياء املادية، واحلاجة املادية اليت تؤدي إىل مزيد من التقديم

يف هذا امليدان.

ويفصل نوعا ما العالمة "رالف لينتون" يف هذه املسألة حيث يقرر أنه كلما كان املوضوع الثقايف أكثر تعقيدا أو جتريدا، كلما كان أصعب تصوره، وهو

هلذا يكون كذلك أبطأ يف قبوله، وبالعكس كلما كان العنصر الثقايف اجلديد ذا فائدة وأقل تعقيدا، كلما كان أكثر قبوال وأسهل يف إدماجه يف الثقافة

إذا كانت اخلاصية اجلديدة تفي باحلاجة أجنع من اخلاصية «األصلية القدمية، وإذا كانت قابلة للتكيف مع النموذج العام، فإن األفراد يتبنوهنا

٢٤٣

يتبنوهنا بشكل واسع، إىل أن حتتل مكاهنا بني العناصر الثقافية العامة والعناصر الثقافية التخصصية، ويف الوقت نفسه فإن اخلاصية أو

اخلاصيات القدمية اليت حتتل حملها اخلاصية اجلديدة تفقد أنصارها

.»بالتدريج، حتى ختتفي كليا من الثقافة العمليات املرتتبة عن االحتكاك الثقايف: .٤

جيمع معظم علماء االجتماع واألنثروبولوجيا أن أهم العمليات املصاحبة لالحتكاك الثقايف واليت تتمثل يف عملييت املزج والتمثيل الثقايف إال أنه قبل

التطرق إىل هاتني العمليتني نرى أنه من املناسب هنا حتديد أهم النتائج اليت حتدث نتيجة احتكاك ثقافتني خمتلفتني واليت ميكن طرحها كفرضيات

:١عملية يف أي حبث عن االنتشار الثقايف.متيل األمناط الثقافة املتجانسة إىل أن متر بسرعة من ثقافة إىل أخرى 

مييل النمط الثقايف األبسط واألكثر ضرورة إىل أن مير من ثقافة إىل أخرى.

إذا كانت إحدى هاتني الثقافتني أكثر تقدما من األخرى فإن التيارالثقايف الذي مير من املستوى األعلى إىل املستوى األقل مرتبة يكون قويا، كما تنتقل النتائج األكثر تقدما إىل الثقافة األخرى يف صورهتا

 النهائية.

ال جتد العناصر الثقافية غري املتجانسة للثقافتني سهولة كبرية يف االندماج أو التداخل.

] ١٧١-١٧٠ص.ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٤٤

تصطدم القيم األكثر تناقضا يف الثقافتني، ومن ثم تتصارع فإذا مل تكنذات قوة متكافئة فسوف تضعف إحدامها األخرى، كما تصاب أيضا

القيم الغالبة ببعض مظاهر التحول.

تندمج القيم وخاصة احملايدة منها، ولكن ال حيدث ذلك بنفس السهولة اليت تندمج هبا القيم املتجانسة.

يظهر يف أثناء الظروف املواتية لتصادم القيم املتناقضة أو اندماج القيماحملايدة، االخرتاع الذي يعمل على تذويب مظاهر الصراع وتأكيد النمط

اجلديد املخرتع األكثر ذيوعا وانتشارا من الثقافة املادية، وهبذا يسهل علينا اآلن التطرق إىل عملييت املزج والتمثيل الثقافيني.

املزج و التمثيل الثقايف: .٥ عملية املزج الثقايف: -أ)

ختتلف عملية املزج الثقايف عن عملية التمثيل الثقايف يف أن األوىل تسمح باختالط األجناس، بينما تلجأ الثانية إىل امتصاص هذه األجناس وعلى

الرغم من أن عملية التمثيل ال ميكن هلا أن تنجح إال إذا كان هناك اختالط بيولوجي، حيث جند أن عملية املزج الثقايف أو كما أشري إليها سابقا

ميكن أن تتم دون هذا االختالط البيولوجي، واألمثلة ١"التثقيف من اخلارج"كثرية على ذلك ومتنوعة فسكان أسرتاليا األصليون تأثروا ثقافيا

مبستوطنيها من البيض من أصل أوربي. باإلضافة إىل ما ذكر سابقا فإن عملية املزج الثقايف تبدو عملية سالبة من

] ١٨٠-١٧٢ص.ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٤٥

جانب واحد، مبعنى أن الثقافة األقوى تؤثر على الثقافة األضعف (أو من األعلى إىل األدنى)، إال أن الواقع يثبت أهنا عملية ذات جانبني سليب

واجيابي، فإذا ما اختلطت ثقافتان وجدنا أن التعديل فيها متبادل نتيجة هلذا االختالط مع اختالف يف الدرجة فقط، وخري مثال على هذا زنوج

الواليات املتحدة وما أضافوه إىل الثقافة األمريكية يف مفردات اللغة واملوسيقى...

عملية التمثيل الثقايف: -ب)االجتماعية اليت تعمل على إضعاف االختالفات اليت -هي العملية الثقافية

توجد بني األفراد واجلماعات، كما تعمل على زيادة مظاهر الوحدة وتوحيد االجتاهات والعمليات العقلية اليت تتصل باملصاحل واألهداف املشرتكة. يتعرض لعملية التمثيل الثقايف األفراد واجلماعات إذا حلوا بني أفراد

ومجاعات أخرى غريبة عنهم، وختتلف عنهم بالتايل يف عدد من النواحي واملقومات اليت متيز جمتمعا عن آخر، على أن تكون اإلقامة بينهم بقصد

اإلقامة الدائمة واملشاركة يف خمتلف أنشطة احلياة. وميكن جملتمعني أو أكثر أن حيدث بينهم التمثيل الثقايف وذلك إذا ما اختفت

احلدود الفاصلة بينهم، وإذا اجتهوا إىل االحتاد يف مجاعة واحدة، وجمتمع واحد لتحقيق عدد من األهداف املعينة.

وخنلص إىل أن عملية التمثيل الثقايف تتجه إىل تنمية اجتاهات موحدة هلا طابع عاطفي يف العادة، وهي عملية ال خترج عن كوهنا بوتقة يذوب فيها العنصر اجلديد يف اجملتمع الذي حل فيه، لكي يصبح جزءا منه، يشرتك

٢٤٦

وإياه يف تراث اجتماعي واحد وثقاة واحدة. ومن ثم ال يعترب دخيال أو أجنبيا كما كان يف بادئ األمر.

االنتشار الثقايف والتقليد: .٦يأخذ االنتشار الثقايف عن طريق التقليد طريقتني: فإما أن يكون تقليدا

تلقائيا أو تقليدا مقصود، أو تقليد عكسي.

يأتي االنتشار الثقايف تلقائيا حيث يكون هناك إعجاب بالثقافة اجلديدة وتقديرا هلا (مثال ذلك الصني واليابان)، أو حني تكون ممارستها مصدرا

من مصادر االمتياز والوجاهة وقد يكون اإلعجاب مصدره بعض القيم اليت متثلها الثقافة الغازية مثل إعجاب املغلوبني بالقدرة التكنولوجية للغالبني اخل... وبوجه آخر هو التقليد الذي يكون الدافع إليه التخلص من سيطرة

الشيء املقلد نفسه، وذلك عن طريق امتالكه ومعرفة سر قوته، فهو تقليد غري مفروض من أعلى ولكنه شبه مفروض من املقلدين أنفسهم (هنا ال

يزال مثال الصني واليابان صاحلا).

وجند أيضا أن االنتشار الثقايف الذي يتم عن طريق التقليد يف كل مستوياته وأنواعه يتعرض للتبديل والتحريف، إذ ال يكاد الشيء املقتبس يصل كما هو

يف االستعمال األصلي له، بل وحتى بعض العناصر التكنولوجية ميكن استعماهلا يف غري االستعمال األصلي هلا. ومن جهة أخرى، فقد يقلد

اجملتمع الذي أدخل تلك العناصر أنواعا معينة من السلوك دون أن يفهم يف كثري من احلاالت املناسبة الثقافية األصلية هلا، وبذلك ينتقل العنصر

اجلديد ويصل إىل الثقافة اليت قبلته وقد جترد من معظم معانيه

٢٤٧

وارتباطاته اليت كانت له يف جماله األصلي، واختيار معاني جديدة لذلك العنصر عملية من أهم عمليات التكامل الثقايف، ألنه يف هذه األماكن هبذه

الطريقة جيعل العناصر اجلديدة مفهومة و متجانسة مع ما يكون هناك من قيم أخرى يف الثقافة.

أخريا إذا كان االنتشار يف أغلب األحوال واملذكورة آنفا عن طريق التقليد الذي يسري من االجتاه األدنى لألعلى، فإن هناك شكل آخر مل يهتم به سوى

وهو "G. TARDقلة من علماء األنثروبولوجيا وعلى رأسهم "جابريال تارد ، الذي يسري من األعلى إىل األدنى، وهو تقليد يكون يف "التقليد العكسي"

مجيع احلاالت تلقائيا ال أثر فيه لإلكراه أو اإلحياء، فهناك أمناط كثرية من االستهالك دخلت يف حياة األوربيني من اجملتمعات التقليدية مثل الشاي

والكاكاو والتوابل والقهوة...اخل، ليست هذه العناصر مادية فحسب، بل إننا جند أثر الفنون اإلفريقية مثال تتخذ صور فعالة يف الفنون األوربية

املعاصرة، سواء كان ذلك يف الفن التشكيلي أو يف املذاهب التجريدية احلديثة... وهذا باإلضافة إىل إسهامات أفراد الثقافات الدنيا من

االخرتاعات واإلبداعات واليت يف الغالب ما جند صداها يف الثقافات العليا أكثر من الدنيا.

ثالثا: التغري الثقايف: :تعريف: التغري الثقايف .١

عميلة حتول النظم التقليدية أو شبه التقليدية وتغريمها إىل أمناط «

٢٤٨

تكنولوجية مرغوبة يصاحبها ظهور أشكال جديدة يف البناء االجتماعي

التغري الثقايف هو كل ما .. .١»واجتاهات وقيم ودوافع ومعايري اجتماعيةيتغري يف اجملتمع، سواء كان هذا التغري حمدودا أو واسعا، شامال املظاهر

املادية واملعنوية بكل ما يرتتب عليه من عالقات وما ينتج عنها من قيم وعادات، فالعالقة بني التغري الثقايف واالجتماعي هي عالقة تضامن

واحتواء، فكل ما هو تغري اجتماعي يعد تغريا ثقافيا. الطرح العام: .٢

تعم ظاهرة التغري الثقايف مجيع اجملتمعات على اختالف أنواعها، فهو ظاهرة عامة، ويعترب التغري الثقايف عملية موازنة يعمل من خالهلا اجملتمع على املالئمة بني كيانه و تنظيماته، كما أن التغري الثقايف يرتبط بوظيفة إشباع احلاجات األساسية والثانوية ألعضاء الثقافة الواحدة، فالعادات وأنواع السلوك والوسائل املادية، اليت تقدمها الثقافة يتوقف بقائها على

مقدرهتا على االستمرار يف إشباع تلك احلاجات، وهي حني تعجز عن ذلك يكون التغري ضرورة اجتماعية. وهو حيدث يف ثالث أشكال رئيسية هي:

:التغريات املتصلة بالثقافة املادية 

اليت ميكن دراستها يف إقليم معني، أو مرحلة معينة من الزمن، كاستعمال املاكينات واآلالت واالخرتاعات واالكتشافات اليت حتدث يف الصناعات

واألزمات وغريها. ] ٢٠٠٦[عماد، .١

٢٤٩

:التغريات املتصلة بالثقافة غري املادية

كظهور وزوال بعض الطوائف الدينية يف بعض املناطق، و ظهور وزوال بعض أشكال الدول واحلكومات وغريها.

:التغريات املتصلة بالرتاكيب الثقافية

كالثقافة احمللية الوطنية، وظهور وسقوط بعض األسر احلاكمة، وظهور وزوال بعض الطبقات أو نشوء واحنطاط بعض األمم (اإلمرباطورية

الرومانية، احلضارة البابلية..). ولذا فإن "سوروكني " يرى أن التحوالت اليت تطرأ على الثقافة ترجع إىل

طبيعة داخلية فيها، فالتغري املالزم هو عبارة عن تاريخ حياة نسق اجتماعي ثقايف، لكن الثقافة يف رأيه ال متوت أبدا، فقد ترفض أجزاء منها، ولكن الثقافات املختلفة متتص أجزاء أخرى، وبالتايل يكتب هلا البقاء وهو ما

خلص إليه بشيء من التفصيل يف دراسته. مدى إمكانية "التنبؤ" بالتغري الثقايف: .٣

إن أهم املواضيع اليت شغلت جل باحثي علم االجتماع الثقايف هو موضوع التنبؤ بالتغري الثقايف، فالتنبؤ بالتغري الثقايف وتتبع مساراته من األهداف

الرئيسية يف الدراسات الثقافية. وقد وضعت عدة قواعد ومبادئ لتتبع هذه الظاهرة؛ وأمهها ما وضعه العالمة "مليفل فهريسكوفيتز"، حيث رصد

مبدأين رئيسني لتحديد مسار التغري الثقايف ومها:، من املبادئ البديهية واضح ومؤكد أن الشعوب حتتك أو تتالقى بعضها -١

تتبادل اقتباس العناصر الثقافية.

٢٥٠

يف عناصر مشرتكة أكثر من تلك -غالبا -إن الثقافات املتقاربة تتالقى -٢ اليت تتالقى فيها الثقافات املتباعدة.

واملالحظ أن هذين املبدأين مل يقدما الكثري يف هذه النقطة، حني تزداد املشكلة تعقيدا حني ندرس التغريات يف أشكال معينة من الثقافة، أين كان

الكثري من علماء االجتماع واألنثروبولوجيا وإىل عهد قريب، يعتقدون أنه من املسلم به أن التغري يف الثقافة املادية أسرع وأسهل منه يف الثقافة الالمادية، وأن األشياء اجلديدة تنتشر دون أن تلقى نفس املقاومة اليت تلقاها األفكار

اجلديدة، غري أن نتائج األحباث احلديثة رغم أهنا وجهت يف حاالت كثرية إىل قضايا أخرى، قد توصلت إىل أنه إذا كانت هذه الفرضية صحيحة،

فكيف يكون بإمكاننا تفسري اعتناق الكثري من الوثنيني للديانة اإلسالمية يف إفريقيا، مع احتفاظهم يف ذات الوقت ببعض مظاهر ثقافتهم األصلية اليت

. ١تتعارض ومبادئ الدين اجلديد

" أن الذي جيب أن حيظى HALLOWELL A.Iورأى "هالوول ألفريد أفنج باهتمام أكثر هو كيف تنشأ التغريات من االحتكاك بني شعوب ختتلف يف نسق حياهتا؟ واملشكلة اليت متثل حمور االهتمام العلمي ال تكمن يف واقع عملية االنتشار الثقايف، فهناك مئات اآلالف من احلقائق الثابتة تارخييا، واليت ميكن االستشهاد هبا إلثبات هذا الواقع الثقايف، كما تكمن يف فهم

شروط االقتباس وعملياته وأثره يف نسق حياة الشعب الذي يقوم به. وتبدو مسألة التنبؤ بالتغري الثقايف تتوقف على مدى احتكاك الثقافة

] ١١٧ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٥١

الواحدة بالثقافات األخرى، وكذا طبيعة الثقافة يف حد ذاهتا ومدى استعداد اجملتمع لذلك التغري، كلها عناصر يدرجها الباحث لزيادة مقدرته على تتبع

مسار ثقافة معينة. املبادئ األساسية للتغري الثقايف: .٤

سطر علماء االجتماع واألنثروبولوجيا املبادئ األساسية اليت حيدث وفقها التغري الثقايف وذلك من خالل حبوث ودراسات أجريت، وتتلخص تلك

: ١املبادئ فيما يلي يفرض طابع البناء االجتماعي ومنط الثقافة السائدة، إخالل يف شدة

التغري لنجد بعض نواحي الثقافة متيل إىل التغري أكثر من نواحي أخرى، ورمبا كان هذا هو سبب التخلف الثقايف يف عدد من اجملتمعات، ففقد

تتغري التكنولوجيا مثال وال يتغري نظام األسرة أو القوانني املنظمة .للعالقات العائلية

قد يكون انتشار العناصر الثقافية نتيجة التصال عرضي غري خمططبني ثقافتني، وقد يكون راجعا إىل تأثري وسائل اإلعالم أو النشر، وقد

يكون نتيجة لثورة تتسبب يف تغيري نظام احلكم أو التنظيم االجتماعي.

يكون يف العادة تأثري االخرتاعات والعناصر الثقافية املقتبسة من ثقافة أخرى أسهل عندما تكون هناك أزمات أو ظروف طارئة مير هبا اجملتمع.

غالبا ما يأخذ الناس بالعناصر الثقافية اجلديدة اليت حتقق هلم فائدة على أال تتعارض مع قيمهم الثقافية السائدة.

] ١٢٠-١١٨ص.ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٥٢

يف الغالب يعارض كبار السن، ومن هلم مصلحة، أي تغريات حتدث يفتقاليدهم وأنشطتهم األدائية، خوفا من ضياع مصاحلهم أو مراكزهم

االجتماعية.

إذا وجدت ثقافتان بينهما عالقات تقارب ومودة أصبح من السهلاقتباس العناصر الثقافية بينهما، ولكن إذا كان هناك عداء بني االثنني يصعب انتقال العنصر الثقايف من إحدى الثقافتني إىل األخرى (الثقافة

الثقافة األمريكية ونظريهتا الروسية).–العربية والعربية

غالبا ما ينتشر املظهر اخلارجي للعنصر الثقايف قبل انتشار مضمونه أووظيفته، خصوصا إذا كانت الثقافة املستعار منها غريبة عن الثقافة

املستعرية (مثال: يصعب اقتباس عناصر ثقافية من اليابان إىل اجلزائر، يف حني يسهل ذلك بني السعودية واجلزائر).

تبقى مقاومة العناصر الثقافية القدمية لفرتة من الزمن، ثم تبدأ يف االندثار تدرجييا لتحل حملها هنائيا العناصر الثقافية اجلديدة.

إذا حدث تغري يف جانب من الثقافة فغالبا ما يتأثر جانب آخر أو أكثر هبذا التغري.

يساهم األفراد يف نشر العناصر الثقافية اجلديدة املقتبسة منجمتمعات أخرى، وتدرجييا تبدأ تلك العناصر يف االنتشار بني أفراد اجملتمع، وخصوصا بني الشباب، ويشجعهم على ذلك أهنم ليسوا من

أصحاب املصاحل التقليدية لكي خيافوا على فقداهنا (مثال ذلك السلع اليت يعود هبا املهاجرين يف عطلهم السنوية).

٢٥٣

عوامل التغري الثقايف: .٥جيمع جل علماء االجتماع على أن لكل ظاهرة حمركات، وهو ما

اتفق عليه علماء االجتماع واألنثروبولوجيا بالنسبة لظاهرة التغري الثقايف، فكانت اخلالصة مجلة من العوامل اليت تؤدي إىل النمو

١الثقايف وزيادة العناصر الثقافية كما وكيفا "الرتاكم الثقايف" ونناقشها كما يلي:

العلم: -١احملرك الرئيسي وال غريب يف تكرار ذكر هذا العنصر يف خمتلف

جوانب النقاش الثقايف، فقد تطور مفهوم العلم حبيث أصبح اجتاها عقليا عاما، تسلح به اإلنسان للسيطرة على الطبيعة وكشف

مواردها الدفينة، وحتويل هذه املوارد إىل أدوات غريت من أساليب حياته ومن نظرته إىل نفسه، وإىل الكون الذي يعيش فيه، وقد أدى

هذا االجتاه العقلي العام إىل حترير اإلنسان من سلطان التقليد والتقاليد، وكانت وسيلة اإلنسان لفهم نفسه هي العلم، إذ فتح آفاق

جديدة حتى جاوز الفضاء. وهبذه النظرة العلمية أصبح يعيش يف مواقف جديدة باستمرار، ميتاز كل موقف عن غريه حبداثة عناصره

واحتماالته (بدائل) العديدة، وإمكانياته اخلاصة. ] ١٢٥-١٢٠ص.ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٥٤

التكنولوجيا: -٢

من نتائج تطبيق العلم يف شتى ميادين احلياة هو حدوث تطورات هامة كان أمهها زيادة القدرة على الكشف واالخرتاع بصورة مطردة، وانتشار التصنيع

ومنو املدن واملواصالت احلديثة السريعة، وغريها من التطبيقات العلمية اليت غريت من الظروف املادية للحياة اإلنسانية وأسس التنظيمات

االجتماعية والسياسية واالقتصادية خالل عدد قليل من السنني، وكلما زادت قدرة اإلنسان على التطبيق العلمي يف هذه امليادين زادت سرعة التغري

على الرغم من وجود كثري من العقبات اليت تعود إىل اخلوف والتمسك بالتقاليد والنزعة إىل احملافظة على املصاحل اخلاصة. وأكرب مثال يدرجه

أهل االختصاص للداللة على دور التكنولوجيا يف التغري الثقايف هو إحصائهم ما يزيد عن مائة ومخسني تغريا اجتماعيا صاحب ظهور املذياع وانتشاره، وهو من أقدم األمثلة والواقع احلايل هو أبرز برهان تعددت فيه

األمثلة بسبب ما وصلت التكنولوجيا.

الدميقراطية: -٣هي املفهوم املزدهر حديثا، سواء أكان ذلك يف التفكري أو يف العمل أو يف

السياسة واحلكم، باإلضافة إىل قيام الثورات الشعبية، وانبثاق نظم جديدة وتغري عالقات األمم والشعوب كلها مظاهر لنمو الدميقراطية على نطاق واسع. ويربز أكثر دور للدميقراطية من خالل حتطيمها لكثري من النظم االحتكارية واإلقطاعية، وإقامتها لنظم دميقراطية وتعاونية، وهو التغري

الذي يعد كوثبة يف تاريخ اإلنسانية ناهيك عن اآلثار اجلانبية اليت صحبته.

٢٥٥

القومية: -٤

قد يكون العامل غري احملسوس أو اخلفي إن صح التعبري، لكن يعد من أهم العوامل عند أصحاب االختصاص، فهي تعرب عن وعي اإلنسان بنفسه

وبالروابط اليت ينتمي من خالهلا إىل مجاعته الكبرية. كم أهنا تعرب عن قدرة اجلماعة على تشكيل الظروف وتوجيهها، ومن ناحية فهي تدفع األفراد

واجلماعات إىل إعادة تشكيل اجتاهاهتم وفقا للمصلحة اجلماعية. كما تعمل القومية على متيز نفسها عن غريها من اجلماعات األخرى، مما خيلف لدى الفرد إحساسا بالروابط الشديدة والعالقات املتينة اليت تربطه ببقية أفراد مجاعته الثقافية. ويدل منو القوميات يف العامل املعاصر على مدى التغريات السياسية واالقتصادية واالجتماعية والفكرية اليت شهدهتا خمتلف شعوب

العامل بعد التحرر من االستعمار األوربي، سواء كانت يف إفريقيا أو يف آسيا فقد منى الوعي القومي بني شعوب هاتني القارتني، مما أدى إىل احرتام

الصدام بني األفكار القدمية واألفكار اجلديدة، يتمثل ذلك يف الصراع الذي ميثله االستعمار واالستغالل الرأمسايل العاملي من ناحية، وبني التحرر وحق

الشعوب يف تقرير مصريها اقتصاديا سياسيا وثقافيا.

الثورة: -٥

هي أداة التغيري اجلذري والفوري اخلاطف، ذلك أهنا مبعناها احلقيقي ومبفهومها العلمي تنطوي على تغري فجائي شامل، جذري وسريع، يف

اجملتمع الذي يفجرها ويعيش آثارها. وهلذا فالثورة هي علم التغيري االجتماعي الشامل والعميق لصنع حياة جديدة، تفي مبطالب الثوار وآماهلم.

٢٥٦

العامل االيكولوجي: -٦

نعود هنا يف احلديث إىل العالمة عبد الرمحان ابن خلدون الذي قرر يف « مقدمته أن للبيئة اجلغرافية أثرها يف اختالف اإلنسان جسميا وعقليا،

ويؤيده يف ذلك كل من املفكر الفرنسي "مونتسكيو" واألملاني "راتزل" وعند

. وأثر العامل االيكولوجي يتجسد يف تفاعل اإلنسان مع ١»اجنلرتا "بوكل" يفبيئته الطبيعية، ومدى ما توفره له من موارد صناعية وغذائية تؤثر يف

نشاطاته؛ ومعنى هذا أن التغري الذي يطرأ على البيئة اجلغرافية ولو يف فرتات مومسية تعكس آثاره يف حتوالت وتغريات اجتماعية، كما أن ما يطرأ على وسائل استغالل موارد هذه البيئة من تطور يتجسد يف إحداث تغريات

الثقافية.-يف احلياة االجتماعية

االيدولوجيا: -٧مجلة األفكار اليت تعمل على تطوير النماذج االجتماعية والثقافية وفقا

لسياسة متكاملة حتدد يف أساليب ووسائل هادفة، وتساندها يف الغالب تربيرات اجتماعية أو نظريات فلسفية، أو أحكام عقائدية، أو أفكار تقليدية، ومن هنا ترتبط االيدولوجيا باحلركة االجتماعية، فهي ليست جمموعة من

األفكار واملعتقدات واالجتاهات اليت تصور كما من الناس، سواء كان هذا اجلمع أمة من األمم أو طبقة من الطبقات االجتماعية..، وإمنا هي حركة

فكرية هادفة، هلا فعالية اجيابية يف البيئة والعالقات االجتماعية والثقافية وتنعكس آثارها وفاعليتها على التنشئة االجتماعية، مما حيدث تغريا يف

] ١٢٤ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٥٧

القيم االجتماعية ويف نظرة الناس لطبيعة التدرج الطبقي وللعمليات االجتماعية املختلفة. ومن هنا كان انبثاق األفكار واآلراء احملركة من

الوضعيات والفئات االجتماعية الصادرة عنها عامال حمركا كبريا للكثري من التغريات الثقافية.

خامسا: معوقات التغري الثقايف: .٦

كما لكل ظاهرة حمركات فإنه من الضروري أن يكون هلا معوقات، ومنه فللتغري الثقايف عقبات ومعوقات تتسبب يف بطأ سريه أو مجوده لفرتات

: ١ومراحل قد تطول أو تقصر، ومن أمهها ما يلي العزلة اليت يعيش فيها اجملتمع: -)١

ختتلف ظروف هذه العزلة ومسبباهتا من موقع جغرايف أو ظروف بيئية إىل أخرى، وقد تكون مظهر من مظاهر االنعزال االجتماعي الذي يفرضه

اجملتمع على نفسه، وقد تكون عزلة قسرية فرضتها قوى استعمارية خارجة عن إرادة الشعب أو اختيارية تصحبها إرادة هذا األخري.

:عدم جتانس الرتكيب العنصري والطبقي للسكان -)٢فقد يتكون اجملتمع من جماميع عنصرية خمتلفة الطبيعة والتكوين، أو قد

يتكون اجملتمع من هيئات وطبقات متصارعة يسود فيها التناقض االجتماعي، مما يؤدي باجملتمع إىل االنقسام والتضارب وعدم تقدم

املستويات االجتماعية. ] ١٢٧-١٢٥ص. ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٥٨

الرغبة يف احملافظة على القديم: -)٣فقد يؤدي اخلوف من التغيري أو الرغبة يف احملافظة على القديم إىل بطأ

التغري أو مجوده، فنجد مثال أنصار السياسات السلبية خيشون التقدم، ويأبون األخذ بالتطور خوفا على امتيازاهتم وحقوقهم التقليدية.

:انعدام الروح االبتكارية والتجديد لدى أفراد اجملتمع -)٤فقد يؤدي انعدام روح االبتكار والتجديد لدى أفراد اجملتمع إىل عرقلة سري

التغري، وقد ترجع هذه الظاهرة إىل عوامل فرعية كثرية مثل عدم التشجيع واخنفاض املستوى الثقايف والعلمي، واخنفاض املستويات االجتماعية،

حبيث ال توجد احلاجة امللحة الدافعة إىل االخرتاع واالبتكار.

الفرع الثاني: التخلف الثقايف والتكامل الثقايف:اخرتنا أن جنمع بني هاتني الظاهرتني يف مطلب لوحدمها لنبني الفرق

بينهما وبني الظواهر السابقة، على أساس أن عوامل الظهور خمتلفة نسبيا فقد تبدو كل من ظواهر االنتشار، التنوع والتغري غري إرادية نسبيا بالنسبة

للمجتمعات، إال أن ظاهرتي التخلف والتكامل هي أكثر إرادية بالنسبة للمجتمعات.

نقصد أن اجملتمع ميلك حرية أكرب يف قضية تكامله وختلفه (حسب رغبته، حسب حتكمه يف الظاهرتني) عكس الظواهر األوىل اليت من املكن أن حتدث

دون أن تكون حمسوسة من طرف اجملتمع نفسه. أوال: التخلف الثقايف:

مفهوم التخلف الثقايف: .١

٢٥٩

إن ملصطلح التخلف الثقايف صدى واسع عند علماء االجتماع يف العصر احلديث يف شتى امليادين وذلك بفضل واقع أتى على العامل بأسره، وهذا ما

أدى بالعديد من العلماء لالجتهاد بغية فهم هذا املصطلح ووضع مفهوم خاص له وجاء ذلك كما يلي:

.OGRBURUNعند عامل االجتماع األمريكي "أوجربن وليام فيلدنج -١

W.F " : 

عين" أوجربن" بالتغري االجتماعي ووضع كتاب حتت هذا العنوان "التغري

وميز بني الثقافة "املادية" والثقافة "الالمادية" مبينا أنه حينما ١االجتماعي"حتدث تغريات يف الثقافة "املادية" فإن هذه التغريات تستثري بدورها تغريات

يف الثقافة "الالمادية" وخاصة فيما يطلق عليه "الثقافة التكيفية" أو أساليب استخدام أو استغالل التغريات املادية أو جعلها أكثر نفعا، إال أن هذه

الثقافة التكيفية قد تكون بطيئة االستجابة. كما يرى أنه يف حالة اجملتمعات اليت تتطور بسرعة ال يكون "التغري االجتماعي" بدرجة واحدة يف

مجيع مظاهر احلياة االجتماعية، بل يكون أسرع يف النواحي التكنولوجية والصناعية منه فيما يتعلق بالعادات واملعتقدات، أي أن عناصر الثقافة

املادية تتغري بسرعة أكرب مقارنة مع سرعة تغري عناصر الثقافة املعنوية أو الروحية.

] ١٣٥-١٣٢ص. ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٦٠

عند الدكتور حممد السويدي: -٢

يطلق مصطلح "التخلف الثقايف" على احلالة اليت يوجد فيها عنصران «ثقافيان مرتابطان من عناصر الثقافة يتغريان بسرعة متفاوتة، أي أن

أحدمها يتغري بسرعة واآلخر ببطء أو ال يتغري مطلقا. فيكون العنصر الثاني

. ويضيف الدكتور "حممد السويدي" أن التخلف الثقايف ١»متخلفا عن األولهو إحدى النتائج األساسية لعمليات التغري الثقايف، فهي ظاهرة مالزمة له

وتكاد تكون عفوية، ذلك أن التغري األصلي حني حيدث؛ حيدث من خالل عنصر أو عدة عناصر ثقافية، وال حيدث يف النسق الثقايف العام، وال يف

مكونات الثقافة ككل ودفعة واحدة. وملا كان التأثري يف جزء من الثقافة يؤثر يف جمموع الثقافة فإن التأثريات املختلفة ال تقع دفعة واحدة، وبصورة

واحدة يف كل األجزاء، وإمنا تقع يف سلسلة معقدة ومتداخلة من التأثريات املباشرة وغري املباشرة اجلوهرية والفرعية.

طبيعة التخلف الثقايف: .٢

ترتنح مالمح التخلف الثقايف بني اجلديد والقديم، فالتباين بني مضمون القيمة وواقع تطبيقها يعكس تناقضات، تتفاوت أبعادها وأعماقها على

البناء االجتماعي، وتظهر هذه التناقضات نتيجة لظهور شكلني من االهتمامات داخل إطار التشكيالت اجلماعية من األسرة واجلماعة

الدينية... فبينما متثل التقاليد اجلانب االجتماعي الثابت يف االهتمامات اجلماعية واجملتمعية، فإن التيارات اجلديدة متثل االهتمامات املستحدثة

] ٢٢٢ص -١٩٩١السويدي، .١

٢٦١

اليت تطلع إليها العناصر الثابتة يف هذه التشكيالت، وتشتد حدة الصراع كلما ازدادت اجلماعة التفافا حول ذاهتا، وانغالقا عن غريها من اجلماعات،

وختف شدة الصراع كلما متيز بناء اجلماعة باملرونة واالستعداد للتشكل، وتقبل التوازن البنائي الذي ال غنى عنه لنمو اجلماعات واجملتمعات،

وتلبيتها الحتياجات التطور.

من هنا ميكن أن نالحظ أنه هناك تداخل يف مفهوم التخلف الثقايف، وهو أمر تفرضه الثقافات يف حد ذاهتا، فمن الثقافات اليت تتقوقع على ذاهتا متمسكة مببادئ (يف الغالب عقائدية) فريى أهلها أنه ال يوجد جدوى من

التغيري الثقايف، لكن تعترب هذه الثقافة يف حالة ختلف بالنسبة للثقافات اليت تعيش تغريات مستمرة وحتى بإمكاهنا التخلي عن املبادئ الرئيسية يف سبيل

التغري حتت أي رداء ومهما كانت الذرائع. يف نفس الوقت جند مفهوم التخلف الذي حيوي عنصر مهم من عناصر الثقافة وهو العلم، أين يتغري املفهوم ليصبح يشتمل على اخلطر الذي استدعى دراسة الظاهرة وهنا

نستشهد بقولني:

التخلف ملاذا«وهو السؤال املطروح من قبل العالمة "ر.م.ماكيفر" األول:

.»التكنولوجي بدال من التخلف الثقايفل"حممد طلعت عيسى": الذي يرى أنه جيب احلذر من تأثريات الثاني:

التيارات الوافدة على قوة العقيدة يف اجملتمع العربي، وأن نظرت الغرب للتخلف الثقايف الذي يعيشه اجملتمع العربي ليست بالسوء الذي يتصوره

البعض (خاصة املائلني للتيار الغربي) وال تستدعي التشاؤم واالستسالم...

٢٦٢

كال القولني يؤكدان نتيجة حتمية هي أنه جيب التفرقة بني هذه االزدواجية يف املفهوم وقياس تأثري كل معنى وتوظيفه بالطريقة املثلى.

التحديث ومشكالت التخلف الثقايف: .٣

إن مشكلة التخلف الثقايف ليست ظاهرة معاصرة إمنا قدمية قدم احلضارات، لكن دراستها بدأت من خالل بعض احملاوالت السوسيولوجية

يف منتصف القرن العشرين، وكان احملور الرئيسي هو حتديد عوامل التقبل احلضاري للتجديد أو التحديث، فالعالمة "رالف لنتون" يشري إىل أنه كلما

كان التجديدي الثقايف أكثر تعقيدا وجتريدا، كلما كان أصعب تصورا وأبطأ تقبال، وأن التغري يف الشكل يسبق التغري يف املضمون، ويضيف

أي أنه نتيجة النتماء التجديدات إىل بناء ثقايف « ":PONSIOEN"بونسيونخيتلف عن البناء الثقايف الذي حناول أن ندخل فيه هذه التجديدات، فإن

تقبلها يف البداية، يكون تقبال شكليا لعدم قيامه على أساس إدراك "ملاذا" أو

وعلى العموم . ١»عدم إدراك طبيعة األفكار اليت تقف وراء هذه التجديداتفإن االجتاه حنو التجديد أو احملافظة، أمر يقرره البناء الثقايف القائم،

وهلذا جيب األخذ يف االعتبار ما يلي: أنه عند التخطيط الستحداث جتديد ما داخل اجملتمع احمللي جيب أخذ

اآلثار املباشرة واملتنوعة واملتتابعة واملشتقة والدائرية هلذا التجديد يف االعتبار، وجيب التخطيط الستحداث التجديد والتخطيط ملواجهة ما حيدثه التجديد من آثار، مثال هذا أن التخطيط للرعاية الصحية جيب

] ١٤٣ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٦٣

يصطحبه ختطيط متزامن ملا يرتتب على هذه الرعاية من زيادة يف السكان، وكذلك فإن للتعليم جيب أن يصطحبه ختطيط مماثل ملا يرتتب

على التعليم من ارتفاع يف مستويات الطموح، وبالتايل تتنوع أمناط الطلب وتزايد حجم الذين يبحثون عن عمل مناسب.

أن نسق القيم واملفاهيم واالجتاهات يف الثقافة متداخل ومعقد، األمرالذي جيعل من حماولة تغريه أمرا يرتبط بقضية االنتماءات والتفاعالت

اجلماعية، وميكن هنا االستعانة بنظريات: االتصال، التنظيم، التغيري والضبط.

ضرورة الرتكيز عل أمناط االتصال الشخصي يف اجملتمعات احملليةالتقليدية، وذلك نتيجة ملا كشفت عنه أغلب الدراسات االتصالية من

أمهية هذه األمناط يف حتقيق أهداف خطة التنمية.

إن قضية التخطيط للتجديد، قضية تغيري ثقايف يف احملل األول؛ وذلكالرتباطها بالبناء الثقايف القائم وبالتوجيهات الثقافية العاملة يف املوقف -اإلمنائي، وهذا يتطلب ضرورة معاجلة هذه القضية من مداخل نفسية

اجتماعية، وإذا كان "هومانز" قد أكد على أن ما يدفع اإلنسان إىل الفعل والتجديد يتمثل فيما يتوقعه من فوائد داخلية وخارجية، فإن مضمون

تصور الفائدة أمر يرتبط بطبيعة البناء الثقايف العام. ثانيا: التكامل الثقايف:

املفهوم: .١ هو املبدأ الذي مبقتضاه ترتبط األجزاء مكونة كال ثقافيا واحدا، وهو يعين

٢٦٤

يف األنثروبولوجيا العالقات الوظيفية بني العناصر واألنساق الثقافية، وكذلك بني الثقافة وعوامل أخرى، كالطبيعة مثال.

مني" من أوائل الذين اهتموا بدراسة التكامل الثقايف، فهو -يعترب "مسنرالثقايف، –يرى أن التكامل يعين التعادل الذي يوجد التوازن االجتماعي

الذي يؤدي التغيري فيه إىل إحداث عملية تكامل جديدة، وكانت نظرت "مسنر" الدينامية هذه أكثر واقعية من معظم اآلراء ملعاصريه من

فريى أن التكامل «" MALINOWSKIاألنثروبولوجيني أما "مالينوفسكي هو مبدأ تندرج حتته كل أجزاء الثقافة، إال أن التكامل ال يكتمل على

. ١»مني" وباقي علماء االجتماع من بعده -اإلطالق، وهذا ما أدركه "مسنروأمجع علماء االجتماع أن التكامل الثقايف ظاهرة اجتماعية حيتفظ بفضلها

النظام الثقايف بطابعه، أو يستمر قريبا من هذا الطابع، عندما حتدث به تغريات أو تطرأ عليه جتديدات، وذلك كما هو احلال عندما يراد إدخال

عادات أو معتقدات جديدة، إذ يظل النظام حمتفظا بطابعه على العموم. وبنوع من التخصيص جند أن التكامل الوظيفي يركز على العالقة بني

مراكز الثقافة، بسيطة كانت أو معقدة، من حيث كوهنا تشكل وحدة ثقافية متكاملة، ومن ناحية الشكل، يقضي التكامل الثقايف بأن يكون لكل ثقافة

مظهرها وشكلها اخلاص، الذي تتسق من خالله عناصرها، حبيث تستبعد الغريب عنها، وتقوم املعوج، وتبدو يف مظهر منسجم لتؤدي وظائفها. وبنوع

من التفصيل هلذا العنصر نربز ثالثة من أهم اآلراء ألهم علماء االجتماع ] ٢٢٨ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٦٥

الثقايف واليت تعترب نظريات تأسيسية هلذا املوضوع. التكامل الثقايف عند "رالف لنتون": .٢

الحظ "لنتون" أنه ملا كانت كل ثقافة متثل نسقا متكامال يتكيف كل جزء من أجزائه تكيفا متبادال مع اآلخر، فإن إدخال أي عنصر ثقايف جديد يؤثر يف

احلال، على التوازن القائم يف النسق، يف املراحل األوىل من قبوله، وهي

، يدخل العنصر ١املراحل اليت ال يزال يعترب فيها من فئة العناصر "البديلة"اجلديد يف معرتك التنافس الفعال مع عنصر آخر أو جمموعة من العناصر

الثقافية األخرى، وقبل أن يصبح جزء من البناء الكلي للثقافة. يرى "لينتون" أن أي عنصر ثقايف عام كان أو ختصصيا، البد وأن خيضع للسلسة من

التعديالت، وهذه اخلاصية املتعلقة بالتكيف املتبادل بني العناصر الثقافية تسمى "التكامل الثقايف". ويورد "لينتون" يف تقريره مصطلح "درجة التكامل الثقايف" ويشرحها على أهنا: املدى الذي بلغته عملية التكيف من الكمال يف

نقطة معينة من اخلط الثقايف املتصل األجزاء. والشيء الذي يؤكده هو عدم وصول أي ثقافة إىل حالة الكمال ويرجع ذلك إىل سبب التغري الدائم، ومبا

أنه ال ميكن إيقاف عملية التغري عرب الزمن فذلك يعين استحالة التكامل. التكامل الثقايف عند "روث بندكت": .٣

تبدأ "روث بندكت" نقاشها حول التكامل الثقايف بالتأكيد على أن هذا األخري ال يعين أن تظل الثقافة على حال واحد من اجلمود والثبات، أو أن يكون التكامل الثقايف تاما وكامال، وإمنا املقصود بالتكامل الثقايف، كما ترى

] ٩٨ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٦٦

"روث" أن تكون هناك درجة معينة من االتزان بني العناصر املختلفة اليت تكون الثقافة، ومعناه أيضا أن الثقافة ميكن أن متر بعملية تغيري وحتوير

، حيث تراها نظام متسق من ١نتيجة ملرونتها. وتشبه "روث" الثقافة بالفردالتفكري والعمل، وجند داخل كل ثقافة أهداف متميزة ليس من الضرورة أن

تشرتك فيها مع غريها من اجملتمعات األخرى، طبقا هلذه األهداف يعمل كل شعب على جتميع خرباته حتى تتخذ شيئا فشيئا شكال متسقا. وما تقصده

"روث" أن الثقافة جتتمع حول هذه األغراض األساسية للتكامل، ومجيع الثقافات يف مجيع مستويات التعقيد والبساطة، قد استطاعت أن حتقق

التكامل هذا، كما أن التكامل يف نظرها مسألة درجة. : نظرية "سوركني" يف التكامل الثقايف .٤

يبدأ "سوركني" بطرح رؤية مجهورية، حيث يرى أن من أهم خصائص االجتماعية" ميلها إىل التكامل يف –األنساق الثقافية "واألنساق الثقافية

مستويات أعلى من األنساق. ثم ينتقل "سوركني" يف حتليله، لتأكيد أن رد الروابط العديدة بني خمتلف العناصر الثقافية إىل أربعة أمناط أساسية، وهكذا جند الروابط الثقافية تتميز بالتجاور االتساعي أو امليكانيكي، أو

باالرتباط الراجع إىل بعض العوامل اخلارجية، أو بالتكامل العلمي أو الوظيفي، أو أخريا بالتكامل الداخلي أو املنطقي اهلادف.

يطرح "سوركني" يف مؤلفه "اجملتمع والثقافة الشخصية" حتليله للظواهر الثقافية، ويصف عالقتها ببعضها البعض فريى أهنا ميكن أن تكون: إما

] ٩٩ص -١٩٩١[السويدي، .١

٢٦٧

تنافر)، –حياد) أو (متناقضة -متاسك) أو (غري متكاملة –(متكاملة فتكون متكاملة حينما يكون بني ظاهرتني ثقافيتني أو أكثر متفاعلتني أو

، فتكون هذه الظواهر عندئذ أنساق ثقافية -اتساق منطقي -مرتبطتني كليااجتماعية. طرح أيضا "سوركني" نقاشه حول التكامل الثقايف "تدرج األنساق

الثقافية االجتماعية" ودرجة تكاملها، فهو يعترب النسق الثقايف االجتماعي الكلي للسكان، نسقا يتسم بالتكامل إىل حد ما، ويتكون كل نسق فوقي من األنساق اخلمسة األساسية ذات األمهية الوظيفية واجلوهرية، وهي: اللغة، الدين، الفنون، األخالق والعلم، وينقسم كل منها بدوره إىل أنساق، وأنساق

فرعية، وهكذا...، تتصف هي األخرى بالتكامل إىل حد ما. ويف هناية موضوع التكامل الثقايف وعرض كل اآلراء السابقة يؤكد علماء االجتماع

واملختصون بدراسة الثقافة، أنه ال بد من توفر قدر معني من التكامل الثقايف ليتمكن اجملتمع من أداء وظائفه بصورة عادية، ألن أمناط السلوك تصبح يف هذه احلالة أكثر فاعلية عندما حيصل اتفاق عام على األهداف

واألمناط السلوكية. ويرى أيضا علماء االجتماع أن مما يساعد على حتقيق التكامل الثقايف يف اجملتمع الواحد، تبسيط العقائد واملفاهيم واملعارف

املتعددة، وتقدميها إىل األفراد من خالل الفنون أو الكلمة "املقروءة أو املسموعة" أو العلم أو الدين، أو من خالل مناهج دراسية متكاملة مدروسة،

تستهدف ربط اإلنسان ببيئته، وتكشف له املزيد من تارخيها وقوهتا، فيتمسك هبا، ويزداد اعتزازه هبا، وبالتايل تعلقه وارتباطه بثقافته وجمتمعه.

٢٦٨

املطلب الثاني الثقافة العربية اإلسالمية

نظرا لتشعب مفهوم الثقافة واتساعه آثرنا حصر هذا املفهوم يف مثال يتم الفهم الصحيح هلذا املتغري وخيدم أهداف البحث، فوقع اختيارنا على "الثقافة العربية اإلسالمية " واليت نرى أنه تتوفر فيها مجيع شروط

الدراسة (وجود املراجع، املعرفة احلسنة هبا، سهولة فهمها على أساس أهنا متأصلة فينا).

نشري أيضا إىل أننا اخرتنا الثقافة العربية اإلسالمية وليس الثقافة العربية كمحاولة حلصر املفهوم تارخييا وإقليميا (منذ ظهور اإلسالم، والعامل العربية اإلسالمي) على اعتبار الثقافة العربية أوسع من خالل التاريخ

والثقافة اإلسالمية أوسع من ناحية اإلقليم. الفرع األول: مفهوم ومكونات الثقافة العربية:

ةتعريف الثقافة العربي .١

أورد املسدي وصفا جامعا مانعا للثقافة العربية، معرفا إياها بأهنا مناط «الشخصية العربية، ومستودع قيمها ووعاء حكمتها، وحقيقة هويتها

احلضارية. وأسهب يف احلديث عن خصائصها ومزاياها، نصطفي منهتلخيصا مفاده: أهنا ثقافة إنسانية أصيلة، شاملة ملظاهر املادة والروح، ذات

عراقة تارخيية، تتميز بقيم فكرية عالية وقيم احلق والعدل واملساواة واحرتام املعرفة، ثقافة تتمثل الثقافات األخرى دون إذابة أو ذوبان، تنفرد

.١»جبهاز لغوي ليس له مثيل يف السعة واملرونة ]١٢٨ص -٢٠٠١[نبيل علي، .١

٢٦٩

مكونات الثقافة العربية: .٢ن الثقافة العربية تتكون من مكونني رئيسيني: اللغة العربية واإلسالم ومن إ

.١هنا جاء إصرار بعضهم على تسميتها: "الثقافة العربية اإلسالمية "

اللغة العربية: -١ن اللغة هي وعاء العلوم مجيعا، وأداة اإلفهام والتعبري العلمي، والفين إ

والعادي، ووسيلة التأثري يف العقل والشعور بأدهبا ونثرها وشعرها وحكمها لواهنا وأدواهتا الفنية. أوأمثاهلا وقصصها وأساطريها، وسائر

الدين االسالمي: -٢فكل الثقافات مدينة لألديان يف تكوينها وتوجيهها، سواء كان هذا الدين

مساويا أم وضعيا، كما هو واضح يف ثقافات الشرق والغرب والسيما اإلسالم الذي له تأثريه العميق والشامل يف ثقافة أمتنا العربية عن طريق عقائده اإلميانية، وشعائره التعبدية، وقيمه اخللقية، وأحكامه التشريعية،

وآدابه العملية، ومفاهيمه النظرية، حتى إنه يعد مكونا مهما لثقافة غري املسلم الذي يعيش يف اجملتمع املسلم، وهو ينضح على تفكريه ووجدانه

جند أيضا أن مصدر الثقافة العربية اإلسالمية وعالقاته، شعر أم مل يشعر. عنصرين من أهم عناصر املكونة هلا ومها: القرآن الكريم والسنة النبوية باعتبارمها املعني األساس للعلوم اإلسالمية واللغة العربية، واملرجع الذي

يهتدي به املسلم يف حبثه عن احلقائق يف جماالت املعرفة والوجود والقيم، ويف ما يتعلق بالفكر والواقع والنظر والسلوك.

] ٢٠٠٦السليم،[ .١

٢٧٠

القرآن الكريم:-أ)يعترب املصدر األساس للثقافة العربية اإلسالمية بفضل ما ورد فيه من

تعاليم دينية، أخالقية، اجتماعية واقتصادية ولكونه صاحلا لكل زمان ومكان ومسايرا ملتطلبات كل عصر ومستجداته.

السنة النبوية: -ب)املصدر الثاني األساس للثقافة العربية اإلسالمية. وكما اعتمد املسلمون يف هنضتهم الفكرية والعلمية واحلضارية على القرآن ودعوته، اعتمدوا كذلك على سنة نبيهم بعد أن مجعوها ودونوها وفصلوا أبواهبا، واستثمروها يف

جهودهم العلمية ومناهجهم املعيشية. وبذلك تكون الثقافة العربية اإلسالمية املنطلقة أساسا من القرآن والسنة، ثقافة متفتحة، داعية إىل

التعايش واحلوار والتفاهم. مسات الثقافة العربية اإلسالمية: .٣

مسة الثبوت فيما يتعلق باملصادر القطعية، وما جاءت به من عقائدوتشريعات وقيم ومناهج؛ فاجلانب القطعي يف الثقافة العربية

اإلسالمية يتسم مبا يتسم به اإلسالم من خصائص بصفته دينا ومنهجا للحياة. وتتجلى هذه اخلصائص يف: العاملية، والشمولية، والوسطية،

والواقعية، واملوضوعية، والتنوع يف الوحدة. مسة التغيري فيما يتعلق باجتهادات املسلمني وإبداعاهتم القابلة للصواب

واخلطأ، وبالتايل االختالف؛ نذكر كمثال على ذلك: أمور التجارة والبيوع.

٢٧١

الفرع الثاني: مقومات وخصائص الثقافة العربية اإلسالمية:

مقومات الثقافة العربية اإلسالمية: .١

ذلك ، »اللغة العربية مقوم أساس من مقومات الثقافة العربية اإلسالمية«. وحتى الشعوب أن العربية ليست لغة أداة فحسب، ولكنها لغة فكر أساسا

واألمم اليت انضوت حتت لواء اإلسالم، وإن كانت احتفظت بلغاهتا الوطنية، فإهنا اختذت من اللغة العربية وسيلة لالرتقاء الثقايف والفكري، وأدخلت

احلروف العربية إىل لغاهتا فصارت تكتب هبا. من أقوى مقومات الثقافة العربية اإلسالمية اإلميان باألمة، والثقة فيها. وهذا اإلميان البد أن يستمد قوته من اإلميان بالله، ألن اإلميان بالله هو

األصل، وهو الينبوع الذي ينبغي أن تبنى عليه العقيدة، ومن أوجه هذه العقيدة أن يؤمن اإلنسان بأمته، وأن يؤمن العربي واملسلم بأن أمته خري أمة

أخرجت للناس. واإلميان يف اإلسالم، كما يف األديان السماوية ـ اليت جاء هبا الرسل ـ قد دعا إىل احملبة واإلخاء، وهو يف اإلسالم بصفة خاصة، يعلم املساواة بني الناس، والعطاء قبل األخذ. ولذلك فإن الرتبية الدينية جيب أن

تكون أساسا للثقافة العربية اإلسالمية.

خصائص الثقافة العربية اإلسالمية: .٢الثقافة العربية اإلسالمية ليست جمردة، فنحن ال نكتفي فيها بالبحث -١

عن أصول األشياء وال عن حقائقها وحدها، وال نبحث فيها حبثا جمردا، ألن الثقافة جزء من اإلنسان، فإذا كان العقل يغذيها، فإهنا ال تنبع من العقل وحده، وإمنا تنبع يف النفس البشرية، وتنبع يف األحاسيس وتنبع يف الذوق،

٢٧٢

وتنبع أكثر من ذلك يف الوجدان. بل هي أيضا تتصل باجلانب األساس الذي ميز الله به اإلنسان عن احليوان، أال وهو الضمري. إن الثقافة تتصل

بالضمري، والضمري أعمق وأروع من العقل.الضمري اإلسالمي هو منبع الثقافة العربية اإلسالمية. ولذلك فهي -٢

ثقافة الوجدان اإلنساني.الثقافة العربية اإلسالمية عربية يف لغتها، إسالمية يف جذورها، -٣

إنسانية يف أهدافها، وهي، شأن كل ثقافة، تتكون من مقومات أساسا: فكرية وروحية، أمهها العقيدة، وهي اإلسالم، واللغة العربية وآداهبا والتاريخ والرتاث ووحدة العقلية واملزاج النفسي. وقد تأكد أنه ال ميكن ألية ثقافة من الثقافات أن تنمو، إال إذا كانت ذات صلة بدين من األديان، فالدين هو الذي

يكسب احلياة االجتماعية معناها، وميدها باإلطار الذي تصوغ فيه اجتاهاهتا وآماهلا.

الثقافة العربية هي ثقافة األمة العربية، اليت هي أمة اإلسالم الذي منه -٤اكتسبت صبغتها، ومحلت صفتها، واستمدت طبيعتها. فلم يكن هلذه األمة كيان قائم الذات قبل اإلسالم، وإمنا كانت قبائل وعشائر ال جتمعها عقيدة،وال يوحدها إميان برسالة مساوية. حتى إذا بعث الله رسوله حممدا صلى

اهلل عليه و سلم باإلسالم، كان هذا الدين هو الرسالة اخلالدة للعرب.

ن فهم األصالة يقتضي ما يلي: إاألصالة يف الثقافة العربية اإلسالمية -٥ ]٢٠٠٦السليم،[ .١

٢٧٣

:ضرورة املعرفة والفهم لثقافتنا

من مصادرها األصلية، وبأدواهتا ومناهجها اخلاصة. هذه الثقافةفهم اإلعتزاز باإلنتماء العربي اإلسالمي:

أنه يشعر املثقف العربي املسلم، الذي ينتمي إىل ثقافة العرب واملسلمني، متحرر من عقدة النقص اليت يعاني منها أنهعضو يف جسم هذه األمة، و

يعتز بلغته، لغة القرآن والعلوم إنهبعض الناس جتاه كل ما هو غربي. ن تكون لغة احلياة، ولغة العلم، ولغة الثقافة، وقد أاإلسالمية، ويعمل على

ن تعجز اليوم أكانت لغة العلم األوىل يف العامل كله لعدة قرون، فال جيوز عما قامت به باألمس.

:العودة إىل األصول

حتويل ىلإصولنا وجذورنا العقائدية والفكرية، واألخالقية، ونسعى أ إىلن االعتزاز يصبح ظاهرة إاعتزازنا النظري والعاطفي إىل سلوك عملي.

ذا ظل جمرد كالم يردد، وشعارات ترفع، وصيحات تتعاىل، لسرد إة مرضي األجماد، وتعظيم األجداد.

اإلنتفاع الواعي برتاثنا:

ما كتب باللغة «والرتاث العربي كما يعرفه الدكتور "حسني حممد سليمان": العربية، وانتزع من روحها وتيارها قدرا؛ شأن كل تراث، يعرب الرتاث العربي

عن شخصية األمة اليت تنفرد هبا عن غريها، ويف عصر احلضارة اإلسالمية

.١»الزاهر كان العرب هم القواد والرواد، ثم تبعهم من دخل اإلسالم

] ١٧ص -١٩٨٨سليمان، [ .١

٢٧٤

و يركز الدكتور" عبد العزيز بن عثمان التوجيري" على أمهية الرتاث العربي :اإلسالمي فيقول

جيب الغوص يف حضنه الزاخر، الستخراج آللئه وجواهره. وال يتصور من «ن هتمل تراثها وتارخيها األدبي والثقايف، أأمة عريقة يف احلضارة والثقافة

.١»و من التسول لدى غريهاأوتبدأ من الصفر،

. ويف ثن الرتاث حيتوي احلق والباطل، والصواب واخلطأ، والسمني والغإو مل تبق احلاجة أالرتاث أشياء مل يثبت خطؤها، ولكن مل تثبت جدواها،

ليها قائمة، كما كانت من قبل، مثل مباحث علم الكالم املتفلسف، ومل تبق إغري ذي موضوع، ىختاطب الناس بلسان العصر، وبعض مباحثها أمس

بطله. وينبغي وضع علم كالم آخر يعرب عن أو أوبعضها جتاوزه العلم عصرنا، ويواجه تياراته، وحيل مشكالته.

تعترب إشارتنا للثقافة العربية اإلسالمية جمرد حملة عابرة أبرزنا من خالهلا أهم معامل هذه الثقافة دون التفصيل والتوسيع وهذا خدمة للبحث دون اخلروج عن إطاره. فما أردناه هو أن تكون الثقافة العربية اإلسالمية إال

مثال عن الثقافة االجتماعية.وما يهم أكثر هو مالحظة كيف أن تداخل عنصرين فقط من عناصر

الثقافة االجتماعية (الدين واللغة) أفرز ثقافة كاملة ألمة كاملة هي األمة العربية اإلسالمية.

]١٩٩٨التويجري،[ .١

٢٧٥

خالصة الفصل:رمبا اختلف العلماء على اختالف ختصصاهتم يف مفهوم الثقافة

االجتماعية، لكن جيتمع الكل على أمهيتها وأمهية الدور الذي تلعبه يف حياة اإلنسانية مجعاء.

من هذا النقطة انطلقنا يف حتليلنا ملفهوم الثقافة بعرضنا ألهم التعاريف اليت جاء هبا أهل االختصاص لنصيغ يف األخري تعريفنا للثقافة االجتماعية

. ثم انطلقنا بعد ذلك يف عرض كل من »صبغة اجملتمع«بوصفها: أساسياهتا بالتطرق لكل من مصادرها، وعناصرها. وكان اهلدف هو ضبط

املفهوم أكثر وتوضيح أكرب قدر من معامله بطريقة متكننا بعد ذلك من يف اجملتمع. -الثقافة االجتماعية-تقصي دورها

ثم يف مرحلة ثانية من هذا الفصل حاولنا توظيف املفهوم املتوصل إليه لتقصي بعض الظواهر االجتماعية الثقافية واليت هلا أثر كبري على اجملتمع (التغري الثقايف، التكامل الثقايف...)، وذلك هبدف معرفة آليات تأثري الثقافة يف اجملتمع وباقي العناصر االجتماعية. يف آخر الفصل قدمنا مثال مبسط وخمتصر لواحدة من أهم الثقافات يف العامل (رأي شخصي)، وهي الثقافة

العربية اإلسالمية، كل هذا بغية التوسيع يف فهم الثقافة االجتماعية وموقعها وسط النظرية االجتماعية.

الثقافة -وما اتضح لنا من الدراسة البسيطة اليت قمنا هبا حول هذا املتغري هو ارتباطه بالعديد من الظواهر االجتماعية، ذلك التصافه -االجتماعية

بالشمول واجلمع بني األشياء املادية والروحية؛ وهو األمر الذي يؤكد شيء

٢٧٦

ما من صحة الطرح العام للدراسة ويف نفس الوقت تزيد من تعقيده. ما يهم أكثر يف هذا الفصل أنه وضح لنا نسبيا حقيقة الثقافة االجتماعية وطبيعتها، ونرجو من خالل القدر الذي توصلنا إليه أن نتمكن من تقصي

العالقة موضوع الدراسة واليت سخرنا هلا الفصل الثالث.

٢٧٧

الفصل الثالث

العالقة بني النظام االقتصادي حتليل

والثقافة االجتماعية

٢٧٨

متهيد:يأتي هذا الفصل كحوصلة للفصلني السابقي الذكر، يف نفس الوقت حناول

تفادي تكرار األفكار قدر اإلمكان إال إذا استدعت الضرورة ذلك ولزم التذكري وجاء يف سياق احلديث.

يف نفس السياق ال خنرج عن الطرح العام للدراسة ونطرح القضية التالية:إن كيفية كسب العيش أمر حموري يف حياة الناس. وإذا استطعنا بيان أن

كنة الستطعنا ختليص مموأهنا مجيعا هناك طرقا خمتلفة لتدبري املعيشةأنفسنا من الرأي اخلاطئ بأن هناك طريقة واحدة لألداء االقتصادي وأن

إن جمرد النظر لكيفية قيام .االقتصاديات احلديثة تعادل العقالنية نفسهاالناس بالتوفيق بني مواردهم وحاجاهتم بطرق خمتلفة جيعلنا يف املوقع

كيف يستطيع أي املناسب لطرح التساؤل حول متطلبات القابلية االجتماعيةتلفة للحاجات واملوارد لمخالناس العيش معا حبيث يربرون التنظيمات ا

وبالتايل يدعمون أمناط حياهتم املفضلة.

إذن ميكن بدأ النقاش فيما خيص العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية، من االجتاه االقتصادي أين تلعب املشكلة االقتصادية دور

رئيسي يف حتديد طبيعة العالقة موضوع الدراسة، وهي فرضية مت اإلمجاع

يفرتض العلماء االجتماعيون «حوهلا من طرف مجلة من علماء االجتماع:عموما أن احلاجات واملوارد هي اليت تضبط سلوك الناس، من خالل

حاجتهم إىل تدبري معيشتهم. غري أن األمر ليس كذلك، بل نصر على أن احلاجات واملوارد يف احلقيقة يتم تقدميها للناس من إتباع منط معني

٢٧٩

للحياة، وبالتايل متكنهم من تربير منط حياهتم، وهكذا تكمن القيود على

.١»السلوك يف أمناط حياهتم، وليس يف احلاجات واملوارد ذاهتاهي فرضية آثرنا أن نبدأ هبا هذا الفصل، فهي تلخص االجتاه الذي نريد السري فيه. لكن ليس كل التوجه، فهي متثل طرف اخليط لنتابع بعد ذلك

تقصينا ألثار العالقة على عدة مستويات مقسمني الفصل حسب الفرضيات املدرجة يف مقدمة البحث.

فنحن حناول يف البداية استقصاء العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية باجتاهيها (اجتاه التأثري) لنقوم فيما بعد بتقصي إفرازات هذه

العالقة على املستوى النظري (أي جممل األفكار اليت انبثقت عن هذه العالقة) لنصل يف األخري إىل تقصي أثرها على متغريين بالغي األمهية مها اجملتمع والتنمية، مع تقديم براهني اخرتنا أن تكون على نوعني (إمجاع دويل

وجتربة ناجحة).

املبحث األول الفكر االقتصادي والثقافة االجتماعية

يف هذا املبحث حناول حتليل تاريخ الفكر االقتصادي هبدف تقصي العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية، مولني االهتمام لنقطتني بالغيت

األمهية مها: أننا حناول استنباط العالقة من خالل حتليل األفكار واآلراء اليت جاء هبا

رواد كل نظام اقتصادي مبتعدين عن النظريات والقوانني اليت صاغوها ] ٨٢ص – ١٩٩٧[ميشل توميسون وآخرون، .١

٢٨٠

(على أساس أهنا مذكورة يف الفصل األول ولسنا يف حاجة إلعادة ذكرها). أننا سنحاول املشي يف االجتاهني أي االجتاه من تأثري النظام االقتصادي

على الثقافة االجتماعية ثم االجتاه املعاكس، أي تأثري الثقافة االجتماعية على النظام االقتصادي مركزين على االجتاه الثاني متاشيا مع أهداف

البحث. املطلب األول

منشأ األنظمة االقتصادية وعالقته بالثقافة االجتماعيةيف هذا املطلب حناول مناقشة العالقة الفكرية بني النظام االقتصادي

على أساس أهنا النقطة األساسية يف البحث، وذلك والثقافة االجتماعية ،من خالل عرض أهم األفكار اليت اعتمدها كل نظام اقتصادي عرضناه يف

البحث ونقصد كل من النظام االقتصادي الرأمسايل، االشرتاكي واإلسالمي، ويأتي هذا هبدف تقصي العالقة على املستوى الفكري.

نشري هنا إىل أننا سنربز أهم اآلراء اليت برزت ألهم منظري كل نظام (صعوبة جرد جل اآلراء وتأطريها) فيما خيص طبيعة وأمهية العالقة

موضوع الدراسة، وال نتعرض إىل التفاصيل على أساس أهنا موجودة يف الفصل األول.

الفرع األول: الفكر االقتصادي الرأمسايل والثقافة االجتماعية: منشأ أهم األفكار الرأمسالية: .١

ندرس من خالل هذا املدخل ثالث نقاط كانت األساس يف بناء النظام االقتصادي الرأمسايل و هي كما يلي:

٢٨١

منشأ الفردية يف الرأمسالية: -١الفردية هي املبدأ الرئيسي واألساسي يف الرأمسالية، ولفهم منشأها، جيب

أن منر خبطوتني، أوهلا أن نعرف اللحظة اليت تنشأ فيها الشخصية من اجلماعة (أو اجملتمع)، ثم بعد ذلك اللحظة اليت يفرز فيها الفرد الشخصية يف حد ذاهتا. ونستعمل مصطلح "الشخصية" للداللة على اهتمامنا بالنظر

إىل أعماق الشخص وتعاريفه الوراثية باإلضافة إىل أصوله االجتماعية، ومنه الفرد ميثل الوحدة األساسية يف احمليط وال يتعلم إال من خالل مزاياه

االجتماعية اجتاه مجاعته أو جمتمعه.

كما أن التحليل يبني أن التطور األول يكون دون طبيعة ثقافية، وبالعكس «فإن التطور الثاني من احملتمل أن يكون ظاهرة تقنية: اخرتاع الكتابة

.١»األجبدية الربح كمحرك رئيسي للنظام الرأمسايل: -٢

كما ذكر ومت اإلشارة إليه (يف الفصل األول)، إن جل وسائل اإلنتاج (اآلالت، املعدات واألدوات...) ذات ملكية خاصة، وأصحاب هذه الوسائل هم من

يعرفون بالرأمساليني، توجد أيضا فئة ثانية يف اجملتمع وهم العمال، والذين ميلكون ما يسمى ب "قوة العمل" (املقدرة الفيزيائية والعقلية باإلضافة إىل وجودهم). وهذه الفئة األخرية (فئة العمال) ال متلك وسائل العمل وجل ما

ميلكون هو "قوة العمل" اليت حياولون بيعها يف سوق العمل للفئة األوىل. ١. ]THORIS,1997-p212[

٢٨٢

إىل هنا ال يظهر دور "الربح"، واحلقيقة األساسية أن الرأمسايل ميلك رأمسال، أين جزء منه يكون يف شكل وسائل اإلنتاج واجلزء املتبقي يشرتى "قوة العمل" (يف شكل أجور تدفع للعمال). واملهم أنه ملا يشغل الرأمسايل

العمال، فإن ذلك يكون على أساس حتقيق الربح، أين املورد األساسي يتعلق "بقوة العمل" املشرتات من العمال. إذن املنفعة احلقيقية" لقوة العمل" ليس إنتاج سلعة معينة، لكن هي متكينه من خالل إنتاج هذه السلعة من حتقيق

أين ال يكون فيه ربح فإن العمال «"الربح" الذي يزيد يف رأمساله؛ سيطردون، ومن احلافز والدافع لإلنتاج الرأمسايل هو الربح وليس إشباع

احلاجات. ومنه فإن الرأمسايل الهتمه ما ذا ينتج (سيارات، أو سلع استهالكية)، فهو يستثمر رأمساله أين ميكنه التحصيل أكثر (أين يكون

.١»معدل الربح مرتفع) أي ال يهمه ماذا ينتجوال ينتهي عمل الرأمسايل عند حصوله على الربح، بل جند أن الرأمسايل

يستهلك جزء من ذلك الربح، أما اجلزء املتبقي فإنه يقوم بإعادة استثماره أو يركمه (جيعله يرتاكم)، أين يتم حتويل الربح إىل رأمسال جديد، وهو ما

". ومنه الرأمسال L’accumulation du Capitalيعرف "برتاكم رأس املالاجلديد ميكن من شراء وسائل إنتاج جديدة وبذلك يتم فتح مناصب شغل

جديدة وتشغيل عمال جدد، وهكذا يتم توسيع قاعدة اإلنتاج هبدف احلصول على ربح أكرب. وهبذا وللمرة الثانية جند أن "هدف تراكم رأس

املال" هو الربح وليس تلبية احلاجات. ١. GILL,2005-p07][

٢٨٣

احلركة االقتصادية "الرأمسالية": -٣توصف احلركة االقتصادية بأهنا "رأمسالية" إذا ما اعتمدت على أمل الربح

. وتعتمد ١من خالل استغالل إمكانيات التبادل، أي تعتمد على فرص الربحهذه احلركة على مواد وخدمات األفراد كوسيلة القتناء الربح، مثال ذلك

املؤسسات فهي يف أخر السنة تقوم بتقييم كل ما متلكه من "موارد وخدمات " باملال، و هو باختصار "رأس املال".

نقاش الرأمسالية للعالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية: .٢ ألفريد مارشال: -١

إن االقتصاد السياسي أو علم االقتصاد هو دراسة للبشرية يف ممارسة «

هبذه النتيجة العامة اليت توصل إليها "ألفريد . ٢»شؤون حياهتا العاديةمارشال"، فتح جمال كبري لعلم االقتصاد أو الفكر االقتصادي، أين يؤكد أن

الفكر االقتصادي ليس أرقام متثل وضعيات مادية (مالية أو نقدية)، بل يتعدى ذلك إىل دقائق وتفصيالت احلياة اليومية لألفراد، أي كيف للفرد أن

يعيش يف وسط مالئم؟ ما هي العوامل املؤثرة فيه ويف سلوكه؟وهبذا فإن "ألفريد مارشال" يقرب بني وظيفة علم االقتصاد كفكر والعلوم

اإلنسانية واليت تعنى بدراسة السلوك البشري.

:"MAX WEBER "ماكس فيرب-٢ ناقش "ماكس فيرب" العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية يف

١. [WEBER,٢٠٠٢-p٠٥] ]١٩ص -٢٠٠٠[كينيث جالبيرت، .٢

٢٨٤

يف مؤلفه " الربوتستنتية روح الرأمسالية -ثالث نقاط هي كما يلي: أ)

Protestante et L’esprit du Capitalisme أين حبث ١٩٠٥" املنشور عامعن وجود ونشأت الرأمسالية فيقرر أن الرأمسالية هي نوع من التفكري

" ليبدأ البحث عن جذور L’esprit de profitالروحي "روح الربح الرأمسالية، ليجدها متناسقة مع ما سبقها، يف أشكال معينة من األفكار، وبالتحديد أفكار الربوتستنتية (املسيحية) واليت بنيت وتطورت يف مناطق

متعددة من أوربا ابتداء من القرن اخلامس والسادس عشر ميالدي. فالرأمسالية ولدت يف شكل أفكار وبدوافع روحية. لكن "ماكس فيرب" مل

يتوقف عند هذا احلد، بل راح يدرس العالقة بني الرأمسالية والربتستنتية. حيث وجد عالقات بني تكون الرأمسالية وتفتح الربتستنتية، كما أنه

جغرافيا وجد أن البلدان اليت عرفت فيها الرأمسالية أول وأكرب خطوات حتقيقها هي البلدان اليت وجدت فيها أفكار اإلصالح وكل التيارات املضادة

للكنيسة الكاثوليكية الرومانية وهي اليت حققت تطورا ملحوظ. وبالعكس فالدول (كإسبانيا وإيطاليا) اليت بقيت حتت سيطرت القصاوصة الكاثوليك ورغم توفرها على إمكانيات مادية واحلرف اليدوية إال أهنا متأخرة بالنسبة

حلركات تكون الرأمسالية. ثم يتوسع "ماكس فيرب" يف دراسته ليصل إىل

أنه تارخييا وجغرافيا وفكريا، هناك عالقة بني الربتستنتية «نتيجة مفادها: وشباب الرأمسالية، ومن الناحية الفكرية هذه العالقة تكمن يف أفكار

.١»اإلصالح واليت تشرح بناء أول عناصر الربجوازية

١. DOUJON,1990-p14][

٢٨٥

مسألة القوة احملركة لتوسيع الرأمسالية احلديثة ليست يف املقام « -ب)األول مسألة منشأ رؤوس األموال اليت كانت متاحة لالستخدامات

، يقف ١»الرأمسالية، ولكنها فوق كل شيء مسألة منو روح الرأمسالية"ماكس فيرب" هبذا االستنتاج كناقل للمادية املاركسية اليت تفسر التاريخ

بنظرة مادية أحادية اجلانب. يضيف "ماكس فيرب" إىل اجلانب املادي اجلانب الروحي، وكان هدف "فيرب" هو إظهار أن التاريخ االقتصادي ال

ميكن تفسريه على أساس العوامل االقتصادية وحدها، بل جيب أن يوضع يف

" Wirtschaftsethikاالعتبار ما أطلق عليه" فيرب" "روح احلياة االقتصادية بوصفها عامال مؤثرا رئيسيا يف تطور النظام االقتصادي الرأمسايل، إىل جانب التقدير الصحيح للوقائع االقتصادية واجلغرافية والسياسية. ففي

تفكري "فيرب" فيما خيص "اإلدارة الرشيدة للعمل" إمنا هي نتيجة للزهد املسيحي الذي رفعته حركة اإلصالح إىل مستوى املبدأ العام املوجه للحياة اليومية، فحركة اإلصالح يف تقديره مل تكن حتررا من القهر الكنيسي، بل:

كانت تعين نبذ تلك الرقابة شديدة التساهل، وغري امللموسة يف املمارسة «يف ذلك الوقت، والشكلية يف األساس ملصلحة تنظيم للسلوك يف جممله،

وهذا التنظيم بتغلغله يف كل فروع احلياة اخلاصة والعامة كان مرهقا دون

.٢»حد، ملزما بشكل جدي العالقة بني الدين والرأمسالية، ينطلق "ماكس فيرب" يف حتليله للعالقة -ج) ]٤١ص– ٢٠٠١[كولماس، .١ ]٤٢ص– ٢٠٠١[كولماس، .٢

٢٨٦

أنه عدد كبري من املناطق «بني االقتصاد والدين، من مالحظة عامة مفادها: الغنية، واألكثر تطور اقتصاديا يف أوربا، هي املناطق اليت مرت "بالربتستنتية

، ليطرح سؤال بعد ذلك، ملاذا جل املناطق اليت »"يف القرن السادس عشرعرفت تطور اقتصادي وثراء من ناحية املوارد عرفت يف نفس الوقت حدوث

١ثورات على مستوى الكنيسة؟يعترب الطرح الذي جاء به "ماكس فيرب" "العالقة بني الدين واالقتصاد" من

أهم أعماله، حيث أكد على املساندة اليت تلقتها الرأمسالية من الكنيسة الربتستنتية واليت كانت املهد هلذا النظام، ويف نفس الوقت بني العراقيل

والصعوبات اليت واجهتها الرأمسالية يف منشأها من طرف الكنيسة الكاثوليكية واليت متيزت بسيطرة القصاوصة عليها، وعلى السلطة يف

اجملتمع وبذلك دواليب الفكر االقتصادي. قارن "ماكس فيرب" بني املذهب املسيحي الكاثوليكي والربتستنيت، وأظهر يف

دراسة، كيف أنه يكون املسيحي الربتستنيت: أكثر نفعا لالقتصاد من خالل طريقة تفكريه احلرة واليت ميثل االقتصاد الرأمسايل املناخ اخلصب هلا، وكيف أن الكاثوليكي: يفضل االستقرار وأنه أقل تعطش للربح، كما أنه

يرضى مبستويات دخل متدنية، أنه ال حيب املخاطرة ويرى "ماكس فيرب" أيضا أن الكاثوليكي مقتنع بالصفات السابقة الذكر وأهنا هي اليت توفر له الرفاه والشرف (وهي دراسة يعطي فيها "ماكس فيرب "مقارنة بني "الفرد

األملاني" و " االيرلندي" واللذان يشكالن مذهبني خمتلفني). ١. WEBER,2002-p16][

٢٨٧

يفصل "ماكس فيرب" يف دراسته للنظام الرأمسايل ويقرر أن النظام الرأمسايل قد وجد يف أماكن عدة من العامل ويف خمتلف العصور (يف

الصني، اهلند، بابل والعصور الوسطى) ولكنه اهتم بالنظام الرأمسايل يف

. ١أوربا وأمريكا الشماليةإن أهم ما نستنتجه من دراسة "ماكس فيرب" لالقتصاد واألخالق

الربتستنتية: هو حماولته الوصول إىل نتيجة مفادها أن: األخالق والدين ميحوان اآلثار السلبية لالقتصاد الرأمسايل، فإذا كان االقتصاد الرأمسايل هو املادة يف نفسها، فإن "ماكس فيرب"حاول غرس الروح يف هذه املادة عن

طريق الدين واألخالق وهو ما عرب عنه يف دراسته. وكان بذلك املفهوم اجلديد الذي أدخله يف النظام االقتصادي الرأمسايل "روح الرأمسالية

L’esprit du Capitalisme :فهو يرى أن الرأمسالية بدون أخالق هي " إنسان بال روح، فال ميكن أن يكون له نفع.

كان نقاش "ماكس فيرب" يف كيفية حمو اآلثار السلبية لالقتصاد الرأمسايل عن طريق األخالق والدين كما يلي:

تزيد األخالق والدين يف رشادة األفراد يف اجملتمع، كما تزيد عندهم روح املسؤولية، باإلضافة إىل أهنا تغلب املنفعة العامة على اخلاصة، يف نفس

الوقت تربي عند األفراد مبدأ التنمية املستدامة بدل الربح يف املدى القصري، تويل اجلانب االجتماعي والبيئي نفس األمهية اليت توليها للجانب االقتصادي واملايل. تضمن دميومة اجملتمع واالستقرار فيه، تنزع وحشية

١. ]WEBER,2002-p27 [

٢٨٨

االقتصاد الرأمسايل واليت تتمثل يف البحث عن الربح دون األخذ بعني االعتبار اآلثار املرتتبة.

حممد باقر الصدر: -٣الطبيعي يف فجر التاريخ العلمي لالقتصاد، حني كان يضع أقطاب االقتصاديوم ذاك الكالسيكي بذور هذا العلم وبنياته األولية، ساد الفكر االقتصادي

فكرتان:يف : أن احلياة االقتصادية تسري وفقا لقوى طبيعة حمددة، تتحكمإحدامها

كل الكيان االقتصادي للمجتمع. كما تسري شتى مناحي الكون طبقا لقوى الطبيعة املتنوعة. والواجب العلمي اجتاه تلك القوى اليت تسيطر على احلياة االقتصادية. هو استكشاف قوانينها العامة وقواعدها األساسية، اليت تصلح

لتفسري خمتلف الظواهر واألحداث االقتصادية. : هي أن تلك القوانني الطبيعية، اليت جيب على علموالفكرة األخرى

االقتصاد استكشافها، كفيلة بضمان السعادة البشرية إذا عملت يف جو حر،، وأتيح جلميع أفراد اجملتمع التمتع باحلريات الرأمسالية، حريات: التملك

االستغالل، واالستهالك.وقد وضعت الفكرة األوىل البذرة العلمية لالقتصاد الرأمسايل، ووضعت

الفكرة الثانية بذرته املذهبية، غري أن الفكرتني أو البذرتني ارتبطتا يف بادئ األمر ارتباطا وثيقا، حتى خيل للمفكرين االقتصاديني يومئذ: أن تقييد

حرية األفراد والتدخل يف الشؤون االقتصادية من الدولة، يعين الوقوف يف وجه الطبيعة وقوانينها، اليت كفلت لإلنسانية رخاءها وحل مجيع مشاكلها...

٢٨٩

فكل حماولة إلهدار شيء من احلريات الرأمسالية، تعترب جرمية يف حق «القوانني الطبيعية العادلة... وهكذا انتهى هبم هذا القول: بأن تلك القوانني

اخلرية تفرض بنفسها املذهب الرأمسايل، وحتتم على اجملتمع ضمان

. ١»احلريات الرأمساليةمن هذه النقطة ينطلق الشيخ حممد باقر الصدر يف نقده للنظام

االقتصادي الرأمسايل، فيقول:

ختتلف القوانني العلمية العامة اليت تفسر جمرى احلياة االقتصادية، فال «ميكن يف كثري من األحيان، إعطاء قانون عام لإلنسانية يف احلياة

االقتصادية، مبختلف إطاراته الفكرية واملذهبية والروحية. وليس من الصحيح علميا أن نرتقب من اإلرادة اإلنسانية يف جمرى احلياة االقتصادية

كما تسري وتنشط يف اجملتمع _دائما ويف كل جمتمع _أن تسري وتنشطالرأمسايل، الذي درسه االقتصاديون الرأمساليون، ووضعوا قوانني

االقتصاد السياسي يف ضوئه. ما دامت اجملتمعات قد ختتلف يف إطاراهتا الفكرية واملذهبية والروحية، بل جيب أن تؤخذ هذه اإلطارات كمدلوالت

ثابتة يف جمال البحث العلمي. ومن الطبيعي أن تتكشف نتائج البحث حينئذ

.٢»عن القوانني اجلارية ضمن تلك اإلطارات اخلاصة االنتقادات اليت وجهت للنظام الرأمسايل:أهم .٣

ناحية العالقة موضوع الدراسة أي مدى استجابة النظام هنا نربز النقد من ] ٢٦٦ص -١٩٩١[باقر الصدر، .١ ] ٢٦٦ص -١٩٩١[باقر الصدر، .٢

٢٩٠

االقتصادي الرأمسايل للعالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية؛ كارل ماركس: -١

يرى" ماركس" أن النظام االقتصادي الرأمسايل ال خيتلف كثريا عن النظام اإلقطاعي، والفرق الوحيد كان يف انبثاق األفكار التحررية من النظام الذي

سبقه (النظام اإلقطاعي) والذي ولد ثقافة عكسية تراكمت وأدت إىل ميالد

لقد خرج «الرأمسالية وهو ما يؤكده ماركس يف نقده للرأمسالية بقوله: النظام االقتصادي الرأمسايل، من أحشاء النظام االقتصادي اإلقطاعي،

.١»واحنالل أحدمها أدى إىل انبثاق العناصر التكوينية للثانيوهي حقيقة مفادها أن النظام االقتصادي الرأمسايل هو وليد تكون ثقافة

جديدة جاءت على أنقاض ثقافة قدمية اضمحلت واندثرت هي ثقافة النظام اإلقطاعي الزائل هذا من جهة.

من اجلهة الثانية ركز "ماركس" يف نقده للنظام االقتصادي الرأمسايل، على كون هذا األخري يهمل الظروف االجتماعية لألفراد، وأنه حيمل بذور فناءه

(من الفصل األول هلذه الدراسة).كخالصة لعالقة النظام االقتصادي الرأمسايل بالثقافة االجتماعية جند أنه هناك ارتباط فكري بني املتغريين حيث كانت األفكار الرئيسية يف بناء هذا

النظام تنم عن ثقافة اجتماعية خاصة (ثقافة اجملتمع األوربي).كم اجتمعت اآلراء الثالث املذكورة على اهتمام النظام االقتصادي الرأمسايل ببعض العناصر الثقافية، وهو ما عمم مبفهوم اجلانب الروحي للرأمسالية.

] ١٧٣ص -١٩٩١[باقر الصدر، .١

٢٩١

:"إرنست ماندل" -٢

أن النظام االقتصادي الرأمسايل حيتوي على مجلة ١يرى "أرنست ماندل"التناقضات املالزمة لنمط اإلنتاج الرأمسايل و ميكن استخالصها على من

أساس قوانني تطوره تلك:التناقض بني تنظيم اإلنتاج داخل كل منشأة رأمسالية، وهو تنظيم -أ

متعددة وواع أكثر فأكثر، والفوضى املتفاقمة أكثر فأكثر يف جممل اإلنتاج الرأمسايل والناجتة عن بقاء امللكية اخلاصة واإلنتاج البضاعي املعمم.

التناقض بني التحول املوضوعي لإلنتاج إىل إنتاج اجتماعي، واحملافظة -بعلى التملك اخلاص للمنتجات والربح ووسائل اإلنتاج. وأنه عندما يبلغ االرهتان املتبادل بني املنشآت والفروع والبلدان والقارات، حده األقصى،

يسفر عن كون هذا النظام برمته ال يسري إال وفقا ألوامر حفنة من أثرياء الرأمساليني وحسابات رحبهم، يسفر عن طابعه العبثي اقتصاديا واملقيت

اجتماعيا يف آن واحد.التناقض بني ميل النظام الرأمسايل إىل تطوير القوى املنتجة بشكل غري -ج

حمدود، واحلدود الضيقة اليت ال بد من أن يفرضها على االستهالك الفردي واالجتماعي جلمهور العاملني، طاملا أن هدف اإلنتاج هو احلد

األقصى من فائض القيمة، األمر الذي يقتضي بالضرورة حتديد األجور.التناقض بني ازدهار عظيم للعلم والتقنية مع ما ميثالنه من طاقة -د

لتحرر اإلنسان، وإخضاع هذه الطاقة من القوى املنتجة ملقتضيات بيع ] ٢٠٠٦[ماندل، .١

٢٩٢

البضائع وإثراء الرأمساليني، األمر الذي حيول دوريا هذه القوى املنتجة إىل قوى تدمري (السيما يف زمن األزمات االقتصادية واحلروب ووالدة أنظمة

الديكتاتورية الفاشية الدموية، بل أيضا يف األخطار اليت هتدد بيئة اإلنسان الطبيعية)، واضعا البشرية هكذا أمام خيار: اشرتاكية أو مهجية.

التطور احملتم للصراع الطبقي بني الرأمسال والعمل، الذي ينسف دوريا -هـ الشروط العادية إلعادة إنتاج اجملتمع الربجوازي.

الفرع الثاني: الفكر االقتصادي االشرتاكي والثقافة االجتماعية:يؤكد أغلب منظري االشرتاكية، على وجود عالقة بني النظام االقتصادي االشرتاكي والثقافة االجتماعية، وذلك من خالل أرائهم الصرحية والنقد

الذي تعرض هلذه اآلراء واليت خنضعها لشيء من التحليل كما يلي: أهم اآلراء االشرتاكية: .١

ماركس: -١الثقافة و يعد ماركس وأتباعه أهم من ناقش العالقة بني النظام االقتصادي

االجتماعية، ذلك من خالل حماولتهم فصل املتغريين بتأكيدهم على املادية التارخيية، أو من خالل حماولتهم نفي تأثري بعض عناصر الثقافة

تنطلق املاركسية من االعتقاد أن الوضع االجتماعية يف االقتصاد؛ أين االقتصادي لكل جمتمع، هو الذي حيدد أوضاعه االجتماعية، والسياسية،

فيؤكد االجتماعي. والدينية، والفكرية، وما إليها من ظواهر الوجود

ملا كان الوضع االقتصادي يف رأي «"حممد باقر الصدر" ذلك بقوله: الدكتور املادية التارخيية هو األساس الواقعي للمجتمع بكل نواحيه، فمن الطبيعي

٢٩٣

هلا أن تفسر األفكار واملعارف على أساسه ولذلك جند املادية التارخيية، تؤكد أن املعرفة اإلنسانية، ليست وليدة النشاط الوظيفي للدماغ فحسب، وإمنا يكمن سببها األصيل، يف الوضع االقتصادي. ففكر اإلنسان، انعكاس عقلي لألوضاع االقتصادية، والعالقات االجتماعية، اليت يعيشها وهو ينمو

. هي إشارة واضحة ١»ويتطور، طبقا لتطور تلك األوضاع والعالقاتالثقافة االجتماعية لكن و النظام االقتصادي الهتمام املاركسية بالعالقة بني

هذه املرة برؤية أكثر وضوح، أين تؤكد املركسية أن الوضع االقتصادي (والناجم عن النظام االقتصادي) له أثره الواضح يف بناء معامل اجملتمع من

فكر وظروف اجتماعية، وبذلك فهو يصوغ ثقافة اجملتمع (الثقافة "حممد باقر االجتماعية) حسب الوضع االقتصادي. ثم يضيف الدكتور

يف باقي حتليله للمادية التارخيية الصدر" يف حتليله ملوقف املركسية

ميكن أن نعترب أخطر وأهم النقاط اجلوهرية يف املفهوم املادي « :ملاركسللتاريخ عند املاركسية، هذه العالقة، اليت نؤكد عليها بني احلياة الفكرية لإلنسان، بشتى ألواهنا ومناحيها، وبني الوضع االقتصادي، وبالتايل وضع

القوى املنتجة الذي حيدد كل املضمون التارخيي لكيان اإلنسان فالفكر مهما اختذ من أشكال عليا، ومهما ابتعد يف جماله االجتماعي عن القوة

األساسية، واختذ سبيله يف منعطفات تارخيية معقدة، فال يعدو عند

نتاجا للعامل االقتصادي. وعلى هذا _بشكل أو آخر _التحليل أن يكون األساس تفسر املاركسية تاريخ الفكر، وما يزخر به من ثورات وتطورات عن

] ٧٧ص -١٩٩١[باقر الصدر، .١

٢٩٤

.١»عن طريق الظروف املادية، والتكوين االقتصادي للمجتمع والقوى املنتجة وباجلمع بني النصني نصل إىل نقطتني مهمتني:

نقطة البدء هي:حياة اإلنسانية، كان نتاجا لظواهر حماولة التدليل على أن نشوء الفكر يف

أن الكيان االجتماعي، سبق يف وأوضاع اجتماعية معينة. وينتج عن ذلكأن نفسر الظواهر االجتماعية، يف وجوده التارخيي، وجود الفكر، فال ميكن

ما دامت هذه -كأفكار اإلنسان-تكوينها األول، ونشوئها، بعامل مثايلمتأخرة عن حدوث ظواهر األفكار مل تظهر يف التاريخ، إال بصورة

اجتماعية معينة، يف حياة الناس. النقطة الثانية هي:

أن تعبري "الفكر يف حياة اإلنسان" هو وصف للثقافة االجتماعية اليت يتميز هبا أفراد اجملتمع. ومنه فإن جل حماولة الفكر املركسي تأتي يف سياق فصل اجلانب الثقايف عن التأثري يف االقتصاد، وحماولة اإلثبات أن التأثري يسري يف طريق أن النظام االقتصادي هو من خيلق "الفكر اإلنساني "أو مبفهوم أخر

الثقافة االجتماعية، وهي جزء مهم من خالصة املادية التارخيية. " اجنلز": - ٢

ناقش "اجنلز" العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية من خالل إبرازه خلصوصيات اجملتمع الواحد، وكيف أنه من خصوصيات كل جمتمع

جند نظام إنتاجه، الذي بدوره خيضع لعوامل طبيعية وأخرى تارخيية ] ١١٠ص -١٩٩١[باقر الصدر، .١

٢٩٥

وسياسية، ويوضح كيف أنه يستحيل أن يكون فيه نظام اقتصادي واحد

على أساس املادية _يقرر اجنلز ينظم النشاط االقتصادي للمعمورة حيث

بوضوح: _التارخيية

وآخر. وختتلف إن الظروف اليت ينتج البشر حتت ظلها، ختتلف بني قطر«يف القطر الواحد من جيل آلخر. لذا فليس من املمكن أن يكـون لألقطار

وهبذه العبارات ،١»كافة، ولألدوار التارخيية مجعاء، اقتصاد سياسي واحدالصرحية أكد" اجنلز" على حتمية متيز النظام االقتصادي بتميز اإلقليم

اجلغرايف وكذا اإلطار التارخيي والسياسي للمجتمع، وبذلك هو أبرز تدخل عنصرين ثقافيني يف متييز األنظمة االقتصادية عن بعضها رغم تأكيده

على استحالة وجود نظام اقتصادي واحد ممكن أن ينظم النشاط االقتصادي للمعمورة.

بليخانوف:-٣جاء بليخانوف برؤية أكثر مادية من "اجنلز"، حيث يؤكد على تأثري الظروف االقتصادية لشعب ما هي اليت حتدد وضعه االجتماعي، يعود ويتساءل عن

سبب الوضع االقتصادي كما يلي:

إن الوضع االقتصادي لشعب ما، هو الذي حيدد وضعه االجتماعي، «والوضع االجتماعي هلذا الشعب، حيدد بدوره وضعه السياسي والديين،

وهكذا دواليك. ولكنكم ستتساءلون عما إذا مل يكن للوضع االقتصادي من ] ٤٠ص -١٩٩١[باقر الصدر، .١

٢٩٦

من سبب أيضا؟.. ال ريب إن هلذا الوضع سببه اخلاص به، ككل شيء يف

.»هذه الدنيا، وهذا السبب...هو الصراع الذي خيوضه اإلنسان مع الطبيعة

ال ريب إن هلذا الوضع سببه اخلاص «وما يلفت االنتباه هلذا الرأي هو قوله:

وهي إشارة واضحة إىل أنه الظروف اخلاصة لكل جمتمع هي اليت »بهتصنع ظروفه االقتصادية، يف دائرة مغلقة من التأثري املتبادل، ودليل ذلك

إن عالقات اإلنتاج، حتدد مجيع العالقات «تأكيده األمر فيما بعد بقوله: األخرى اليت توحد بني الناس يف حياهتم االجتماعية. وأما عالقات اإلنتاج

هنا يقصد بوضع القوى املنتجة الظروف .»فيحددها وضع القوى املنتجةاالجتماعية هلذه الفئة من اجملتمع وهي جاءت بصفة عامة لتشمل األوضاع

الثقافية واالجتماعية هلته الفئة. نقد أهم اآلراء: .٢

و مب أننا عرضنا حتليل آراء االشرتاكية فإننا نأتي بنقد الدكتور "حممد باقر الصدر "على أساس انه من تعرض هلذه اآلراء كما يلي:

حنن نعلم من عقيدة املاركسية، أهنا تؤمن باإلنتاج قاعدة رئيسية للمجتمع «يقوم على أساسها الوضع االقتصادي، وتبين على الوضع االقتصادي كل

األوضاع األخرى. ولكنها مل تكلف نفسها أن تقف قليال عند اإلنتاج نفسه، لتفسر: كيف وجد اإلنتاج يف حياة اإلنسان؟. فإذا كان اإلنتاج يصلح لتفسري نشوء اجملتمع، وكل عالقاته وظواهره، أفليس لإلنتاج نفسه شروط تصلح

. إن مناقشة الدكتور "حممد باقر الصدر "لفكرة »لتفسري وجوده ونشوئه؟

٢٩٧

املادية التارخيية تنم عن معارضته الجتاه سري العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية، فهو يرى نقطة البدء هي الثقافة

االجتماعية فهي اليت حتكم مسار اإلنتاج بالدرجة األوىل قبل أن يعود اإلنتاج إلفراز أثاره على هته األخرية. وخري دليل على ذلك تفصيله يف رأيه

الطبيعة بقصد فإن الكائن احلي ال يستطيع أن يغري من شكل«األول بقوله .. ما مل يكن ميلك إشباع حاجاته، فيجعل احلنطة دقيقا، أو الدقيق خبزاال ميكن أن فكرة عن الشكل الذي سوف مينحه للطبيعة، فعملية التغيري

تنفصل حبال، عن التفكري فيما ستتمخض عنه العملية من أشكال وأوضاع املمكن للطبيعة ال تزال يف ابتداء العمل غيبية. وألجل هذا مل يكن من

واألمر اآلخر: للحيوان، أن يقوم بعملية إنتاج، عملية تغيري حاسم للطبيعة.للمشرتكني يف عملية هو اللغة بوصفها املظهر املادي للفكر، الذي يتيحالعملية فمن مل ميلك كل اإلنتاج أن يتفامهوا، ويتخذوا موقفا موحدا خالليف العمل ال يستطيع أن منتج أداة التعبري عن فكره، وتفهم أفكار شركائه

.»ينتج جيب أن يسبق -بأي درجة كان -وهكذا جند يف كالمه بوضوح أن الفكر

عملية اإلنتاج، وأن اللغة ليست نابعة من عملية اإلنتاج، كما تنبع كل العالقات والظواهر االجتماعية، يف زعم املاركسية؛ وإمنا تنبع من احلاجة

من -إذن-إىل تبادل األفكار، بوصفها املظهر املادي للفكر. فلم تنشأ اللغة ظاهرة القاعدة الرئيسية املزعومة، من عملية اإلنتاج، بالرغم من أهنا أهم

] ١٠٨ص -١٩٩١[باقر الصدر، .١

٢٩٨

يف . وإمنا كانت هي الشرط الضروري تارخييا،.اجتماعية على اإلطالق. وجود هذه القاعدة املزعومة.

ويقدم لنا الدكتور "حممد باقر الصدر" الدليل كما يلي:

عن وأكرب دليل ميكننا أن نقدمه على ذلك، هو استقالل اللغة يف تطورها« اإلنتاج وقواه. فلو كانت اللغة وليدة اإلنتاج، وليدة القاعدة املزعومة،لذلك لتطورت وتغريت، تبعا لتطور أشكال اإلنتاج وتغريها، كما تتغري تبعا

مجيع الظواهر والعالقات االجتماعية. يف رأي املاركسية، وال يوجد

-مثال -جيرأ على القول: بأن اللغة الروسية -وحتى ستالني-ماركسي واحدأن اآللة البخارية تغريت بعد الثورة االشرتاكية، وتبدلت إىل لغة جديدة، أو

.١»اليت غريت القاعدة األساسية للمجتمع يف أخر عرض هلذه النقطة ميكن استخالص نقطتني بالغيت األمهية مها:

الفكر االشرتاكي عند بنائه للنظام االشرتاكي مل يهمل العالقة بني النظاماالقتصادي والثقافة االجتماعية، بل أوالها اهتمام كبري، وذلك مبناقشته

لفكرة أن العالقة تسري من النظام االقتصادي إىل الثقافة على أساس املادية التارخيية، فتغليب االشرتاكية األثر املادي يؤكد الطرح العام

للعالقة موضوع الدراسة بغض النظر عن االجتاه. االجتاه الذي تطرحه االشرتاكية بصفة عامة واملاركسية بصفة خاصة

نابع هو اآلخر عن قناعة مفكري هذا االجتاه، وهو ما يدعونا لتبين أفكار هذا االجتاه واالجتاه الناقد فاالجتاهني خيدمان البحث من خالل

] ١٠٨ص -١٩٩١[باقر الصدر، .١

٢٩٩

تأكيدمها على وجود وأمهية تقصي العالقة بغض النظر عن النتائج. الفرع الثالث: الفكر االقتصادي اإلسالمي والثقافة االجتماعية:

ذكرنا يف الفصل األول أسس النظام االقتصادي اإلسالمي، وما حنول اإلشارة إليه هنا كيف اهتم هذا األخري بالعالقة موضوع الدراسة (حماولة

لتقصيها ونبدأ بإدراج جذور النظام االقتصادي اإلسالمي، ثم ندرج أراء أهم املفكرين يف العالقة املدروسة).

جذور النظام االقتصادي اإلسالمي: .١

إن مجيع الكتابات عن النظام االقتصادي اإلسالمي أو ما يسمى بوجهة «نظر اإلسالم يف االقتصاد تستند بصورة أو بأخرى إىل أحكام األئمة الكبار

. ١»من الفقهاء البارزين وإىل تفسريهم للنصوص الكرمية أو تعليقهم عليهاويعد كتاب القاضي " أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم" يف القرن الثاني للهجرة

(الثامن ميالدي)، املسمى ب " كتاب اخلراج"، من أول الكتب اليت ناقشت القضايا االقتصادية. وكان ذلك من خالل حتليله خمتلف مصادر ما نسميها

، ومنطق ٢اليوم " املالية العامة"، وأسباب وأنواع اجلباية املتعلقة هبافرضها... اخل. وكما هو متوقع مل يدرج املؤلف مفهوم " االقتصاد العام"

وفى الصورة اليت يرمسها تكون األنشطة االقتصادية ظواهر ثانوية ومتفرعة من النشاط الكلي لألمة اإلسالمية. ويف نظره أن الدوافع احملفزة

للنشاط االقتصادي تتنوع أمهية وقوة بالرتتيب إىل ما يلي: ] ٠٩ص –ب ١٩٩٠[صادق سعد، .١ ] ١٣ص –أ ١٩٩٠[صادق سعد، .٢

٣٠٠

حتقيق القانون األعلى الذي تأمر به العناية اإلهلية. - ثم يأتي السعي إلشباع االحتياجات املادية والرغبات املختلفة. - وأخريا تأتي إرادة قائد األمة اإلسالمية أي اإلمام. -

وتعود بداية تأسيس النظام االقتصادي اإلسالمي يف الواقع إىل الفرتة (من

. وتعترب هذه الفرتة من أهم الفرتات اليت مر ١القرن الثاني إىل الرابع هجري)هبا الفكر االقتصادي اإلسالمي، حيث أنه وضعت فيها املفاهيم االقتصادية

األساسية بتنوعها واليت جندها كاخليوط املرشدة يف العهود التالية، أو كمحاور لالختالف وخطوة أوىل يف منحنى التطور النظري (واألغلب أن

هذا وذاك معا). ال بد من ذكر ثاني أهم مفكر يف تلك الفرتة ونقصد هنا

هـ) صاحب الكتاب املشهور " ١٣٢( ٢املفكر الكبري "بن فرقد الشيباني"االكتساب يف الرزق املستطاب"، ومثله مثل "أبي يوسف"، ال يقدم "الشيباني"

مفهوم عن االقتصاد العام. وكان جوهر اخلالف بني الرجلني، أنه كانت

ووجه ٣نظرة "أبو يوسف" للحياة االقتصادية ذات وجهني (وجه مشرتكيفردي). لكن عند "الشيباني" فالتوازن أكثر من معكوس، إذ نكاد ال جند

إشارة إىل املشرتكية، يف حني أن النظر إىل النشاط الفردي هو الغالب.وأهم ما استنتجه "الشيباني" أن النشاط االقتصادي يستهدف أوال حتقيق

إن يف الكسب نظام العامل واهلل «مرضاة اهلل، وأن الكسب عبادة... فيقول: تعاىل حكم ببقاء العامل إىل حني فنائه، وجعل سبب البقاء والنظام كسب

] ٢٣-١٩ص.ص –أ ١٩٩٠[صادق سعد، .١ م)٨٠٥هـ، ١٨٩ –م ٧٩٠هـ، ١٣٢هو القاضي الحنفي أبو عبد هللا دمحم بن الحسن بن فرقد الشيباني ( .٢ مشتركي: اسم يطلق على جماعة من الناس تعتبر وحدة إنتاجية وضريبة في نفس الوقت. .٣

٣٠١

. أثرنا يف البداية تبيان ١»العباد، ويف تركه ختريب نظامه وذلك ممنوع منهجذور النظام االقتصادي اإلسالمي وذلك من خالل ما ورد عند أهم من درسوا هذا النظام "أمحد سعد صادق"، وما يهم يف دراسته هو توضيحه

ملصدر التنظيم االقتصادي يف النظام االقتصادي اإلسالمي، وما الحظناه هو أن معظم الشخصيات اليت حاولت تأطري النشاط االقتصادي يف اجملتمع االقتصادي كانوا عبارة عن قضاة، هذا من جهة ومن جهة أخرى كيف كانت

جل مصادرهم ترتبط بالدين اإلسالمي.الفكر االقتصادي اإلسالمي أراء بعض املفكرين املسلمني يف العالقة بني .٢

والثقافة االجتماعية: د/ مسفر بن علي القحطاني: -١

نشأة االقتصاد اإلسالمي: من املقرر أن اإلسالم نظم حياة األفراد مبا «حيقق هلم مهمة االستخالف، وعبودية اهلل عز وجل يف األرض ومل يدع

جماال من جماالت احلياة إال وبين ما حيتاجه اإلنسان من أحكام وتصورات حتقق الكثري من املصاحل الدنيوية واألخروية. ومن ذلك تنظيم احتياج الناس لكسب املال وتوفري االحتياجات احلياتية اخلاصة هبم. وقد كانت حياة النيب

هي األمنوذج األمثل لتطبيق هذا التشريع -صلى اهلل عليه وسلم -

مسفر علي ". يناقش الدكتور ٢»االقتصادي وكذلك حياة اخللفاء الراشدين القحطاني" نشأة النظام االقتصادي اإلسالمي مؤكدا حقيقة مهمة وهي أن

] ٢١ص –أ ١٩٩٠[صادق سعد، .١ ]٠٢ص-٢٠٠٢[علي القحطاني، .٢

٣٠٢

هلذا النظام خلفية دينية يف املقام األول، ليطرح بعد ذلك حقيقة أخرى هي يف صلب املوضوع وهي اهتمام هذا النظام باجلانب الروحي من احلاجات

على قدر اهتمامه باحلاجات املادية، وكأنه يزيد يف ارتباط النظام االقتصادي وإدماجه أكثر يف الثقافة االجتماعية، على أساس أن لكل منهما

جانب مادي وأخر روحي، وبإشارة ولو مبسطة يظهر لنا قدر االنسجام والتوازن بني املتغريين يف أوج احلضارة اإلسالمية (عصر اخللفاء).

الدكتور مصطفى العبد اهلل الكفري: -٢

يوفق النظام االقتصادي اإلسالمي بني املادة والروح، من خالل ارتباط «

»االقتصاد باألخالق والثقة واالطمئنان والتعاون يف التعامل والتبادل

وللمذهب االقتصادي يف اإلسالم صفتان أساسيتان مها: الواقعية «واألخالقية. الواقعية: هي اقتصاد واقعي يف غايته ألنه يستهدف يف أنظمته

وقوانينه الغايات اليت تنسجم مع واقع اإلنسانية، بطبيعتها وخصائصها العامة،... ويقيم خمططه االقتصادي دائما على أسس النظرة الواقعية

لإلنسان، ويتوخى الغايات الواقعية اليت تتفق مع تلك النظرة.األخالقية: حيث جند أن اإلسالم ال يهتم باجلانب املوضوعي فقط، وهو

حتقيق الغايات، وإمنا يهتم أيضا بالعامل النفسي والطوعية إلتباع الطريق اليت تتحقق بوساطتها األهداف. وبذلك ميزج النظام اإلسالمي بني العامل

النفسي والذاتي بالطريق اليت حتقق الغايات املرجوة.إن األخالق االقتصادية مل تكن يف العامل اإلسالمي إال جمموعة مثالية، وإذا

ما رجع املفكر أو الفقيه إلثباهتا كأصول ملنظومة التفكري االقتصادي، فإن

٣٠٣

هذا ال يعين مطلقا أهنا أخالق اقتصادية معمول هبا. (وال ننسى أن الفقه يف هذا امليدان االقتصادي على اخلصوص، سلك يف تشريعاته املوقف الوسط

بني املثالية املتجلية يف األصول، والواقع احلي الذي يتجلى يف املعامالت كثرية التطور يف خمتلف األزمنة واجملتمعات. فليس الفقه امتدادا حتميا أو

صورة أمينة للحياة اليت يعيشها الناس. فالنظريات االقتصادية تعد من هنا. وخصوصا يف مظهرها األخالقي واألصويل مفارقة من بعض املفارقة

. يف نفس االجتاه الذي سار فيه الدكتور "علي القحطاني" ١»للواقع احلي)جند "الدكتور مصطفى العبد اهلل"، يؤكد على ضرورة التنسيق بني عناصر النظام االقتصادي وعناصر أخرى هي من الثقافة االجتماعية، ونقصد هنا

"األخالق "، ولعل أننا جند يف دراسة الدكتور "مصطفى العبد اهلل" أكثر تفصيل من نظريه السابق، فهو يدرس النظام االقتصادي اإلسالمي من

منظور أنه نظام، فيفصل بني نوعني من اهتمامات هذا النظام (الواقعية واألخالقية) وكأنه نزل إىل مستوى أدنى بعض الشيء من مفهوم (املادية

والروحية)، ذلك خبروجه شيء ما من جتريد املفاهيم. "حممد باقر الصدر":-٣

فقد عاش يف ظل اإلسالم جمتمع بشري من حلم ودم، ختتلف القاعدة «عن العامة لسلوكه ومقاييسه العملية، وحمتوياته الروحية والفكرية...

بوصفه دينا و مذهبا -اجملتمع الرأمسايل كل االختالف. فإن اإلسالم وإن كان ال يعاجل أحداث االقتصاد معاجلة علمية، ولكنه -خاصا يف احلياة

]٢٠٠٣[العبد هللا الكفري، .١

٣٠٤

يؤثر على هذه األحداث وجمراها االجتماعي تأثريا كبريا، بوصفه يعاجل حمور تلك األحداث، وهو اإلنسان يف مفاهيمه عن احلياة ودوافعه وغاياته، يصهره يف قالبه اخلاص، ويصوغه يف إطاره الروحي والفكري، وبالرغم من أن التجربة اليت خاضها اإلسالم يف سبيل إجياد هذا اجملتمع كانت قصرية،

فقد أسفرت عن أروع النتائج اليت شهدهتا حياة اإلنسان، وبرهنت على إمكان التحليق باإلنسان إىل آفاق، مل يستطع أن يتطلع إليها أفراد اجملتمع

الرأمسايل، الغارقون يف ضرورات املادة ومفاهيمها إىل رؤوسهم. ويف اجلزء اليسري مما حيدثنا به التاريخ عن نتائج التجربة اإلسالمية وروائعها، ما يلقي ضوءا على إمكانات اخلري املكتنزة يف نفس اإلنسان، ويكشف عن الطاقة الرسالية يف اإلسالم، اليت استطاع هبا أن جيند تلك اإلمكانات،

.١»ويستثمرها لصاحل القضية اإلنسانية الكربىلعل أهم ما منيزه يف رأي الشيخ "حممد باقر الصدر"عن رأي سابقيه، هو

اهتمامه باملقارنة بني النظام االقتصادي اإلسالمي والرأمسايل، وذلك كمحاولة إلثبات أن لكل وحد منهما خصوصية متيزه كنظام، ورغم أن هذا األمر شبه حمسوم إال أنه جيتهد يف تعليل هذا التمايز بني النظامني، ليعود

ويؤكد أن سبب هذا االختالف يعود لتأثري الدين اإلسالمي (والثقافة اإلسالمية بصفة عامة) وبشكل مباشر على النظام االقتصادي اإلسالمي،

وذلك من خالل تأثريه على كافة املنظومة االجتماعية. ] ٢٦٨ص -١٩٩١[باقر الصدر، .١

٣٠٥

الفرع الرابع: عالقة منظومة الثقافة مبنظومة االقتصاد:حاولنا يف الفروع السابقة توضيح العالقة بني األنظمة االقتصادي والثقافة

االجتماعية، كل نظام على حدى أما اآلن فنحاول حوصلت تلك العالقة.للثقافة االجتماعية منظومتها اخلاصة و بنفس االجتاه جند أنه لالقتصاد

منظومته اخلاصة، والتقارب بني املنظومتني يأتي كما يلي:

١)٣الرسم البياني رقم ( رسم بياني يوضح اإلطار العام ملنظومة الثقافة: –١

] ١٣٨ص – ٢٠٠١[نبيل علي، .١

٣٠٦

حتليل الرسم البياني: -٢أن ١يرى الدكتور "نبيل علي" يف كتابه "الثقافة العربية وعصر املعلومات"

احلالة الطبيعية اليت تنطلق فيها الدوامة احلركية الداخلية للمجتمعات هي تأثر الثقافة بنمط احلياة وباحلاجات والرغبات املتولدة من االخنراط يف

النشاط املادي، لكن هذا التأثري ليس انعكاسا مباشرا يف مرآة، وصورة طبق األصل، بل مير عرب خمزون كبري من املعارف واخلربات والقناعات، اليت

تضيف خربهتا وبصماهتا وتساهم بصياغة منط رد الفعل السياسي على تلك الشروط، وتوجه سلوك اإلنسان للتعامل مع تلك الشروط (تغيريا أو إعادة إنتاج)، وهكذا يساهم االقتصاد يف ترسيم الثقافة السياسية اليت

توجه الفعل السياسي الذي يغري االقتصاد. وتكون هذه احلركة هي الطريق الطبيعي العفوي احلر للديناميكية االجتماعية، مع مالحظة دور املخزون

املعريف القيمي املوروث واملستورد واملتضمن يف الذهن االجتماعي والذاكرة اجلمعية. وتأثريه ال يقل أمهية عن تأثري شروط احلياة التقنية، وبالتايل

تكون كل سياسة انعكاسا لثقافة وكل ثقافة هي تكون حر وتعبري تلقائي عن الواقع الثقايف واحملمول الذهين املتوارث للمجتمعات معا.

عالقة منظومة الثقافة باملنظومة االقتصادية: -٣

فرضت الثقافة االجتماعية، وطابع إعادة اإلنتاج الذي تقوم عليه هذه الثقافة فكرا اقتصاديا مغايرا فيما خيص نظرية القيمة وامللكية الفكرية

فلم يعد كافيا يف تقييم مشاريع .وحساب املكاسب واخلسائر الثقافية ] ١٤٠ص – ٢٠٠١[نبيل علي، .١

٣٠٧

التنمية أن يقتصر األمر على حساب العائد املباشر أو الكلفة املادية دون مراعاة احملسوسة واملباشرة اللذان يحسبان عادة على املدى القصري

لتلك غري املباشرة، واليت تظهر غالبا على مدى زمين أطول. وكما هي احلال فالعامل يف أمس احلاجة إىل نظرية اقتصادية مغايرة ، يف شأن السياسة

نظرية ال حتاكي مناهج علوم الطبيعيات بل تنحاز إىل جانب اإلنسانيات، أال وهو حتقيق الرفاهية احلقة من أجل حتقيق اهلدف األساسي لالقتصاد

.للمجتمعات واألفراديذهب بعض منظري "ما بعد احلداثة" إىل أن الثقافة أصبحت اآلن أكثر

. وهي اإلجابة املختصرة ١أمهية من االقتصاد يف قيادة التغري االجتماعيلسؤال طاملا حري علماء االجتماع قبل االقتصاديني، ملاذا تبقى بعض البلدان فقرية ومتخلفة على الرغم من االنفتاح على آليات وقوانني السوق احلرة، بل

وعلى احلياة احلديثة بصفة عامة؟.وحصر جمموعة من احملللني وخرباء التنمية مشكالت البلدان الفقرية يف

ثالث نقاط: عدم قدرهتا على إنشاء مصانع حديثة (التكنولوجية املتطورة). -حتى وإذا استطاعت إنشاء هذه املصانع فال توجد القدرة على مالحقة -

التقنيات املتجددة.وما اعتربوه أكثر أمهية هو أن املالمح الثقافية لتلك البلدان الفقرية -

عاجزة عن مالحقة التطور. ]٢٠٠٠[نجم، .١

٣٠٨

وأهم نتيجة نتوصل إليها يف هذا املطلب باجلمع بني مجيع اآلراء هي: أن هناك عالقة وطيدة بني الفكر االقتصادي (حمور بناء األنظمة

االقتصادية) والثقافة االجتماعية، وما تبني من اآلراء أن معظم العلماء أو املنظرين الذين صاغوا الفكر االقتصادي على اختالف مذاهبه اهتموا

بالعالقة وأولوها جانب كبري من األمهية، لكن كل حسب طريقته أو منط تفكريه أو من النقطة اليت يرى أهنا األهم.

النتائج املتوصل إليها يف هذا املطلب متثل أول اخلطوات اليت تقود إىل الطريق الصحيح الستنتاج العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة

االجتماعية، وقد أثرنا أن نبدأ باجلانب الفكري هبدف متهيد الطريق للجانب املادي واآلثار ملا يتقدم من البحث، وليس معنا هذا أننا نغلق النقاش

يف هذه املسألة فهي األهم بالدرجة األوىل. املطلب الثاني

أهم فروع االقتصاد املنبثقة من العالقة بني االقتصاد والثقافةكما سبق وأشرنا إليه يف الكثري من املرات حول بروز الكثري من الظواهر اليت

عجز علم االقتصاد مبفهومه الضيق تأطريها، كان من الضروري نشوء فروع هلذا األخري يتم من خالهلا تصنيف هذه الظواهر اجلديدة، وهو األمر

الذي سنناقشه يف هذه النقطة. أثرنا يف البداية تقصي العالقة بني الفكر االقتصادي والثقايف عرب التاريخ، لندرج يف الفرعني األخريين فروع علم

االقتصاد اليت انبثقت عن العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية.

٣٠٩

الفرع األول: االقتصاد والثقافة: يف هذا الفرع نناقش ثالث نقاط هي من األمهية مبا كان يف تطور العالقة بني الفكر االقتصادي والثقايف، حبيث نتناول تطور العالقة يف االجتاهني، أي كيف اندجمت الثقافة يف االقتصاد وتغلغلت فيه وكانت اآلثار مجلة من الظواهر االقتصادية الثقافية، ثم يف مرحلة ثانية كيف اندمج االقتصاد يف

الثقافة وأفرز فيها بعض خصائصه مسامها يف تطويرها وتطوير مفاهيمها، ويف األخري نأتي عل بعض األمثلة اليت أكدت تطور هذه العالقة.

تطور الفكر االقتصادي الثقايف: -١ الطرح العام: -أ)

ال شك أن الظاهرة االقتصادية هي نتاج التفاعل املستمر بني "عنصري «

" ب SPENCERالطبيعة" أو "البيئة" من جهة، وبني ما يسميه "سبنسر

.١»" من جهة أخرىSuper Organic"ما فوق العضوي " دراسة كل الظواهر اليت تنجم عن "ما فوق العضويويقصد مبصطلح

احتكاك اإلنسان والبيئة، من لغة، دين، تقاليد وقوانني، وكلها أجزاء " باإلضافة إىل أهنا مبثابة "أنساق" ب "ما فوق العضوي ضرورية ملا يسمى

"ما فوق العضوي تدعم البناء الثقايف فقط. جتدر اإلشارة أن مصلح"مصطلح شاع بني األملان وهم من وضع له املفهوم السابق، أين درس األملان

السلوك االقتصادي، الذي يرون فيه أنه: سلوك إنساني، وهو سلوك "مكتسب" ينتقل بالتعلم والرتبية واإلعداد للحياة (حيث أن ظواهر االقتصاد

] ٤١ص– ١٩٨٢[قباري، .١

٣١٠

ال تظهر "طفرة" وهي ليست شيئا "فطريا" أو إفرازا طبيعيا أو غريزيا). وبالنظر إىل أن الظواهر االقتصادية هي "نتاج تارخيي" لعمليات مستمرة جنمت عن ذلك الرتاكم الثقايف احلاصل الناجم عن جهود البشر، والناتج

بدوره عن صراع اإلنسان اجلمعي مع الطبيعة وكفاحه الدائم الدائب حملاولة

من هنا أصبح ينظر إىل االقتصاد على أنه ذلك اجلانب "املادي" «تطويعها. من الثقافة، أو أنه هو نفسه ما يسميه علماء الثقافة واالجتماع الثقايف

"الدكتور قباري حممد وهي النتيجة اليت خلص إليها »"بالثقافة املادية" .إمساعيل"

يف دراسة ملوضوع الثقافة، أين يقسم التطور الثقايف إىل مخسة أقسام:.ثقافة الكهوف .ثقافة اجلمع والقنص .منط البداوة الرعي .التحدي واالستجابة .العمل كأصل للثقافة واحلضارة

واملالحظ من تصنيفه للتطور االقتصادي الثقايف، أنه ميزج بني أمناط حلول املشكلة االقتصادية اليت مر هبا اإلنسان والثقافة االجتماعية اليت

نشأة عن تلك احللول. العمل كأصل للثقافة: -ب)

إن احلياة هي مبعث "العيش والعمل واإلنتاج" ومع تطور احلياة على األرض، تطور العمل وتطورت أساليب العيش. والعمل هو الواجهة احلقيقية لكل

٣١١

"إنتاج اقتصادي، أو فين، أو أدبي". تنشأ الثقافة اجلديدة من الفكر اإلبداعي الذي يرتجم بأعمال يقوم هبا األفراد كل حسب اقتصاده، فريى فيه

هو حلقة الوصل بني فكر «"الدكتور قباري حممد إمساعيل" أن العمل اإلنسان وجهده، وهو الوساطة اليت تربط بني العقل والوجود، فالعمل خيلق النشاط واحليوية وال تصدر األفكار عن "حركة العقل" وحده، وإمنا تصدر

عن حركة العمل، واالحتكاك بالوجود وتطوير املادة، وحتويل الطبيعة

. ويبدو أن "الدكتور قباري حممد إمساعيل" قد ١»إلشباع حاجات اإلنسانخلض كيفية ميالد الثقافة من العمل أين أشار إىل أن العمل املتأتي من اإلبداع يصنع الثقافة اجلديدة، ويأتي العمل كاستجابة الحتكاك العقل

بالظواهر االجتماعية املتأتية من إفراز الثقافة القدمية اليت بدأت تفقد قدرهتا على استيعاب الظواهر االجتماعية اجلديدة، وهو تداخل يف غاية التعقيد يصعب الولوج إليه أو اخلروج منه. وجيادل "الدكتور قباري حممد

إمساعيل" مرة أخرى حول كون العمل هو مبعث النشاط واإلنتاج (االقتصاد) ويرى أن العمل هو الشرط الضروري لوجود اإلنسان نفسه. ثم

يعود ليؤكد أن العمل هو أصل الثقافة، وأصل اجملتمع واحلضارة، وذلك بفضل العمل كظاهرة مجعية حتول اإلنسان من دنيا احليوان إىل عامل

البشر، حني يرقى إىل درجة "اإلنسان العاقل"، وهو اإلنسان احلامل لكل اخلصائص اإلنسانية. من عصر "الرق" إىل عصر الصناعة: ظهرت فكرة "الرق" أو العبيد منذ العهد اليوناني، أين رأى جل الفالسفة يف ذلك العصر

] ٥٧ص– ١٩٨٢[قباري، .١

٣١٢

أن اإلنسان ما هو إال "آلة إنتاج" وهي الفكرة اليت جاء هبا كل من "أرسطو" و "أفالطون". فقد قسم اجملتمع إىل طبقتني مها طبقة "األحرار" وطبقة

"العبيد". فكان العبد يقوم خبدمة أسياده وباألعمال اليدوية واجلسدية بدل أسياده، وكان العبيد نتاج احلروب والصراعات (سبايا احلرب والصراع

السياسي). وسادت يف تلك احلقبة من التاريخ جتارة العبيد طول عصور اإلقطاع، وتعقدت حياة طبقة العبيد ما أدى إىل ظهور بعض احلركات

التحررية بينهم، وتلك كانت بذور "الربوليتاريا"، حيث هرب عبيد األرض من ظلم اإلقطاع فرتك الفالح العمل الزراعي، وظهرت "الربوليتاريا الصناعية". فقد ترك فالحي اإلقطاع الزراعة واجتهوا إىل مصانع الربجوازية يف املدن الكربى واحلضر. واتسمت االقتصاديات الربجوازية الصناعية، بأخالقيات خاصة تدور حول قيم "الربح واإلنتاج واملنفعة"، وكلها قيم مادية تدور حول

مكاسب ووظائف "رأس املال" وما ينجم عن هذه املكاسب من "فائدة" باملعنى االقتصادي... وما يهم هنا يف هذه الفرتة االنتقالية ليس تتبع احلدث

والتعمق فيه، بل هو حماولة اإلشارة إىل اهنيار نظام على يد نظام آخر، والسبب مل يكن بالسبب االقتصادي البحت فقط (والوحيد). فقد تدخلت

الثقافة بشكل كبري (فكرة التحرر) واليت قادت اإلنسان إىل تغيري جمرى حياته اليت يعيشها، لرمبا اختلفت العصور واألوضاع، لكن جند يف عصرنا احلايل عدة ظواهر ختطت يف تفسريها السبب االقتصادي (ظاهرة هجرة

األدمغة).

٣١٣

 االقتصاد وتطور الثقافة: -٢

مبقدار ما تفوق اإلنسان االقتصادي، مبقدار ما يبدو ثقافيا (مثقفا) عرب «التاريخ، حيث يعرب التقدم االقتصادي بوضوح عن النمو الثقايف، فإن كانت

الثقافة هي إضافة اإلنسان للوجود الطبيعي وتغيريه، فإن االقتصاد هو

. يقصد الدكتور "حممد ١»تنمية قدرات هذا اإلنسان إلشباع حاجتهقباري"من خالل كالمه هذا أن االقتصاد والثقافة مها وجها عملة التطور،

إن فهما مرتبطان ومتالزمان، وجود األول يستلزم الثاني والعكس صحيح.نظرتنا إىل الثقافة االجتماعية يغلب عليها اجلانب الفكري، واالقتصاد

اجلانب املادي، لكن الصحيح أنه فيه تداخل وامتزاج بني الفكر واملادة، أين العنصرين يشكالن مركب واحد نتحدث عنه سواء ذكرنا النظام االقتصادي

أو الثقافة االجتماعية.ونلمس هذا التداخل واالمتزاج يف طبيعة كل عنصر، حيث ملا نتحدث عن

النظام االقتصادي فإنه من الضروري احلديث عن نوعه ونقصد الفكر الذي ينتمي إليه (رأمسايل، اشرتاكي، إسالمي). أي أن كل واحد من هذه

األنظمة يفرز ثقافة معينة، تسري اجملتمع باجتاه معني من املفرتض أن يكون رد فعلها ينعكس إجيابا على االقتصاد يف حد ذاته. )٤الرسم البياني رقم ( رسم بياني يوضح العالقة بني االقتصاد والثقافة:

] ٢٩ص– ١٩٨٢[قباري، .١

٣١٤

الرسم البياني من إعداد الباحث

وكما بدأت الثقافة بسيطة بدأ االقتصاد، حني أكد اإلنسان احلضري مهاراته يف صناعة اآلالت احلجرية. ثم تطورت تكنولوجيا صناعة احلجر عند اإلنسان وأصبحت أهم الفنون اليت ابتكرها االقتصاد البدائي، فكانت

. كما كانت عوامل األمن واالقتصاد والذكاء، هي أهم »احلاجة أم االخرتاع«الدوافع اليت وجهت اإلنسان حنو اخرتاع كل من: القوس، السهم واحلربة. وملا بدأت احليوانات الضخمة واملكتنزة اللحم يف االنقراض، منذ العصر

، ما مهد األمر يف ١احلجري الوسيط، وصعوبة قنص احليوانات الصغريةعصور مقبلة لظهور الزراعة كواحدة من أهم وسائل أنواع تلبية احلاجات

املتزايدة. حقائق اقتصادية عن الثقافة: -٣

احتل موضوع الثقافة واالقتصاد حيزا كبريا يف الفكر العاملي احلديث، ذلك من خالل الكم اهلائل من االستثمارات اليت تتطلبها الصناعات الثقافية

] ٣٠ص– ١٩٨٢[قباري، .١

٣١٥

(السينما، التلفزيون، اإلعالم اآليل) باإلضافة إىل األرباح االستثنائية احملققة يف هذا امليدان من طرف املؤسسات الثقافية. حتتل صادرات "السمعي

البصري" املرتبة الثانية من حيث عائدات التصدير للواليات املتحدة األمريكية، أين ميثل قطاع الثقافة يف هذا البلد من حيث عائدات التصدير

فرد، ويف ١.٣٠٠.٠٠٠من الدخل القومي، كما يضم حوايل %٦ما يفوق فرد (يف ٥٠٠.٠٠٠% من الدخل القومي ويوظف أكثر من ٢.٥فرنسا ميثل

. مل يقتصر توسيع العائدات االقتصادية من خالل الثقافة على ١امليديا فقط)الدول املتقدمة فقط (على غرار الو.م.أ وفرنسا)، بل مشل البلدان النامية

واملكسيك...). ٢كذلك وباخلصوص دول أمريكا اجلنوبية (على غرار الربازيل من خالل اإلحصائيات املقدمة يتضح أن الثقافة أصبحت عامل مهم من

عوامل النمو االقتصادي ذلك بالنظر إىل نسبتها من الصادرات بالنسبة للدول املتقدمة وحتى النامية اليت تسري يف نفس النهج باإلضافة إىل

توفري عدد مهم من مناصب العمل املقدمة. ويف نفس الوقت ميكن تقديم نتيجة متقدمة وهي منو العالقة البينية بني

الثقافة واالقتصاد، وتسري كل من الدول املتقدمة والنامية حنو تطوير هذه العالقة وحماولة االستفادة منها لتوسيع مصادر دخلها القومي. (مع

اإلشارة إىل تأثري العالقة بني االقتصاد والثقافة على التطور الدويل واليت أثرها يبدو متباين بني الدول).

١. [CANCTINI,٢٠٠١] ٪ من ٤.٣٦وهو ما يمثل ما نسبته ١٩٩٨مليون دوالر سنة ٨٠٠بلغت صادرات األقراص المضغوطة حوالي .٢

الدخل القومي للبرازيل.

٣١٦

كما سبق وأن أشرنا إىل استفادة الدول من العالقة بني االقتصادوالثقافة وذلك ما الحظه األستاذ والباحث "نيوسرت غارسيا كانكتيين

NEOSTOR GARCIA CANCTINI :"» مجيع بلدان العاملواملناطق ال تستفيد بطريقة عادلة يف توسيع اقتصاديتها واتصاالهتا من خالل الصناعات الثقافية. فنصيب الواليات املتحدة األمريكية لوحدها

، اليابان ٢٥٪من الدخول\األرباح العاملية، االحتاد األوربي ٥٥٪كان

.١»٥٪، أما باقي الدول فلهم ١٥٪وآسيا أما عن تأثري هذه اإلحصائيات على الثقافة فهي كاآلتي:

عدم التناظر بني دول العامل فيما خيص إنتاج السلع الثقافية فهو ليسفقط عامل من عوامل عدم املساواة يف توزيع األرباح االقتصادية، بل يزيد يف اتساع الفجوة بني الدول املتقدمة والدول النامية فيما خيص

االتصال، احلصول على املعلومة، الرفاه واملسامهة يف احمليط االجتماعي احمللي والدويل.

عملية التكامل بني االقتصاد والثقافة بالنسبة للدول تتم من خالل دعم

. ٢ومحاية السلعة الثقافية وإنتاجها من خالل تنظيمات قانونية وحكوميةمع اإلشارة إىل أنه ليس من السهل محاية أو تنظيم السلع الثقافية

وخاصة التقليدية منها.مالحظة هامة: يتمحور أثر االقتصاد على الثقافة يف جعل اإلنتاج الثقايف إنتاج صناعي، مع حماولة نزع الروح اجلمالية والثقافية لإلنتاج الثقايف.

١. [CANCTINI,٢٠٠١] ٢. [CANCTINI,٢٠٠١]

٣١٧

الفرع الثاني: اقتصاد الثقافة: تعريف: -١

اقتصاد الثقافة هو فرع من فروع علم االقتصاد الذي يعنى باجلوانب «االقتصادية لإلبداع، باإلضافة إىل توزيع واستهالك املؤلفات الفنية. كما أنه

يتوىل تنظيم اقتصاد املؤسسات الثقافية (املتاحف، املكاتب، اآلثار

.١»التارخيية)، ويدرس أيضا خصوصية الصناعات الثقافية تاريخ وحدود اقتصاد الثقافة: -٢ تاريخ اقتصاد الثقافة: أ.

بقي التحليل االقتصادي للسلع الثقافية بصفة عامة ملدة طويلة خارج حدود التحليل االقتصادي، ذلك لصعوبة حتديد قيمة السلع الثقافية منذ عهد

يف كتابه: »يستحيل تقييم السلع الثقافية«"آدم مسيث" أين قال:

"Principles of Economics,tome1 وهو األمر الذي أخرج الثقافة من ."ذاكرة االقتصاد وجعل االقتصاديني املعاصرين له يهملون هذا اجلانب من

االقتصاد.لكن ما فتئ أن ظهر عدد من االقتصاديني الذين أبدو اهتمام بالفن من

الناحية االقتصادية على غرار التيار املؤسساتي األمريكي "كينيث بولدن

KENNETH BOULDING جوهن كينيث جيلربت ،"JOHN

KENNETH GILBERT أما تأسيس اقتصاد الثقافة كحقل خاص ،"

،WILLIAM BOMMOLفيعود باألساس إىل أعمال "ويليام بومول

١. [WIKIPEDIA,2007 A]

٣١٨

" عن "العروض احلية"، وأعمال "قاري بيكر W. BOWENووليام باون

GARY BECKER عن "السلع التثقيفية" باإلضافة إىل أعمال "ألني "

Public" عن مدرسة اخليارات االجتماعية " ALAN BEACOCKبيكوك

Ecole du Choix على املستوى املؤسساتي كانت أول جريدة اليت عنونت."

" واليت أنشأت هلذا Journal of Cultural Economics"اقتصاد الثقافة ، لكن مل تلقى اهتماما من طرف االقتصاديني إال عام ١٩٧٧الغرض عام

DAVIDعند ظهور جملة أدبية من طرف "دافيد تروسيب ١٩٩٤

THROSBY" حتت عنوان "Journal of Economic Literature"١. حدود اقتصاد الثقافة: ب.

إن تعيني حدود "اقتصاد الثقافة" تعرف نفس مشكلة تعيني حدود "الثقافة" نفسها. لكن جوهر "اقتصاد الثقافة" تارخييا كان ميداهنا األول، أي "الفن"

اجلميل واالستعراض احلي (مسرح وأبرا). وموضوعها يشكل جزء مهم من الدراسات واألحباث.

ثم توسعت احلدود بعض الشيء خالل القرنيني التاسع عشر والعشرين عند ظهور "الثقافة اجلماهريية" بسبب انتشار السلع ذات احملتوى الثقايف لكن

ذات الطابع الصناعي: الكتب (بطبعات كبرية)، املوسيقى املسجلة، السينما، التلفزيون، االنرتنيت. وكان السؤال الذي يطرح آنذاك هو كيفية معرفة إذا

كانت هذه السلع تنتمي إىل الثقافة أم ال، وأهم الصعوبات اليت عرفها اقتصاديي الثقافة هي متيز اجملال والذي ميكنهم من احلكم على قيمة

١. [WIKIPEDIA,٢٠٠٧ A]

٣١٩

املوضوع. وبذلك وضعوا خصوصيات يف التمييز بني املنتجات، من خالل تصنيعها وطلبها اللذان ميكننا من تفريق السلع الثقافية.

من هنا يتضح لنا أن بداية نشوء "اقتصاد الثقافة" كانت تسري من خالل حماولة االقتصاديني إدراج ما يعرف ب"السلع الثقافية" داخل دائرة

االقتصاد وتأطريها، وبناء حيز نظري اقتصادي يشملها. وما كلل هذه احملاولة بالنجاح نسبيا هو ابتكارهم ما يسمى بالصناعة الثقافية فكانت

املدخل االقتصادي " القتصاد الثقافة". سوق املنتجات الثقافية: -٣ العرض والطلب: -أ

عادة ما يقسم علماء االقتصاد الذين تناولوا "اقتصاد الثقافة" سوق املنتجات الثقافية إىل قسمني:

وهي املنتجات اليت شاع احلكم عليها تارخييا سوق املنتجات املعروفة : على أهنا ثقافية وعرفت قيمتها جديا.

واليت مل يتم تصنيفها بعد ومل يتم حتديد سوق املنتجات احلديثة : قيمتها.

وكال من هذين القسمني طرح إشكال كبري وهو كيفية حتديد القيمة، حيث يف بعض املرافق من الضروري معرفة قيمة املنتج الثقايف، باإلضافة إىل

مردوديته باملقارنة مع األصول املادية. بناء األسعار: -ب كل املواد األولية اليت تستعمل لإلخراج الثقايف جند هلا قيمة سلعية ضعيفة

٣٢٠

جدا بالنسبة للمنتج النهائي (لوحة وبعض القماش باإلضافة لأللوان تنتج لوحة فنية باهظة الثمن، أين يهمل مثن املواد األولية أمام سعر اللوحة). كما أن املقارنة بني السلع الثقافية وحماولة إعطائها أسعار متقاربة (سلم أسعار)

ال ينجح (فسعر اللوحة اليت يرمسها بيكاسو أو أي رسام مشهور لن يكون هلا نفس سعر اللوحة اليت يرمسها رسام عادي حتى ولو كانت قيمتها الفنية أكرب). إذا ترتبط قيمة املنتجات الثقافية باحلس الثقايف لدى اجملتمع. ومنه فالسلع الثقافية هلا قيمتني، قيمة مادية واليت تكون مبثابة "رأمسال ثقايف"

أي يلزم اإلنتاج الثقايف، أما القيمة الثانية فهي القيمة الفنية لإلنتاج الثقايف وذلك من خالل املقارنة بني السلع الثقافية الفنية سابقا، وأمهيتها بالنسبة ملتذوق الثقافة سابقا. كل قيمة من القيمتني ألسابقيت الذكر حتدد بعوامل خاصة وخمتلفة. والشيء الثاني الذي جيب التحدث عنه هو االختالف بني السلع الثقافية، فما مت التحدث عنه يف البداية ينطبق بصفة كبرية على ما

يطلق عليه "السلع الثقافية الفنية". يف حني جند نوع آخر من السلع الثقافية اليت هي بذات األمهية أو رمبا أكثر إذا دخلت فيها اعتبارات أخرى

(مصلحة اجملتمع) وبالطبع نقصد املنتجات الثقافية العلمية (الكتب، االنرتنيت...)، وهي ثابتة السعر نسبيا ويف الغالب حيدد سعر الكتاب على

أساس كلفة اإلنتاج مضاف إليها هوامش معينة، كما أن تأثري الطلب والعرض ال يكون باألمهية الكبرية يف حتديد السعر.

السلع الثقافية:-٤

٣٢١

: موصفات السلع الثقافية -أتوجد قاعدة كبرية من السلع الثقافية، وليس اهلدف هو احتواء كلها لكن املهم هو متييز هذه األخرية عن بقية السلع العادية املعروفة لدى الناس.

:١وقد حددت أهم مميزات هذا النوع من السلع كاآلتي :(الطلب عليها) كما ال ميكن التنبؤ ال أحد يعلم سر جناح سلعة ثقافية

بذلك من طرف األخصائيني يف امليدان. وهذه اخلاصية مستمدة من طبيعة هذا النوع من السلع.

يف حني السلع العادية (السيارات، الكومبيوتر) ميكن تغريات ال متناهية :متييزها بعدد معني (منتهي) وصغري نسبيا من املميزات، جند أن السلع

الثقافية تتمايز عن بعضها البعض بعدد مهول من امليزات والصفات، ومما جيعلها صعبة املقارنة. واألهم من ذلك أن جل امليزات هي ميزات

ذاتية، ومنه ال ميكن القيام بعملية املقارنة بينها.النسبة الكربى من املبيعات ترتكز حول نوع صغري تركيز كبري يف املبيعات :

من السلع اليت القت جناح.أكرب كمية من املبيعات حتقق يف األسابيع األوىل دورة حياة قصرية :

املوالية لتسويقها، وإذا كانت املبيعات يف هذه الفرتة منخفضة، فإنه جيب إحداث أمر استثنائي إلعادة بعثها يف السوق من جديد.

حتديد تكاليف أولية قبل وضع الوحدات األوىل يف تكاليف ثابتة ومهمة : السوق هي أهم شيء، فتكاليف النسخة األصلية للعمل أكرب بكثري من

١. ][WIKIPEDIA,2007 A

٣٢٢

١من النسخ املسجلة أو املنسوخة. التحليل االقتصادي للصناعات الثقافيةيهتم بأسس بناء مميزات هذه األخرية (دراسة الطلب على السلع الثقافية)، باإلضافة إىل امليكانيزمات اليت حتدد العرض مع اإلشارة إىل القيود (مع

أدوات التنظيم الصناعي) وآثارها على نوعية وتعدد السلع املنتجة. أمهية السلع الثقافية: آثار التعليم: -بيرتكز استهالك السلع الثقافية على أصل اقتصادي خاص والذي يدعى

". هذا الذوق بالنسبة R. MC CAIN"الذوق" وهو ما يؤكده " ماكني لصنف من السلع يعود مباشرة إىل كم املعلومات املتوفرة عنه، ومدى

تناسقه، وحيلل الذوق إذا كرأمسال يرتاكم مع االستهالك البسيط للسلع الثقافية (فالعلم جيتمع عند اإلنسان كلما زادت دراسته وأحباثه وكلها متثل استهالك لنوع معني من السلع الثقافية وهو الكتاب). أما فيما خيص عائد

استهالك سلع ثقافية فإنه يف العادة يأتي متأخرا وال يفسر إال بزيادة يف الدخل أو السعر.

اقتصاد العمل الثقايف الفين: -٥ الثقافة االجتماعية والعمل: -أ

تستند جل النشاطات االقتصادية واالجتماعية على أصول مجعية تفسرها

". هذه األخرية حتكمها عوامل Division de Travailظاهرة "تقسيم العمل ثقافية تعود دائما للمثال التارخيي: أين يقوم الرجال بصيد األمساك

.٢وقنص احليوانات، يف حني النساء يذهنب جلمع البذور واجلذور والثمار ١. [Wikipedia,٢٠٠٧ B] ] ٢٨ص – ١٩٨٢[قباري، .٢

٣٢٣

فما فحو هذا التقسيم؟ رمبا ال يكون هذا املثال كايف إليضاح تدخل الثقافة يف عملية "تقسيم العمل"، وندرج هنا بعض املفاهيم املتطورة بداية من

"التخصص الوظيفي" الذي يعتمد على الفروق الفكرية والفيزيائية لألفراد، فأما إذا كانت األوىل من صنع الطبيعة فالثانية من صنع الثقافة (العلم،

اإلبداع الفين...)، وصوال إىل "التخصص الدويل" أين الثقافة صنعت الفروق بني الدول و نقصد هنا اليابان (سنتحدث عنها الحقا) اليت حتدت طبيعتها

.وصنعت لنفسها ثقافة جعلتها من أكرب الدول املصنعة يف العامل اقتصاد العمل الثقايف: -بإن صعوبة حتديد قيمة العمل الفين ماديا، فرضت منطق غريب نوعا ما

على االقتصاديني، ومن أهم التحليالت اليت تعرض إليها "اقتصاد الثقافة" هي حتليل سوق العمل الفين ووضعوا له أربعة خصائص متيزه هي:

وهو ما وضع حتت تسمية " نظام النجوم عدم التوازن يف توزيع األرباح :

Star System أين عدد قليل من األفراد يستحوذون على كمية معتربة ،" من إمجايل العائدات أو الدخول.

هناك دائما عدد إضايف من األشخاص زيادة نظامية يف العرض :يريدون كسب حياهتم من خالل نشاط ثقايف (يف أغلب األحيان فين على

غرار السينما، الرياضة...).تقود األشخاص حنو هذه السوق جتعلهم يف وجود مكاسب غري مادية :

بعض األحيان يقبلون بدخول منخفضة عن الدخول اليت ميكن احلصول عليها من أماكن أخرى تتوافق وإمكانياهتم ومؤهالهتم.

٣٢٤

املنتجني الثقافيني يكون ليس هناك فاصل بني اإلنتاج الثقايف والفين :لديهم منفعة من األعمال اليت يتم إنتاجها، أي أن الفنان يتذوق العمل

الذي يقوم به يف مرحلة إنتاجه ثم يقوم بعرضه.وهبذا فتحليل اقتصاد العمل الثقايف الفين يتميز بنوع من اخلصوصية

فيمكن القول أن سوق العمل فيه ال تعمل كسائر األسواق نسبيا، حبيث أن العرض مييل إىل الندرة يف بعض امليادين وبالوفرة يف البعض اآلخر ( وفرة

يف السينما وندرة يف تأليف الكتب)، كما أن سوق العمل ال ختضع إىل الدخول فقد يعمل الفنان وال يهم ما حيققه من دخل فهو حيقق عائد غري

مادي (االستمتاع بالعمل الذي يقدمه وقد تكون رسالة يوجهها للمجتمع بدافع اجتماعي ثقايف حبت). وهو باختصار شرح مبسط لكيفية حتليل

"اقتصاد العمل الثقايف". الفرع الثالث: اقتصاد املعرفة:

الطرح العام: .١يعد " اقتصاد املعرفة" أحدث فروع علم االقتصاد حيث ظهر يف اآلونة

األخرية، ويقوم على فهم جديد أكثر عمقا لدور املعرفة ورأس املال البشري يف تطور االقتصاد وتقدم اجملتمع. ويدرس هذا الفرع ما تقدمه املعرفة

وجتدر اإلشارة إىل أن لالقتصاد، وبشكل أوسع األثر االقتصادي للمعرفة.

ال ميكن لصاحبها أن ١بعض الباحثني قد شبه املعرفة بالنقود االلكرتونية يشعر بقيمتها إذا حتركت، أهنا املورد الوحيد الذي ال ينضب بل بالعكس من

] ٢٠٠٥[حواص، .١

٣٢٥

ذلك كما يف خصائص مفهوم املعرفة يزداد حجمه باستمرار فيما لو أخضع للتشارك والتحاصص. هذا وإن أهم ما مييز االقتصاد اجلديد اعتماده على

مصادر أخرى غري الطاقة وهي مصادر غري حسية كاملعرفة واملعلومات وإدارة املعرفة، لدرجة أن تلك املصادر غري امللموسة غدت جماال رحبا للتنافس العاملي وأصبحت موضوعا ملهن مستقبلية يف إطار املنظومة االقتصادية العامة فضال عن كوهنا موردا فعليا للثروة. وميكن وصف الوضع احلايل لالقتصاد بأنه يقع يف منتصف الطريق بني االقتصاد

التقليدي املتوازن املغلق القائم على الطاقة وبني االقتصاد اجلديد القائم

إن العلم صار «على املعرفة. يؤكد عامل اإلدارة األمريكي " بيرت دروكر": يتعامل فعال مع صناعات معرفية تكون األفكار منهاجها والبيانات موادها األولية والعقل البشري أداهتا، إىل حد باتت املعرفة املكون الرئيسي للنظام االقتصادي واالجتماعي املعاصر، من هذا املنطلق أصبحت البشرية على

عتبة عصر جديد تلعب فيه إجراءات حقن االخرتاعات إىل االقتصاد وتقارب الثقافة العاملية دورا مفتاحيا يف تسريع حركة املعرفة وضخها من

أقنية العوملة اجلارية حاليا. ويف هذا السياق بزغت مفاهيم االقتصاد الرقمي والتجارة االلكرتونية اليت تشكل املعرفة جوهرها والقوة احملركة

.١»الرئيسية فيهاففي حني كانت األرض، والعمالة، ورأس املال هي العوامل الثالثة األساسية لإلنتاج يف االقتصاد القديم، أصبحت األصول املهمة يف االقتصاد اجلديد

] ٢٠٠٥البريكي،[ .١

٣٢٦

هي املعرفة الفنية، واإلبداع، والذكاء، واملعلومات. وصار للذكاء املتجسد يف برامج الكمبيوتر والتكنولوجيا عرب نطاق واسع من املنتجات أمهية تفوق أمهية رأس املال، أو املواد، أو العمالة. وتقدر األمم املتحدة أن اقتصادات

من الناتج احمللي اإلمجايل العاملي وتنمو ٪ ٧املعرفة تستأثر اآلن على من منو اإلنتاجية يف االحتاد ٪ ٥٠سنويا. وجدير بالذكر أن ٪ ١٠مبعدل

األوروبي هو نتيجة مباشرة الستخدام وإنتاج تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت.

تعريف اقتصاد املعرفة: .٢

وبناء على ما تقدم فإن اقتصاد املعرفة يف األساس يقصد به أن تكون «

. واقتصادات املعرفة تعتمد ١»املعرفة هي احملرك الرئيسي للنمو االقتصاديعلى توافر تكنولوجيات املعلومات واالتصال واستخدام االبتكار والرقمنة.

وعلى العكس من االقتصاد املبين على اإلنتاج، حيث تلعب املعرفة دورا أقل، وحيث يكون النمو مدفوعا بعوامل اإلنتاج التقليدية، فإن املوارد البشرية

املؤهلة وذات املهارات العالية، أو رأس املال البشري، هي أكثر األصول قيمة يف االقتصاد اجلديد، املبين على املعرفة. ويف االقتصاد املبين على املعرفة ترتفع املسامهة النسبية للصناعات املبنية على املعرفة أو متكينها، وتتمثل

يف الغالب يف الصناعات ذات التكنولوجيا املتوسطة والرفيعة، مثل اخلدمات املالية وخدمات األعمال.

] ٢٠٠٨[ويكيبيديا، .١

٣٢٧

خصائص اقتصاد املعرفة: .٣االقتصاد املبين على املعرفة (أو االقتصاد القائم على املعرفة) لديه عدد

معني من اخلصائص:: نظام فعال من الروابط التجارية مع املؤسسات األكادميية االبتكار )١

وغريها من املنظمات اليت تستطيع مواكبة ثورة املعرفة املتنامية واستيعاهبا وتكييفها مع االحتياجات احمللية.

: أساسي لإلنتاجية والتنافسية االقتصادية. يتعني على التعليم )٢احلكومات أن توفر اليد العاملة املاهرة واإلبداعية أو رأس املال البشري القادر على إدماج التكنولوجيات احلديثة يف العمل. وتنامي احلاجة إىل دمج تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت فضال عن املهارات اإلبداعية يف

املناهج التعليمية وبرامج التعلم مدى احلياة. : املبنية على تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت تسهل نشر البنية التحتية )٣

وجتهيز املعلومات واملعارف وتكييفه مع االحتياجات احمللية. : تقوم على أسس اقتصادية قوية تستطيع توفري كل األطر حوافز )٤

القانونية والسياسية اليت هتدف إىل زيادة اإلنتاجية والنمو. وتشمل هذه السياسات اليت هتدف إىل جعل تكنولوجيا املعلومات واالتصاالت أكثر إتاحة ويسر، وختفيض التعريفات اجلمركية على منتجات تكنولوجية

وزيادة القدرة التنافسية للمؤسسات الصغرية واملتوسطة.

القوى الدافعة الرئيسية يف ظل اقتصاد املعرفة: .٤ ويوجد عدد من القوى الدافعة الرئيسية اليت تؤدى إىل تغيري قواعد التجارة

٣٢٨

:١والقدرة التنافسية الوطنية يف ظل اقتصاد املعرفة وهي : أصبحت األسواق واملنتجات أكثر عاملية. العوملة ]١: املعرفة أصبحت تشكل كثافة عالية يف اإلنتاج حبيث زاد ثورة املعلومات ]٢

٪ ٧٠اعتماده بصورة واضحة على املعلومات واملعارف، فنحو أكثر من من العمال يف االقتصادات املتقدمة هم عمال معلومات، فالعديد من

 عمال املصانع صاروا يستخدمون رؤوسهم أكثر من أيديهم.

: شبكات احلاسوب والربط بني التطورات مثل: االنرتنت انتشار الشبكات ]٣ اليت جعلت العامل مبثابة قرية صغرية وواحدة أكثر من أي وقت مضى. فتحنا موضوع "اقتصاد املعرفة" باختصار شديد واهلدف هو تبيان درجة الرتابط بني املعرفة (أو العلم) كأحد أهم العناصر األساسية للثقافة كما

سبق اإلشارة إليه واالقتصاد. أين هذا التداخل بني عنصر من الثقافة (املعرفة) واالقتصاد ولد فرع جديد من فروع االقتصاد هو: "اقتصاد

املعرفة". من خالل مالحظة كل ما ورد يف هذا املبحث و إعادة قراءته قراءة حتليلية

فإنه يتوضح لنا أن هناك عالقة منشأ بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية، فنجد أن أغلب األنظمة االقتصادية كانت وليدة إفرازات

ثقافية خمتلفة جملتمعات خاصة (تفسري لتعدد األنظمة االقتصادية)، يف نفس الوقت جند أن بعض األنظمة االقتصادية األخرى قد اندثرت وحلت حملها أنظمة جديدة وكان السبب بالدرجة األوىل ثقايف (النظام االقتصادي

] ٢٠٠٨[ويكيبيديا، .١

٣٢٩

الرأمسايل). كما أن اختالط املفاهيم احلديثة أدى إىل ظهور فروع اقتصادية جديدة هلا

اليت متيزها وهلا أيضا دورها اخلاص يف حتليل الظواهر هاخصائص االقتصادية والثقافية معا يف قالب واحد اقتصادي ثقايف.

تعد النقاط املذكورة يف هذا املبحث من أهم العناصر يف الدراسة كما أهنا فاحتة الطريق حنو تقصي باقي معامل العالقة، حتى أن اجلزء النظري املقدم يف هذا املبحث رغم تعدد اآلراء املطروحة فيه إال أنه ميثل اجلزء اليسري من حقيقة العالقة موضوع الدراسة، فاألفكار املقدمة فيه تعد

كفاحتة النقاش يف ما تبقى من أجزاء مهمة من الدراسة.

املبحث الثانيطبيعة العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية

وإفرازاهتايأتي هذا املبحث كتكملة لسابقه، لكن خيتلف عنه يف كون هذا األخري

يناقش العالقة من الناحية النظرية، حيث ركزنا يف املبحث السابق على أراء أهم العلماء واملفكرين يف العالقة موضوع الدراسة، أما فيما خيص هذا

املبحث فإننا سنحاول دراسة جوانب االرتباط بني املتغريين موضوع الدراسة، أي كيف ترتبط بعض العناصر االقتصادية بالثقافة االجتماعية وما يرتتب عن ذلك االرتباط (بطريقة معيارية)، وبنفس الطريقة حناول

تقصي االجتاه املعاكس أي كيف ترتبط عناصر من الثقافة االجتماعية مع النظام االقتصاد وباألحرى ما هي إفرازات أو نتائج هذا االرتباط.

٣٣٠

املطلب األول العالقة بني األفراد االقتصاديني والثقافة االجتماعية:

ننزل يف عملية تقصينا للعالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية إىل عناصر تعترب من األمهية مبا كان يف موضوعنا، كما أن تقصينا هلذه العناصر يقود إىل فهم العالقة أكثر. ومنه يف هذا املطلب حناول تقصي كيف كان تأثري العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية على

األفراد االقتصاديني (الفرد، اجملتمع، واملؤسسة)، باعتبار أن هذه الفئات هي حمور النشاط االقتصادي والثقايف أيضا.

الفرع األول: العالقة بني الفرد واجملتمع من منظور ثقايف واقتصادي: ملناقشة هذه العالقة واليت يتدخل فيها أربع عناصر أثرنا تقسيمها إىل

قسمني، حبيث يف القسم األول حناول تقصيها من املنظور الثقايف ملعرفة أبعادها الثقافية، ويف القسم الثاني نتقصها من منظور اقتصادي وبنفيس اهلدف حناول معرفة أبعادها االقتصادية، لنسعى يف األخري إىل الدمج بني

العناصر األربعة للوصول إىل نتائج ختدم الدراسة، كما يوضحه الشكل

١)٥التايل: الرسم البياني رقم (

] ٣٥٩، ص ٢٠٠١[نبيل علي، .١

٣٣١

املنظور الثقايف: .١ملناقشة العالقة من منظور ثقايف كان من الضروري إدراج مفهومني (األول تذكرة فقط على أساس أنه فصل يف الفصل الثاني) هلما أمهية تظهر مع

الدراسة كما يلي: : مفهوم التغري الثقايف -١

هو عملية من خالهلا يتم تغري اجملتمع وتنظيماته، واملعتقدات واملعارف «

KABERRY. "١»والوسائل حتى السلع االستهالكية فإنه ميكن أن تتغري

)١٩٤٥( ." كما أصبح التغيري مسة رئيسية هلذا القرن، فكل شيء ويف كل مكان يشهد

تغيريات واسعة وجذرية، وعميقة. فالتغيري أصبح يكتسح بشكل سريع مجيع اجلوانب التكنولوجية، والسياسية، واالقتصادية، وكذا االجتماعية

الثقافية. ومنه يربز تساؤل مهم وهو: بأي ميكانيزم يتم التغيري على مستوى اجملتمع ككل والفرد بصفة خاصة؟ وما هي طبيعة هذه العملية؟...

١. [TREMBLAY,2004-p09]

٣٣٢

: Acculturationالتثقيف -٢

وهو عمليات تغري خاصة والناجتة عن التأثري املباشر جملموعة من «

. »الواهبني (املثقفني). باإلضافة إىل كوهنا نوع خاص من التغري الثقايف

"HERS KOVITS (١٩٤٩)"وبأكثر دقة هي تأثري اجملتمع احلضري ١ . على الفرد.

وحلدوث عملية التثقيف جيب توفر شرطني: االتصال الثقايف البيين الناتج عن شبكة من العالقات االجتماعية .١

املباشرة املوجودة بني فرد وجمموعة من األفراد الذين ينتمون إىل ثقافات خمتلفة.

 االتصال الثقايف البيين الذي يتم من خالل وسائل االتصال الشعبية. .٢

: جمموعة العالقات بني األفراد الذين ويقصد باالتصال الثقايف البيين ينتمون إىل ثقافات خمتلفة.

: يف البداية جيب اإلشارة إىل وجود نوعني من الثقافة:عملية التثقيف.(عليا) ثقافة ماحنة 

.(دنيا) ثقافة آخذة

لذا فإن عملية التثقيف هي انتقال عناصر ثقافية من جمموعة من األفراد إىل أفراد آخرين، وهبذا فإن عملية التثقيف تتم من خالل ثالثة عناصر

مهمة هي:.الفرد املستقبل

١. [TREMBLAY,2004-p15]

٣٣٣

.األفراد املاحنني

.(العناصر الثقافية) املادة املنقولة

يف نفس الوقت جند أن العملية تتم يف خطوتني كما يوضحه الشكل التايل:

١)٦الرسم البياني رقم ( الفرد يتخلى عن الثقافة األصلية (األم).

التوجه حنو الثقافة اجلديدة (املاحنة أو العليا). هيكل عملية التثقيف: املنطقة ج املنطقة ب املنطقة أ

املنطقة ب ج املنطقة أب

: حميط اجتماعي ثقايف جديد بالنسبة للفرد، حيث ال ميكن املنطقة أب للفرد أن يستغين عن مجيع عناصر ثقافته األم أو التقليدية.

: حميط اجتماعي غريب، مازال حتت التجريب وال يستطيع املنطقة ب ج الفرد املغامرة و االندماج فيه.

: فهي تتسع باالجتاهني حسب مقاومة الثقافة أما فيما خيص املنطقة باألصلية، وقدرة الثقافة املاحنة على التأثري. ومنه ميكن تقسيم املنطقة ب

إىل قسمني قسم يتم فيه تقبل عناصر ثقافية جديدة، ويف القسم الثاني يتم ١. [TREMBLAY,2004-p15]

عناصر تقليدية راسخة

عناصر جديدة مرفوضة

٣٣٤

التخلي عن ثقافة تقليدية (أصلية).  املنظور االقتصادي: .٢

وما يهم أكثر والذي جعلنا نبحث يف عملية التثقيف هو العالقة بني الفرد واجملتمع الذي يعيش فيه، أين هذه العالقة ال تنحصر يف جمال ثقايف

وفقط، فلها أبعاد اقتصادية كثرية وجل العالقات االقتصادية تبحث يف هذه العالقة من منظور خمتلف أو بطريقة خمتلفة لكن اهلدف واحد، وهو

التعايش بني الفرد واجملتمع مبا خيدم اجلميع (تنمية اجملتمع). لكن ما هي طريقة االقتصاد يف مناقشة العالقة بني الفرد واجملتمع؟ خنتصر

اإلجابة عن هذا السؤال باإلشارة إىل أهم النقاط اليت ناقشها

"MICHEL CHATELUS"حول العالقة بني الفرد واجملتمع. ومت ذلك ١ يف أربع نقاط:

:سيطرة الفردية الشخصية أو التعاون اجلماعي -١

يف حماولة الفرد البحث عن سبل العيش يف اجملتمع فإنه يواجه خيارين، االعتماد على موارده الرتاثية وحماولة تلبية حاجياته دون اللجوء إىل

تشكيل جتمع مع باقي األفراد، أو التعاون مع باقي األفراد وتلبية حاجاته عن طريق التخلي عن بعض املوارد اليت ميلك لصاحل اجملتمع. لكن ما يهم

هو أن طريقة التعايش هذه يفرضها اجملتمع ال الفرد.

:ظهور مفهوم الدولة املفروض -٢

من طرف اجملتمع وإجبار الفرد على التعامل مع هذا الكيان اجلديد. ١. [CHATELUS et AT,1993-p10]

٣٣٥

فإذا كان الشخص ضعيفا، أي غري قادر على تلبية حاجاته باحلد األدنى من االعتماد على اجملتمع فإنه سيلجأ إىل تدعيم الكيان اجلديد (الدولة) ودوره يف اجملتمع. لكن الفرد القادر على تلبية حاجاته باحلد األدنى من االعتماد على اجملتمع فهو يتحرر من هذا الكيان اجلديد وحياول تكوين

جمتمعه الصغري الذي هو يسيطر عليه.

:يف ميدان أسلوب العيش -٣

جند نوع آخر من التناقض يعود إىل جتمهر الثقافة وتعدد أنواع االستهالك، ونقصد هنا تركيز وسائل اإلعالم وانتشار عام للمناهج

والسلوكيات. أين دعائم هذه الثقافة اجلماهريية هي أساس التناقض، فهي مركزة ومكلفة جدا (اإلنتاج) كما أهنا جد فردية وقليلة املشاركة من

.١ناحية االستهالك (التلفاز، احلاسوب)

:اإلشادة بنجاح الفردية يف اقتصاد السوق -٤

واليت حتي الرفض النظامي ملفهوم املنفعة العامة، وكذا اخلدمة االجتماعية لفائدة ثقافة النقود كمقوم لالستحقاق االجتماعي. لكن هذا

املفهوم قاد إىل ظواهر غري مرغوبة كالفساد وتضاعف األعمال غري

إلحداث رد ٢الشرعية، مما استوجب حدوث تعديل والعودة إىل األخالق

وهذا ما يدخلنا  فعل عكسي، حيد من اآلثار السلبية حمليط "دعه يعمل"، يف مقارنة بني املصلحة الفردية واملصلحة اجلماعية.

١. [CHATELUS et AT,1993-p11] ٢. [CHATELUS et AT,1993-p13]

٣٣٦

يف مقارنة بسيطة بني الدراسة الثقافية والدراسة االقتصادية، جند أنه فيه تداخل بني العوامل اليت حتكم العالقة بني الفرد واجملتمع، ونريد أن

MARCنضرب املثال الوارد يف هذا اخلصوص من طرف (

ADELARD TRAMBLAY,يف إطار صناعي وحضاري ١)١٩٢٢ ،سريع يف حميط معني، حتول القيمة يتم من خالل تقمص العناصر

اجلديدة للحضارة واليت تعمل على تغيري ثوابت حياة الفرد (االنتقال من اجملتمع التقليدي إىل اجملتمع التكنولوجي). بالعودة إىل املدينة الفرد

ميارس نشاطه الوظيفي بسرعة يف إطار فعالية مرتبطة باإلنتاج الصناعي (كالعمل يف سلسلة وبأجر أسبوعي). لكن الفالح الذي يبيع

أرضه، للذهاب والعيش يف املدينة وقبول وظيفة يف معمل، فهو يقدم على العيش يف حميط يفرض عليه التغري بسبب طبيعة العمل، فهو يفقد

استقالله من خالل العمل الذي يقوم به، فهو يصبح كحلقة يف سلسلة، ليصبح "يوم األجر (اليوم الذي يأخذ فيه أجره)" أهم يوم يف حياته،

ويصبح هذا اليوم منتظرا نظاميا، هذا باإلضافة إىل تنظيم االستهالك، ترتيب احلاجات...، ومبعنى آخر ترمز النقود السلع واخلدمات اليت تصبح متاحة. وهذا املثال باختصار هو عملية تثقيف تنم عن عالقة اقتصادية بني الفرد وجمتمعه، فالفرد يبحث عن التحضر أو التثقيف

(االنتقال إىل املدينة) وحياول العمل على ذلك بتغيري العالقة االقتصادية بينه وبني اجملتمع (من فالح إىل عامل باملصنع).

١. [Tremblay,2004-p11]

٣٣٧

وهذا املثال ال حيصر الرتابط بني دراسة العالقة بني الفرد واجملتمع من وجهة نظر ثقافية أو اقتصادية، بل هو يعطي أحد أوجهها. فهي عالقة ال ميكن تفسريها اقتصاديا فقط ويف نفس الوقت ال ميكن تفسريها ثقافيا

MICHELفقط. بالعودة إىل النقاط األربعة املطروحة من طرف "

CHATELUS نالحظ أهنا خلصت جل العالقة بني النظام االقتصادي "والثقافة االجتماعية يف أهم املفارقات االقتصادية (الفرد أو اجلماعة،

الثقافة وعناصر النشاط االقتصادي...) وهي نتائج سابقة ألواهنا نستكملها يف بقية الدراسة.

الفرع الثاني: العالقة بني الثقافة واملؤسسة:إن العالقة بني الثقافة واملؤسسة شديدة التداخل وتتم على العديد من املستويات ولذلك ارتأينا أن نأخذ بعض النقاط فقط من هذه العالقة

واليت تتميز بأهنا ملموسة، وخلدمة متطلبات البحث ال التعمق يف الدراسة.

العالقة بني الثقافة االجتماعية وأداء املؤسسة: .١

" و " GEER HOFSTEDE , 1980" لقد أبرزت بعض النظريات:

PHILIP SELZNIK , 1957 " وجود ارتباط وثيق بني قوة الثقافةوالكفاءات املمتازة يف مؤسسة ذات ثقافة قوية يشرتك أفرادها يف

جمموعة من القيم والسلوكيات املتماثلة كما يستوعبها العمال اجلدد بسرعة. ولقد خرج العاملني مبجموعة من النتائج املهمة حول العالقة بني

الثقافة االجتماعية وأداء املؤسسة وذلك من خالل دراستهم للعديد من

٣٣٨

املؤسسات وأمهها شركة "جونسون و جونسون" وكانت النتائج كما يلي: إن املؤسسات ذات الثقافة القوية معروفة أو مشهورة بتميزها، ويربز

ذلك يف (منط) شركة "بروك تر" و"قامبل" مثال، أو اقرتاب شركة  "جونسون و جونسون".

ميكن مالحظة أن النمط أو األسلوب وقيم الثقافة القوية تبقى وتضل

 .١ثابتة وتعترب يف حالة التغيري ركنا أساسيا يف هذه العملية إن الثقافات القوية متارس تأثريا إجيابيا على كفاءات املؤسسة وذلك

ألهنا تساهم يف حتفيز العمال، مبجرد احرتام نفس القانون أو نفس دستور القيم والقواعد املشرتكة مما جيعل األفراد يف حالة إشباع أو

 رضى ذهين يزيد من محاسهم يف العمل.

تعترب مشاركة األفراد يف اختاذ القرارات ونظام املكافئات أمثلة معربة على بعض التطبيقات اليت متليها الثقافة لتثمني العمل.

إن املؤسسات ذات الثقافة القوية ترتكز على جمموعة من املبادئوالتطبيقات الواضحة واحملددة، حيث كل فرد حيرتم عمل اآلخرين

والكل يعمل لتحقيق هدف مشرتك باالستناد إىل قواعد ضمنية  مرجعية يف مناخ تسوده الثقة املتبادلة.

فاستمرار هذه الثقافة يعتمد على اجلهود املبذولة من طرف القادة مثلها.وذلك بتكريس معظم وقتهم وتوضيح فلسفة املؤسسة و

]٢٠ص – ٢٠٠٣[سالم، .١

٣٣٩

كما تتميز الثقافة القوية يف بعض الشركات القوية يف العامل مثل

"IBM" بوفاء عماهلا املتميز وحتفيزهم، كما يربز يف هذه الشركة اتفاق وإمجاع عام على مستوى تسيريها.

:تشيد فلسفة هذه املؤسسة بصورة خاصة ب .احرتام احلقوق والفرد

تقديم اإلعانات ألفرادها وهو ما تعتربه كواجب كما يعترب نظامها األفضل يف العامل.

.متابعة األهداف والبحث دائما عن جتاوز العراقيل

تأثري بعض أنواع الثقافة يف املؤسسة: .٢كما متت اإلشارة إليه يف بداية الفصل الثاني حول تعدد مفاهيم الثقافة،

فإن هذه النقطة يف نفس اخلضم، حيث متت صياغة األنواع املذكور أسفله بتخصيص أكثر، باإلضافة إىل ربط املفهوم مبؤشرات أكثر

خصوصية، وما نؤكده أن مجيع األنواع اليت سيتم ذكرها تندرج حتت مفهوم أمشل وأوسع هو مفهوم "الثقافة االجتماعية".

ومبا أننا فصلنا يف سبب تعدد أنواع الثقافة (املفاهيم) كان من الضروري

:١حتديد آلية تأثري كل نوع وذلك كما يلي ثقافة وطنية: -١

" W. OUCHISل "ويليام أوشي Zتربز أمهيتها جليا من خالل نظرية وتشغل املالمح الثقافية اليابانية أمهية كبرية يف كفاءة اإلدارة، مما يربز

]١٩-٨ص.ص – ٢٠٠٣[سالم، .١

٣٤٠

أمهية ممارسة اإلدارة يف بلد ما بناءا على معطيات الثقافة الوطنية للبلد ذاته بدل من تقليد الثقافة اليابانية أو األمريكية.

ثقافة جهوية: -٢

إن اختالف الثقافات اجلهوية ذو تأثري كبري على منط اإلدارة وسري املؤسسات، يربز بصورة جلية يف اختالف الثقافات اجلهوية الفرنسية مثال

وتأثريها على سري مؤسساهتا. :الثقافية-االجتماعية -٣

-بأن التيارات االجتماعية "MIKE BURKEيوضح "مايك بريك الثقافية متثل عائقا جيب إزالته أمام املؤسسات، فالقيم اجلديدة للعامل

واملستهلك واملواطن متثل عوامل ثقافية متداخل للمؤسسة، كما تربز أمهية الثقافية بشكل واضح يف جناح اإلدارة -وتأثري هذه العوامل االجتماعية

اليابانية، ويتحقق هذا النجاح على عدة مستويات سواء على مستوى الفرد أو اجلماعة وكذا على مستوى العمل املنظم.

:الثقافات الفرعية -٤

تعترب املؤسسة شبكة من الثقافات الفرعية ترتبط باجلماعات اليت تسعى من خالل هذه الشبكة إىل تطوير هويتها اليت متيزها يف املؤسسة، وتنتج

هذه الثقافات الفرعية من اختالف النشاطات داخل املؤسسة خاصة نشاطات اإلنتاج والتسويق والصيانة وكذا البحث والتطوير وغريها.

ثقل هذه الثقافات الفرعية " R. SAINSAULIEUلقد أبرز " سانسوليو يف فهم املنظمة، كما يعترب اختالف معايري االعرتاف بالنساء، املهاجرين،

٣٤١

عمال الصيانة... اخل، هو حقل جد واسع ملعايري االنتماء، كما متثل الثقافات الفرعية عامل جد قوي وذلك ملا يتضمنه من قوة تأثري يف

املؤسسة.

األخالق يف املؤسسة: .٣ تعاريف: -١هي جمموعة القيم والقواعد اليت حتكم العالقة بني املؤسسة -أ)

واجملتمع، بني اإلنسان والبيئة (واليت تنشئ أخالق املؤسسة). تعترب كوسيلة أو نوع من اإلدارة، وترتكز على فرضني مها: -ب)قبول غاية املؤسسة املتمحورة على الربح واالستدامة، وذلك من خالل -

احرتام اجملتمع، اإلنسان والبيئة. تندرج ظاهرة األخالق يف املؤسسة داخل عملية التغيري والتطور الثقايف،

مع األخذ بعني االعتبار الوحدات الداخلية (العمال يف املؤسسة، ). كما أن زرع وتكامل األخالق يف -املستهلكني-والوحدات يف اخلارج

املؤسسة حيتاج إىل تغيري يف عمق السلوك، والثقافة اليت تنشئ هذه

.١األخرية أمهية األخالق يف املؤسسة: -٢

:٢ترجع أمهية األخالق يف املؤسسة إىل نقطتني مها : قرنني من التقدم التقين واالقتصادي (القرن التاسعمن الناحية األوىل

١. [COOMANS,٢٠٠٣-p٠٣] ٢. [COOMANS,٢٠٠٣-pp ٠٥-٠٣]

٣٤٢

عشر والعشرين) قادا اإلنسانية إىل حب املنفعة الشخصية، لكن على قدر حبث اإلنسان على املنفعة الشخصية (الربح)، فإنه يف حاجة إىل تعديل سلم

القيم لديه.: شهدت هناية القرن العشرين انتصار الرأمسالية على من الناحية الثانية

االشرتاكية، وكما لكل فعل رد فعل، فإن محل الواليات املتحدة األمريكية علم الرأمسالية، أدى إىل ظهور حركات وجمتمعات مناهضة هلذا النوع من

التفكري. إن ارتباط هذين احلدثني ببعض أدى إىل خلق أزمة (فوضى يف احلياة

اليومية سواء من الناحية االقتصادية أو االجتماعية أو حتى السياسية). باإلضافة إىل أن هذا االرتباط قد حفز توتر كبري أدى إىل إحداث خلل بني

العرض املادي للرأمسالية والطلب الروحي لإلنسان. كخالصة هلذه النقطة، هناك أزمة قيم ويف نفس الوقت نشوء تيار يقوده الضمري الذي فتح باب

البحث عن حل، وهو ما أدى إىل إدراج األخالق يف عامل األعمال. األخالق االقتصادية واالجتماعية: -٣

تعمل األخالق االقتصادية واالجتماعية على إصالح سلوك األفراد واملؤسسات يف ميادينهم االقتصادية وبدرجة معينة من التعمق جند أن هذه

املقاربة ما هي إال مقاربة العدالة االجتماعية: اليت مرجعيتها القيم واألولويات االجتماعية، حيث تعمل على إنشاء إطار قانوني متوازن بني

احلرية والكفاءة والقيود. وهي تبحث على سبيل املثال ال احلصر عن التنسيق بني الفردية، اجملتمع والبيئة من جهة والكفاءة االقتصادية من اجلهة األخرى.

٣٤٣

:أخالقيات األعمال -٤يعترب التيار اللربايل أكرب تقدم وصل إليه االقتصاد واجملتمع (على األقل من

وجهة الغرب)، لكن إذا كان الربح هو الضمان الستمرارية (استدامة) املؤسسة يف اجملتمع، فإهنا حباجة أيضا إىل اإلنسان (كقوة عمل) واحمليط (مورد طبيعي) ومها عامالن مينحاهنا احلياة والتطور. ال يستطيع أي كان

إقصاء دور الربح أو املردودية يف املؤسسة (ال يوجد مثال ميكن إعطاءه عن مؤسسة استطاعت البقاء يف السوق رغم خسارهتا)، يف نفس الوقت وبنفس االجتاه ال ميكن قياس أثر األداء االقتصادي لألخالق، لكن رغم

ذلك ال نستطيع ختيل مسار مؤسسة دون أخالق حتافظ على موقعها االقتصادي واالجتماعي يف اجملتمع. حتى أن األعمال بصفة خاصة ال

ميكن أن توجد دون أخالق حتكمها.

:١و من أهم عناصر "أخالق األعمال" جند العنصرين التاليني احلوار بني األطراف املؤثرة: -أ

" هم كل األطراف املعنية باألهداف، Stakeholdersاألطراف املؤثرة "النشاط، الفاعلية، التطوير وأخريا خدمة املؤسسة، وهي تعمل داخل

...) لتنتج املنافع العامة (اإلنتاج، املوادحميطها وجتمع املوارد (العمل،العمل، الثروة) أو األشياء الغري مرغوبة (التلوث، الصرف من العمل...).

ومنه جند أن املؤسسة واحمليط واإلنسان عناصر مرتبطة ببعضها البعض يف اجليد والسيئ.

١. [COOMANS,٢٠٠٣-p١١]

٣٤٤

:املسؤولية االجتماعية للمؤسسات -بتستطيع املؤسسة جتاوز دورها االقتصادي البحت يف خلق القيمة يف إطار

احرتام القوانني االقتصادية واالجتماعية والبيئية... من خالل احتالهلا مكانة أساسية لتصبح (عنصر نشط واحرتيف)، باملسامهة يف حياة

اجملتمع. حيث تتخطى املعايري احملددة قانونا بتقدميها لألفضل، وبذلك تطور املعايري (وهو بالتحديد مسؤولية املؤسسة االجتماعية).

ومن هاتني النقطتني نالحظ أن "أخالق العمل" ما هي إال حماولة من طرف املؤسسة للحفاظ على استدامتها يف اجملتمع من خالل احرتامها األطراف األخرى يف حميطها، ومن هنا يأتي مفهوم التنمية املستدامة

واملبين على قيام املؤسسة بدورها املثايل داخل اجملتمع. التغيريات الالزمة إلحداث التكامل بني األخالق واملؤسسة: -٥

مخس تغريات ١"MICHEL COOMANSيقرتح "ميشيل كومنس إلحداث التكامل بني األخالق واملؤسسة، واحلصول على نتائج جتعل

املؤسسة العنصر الفعال واالجيابي يف اجملتمع وهي كالتايل: ) التغيري الثقايف والسياسي للمسريين:١يستهدف التغيري األول مسريي املؤسسات وباخلصوص السياسيني وذلك

من خالل:.الربح ال ميكن أن يكون اهلدف أو الغاية الوحيدة للمؤسسة األخالق عنصر ضروري إلزامي لسياسات اإلسرتاتيجية املؤسساتية ١. [COOMANS,٢٠٠٣-pp١٣-١٢]

٣٤٥

اليت تعمل يف عامل يهتم مبسألة القيم. العمل الصاحل والربح ميكن أن يشكال هدف مشرتك، حبيث ال يقصي

أحدمها اآلخر، وميكن اجلمع بينهما. ) التغيري اإلداري للمسريين و اإلطارات:٢

التغيري الثاني يغلب عليه الطابع املنهجي وجيب أن يأخذ ضمن إطار إدارة األعمال ويتم من خالل النقاط التالية:

اخلطوات والوسائل اإلدارية جيب أن تقود إىل غرس وتقييم سياسة األخالق واألخالق يف املؤسسة.

وجهة نظر املؤسسة املبنية على األخالق، ومسار التطوير الذي تسلكه، جيب أن يهدف إىل إرضاء املتطلبات االجتماعية وكذا موازين القوة

اجلديدة واليت تضمن للمؤسسة التطور. ) التغيري السلوكي من خالل املنظمة:٣

التغيري الثالث يأتي ليمس اجلانب اهليكلي والبشري للمنظمة ل:حتسيس، تربية األشخاص، يف مجيع املستويات على املبادئ والسياسات

األخالقية لتأكيد التغيري األول املشار إليه. تأطري األشخاص على منهج ومقاربات التغيري اإلداري (النوع الثاني).

ضمان التناسق بني السلوكات والقيم املختارة من طرف املؤسسة، بطريقة تضمن االهتمام "بالربح" وليس الربح فقط بل مراعاة أيضا جانب اجملتمع

والبيئة.

٣٤٦

) تغيري الذهنيات داخل اجملتمع: ٤

Citoyen Consommateurتوثيق مفهوم "سلوك املستهلك املسؤول

Responsable من خالل زرع األخالق يف روح األفراد خيلق توازن يف"مستويات االستهالك لديهم، بطريقة تضمن عدم التبذير وصرف دخوهلم على الكماليات دون الضروريات اليت من املمكن أن ال تتوفر للبعض منهم.

:) التغيري على مستوى املؤسسات املالية٥هو تغيري يتم خارج إطار املؤسسة واملتعلق مبستوى التحليل املايل وتسيري صناديق النقد، واليت هتتم بالنتائج على املدى القصري. يف حني الوضعية

االقتصادية لالقتصاد الدويل تؤكد أن أغلب املؤسسات تفرط يف تبذيرها للموارد لضمان أرباح الثالثي القادم بدل من تسخريها للتنمية يف املدى

الطويل. إن هذه التغيريات اخلمس هي مفتاح التكامل بني األخالق واملؤسسة وهي

الضمان الوحيد لسري العالقة بني هذين املتغريين يف أوج عطائها، وذلك للعب املؤسسة الدور الرائد يف التنمية االقتصادية واالجتماعية املستدامة.

التقاليد الثقافية واملؤسسة: .٤

. ومنه ١»التقاليد الثقافية تؤسس وتأطر املؤسسات االجتماعية واألفراد«ميكن التأكيد على أن التقاليد (االستقرار الثقايف) هي نتاج حلول

شخصية جمربة يف حميط اقتصادي تنظيمي جملموعة خمتلفة من املشاكل املرتبطة باحلاجات الفردية واجلماعية. ومنه التقاليد تكون يف

١. [TREMBLAY,2006-p07]

٣٤٧

خدمة اجملموعة. كل جمتمعات العامل يف حتول مستمر إىل اليوم، بأكثر وأقل سرعة، جبزء وبكل، يف ريتم وأسلوب خاص. إذا تغريت التقاليد

الثقافية للحضارة فهذا يعين أن املشاكل املوجودة مل تعد نفسها السابقة ومنه وجب البحث عن حلول جديدة تبتدع (اإلبداع) أو تفرتض (انتشار،

تثقيف) حل كل املشاكل املوجودة حبلتها اجلديدة بطريقة مرضية.

املطلب الثاني التأثري املتبادل لعناصر النشاط االقتصادي والثقافة االجتماعية

تتشابك عناصر النظام االقتصادي مع مثيلتها من الثقافة االجتماعية يف عالقة تأثري متبادل، فعند احتكاك عنصر معني من أحد املتغريين موضوع

الدراسة بعناصر من املتغري األخر فان النتائج تكون ظواهر جديدة يف الغالب تعرف على حسب شدة التأثري أو باألحرى اجتاه التأثري.

الفرع األول: الثقافة االجتماعية وعناصر النشاط االقتصادي:للثقافة مجلة من اآلثار اليت ترتكها على عناصر النشاط االقتصادي، من

إنتاج، تبادل إىل استهالك وال ننسى االدخار واالستثمار، باإلضافة للتكنولوجيا واليت ميكن دجمها مع العناصر السابقة لكن أثرنا مناقشتها

بشكل فردي لتبني األثر أكثر وخاصة ملا تلعبه التكنولوجيا من دور من الناحية االقتصادية أو الثقافية.

وتأتي هذه اآلثار من خالل التوجيه الذي تلعبه الثقافة االجتماعية للنشاط االقتصادي بصفة عامة ونفصل ذلك فيما يلي:

٣٤٨

الثقافة واإلنتاج: .١

يف بلد «نبدأ هذا التحليل بإدراج مثال افرتضي يوضح نوعا ما العالقة: مسلم بصفة عامة (السعودية بصفة خاصة) جند من املستبعد وجود أو

إنشاء مصانع لصنع اخلمر أو مزارع لرتبية "اخلنازير"، يف املقابل ويف بلد أوربي بصفة عامة (فرنسا بصفة خاصة) من املستبعد أن جند مصنع

. رمبا هي آراء نظرية مل »لصنع "اجلالبيب" أو "القمصان اإلسالمية"تثبت بأي طريقة سواء علمية أو استقصائية، وقد يكون الواقع معاكس بوجود حاالت شاذة، لكن ما يشفع لنا هو عدم توفر إمكانيات البحث االستقصائي. املهم واملراد من هذا املثال أن بعض الثقافات قد ترفض

بعض السلع وتقصيها من اجملتمع، خاصة لوكنا يف خضم نظام اقتصادي يبحث عن الربح، فإن املنتجني ال يرغبون يف إنتاج هذه السلع، والسبب

بكل بساطة من يشرتيها؟ وإذا كان هناك شك يف مصداقية املثال فإننا من السهل أن جند سلعة يرفض كال اجملتمعني إنتاجها و ذلك لبعد اجتماعي ثقايف حبت ونقصد هنا "املخدرات"، نظريا هي التجارة األكثر رحبية يف

العامل، لكن ملا ترفضها كل اجملتمعات (تضع قوانني متنعها) وتضع عقوبات على من خيالف القوانني اليت متنع جتارهتا، سبب ذلك جلي وجييب عليه أي إنسان عادي وهو الضرر االجتماعي الناتج عن ذلك،

ويأتي الرفض ليس فقط من الضرر االجتماعي بل أيضا من الثقافة اليت ترفض هذا الضرر االجتماعي يف حد ذاته (الدين واألخالق).

٣٤٩

وهنا قد أوردنا نوعني من األمثلة يكون السبب يف التخلي عن اإلنتاج فيها ثقايف والرفض مرة يكون بسبب عدم جدوى اإلنتاج والتنبؤ بعدم حتقيق

الربح (اجلالبيب) ويف املرة الثانية الربح موجود وبوفرة لكن الضرر والرفض االجتماعي والثقايف أكرب، وبشيء من البحث سنجد العديد من األمثلة يف نفس السياق. هذا وإن الوجهة األوىل ال متثل كل العالقة بني

الثقافة واإلنتاج، فهناك وجهة أخرى، فمن املمكن للثقافة االجتماعية أن حتفز األفراد على إنتاج نوع معني من السلع يف اجملتمع دون أن تكون

ألغراض اقتصادية (الربح) وكمثال على ذلك جند الرموز الدينية (املصاحف يف الدين اإلسالمي )، وقد تكون هناك بعض السلع تشجع

الثقافة االجتماعية على إنتاجها ويكون فيها الربح هدفا، وهنا دون حصر نعود إىل "السلع الثقافية" بصفة عامة واليت سبق التطرق إليها.

الثقافة والتبادل: .٢ملا نتحدث عن التبادل فإننا بال شك نتحدث عن التجارة بكلى نوعيها

احمللية واخلارجية، وتتجسد العالقة بني الثقافة والتبادل سواء الداخلي أو اخلارجي يف املثال التايل:

كمحاولة للتوضيح فإننا جند بعض السلع تنتقل بني األقاليم املتقاربة أسرع من األقاليم املتباعدة، فأمناط اللباس يف مشال إفريقيا متشاهبة ومنه

يسهل انتقال هذه األلبسة فيما بني بلدان هذه املنطقة، لكن ال ميكن انتقال األلبسة اليت تتميز هبا إفريقيا الوسطى إىل مناطق مشال إفريقيا، حيث

سكان املنطقة األخرية يرون أن ألبسة املنطقة األوىل غريبة عنهم حتى ولو

٣٥٠

كان املناخ والعامل البيئي متقارب. يف حني جند أن بعض األلبسة تنتقل من أوربا إىل مناطق خمتلفة من العامل دون أن يرى سكان تلك الدول الغرابة

فيها وكأهنا أصبحت منط عاملي أو عام من األلبسة، ولعل أهم سبب هلذه الظاهرة هو احتالل بلدان أوربا عدد كبري من بلدان العامل الذي أدى إىل

نشر ثقافتهم عرب أغلب مناطق العامل وبذلك نشرت ذلك النمط من األلبسة فصار منط عاملي عام.

الثقافة واالستهالك: .٣ ) الطرح العام:١

نغري شيء ما يف أسلوب احلديث عن هذه النقطة وحناول مناقشتها بشيء كيف ختلق الثقافة من التحليل التارخيي، مع اإلشارة هي باألمهية مبا كان:

. البلدان العربية عرفت االجتماعية أنواع جديدة من االستهالك؟باستهالكها ملادتي (اللنب والتمر) باإلضافة إىل كميات ليست كبرية من

القمح واللحم (ما فرضته الطبيعة عليهم) يف مراحل متطورة نسبيا، حبكم ثقافتهم، واألهم من ذلك هو عيشهم فيها راضني نسبيا على ذلك (ألسباب أكثرها ثقافية منها: الدين) واملالحظ يف هذه الفرتات من التاريخ كانوا يف

حالت اكتفاء ذاتي من حيث هذه السلع اليت كانت تعد أساسية. ثم بدأ اختالطهم بالثقافات األخرى، فبدأت تتنوع أذواقهم االستهالكية، وبدأ شيئا

فشيئا ختليهم عن استهالك وإنتاج السلع األساسية، لصاحل سلع أخرى كانوا قد عرفوها من جمتمعات أخرى وبدؤوا يعتادون على استهالكها

(الشاي الصيين، املسك والعطور اهلندية...) هنا بدأ بروز ظاهرة جديدة "

٣٥١

"ظاهرة اإلحالل ". هذا األمر خلق بعض املشاكل لدى معظم الدول مسألة "اجتاه مسار التبادل الدويل". فبعد حتقيق بعض الدول الكتفائها الذاتي

لعدة قرون، أصبحت لديها رغبات جديدة حتتاج لإلشباع، فبدأ يظهر عندها ما يعرف ب" عدم االكتفاء الذاتي" من حيث التغذية بالنسبة للكثري

من اجملتمعات (حالة اجملتمعات العربية) وحاجات أخرى بالنسبة للدول األخرى (الطاقة بالنسبة للدول املصنعة كمثال آخر وهناك العديد من

األمثلة األخرى). فلو اقتصر نظام غذاء الدول العربية على عدد حمدود من املنتجات (كما كان احلال عليه يف السابق) لكان من السهل حتقيق االكتفاء

الذاتي (الصني واألرز) لكن توسع قاعدة السلع الغذائية عند العرب خلق األزمة وذلك بسب اختالطهم مع الكثري من احلضارات (بسب الفتوحات أو

االستعمار يف مرحلة متقدمة من التاريخ)، هنا فاألثر واضح ملا ميكن أن تفعله الثقافة يف تغري منط االستهالك وتوسيع قاعدة السلع االستهالكية

األساسية للمجتمع هذا مع اإلشارة إىل أننا تناولنا يف مثالنا منط واحد من االستهالك ومبفهوم تقليدي ومنه ميكن تعميمه على باقي أمناط

االستهالك مبفهومه الواسع. كل هذا كان رؤية من اجتاه واحد ال متثل كل

مسار حياة »العالقة بني الثقافة واالستهالك، فهناك رؤية ثانية مفادها السلع واخلدمات وتصنيفاهتا يأتي ليؤكد تغيري رؤيتنا األوىل ويطرح رؤية

وذلك كما يلي: إن السلع االستهالكية تأتي «ثانية هي من األمهية مبا كانكفكرة ثقافية يتداوهلا اجملتمع (أو جزء معني منه)، ثم تبدأ بالتداول كسلعة

"كمالية" بني أفراد معينني من اجملتمع (هلم امتيازاهتم االجتماعية)، ويف

٣٥٢

خطوة متطورة أخرى تصبح كسلعة "بديلة " حبيث تعوض سلعة ما من نفس اجلنس تقريبا، لتصبح يف املرحلة األخرية سلعة "ضرورية". وكمثال تتجلى فيه هته املسرية جند "اهلاتف النقال واالنرتنت" وطريقة انتقاله من سلعة

كمالية ملعظم فئات اجملتمع (باستثناء رجال األعمال الذين كان ميثل لديهم سلعة ضرورية)، ثم أصبح من الضروريات بتحفظ، وهنا نقيس شدة

احلاجة إليه مبا يستطيع الفرد أن خيصصه هلذه السلعة من دخله، أو بطريقة أخرى ما ميثله إنفاقه على هذه السلعة بالنسبة إىل إمجايل إنفاقه (ميكن أيضا قياس شدة احلاجة مبعايري أخرى). ورمبا هذه الرؤية الثانية

جتعلنا نعيد صياغة بعض املفاهيم األساسية كتصنيف السلع ومعايري التصنيف يف حد ذاهتا (أي متى نقول عن سلعة أهنا ضرورية، اختيارية،

كمالية أو بديلة...). ) مسألة التفضيالت:٢

الذي مل حيظ بإجابة يف من أين تأتي التفضيالت؟ هذا هو السؤال الكبري العلوم االجتماعية. ويف احلقيقة فإنه السؤال الكبري غري املطروح

وكعنصر خارجي بالنسبة فاالقتصاديون ينظرون للتفضيالت كمعطيات

إهنم يستطيعون بالطبع، التعامل مع نتائج التغري يف .للنظام الذي يعنون بهلكنهم ال يستطيعون اإلسهام التفضيالت وهو لب اهتمام العلوم االقتصادية

.١بشيء حول مصدر تلك التفضيالت

.إن الناس حيصلون على تفضيالهتم من اندماجهم مع اآلخرين

] ١٠١- ١٩٩٧[توميسون، وآخرون، .١

٣٥٣

فالعالقات االجتماعية هي أكرب مدرسة للحياة اإلنسانية. إهنا متدنا مبفاهيمنا حول املرغوب فيه وحول اجلميل واملفرغ، والعادي والغريب.

فال مفر من هذا النفوذ االجتماعي، كما أن االنطواء على الذات هو مبنزلة واألفراد ليسوا كيانات نفسية منعزلة، ولكنهم لعنة وليس سياقا (اجتماعيا)

.١»كائنات اجتماعية«على حد تعبري "دوركايم" الثقافة و(االستثمار واالدخار): .٤

أوال: الثقافة واالستثمار:لنبدأ أوال بالعالقة بني الثقافة واالستثمار، فهي رمبا أسهل يف الفهم،

بالعودة إىل مفهوم "الصناعات الثقافية" جند أن قطاع الصناعات الثقافية أصبح من القطاعات املنافسة على االستثمار يف امليدان الصناعي وحتى

التجاري. فتطور "الصناعات الثقافية " يعكس حقيقة واحدة مفادها زيادة االستثمار يف هذا النوع من الصناعات، وهو البعد األول (يغلب عليه تأثري االقتصاد يف الثقافة). أما البعد الثاني فيتمثل فيما سبق ذكره حول إنتاج

السلع الثقافية، ومواجهة الثقافة لبعض أنواع اإلنتاج واليت ميكن أن حتجب عنها االستثمار (صناعة اخلمور يف بلد إسالمي...) وألن فكرة اإلنتاج

واالستثمار متقاربة فإنه ميكن تعميم ما سبق عن اإلنتاج يف جمال االستثمار ويبقى العكس صحيح أيضا.

ثانيا: الثقافة واالدخار: يقول مالك بن نيب:

] ١٠٣- ١٩٩٧[توميسون، وآخرون، .١

٣٥٤

إذا باملسلم الذي خيتار هذا االجتاه (الرأمسايل) يغوص يف حماولة «ختليص الرأمسالية من الربا، ألنه حمرم يف شريعته. وكأنه من الناحية الفنية حياول ختليص جسد من روحه، ويرجو أن اجلسد سيبقى حيا

وسيقوم مبهماته، وإن جنح يف إجياد حل نظري يف قضية الربا يطابق الفقه اإلسالمي، فيكون كأنه وجد روحا ال ينطويها جسد، أو تتناقض مع

جسدها، ألن نظام البنوك يرفض هذه الروح وهي ترفضه، فيبقى احلل النظري معلقا عمليا ألن صاحبه انطلق على أساس مسلمة استثمار املال

. »كمنطق للديناميكا االقتصادية، دون أن يراجع هذا نفسهمن خالل طرح "مالك بن نيب" نعيد يف البداية طرح فكرة متثل النتيجة

فيها إحدى أهداف البحث، وهي فكرة البنوك الربوية يف البلدان اإلسالمية. : أن جل الدول اإلسالمية ترفض الربا وذلك نظريا هناك تناقض مفاده

ألسباب ثقافية حبتة (الدين اإلسالمي يرفض الربا وحيرمه)، احلقيقة الثانية ارتباط مصطلح البنوك مبصطلح الربا (الفائدة). والسؤال الذي

يطرح نفسه هو إمكانية وجود منظومة بنكية قوية وكفؤة يف بلد إسالمي؟ نبقى يف اجملال النظري دائما وجنيب اإلجابة األكثر منطقية، وهي استحالة

اجلمع بني البلدان اإلسالمية والبنوك (على األقل الربوية منها) لكن ماذا يوجد يف أرض الواقع؟ الواقع خيالف اإلجابة النظرية ويؤيدها يف نفس

الوقت، كيف ذلك ؟ الواقع يؤكد على أن جل البلدان اإلسالمية تبين اقتصادها على النظام البنكي (غياب األسواق املالية يف معظم الدول

] ٧٨ص –ب ١٩٩٠[صادق سعد، .١

٣٥٥

اإلسالمية وحداثتها يف بعض الدول األخرى على غرار دول اخلليج العربي)، ومنه فالواقع يؤكد على تواجد البنوك يف البلدان السالمية، لكن السؤال الثاني الذي ينشق عن نفس السؤال األخري والذي حناول اإلجابة عنه هل هذه املنظومة البنكية يف البلدان اإلسالمية كفؤة وتؤدي الدور املنشود؟ ال

نستطيع اإلجابة على هذا التساؤل فهو حيتاج إىل دراسات معمقة يف امليدان، رغم توفر بعض التقارير اليت أصدرها صندوق النقد الدويل واليت

تؤكد فشل شبه كامل للمنظومة البنكية يف الدول العربية بصفة عامة واإلسالمية بصفة خاصة، باإلضافة للسعي الدائم ملعظم الدول العربية وخاصة اإلسالمية إلصالح منظومتها البنكية وما نشري إليه بوضوح هو عدم توفر أي دليل أو تقرير يربط فشل الدول العربية يف بناء منظومتها

البنكية بالثقافة أو حتى بعنصر منها على غرار الدين اإلسالمي. لكن بالعودة إىل العالقة املراد دراستها (الثقافة االجتماعية واالدخار) فإننا جند اجملتمع املسلم يرفض فكرة االدخار يف البنوك (حتى ولو كان األمر نظري)،

فهي متأصلة يف ثقافته اإلسالمية. حتى ال تقتصر نظرتنا على العامل اإلسالمي فقط يف هذه الدراسة وتكون أمشل ميكن أن نشري إىل فكرة

أين تركزت الفائدة يف حد ذاهتا عند الغرب هي األخرى مل تكون مرغوبة. عالقة املسيحية األكثر حتديدا بعلم االقتصاد على القوانني املتعلقة بأخذ الفائدة. وكان العمل بوصفه أحد عوامل اإلنتاج يعترب أمرا طيبا، ومل يكن اإليراد الذي حيصل عليه مالك األرض يتعرض لنقد شديد ولكن العقيدة

كانت إليها مثلما ينظر الفائدة وكان بقوة انتزاع أدانت املسيحية املبكرة

٣٥٦

احلال لدى اإلغريق على أهنا ابتزاز من جانب األغنياء سعداء احلظ

. ١للتعساء أو احلمقى الذين تعتصرهم احتياجات والتزامات تفوق طاقتهموبغض النظر عن الدين سواء اإلسالم أو املسيحية، فنالحظ أن التاريخ أدان

فكرة الفائدة فقد تطورت الفكرة من خلل يف سري التاريخ إن صح التعبري، أين كان اإلنسان يف بداية فكرة االدخار، يدخر السلع االستهالكية اليت يرى

أنه حيتاج إليها ما إن تغريت الظروف الطبيعية (منتوج الصيف لتغطية االستهالك يف الشتاء)، ثم تطورت الفكرة مع ظهور النقود ومعرفة إحدى خصائصها أهنا "خمزن للقيمة "، فأصبح يدخر النقود بدل السلع إىل أن

ظهرت البنوك، وبذلك أعطت دفعة أخرى ملفهوم االدخار أين أصبح لالدخار دافع أخر وهو "الفائدة"، أين يأخذ املدخر فوائد مقابل تأجيله لالستهالك احلايل، وهي املرحلة اليت جادلت فيها الكثري من الثقافات

والنظريات سواء الفلسفية االقتصادية أو االجتماعية يف جوانب متعددة. الثقافة والتكنولوجيا: .٥

إن للعالقة بني الثقافة والتكنولوجيا وجهان مها كما يلي: الوجه األول:

. إن هذا االستنتاج الذي ٢»إن اجملتمع يفرز التكنولوجيا اليت حيتاج إليها«توصل إليه الدكتور "نبيل علي"، ال حيتاج لكثري من النقاش إلثباته، فجل

علماء االقتصاد حتدث عن صراع اإلنسان مع الطبيعة وحماوالته لتطويعها ] ٣٥ص -٢٠٠٠[كينيث جالبيرت، .١ ] ١٣٨ص – ٢٠٠١[نبيل علي، .٢

٣٥٧

حسب احتياجاته، وكان كل مرة حيتاج فيها إىل قوى أكرب للتغلب عن تعقد الطبيعة كان يبتكر الوسيلة اليت تسهل عليه األمر. هذا حديث عادي

ومفهوم لدى العامة (بديهي)، املهم يف األمر كيف يتم هذا االبتكار وما هو أثره؟ ال جنيب على كامل التساؤل ألن اإلجابة عليه ستستعجل تقديم نتائج

متقدمة مل حين وقتها لذا سنحاول اإلجابة على التساؤل بالقدر الذي يغطي هذه النقطة فقط. لتوضيح األمر وتقديم اإلجابة يف هذه النقطة نعرض مسار تطور أداة بسيطة ابتكرها اإلنسان ثم طورها عرب التاريخ

وهي مثال ال احلصر. ال نعود كثريا بالتاريخ إىل عملية ١ولتكون "الفأس"ابتكار "الفأس" واليت كانت من خالل مالحظة اإلنسان البدائي ملا جيري يف الطبيعة، أين استعصت بعض األشياء (خاصة الصلبة منها) عليه من حيث الكسر والتقطيع، فبداء يالحظ سلوك بعض احليوانات من حوله وطريقة

تعاملها مع هذه الصعوبات املشاهبة، ثم بطريقة يشوهبا بعض الغموض ويعمها االختالف بني اآلراء مت ابتكار أول فأس يف تاريخ البشرية وكانت

"الفأس احلجري" وميكن وصفه بطريقة جد بسيطة فلم تكن سوى "حجر" مت شحذه ليصبح حاد. يف هذه اللحظة بالذات بدأ تكون عدة ظواهر أمهها الثقافة ونقصد بالتحديد طريقة صنع الفأس، فكل إنسان بدأ بصنع الفأس

حلى قدر مالحظته للبيئة اليت من حوله (فمنهم من حاول صنعها على شكل خملب، ومنهم من حاول صنعها على شكل منقار أو قرن...) وهبذا

تعددت أشكال هذه اآللة وبدأت مرحلة أخرى، فلم تبقى الفأس تلك األداة ] ٤٠-٣٩ص.ص – ١٩٨٢[قباري، .١

٣٥٨

البسيطة فقد سارة يف طريق التطور فلم تعد وظيفة الفأس وظيفة بسيطة (القطع أو الكسر وفقط) فبدأت مسألة الكفاءة تربز ثم الشكل (رمز لقوة بعض القبائل البدائية) ومنه أصبحت الفأس حتمل معاني أخرى جعلت اجملتمعات تتناقل مسألتها وتسعى إىل تطويرها (خاصة بعد استعماهلا

كأداة حربية) فأصبحت مسألة تطويرها مسألة ثقافية اجتماعية وببعض التحليل املتعمق ميكن أن جند أن هلا بعد اقتصادي... وهكذا إىل أن وصلت مراحلها األخرية أين أصبحت يف عصرنا تأخذ شكل املنشار اآليل والسكني

اآللية، بإجاز وكمحاولة لتلخيص هذه النقطة ميكن أن نقول أن بداية الفأس كانت اقتصادية حبتة (تطويع الطبيعة) أما فيما خيص تطورها فأصبح

فكرة ثقافية ليعود يف األخري إىل االقتصاد. وهو جتسيد لعالقة التكنولوجيا بالثقافة وهنا نأخذ التكنولوجيا كعنصر اقتصادي مهم.

وال بد من التذكري بالثورة الثقافية والتغري الفلسفي والتقدم يف علوم العلوم االجتماعية) اليت صاحبت التطورات اإلنسانيات ( الطبيعة ويف

السياسية واالقتصادية اليت شهدهتا أوربا يف مطلع القرن الثامن عشر. كذلك احتضان الطبقة البورجوازية الصاعدة للمفكرين وأهل العلم واألدب

والفن. ولوال هذا الرصيد الفكري املتجدد ما كانت الثورة الصناعية.فقد اكتشفت املطابع يف الصني قبل أوربا لكن استخدمتها الصني فقط يف طبع "أوراق األلعاب" ومنه لوال التالقي بني الرتاكم املايل والرتاكم املعريف ملا

.١كانت الثورة الصناعية

] ١١ص -٢٠٠٠[كينيث جالبيرت، .١

٣٥٩

الوجه الثاني:

تقود عوملة االقتصاد قافلة العوملة حاليا جارة وراءها عوملة الثقافة. لقد جنح االقتصاد متضامنا مع السياسة يف التهوين من قدر الثقافة، مستغال يف ذلك حقيقة مهمة مرتبطة باختالف إيقاع سرعة التغري بني األنشطة

تلفة، ولنوضح ما نقصده هنا يف ضوء متغريات عصر لمخاالجتماعية ااملعلومات، حيث تشري شواهد كثرية إىل أن التكنولوجيا قد أصبحت حاليا

األحيان على أسرع من العلم. فالتكنولوجيا حاليا متلي مطالبها يف كثري منالعلم. يف ضوء ذلك نلخص فيما يلي سلسلة التتابع يف عملية التغري

: ١متعيلمجا

التكنولوجيا يف أحوال كثرية أسرع من العلم.

العمل أسرع من االقتصاد.

االقتصاد أسرع من السياسة.

السياسة أسرع من الثقافة.

بسيط ويبدو منطقيا وجود الثقافة يف ذيل سلسلة التتابع، وذلك لسببختتمر مؤداه أن الثقافة ظاهرة اجتماعية ال بد هلا كي تؤتي مثارها أن

وتنصهر وتتفاعل وترسخ.

فالثقافة، كما تقول" لوردس أريزب " املدير العام املساعد لليونسكو لشؤون« الثقافة، حبكم طبيعتها ترفض التهميش واالختزال، وال ميكن هلا أن تكون

جمرد عامل مؤازر لعملية التنمية التكنولوجية، كما هي احلال عادة.

] ١٤٠ص – ٢٠٠١[نبيل علي،

٣٦٠

فليس دورها أن تكون خادما من أجل حتقيق الغايات املادية، بل جيب أن تقوم عليه هذه الغايات نفسها. تكون الثقافة هي األساس االجتماعي الذي

إن أي تنمية تكنولوجية منزوعة من سياق جمتمعها وثقافته هي تنمية بال

. ١»روحالفرع الثاني: أهم الثقافات الناجتة عن تأثري عناصر من النظام

االقتصادي: الثقافة االقتصادية: .١ تعريف: -١

تعرف الثقافة االقتصادية بكوهنا عبارة عن جمموعة املعارف والسلوكيات «

.٢»االقتصادية يف جمتمع ما أو جزء منه (مجاعة أو جمتمع جزئي) الطرح العام: -٢

أوجبت التطورات يف عامل االقتصاد واألعمال أن يكون هناك جتاوب من قبل اجملتمع للتعامل مع التطورات اجلديدة، مما نتج عنه جمتمع حيمل

ثقافة اقتصادية يستطيع أن يتفاعل مع التطورات يف عامل االقتصاد واملعلومات مسي مبجتمع "املعرفة" يف الدول املتقدمة حيظى جمتمع املعرفة مبنظومة جمتمعية كفؤة قادرة على اكتساب املعرفة نشرا وإنتاجا وتوظيفا

يف خدمة التقدم والنمو االقتصادي. أدى التقدم الكبري يف جمال املعرفة واالتصاالت إىل بروز خصائص لعلم

] ٤٧ص – ٢٠٠١[نبيل علي، .١

الثقافة االقتصادية ودورها في التنمية .٢

٣٦١

جديد يندرج ضمن علم االقتصاد أهم خصائصه الوفرة وليس الندرة كما هو يف االقتصاد التقليدي، فمع التكنولوجيا الرقمية تنعدم الكلفة وتصبح الكلفة احلدية ألية سلعة أقرب إىل الصفر، وقد أطلق على الفرع اجلديد

من علم االقتصاد ب "االقتصاد الرقمي" أو "االقتصاد املعريف".حول هذا النوع من علم االقتصاد املفاهيم والثقافة االقتصادية من أسس

تقليدية استندت إىل استثمار املواد األولية واملعدات الرأمسالية إىل االعتماد على املعلومة واملعرفة كأساس يف إنتاج السلع واخلدمات.

لذلك اتسم "علم االقتصاد الرقمي" بأن العامل األساس يف اإلنتاج هو املعرفة وليس عامل الزمن واملسافات يف تأثريها على عملية اإلنتاج

وتسويقه. أهم أدوار الثقافة االقتصادية:-٣ إن الثقافة االقتصادية مهمة جدا يف نشرها بني أفراد اجملتمع، فبدون

الثقافة االقتصادية ال يستطيع املواطن التعامل مع التطورات السريعة والكبرية يف عامل االقتصاد يف مجيع األنشطة مثل حركة االستثمار

واالدخار واستخدام البطاقات االئتمانية والدخول يف أسواق رأس املال واملضاربة باألسهم والسندات.. اخل.

كما أن الثقافة االقتصادية تساعد املواطن على اختيار الفرص املهمةلالستثمار ملدخراته وتنميتها تساعد الثقافة االقتصادية على فهم العالقات التجارية اخلارجية وحركة االسترياد والتصدير وتأثريات

السياسة الضريبية واجلمركية على ذلك.

٣٦٢

تساعد الثقافة االقتصادية على فهم التطورات احلديثة يف عاملاالتصاالت والتواصل مع العامل اخلارجي وعملية فتح االعتماد

واملضاربة باألسهم والسندات يف األسواق املالية الدولية.يتمكن املواطن الذي يتمتع بثقافة اقتصادية من التحوط لألزمات

االقتصادية كارتفاع األسعار واالهنيارات يف أسواق البورصات... اخل والتعامل معها بأقل اخلسائر.

والثقافة االقتصادية حتول النزعة االستهالكية إىل النزعة اإلمنائية عنداملواطن من خالل ادخار جزء من دخله الستثماره يف جماالت حتقق

للفرد تطورا يف مستوى حياته. يف ضوء هذا نرى أن للثقافة االقتصادية دورا مهما يف توعية الفرد حنو التطورات الواسعة يف عامل االقتصاد

واألعمال لكي يتمكن من التعامل مع هذه التطورات ويساهم فيها وصوال

ألنه ال ميكن ألي «إىل تنمية اجملتمع بأكمله وحتقيق تقدمه االقتصادي. مناذج منو اقتصادي أن تنجح يف أية جمتمع دون أن تكون هناك ثقافة

.١»اقتصادية لدى أفراد اجملتمع للتعامل مع هذه النماذج التنموية

الثقافة املالية: .٢

أظهرت التجارب على بعض الدول، أن قدرة األفراد على الوصول إىل "االختيار «املناسب" (حسن االختيار) من بني الفرص املتاحة وإدارة شؤوهنم املالية تنعكس خريا على

االقتصاد بشكل عام فاالقتصاد الوطين هو جمموع اقتصاديات أفراده. لذلك فإن حدا

. ٢»أدنى من الثقافة املالية أمر مطلوب توفره لدى شرحية واسعة من اجملتمع الثقافة االقتصادية ودورها في التنمية .١ ] ٢٠٠٦[ حصرية، .٢

٣٦٣

فحاجة املواطن حلد أدنى من الثقافة املالية شبيه حباجة األم حلد أدنى من الثقافة الطبية حتى تستطيع جتنيب أبناءها خماطر األمراض وتضمن هلم

طفولة سليمة من األمراض قدر اإلمكان. وهذه املعرفة ضرورية لكافة فئات اجملتمع، رجاال ونساء، صغارا وكبارا. املرأة حباجة للثقافة املالية كموظفة

. أي أن الرجل جيين واملرأة تدخر »الرجل جنا واملرأة بنا«وكأم. وقدميا قيل لتبين. حتى الصغار جيب أن يتعلموا قيمة املال وكيفية ترشيد إنفاقه. هذه

الثقافة املالية جيب أن تشمل أمور التدبري املايل من حيث موارد الفرد وإنفاقه، املالية العامة، األدوات االستثمارية املختلفة املتوفرة للمواطن

العادي، االدخار واالستهالك، معرفة أولية بالنظام الضرييب تساعد املواطن الثقافة املالية تشمل كذلك قدرة اإلنسان على القيام مبسؤولياته الضريبية.

على ممارسة دوره بشكل إجيابي يف ملكية أسهم الشركات وبالتايل جيب أن يكون لديه احلد األدنى من املعرفة الثقافة ليستطيع املسامهة يف اجتماعات

اهليئات العامة للمسامهني اليت تعقدها هذه الشركات. ثقافة اإلنفاق و االستهالك: .٣ ثقافة اإلنفاق: -١

تتم مناقشة قضية اإلنفاق والثقافة على مستويني و مبفهومني: املستوى اجلزئي:

إن "العامل املاهر"، قد ينفق على طعامه أكثر من "موظف بريوقراطي كبري"،

أن الدخل ١"HOMANSله نفس الدخل واألجر والوضع، كما يرى"هومنز ] ٤٨٢ص– ١٩٨٢[قباري، .١

٣٦٤

والوظيفة قد يكون هلما أثرمها يف حتديد الوضع الطبقي، فالعامل املاهر، هو الذي يعطي دائما أكثر وحيصل دائما على ما هو أكثر فيشعر بأنه أكرب

أجرا، وأعلى مكانة فيحاول أن ينفق من أجره بضع دوالرات إضافية، فيدفع يف أسلوبه االستهالكي قروشا أكثر من غريه حتى يشعر بأنه أكثر أفضلية

إذا ما قورن بغريه. املستوى الكلي:

هتدف التنمية االقتصادية أساسا إىل زيادة اإلنتاج، برتشيد اإلنفاق، ورفع معدالت الدخول الفردية، واستغالل فائض االستثمار بأفضل الطرق املمكنة

لزيادة الدخل القومي. أما التنمية االجتماعية ختتلف عن نظريهتا االقتصادية ألهنا نتيجة الحقة ملقدمات سابقة، ترتبط بالتقدم االقتصادي

من جهة، وزيادة الدخل القومي الذي يؤدي بالطبع إىل ارتفاع معدالت الدخول الفردية من جهة أخرى. و منه بلغ إنفاق الدول الغربية يف ميدان

، وكانت حصة الواليات ٢٠٠٠مليار دوالر يف عام ٣٦٠الصناعات الثقافة: مليار دوالر. رمبا ال يكفي هذا الرقم كربهان على ١٨٠املتحدة األمريكية

أمهية هذا الفرع من فروع االقتصاد. لكن العصر احلايل وتسابق الدول حنو املعرفة واكتشاف كل جمهول الذي ميكن أن ينطوي على الثروة اليت

حتدث النقل للمجتمع هو أهم عنصر، وحلدوث هذا ال بد من رسم طريق يسري فيه اجملتمع حبيث يطور معارفه املكتسبة ودجمها يف االقتصاد لتوليد طاقات تقوده إىل التنمية املستدامة ورمبا هذا املعنى قد سبق التطرق إليه

وهو دور اإلبداع يف تنمية اجملتمع.

٣٦٥

ثقافة االستهالك: -٢هناك دافع بيولوجي لالستهالك باملفهوم البسيط (األكل) هو اجلوع، كعملية

فسيولوجية حبتة، ولكننا نشبع دافع اجلوع مبجموعة من االستجابات املختلفة، وهنا تتدخل الثقافة واالقتصاد معا يف حتديد هذه الطرق من

. فالثقافة تنتقي نوع الطعام واالقتصاد حيدد الكمية، وترسم ١اإلشباعالثقافة طريقة طهيه وحيدد االقتصاد األداة، حتدد الثقافة وتنظم لنا آداب

املائدة واالقتصاد نوعا ما حيدد عدد الوجبات. الفرع الثالث: الصناعات الثقافية:

تطور مفهوم الصناعات الثقافية: .١يف بدأ مناقشة هذه النقطة نشري إىل أهنا نوقشت على أساس فرض تعرض

إىل جدل كبري حنن يف غنى عنه ونكتفي باإلشارة إليه، وفحو هذا اجلدل يتجلى من خالل طرح السؤال التايل: هل الثقافة منتوج؟ وميكن تفصيل هذا السؤال إىل العديد من األسئلة الفرعية (طبيعة هذا املنتج، آليات إنتاجه...)، ويتواصل اجلدل إىل أن يصل إىل بعض احلقائق وأمهها كان: اكتساب الثقافة

صفة "الصناعة". إن من أهم األشياء اليت دجمت الثقافة يف االقتصاد هو اكتساب األوىل صفة "الصناعة" واندماجها يف النسيج الصناعي احلديث،

دخول املكننة واإلعالم اآليل وتقنيات االتصال احلديثة إىل «ويرجع ذلك إىل كل مناحي احلياة االجتماعية، ليربز إىل الوجود ما يعرف باجملتمع ما بعد

.٢»الصناعي أو اجملتمع أملعلوماتي

] ١٨ص– ١٩٨٢[قباري، .١ ] ٠٤ص – ٢٠٠٣[أوكيل، وآخرون، .٢

٣٦٦

أما فيما خيص مصطلح "الصناعة الثقافية" فقد شاع استعماله منذ األربعينيات من القرن العشرين ( بفضل التطور الصناعي الذي عرفه

Andros andالقطاع ليلقب منذ األربعينيات بقطاع "الصناعات الثقافية"

Horkheimer1974وجاء هذا يف سياق نقد"الثقافة الشعبية" السائدة ١آنذاك. وكان ذلك من خالل ظهور وسيلة االتصال اجلديدة املتمثلة يف

اإلذاعة، يليها بعد ذلك "التلفزيون" ثم اقرتن تصنيع الثقافة "بتسليعها" أي إخضاعها لقواعد التبادل السلعي، مما أفقدها قوهتا النقدية من الناحية

االجتماعية والسياسية، وأفقدها الفعل الثقايف تفرده وخصوصيته من الناحية اجلمالية. ويتابع أصحاب هذا االجتاه ويتساءلون حول ما إذا كانت هذه الصناعة ضرورية (تنتج وتعرض، تطلب وتستهلك) رغم خصوصيتها

اليت ختتلف عن السلع املادية. حيث أن التثقيف أو "التغذية الفكرية" هلا آثارها الطويلة املدى، وميكن اعتبارها استثمار يف حد ذاته. استمر التطور يف مفاهيم "الصناعة الثقافية" إىل يومنا هذا وأدرجت فيه بعض العناصر

األخرى على غرار عنصر املعرفة، والذي بدوره اكتسب أمهية كبرية أين أصبح أحد أهم عوامل اإلنتاج يف إطار مؤسسة صناعية مرنة التنظيم،

رشيدة السلوك، قادرة على استعمال املعرفة وعلى إنتاجها وبثها، وقادرة على التعليم أيضا. وهو ما مهد إىل قيام طرح جديد مييل إىل ما ميكن أن يطلق عليه "اقتصاد املعرفة" (املذكور آنفا)، أي حضور الثقافة يف الصناعة

يف نفس الوقت الذي اقتحمت فيه الصناعة ميدان الثقافة، مما يسمح ] ٠٢ص – ٢٠٠٣[أوكيل، وآخرون، .١

٣٦٧

 بتطور نوعي كبري للصناعة والثقافة معا.

تصنيف الصناعات الثقافية: .٢يف زمرت األشكال اليت عرفتها الصناعة والثقافة باإلضافة إىل التشابك

فيما بينها، واختالط كل هذا بعناصر أخرى أدى إىل صعوبة يف متييز الصناعات الثقافية، وكل ما توصل إليه الباحثني يف هذا امليدان هو مجع

: ١بعض العناصر اليت من خالهلا يتم متييز الصناعات الثقافية حجم املوارد: -١

تتميز املوارد املخصصة لإلنتاج الثقايف بضخامتها النسبية فهي تتطلب: جتهيزات ضخمة، وحجم معني من العمالة ورأس املال، باإلضافة إىل حجم

املعارف املطلوبة ونوعية املواهب. كل هذه العناصر الداخلة يف عملية اإلنتاج الثقايف هي ذات قيمة يف السوق وتتطلب إنفاق أموال ضخمة، مما يعين ارتفاع تكلفة اإلنتاج الثقايف إىل مستوى جيعل الثقافة تقرتب من مفهوم

". أثبتت معظم التقارير والدراسات REGOURD,1992الصناعة الثقيلة "والبحوث، اليت أعدت بإشراف هيئات رمسية ومؤسسات مشرفة على

الثقافة بشكل أساسي، أن حجم املوارد املطلوبة لإلنتاج الثقايف العصري أصبح إذن ضخم جدا، حبيث يفوق حدود قدرات املنتج الفرد الواحد بل وحتى قد يتجاوز طاقة املؤسسات الصغرية وتستدعي جتنيد أموال كبرية وقدرات صناعية وتنظيمية هائلة تسمح بتقديم منتوج رفيع من الناحية الصناعية على األقل وقادر على املنافسة يف ظل تدفق املنتجات الثقافية

وهذا يطرح إشكال قد يكون سابق ألوانه وهو مقدرة الدول على املستوى الدويل. النامية على متويل الصناعات الثقافية وهل مستويات اإلنفاق احلالية على

هذا النوع من االستثمارات جمدي؟ وهل هي ضرورية لتحقيق التنمية ] ٠٩-٠٧ص.ص – ٢٠٠٣[أوكيل، وآخرون، .١

٣٦٨

واالجتماعية؟ نعود إىل هذا املعيار الذي يعد من أهم املتغريات اليت انكب عليها البحث االقتصادي يف منتصف السبعينيات، ملعرفة حجم املوارد

الالزمة للنشاط الثقايف أو لرتشيد الدعم احلكومي لألنشطة الثقافية أو للوقوف على فعالية عمليات الرعاية املالية لألنشطة الثقافية من قبل املؤسسات الصناعية الضخمة. إذ أن أية زيادة يف الدعم والتخصيص

املاليني لذلك النشاط تتوقف على التحديد الدقيق جملاالته، أهدافه، نطاق تغطيته وعوائده أو آثاره. تقنيات اإلنتاج الصناعي:

يغلب طابع تقنيات النسخ كآلية لإلنتاج الصناعي فيما خيص الصناعة

فتكون هناك صناعة ثقافية عندما يكون عرض العمل الثقايف «الثقافية

. ومثال ذلك الكتاب »مرسال أو مستنسخا بواسطة التقنيات الصناعيةواالسطوانة والفيلم التلفزيوني والسينمائي واإلذاعة والصحيفة واملنتجات

املتعددة الوسائط احلديثة من األقراص واالسطوانات املكثفة. وما مييز كل هذا هو عملية النسخ، أي إعادة نسخ النموذج األصلي وتوزيعه داخل

اجملتمع على نطاق واسع وهو األمر الذي ينم على إمكانية حتويل األثر

ويقتضي هذا، االجتاه ١"AUGUSTIN,1997الثقايف إىل منتوج صناعي "حنو تصنيع الثقافة وتطبيق سياسة تنافسية يف اجملال الثقايف، تكون مثرهتا

خفض تكلفة اإلنتاج وإتاحة املنتجات الثقافية لالستهالك الواسع.

]١٠ص– ٢٠٠٣[أوكيل، وآخرون، .١

٣٦٩

ومن أهم آثار هذا االجتاه مزيد من الدميقراطية على االستهالك الثقايف الذي مل يعد حكرا على خنبة ثقافية أو اجتماعية بل أضحى ممارسة عامة اجتماعية يدعمها تزايد الوعي واحلاجة، ولعل أهم اآلثار يف نفس االجتاه

هو انتقال هذا األمر إىل السلطة اليت يف بعض األحيان تلجأ إىل توجيه هذه الصناعة باالجتاه الذي خيدم أهداف معينة تكون هلا آثار مباشرة على

اجملتمع (تشجيع الواليات املتحدة األمريكية إنتاج األفالم العسكرية ودعمها ماديا وذلك هبدف جتميع وتوجيه الفكر القومي حنو خدمة مصاحلها

داخليا وخارجيا).من هنا نالحظ أن مثل هذه الصناعات الثقافية يف غالب األحيان هتدد

بزوال القيمة الثقافية عن العمل الثقايف واصطباغه بصبغة صناعية حبتة، ذلك من خالل النسخ النمطي لألعمال وامليل إىل ترسيخ قوالب معينة بدل

البحث عن اجلودة والتميز واألصالة اليت تصنع جوهر العمل الثقايف. دور السوق: .٣

إن الصناعة هي من أهم مقومات اقتصاد السوق احلر، وهبذا يدخل السوق كأهم معيار من معايري متييز الصناعة الثقافية، وذلك بفضل الدور املتعاظم

الذي تلعبه السوق يف جمال الثقافة.كما سبق اإلشارة إليه فإن الصناعة الثقافية تتميز بضخامة املوارد مما

جيعلها تطبق تقنيات اإلنتاج الصناعي الكبري واليت تستدعي االعتماد على آلية السوق لتصريف املنتجات الثقافية. بل إن متطلبات إعداد اخلطط

تقتضي تكييف املنتوج مع احتياجات السوق.

٣٧٠

خبصوص احلديث عن السوق كمعيار لتحديد "الصناعة الثقافية" جند عنصر آخر يظهر هو "السياسات الثقافية" اليت تتبناها احلكومات يف إطار

مؤسسات ثقافية عمومية تدعمها الدولة أو اهليئات احمللية (وهو حديث سابق ألوانه نعود إليه بالتفصيل).

هذه اإلشارة اهلدف منها هو تبيان إذا ما كان املعيار التقين القائم على تطبيق اإلنتاج الصناعي صاحل بالنسبة لإلنتاج الثقايف، سواء كان يف إطار

القطاع اخلاص أو العام، فإن معيار السوق ينطبق أساسا على تلك الصناعات اليت ختضع إىل املنافسة يكون فيها القطاع اخلاص طرفا

مهيمنا، ويكون القطاع العمومي نفسه مضطرا إىل تطبيق نفس قواعد التسويق املطبقة على أرض الواقع فيما خيص األنشطة الثقافية لكي يضمن حدا معينا من النجاح للعمل الثقايف. وبذلك تكون الفعالية االقتصادية ألي

نشاط شرطا أساسيا للبقاء واألداء. مناقشة حول تعريف الصناعات الثقافية: .٤

ميكن اآلن إدراج تعريف موجز خمتصر "للصناعات الثقافية" يتمم املفاهيم اليت تبلورت يف أذهاننا مما سبق.

":١٩٩٠,TREMBLAYتعريف "ترامبلي -١ : الصناعات الثقافية

هي جمموعة هائلة من األنشطة منها: البث التلفزيوني، البث اإلذاعي، «

، التليمانيك، االتصال السلكي والالسلكي، النشر، الطباعة، الصحافة،

العروض الفنية، الرياضة االحرتافية، معارض الرسم، السينما، الفيديو،

٣٧١

صناعة الربجميات، أروقة الفن، حمالت الصناعات التقليدية، اإلشهار،

. ١»التصوير...إن أهم االنتقادات املوجهة هلذا التعريف هو اهتمامه الكبري بالصناعات اليت

متثل حمور النشاط الثقايف التقليدي مبا فيها الفنون واآلداب وامتداداهتا احلديثة: التلفزيون واإلعالم اآليل، أي باختصار شديد أنه يويل اهتمامه

بالنشاطات ذات القيمة الرمزية العالية يف دائرة االستهالك، يف حني يهمل نسبيا تلك املنتجات واألنشطة ذات القيمة املعرفية العالية يف دائرة اإلنتاج

(البحوث العلمية، الدراسات املتخصصة يف شتى اجملاالت).وإن أهم ما مييزه هو أنه ينطوي على تعارض رئيسي وتعارضات ثانوية هي

كاآلتي:التعارض بني عامل اإلبداع وعامل الصناعة: التعارض بني عامل اإلبداع الذي حتتل فيه مكان الصدارة تلك العالقة

الشخصية بني املبدع ومن يتوجه إليهم من اجلمهور رغم أنه مل يعد اإلبداع جمرد عمل شخصي، بل أصبح حصيلة جهد فريق مثابر على التجديد واالبتكار (نعود إىل مثال األفالم األمريكية وما جتمعه من موارد مالية وبشرية و...). وبني عامل الصناعة الذي يبدأ من حيث ينتهي اإلبداع

الشخصي، فيأخذ النموذج اإلبداعي األصلي، ويعمل على نسخه وتكرار إنتاجه وتوزيعه وبثه بكميات جتارية. وهو ما يفقده حسه اإلبداعي، حيث

كان األساس يف اإلبداع قدميا هو ندرته واحنصاره على فئة معينة من ] ١٢-١٠ص.ص – ٢٠٠٣[أوكيل، وآخرون، .١

٣٧٢

الناس الذين يستطيعون تقييم هذا اإلبداع وتقديره. واألصل يف عملية اإلبداع التقين هي إنتاج فكري يقوم هبا فقط املبدعون ذوي املواهب

واملؤهالت اخلاصة، غري أن التطور التقين الصناعي الكبري منذ اخرتاع مع –املطبعة أدى إىل الكتابات ثم السينما والتلفزيون إىل أن انتهى األمر

إىل توحيد العامل يف –هناية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين فضاء الكرتوني واسع تتدفق فيه املعلومات واملنتجات الثقافية عرب شبكات

شاملة جتاوزت احلدود والثقافات.:آثار التعارض بني عامل اإلبداع وعامل الصناعة كانت آلثار التعارض بني عامل اإلبداع وعامل الصناعة مجلة من التعارضات

هي كالتايل::التعارض بني الصناعات الثقافية القائمة على قيم السوق أوال

والسياسات الثقافية املدعمة من قبل الدولة واهليئات العمومية والقائمة على منطق اخلدمة العمومية.

التعارض بني القيم الصناعية والفنية، الذي يقتضي فقدان ثانيا :املنتجات الثقافية ملستها اجلمالية الشخصية املنفردة وحتوهلا بواسطة النسخ الصناعي إىل قوالب تفتقر إىل اخلصوصية والتميز الضروريني

لكل فن.التعارض بني القيم الثقافية احمللية يف إطار النشاطات احلرفية يف ثالثا :

نطاق حملي أو وطين والقيم الثقافية األجنبية أو العاملية يف إطار الصناعات الثقافية اليت نزع إىل جتاوز احلدود واهلويات السياسية

٣٧٣

والثقافية التقليدية.كل هذه التناقضات إذا ما حاولنا تلخيصها وحصرها يف منوذج واحد فإننا

نستطيع تطبيق عليها قانون "املنفعة احلدية املتناقصة" أين تزيد ميزة التصنيع كمية اإلنتاج الثقايف فيبدأ بفقدان قيمته احلدية (معناه عند الفرد واجملتمع) يف حدود نسبية وهو ما جيعلنا ال خنتلف حول حقيقة الصناعات

الثقافية ووجوب التعامل معها على أساس اقتصادي بدرجة من الرتكيز النسيب.

الصناعات الثقافية والتطور العلمي التكنولوجي: .٥تعد الصناعات الثقافية من أهم الصناعات اليت استفادت من البحث

العلمي والتطور التكنولوجي بشكل عام، ويف نفس الوقت جند أن البحث العلمي والتطور التكنولوجي قد استفادا من هذا النوع من الصناعات.

ويبدأ الطرح من حجم االستهالك الثقايف احلاصل يف وقتنا هذا فهو يتميز بضخامته حتى أنه أصبح يعد من األساسيات يف اجملتمع، وهو ما فتح

اجملال أمام استثمارات ضخمة ومتخصصة يف هذا اجملال، هذا من ناحية ومن الناحية الثانية طبيعة السلع الثقافية، فهي ليست كالسلع االستهالكية النهائية اليت يتم استهالكها لتجديد طاقة العمل ثم تزول وخترج من الدورة

االقتصادية بنهاية االستهالك.

فالسلع الثقافية تتميز بكوهنا ال تليب حاجة أولية أو فزيولوجية، ومنه «"فاالستهالك الثقايف" الذي هو تعبري عن مستوى فكري وحضاري معني، واكتساب ملعرفة جديدة تبصر أكرب، وتطوير للقدرات اإلبداعية اليت تسمح

٣٧٤

»تسمح للفرد بتجاوز عزلته واالندماج بفضل الوسائل الثقافية...كل هذه األشياء تسمح للشخص املعين لإلقبال على عمله بروح متواثبة،

قادرة على اإلبداع واملسامهة الشخصية، وهذا دون أن تنقص هذه الطاقة بنهاية اليوم أو األسبوع، وهو ما يطلق عليه اسم " االستهالك االستثماري".

وهذا ال يعين أن السلع الثقافية قد تبقى صاحلة إىل األزل إمنا هي متجددة ويأتي ذلك من خالل عالقتها املتكاملة مع التطور يف اجملال العلمي

والتكنولوجي. فربوز دراسات جديدة أو تكنولوجيا جديدة يف اجملتمع يستدعي ظهور سلع ثقافية جديدة تطرح يف السوق قصد استهالكها

وهكذا... حيث التطور التكنولوجي لوسائل اإلعالم واالتصال أو البث مسح بإقحام الثقافة يف حميط اإلنتاج، وأضفى عليها شرعية إبداعية حقيقة،

كما أن هذه الشرعية اإلبداعية تبشر مبزيد من التطور التكنولوجي واملعريف. غري أن هذا التطور التكنولوجي اقرتن بضرورة أخرى مست

خمتلف أوجه احلياة االقتصادية واالجتماعية والثقافية املعاصرة وفتحت آفاق ملسار جديد يتمثل يف "العوملة" من ناحية واحمللية من ناحية أخرى وهو

موضوع نؤجل نقاشه إىل نقاط أخرى. يف ختام هذا املبحث خنلص إىل نتيجة واحدة مفادها: أن كل من العناصر

الرتكيبية للنظام االقتصادي والثقافة االجتماعية هي عناصر مرتابطة مثنى مثنى أو يف روابط متعدد، (اإلنتاج والثقافة، الثقافة اإلنتاجية)، واإلفرازات

١. [Thompson,٢٠٠١-p٠٦] ٢. [Thompson,٢٠٠١-p١٠]

٣٧٥

هي ظواهر تستوجب الدراسة فلها األثر الكبري على مجلة من املتغريات يف احلياة البشرية، ونبقي هذا االستنتاج بصيغة العموم لنفصل فيه يف املبحث

األخري هلذه الدراسة.

املبحث الثالث آثار العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية

يف هذا املبحث نتحدث عن اآلثار العامة للعالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية على بعض املتغريات األخرى (اجملتمع بصفة عامة،

والتنمية)، ثم يف مرحلة ثانية نقدم خالصة ألهم مؤمتر دويل ناقش مسألة التنمية وعالقتها بالثقافة، لندعم يف األخري هذا املبحث بنموذج كان الرائد

يف معرفة طبيعة العالقة بني املتغريين وأمهيتها، وتسخري هذه األخرية بالوجه األمثل يف حتقيق بناء ثاني أكرب دولة يف العامل ونقصد "التجربة

اليابانية".

املطلب األولالنظام االقتصادي والثقافة االجتماعية على أثار العالقة بني

اجملتمع والتنمية:ميثل هذا املطلب نقطة االنطالق الفعلية يف تقصي اآلثار املرتتبة عن

العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية، ونربز هنجنا يف هذا املبحث والذي مييل إىل املنهج املعياري (املنهج املشار إليه يف مقدمة البحث)

، أي أننا دائما ويف حماولة تقصي اآلثار املرتتبة عن العالقة موضوع

٣٧٦

الدراسة حناول إظهار كيف جيب أن تكون هذه العالقة أو ما هي اآلثار املرغوبة من العالقة.

الفرع األول: آثار العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية على اجملتمع:

نذكر يف هذا الفرع أهم الظواهر االجتماعية اليت كانت نتاج تأثري العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية، واليت كانت حمل اهتمام

جمموعة من علماء االقتصاد، االجتماع والثقافة، وهذا على أساس أن هذه الظواهر كانت ملموسة وهلا أمهية.

النقل الثقايف: .١يدرج األنثروبولوجيون يف مفهوم الثقافة كلما هو قابل لالنتقال (االنتشار أو

الشيوع) بشكل سلمي يف اجملتمع اإلنساني، أي مبعنى آخر كل شيء قابل للتعلم. كما أن عملية النقل الثقايف تشتمل على ظواهر من األمهية مبكان

:١هي كالتايل اإلنتاج االقتصادي: -١

كل جمتمع ميلك آليات توليد العناصر املنتجة، يف الوقت نفسه تشمل من جهة قوة العمل، ومن اجلهة الثانية وسائل اإلنتاج. ومنه جيب على اجملتمع

أن يضمن توليد وسائل اإلنتاج ويف نفس الوقت األيدي العاملة (قوة العمل). وفيما يتعلق بقوى العمل، جيب ضمان استمرارية هذه القوى وذلك من

خالل توفري: الراحة، األكل والرتفيه، وهذه الضمانات ال تدوم أكثر من يوم أو ١. [BENIER ,1979-pp 08-12]

٣٧٧

يومني، لكن املهم هو كيف يضمن اجملتمع استمرارية هذه القوى من جيل إىل آخر، هنا نفهم مفهوم " النقل الثقايف" فيما خيص هذه النقطة.

نقل اآلليات واملؤسسات: -٢اآلليات واملؤسسات (مثال: القانون، أو تركيبة أسرية، أو مرسوم حكومي،

توضع لسبب رئيسي هو إعانة الفرد على االكتساب). احلقيقة أن هذه اآلليات واملؤسسات تفوق األفراد والذين يشكلون جزء منها، وهذه اآلليات

حتل حمل بعض السلوكات املكتسبة من طرف األفراد. لكن نقل مرسوم حكومي أو اكتساب سلوكات يشكالن نفس الظاهرة املرغوبة (مثال: تعلم

السياقة، ووضع قانون املرور، يؤديان نفس املهمة وهي ضمان السياقة اآلمنة).

توليد اإليديولوجيات: -٣هذا املفهوم يعود إىل االكتساب كما هو موضح من طرف األنثروبولوجيا. التوليد اإليديولوجي حيمل يف طياته املبادئ وأمناط من السلوك هبدف ضمان التوليد االجتماعي. ويف هذا امليدان جيب اإلشارة إىل االكتساب

االجتماعي، وذلك الذي يعمل على مستوى املبادئ األساسية، وهو اكتساب خاص جبماعات من اجملتمع. يف حماولة لتلخيص مفهوم "النقل الثقايف" ومن

خالل العناصر الثالثة املذكورة واليت جتسده، نرى أن "النقل الثقايف" هو عملية يتم من خالهلا نقل عناصر اجتماعية (طريقة إنتاج، مرسوم،

قانون،...) من جيل إىل آخر أو من مجاعة إىل مجاعة وتتحقق هذه العملية يف وجود شرط مالزم هو االكتساب، وحسب درجة هذا األخري و/أو آلياته

٣٧٨

تتم العملية. إعادة التنظيم الطبقي يف اجملتمعات: .٢

إن ظاهرة إعادة التنظيم الطبقي يف اجملتمعات، هي ظاهرة حتمل يف طياهتا الكثري من العوامل وجند أمهها: العوامل االقتصادية والثقافية، مباشرة بعد هناية احلرب العاملية الثانية فرقت اجملتمعات ويف خمتلف

أنواعها ظاهرة إعادة التنظيم الطبقي، ذلك من خالل اهنيار طبقات يف اجملتمع على حساب طبقات أخرى. حيث بدأت طبقة الريف (الفالحني) يف االختفاء تدرجييا حلساب الطبقات املتوسطة واليت تعيش يف " احلضر"، يف

هذا ما ٢نفس الوقت صاحب ذلك اخنفاض يف طبقة العمال الصناعيني غري تركيبة اجملتمعات بصفة عامة، حبيث طغت الطبقة املتوسطة على

باقي الطبقات، وتضم هذه الطبقة فئة املوظفني على نطاق واسع (ونقصد هنا ذوي املؤهالت...) واألهم يف مالحظة هذه الظاهرة، هو نشوء ثقافة

مميزة ميزت هذه الطبقة. وأهم خصائص هذه الثقافة اجلديدة أهنا مبنية على مبدأ الفردية، أين ذهنيات هذه الطبقة املتوسطة تصبح حرة، كما أنه

لكل شخص احلرية يف تبوء مكانته يف اجملتمع، باإلضافة إىل وجود ذهنيات نفعية (البحث عن إشباع الرغبات، عن الرقي عن الثراء وعن التثقيف).

وأخريا يصبح هلذه الطبقة املتوسطة ثقافة مادية تشكل ما يعرف ب: الذوق

. هذه الثقافة الناشئة ١االستهالكي، احلاجة لالستهالك، لذة االستهالك واليت تتميز هبا الطبقة من اجملتمع هلا أثرها على الصعيد االقتصادي

١. [ROCHER,1994-p07]

٣٧٩

واالجتماعي، فنمو الذوق االستهالكي املتشابه بني األفراد خيلق طلب على سلع دون أخرى، وملا متثل الطبقة املتوسطة ما يزيد عن نصف اجملتمع فإنه

حيدث خلل يف توزيع املوارد (ندرة نوع من السلع على حساب السلع األخرى)، وهذا اخللل ال ميس فقط املستوى االقتصادي بل له أثره االجتماعي أيضا، أين جند أن هذه الطبقة تصبح عاجزة عن تلبية

حاجاهتا، فتخلف ظواهر اقتصادية واجتماعية غري مرغوب فيها. ال ننسى ونعود إىل بداية الظاهرة، أين أشرنا أن هذا اخللل الطبقي ناتج عن انصهار

طبقة يف اجملتمع، ونطرح سؤال هل هذا اخللل ناتج عن انصهار طبقة الريف (الفالحني، الصناعيني واحلرفيني)؟ أم يرجع إىل نشوء طبقة جديدة

هلا نفس امليول ونفس األذواق (نفس الذهنيات الناشئة عن ثقافة جديدة هي األخرى تابعة لظاهرة التغري الطبقي)؟ لن ندخل يف متاهات الرد عن

هذه التساؤالت، ونكتفي باإلشارة إىل أن ظاهرة إعادة التنظيم الطبقي هي ظاهرة ناجتة عن التغري الثقايف (ولنرجع إىل مثال: الفالح الذي يهاجر إىل

). كما هلا آثار اقتصادية (تغري ١احلضر للدخول يف أسلوب حياة خمتلفةاألذواق االستهالكية وتغري مفهوم احلاجات)، هذه األخرية ختلق ثقافة جديدة (االختالط بني الريف واحلضر) من شأهنا أن تؤثر على رفاه

اجملتمع والتوازن فيه. وأخريا ندعم هذه الرؤية ببعض اإلحصائيات من أحدث دراسات صندوق النقد الدويل حول ظاهرة " إعادة التنظيم الطبقي

اليت -سكان احلضر-للمجتمعات" أين تتم اإلشارة إىل درجة التحضر المبحث السابق. .١

٣٨٠

% من سكان العامل تعيش يف ٥٠أكثر من «يعيشها العامل يف الوقت املعاصر. % ٦٠املناطق احلضرية، كما يتوقع صندوق النقد الدويل أن تفوق النسبة

. ويالحظ حمللي صندوق النقد الدويل أن ظاهرة النزوح »٢٠٣٠سنة الريفي تؤثر وبشكل كبري على النمو يف البلدان، حبيث ملا يهاجر أفراد

الريف إىل احلضر فإهنم خيلقون ظاهرة البطالة يف احلضر، ونقص يف األيدي العاملة على مستوى الريف، مما يؤدي إىل خلل ملموس. وقد عرب

عنها حمللي صندوق النقد الدويل مبا يعرف ب: " الفقر احلضري

La pauvreté Urbaine"١. تغري العالقات االجتماعية: .٣

واحدة من الظواهر اليت تنم عن تعقيد العالقة بني االقتصاد والثقافة. ولعل

GUYأهم هذه العالقات العالقة بني الرجل واملرأة، يالحظ "

ROCHERيف دراسته هلذه العالقة أنه ويف فرتة ليست بعيدة (أقل من "

كان التعليم يقتصر على الذكور، أما فيما خيص التدريس يف «سنة) ٥٠فرتة أقل كان يقتصر على الرجال فقط، أما اآلن فأغلب الطلبة من اإلناث

. هي ٢»كما أن مهنة التعليم تكاد تعترب املهنة اليت يغلب عليها الطابع النسويإشارة رغم أننا ال حنتاج إىل دليل على وجود هذه الظاهرة وهي تكاد تكون

ملموسة يف جمتمعنا يف الوقت احلايل. وما يهم يف هذه الشأن هو إعادة تنظيم سوق العمل. توجد عالقة ثانية هلا نفس األمهية على الصعيد

[BLOOM et AT ,2007-p 15 ] [ROCHER,1994-p15]

٣٨١

الدويل، وهي عالقة املهاجر بصاحب األرض، فاملهاجر حيمل أفكار وعادات، يف نفس الوقت جند أن البلد املضيف له أفكاره وعاداته وتقاليده. هذا التداخل بني األفكار والعادات خيلق ثقافة من شأهنا األخرى التأثري يف اجملتمع (ظهور مصطلحات هجينة، أمناط استهالك جديدة.. .). هي أمثلة عن تغري العالقات االجتماعية، بالعودة إىل املثال األول جند أن دخول مورد

جديد إىل سوق العمل أخذ يف تغيري البنية االقتصادية واالجتماعية للمجتمع، وأصبح هذا املورد (الطاقة النسوية) يلعب دور مهم يف احلياة

االقتصادية. نرجع إىل إحصائيات صندوق النقد الدويل الذي أوىل اهتمام كبري هلذا املوضوع والذي كان ضمن واحدة من أهم الدراسات اليت نشرها

وكانت بعنوان "إطالق العنان لقوة املرأة االقتصادية" وفحو هذه الدراسة، هو إبراز دور املرأة يف االقتصاد الدويل حتى تركيزهم على ضرورة أن تلعب املرأة يف الدول السائرة يف طريق النمو نفس الدور الذي تلعبه يف الدول

املتقدمة. كما جتدر اإلشارة أن الدور الذي تلعبه املرأة يف االقتصاد ال يقتصر على األوضاع اليت تكون فيها املرأة مورد اقتصادي فحسب، فقد

تكون يف غري ذلك املوضوع وتؤدي ادوار ختدم اجملتمع اقتصاديا وذلك من

مثال: تنظيم االستهالك داخل األسرة: متثل «خالل دورها داخل األسرة إحدى أفضل النتائج توثيقا، مع ما يصاحبها من أدلة تصدق على أكثر من

البلدان النامية يف أنه عندما تكون للنساء سيطرة أكرب على إنفاق موارد أسرهن املعيشية، فإهنن خيصصن حصة أكرب من اإلنفاق لتعزيز قدرات

أطفاهلن وشراء ما حتتاج إليه األسرة للمعيشة من ضروريات)، ونظرا

٣٨٢

الرتباط ارتفاع النمو بزيادة االستثمار يف التعليم، وألن اإلنفاق على الضروريات أكثر استقرار من اإلنفاق على الكماليات، فإن زيادة النمو االقتصادي للنساء يف داخل األسرة قد يعزز النمو الشامل ويقلل عدم

. لكن ما الذي جيعل املرأة ال تلعب هذا الدور يف ١»االستقرار االقتصاديالبلدان السائرة يف طريق النمو؟ ال خيتلف اثنان حول أن األمر يتعلق بالثقافة السائدة يف اجملتمع (ولعل أهم عنصر من العناصر الثقافية

وأقواها تأثريا هو: عنصر التعليم) والشيء املالحظ هو إدراك اجملتمعات هلذا احلقيقة وبداية تداركها األمر وليس هناك دليل غري الواقع احلايل

املعاش. يف املثال الثاني واملتعلق باهلجرة الكثري من الدراسات اليت حاولت معاجلة هذه اإلشكالية (معرفة األسباب اليت تؤدي إىل اهلجرة على

الصعيدين احمللي واخلارجي). وأهم النتائج املتحصل عليها، تؤكد أن أسباب اهلجرة هي اقتصادية يف املقام األول (سعي اإلنسان لتحسني ظروف معيشته) ثم ثقافية يف املقام الثاني (التعليم باخلارج واستخالص املعرفة)،

وبطبيعة احلال فإنه هناك أيضا أثار اقتصادية وأخرى ثقافية، واملتاهة تبدأ عند حماولة فهم املسبب واألثر، فقد جند سبب اقتصادي متخض عن أثر ثقايف والعكس صحيح، وجند سبب اقتصادي متخض على أثر اقتصادي

وأخر ثقايف، يف توليفة غري منتهية تثبت تعقيد العالقة بني االقتصاد والثقافة. يف مثال لشرح الوضع الثاني، جند يف الغالب نوعني من املهاجرين

يف الواقع: الباحثني عن حتسني ظروف معيشتهم (احلصول على أجور ] ١٣ص -٢٠٠٧[ستاتوسكي، .١

٣٨٣

مغرية ورفاهية أكرب يف اجملتمعات املتطورة)، وهناك من يبحث عن الرقي بأفكاره واليت يشار إليها بظاهرة "هجرة األدمغة". والنوعان يبحثان عن

شيء مفقود يف اجملتمع. األخالق الثقافية والقيم يف اجملتمع: .٤

نناقش األخالق الثقافية والقيم يف اجملتمع، يف ثالث نقاط هي كالتايل: الطرح املاركسي: -١

حقائق واقعية توجد يف إطار «القيم يف نظر أصحاب هذا االجتاه أهنا

. واألهم ١»اجتماعي واقتصادي، فهي ترتبط حبياتنا العملية ارتباطا وثيقامن هذا أن أصحاب هذا االجتاه يؤكدون أن البناء االقتصادي للمجتمع هو

املصدر الرئيسي للقيم ألن هذه األخرية تتشكل وتتطور بتطور النسق االقتصادي. وما يشد االنتباه هلذا االجتاه والنتيجة اليت توصلوا إليها:

حقيقة مهمة مؤداها أن القيم نسبية، ذات طبيعة دينامية، متطورة ومتغرية بتغري األوضاع االقتصادية، وخمتلفة باختالف املراحل التطورية اليت مير هبا

اجملتمع، كما أهنا تتباين بتباين الوضع والظروف املادية للطبقات املكونة للبناء الطبقي يف اجملتمع، لذا فالقيم اإلنسانية املطلقة ال ميكن أن توجد يف

جمتمع يتسم بالصراع بني الطبقات لكنها سوف توجد قطعا حينما تزول. الطرح الثقايف: -٢

جيمع أصحاب هذا االجتاه على اإلطار االجتماعي للقيم، وذلك بالنظر إىل منط السلوك والثقافة، انطالقا من أن العوامل الثقافية هلا أثرها الواضح

] ٧٩ص -٢٠٠٣[خروف، .١

٣٨٤

يف اكتساب القيم وصدور األحكام التقيمية. ويف هذا املعنى يؤكد "سانيال

SANIAL"على أن الثقافة هي عملية حتقيق القيم، فالقيمة هي عالقة ١قائمة بني الذات واملوضوع. ومن ثم كانت الثقافة هي حماولة دائبة لتحقيق

القيم. هناك نتيجة أخرى توصل إليها أصحاب هذا االجتاه ومفادها أن القيمة هي منتج ثقايف تصدر عن بنية الواقع االجتماعي. وهو تصور عرب

" من خالل نظريته السوسيولوجية P. SOROKINعنه " برتيم سوروكني اليت مؤداها أن التفاعل الثقايف االجتماعي كوحدة ينبغي أن حتلل إليها

الظواهر االجتماعية، ذلك أن التفاعل ينطوي على ثالث مكونات مرتابطة ترابطا وثيقا وهي:

.الشخصية باعتبارها موضوع التفاعل 

.اجملتمع باعتباره جمموع الشخصيات املتفاعلة 

الثقافة باعتبارها جمموع املعاني والقيم واملعايري املوجودة لدىالشخصيات املتفاعلة، وباعتبارها كذلك جمموع الوسائل اليت تنشئ

هذه املعاني وجتعلها اجتماعية وتقوم بتوصيلها (نيقوالتيما شيف ١٩٨٢.(

" و M. MEEDتؤكد الدراسات اليت قامت هبا كل من " مارجريت ميد

" انطالقا من هذا التصور على أن " مقومات R. BENDEKT"روث بندكت القيم إمنا تستند أصال إىل مقومات ثقافية، كما تعتمد على أمناط أو طرق

تربوية متميزة، فالنمط الرتبوي املستبد يولد قيم العدوان والصراع. ] ٧٢ص -٢٠٠٣[خروف، .١

٣٨٥

الطرح العام:-٣املستهلك يف القرن الواحد والعشرين أصبح يعرف ب: "املواطن املستهلك

، الذي يبحث أكثر فأكثر ليس فقط عن إرضاء حاجاته ١"CCRاملسؤول املادية والرمزية، بل الذي يعنى أيضا باالندماج يف املشروع االجتماعي على املدى الطويل. ويراعي حجم االستهالك يف اجملتمع واجملتمع الدويل وآثاره

على البيئة احمللية والدولية. يف هذا العامل الذي تعمه املنافسة جند أن املنتجات وخصائصها التقنية ليست كافية إلرضاء املستهلكني، فيضطر

املنتجني إىل تدعيم منتجاهتم خبدمات مرافقة (التوزيع، اخلدمات ما بعد البيع...) وهي اليت متنحها املزايا التنافسية، لكن املواطنني يضطرون إىل

اختيار املنتجات اليت تليب رغباهتم االجتماعية ويف نفس الوقت ختضع لشروط التنمية املستدامة (أي أن املستهلك أكثر وعي وأكثر مناعة ضد مغريات السلع الكمالية). واخلالصة من كل هذا أن القيم يف اجملتمع مل

يبقى هلا املعنى املادي وفقط، فقد أصبح لديها معنى روحي أو ثقايف يغلب على اجلانب املادي يف بعض األحيان، أين ختدم املنفعة الشخصية

(الفردية) وكذلك املنفعة العامة يف الوقت نفسه وحمصل هذه العملية خيدم التنمية املستدامة يف اجملتمع (التنمية االجتماعية والبيئية املستدامة).

األخالق الثقافية والسلوكات: .٥كنا قد تكلمنا فيما سبق عن تعديل السلوك االستهالكي، لدى األفراد يف اجملتمع، وهي سلوكات خارجية (بالنسبة للمؤسسة) أما داخل املؤسسة

١. [COOMANS,٢٠٠٣-p١٩]

٣٨٦

فنجد جمموعة من السلوكات واليت تفرضها األخالقيات الثقافية اليت هلا آثار مالحظة على نشاط املؤسسة يف اجملتمع (الثقافة، جودة املعلومات...).

واألخالق يف املؤسسة تغرس بعمق السلوكات املتناسقة من القمة إىل القاعدة، وتعمل على خلق مناخ أخالقي (ثورة ثقافية للمنظمة مبنية على أن

)، حبيث يتقاسم ١يقوم األعضاء فيها بأعمال هلا عالقة بالسلوك األخالقياألفراد فيها سلوك يورى على أنه عادل، واملناخ األخالقي سهل املالحظة

فهو يوفر معلومات وميلي توجيهات خاصة. وهبذا جيتمع السلوك اخلارجي للمؤسسة والسلوك الداخلي هلا يف نفس االجتاه خلدمة التنمية املستدامة. الفرع الثاني: آثار العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية على

التنمية:

توليفة من التغريات الذهنية و االجتماعية جملتمع ما، اليت من «التنمية هي: شأهنا أن جتعل من اجملتمع ينمي بطريقة متكاملة و مستدامة إنتاجه

. »٢اإلمجايل احلقيقي و املالحظ من هذا التعريف احتواءه على فكرتني أساسيتني مها:

التنمية ظاهرة نوعية، ثقافية واجتماعية، أما النمو فهو ظاهرة اقتصادية.

التنمية ختتلف عن النمو، وهو ما يؤكده "بريوPerroux :فيقول"

.»التنمية هي شيء خمتلف عن النمو«

١. [COOMANS,٢٠٠٣-p٢١] ٢. [F.Perroux,1961]

٣٨٧

و من هذا التعريف ننطلق لتقصي آلية تأثري العالقة بني النظام االقتصادي و الثقافة االجتماعية على التنمية فيما يأتي من نقاط:

وجهة نظر املفكرين العرب: .١

) مالك بن نيب:١العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية عاجل مالك بن نيب تأثري

على التنمية يف أربع نقاط أساسية هي: فرض االستعمار لثقافة اقتصادية غربية: -أ)

يف وصفه وعالجه ملشكالت احلضارة وال سيما اجلانب االقتصادي منها، حيث يبدأ كتابه " املسلم يف عامل االقتصاد" من سلسة مشكالت احلضارة

أنه مل يكن املسلم عندما فتح عينيه يف عامل «بعبارة بليغة، فيقول: االقتصاد بعد أن نالته الصدمة االستعمارية، سوى قن يسخر لكل عمل

يريده االستعمار، فينتج املطاط يف حقول اهلند الصينية (فيتنام )، والفول السوداني يف إفريقيا االستوائية، واألرز يف بورما، والتوابل والكاكاو يف جاوه

: »(اندونيسيا)، واخلمور يف الشمال اإلفريقي ومل تكن له «ويستطرد قائاليف هذه األعمال صلة موضوعية بعامل االقتصاد وال تربطه بعمله صلة ذات

طابع مشروع، مل يكن املنتج الذي يرعى حقه، وال املستهلك الذي ترعى حاجته، لقد كان أداه عمل مستمر فلم يتكون لديه وعي اقتصادي وال

. ولعل مالك ١»جتربة وال خربة يف عامل اقتصاد غريب عليه بكل مفاهيمه بن نيب أراد من مقدمته هذه أن يقول بكل بساطة أن مشكلتنا االقتصادية

] ٢٠٠٨[محمود نصار، .١

٣٨٨

ليست يف الندرة االقتصادية وليست يف نقص رأس املال وليست يف طبيعة اجملتمعات الشرقية وإمنا املشكلة االقتصادية احلقيقية للمسلمني هي "التبعية االقتصادية للغرب"،

وهذا ما نراه اليوم فاملسلمون اليوم يبيعون املواد اخلام األساسية يف الصناعات املختلفة يف السوق العاملية بأسعار زهيدة لكي يستفيد منها الغرب " املصنع " فيبيعها لنا بأسعار

قياسية وبعملتهم، فتكون النتيجة جمتمعات مستهلكة غري منتجة ومستوردة غري مصدرة، وعملتها غري مستقرة.

التخلف ختلف فكري: -ب)

أن ألوان النشاط والعمل جتري بصورة تقليدية يف إطار الزمن «:كما يرى مالك بن نيبامليتافيزيقي فالتخلف هنا يف عقول ويف تراث وفكر الشرقيني، وهلذا فإن حماوالت

االستفادة يف جمال التنمية من االستشارات الغربية واعتماد خططها للتنمية والتحديث ال ميكن أن تأتي بأي فائدة، ألن املستشار أو واضع خطة التنمية ينتمي إىل جمتمع خيتلف يف

بنائه الفكري ويف واقعه ويف نظرته ويف حتليالته لألمور عن اجملتمع الذي تقدم له

. وهلذا يصبح من الضروري هنا النظر إىل الفكر والثقافة ١»االستشارة أو توضع له خطةكأساس النطالق أي سياسة تنموية تستهدف حتديث اجملتمع ونقله من حالة التخلف إىل

حالة التقدم. األخالق أساس قيام احلضارات: -ج)

من أهم النتائج املتوصل إليها من قبل مالك بن نيب و جمموعة أخرى من علماء االجتماع واالقتصاد ("توينيب" ط، ابن خلدون) على أن احنالل احلضارات يسبقه ويرافقه" فساد

. مما يعين أن األخالق تلعب دور أساسي يف تطوير وتنمية اجملتمعات ٢روحي وأخالقي" وأهنا إحدى مقومات احلضارة، وبقاء احلضارة يعتمد على دور األخالق فيها.

التغري االجتماعي وليد الفكر والدين (األخالق): -د) "فالتغيري االجتماعي" بالضرورة من صنع األشخاص، واألفكار، واألشياء« ] ١٠٠ص -١٩٩٠[السويدي، .١ ] ٢٤١ص -١٩٩٦[خالد السعد، .٢

٣٨٩

مجيعا، وال بد من توفر صالت ضرورية بني هذه العناصر كي يؤدي التغيري االجتماعي وظيفته ويتحقق الوصول باجملتمع إىل احلضارة. هذه الصالت

هي شبكة العالقات االجتماعية اليت تنشأ نتيجة التفاعل بني العناصر الثالثة األوىل: األشخاص، األشياء، واألفكار، وتربطها يف كيان عام من أجل

. ١»عمل مشرتك وهو حتقيق احلضارةيؤكد مالك بن نيب على الدور ألتغيريي للثقافة بصفتها عامال رئيسيا

خيضع للتغيري من جراء دخول الفكرة الدينية للمجتمع وأيضا يقوم بدوره الرئيس يف التغيري االجتماعي للمجتمع، حيث يرى مالك أن الثقافة ذات

عالقة وظيفية بعملية التغيري االجتماعي عن طريق وظيفتها الرتبوية اليت حتقق من خالل عناصرها الرئيسية وتركيب هذه العناصر بطريقة فنية

خاصة، وهي تقوم هبذا العمل خالل مرحلتني:: تقويض البناء السابق هلا... الذي تكمن يف طياته جرائم التخلف األوىل

والركود.: إعادة البناء بواسطة منهج تربوي حيدد أسلوب حياة اجملتمع الثانية

وسلوك أفراده مبا يتفق وعملية التغيري االجتماعي اهلادفة إلنشاء حضارة.

٢)٨عوامل التغيري عند "مالك بن نيب" و"ماكس فيرب": جدول رقم (

] ١٠٧ص -١٩٩٦[خالد السعد، .١ ] ٢٥٣ص -١٩٩٦[خالد السعد، .٢

٣٩٠

"ماكس فيرب" "مالك بن نيب" الرأي

الدين وغريه من العوامل األخرى مثل الدين عامل التغيري )١ االقتصاد

زهد دنيوي تسامي- تأثري الدين يف سلوك األفراد )٢

النسق االقتصادي كافة أنساق اجملتمع جمال تأثري الفاعلية )٣

وخيلص مالك بن نيب يف دراساته ملوضوع تأثري العالقة بني التنمية الثقافية

ال يعود التخلف إىل «والتنمية االقتصادية إىل نتيجة مهمة جدا مفادها: عدم وجود الصناعة فقط، بل حيسن مبن يهتم هبذه القضية أن ينظر النظرة الشاملة حتى ترتبط األشياء االقتصادية جبذورها االجتماعية والثقافية البعيدة، على األقل يف أذهان أصحاب االختصاص كي تشمل

فكرة واضحة عن القيم اإلنسانية –نظرهتم يف التصنيع، الذي ال بد منه

١»الضرورية لنجاح املشروع :الدكتور "عبد اهلل عبد الدائم" -)٢

إن حتقيق التنمية االقتصادية عن طريق التقدم العلمي والتكنولوجي «

. ٢»خاصة ال يتم إال إذا قادته وحركته قيم ثقافية مالئمة هلذه التنميةفالتنمية االقتصادية حسب "الدكتور عبد اهلل عبد الدائم" ال تقوم على

الثروة املادية وحدها، كما ال تقوم على الكفاءة التقنية وحدها، وإمنا هي موقف واجتاه جيعل املواطنني جيهدون يف سبيل هذه التنمية، ويكفل تعبئة

الطاقات النفسية والفكرية الالزمة هلا ويضرب الدكتور عبد اهلل عبد ] ٢٨٢ص -ب١٩٩٠[صادق سعد، .١ ] ٧٢ص– ١٩٨٣[عبد الدائم، .٢

٣٩١

)١٨٦٨الدائم املثال "باملعجزة اليابانية" منذ عهد "امليجي" الشهري (منذ عام ، والذي يؤكد أن الثقافة اليت رسخها "امليجي" آنذاك هي اليت حرضت إرادة العمل القومي املشرتك لدى املواطنني من أجل حتقيق املطلب األول. يضيف أيضا أن التنمية الثقافية ليست جمرد وسيلة لتحقيق التنمية االقتصادية،

بل هي يف النهاية غاية أي التنمية وحمط رحاهلا. وجمرد النمو االقتصادي ال يعين احلضارة والتقدم، فهو يعرف التقدم أو التطور على أنه يهدف إىل

خلق اجملتمع سعادة اإلنسان وتفتحه واكتمال إنسانيته، واالقتصاد النامي إن مل يوضع يف خدمة األهداف الثقافية، االجتماعية واإلنسانية فهو ال يقل

استعبادا لإلنسان عن الفقر والعوز. حيذر أيضا "الدكتور عبد اهلل" من عدم التكامل يف العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية، فريى أن وجود تنمية اقتصادية دون التنمية الثقافية قد يؤدي إىل عواقب وخيمة

اجتماعيا وثقافيا قد تكون هلا انعكاساهتا على االقتصاد يف املدى الطويل. ويرى أن االستقالل السياسي ألية أمة ال يتحقق إال إذا سارت التنمية

االقتصادية جنبا إىل جنب مع التنمية االجتماعية والثقافة القومية الشاملة، وجعلت من هذه األخرية غايتها وحمرك جهودها. وكحصيلة ملا أورده

"الدكتور عبد اهلل عبد الدائم" فإنه ال يوجد مفر من بناء جمتمع يقوم يف بنيانه على التكامل بني الثقافة واالقتصاد، وفيما تقدم من كتابه "ثقافة عربية ذاتية" حياول تبيان كيف ختدم الثقافة االقتصاد برتويضها للفكر

ميكننا أن ندرك «االجتماعي وهتيئة املناخ للنشاط االقتصادي فهو يقول: املعنى العميق لتفجري القدرة اإلبداعية، عن طريق تعزيز الثقافة بأوجهها

٣٩٢

املختلفة، وأن تبني دورها يف التنمية القومية والبناء القومي. إن "الذوق

. ١»السليم" والعقل السليم أعدل األشياء قسمة بني الناسفالثقافة تفتح اجملال لعقل اإلنسان، فتسمح له باإلبداع وهذا األخري خيلق موارد اقتصادية جديدة ميكن لالقتصاد االرتكاز عليها، باإلضافة إىل أن

الثقافة هي الفكر السليم للمجتمع وهي العقلية االقتصادية اليت تبنى عليها القرارات االقتصادية يف شتى امليادين وعلى كافة املستويات. مل ينتهي

"الدكتور عبد اهلل عبد الدائم" يف جدله حول دور الثقافة يف التأثري على االقتصاد واجملتمع، بل يضيف دور العلم الذي هو أحد أسس أو مثرات

حنن يف عصر تضامن «الثقافة السليمة يف النمو االقتصادي فيقول: املعرفة اإلنسانية وبوجه خاص تضامن العلم والثقافة، فالعلم ينمو ويربو بفضل ما تشيعه الثقافة من أخيلة ورؤى جديدة، والثقافة فيما يكتشفه

. ال ينكر أحدا دور العلم يف ٢»العلم ميدانا رحبا ملزيدا من االنطالق اخلالقتطوير االقتصاد وكما أكد "الدكتور عبد اهلل عبد الدائم" فإنه ال مناخ رحب لتفتح العلم وتوهجه سوى ثقافة سليمة تصقله وتوجهه حنو حتقيق الرفاه االجتماعي. ومها عنصران أثرنا ذكرمها (العلم واإلبداع) لفتح اجملال أمام

نقاش دار ومازال حول أثر الثقافة االجتماعية على االقتصاد وتطوره، وحتى بإمكانية احلكم على االقتصاد وجناحه أو فشله يف نسقه االجتماعي

من خالل تناسبه والثقافة االجتماعية اليت هي مفتاح من مفاتيح التنمية ] ٦٨ص– ١٩٨٣[عبد الدائم، .١ ] ٦٧ص– ١٩٨٣[عبد الدائم، .٢

٣٩٣

االقتصادية وال ينتهي احلديث هنا. الدكتور "قباري حممد إمساعيل": -)٣التنمية االقتصادية حسب "الدكتور قباري حممد إمساعيل" تتعلق باألمور

املادية واليت تشمل "الدخل الفردي" أهم مؤشر لقياس مستواها، أما التنمية االجتماعية فهي جتمع بني األشياء املادية وغري املادية، لكن ما أشار إليه

بوضوح هو اعتماد التنمية االجتماعية على التنمية االقتصادية بصفة عامة وعلى "الدخل الفردي" بصفة خاصة. فاإلنسان بصفته االجتماعية يعتمد

على الدخل يف تلبية الكثري من حاجياته، ويعترب الدخل هو احملفز الرئيسي للفرد لتحقيق التنمية االقتصادية. فالفرد حيتاج إىل "األكل والشرب

والسكن " وهي تتحقق مبستويات دخل معينة، وحيتاج اإلنسان إىل: التعلم والتدرب (التثقيف) ملسايرة احلياة وهي تتحقق مبستويات دخل معينة تكون يف العادة أكرب (يلجأ جل األفراد إىل التضحية باحلاجات غري مادية "التعلم"

إن مل يستطيعوا تلبية جل حاجاهتم املادية "األكل والشرب"). ويف العادة تصنع الفروق بني الدول من حيث التنمية ختصيصاهتا لإلنفاق على األشياء

املادية وغري املادية (دول العامل املتقدم ختصص مبالغ مهولة ألجل كل من الثقافة والتعليم والبحث العلمي). حتى أن فكرة التنمية بني الدول ختتلف فقد هتتم بعض اجملتمعات باإلنفاق على تلبية حاجات جمتمعها املادية من بنا حتتية ومشاريع إنتاجية يغلب عليها الطابع املادي، يف حني الدول اليت

حققت السبق أو اليت تسعى إىل الريادة فإهنا اهتمت بالبحث العلمي والثقافة على أساس أهنا مفتاح التميز، وجتدر اإلشارة هنا إىل جتربة اهلند

٣٩٤

يف التنمية، واليت وجهت نصيب معني من ميزانيتها لرتقية جامعاهتا وإنشاء مراكز البحث ولعل معدالت النمو اليت حققتها يف السنوات األخرية هي خري

. ١)٢٠٠٥إىل ٢٠٠١% يف الفرتة من ١٠دليل ( "حممد السويدي":-)٤

تربز أمهية التغيري الثقايف يف عملية التنمية مبعناها االجتماعي الواسع، «املوارد والطاقات الروحية -إىل جانب املفهوم االقتصادي –الذي يضم

واألخالقية والثقافية وهي الطاقات احملركة لقوى التغيري. إذ كلما تعمقت جذور التغيري الثقايف إىل األدوار والوظائف واتسعت أبعاده إىل أمناط

وأشكال ومظاهر العالقات االجتماعية استطاع أن يكون أداة فعالة للتطور

. التنمية مبفهومها العام مرتبطة ارتباطا وثيقا بالتغري االجتماعي ٢»والتقدممن حيث كوهنا أسلوبا وعملية لتحقيقه وتوجيهه، كما يرى البعض أن كل

تنمية تشهدها اجملتمعات النامية تعترب عملية حتول وتغري من أسلوب إنتاج إىل آخر، من بناء اجتماعي إىل بناء اجتماعي مغاير. هي رؤية األستاذ

حممد السويدي الواضحة واليت مفادها أن عملية التنمية هي ذلك اجلزء الرئيسي من عملية التغيري االجتماعي، ففي سعي اجملتمع لتغيري ظروفه

االجتماعية من وضع غري مرغوب وإىل أخر مرغوب فهو يقوم بعملية التنمية. والبارز أيضا يف رأيه هو إشارته ألسلوب اإلنتاج الذي يرى فيه

املتغري الرئيس واملهم يف عملية التنمية، فريى أن اجملتمع إن مل يدرك فشل ١. [AZIZ ET AT ,2007-P28 ] ] ٤٢ص– ١٩٩٠[السويدي، .٢

٣٩٥

أسلوب إنتاجه الراهن فانه لن يقوم بتغيريه وبذلك فلرمبا يكون ذلك من أهم عوامل التخلف لدى بعض اجملتمعات و اليت تصر على أسلوب أو منط

إنتاجها التقليدي. الدكتور "نبيل علي": -)٥

حتت عنوان "التنمية االقتصادية والتنمية االجتماعية " يناقش الدكتور "نبيل علي" دور الثقافة االجتماعية يف التنمية على مستوييها االقتصادي

: ١واالجتماع وذلك كما يليالرسم الثقافة حمور منظومة التنمية االجتماعية الشاملة: خمطط (معدل):

) ٧البياني رقم (

حتليل املخطط:-)٢يرى الدكتور "نبيل علي" أن الثقافة االجتماعية هي حمور التنمية الشاملة

يف اجملتمع (التنمية االقتصادية واالجتماعية)، أين ترتكز الثقافة وسط ]٤٧-٤٥ص.ص– ٢٠٠١[علي، .١

٣٩٦

مجيع عناصر التنمية وتزود كل عنصر مبا حيتاج إليه من موارد روحية ومادية ليساهم بدور فعال يف دفع عجلة التنمية الشاملة. فيعلق على هذا

بعد أن ظهر للعيان ما فعله االقتصاد يف غيبة الثقافة «األمر فيقول: متعية، كان ال بد للثقافة من أن تصبح هي حمور لمجا مبسرية التنمية

تدور حوله عمليات التنمية التنمية. فاحتلت بذلك القلب احملرك الذيوتكنولوجية، وذلك عالوة القطاعية: سياسية واقتصادية وتربوية وعلمية

متعية تلك لمجالتنمية ا على التنمية الفكرية واإلبداعية. وتكتمل منظومة

. »بإضافة نظام املعتقدات والقيم واحملافظة على الرتاث، يف املقابلونشري أيضا إىل أن الدور احملوري الذي تلعبه الثقافة االجتماعية يتمثل يف

كوهنا الوسيط األكثر استغالال بني عناصر التنمية الشاملة، فهي تربط التنمية االقتصادية بالتنمية العلمية والتكنولوجية، وتربطهما معا مع

التنمية الرتبوية يف عالقة ثالثية متكاملة حتكمها تنمية الفكر واإلبداع يف إطار احملافظة على العلم والرتاث... وهكذا تبين الثقافة االجتماعية

خمططات تنموية شاملة تكون فيها اجلسر الذي يتم من خالله التكامل بني مجيع العناصر التنموية.

وجهة نظر مفكري الغرب: .٢

:"ROBERT J. SMITHا:حتليل "روبرت مسيث -)١

" إىل KARL MAXبرهن بعض علماء االجتماع من عهد " كارل ماكس «

" على أن التطور االقتصادي هو نتاج التغري DANIEL BELL"دنيال بال

٣٩٧

MAXاالجتماعي، فيما جند أن البعض اآلخر على غرار "ماكس فيرب

WEBER إىل " مسويل هينقتون "SAMUEL

HUNTINGTON قد برهنوا على أن القيم الثقافية هي دائمة ،" ومستقلة وهلا أثرها على اجملتمع.

ويف نفس الوقت قد وجدوا الكثري من الرباهني على تغري الثقافة اجلماهريية وثبات الثقافة التقليدية. واألهم من ذلك هو إمجاع كال األطراف على ثبوت العالقة بني " الثقافة" و" التنمية االقتصادية"، وذلك من خالل تتبعهم ملسار

تطور هذه األخرية خالل اخلمسني سنة السابقة، وقد تكون مرتابطة أو

. العالقة بني االقتصاد والثقافة هي من التقليد مبا كان، ١»مستقلة نسبياوالبداية تكون من االتفاق العام احلاصل حول إمكانية الربط بني " الثقافة والتنمية" لكن ما يشد االنتباه أكثر هو أن مفاهيم الثقافة والتنمية ال تزال

" بأن مفهوم " الثقافة" EAGLETON ٢٠٠٠ معتمة. حيث يؤكد "إيقلتونقد استخدم بشكل خمتلف يف خمتلف الظروف التارخيية واهليكلية. وناقش

"بورتر" هذه املسالة يف النقاط التالية: الثقافة: -أ)

جمموعة معقدة النمط من السلوك اإلنساني، األشكال املادية واالجتماعية، املالمح اليت تتجسد يف الفكر والكالم والعمل، واملصنوعات اليدوية. وتعتمد

على قدرة اإلنسان على التعلم ونقل املعرفة، وتظم خالصة الفكر.

١. ]THOMPSON,2001-p01[

٣٩٨

وهذا جيعلها تشمل املعتقدات، األخالق والقوانني، األعراف، اآلراء، الدين، اخلرافات والفن.

التنمية االقتصادية: -ب)زيادة يف القدرة على " اختيار واختاذ القرارات" ألكرب عدد ممكن من الناس،

وخالل املدة األطول املمكنة، من شأهنا أن تؤدي إىل زيادة مستدمية يف املادية والثروة االجتماعية واليت متنح بالتكافؤ لألفراد يف اجليل احلاضر

" أكد SAMUEL HUNTINGTONواملستقبلي. " مسويل هينقتون وبقوة على أمهية الثقافة باعتبارها املتغري الرئيسي لتحقيق التنمية، وكذا

الصراع الناتج عن أمهية التنمية. وأكد أن العامل اليوم مقسم إىل مثان مناطق كربى " املناطق الثقافية" وهذا على أساس االختالفات الثقافية اليت استمرت لقرون. ويعد العاملني الرئيسيني لالختالف بني هذه املناطق مها

"الدين والتقاليد" واللذان ال يزاالن بنفس قوة التأثري إىل اليوم. وهذه املناطق هي على التوايل:

.(باإلضافة إىل األرثوذكس) الغرب املسيحي .العامل اإلسالمي .الكنفوشيوسني .اليابانية .اهلندوسية .اإلفريقية .أمريكا الالتينية .باقي العامل

" يف دراسة عامة له MICHAËL PORTER ٢٠٠٠كما أن "مايكل بورتر

٣٩٩

حول املوضوع، جادل على كون الثقافة منظور عاملي وليست خاصة، وهي الشرط األساسي للتنمية، وهو يدرج مفهوم " الثقافة االقتصادية الدولية" كأهم دافع

لإلنتاجية. والقيم هي اليت تفضي إىل ثقافة عاملية متجانسة. ويدعمه "جيفري

" يف ذلك ويضيف أهنا من األمهية مبا كان خاصة JEFFRE SACHSساكس

).SACHS ١٩٩٠بالنسبة للدول اليت متر مبرحلة انتقالية (

:؟": هل للثقافة تأثري على االقتصادROBERT J.SMITH"روبرت مسيث -)٢

اجلواب ال ميكن أن يكون إال نعم منوذجية، حيث إذا كان االقتصاديني لديهم ميول «لتجاهل العوامل الثقافية أو يدعوهنا على جنب، هذه األخرية مهمة لفهم عنصرين

أساسيني: .دالة املنفعة .دالة اإلنتاج

األوىل تعود إىل ما يريده أفراد اجملتمع واجلماعات، أما الثانية فتعود على الوسائل اليت متكنهم من احلصول على ما يريدونه عن طريق عملية اإلنتاج، أين العوامل

الثقافية حتدد: األذواق، التفضيالت والقرارات يف موضوع تقسيم الوقت بني العمل

. ١»والراحة، واألهم إمكانية التحكم يف التوازن بني االستهالك احلاضر واملستقبلي

" لنموذج توازن RUTTAN 1988ويشرح روبرت مسيث بعد ذلك عرض "روتان يتكون من أربع أنواع كبرية من املتغريات واليت حتدد السلوك واألداء االقتصادي:

املوارد (بالنسبة لالقتصاديني هي: رأس املال، العمل، املوارد الطبيعية)، التكنولوجيا، املؤسسات والثقافة، ويف هذا النموذج كل نوع من املتغريات يتغري ويتغري معه باقي

األنواع.

١. J.SMITH,١٩٩٠-p١٦] [

٤٠٠

حتليل "روبرت بارو": -)٣

" وهو ماكرو اقتصادي جبامعة " هارفارد"، ١يف دراسة قام هبا "روبرت بارو

" AMARTYA SENومشلت نقد وجه إىل االقتصادي "أمرتيا سني حول اإلسرتاتيجية ١٩٩٨احلائز على جائزة نوبل لالقتصاد عام

االجتماعية، أكد على "الدين" (كعامل رئيسي) له تأثري كبري على االقتصاد ويبدأ يف دراسته بالتأكيد على ما توصل إليه "ماكس فيرب" أين يرى هذا

األخري أن للدين أثر على النتائج االقتصادية، ويأخذ كمثال على ذلك دراسة "ماكس فيرب" فيما خيص " أخالق العمل". ثم يف دراسة دقيقة ومعمقة

للعالقة بني الدين واالقتصاد مع اإلشارة إىل أن هذه الدراسة كان اهلدف منها معرفة عوامل النمو، ليخلص أن للمعتقدات الدينية أثر ذو شأن على

دولة ٥٠االقتصاد وجتدر اإلشارة إىل أن هذه الدراسة قد مشلت أكثر من يف العامل. ويالحظ " روبرت بارو" وزوجته " ماك كلريي" يف تلك الدراسة أن

البلدان اليت تتميز ديانات شعوهبا مبعتقدات راسخة وصارمة (كاإلميان باجلنة والنار) هي اليت حتقق معدالت منو قوية، وهو ما يتوافق مع ما

توصل إليه "ماكس فيرب" كما حيذر "روبرت بارو" من املبالغة يف اخلدمات

وخنلص «الدينية الرمسية واليت من املمكن أن ختفض من معدالت النمو. إىل أن مسامهة الدين مهمة يف املواضع اليت حتقق معدالت النمو والتنمية،

لكن خارج هذه املواضع فإهنا ستكون مضيعة للوقت واملوارد ومنه فإهنا

.»تضعف معدالت النمو ١. ] [BARRO,2007-pp05-09

٤٠١

:"AMARTYA SEN"أمارتيا سني -)٤

" تأثري العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية يف ١ناقش "سني عدة نقط جاءت كما يلي:

أ) نقد نظرية اخليارات االجتماعية:

يف نقد "سني" لنظرية "اخليارات االجتماعية" يركز "سني" على مسألة التصرفات الفردية والعقالنية، ويتعلق األمر بدور التفاعالت االجتماعية يف

تنمية القيم، وكذلك الصلة بني تكوين القيم وعمليات صنع القرار (نظرية اخليارات االجتماعية متيل إىل جتنب هذه املسالة).

ويرى "سني" أن معظم القرارات اليت يتخذها األفراد تكون ناجتة عن احلالة األفراد، فالفرد بعد أن تتوفر لديه اخليارات هؤالءاالجتماعية اليت يعيشها

فإنه يلجأ إىل خيار خيدم وضعيته االجتماعية (ويغلب على هذا اجلزء اجلانب األخالقي). حتى أن "سني" يبتعد أكثر يف حتليليه للنظرية ويرى أن اخليارات اليت يضعها اجملتمع ختضع لظروف اجتماعية واقتصادية خاصة

به تصنعها الصلة بني القيم وعمليات صنع القرار. إحدى الطرق اليت تعامل هبا "سني" مع النظرية يف دراسته هي: جعل

"نظرية اخليار" أكثر واقعية ( ملموسة) وحمددة، عكس ما تبدو عليه (أهنا عامة).

حيث أكد على أن اخليارات اليت يصنعها اجملتمع يف الوهلة األوىل تبدو أهنا عامة لكن يف حقيقة األمر هي خاصة وحمددة، ومعنى هذا الكالم أن

.١٩٩٨أستاذ اقتصاد بجامعة هارفرد وهو أمريكي من أصل هندي وقد حاز على جائزة نوبل في االقتصاد عام .١

٤٠٢

أن الوضعية االجتماعية واالقتصادية لألفراد خمتلفة وخاصة وبذلك فإن اخليارات االجتماعية اليت تتوفر لكل فرد تكون خاصة به وهذه

اخلصوصية تصنعها عدة عوامل يرى "سني" أن أمهها (احلرية والقيم يف اجملتمع، وهوية الفرد...).

كذلك قادة بعض التحقيقات اليت قام هبا "سني"، وبطريقة غري مباشرة إىل نتيجة مفادها أن جزءا من النظرية االجتماعية تولد من خالل دراسة

جمموعة من الظواهر (مثل سبب اجملاعات واجلوع، أو املشاكل والنتائج املرتتبة على عدم املساواة بني اجلنسني، أو مطالب احلرية الفردية اليت

ينظر إليها على أهنا "التزام اجتماعي")، هذا أن اخليارات االجتماعية تتأثر وبطريقة مباشرة بالظواهر املذكورة آنفا وهو ما سعى إليه "سني" يف

دراساته. االنغالق الثقايف: -ب)

حتت هذا العنوان يتحدث "سني" يف كتابه "اهلوية والعنف" عن الثقافة بوجه عام وبأبعادها الدينية واللغوية وغريها وكيف أن هذه الثقافة عندما يساء

فهمها قد تكون عامال سلبيا يف حياة اجملتمعات. فهو ال يتفق كليا مع بعض كهنتيغتون " وغريه ممن يعتقدون أن فشل التنمية "علماء االجتماع الغربيني

يف بعض الدول النامية يعود إىل عوامل ثقافية تقوم بدور املعوق للتغيريات اليت تسبق التنمية ألنه يعتقد أن هناك أسبابا كثرية غري الثقافة ميكن أن

غانا "األفريقية اليت "أن «تفسر هذه اإلخفاقات التنموية. ففي رأيه مثال كانت يف الستينيات يف نفس املستوى التنموي "لكوريا اجلنوبية" مل تستطع

٤٠٣

أن حتقق التقدم الذي حققته "كوريا اجلنوبية" ليس بسبب العامل الثقايف وحده كما يعتقد "هنتيغتون" وأمثاله وإمنا ألسباب أخرى كثرية من أمهها:

حجم طبقة رجال األعمال وتأثريهم على آلية القرار يف "كوريا" مقارنة هبامشية هذا الدور يف "غانا"، الدور التنموي الرائد للدولة يف "كوريا" والذي

كان قائما على تشجيع القطاع اخلاص كآلية للتنمية مقارنة بالدور الضعيف للدولة يف غانا يف هذا الصدد، التقارب والتفاعل والتأثر الكوري

بكل من "اليابان" و"الواليات املتحدة" وأثر ذلك على التنمية "الكورية" وغياب هذا العامل يف حالة "غانا". وأخريا كانت "كوريا" يف الستينات قد حققت

معدل وعي وتطور تعليمي أكرب بكثري من حالة "غانا" مما كان له أثر كبري يف

ويستشهد "سني" كذلك بتجربة "اليابان" يف تطويع ثقافتها . »"كوريا"هنضة من أجل تطوير تعليمها ومواكبة التقدم الغربي وفاض تطورها هذا على

بقية دول آسيا كما يقول املؤلف يف السنوات الالحقة مما يعين أن الثقافة قد تكون عامال مساعدا على التنمية وهنا يقصد املؤلف القول بأن الثقافة

إذا كانت مرنة الستيعاب التطورات احلديث فإهنا تصبح عامال إجيابا وليس بالضرورة عامال سلبيا. وينتقل املؤلف بعد ذلك للحديث عن الثقافة واحلرية والتنوع يف اهلوية معتقدا انطالقا من خلفيته الليربالية اليت يؤكدها

يف طيات كتابه، إن الثقافة مبا يف ذلك الدين طبعا ال ينبغي أن يتصف بالقدسية وعدم التمحيص بل البد أن تتعرض هذه الثقافة للنقد ويكون للفرد ابتداء من الطفولة احلق يف قبوهلا أو رفضها وبالتايل فإنه يعرتض

على سياسات احلكومة الربيطانية اليت تشجع املدارس الدينية اليت تساهم

٤٠٤

يف اعتقاده يف تكوين جمتمع فيدرايل مكون من أقليات دينية بدل أن تنصهر هذه األقليات يف نسيج واحد هو النسيج الذي ينسجم مع الفكر الليربايل أي

املنفلت من أي مرجعية قيمية أو عقائدية أو مبعنى آخر ال تكون هناك مقدسات أو ثوابت.

العالقة بني احلرية والقدرة: -ج)الشيء األساسي يف األخالق عند "سني" يتعلق بتحويل "احلرية" إىل "قدرة" وهذا بواسطة من كيفيات عمل األشخاص ويعرف هذا النوع من األخالق

. ويرى "سني" أنه عندما تتحد احلرية املثالية ١ب: "األخالق التطبيقية"والعدالة االجتماعية، فإن املناخ االجتماعي يسمح حبدوث نشاط اقتصادي

متوازن. ويركز "سني" على وجوب توفر عوامل حمفزة مادية وغري مادية لألفراد يف اجملتمع لتفريغ طاقتهم وتأدية أعماهلم على أكمل وجه، ويؤكد على أن احلافز املادي لوحده ال يكفي وهو شرحه للحرية املثالية. كما أن

مكافأة الفرد على نشاطه بالوجه العادل هو املفتاح األساسي لتحفيزه على تعظيم منفعته، كما أنه يرى أن بعض األفراد قد يضحون جبزء من تعظيم

منفعتهم مقابل املسامهة يف التضامن االجتماعي. كما حيذر من هتافت األفراد على حتقيق منافعهم الشخصية وما يرتتب عن ذلك من آثار

اجتماعية واقتصادية على غرار البطالة اليت ختلف ظاهرة "الفقر" وهي أهم حماور دراسة "سني" وموضوع حيازته على جائزة نوبل لالقتصاد. وبالعودة إىل فحو الفكرة اليت أتى هبا "سني" حول حتويل "احلرية" إىل

١. [REGIS MAHIEN ,2008]

٤٠٥

"قدرة" هي مفهوم يأتي من رد الفعل الناتج عن "حقوق األفراد"، أي األخذ بعني االعتبار احلقوق يف تقيم الوضعيات. فضمان حقوق األفراد له آثار

اجتماعية واقتصادية حممودة، ويويل "سني" اهتمام كبري مبسالة احلقوق يف "التبادل االجتماعي". ويرى أن هناك عوائق كثرية قد يطرحها النظام

االقتصادي يف مسألة توزيع احلقوق على األفراد (مفهوم العدالة االجتماعية )، ودائما يعود إىل حتليل آثار مثل هذه الظواهر على اجملتمع.

وما جيدر اإلشارة إليه أيضا هو تأكيد "سني" على حقوق األفراد يف"

" و Ethique et Economie,1993التبادل" وذلك من خالل كتابه املشهور""التبادل" عند "سن" له مفهوم أخر فهو يقصد ب"التبادل" ما ختلقه عالقة

التبادل من انسجام اجتماعي ومناخ خصب لنشوء عالقات اجتماعية ختدم اجملتمع نفسه مبنية على أخالق منظمة ومرتابطة، وهو ما يطلق عليه اسم

"األخالق املسؤولة". واألخالق املسؤولة: هي األخالق اليت تؤدي بالفرد باملوازنة بني "اخليار الشخصي" وذلك من منظور نظري "واخليار اجلماعي

Choix Collectifs." و هو ما عرب عنه "ماكس فيرب" مبا يلي:

ميكن أن نفهم بكل بساطة معنى "روح الرأمسالية" إذا اعتربناها جزء من «التنمية وبصفة خاصة "الرشادة"، كما ميكن أن نعترب تارخييا أن

.»"الربوتستنتية" هي "خطوة فلسفية "خالصة عن الرشادة"

٤٠٦

املطلب الثانيملخص التقرير النهائي "املؤمتر الدويل احلكومي للسياسات

الثقافية من أجل التنمية"عقد املؤمتر الدويل احلكومي للسياسات الثقافية من أجل التنمية يف مركز

أبريل/ ٢مارس/آذار إىل ٣٠املؤمترات مبدينة ستوكهومل يف الفرتة من منظمة ٢٣حكومة و ١٤٩مشرتك ميثلون ٢٤٠٠، وضم زهاء ١٩٩٨نيسان

منظمة غري حكومية ومؤسسة ورابطة طوعية وغري ذلك ١٣٥دولية وقرابة من هيئات اجملتمع املدني، باإلضافة إىل عدد من الفنانني والباحثني

واخلرباء. لعل التمثيل الرمسي ملعظم دول العامل، يؤكد اهتمام جل دول العامل باملوضع، كما أن التمثيل الغري الرمسي والذي يتمثل يف عدد

املنظمات الغري احلكومية يؤكد أن االهتمام باملوضوع مل يقتصر على اجلهات الرمسية، وحضور عدد من الفنانني والباحثني واخلرباء يفصل يف

كون املوضوع مهم جلل البشرية اليت تسكن هذه املعمورة. وما سنعرضه يعد ملخص متقدم عن موضوعنا " العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة

االجتماعية"، لذا سنحاول تفادي تقديم االستنتاجات إىل ما بعد هذا الفرع. نذكر اآلن أهم النقاط اليت ناقشها املؤمتر بشيء من االختصار ومبا

يتالءم ومتطلبات البحث: الفرع األول: النقاط الرئيسية يف املؤمتر:

املبادئ األساسية: .١

٤٠٧

"املؤمتر الدويل احلكومي للسياسات الثقافية من أجل التنمية " بتسطري بدأاملبادئ الرئيسية هلذا املؤمتر"، وتأتي هذه املبادئ على شكل نقاط عامة

متفق عليها وكأهنا مسلمات جيب االنطالق منها (وهي خالصة ملا سبق من مؤمترات يف نفس املوضوع ومت تأكيدها يف ورشات عمل قبل بداية املؤمتر)

 : ١وجاءت كما يلي

إن التنمية املستدامة واالنتعاش الثقايف أمران مرتابطان. )١

إن أحد األهداف الرئيسية للتنمية البشرية هو االنتعاش االجتماعي )٢ والثقايف للفرد.

ملا كان االنتفاع باحلياة الثقافية واملشاركة فيها من احلقوق الالزمة )٣للفرد، فإنه من واجب احلكومات أن توفر الظروف املالئمة للممارسة

 الكاملة هلذا احلق.

هتدف السياسات الثقافية يف صلبها إىل حتديد األهداف وإنشاء البنا )٤ واحلصول على املوارد املالئمة إلجياد إطار إنساني منعش.

إن اإلبداع الثقايف هو مصدر التقدم البشري. أما التنوع الثقايف، الذي )٥ هو من كنوز اإلنسانية فهو أحد العوامل الالزمة للتنمية.

إن االجتاهات اجلديدة والسيما العوملة، من شأهنا أن تفضي إىل إقامة )٦روابط بني الثقافات أوثق مما كانت عليه يف أي وقت مضى وإىل إثراء

أوجه التفاعل بينها، غري أهنا قد تلحق الضرر بتنوعها اإلبداعي وبتعددية الثقافات، وتصبح احلاجة إىل االحرتام املتبادل اليوم أشد من

١. ]UNESCO ،٠٩-٠٦ص.ص – ١٩٩٨ [

٤٠٨

أي وقت مضى.

إن القبول بالتنوع الثقايف يعني على حتديد وتوطيد األواصر بني )٧اجلماعات املستمدة جذورها من قيم قد تشاركها فيها خمتلف املكونات

االجتماعية والثقافية للمجتمع الوطين.

إن امللكية اإلبداعية يف اجملتمعات تعني على اإلبداع الذي هو التزام )٨فردي يف املقام األول. فهذا االلتزام ال غنى عنه لتكوين ثروتنا املقبلة، وينبغي احملافظة على ظروف هذا اإلبداع وتشجيعها، والسيما حرية

اإلبداع يف إطار أي جمتمع.

إن الدفاع عن الثقافات احمللية واإلقليمية اليت هتددها الثقافات اليت )٩تنتشر على املستوى العاملي ال ينبغي أن حيول هذه الثقافات املهددة إىل

آثار جافة تفتقر إىل دينامية تنميتها.

تعزيز الصناعات الثقافية يف البلدان النامية: .٢يف نفس اخلضم بعد تأكيد مبادئ املؤمتر سطرت نقطة بالغة األمهية أ.

وتتعلق "بالصناعات الثقافية" واليت سبق وتعرضنا هلا بالدراسة لذا ما سنقدمه هنا هو التوصيات اليت جاءت فيما خيص هذه النقطة ومت

االتفاق عليها يف املؤمتر، وذلك كما يلي: بناء وتعزيز القدرات اإلنتاجية والتوزيعية يف جمال الثقافة يف البلدان ب.

النامية؛

تيسري وإتاحة فرص أكرب لوصول سلعها وخدماهتا الثقافية إىل السوق ت. العاملية وشبكات التوزيع الدولية.

٤٠٩

إتاحة الفرصة لنشوء أسواق حملية وإقليمية قابلة للبقاء. ث.

اختاذ التدابري املناسبة حيثما أمكن، يف البلدان املتقدمة من أجل تيسري ج. دخول السلع واخلدمات الثقافية من البلدان النامية إىل أراضيها.

توفري الدعم للنشاط اإلبداعي وتسهيل حراك الفنانني بني البلدان ح. النامية قدر اإلمكان.

تشجيع التعاون املناسب بني البلدان املتقدمة والبلدان النامية السيما يف خ.

.١جمال املوسيقى والسينما تعزيز تنوع أشكال التعبري الثقايف: .٣

من أهم األهداف اليت أكد عليها اتفاق "تعزيز تنوع أشكال التعبري الثقايف" هو: التأكيد على أمهية الصلة بني الثقافة والتنمية بالنسبة جلميع البلدان

وباألخص للبلدان النامية، ودعم التدابري املتخذة على الصعيدين الوطين والدويل لضمان االعرتاف بقيمتها احلقيقية. وركز على مبدأ تكامل

اجلوانب االقتصادية والثقافية للتنمية: ملا كانت الثقافة واحد من احملركات الرئيسية للتنمية، فإن اجلوانب الثقافية للتنمية ال تقل أمهية عن جوانبها

االقتصادية، ولألفراد والشعوب حق أساسي للمشاركة فيها والتمتع هبا. باإلضافة إىل مبدأ االستدامة: يشكل التنوع الثقايف ثروة نفسية لألفراد

واجملتمعات، وتعد عملية محاية التنوع الثقايف وتعزيزه وصونه شرطا جوهريا لتحقيق التنمية املستدامة لصاحل األجيال احلاضرة واملستقبلية.

١. ]UNESCO ،١٣-١٢ص.ص – ١٩٩٨ [

٤١٠

دور السياسات الثقافية: .٤

:١تلعب السياسات الثقافية عدد من األدوار حسب ما جاء يف املؤمتر كالتايلهتيئة الظروف داخل الشركات واجملتمع تيسر النمو ثقافات التنمية :

املستدام، واحرتام تشجيع الثقافات احمللية يف عصر العوملة، واإلبداع اإلنساني والتجديد يف قطاع األعمال التجارية واجملتمع.

توفري التمويل على النطاق االستثمار يف التنمية البشرية والثقافة :الصغري، وإتباع هنوج مبدعة أخرى لإلقراض هبدف خدمة التنمية

البشرية وثقافة عصرنا الراهن.دور قادة مؤسسات األعمال يف اجملتمع، حنو ثقافة جديدة للشركات :

واألخالق واملسؤولية، وابتكار رأمسالية جديدة للقرن احلادي والعشرين. وأهم القطاعات اليت متثل العالقة بني االقتصاد والثقافة:

.وسائل اإلعالم .املعلومات .احلواسيب .االتصاالت .التعليم .البحث العلمي .الرتفيه .اخلدمات ١. ]UNESCO ،٧٢ص – ١٩٩٨[

٤١١

.عامل املال دور التصميم الصناعي: .٥تصميم األشياء والبيئات املختلفة، وال يعد التصميم وظيفة فحسب بل هو

أو Levisأو سروال NIKEأيضا متعة ومعنى ومكانة وأسلوب حياة. فحذاء

أشياء متثل ثقافة استهالك واتصال تنطوي على آثار BMWسيارة اقتصادية وإيديولوجية هائلة، ويعرب الشباب بصورة متزايدة عن ذاتيتهم من

هي أكثر من جمرد Levisخالل أشياء يشرتوهنا يف األسواق. فسراويل سراويل، إنك حتتاج إىل سيارة ولكنك تريد شراء سيارة واحدة من طراز

BMW وحتتاج إىل زوج من األحذية ولكنك تريد زوجا من طراز ،NIKE ،ألن كل ذلك يبين الذاتية وينم عن من تكون وعن الذين تريد أن تنتمي

إليهم. ومعظم الناس جيدون مكاهنم يف العامل ليس عن طريق أن يصبحوا فنانني أو كتابا أو موسيقيني بل عن طريق اختيار وشراء رموز جاهزة

متاحة لنا يف األسواق. إننا ننشط ملكتنا اإلبداعية عن طريق العيش من

. يعد ١»حنن نشرتي كي نصري، وحنن نصري ما نشرتيه«خالل األشياء. تصميم أسلوب احلياة قطاع اقتصادي وثقايف ضخم، حيث اجلهد اإلبداعي الذي يكرس لتصميم السلع االستهالكية وإنتاجها والدعاية هلا وبيعها، قوة كربى لالقتصاد العاملي، ويف نفس الوقت ثقافة مبدعة. والذي جيعله هبذه

الضخامة هو أنه ينتج املعنى وأسلوب احلياة واملكانة، ال بل إنه ينتج ضروريات وظيفية، فالصناعة تغري األسلوب وختلق طرازا جديدا وخترتع

١. ]UNESCO ،٥٨ص – ١٩٩٨[

٤١٢

تعديالت جديدة من أجل خلق الرغبة يف شراء شيء جديد أكثر اختالفا. يلعب التعليم دورا مهما يف عملية التصميم، وميثل أحد األدوار املهمة يف

تزويد األفراد بوعي يبصرهم باالختيار الذي يقومون به، ومبعرفة تبني هلم يف نفس الوقت داللة هذا االختيار، لتمكينهم من رؤية الفرق بني املعنى

والوظيفة، (بني املسكن واملنزل، السيارة والكاديالك...) ذلك أن اخليارات اليت تطرحها عليهم السوق أصبحت هي النمط الرئيسي لتعبريهم عن

أنفسهم وفهمهم هلا. هذا الوعي من املنظور الطويل األجل الذي يندرج يف خطة عمل السياسات الثقافية من أجل التنمية، مهم بالنسبة لالقتصاد

العاملي، والستخدام املوارد، والتنمية املستدمية، كما أنه مهم لثقافة التصميم واملصممني لكي يصبحوا أكثر وعيا بدورهم، الذي ال ينتهي عند

تعديل طراز سلعة ترفيهية، بل يشمل حل املشكالت وتقديم إسهامات مفيدة يف عامل مزدحم مازال حيتاج إىل منتجات حمسنة يتعامل هبا مع ما

تطرحه احلياة اليومية من حتديات علمية وما تسريه من متع. يؤكد األستاذ "ديفيد تروسي" (جامعة ماكواري بأسرتاليا) أن الصلة بني

. طرح "مارك ١الثقافة واالقتصاد تبني الدور احلقيق للثقافة يف اجملتمعلويكس" من وحدة الدراسات االستشرافية (يف اللجنة األوربية) إجابة عن سؤال مهم يف املؤمتر "ملاذا تشغل الثقافة مكانة مركزية يف جمتمع املعرفة

... إن الثقافة تنتقل من مكاهنا اجلانيب لتشغل مكانا «العاملي" فقال: مركزيا، وتصبح املورد "االقتصادي" املركزي، ألن اجلذور الثقافية والذاتية

١. ]UNESCO ،٥٩ص – ١٩٩٨[

٤١٣

والذاتية الثقافية ضروريتان لتشجيع اإلبداع الذي صار يشكل على حنو

. ١»متزايد قوة دافعة لألداء االقتصاديومضت "هازيل هندرسون"، إىل أبعد من ذلك يف حبثها املعنون "الثروة

إن هذا املؤمتر مؤشر جيد على الشوط الذي قطعناه «احلقيقية" فقالت: خالل العقد املاضي لتعميق فهمنا للثروة احلقيقية لألمم، فمنذ كتاب آدم

، شهدنا صياغات متتالية ١٧٧٦مسيث الذي نشر عن هذا املوضوع عام ركزت على األدوار النسبية لأليدي العاملة وملكية األرض ورأس املال، وعلى

إسهام التكنولوجيا واالبتكار والتعليم والتنظيم اإلداري، وكذلك على املناخ واجلغرافيا واجليولوجيا، أما اليوم فقد اتسعت آراؤنا لتدرج أيضا رأس املال

الفكري، ورأس املال االجتماعي، واألصول البيئية، باإلضافة إىل العناصر احليوية اليت تتمثل يف الثقة، واألخالق املهنية، ومدونات السلوك، والثقافات

.»أهنا أعمق املصادر يف ثروة األمم -وصفها-باعتبار الفرع الثاني: أهم حماور الرتكيز يف امللتقى الدويل "السياسات الثقافية":

وهي النتيجة البليغة اليت توصلت »إن التنمية دون ثقافة، هي منو بال روح«إليها اللجنة العاملية املعنية بالثقافة والتنمية، وقد حضت بالتأييد التام، بعد

أن اعرتف كل واحد من املتحدثني ب "سلطان الثقافة" كعنصر أساسي من عناصر التنمية البشرية، وما يرتتب على ذلك من واجبات محاية وتعزيز

هذا السلطان ونقله إىل اآلخرين، فقد اعتربت الثقافة أمرا صمميا يف

١. ]UNESCO ،٧٢ص – ١٩٩٨[

٤١٤

يف قضايا الذاتية والرفاه وأساليب احلكم واملواطنة واإلبداع. وتفصيل هذه النتيجة العامة جاء من خالل النقاط الثالث التالية: أهم مقومات الثقافة: .١

:١حدد املؤمتر مقومات الثقافة كما يلي الذاتية الثقافية نفسها هي ظاهرة متطورة وغري جامدة، وجيب أن تكون

 مرنة للتغري.

اللغات بوصفها تراثا عامليا وقنوات حية للتعبري عن الذاتية والذاكرة الثقافية.

السياسة الرتبوية مرتبطة بالسياسة الثقافية، فبإمكان التعليم والتدريبأن يسهما بل وجيب أن يسهما يف غرس قيم ومواقف يف النفوس، وذلك

 كأساس لتأمني الرابط الالزم بني التنمية وكل أنواع األنشطة الثقافية.

حترير اإلبداع الفكري، فينبغي للحكومات أن هتيأ الظروف الكفيلة بأنجتعل الفنانني والعاملني يف األنشطة الثقافية واملوطنني يفكرون ويعملون

 بصورة مبدعة.

اعتبار حقوق املؤلف أمرا جوهريا للتعبري اإلبداعي شأهنا يف ذلك شأن منو الصناعات الثقافية احمللية.

صون املعامل الثقافية اخلاصة من سطوة الشبكات األجنبية القوية خاصةيف جمال املواد السمعية البصرية، وذلك من أجل محاية اإلبداع الثقايف من أن تكتسحه قوى التسويق الدولية، ومن أجل تأمني الوظائف والنمو.

١. ]UNESCO ،٢٠ص– ١٩٩٨[

٤١٥

احلقوق الثقافية: .٢قد متثل أو ال متثل احلقوق الثقافية، مشكلة تبعا للمكانة اليت يشغلها كل

طرف ضمن نطاق جمتمع معني أو أمة حمددة، فاحلقوق الثقافية ال تشغل بال األغلبية اليت هتيمن على مواقع القوة. وتشمل احلقوق الثقافية السبل

اليت يعرب الناس من خالهلا عن إحساسهم بذاتيتهم سواء بوصفهم أفراد يف

.١اجملتمع بعينه أو بوصفهم أمة كاملة

العوملة و"الثقافة العاملية": (تأثري االقتصاد على الثقافة): .٣تزايد الرتابط االقتصادي وتأثري وسائل اإلعالم العاملية، واتساع نطاق

أمناط اهلجرة، كلها مؤشرات على بداية ظهور ثقافة عاملية جديدة، كما أن العوملة ميكن أن هتدد الثقافات الوطنية والتقليدية، وأن الثقافات "الوطنية" ذاهتا قد تغمر بكل ما هلا من ثقل ثقافات األقليات (أو الثقافات الفرعية).

رغم تزايد الوعي بدور الثقافة احلاسم يف التنمية، فإن الثقافة مازالت ختص مبرتبة متدنية من األولوية يف القرارات املتعلقة بامليزانية ويقول

إن العوملة توفر فرص مل «السيد "مايكل هيغنز" وهو وزير سابق اليرلندا: يسبق هلا مثيل للتعاون التفاعلي واملتوازن وإلثراء التبادالت الثقافية، غري أن

العوملة حتمل يف ركبها ميال خفيفا إىل الغزو الثقايف واالغرتاب والتهافت على االستهالك، وهذه ظواهر ال تتسم بذلك القدر من اخلفاء، ويف عمارة هذه العملية، توىل األولوية لالعتبارات االقتصادية والوظيفية، بينما تعامل

الثقافة على أهنا شيء نافلة أو فائض، ويتجلى هذا أيضا يف عمليات ١. ]UNESCO ،٢٥ص – ١٩٩٨[

٤١٦

التكامل اإلقليمي، ومن ذلك مثال أن الثقافة مل تؤخذ قط يف احلسبان يف

. ويف كثري من أحناء العامل ١»والية االحتاد األوربي قبل معاهدة ماسرتخيتيفسر التحديث بوجه عام على أنه تغريب. ويؤدي التضافر التكنولوجي إىل

تركيز ملكية وسائل اإلنتاج والتوزيع الثقافيني. وتتسم املصطلحات والصياغات املستخدمة يف وصف العملية باحنياز ألهنا تعرب عن املفاهيم  اإليديولوجية والسياسة الغربية املستخدمة لتربير السيطرة االستعمارية.

لذا جند الغرب وخاصة الواليات املتحدة األمريكية اليت متلك أكرب إنتاج ثقايف وإعالمي يف العامل، سعت إىل توظيف ذلك من أجل نشر منوذجها يف

احلياة على حساب ثقافات شعوب أخرى. هذا ما أثار رفض العديد من الدول يف الشمال واجلنوب إىل إخضاع الثقافة لقانون السوق كأي سلعة أخرى، ففرنسا دعت إىل استثناء الثقافة من مفاوضات اجلات ومنظمة

التجارة العاملية...، أما اليابان فقد رفضت هيمنة الثقافة األمريكية ودعت ويف إىل جعل العوملة جماال لتعزيز التعاون والتحاور بني الثقافات املختلفة.

ظل العوملة بدأت الثقافة بوصفها إنتاجا اجتماعيا تتحول إىل سلعة ينطبق عليها ما ينطبق على السلع املادية. ومبا أن هناك ثقافات مدعمة بكل الوسائل التكنولوجية وأخرى شبه جمردة من تلك الوسائل أو ال حتسن

استخدامها، فإن التبادل العاملي هو تبادل غري متكافئ (على غرار السلع املادية، أكثر مما هو تثاقف بني الشعوب والثقافات).

١. ]UNESCO ،٣٢ص – ١٩٩٨ [

٤١٧

تعبئة املوارد لألنشطة الثقافية: .٤تعتمد األنشطة الثقافية على ثالثة مصادر رئيسية لتعبئة مواردها

:١البشرية واملالية وهي كالتايل.السوق الثقافية 

.اإلعانات العامة 

.اإلعانة املقدمة من القطاع اخلاص 

لكن ما مييزها يف العصر احلايل كوهنا آخذة يف تقليص أنشطتها التمويلية، ومييل قطاع السوق إىل توجيه األموال صوب جمال الرتفيه وحده بدال من توجيهها حنو اجملاالت االبتكارية ومن ثم احملفوفة باملخاطر. وقلما يكون القطاع اخلاص مستعدا لتوفري الرعاية عندما تتسم األوضاع االقتصادية

بانعدام األمن. كما جند ببساطة يف حاالت كثرية االفتقار للسياسة اإلدارية لتخصيص إعانات حكومية. وأشار السيد "ريغو" من جهة إىل أنه ما من بلد أو جمموعة بلدان مبقدورها أن تفرض مفهومها اخلاص للثقافة، إال أنه ما

استدعى االنتباه هو جناح اجملموعة األوربية يف جعل مبدأ "االستثناء الثقايف" حيضا بالقبول: وهو مبدأ مييز متييزا واضحا بني الثقافة وسائر

السلع التجارية. وكخالصة عامة هلذا املؤمتر آثرنا اإلشارة إىل هدف ومبدأ اعتمدا

كمحورين أساسني يف النقاش الذي دار يف املؤمتر ومها: ،التأكيد على أمهية الصلة بني الثقافة والتنمية بالنسبة جلميع امليادين

١. ]UNESCO ،٣٨-٣٦ص.ص– ١٩٩٨[

٤١٨

وباألخص للبلدان النامية، ودعم التدابري املتخذة على الصعيدين الوطين والدويل لضمان االعرتاف بقيمتها احلقيقية (هذا كهدف).

مبدأ تكامل اجلوانب االقتصادية والثقافية للتنمية؛ ملا كانت الثقافةواحدا من احملركات الرئيسية للتنمية، فإن اجلوانب الثقافية للتنمية ال تقل أمهية عن جوانبها االقتصادية، ولألفراد والشعوب حق أساسي يف

املشاركة فيها.

املطلب الثالث التجربة اليابانية يف التنمية

مع انتهاء احلرب الباردة بني الواليات املتحدة األمريكية واالحتاد السوفييت السابق كثرت الدراسات واألحباث والكتب لكبار املفكرين والكتاب والباحثني

األمريكان والغربيني حول التجربة اليابانية احلديثة (املعجزة اليابانية). مبدين يف كثري من األوقات ختوفهم من جناح اليابان والفوز أخريا بزعامة

القطبية العاملية، وبعد انتهاء نظام القطبية الثنائية يف بداية التسعينات من هذا القرن وانتهاء احلرب الباردة بدأت اجنازات اليابان اليت حققت يف فرتة

هذه احلرب (قفزات كبرية يف عامل ثورة التكنولوجيا والصناعة خصوصا، واالقتصاد عموما) تظهر للعيان؛ وما شد االنتباه أكثر منافسة بضائعها

للبضائع األمريكية. هنا بدأت األنظار تتجه إىل هذا القطب اجلديد والبحث يف أسرار "املعجزة اليابانية" ليس لالستفادة والتعلم منها وفقط، وإمنا لوقف أو احلد من االندفاعية اليابانية املعاصرة، وعلى عكس ذلك

حنن ندرج أهم معامل هذه املعجزة ألهداف أخرى نأتي إىل ذكرها يف ختام

٤١٩

البحث ونومئ فقط إىل أحدها وهو التقارب الفكري بني اجملتمع العربي واجملتمع الياباني (بتحفظ: فقط من ناحية التمسك بالثقافة األصلية

وحماولة صد الغزو الثقايف يف وقت من األوقات)، هذا باإلضافة إىل تركيز وإبراز جل املفكرين الذين درسوا التجربة اليابانية على العامل الثقايف كأحد

عوامل التنمية وهو ما خيدم البحث بطريقة مباشرة.ونقسم دراستنا هلذا املطلب إىل قسمني، ففي القسم األول نعرض نقطة

التحول يف تاريخ اليابان واليت نقلتها من بلد صنف ضمن بلدان العامل الثالث إىل ثاني قوة اقتصادية وهي ومضة تارخيية عن عصر عرف بالعصر الذهيب بالنسبة لليابان (عصر" امليجي")، ثم بعد ذلك نعرض بعض التحليل املختصر

وكذا مسات التطور يف هذه التجربة بصفة عامة ويف مراحل متقدمة.

الفرع األول: مسار اإلصالح يف التجربة اليابانية:

مبادئ اإلصالح اخلمسة ل "مياجي": .١) بأحداث تارخيية مهمة أبرزها: ١٩١٢-١٨٦٨يزت مرحلة" امليجي ايشني"(مت

وهو ما عرف بوثيقة ١٨٦٨مارس ١٤إعالن مبادئ اإلصالح اخلمسة يف

:١"أوات"، واليت نصت على ما يليكل القرارات أو التدابري جيب أن تتخذ بعد نقاش مجاعي للدفاع عن -١

املصلحة العامة.من حيث املبدأ، ال فرق بني أعلى وأدنى يف اليابان، بل اجلميع واحد مع -٢

.احلفاظ بدقة على الرتاتبية االجتماعية

] ٢٢٢ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٢٠

من الضروري أن تتوحد السلطتان العسكرية واملدنية يف يد واحدة -٣

.هبدف محاية حقوق كل الطبقات واملصلحة القومية العليا معا

جيب التخلي عن التقاليد الشكلية القدرة والعمل على أن تظهر مساواة -٤

.طبيعية بني اجلميع دون متييز

البحث الكتساب الثقافة والتعليم العصري يف أي مكان يف العامل -٥ واستخدامهما يف بناء ركائز اإلمرباطورية اليابانية.

أهم املراسم اليت متخضت عن مبادئ اإلصالح اخلمسة: .٢

]: ١٨٨٢-١٨٦٨الفرتة [ -١وإرادة إمرباطورية ١٨٦٨يونيو ١٧صدر وعد بتأسيس الدستور الياباني يف

، وإقرار نظام جديد ١٨٧١أغسطس ٢٩بإلغاء االنقسام العائلي القديم يف والبدء باإلصالح الزراعي مبوجب قرار بإصالح ١٨٧٢ سبتمرب ٥للتعليم يف

واإلرادة اإلمرباطورية بتأسيس جملس ١٨٧٣يوليو ٢٨يف النظام الضرييب لسلمجللشيوخ وا

١٨٧٥يونيو ٢٨ وإصدار قانون الصحافة يف ١٨٧٥أبريل ١٤األعلى يف وقرار بتنظيم االجتماعات العامة ١٨٧٧يناير ٤وإصالح ضريبة األراضي يف

واإلرادة اإلمرباطورية بالعمل على تأسيس ١٨٨٠أبريل ٥ واجلمعيات يف ١٠والرتخيص للحزب الليربايل يف ١٨٨١أكتوبر ١٢الربملان الياباني يف

.١١٨٨٢مارس ] ٢٢٣ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٢١

]:١٨٩٤-١٨٨٤الفرتة [ -٢ ٢٨وإنشاء جملس الوزراء يف ١٨٨٤يوليو ٧نشر نظام جملس احلكماء يف

لس لمجوإعالن دستور اإلمرباطورية اليابانية، وقانون ا ١٨٨٨أبريل وقانون ١٨٨٩فرباير ١١اإلمرباطوري، وقانون االنتخاب للمجلس النيابي يف

١٨٩٠أكتوبر ٣٠ووثيقة التعليم يف ١٨٨٩فرباير ١٢تنظيم مالية الدولة يف يوليو ١٩واالتفاقية اجلديدة للتجارة واملالحة بني اليابان وبريطانيا يف

.وغريها ١٨٩٤

: أهم معامل اإلصالح يف التجربة اليابانية .٣تظهر معامل اإلصالح يف التجربة اليابانية يف عدة اجتاهات حاولنا حصرها

يف النقاط التالية: االجتاه األول: -١

إن القوى اإلصالحية اجلديدة فتحت باب التحديث على مصراعيه، وذلك بدعم مباشر وتشجيع من احلكومة اليابانية هبدف توليد جيل كامل من

اإلصالحيني اليابانيني املزودين بأفكار إصالحية وعلوم عصرية،واملؤمنني بضرورة نشر تلك املقوالت اإلصالحية وتعميمها بشكل مدروس ومربمج على مجيع الطبقات االجتماعية يف اليابان. فالغاية من اإلصالح

ليست نقل العلوم والتكنولوجيا العصرية ووضعها يف جمتمع تقليدي يرفضها وخياف من نتائجها بل تدريب الناس على تقبل تلك العلوم ووضعها

يف خدمة قوى اإلنتاج، وعالقات اإلنتاج، وتطوير حياهتم ا ملادية مع االحتفاظ باعتقاداهتم الدينية وتقاليدهم االجتماعية.

٤٢٢

فتبنت مجيع شرائح "الساموراي"، باإلضافة إىل التجار والصناعيني واحلرفني والفالحني األفكار اإلصالحية على نطاق واسع، بعد أن أدركت

مدى اإلفادة االقتصادية الكبرية اليت تقدمها التكنولوجيا احلديثة عند توظيفها يف مجيع جماالت اإلنتاج. وانطلقت حركة التحديث االقتصادي بوترية سريعة نظرا لكثافة السكن املدني، ووجود شبكة مهمة من النقل

الربي والنهري والبحري، وصناعات حرفية متطورة، وتكنولوجيا زراعية متقدمة، وتراكم مايل مل يشهد استنزافا إىل اخلارج بسبب العزلة الداخلية،

وجهاز إداري شديد التنظيم وقادر على توظيف تلك اإلجيابيات إىل احلد

وما زاد يف تسهيل حركة التحديث أن القوى السلطوية «األقصى، وغريها. متع الياباني بسرعة خوفا لمجكانت شديدة احلماس هلا، وتريد حتصني ا

.١»من خماطر غزو خارجي حمتمل يف أي حلظة

مما يؤكد أن موجبات اإلصالح ال تفسر إال بسعي القادة اليابانيني إىل اعتماد التكنولوجيا الغربية لبناء دولة مركزية يابانية قوية على أساس

التقاليد املوروثة يف النظام السياسي الياباني من جهة، والرتاكم االقتصادي املهم الذي خلفته مرحلة العزلة الطويلة من جهة أخرى.

توكوغاوا" كان عدد ال بأس به من " الساموراي" قد " باملقابل، ومنذ مرحلة

.اكتسبوا بعض العلوم العصرية والغربية وعملوا على نشرها يف اليابانوظهرت مقوالت كثرية تدعو علنا إىل ضرورة استرياد التكنولوجيا الغربية ونقل العلوم العصرية هبدف محاية اليابان من خماطر التدخل اخلارجي.

] ٢٢٩ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٢٣

ومتت صياغة إسرتاتيجية جديدة مستمدة من جتارب" الساموراي"

إذ ١»اعرف عدوك، واعرف نفسك، فسرتبح ألف معركة«العسكرية وتقول: اهبة مع الغرب لمجكان معظم قادة" الساموراي" على قناعة تامة من أن ا

قادمة ال حمالة، وعليهم االستعداد هلا بأسلحة حديثة وتكنولوجية متطورة

لذا أوفدت حكومة "ماجيي" على الفور عددا .ليست متوفرة إال لدى الغربكبريا من الشابات والشبان يف بعثات علمية إىل الدول األجنبية، وذلك منذ

موفدا إىل اخلارج خالل الفرتة ا ١٧٠فأرسلت .العام األول لعصر "ماجيي"كان عدد ١٨٧١. ويف سبتمرب ١٨٧٩حتى نوفمرب ١٨٦٩ملمتدة من يناير

مل تكن عملية التحديث .موفدا ٢٨٠املوفدين اليابانيني إىل اخلارج يقارب يف اليابان ممكنة من دون استرياد التكنولوجيا الغربية، واالستعانة باخلرباء،

واملستشارين، واملوظفني األجانب من جهة، وإرسال البعثات العلمية إىل الدول الغربية من جهة أخرى. وساعدهم يف ذلك الرتاكم اإلجيابي الذي تركته مرحلة "توكوغاوا" والذي شكل انطالقة مهمة حلركة التحديث يف

فرفع قادة اإلصالح يف عهد" ماجيي" شعار .اليابان، على خمتلف األصعدة

ومن أجل الوصول إىل هذا اهلدف مت حتديث ٢»يابان غنية وجيش عصري«اإلدارة واالستفادة من البريوقراطية اليابانية ذات اخلربة الواسعة، وانطلقت

حركة حتديث القطاعات االقتصادية املنتجة، والقطاع املايل، والقطاع

واستقدمت اإلدارة اليابانية عددا كبريا من اخلرباء .الرتبوي، وغريها ] ٢٢٤ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١ ] ٢٨٩ص– ١٩٩٩[ضاهر، .٢

٤٢٤

األجانب للعمل يف القطاعات احملدثة لفرتات زمنية حمددة.

ثم دفعت األغلبية الساحقة من شرائح طبقة " الساموراي"، وهي طبقة

يف األساس وتعيش بشكل طفيلي على حساب القوى املنتجة، إىل ١عسكريةالتخلي عن دورها الطفيلي (منذ مرحلة" توكوغاوا")، وتوزيعها على القوى

املنتجة يف األرياف واملدن، وكانت متتلك علوما ومعارف عصرية أفضل من مجيع الطبقات األخرى ولعبت دورا أساسيا يف نشر الثقافة اليابانية ويف

وهي مسة تكاد تكون فريدة من نوعها يف .تعليم أبناء الفقراء من اليابانيني

.تاريخ القوى املسيطرة يف مجيع البلدان إبان تلك ا ملرحلة االجتاه الثاني: -٢

كانت الظروف الداخلية مهيأة أيضا للقيام بإصالحات جذرية يف اليابان، بدءا ببناء جيش عصري قوي وصناعة ثقيلة حديثة، هبدف محاية اليابان

وتطوير قوى اإلنتاج فيها. ومل يوظف اجليش الياباني القوي للدفاع عن اليابان من غزو أجنيب حمتمل فحسب، بل لعب دورا أساسيا يف منع انتصار

القوى العسكرية القدمية اليت قاومت اإلصالحات بشراسة دفاعا عن

وتشكلت قاعدة اجليش العريضة من صغار .مصاحلها الطبقية"الساموراي" و"الرونني" الذين كانوا يعادون بقوة نظام " الشوغون" وحكومة "

الباكوفو" يف املرحلة السابقة من جهة، ولديهم أيضا حقد كبري على القوى األجنبية والقوى اليابانية املتعاونة معها من جهة أخرى ومتيزت حركة

] ٢٣٠ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٢٥

اإلصالح بطابعها الوطين أو القومي وانفتاحها الكامل على مقوالت التحديث يف كل من أوروبا وأمريكا والصني فتبنت الكثري من تلك املقوالت

دون خوف أو مركبات نقص ووظفتها يف بناء دولة يابانية مركزية قوية. ويف الوقت عينه حاربت بروز قوى أو تيارات سياسية أو ثقافية يابانية تظهر

.انبهارها بالغرب وتعمل على تغريب اليابان

حورت مقوالت التحديث على ضرورة إلغاء الكثري من تقاليد " الساموراي" الغري مرغوب فيها، وحتويل الضرائب الكبرية اليت كانوا جيبوهنا من

فخاطب اإلمرباطور" .الفالحني واحلرفيني لصاحل مالية الدولة املركزيةواليت ١٨٦٨ماجيي" طبقة "الساموراي" عرب وثيقة اإلصالح الشهرية للعام

طالبت بوضع حد هنائي هلذا الشكل املشني من تقاليد اللباس وتصفيف

وحرضت على القيام خبطوات عملية إلظهار الشعب مبظهر .الشعر وغريها

.متجانس، والسعي إىل طلب املعرفة من أي مكان توجد فيه يف العامل كلهواجتهت دعوات اإلصالح والتحديث لبناء نظام اقتصادي على قاعدة منط إنتاج رأمسايل صناعي متطور كما يف الغرب، وجيش عصري مدرب أفضل التدريب ومزود بأحدث األسلحة، ونظام سياسي خمضرم يهدف لبناء دولة

يابانية حديثة على أساس دستور عصري حيتفظ فيه اإلمرباطور بصالحيات مطلقة يف كثري من القضايا، لكنه يعطي األولوية للقومية

فاقتصرت اإلصالحات السياسية يف عهد .اليابانية، ومصلحة اليابان العليا

، واليت١"ماجيي" على إدخال بعض التعديالت ذات الطابع الدميقراطي ] ٢٥٤ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٢٦

قدمت كتنازل من جانب اإلمرباطور للحركة الشعبية املطالبة بالعمل

.الدستوري على غرار البلدان الغربية املتطورة

االجتاه الثالث: -٣

يف مرحلة متقدمة من اإلصالح أدركت احلكومة أن عملية التحديث بالتكنولوجيا الغربية ميكن أن تتحول إىل تبعية للغرب ما مل يتملك

فباإلضافة إىل استقدام .اليابانيون أسرار تلك التكنولوجيا ويطوروها حمليااخلرباء األجانب لتدريب اليابانيني على إدارة وتشغيل املصانع اجلديدة ا

ملستوردة من الغرب، أرسلت احلكومة بعثات متالحقة من الطالب اليابانيني إىل الغرب الكتساب تلك التكنولوجيا وتوظيفها يف االقتصاد الياباني. و

أرسلت بعثات إىل بريطانيا لالطالع على صناعة السفن والتجارة البحرية، وبعثات إىل أملانيا لالطالع على حتديث األسلحة والعقاقري واجلراحة الطبية، وبعثات إىل فرنسا لالطالع على نظم وقوانني اإلدارة احمللية،

وبعثات إىل الواليات املتحدة األمريكية لالطالع على إدارة األعمال وتسويق

.اإلنتاج، وغريها من البعثات إىل خمتلف الدول املتطورة يف تلك الفرتةيضاف إىل ذلك أن غالبية قادة اإلصالح، وعلى رأسهم اإلمرباطور "

ماجيي"، قاموا برحالت استطالعية إىل الدول األوروبية لالطالع عن كثب

ويف الوقت نفسه .على أنظمتها، وإداراهتا، وطرق اإلنتاج والتسويق فيهاكانت التجربة اليابانية جتتذب أعدادا متزايدة من األدمغة والكفاءات

العلمية من العامل كله، الذين جاءوا إىل اليابان ووضعوا علمهم يف خدمة الشعب الياباني، فالقوا كل الرتحيب من اليابانيني فبدلوا صورة "الغربي

٤٢٧

الذي كان سائدا لقرون عدة يف ١»اطردوا الربابرة«البشع " وزال هنائيا شعار

فنتج تعاون وثيق بني القطاعني العام واخلاص، وبني أجهزة الرقابة .الياباناإلدارية التابعة للدولة وإدارة املؤسسات االقتصادية والشركات اخلاصة، وبني املؤسسات الثقافية احمللية ومؤسسات ثقافية يف أوروبا والواليات

وكان .املتحدة األمريكية على قاعدة احرتام التقاليد والشخصية اليابانيةعلى املؤسسات اإلنتاجية أن تتنافس فيما بينها لتقدم أفضل السلع

االستهالكية واملعدة للتصدير اخلارجي من جهة، وأن تتعاون إىل احلد األقصى فيما بينها حتت إشراف مباشر من الدولة جلعل اليابان يف مصاف

كذلك كان على اجلامعات .الدول االقتصادية املتطورة على املستوى العاملياليابانية، الرمسية واخلاصة، أن تتعاون فيما بينها لتقدم أفضل الظروف

بأحدث العلوم املالئمة لتوليد أجيال متعاقبة من الشباب الياباني املزود

.العصرية االجتاه الرابع: -٤

على حساب القوى ١٨٦٨كانت إصالحات" ماجيي"، منذ بداياهتا يف العام الفالحية والسكن الريفي. فاختذت قرارات قاسية كان اهلدف األساسي

منها حترير أعداد كبرية من العمال الزراعيني إلحلاقهم باملدن الكربى والعمل يف اجليش، والصناعة، واإلدارة، والشركات اخلاصة. وقد أطلق على تلك التدابري "ثورة من فوق". لذا مل ينل منها الفالحون والعمال واملهمشون

] ٢٣٥ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٢٨

سوى الفتات بل دفعوا غاليا مثن جناحها وحتويل اليابان إىل دولة إمربيالية ذات نزعة عسكرية توسعية. كما أن التبادالت االقتصادية اجلذرية اليت

متع الياباني لمجشهدهتا اليابان يف مرحلة "ماجيي"، سامهت يف تغيري بنية ا

ففي أواسط عقد الثمانينيات من القرن التاسع عشر صدرت .بشكل واضحعدة قرارات لإلصالح االجتماعي أبرزها: قرارات لتطوير العادات والتقاليد

املوروثة يف السكن، واللباس، والطعام، والصحة العامة، واختيار الزوجة،

" وتعرضت تلك القرارات إىل KABUKIوتطوير ا ملسرح القومي "كبوكي انتقادات حادة من جانب احملافظني الذين رأوا يف تطبيقها ما يقود إىل

متع لمجنقص يف املناعة الشعبية يف مواجهة التقاليد الغربية، اليت هتدد ا

وتساءل "تاغوتشي" عما إذا .الياباني يف متاسكه، وتضرب بناه الداخليةكان مبقدور بلد صغري كاليابان أن يصمد يف مواجهة احلضارة الغربية اليت

تعم القارات اخلمس؟ ويف حال فقدت اليابان أصالتها وتقاليدها املوروثة حتت ستار االنفتاح على التقاليد الغربية، فماذا يبقى من االستقالل

١الياباني يف املستقبل؟ خالصة اإلصالحات: .٤

كما جاءت اإلصالحات على عدد من االجتاهات فكانت خالصة تلك اإلصالحات على عدد من املستويات أيضا:

رفع املصلحون اليابانيون شعارات إصالحية واضحة ضمن ثالثة حماور -١ ] ٢٤٠ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٢٩

: بناء جيش عصري على أسس وطنية جديدة، إحداث ١حماور أساسيةتبدالت جذرية يف قوى اإلنتاج وعالقات اإلنتاج هبدف تضخيم اإلنتاج

وحتويل كل اليابانيني إىل شعب منتج إىل أقصى احلدود، واحلفاظ على أصالة الشخصية القومية اليابانية ذات اخلصوصية املتميزة منذ أقدم

.العصور

كان القادة اليابانيون على اقتناع تام بأسبقية الغرب على اليابان يف -٢خمتلف جماالت التحديث. فكان من الطبيعي الرتكيز يف املرحلة االنتقالية

على استيعاب العلوم والتكنولوجيا الغربية، حلماية النظم والتقاليد اليابانية اليت اعتربوها قيما ثابتة، ال جيوز لليابان أن تتخلى عنها ألي سبب من

وقد مت التعبري .األسباب ألهنا تعرب أصدق تعبري عن روح اليابان وأصالتها

وحرص ٢»تكتيك غربي وروح يابانية«عن هذا املنحى اجلديد عرب شعار

.املصلحون اليابانيون على تطوير القاعدة ا ملادية لليابان بالسرعة القصوى

ويف الوقت عينه، اختذوا مجيع التدابري الوقائية ملنع تأثر اليابانيني مجاعيا

لذلك ظهرت مناذج فردية من .بأفكار التغريب، وبالقيم االجتماعية الغربيةالتغريب االجتماعي والثقايف يف اليابان دون أن يسمح هلا بالتحول إىل هنج

سياسي أو ثقايف أو اجتماعي، حتت ستار احلفاظ على جتانس الشعب الياباني ورفض كل املقوالت الداعية إىل االنقسام االجتماعي أو العرقي أو

الطبقي أو الديين. ] ٢٥٥ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١ ] ٢٥٦ص– ١٩٩٩[ضاهر، .٢

٤٣٠

قلصت إصالحات" ماجيي" إىل احلد األدنى االمتيازات الطبقية، اليت -٣كانت سائدة يف اليابان على قاعدة أمناط من اإلنتاج اليت كانت سابقة للرأمسالية، دون أن تؤدي إىل إزالة الوعي بالتمايز الطبقي لدى غالبية اليابانيني ومع ذلك، سامهت اإلصالحات يف والدة جمتمع عصري على

أساس أمناط اإلنتاج الرأمسايل اجلديد، والذي تبلورت من خالله مسات متع الياباني احلديث واملعاصر حيث باتت الغلبة فيه للطبقة الوسطى، لمجا

.يف العقد األخري من القرن العشرين % ٩٠ بنسبة تزيد على

:وعرب" شارل عيساوي" بدقة عن اآلثار االجتماعية لإلصالحات بقوله

أبدت اليابان درجة عالية من التماسك ال مثيل هلا يف العامل، فالتجانس «القومي واللغوي والديين يف اليابان أكرب على األرجح مما هو يف أي دولة

والتاريخ الياباني غين بأمثلة التضحية بالنفس والتفاني يف .أخرى يف العاملأداء الواجب، ومها األمران اللذان يفرتضهما هذا التماسك بدءا باحملاربني

ويفسر .من طبقة" الساموراي" و"الكاميكازي" إىل عمال" تويوتا" و"سوني"التماسك أيضا اإلحساس بااللتزام الذي تشعر به الشركات إزاء العاملني

.١»فيها، وهو الذي ينتج عنه ما يسمى نظام التشغيل مدى احلياة

القوى الثقافية اليابانية اليت كانت على عالقة بالثقافة الغربية طوال -٤مرحلة "توكوغاوا" كانت ضعيفة للغاية، وأعجز من أن تشكل تيارا ثقافيا

يضاف إىل ذلك أن العزلة الطوعية اليت بدأت بتصفية .يدعو إىل التغريب ] ٢٨٤ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٣١

دموية آلالف اليابانيني الذين اعتنقوا الديانة املسيحية، وقتل معهم عدد كبري من املسيحيني األجانب، مل تغلق مجيع النوافذ أمام الثقافة الغربية،

وكانت اليابان شديدة احلرص على نشر التعليم بني أبنائها، وذلك قبل عقود طويلة من االحتكاك املباشر مع الدول الغربية. فقد انتشرت آالف املدارس يف كل أحناء اليابان لدرجة أن نسبة املتعلمني يف املدن اليابانية،

من الطالب يف سن ١%٨٥-٧٥الكبرية منها والصغرية، كانت ترتاوح ما بني % ٤٠الدراسة منذ أواسط القرن التاسع عشر، وتتوزع هذه النسبة لتبلغ

ومع إصالحات" .لدى اإلناث يف خمتلف املناطق اليابانية% ١٠لدى الذكور و ماجيي" اليت حرضت على تعليم الذكور واإلناث دون متييز، ارتفعت نسبة

% من عدد األطفال يف سن الدراسة، ٩٧لتصل إىل ١٩٠٧التعليم العام

.وكانت تلك اإلصالحات عامال مهما لتقليص نسبة األمية إىل احلد األدنىولعبت الدولة اليابانية الدور األساسي يف نشر التعليم على نطاق واسع، وعلى خمتلف املستويات، وبدأت املدارس واجلامعات اخلاصة يف اليابان تنتشر إىل جانب مدارس وجامعات الدولة، ويعمالن معا بإشراف مباشر

ودقيق من أجهزة الرقابة الرمسية.العلوم اليابانيني تعليم على احلرص شديدي اإلصالح زعماء كان -٥

أصالة على احلفاظ يف أيضا تشددوا لكنهم العصرية، والتكنولوجيا

الثقافية املقوالت من الكثري اقتباس يف رغبة يظهروا ومل الثقافة اليابانية ] ٢٨٥ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٣٢

وهذا ما أشار إليه "برتراند راسل" بقوله: .اليت كانت سائدة يف الغرب

كانت اليابان دولة متخلفة اقتصاديا، إال أهنا مل تكن تشعر أبدا أهنا دولة «

.١»متخلفة ثقافيااسترياد التكنولوجيا الستيعاهبا وتطويرها حمليا كان هو اهلدف، أين تؤكد املصادر التارخيية أن قادة اإلصالح يف اليابان انطلقوا من مقولة أساسية،

ترى أن بناء النهضة يف كل البالد يف ظروف القرن التاسع عشر أمر مستحيل دون البدء باسترياد التكنولوجيا الغربية كمدخل حلركة التحديث

( فاملشروع النهضوي البد أن ينطلق من استرياد التكنولوجيا الغربية لتطويرها حمليا).

االنتقادات احلادة للثقافة اليابانية يف مرحلة "توكوغاوا" على الرغم من -٦واهتامها باجلمود، ونقد احرتام الرتاتبية االجتماعية الصارمة، وتنفيذ قرارات السلطة حبذافريها دون تذمر، فإن القيادة اليابانية النظيفة

واملتنورة يف عهد "ماجيي" جعلت من الثقافة التقليدية ركيزة وطنية صلبة ملواجهة ثقافة التغريب، ومل تسمح ملقوالت الثقافة الغربية باخرتاق النسيج

املتماسك للمجتمع الياباني، فاعتمد اليابانيون الكثري من ا ملقوالت الغرب إال أهنم رفضوا اعتماد منوذج غربي واحد اإلصالحية املقتبسة من

لتطبيقه يف اليابان، وفضلوا اقتباس ما هو مفيد لليابان وطرح ما يقود إىل التغريب، أو إلرباك التماسك االجتماعي املوروث. نتيجة لذلك، استطاعت

] ٢٨٧ص– ١٩٩٩[ضاهر، .١

٤٣٣

اليابان االنتقال من مرحلة نقل التكنولوجيا والعلوم الغربية إىل مرحلة

فانتقل اليابانيون من دائرة .تطويرها واملشاركة يف تصنيعها عامليا

.االقتباس والتقليد إىل مرحلة اإلبداع والتجديد الفرع الثاني: أسباب جناح التجربة اليابانية: (أسرار املعجزة اليابانية):

ال ميكن حصر العوامل اليت سامهة يف جناح التجربة اليابانية، فهي عوامل تراكمت مع مرور الوقت وتعددت حسب املراحل اليت مرت هبا اليابان، كل مرة تصادف فيها مشاكل أو تتنبأ حبدوث أزمة كانت ختلق األسباب اليت

تساهم يف اجتيازها لالزمات وتعيدها إىل طريقها، طريق التنمية املستدامة. وما سنذكره يعد من أهم األسباب اليت تطرق هلا اخلرباء ويرون

أهنا سر جناح التجربة اليابانية. تقديس العمل وتضخيم اإلنتاج: .١

لعب العامل اإلنساني دورا بارزا يف جناح التجربة اليابانية، فالعامل الياباني بعالقاته األسرية املتماسكة وعالقاته مع زمالئه ومدرائه يف الشركة أو املؤسسة اليت يعمل فيها، وكذلك روح التنافس الشريف مع املؤسسات اليابانية األخرى أو مع املؤسسات األجنبية العاملة يف اليابان، إن هذه

امليزات اإلنسانية ال ميكننا فهمها من دون ربطها باألبعاد الثالثة االقتصادي االجتماعي الثقافية اليت تشكل بتفاعلها األساس املوضوعي

الذي نبتت عليه ومتيزت به جتربة التحديث اليابانية املعاصرة، والياباني يقدس نظام العمل إىل درجة غريبة. إذ أن املقاهي وأماكن اللهو األخرى

تكاد تكون خالية أثناء ساعات العمل، ومتتلئ بعد االنتهاء من العمل، وميكن

٤٣٤

اإلشارة إىل أن املعدل السنوي لساعات العمل باليابان بلغ أعلى نسبة له يف العامل كله، هذا بالنسبة لتقديس العمل أما بالنسبة لتضخيم اإلنتاج

فيمكننا القول بأن نظام العمل هناك له دور إجيابي هام يف جمال تضخيم

:١اإلنتاج، ومن مساته اإلجيابية :) اعتماد مبدأ الكفاءة١

يتم اعتماد هذا املبدأ بشكل دقيق حبيث أن الياباني ال يشعر بوجود حواجز ما تقف أمامه أو تعرقل جهده الفعال للوصول إىل الغاية املرجوة، وبالتايل

هناك تشجيع مستمر لعمله.

:) االفتخار باالنتساب إىل الشركة أو املؤسسة٢

وهذه مسة هامة يف نظام العمل الياباني إذ يتحول العامل أو املوظف إىل جزء ال يتجزأ من الشركة أو املؤسسة اليت يعمل هبا، ويبقى العامل مستقرا

يف شركته طاملا بقي على قيد احلياة، حيث الرتبة والراتب ال يفارقانه طيلة عمله بالشركة، وال يوجد نظام النقل، أي نقله من مؤسسة إىل أخرى كما

هو احلال يف معظم البلدان النامية.

:) التوازن بني املصلحة اخلاصة ومصلحة اجلماعة٣

يقوم نظام العمل الياباني بالدرجة األوىل على املصلحة العامة مع عدم اإلضرار باملصلحة الفردية اخلاصة أي أن مصلحة الشركة هي احملددة

لنظام العمل. وال توجد أضرار ملصلحة الفرد ما عدا عدم االستقرار للنساء العامالت إذ يتم قذفهن إىل اخلارج وال يشعرن باالستقرار عند زواجهن

] ٢٠٠٢سلمان محمود،[ .١

٤٣٥

وإجناهبن لألطفال، وعدا عن هذا فالشركة تؤمن قسطا كبريا من حاجيات ومتطلبات العاملني لديها، وتعترب الشركة بالنسبة للعامل مصدر فخر

واعتزاز باالنتماء إليها. اجلماعية يف اختاذ القرار: .٢

يتميز اليابانيون بالروح اجلماعية والعمل كفريق متكامل وهذه مسة من مسات شخصيتهم الوطنية، واجملتمع الياباني استطاع أن (يتغلب على

الطبيعة الشاقة اليت تواجد فيها بفضل صياغة منطه املتفرد من الوحدة التكوينية حبيث أصبحت األمة يف عصرها احلديث مؤسسة ووحدة تكوينية فيها ال تتحرك إال بعد أن ينصهر القرار أو االجتاه يف بوتقة اإلمجاع أو على

األقل املوافقة الضمنية االجتماعية، ومن هنا استطاعت اليابان أن تتفتح تستوعبها ثم تعيد -منذ عصر "مياجي" -على كل معطيات العامل احلديث

صياغتها بشكل يناسب تراثها الفريد يف التعبئة الوطنية الشاملة. اإلدارة اليابانية: .٣

من أبرز عوامل النهضة اليابانية بعد اهنيار االقتصاد الياباني عقب هزمية اليابان يف احلرب العاملية الثانية ما عرف "باإلدارة اليابانية" مبعنى تطبيق

مبادئ إدارية حديثة من بينها "إدارة اجلودة الكاملة"، والعمل ضمن فريق عمل "روح الفريق"، وإتقان العمل اإلداري وحتويله إىل قيمة اجتماعية

مرتبطة بالثقافة اليابانية، واالبتكار والتطوير، إىل غري ذلك من املبادئ

.واملفاهيم اإلدارية الفعالة

وإذا ما علمنا أن اليابان ال متتلك أي موارد طبيعية، وتقع يف موقع جغرايف

٤٣٦

ناء، أدركنا أن العنصر البشري هو عماد وركيزة التنمية والنهضة اليابانية، والذي ركزت عليه برامج التنمية االقتصادية اليابانية. نشري أيضا أن اإلدارة

تعترب أحد مفاتيح االقتصاد الياباني، هذه اإلدارة اليت تتداخل عوامل جناحها بني التعليم املمتاز والنسيج االجتماعي التارخيي الذي يربط

اليابانيني بالعمل والوالء للمؤسسة وعطف اإلدارة وتفهمها ملطالب وحاجات العاملني لديها. أما عن خصوصية اإلدارة اليابانية فإنه البد من اإلشارة إىل

أن التنمية والنهضة «ما توصل إليه د. "سعد بن عبد اهلل السبيت" أين قال: اليابانية بعد احلرب العاملية الثانية حتققت بعد جهود عظيمة ومتواصلة بذهلا اليابانيون، ومن العوامل اليت ساعدت اليابانيني على ذلك االستعانة

مببادئ ونظريات إدارية حديثة آنذاك، وتطويعها وصياغتها مبا يتناسب مع وضع وإمكانيات واحتياجات اليابان بلدا وشعبا واقتصادا، ولعل من أبرز

ذلك: اإلتقان واالنضباط يف العمل وإدماج ذلك يف الثقافة اليابانية، والعمل روح الفريق" و"إدارة اجلودة الكاملة" واليت بدأت أصال يف "على أساس

الواليات املتحدة األمريكية وقام اليابانيون بتطويع وإعادة صياغة هذه املفاهيم اإلدارية وبشكل يتفق ويتماشى مع وضع االقتصاد الياباني

.١»والقضايا اإلدارية اليت كانت اليابان تواجهها آنذاكو منه خنلص إىل أن اإلدارة اليابانية (على مستوى املؤسسة) تتميز

بالعقالنية والعملية ويتجلى ذلك مبا يلي:

.االعتماد على الكفاءة واملستوى العلمي وليس التوارث أو احملسوبية

] ٢٠٠٦[السبتي، .١

٤٣٧

االعتماد على األقدمية والسن للتدرج يف السلم الوظيفي إىل هناية اخلدمة.

التعاون الوثيق والعالقة احلميمة بني العمال واملدراء على كافة املستويات، وتبين مبدأ القرار اجلماعي.

التعاون الوثيق بني نقابات العمال ورجال األعمال وبينهم وبني إداراتالدولة والتصرف العقالني على أساس أن األفضلية املطلقة جيب أن

تعطى ملصلحة اليابان العليا ودورها على املستوى الدويل.

االعتماد على مبدأ العامل الشريك يف العمل وإشعاره باالستقرار العامطيلة حياته املهنية حبيث يتحول إىل جزء ال يتجزأ من الشركة أو

. املؤسسة اليت يعمل هبا كما مر معنا آنفا

حل املشاكل العالقة عن طريق التحكيم واملساومة ورفض اللجوء إىلاإلضرابات وتعطيل اإلنتاج وبالرغم من سلبيات هذا املبدأ على مستوى

العامل املعيشي إال أن نتائج هامة حتققت على هذا املبدأ يف جمال تضخيم اإلنتاج الياباني وجتميل صورة اليابان كواحدة من أكثر البلدان استقرارا داخليا، وإفادة ألصحاب رؤوس األموال الضخمة اليت تبحث

عن االستقرار يف عامل شديد االضطراب، ويف هذا اجملال ميكن اإلشارة إىل أن وزارة التجارة اخلارجية والصناعة اليابانية تقوم بتمويل املشاريع

الداخلية واخلارجية وتساهم يف إقامة التوازن بني الشركات اليابانية وبني القطاع العام واخلاص، ويف متويل املشاريع ذات األبعاد املستقبلية،

وترفض املشاريع ذات اإلنتاجية املتدنية، وتعطي األولوية للسلع ذات

٤٣٨

اإلنتاج التنافسي على املستوى العاملي خاصة يف جمال اإللكرتونيات والكمبيوتر..

التعليم: .٤أصبحت مناهج الرتبية والتعليم اليابانية اليوم من املناهج العاملية اليت

تنظر إليها وحتاول تقليدها األمم األخرى، ويؤخذ على نظام التعليم الياباني عدم إعداد الطالب نظريا بشكل كاف، واالكتفاء باإلعداد املهين

والعملي السريع، ويف املنزل تساعد األم على هتيئة طفلها للتعلم، كما يدفع األب الكثري من دخله لضمان تعليم مناسب ألطفاله، ويعصب قسم كبري من الطالب رؤوسهم بلفة من القماش يف أثناء املذاكرة لالمتحان كدليل ومؤشر على التصميم متذكرين بذلك تصميم أجدادهم" الساموراي" يف احلرب من

أجل االنتصار. اإلعالم: .٥

تعترب شبكة اإلعالم اليابانية شبكة هائلة وتشمل املطبوعات والصحف اليومية اليت توزع باملاليني وضمن إقليمية وحمطات تلفزة قومية وجتارية، اليابانيون يقومون بدفع اشرتاكاهتم للتلفاز الياباني على غرار الربيطانيني

من املواطنني بانتظام دون مطالبة من %٩٠ولكن بطريقة تطوعية ونسبتهم اجلهات اليابانية املسؤولة.

االستفادة من الظروف الدولية: .٦وباإلضافة إىل ما مت ذكره فيما سبق ميكن أن نذكر يف هذا الصدد قدرة

اليابان على االستفادة من احلظر املفروض عليها من قبل التحالف بعد

٤٣٩

احلرب ونزع سالح وترويض الروح العسكرية اليابانية اليت كانت حتى ذلك الوقت مسة من مسات الشخصية اليابانية، ورب ضارة نافعة كما يقولون فقد متكنت اليابان من خالل تلك السياسة من توفري الطاقة اليت مكنتها من التوجه لإلنتاج االقتصادي من أجل السالم واالعتماد على األمريكان

حلفظ السالم يف جنوب شرق آسيا، أي باختصار استفادت اليابان من أجواء وظروف احلروب الباردة باالنصراف للعمليات االقتصادية، ووفرت

لنفسها قدرة اقتصادية وتكنولوجية هائلة ظهرت جتلياهتا بعد انتهاء احلرب الباردة بني االحتاد السوفياتي السابق والواليات املتحدة األمريكية،

ودخلت اليابان النظام العاملي اجلديد كقطب عاملي مرشح لتتبوأ موقعا . متقدما قد يصل إىل درجة الزعامة القطبية األوىل مستقبال

الثقافة اليابانية: .٧

أن احلالة اليابانية متثل منوذجا كالسيكيا «يقول املؤرخ "أرنولد توينيب": لذلك الصراع النمطي بني معاملي احلداثة والتقليد يف جمتمع تارخيي ما،

أو ما ميكن أن نطلق عليه بصورة أخرى إشكالية تثاقفية لتمثيالت هذا الصراع. فثورة "املاجيي ايشني" ال تعكس فرتة معينة من التاريخ الياباني

فقط استطاعت جمموعة من الظروف املوضوعية والتارخيية أن تعيد السلطة اإلمرباطورية باملعنى السياسي احملدود للمفهوم، بقدر ما ميكن القول أهنا استطاعت أن حتدث قدرا (ديناميكيا) من التغريات الثقافية التحديثية التقدمية السابقة للفعل السياسي (الثوري املتمثل يف إعادة

اهليكل السلطوي اإلمرباطوري )، ومضمون هذه السلطة نفسها سيستخدم،

٤٤٠

بوعي تارخيي، إلحداث التحوالت، فتغري األمناط النفسية واالجتماعية للشعب الياباني الراضخ حينها للسلطة اإلقطاعية اليت تفتقد احلس

. ١»القومي، سيصبح أهدافا ثوريةصنع "املاجيي ايشني " ثورة ثقافية (باملعنى الشمويل للمصلح الثقايف)،

ومشولية الثورة واملصطلح تتضح من خالل بعدين تارخييني طبعا مسرية هذه التحوالت اليت تعاملت مع:

:البعد التارخيي للمجتمع الياباني -١وذلك من خالل جناحها يف إدارة احلوار التثاقفي بني مكونات وعناصر هذا

اجملتمع التارخيية ( التقليدية)، وبني املتطلبات التحديثية اليت تقتضيها ضرورات التفعيل املوضوعي لشرائط النهضة السياسية واالقتصادية، ومن

خالل اإلجابة الكربى اليت قدمها هذا احلوار للعالقة ما بني األصول التارخيية واحلضارية لليابان، واملستجدات الوافدة للمنتوج احلضاري

الغربي مبستوييه املفاهيمي والتقين. :الوحدة العضوية للمجتمع الياباني -٢

فالفعل الثوري يأتي هذه املرة مبفاهيم مشولية، ال تتعامل فقط مع عناصر (البنية الفوقية)، بل يطال اخلطاب كل الروافد اجملتمعية، يف اجتاه تقديم مشروع متكامل يساهم يف تشكيل الذهنية النفسية والعقلية بنفس القدر

الذي يسوق فيه السلوك الفردي واجلماعي، ويصنع األمناط السياسية واالجتماعية للمشروعية اإلمرباطورية للحقبة "املاجيوية".

] ٢٠٠٤[زياد صالح، .١

٤٤١

عاما من عزلة اختيارية متعمدة يف عصر اإلقطاع شهدنا مع ٢١٥فبعد اليابان جتربة استثنائية يف التاريخ البشرى، بتفجري الطاقة اإلبداعية

املنفتحة واملتجاوزة يف ذات السياق لكل ما جيرى يف العامل من جتارب. ذلك م بالتحديد وخالل أقل من عقدين من الزمان، استطاع ١٨٦٨أنه يف العام

مصلحو "امليجي" أن يتجاوزوا قرونا من املسلمات وأن حيلوا مكاهنا أفكارا

إن العربة يف ذلك التاريخ تبقى سقوط املسلمة اليت «وتصورات جديدة. تفرتض أن التنمية هي حصيلة طبيعية لتطبيق التجربة الغربية يف التحديث

والتنمية، فالفعل االجتماعي التنموي هو من صميم التجربة التارخيية للشعوب، وسبيلها الصحيح لذلك يبدأ من استنباط األمناط املعيارية

املناسبة لكل خصوصية جمتمعة من جهة، وبالتخلي عن أسلوب التجريد الوصفي والتعميم (اإليديولوجي) الذي ينطلق من مركزية ثقافية، لتشييد

منظومات "توليتارية" متجاوزة باسم (املعرفية الكاذبة) لشرائط الكسب

. ١»اإلنساني التارخييلقد مت إذن التعبري عن كل ذلك جمتمعيا يف شكل االيدولوجيا السياسية

املاجييي"، اليت حطموا هبا أسس النظام اإلقطاعي (القديم) "ملصلحي وحافظوا هبا على التوازن الوظيفي والشكلي للنظام اإلمرباطوري (اجلديد) بإكسابه مشروعية جديدة إلدارة الصراع االجتماعي. والذي سيتم توجيهه

بإعادة تشكيل الشخصية اليابانية (خلق إنسان ياباني جديد) وربطها بعملية بناء دولة موحدة تشدد على اكتساب املعرفة بالتقنيات والنظم

ج] ٢٠٠٧[وكيبيديا، .١

٤٤٢

واملؤسسات االجتماعية املرتبطة باحلركية االقتصادية والثقافية، بعقالنية نشطة مستلهمة البناء القيمي واألخالقي، ورافضة اعتبار أن التحديث يقف

عند حدود بناء جمتمع عصري (صناعي) على أنقاض جمتمع آسيوي تقليدي منغلق، من دون اعتبار أن املهمة املاثلة هي بالدرجة األوىل ثقافية

تركز على كيفية اعتماد خيارات مستقلة، النتقاء أفضل النماذج ليابان حديثة من جمموع ما يعرضه الغرب املتقدم، وماهية ما جيب االحتفاظ به

وما جيب االستغناء عنه من تقاليد اليابان، ذلك أن اجملتمع التقليدي ال يعرف كمونا إال على املستوى القريب. أما على املستوى البعيد فإن هذا

الكمون السطحي ميكن قراءته مبنهجية ال تعتمد ( أحادية منوذج التغيري ). فاحلقبة "املاجيوية" هي امتداد تغيريي مستمر على الصعيد التارخيي و

هذه التجربة: جند أن ملالثقايف. وكخالص لكل ما مت تقدمه يف رصد معا جل احملللني االقتصاديني يرجعون سبب جناح اليابان

يف السنوات األخرية العتمادها على شراكة قوية بني الدولة واملؤسسات، وعلى آداب وأخالقيات متينة أثناء العمل، والتحكم يف التكنولوجيا احلديثة،

من الناتج احمللي اإلمجايل)، ومنه %١وخفض اإلنفاق العسكري للبالد (متكنت اليابان من حتقيق طفرة اقتصادية سريعة حتى أصبح ثاني

األمريكية. الواليات املتحدةاالقتصاديات يف العامل بعد

نشري يف األخري أننا اقتصرنا يف ذكرنا هلذه التجربة "التجربة اليابانية" على تبيان دور الثقافة اليابانية يف بناء احلضارة اليابانية، وإىل أننا أمهلنا باقي

العناصر لتسليط الضوء أكثر على العامل الثقايف (العالقة موضوع

٤٤٣

الدراسة)، فليس من املمكن أن نعتقد أن قيام احلضارة اليابانية كله اقتصر على حتقيق التوازن والتكامل يف العالقة فقط، برغم أهنا كانت إحدى

العوامل األساسية يف جناح التجربة، إال أن ما ميز التجربة اليابانية أهنم مل قرروا اإلصالح كان ذلك بكل معنى الكلمة ويف مجيع امليادين، فلم يهملوا أي عنصر سواء من اجلانب االقتصادي، االجتماعي (مبا فيه الثقايف) والبيئي،

فهي عوامل اجتمعت على بناء معجزة هي "املعجزة اليابانية".

٤٤٤

خالصة الفصلبنفس األسلوب الذي اعتمدناه يف هذا الفصل حناول صياغة اخلالصة حبيث حناول يف البداية استنتاج طبيعة العالقة بني النظام االقتصادي

والثقافة االجتماعية، من خالل ما مت تقدميه يف هذا الفصل من حتاليل وأراء ملنظري كل من علم االجتماع الثقايف وعلم االقتصاد و ذلك كما يلي:

جدول يوضح العالقة بني أهم عناصر النظام االقتصادي و أهم عناصر )٩جدول رقم ( الثقافة االجتماعية: *: شدة االرتباط

تربير اجلدول:يوضح اجلدول شدة ترابط كل عنصر من عناصر النظام االقتصادي مع مثيله من الثقافة االجتماعية، ونشري أن شدة االرتباط جاءت كتقديرات

شخصية مستنتجة من دراسة هذا الفصل وليست هي بالضرورة صحيحة، فاملراد هو تقديم فكرة عن طريقة االرتباط بني عناصر املتغريين ال قياس

شدة االرتباط. أين الحظنا من خالل ما جاء يف الفصل أن أغلب اآلراء اليت جاءت فيما خيص عالقة النظام االقتصادي بالثقافة االجتماعية جاءت

بشكل تربط فيه عناصر من املتغري األول باملتغري الثاني أو العكس، أي جند مثال دور الدين يف بناء األنظمة االقتصادية، أو أثر التكنولوجيا على الثقافة

االجتماعية. ومنه فهي قليلة اآلراء أو الدراسات اليت تربط النظام االقتصادي بالثقافة االجتماعية بطريقة مباشرة وهي الفكرة املمثلة يف

اجلدول، فمثال ميكن أخذ العناصر املعرفية من جهة الثقافة االجتماعية

٤٤٥

فنالحظ أهنا إذا دجمت مع عنصر حقوق امللكية من جهة النظام االقتصادي، فهي تعطينا ما يسمى ب "اقتصاد املعرفة"؛ يف نفس الوقت

ميكن ربط االقتصاد بالثقافة فيعطينا ما يعرف ب"اقتصاد الثقافة " وهي أمثلة تناولناها يف هذا الفصل و هو االجتاه األول.

ثم يأتي االجتاه الثاني أين ارتباط عناصر من النظام االقتصادي ببعض العناصر من الثقافة االجتماعية أو العكس بطريقة معينة من املمكن أن

تكون له أثار معينة على اجملتمع بصفة عامة أو التنمية واليت هي هدف كل جمتمع، فكما جاء يف هذا الفصل أن معضم أراء املفكرين بصفة خاصة

والدول بصفة عامة أكدت ضرورة املوافقة أو املوازنة بني منظومة االقتصاد ومنظومة الثقافة االجتماعية للخروج بنتائج مرغوبة من طرف اجملتمع

(التنمية الشاملة ). فالحظنا أن أغلب اآلراء جاءت تؤكد أنه إذا أراد جمتمع

عناصر النظام االقتصادي (حسب بول جرجيوري و

روبرت ستورت)

عناصر الثقافة االجتماعية (حسب هاري جونسن)

)تنظيم ترتيبات ١ القرار:

(مركزية أو غري مركزية)

)آليات توفري ٢املعلومات و

التنسيق: (السوق، اخلطة)

)حقوق امللكية:٣ (حتكم و دخل،

عامة و خاصة)

)آليات لوضع ٤األهداف و

لتحفيز األفراد على العمل:(مادية، ال

مادية) العناصر املعرفية

(العلم)

* * * * *

* * * * *

* * *

* * املعتقدات (الدين)

* * * *

* *

* * * *

* * * * *

القيم و املعايري (ألخالق)

*

*

* *

* * * *

٤٤٦

ما النهوض بعجلة التنمية أو تغيري الوضع الراكد له فإنه جيب أن يستهدف يف إصالحاته املنظومة االقتصادية على أساس أهنا حمور التنمية املادية،

ويف نفس الوقت حيرص على أن تتوافق هذه اإلصالحات مع منظومة الثقافة االجتماعية اليت ميلكها (عملية التغيري االجتماعي والثقايف) على

أساس أهنا حمور التنمية الروحية، وبذلك حياول أن خيلق تكامل بني املنظومتني يف مسرية إصالحات واحدة يكون هدفها التنمية الشاملة وهي

العملية اليت جسدهتا التجربة اليابانية.يف ختام هذا الفصل نظن أنه متت اإلجابة على كل التساؤالت املطروحة يف مقدمة البحث، يف نفس الوقت نشري إىل أنه مل نشأ إدراج جل االستنتاجات

املتوصل إليها لتكون ضمن اخلامتة العامة للبحث.

٤٤٧

اخلامتة أوال: اخلالصة العامة:

يف مقدمة البحث طرحنا الكثري من التساؤالت، أثناء عرضنا ألهم معامل البحث أجبنا على مجلة منها، إال أننا تركنا األهم إىل ختام البحث.

ولإلجابة على باقي األسئلة سنتدرج يف ذلك، لكن هذه املرة باإلجابة عن التساؤل الرئيسي لننزل بعد ذلك إىل التساؤالت الفرعية؛ مع حماولة

الرجوع جلملة الفروض املتبقية من الطرح. كانت طبيعة العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية دائما

متداخلة ومرتابطة، وكان هلا أثرها االقتصادي والثقايف اخلاص على اجملتمع.

فارتباط النظام االقتصادي بالثقافة االجتماعية هو ارتباط منشأ، فالتاريخ أثبت أن جل األنظمة االقتصادية (الفصل األول وجزء من الفصل الثالث)

كان وليد الثقافة االجتماعية اليت متيز هبا جمتمع خاص، من خالل األفكار املتداولة يف تلك املرحلة أو النزعات العامة للمجتمع حنو اإلصالح أو

باألحرى عدم الرضا عن النظام املتداول آنذاك.فال غرابة أن وجدنا أن النظام االقتصادي الرأمسايل له جذور دينية

سامهت يف نشأته (رؤية ماكس فيرب) وظروف اجتماعية أبرزته وجعلت من ظهوره ضرورة إلزامية يف اجملتمع الذي نشاء فيه (حماولة التخلص من

النظام اإلقطاعي). ثم بالعودة إىل النظام االقتصادي االشرتاكي الذي كان حيمل يف طياته أفكار

٤٤٨

أفكار فلسفية مادية، فهو على عكس نظريه السابق فهو جاء كمحاولة للتحرر من الفكر الديين وهذا يف حده ينم عن فكر مغاير يندرج هو األخر يف ثقافة اجتماعية خاصة، فالكل يعلم وإن مل يتم اإلشارة إليه بوضوح يف

البحث إىل الوضع االجتماعي الذي كان يعيشه اإلحتاد السوفييت يف مرحلة ) من تدهور لألوضاع ١٩١٧نشؤ االشرتاكية (قبل الثورة البلشفية

االقتصادية باإلضافة إىل الطبقية وانتشار العديد من اآلفات االجتماعية؛ ناهيك عن حماولة الروس بعد ذلك بصفة خاصة وأوربا الشرقية بصفة

عامة اخلروج بنظام ال نقول اقتصادي فحسب بل اجتماعي وثقايف، جيعل منها الند للتيار الغربي الذي زحف على أوربا الغربية وبدا يتقدم حنو أوربا

الشرقية.ال ننسى ذكر النظام االقتصادي اإلسالمي، الذي جتسدت فيه العالقة

املتوازنة، فحسب رأينا مل تتوازن العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية يف جمتمع ما كما توازنت بني النظام االقتصادي اإلسالمي والثقافة اإلسالمية يف اجملتمع اإلسالمية أيام احلضارة اإلسالمية، وال

نكون ساذجني إذا قلنا أن التسمية عربت عن التداخل والتكامل بني املتغريين، فبكل بساطة نشأت الثقافة اإلسالمية مع ظهور الدين اإلسالمي، ومع عموم األخالق اإلسالمية اجملتمع بدأت تعاليم الدين اإلسالمي حتكم

العالقات االجتماعية مبا فيها املعامالت التجارية واالقتصادية داخل البالد اإلسالمية بني أفراد اجملتمع ومع ما جياورها من البلدان (التجارة

اخلارجية)، فأطرها اإلسالم حتت لواء النظام االقتصادي اإلسالمي.

٤٤٩

هذا من جهة ومن اجلهة املقابلة لعبت األنظمة االقتصادية دورا فعاال وظاهرا يف بناء العديد من الثقافات (الثقافة املالية عند أهل الرأمسالية،

الثقافة التكافلية عند أهل االقتصاد اإلسالمي...)، ناهيك عن تداخل العناصر االقتصادية اليت أفضت الكثري من الثقافات يف اجملتمع (ميكن

تسميتها بالثقافات االقتصادية)، وكمثال على ذلك نعود إىل املنافسة كأهم معامل النظام االقتصادي الرأمسايل وكيف غريت اجملتمعات عن طريق

حتفيز أفراد اجملتمع على االبتكار واإلبداع وبذلك نشر ثقافات جديدة يف اجملتمع (االنرتنت، واهلاتف النقال، كأهم األمثلة ...).

حلد اآلن تناولنا ملخص اإلطار التارخيي جململ العالقة الفكرية بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية؛ لنرى بعد ذلك ملخص اآلراء حول هذه

العالقة.ال نعيد ذكر مواقف العلماء من العالقة واملذكورة سابق، بل حناول استنتاج

ملخص تلك اآلراء؛ أمجع أغلب العلماء (ما مت عرضه يف الفصل الثالث) على أنه توجد عالقة وثيقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية خاصة ملتتبعي نتائج هذه العالقة يف مجيع املستويات؛ ورمبا كانت هذه

اآلراء أكثر صراحة عند العلماء الذين درسوا مسالة نشوء احلضارات قيمها وتطورها وفناءها (على غرار "بن خلدون "الذي كانت له أراء صرحية).

اجتمعت جل أراء العلماء (على األقل اليت تطرقنا إليها)، على ضرورة املوازنة يف العالقة موضوع الدراسة، خاصة منهم دعاة التنمية املستدامة،

فريى أصحاب هذا االجتاه على انه لتحقيق التنمية املستدامة يف جمتمع ما

٤٥٠

جيب املوازنة بني العوامل االقتصادية والثقافية. فالنظام االقتصاد هو املؤطر املادي للتنمية والثقافة االجتماعية هي املغذي الروحي هلا إن صح

التعبري، وأكدت التجربة (التجربة اليابانية ) أن توافق هذين املتغريين وتكاملهما يقود إىل نتائج محيدة سواء على املستوى االقتصادي أو على

املستوى الثقايف، ويف اجلمع: املستوى االجتماعي. بقراءة أخرى لفحو العالقة وأمهيتها جند أن أمهية العالقة تنبع من خالل رغبة األمم يف بقاءها، فكلما كانت العالقة متكاملة ومتجانسة يف جمتمع

قادته إىل التطور واالستمرارية وخري دليل على ذلك يبقى "التجربة اليابانية".

وهي النتيجة العامة املتحصل عليها، أما تفصيل النتائج اجلزئية فهي فيما يلي؛

ثانيا: النتائج:إن نشوء وتطور األنظمة االقتصادية لطاملا ارتبط بالثقافة االجتماعية .١

اليت هي بدورها ناشئة عن ظروف اجتماعية كثرية ومتداخلة (تدخل ضمنها عوامل اقتصادية).

إن تعاقب األنظمة، سواء كان باندثار القدمية وظهور أخرى جديدة، أو .٢تطور األنظمة يف حد ذاته، نتاج ثقافات جديدة أتت كرتاكم لظروف اجتماعية معينة (زوال النظام اإلقطاعي لصاحل النظام الرأمسايل).

هناك أثر واضح للثقافة االجتماعية على النظام االقتصادي (حتديد .٣ حقوق امللكية، آليات اختاذ القرار والتحفيز...).

٤٥١

خلقت الثقافة االجتماعية أغلب أمناط اإلنتاج اليت عرفها اإلنسان .٤ وطورهتا وذلك من خالل التقاء احلضارات وتطور الثقافة يف حد ذاهتا.

لعب النظام االقتصادي دور فعال يف خلق ثقافات اجتماعية متعددة .٥(فثقافة اجملتمع الرأمسايل، بالتأكيد ليست كثقافة اجملتمع االشرتاكي

وثقافة النظامني السابقني ليست كثقافة اجملتمع اإلسالمي...).خلق النظام االقتصادي ثقافات متعددة داخل اجملتمع الواحد (الثقافة .٦

املالية، الثقافة االستهالكية...).يرتبط النظام االقتصادي بالثقافة االجتماعية والعكس صحيح، فالنظام .٧

االقتصادي يرتبط بالثقافة االجتماعية عند املنشأ، ثم يصب تعاليمه يف اجملتمع مفرزا بذلك ثقافة اجتماعية جديدة.

ختتلف األنظمة االقتصادية باختالف اجملتمعات والثقافات، فهي عملية .٨تفاعل تنشأ بتداخل عناصر اقتصادية وأخرى ثقافية منشئة قالب

اجتماعي مييز اجملتمعات بعضها عن بعض.تناسب وتكامل العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية، .٩

يساعد على التنمية املستدامة، ويساعد اجملتمع على التقدم والتحضر (التجربة اليابانية).

إلغاء العالقة أو عدم مراعاهتا يف بناء معامل اجملتمع يعجل باهنياره أو .١٠على األقل يعيق تقدمه (أراء العلماء يف الفصل الثالث وعلى رأسهم

"مالك بن نيب" و "بن خلدون ").

٤٥٢

إن بناء حضارة يف جمتمع ما، يتطلب وجود نظام اقتصادي متكامل .١١تدعمه ثقافة اجتماعية مثلى، يف عالقة متناسبة ومتجانسة تنم عن تكامل بني هذين املتغريين ومتغريات أخرى ختتلف أمهيتها لكنها كلها

تصب باجتاه واحد وهو وجوب حتقيق التنمية املستدامة. ثالثا: التوصيات:

اخرتنا أن خناطب يف توصياتنا مجلة البلدان اليت تعيش مرحلة انتقالية بصفة خاصة والدول النامية بصفة عامة، وذلك مبنهج استشرايف لذلك

نقسم هذه التوصيات إىل مسارين:: املسار األول: بناء نظام اقتصادي جديد

يف هذا املسار على الدول اليت تعيش مرحلة انتقالية وتعاني من مشكلة تردي العالقة بني النظام االقتصادي الذي تطبقه والثقافة االجتماعية، ويف

نفس الوقت تعاني من عدم كفاءة أنظمتها االقتصادية، فإنه يتوجب عليها أن تسعى إىل بناء نظام اقتصادي خاص هبا، يتوافق وثقافتها االجتماعية

هناك فيض «وهو األمر الذي يؤكده الدكتور "عبد اهلل ساقور" حيث يقول: الكتابات حول ضرورة "تغيري النموذج االقتصادي" وما يتضمنه من من

مسلمات ومفاهيم وشبكة للعالقات واألجهزة واألدوات ولكن منذ البدء

" Conversion" والتحويل "Changeجيب التفريق بني مصطلحي التغيري "فالتغري الثقايف مثلما حتدثه العوملة خيضع إلرادهتا. أي أنه نتيجة لتيارات

وعوامل سياسية واقتصادية يتداخل بعضها ببعض، وهو ما تعيشه وختتربه

" ويف Cumulativeخمتلف اجملتمعات ويغدو فيها التغيري أيضا تراكميا "

٤٥٣

ويف نظرهتا إىل العامل والوجود، ويف قيمتها وأساليب التفكري لديها وخمتلف

.١»السلوك لدى مواطنيهالكن هذا ال يعين أهنا ختلق نظام من العدم، فالبد من أن تستفيد من

جتارب الدول املتقدمة يف بناء هذا النظام على أساس أهنا تريد اللحاق هبا؛ ومن خالل سعي الدول لبناء أنظمتها فإهنا جيب أن تراعي ثقافتها

املغروسة يف اجملتمع، حبيث ترسخ العناصر الثابتة واليت ترى فيها أهنا تساعدها على التنمية وتتخلص من العناصر اليت ترى فيها عائق ملسريهتا التنموية؛ أي جيب استغالل العناصر الثقافية اجليدة يف

اجملتمع خلدمة االقتصاد (مثال ذلك: األخالق يف املؤسسة تساعد على استمراريتها).

،دمج عناصر االقتصاد املهمة يف الثقافة االجتماعية، لتصبح جزء منهاوبذلك تسرع عملية اندماج املتغريين موضوع الدراسة (مثال ذلك: ثقافة

اإلنتاج بدل االستهالك). تركيب ومزج أهم عناصر النظام االقتصادي مع مثيالهتا الثقافية حبيث

يكون الناتج نظام اقتصادي متماسك يتغلغل يف النظام االجتماعي ال يتضارب معه وال مع الثقافة اليت تصبغه، بل يسريان يف مسار واحد

مرغوب. الرتكيز على العناصر الثقافية اليت حتفز اجملتمع على التنمية، وتدمج

اجملتمع مع النظام االقتصادي، إلعطائها أكثر فعالية. ] ٥٩ص – ٢٠٠١[ساقور، .١

٤٥٤

املسار الثاني: أن حتور يف نظام ختتاره: ننطلق من مسلمة أن اجملتمع قد اختار نظام اقتصادي معني وسار فيه

ويرى أنه األنسب له لكنه يالحظ أنه ال يتناسب مع بعض عناصر الثقافة لديه، وليس يف إمكانه العودة لنقطة البداية وبناء نظام اقتصادي

جديد، وهو االجتاه األغلب؛ فاجملتمع الذي يعاني من هذا اإلشكال (وجود فجوة بني نظامه

االقتصادي وثقافته االجتماعية) هو ملزم بتقليص الفجوات بني نظامه االقتصادي وثقافته االجتماعية، وهذا على أساس أنه ليس للمجتمع يف

هذه احلالة سوى خيارين ال غري، التغيري يف النظام االقتصادي أو الثقافة االجتماعية؛

هكذا ميكن أن يبدأ اجملتمع بالتخلص من عناصر النظام االقتصادياليت يرى أهنا متخالفة وعناصر من الثقافة االجتماعية وأن هذه األخرية ال ميكن املساس هبا (الدين اإلسالمي يف اجملتمعات اإلسالمية )، ويرى

أن هذا التخالف من شأنه أن يعيق مسار التنمية، ونعطي مثال على ذلك الدول اإلسالمية اليت تبنت الرأمسالية املبنية على البنوك الربوية وما يشكله الربا من حساسية لدى اجملتمع اإلسالمي (إشارة مالك بن نيب

يف الفصل الثالث)؛ ثم حيصن اجملتمع نفسه من الغزو الثقايف الذي يفرضه النظام

االقتصادي املستورد، فال ميكن أن يستورد جمتمع نظام اقتصادي دون أن تأتي معه بعض العناصر الثقافية الدخيلة على اجملتمع (أهم املواد

٤٥٥

االستهالكية يف البلد الصناعي ختتلف عنها يف البلد الزراعي). وهبذا يكون التغيري قد مس املتغريين، فقد يتخلص اجملتمع من العناصر

الثقافية الغري ثابتة واليت ميكن أن يتخلى عنها دون املساس هبويته، ثم يسمح بدخول العناصر الثقافية اجلديدة واليت يرى فيها أهنا تساعد

على التنمية دون املساس بالثوابت. يف نفس الوقت يتم تعديل عناصر النظام االقتصادي املستورد حبيث تؤخذ منه اخلالصة وتستطرد منه

العناصر الغري ضرورية واليت ميكن أن تنشأ منها ظواهر ال ميكن التحكم فيها مستقبال (كالتبعية للغرب "الدول املتقدمة").

وهبذا فإن اجلمع بني املسارين يقود إىل ضرورة حتمية، أنه على البلدان (أو الدول) وخنص منها البلدان اليت تعيش مرحلة انتقالية وتشكك يف كفاءة

األنظمة اليت اختارهتا، أن تعيد النظر يف اختياراهتا كما جيب عليها مراعاة اجلانب الثقايف جملتمعها بالقدر الذي تراعي فيه اجلانب االقتصادي، فهذا

ناتج من ضرورة توفر مناخ مناسب للنظام االقتصادي حتى تأتي مثاره، وتكون نتائجه هي املطلوبة، وليس هناك مناخ مناسب أكثر من ثقافة

اجتماعية تستوعبه وتنميه وتطوره، ونعود دائما للتجربة اليابانية واليت تعترب املثل األعلى يف التوفيق بني هذين املتغريين.

رابعا: صعوبات البحث:اجتمعت مجلة من الصعوبات حول نقطة أساسية وهي اتساع املوضوع؛

فهناك فيض من الكتابات يف كل متغري سواء فيما خيص النظام االقتصادي أو الثقافة االجتماعية، وذلك ملا يلعبه كل متغري من أمهية عند أهل

٤٥٦

االختصاص فمهما حاولنا اإلحاطة مبتغري ومهما حولنا حصره مل نوفه حقه، هذا من جهة؛

يف نفس الوقت ندرت املراجع اليت تتناول العالقة ككل، خلق نوع من عدم االتزان يف الدراسة حيث جاءت جل اآلراء والرباهني املقدمة تتناول ارتباط عنصر من متغري بعنصر أخرمن املتغري الثاني، لذا خلقة صعوبة يف حماولة

استنتاج طبيعة العالقة وأثارها، فما يصدق على اجلزء ليس بالضرورة يصدق على الكل.

خامسا: األفاق: إن موضوع النظام االقتصادي أوسع من أن يستوعبه فصل يف مذكرة أو

حتى مذكرة، فال غرابة إن مل تستوعبه كبار الكتب لذا هو اجملال األول الذي نفتح الدراسة فيه، وال نقول اخلصب فقد كتبت فيه كتب ومقاالت ال تعد وال حتصى، لكن إن قلنا "آليات بناء نظام اقتصادي" فاحملاوالت يف هذا املسار فهي الشيء النادر، وهو ما يفتح الباب أمام جمال واسع

للبحث. ال ميكن أن نفتح اجملال لدراسة "الثقافة" لوحدها رغم توسعها

واعتبارها جمال خصب للبحث، ذلك أهنا حكر على أهل اختصاصها، لكن ما جيب البحث فيه لطلبة االقتصاد، هو دراسة الرتابط بني عناصر هذه األخرية وعناصر االقتصاد واليت جنمت أو من املمكن أن ينجم عنها

عدد من الظواهر اليت تستحق الدراسة. إن مسالة "كفاءة األنظمة االقتصادية" ال تزال هي األخرى مل يفصل

٤٥٧

فيها وال تزال جمال خصب للدراسة. جتارب الدول املتقدمة يف خلق وتطوير األنظمة اليت ساعدهتا للوصول

ملا هي عليه شيء يستحق الدراسة، واالستفادة منها أمر ضروري. أهم األفاق يف هذا املوضوع وهي للمختصني يف جانب االستشراف

االقتصادي وأن تكون هذه العالقة موضوع استشراف اقتصادي لبلد ما. مما سبق ومن خالل دراستنا هلذه العالقة أدركنا أنه جيب استشراف

العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية يف جمتمع ما، وال خنفي رغبتنا أن يكون هذا اجملتمع هو اجملتمع اجلزائري ففي البداية والنهاية هو اهلدف الرئيسي هلذا البحث رغم جتنبنا احلديث يف هذا

االجتاه؛ وبالعودة مرة أخرى إىل الدكتور "عبد اهلل ساقور" يف حبثه حول املعوقات اإليديولوجية والثقافية للتحول من النظام املقيد إىل النظام

احلر يف اجلزائر والذي يؤكد على أمهية هذا الطرح، بتوضيحه ملسألة

" كمقابل Realityالواقع تعدوا مصطلح«هتيئة الواقع للتغيري فيقول: ألشكال األخرى املمكنة املوجودة إذ يتناول التحول فيها كعملية تكيف

" Efficiency Varianceثقايف اقتصادي لتصحيح "احنراف الكفاءة واليت تعين الفرق بني الطاقة الفعلية املستغلة لتحقيق حجم النشاط

(اإلنتاج) الفعلي، وبني الطاقة املعيارية الالزمة لتنفيذ ذلك احلجم من

. ولعل األستاذ" عبد اهلل ساقور" يقصد بكالمه هذا أن ١»اإلنتاج ..." اجملتمع (واجملتمع اجلزائري بصفة خاصة) يعيش فرتة انتقالية اهلدف

] ٦١ص – ٢٠٠١[ساقور، .١

٤٥٨

منها االنتقال من النظام االشرتاكي إىل النظام الرأمسايل، ولكن ذلك دون هتيئة الواقع، ويقصد بتهيئة الواقع هتيئة الظروف االقتصادية

والثقافية للتحول. وكأنه يقصد أنه دون هتيئة الواقع اقتصاديا وثقافيا فإن عملية التحول ميكن أن تقود إىل مسار مظلم ال تعرف نتائجه.

ال بد من دراسة تفصيلية لالقتصاد اجلزائري بصفة عامة والنظاماالقتصادي فيه الذي تبقى معامله غامضة وباخلصوص يف املرحلة

االنتقالية اليت يعيش فيها اآلن (اشرتكي أم رأمسايل أم خليط بني هذا وذاك)، وكذا مناقشة واستشراف مدى كفاءته وما مدى قدرته على

حتقيق التنمية املستدامة املطلب الرئيسي.وهكذا نتمنى أن نكون قد وفقنا فقط يف لفت االنتباه إىل موضوع بالغ

األمهية رغم التقصري الذي اكتنف الدراسة، فهو موضوع شاسع وال يزال حيتاج إىل دراسات أكثر تعمق وأكثر تفصيل.

٤٥٩

ملخص البحث:تعيش معظم دول العامل اليوم مرحلة انتقالية على مستوى أنظمتها

االقتصادية، رغم أن الظاهرة ليست، باجلديدة فتقلب األنظمة االقتصادية (ظهور وزوال األنظمة االقتصادية) ظاهرة نشأت مع بروز اجملتمعات.

أما اجلديد فيها تعدد النماذج االقتصادية على مستوى الدويل يف يومنا هذا، ما جعل الكثري من البلدان تتخبط يف إشكالية حريت جل علماء

االقتصاد وهي اختيار النظام االقتصادي األمثل؛ ففي هذه الورقة حناول تسليط الضوء على هذه الظاهرة (تقلب وتعدد األنظمة االقتصادية) بغية

فهمها. يف نفس الوقت نعتقد أن هذه الظاهرة ليست وليدة ظروف اقتصادية وحسب بل تتدخل فيها عدد من العوامل األخرى يرتاءى لنا أن أمهها

"العوامل الثقافية"، ومنه حاولنا إدراج متغري آخر يف هذه الدراسة وهو "الثقافة االجتماعية".

تلعب الثقافة االجتماعية دورا رئيسا يف حتديد بنية اجملتمع ومن ثم تقود الكثري من الظواهر االجتماعية وتؤطرها يف قوالب معينة (فهي صبغة

اجملتمع).إذن مها متغريين مهمني يف حتديد بنا اجملتمعات (النظام االقتصادي و الثقافة االجتماعية)، ودور هذا البحث هو حماولة إبراز أمهيتهما و أمهية االنسجام والتكامل فيما بينهما، يف عالقة يكون فيها االنسجام و التكامل

مفتاح التنمية املستدامة يف اجملتمع وعلى مجيع املستويات (املستوى

٤٦٠

 االقتصادي واالجتماعي، البيئي) بغية حتقيق احلضارة والرقي.

Abstract: Most of the world today lives in a transition at the level of the economic system. A phenomenon which is not

totally a new one because the economic system volatility (i.e.) the emergence and disappearance of economic sys-

tems, is a phenomenon that arose with the emergence of societies .but what is new in it in the present day is the

multiplicity of new economic models at the internation-al level; which makes a lot of countries face to a problem

that confused all the economists; it’s the choice of an optimal economic system. In this paper we try to highlight the phenomenon of

multiplicity and volatility of economic systems for a bet-ter understanding.

In this respect ; I think that the phenomenon being not the result of only economic conditions, but also the in-

terference of a number of other factors that I see are the

most important ones; they are “cultural factors” from

٤٦١

which I try to extract another variable in this study; it is “the social culture” .

The social culture plays a major role in determining the structure of the society, hence, it comes at a leading po-

sition for a lot of social phenomena and shapes them in special formats (i.e.) they cast community.

So these two variables are very important in determining

the communities structures (the economic system and

social culture).

In the main, the role of this research is to attempt at de-termining the importance of those variables and the im-

portance of the integration and harmony among them in a relationship where harmony and integration are the

key to a sustainable development in the community at all the levels (the economic, social and environmental

levels) in order to achieve civilization and progress.

٤٦٢

Résumé : Certains pays vivent actuellement une période de transi-tion au niveau de leurs systèmes économiques.

Le nouveau dans cet ancien phénomène (la naissance

et la disparition des systèmes économiques) existent

depuis l’apparition des sociétés humaines, ces systèmes

connaissent également une différenciation de au plan in-ternational.

Ce qui a fait que beaucoup de pays se sont trouvent af-fronter à une problématique qui préoccupe les écono-

mistes quant on choix d’un système économique opti-mal.

C’est pourquoi, on essaye de se focaliser sur ce dernier (différenciation et changement des systèmes écono-

miques). Afin de mieux le comprendre, on ne pense pas que celui

-ci est le résultat ou la conséquence des conditions éco-nomiques seulement mais aussi il est influencés par

d’autres facteurs, notamment ‘les facteurs culturels’.

٤٦٣

Ainsi on a essayé d’introduire dans cette étude ‘la cul-

ture sociale’ qui joue un rôle majeur dans la détermina-

tion de la structuration de la société ; elle gère aussi plu-sieurs phénomènes sociaux et les détermines.

Ce sont donc les deux variables (le système écono-mique et la culture sociale) indispensables pour la dé-

termination de la structuration des sociétés. Et c’est dans

le but de démontrer leur importance, et leur complé-mentarité qu’on a fait cette étude. En conclusion on constate que la relation entre ces deux

variantes (cohérence /complémentarité) et la clé du

développement durable et de civilisation.

٤٦٤

قائمة املراجع الكتب:

،٢٠٠٣الزغيب ، للعالمة املؤرخ عبد الرمحن بن حممد مقدمة بن خلدون"أمحد الزغيب "

للطباعة و النشر و التوزيع، -بن خلدون، شركة دار األرقم بن األرقم

isbn 9953-442-99-1 ،٢٠٠٣.

،٢٠٠٢السالوس

موسوعة القضايا الفقهية املعاصرة واالقتصاد علي السالوس" ، النسخة املمسوحة ضوئيا: الكتاب األصلي، ٧، الطبعة اإلسالمي"

.٢٠٠٢مكتبه دار القرآن،

،١٩٩٠السويدي " حتليل مقدمة يف دراسة اجملتمع اجلزائريحممد السويدي "

سوسيولوجي ألهم مظاهر التغيري يف اجملتمع اجلزائري املعاصر، ديوان .٠٧/١٩٩٠بن عكنون، اجلزائر، -الساحة املركزية-املطبوعات اجلامعية

،١٩٩١السويدي

"، -ومصطلحاته-مفاهيم علم االجتماع الثقايف حممد السويدي" الطبعة األوىل، املؤسسة الوطنية للكتاب اجلزائر، الدار التونسية للنشر

ه.١٤١١-م ١٩٩١"تونس"،

،حبوث خمتارة من املؤمتر العاملي االقتصاد اإلسالمي " ١٩٨٠الفنجري "، جامعة امللك عبد العزيز، املركز العلمي األول لالقتصاد اإلسالمي

٤٦٥

.١٩٨٠املركز العلمي ألحباث االقتصاد اإلسالمي، الطبعة األوىل

،١٩٩٠النبهاني ، من منشورات حزب النظام االقتصادي يف اإلسالم"تقي الدين النبهاني"

م.١٩٩٠-ه ١٤١٠التحرير، الطبعة الرابعة،

،١٩٨٠أمحد صقر حبوث خمتارة من املؤمتر العاملي األول لالقتصاد االقتصاد اإلسالمي "

"، جامعة امللك عبد العزيز، املركز العلمي ألحباث االقتصاد اإلسالمي .١٩٨٠اإلسالمي، الطبعة األوىل

،١٩٩١باقر الصدر

، دار التعارف للمطبوعات، النجف اقتصادنا"حممد باقر الصدر" .٠١/٠١/١٩٩١األشرف، العراق، تاريخ النشر:

،١٩٩٤جرجيوري ، وآخرون

، تعريب: النظم االقتصادية املقارنة"بول جرجيوري و روبرت ستيورت" الدكتور طه عبد اهلل منصور، مراجعة: الدكتور نعمة اهلل جنيب إبراهيم،

دار النشر دار املريخ للنشر، اململكة العربية السعودية.،١٩٩٦خالد السعد

كلية األدب والعلوم –الدكتورة نورة خالد السعد (أستاذ علم االجتماع ، دراسة يف بناء "-مالك بن نيب -التغيري االجتماعي يف فكر اإلنسانية)"

النظرية االجتماعية، الطبعة األوىل، الدار السعودية للنشر والتوزيع، ١٩٩٧.

٤٦٦

،١٩٨١دادايان

، تعريب: الدكتور علي النماذج االقتصادية العاملية"ف.س. داديان " حممد تقي القزويين، أستاذ يف املعهد الوطين للعلوم االقتصادية

–بن عكنون –بسطيف، ديوان املطبوعات اجلامعية، الساحة املركزية .١٩٩٢/ ٠٣اجلزائر،

،١٩٨٨سليمان "الرتاث العربي اإلسالمي" دراسة تارخيية الدكتور حسني حممد سليمان

.١٩٨٨ –٠٤، ديوان املطبوعات اجلامعية اجلزائر، مقارنة

،أ ١٩٩٠صادق سعد

دراسات يف املفاهيم االقتصادية لدى "الفكر املعاصر" أمحد صادق سعد، لبنان، –بريوت –املفكرين اإلسالميني، الطبع األوىل، دار الفرابي،

١٩٩٠.

،ب ١٩٩٠صادق سعد" دراسات يف عهود االمرباطوريات اإلسالميةأمحد صادق سعد، "

، الطبعة األوىل، ٣املفاهيم االقتصادية لدى املفكرين اإلسالميني،اجلزء .١٩٩٠، لبنان، -بريوت-دار الفرابي

،٢٠٠٦صاحلي د صاحل صاحلي (عميد كلية العلوم االقتصادية وعلوم التسيري

املنهج التنموي البديل "جامعة فرحات عباس" سطيف اجلزائر)" .٢٠٠٦، دار الفجر للنشر والتوزيع، طبعة يف االقتصاد اإلسالمي"

٤٦٧

،١٩٨٣عبد الدائم الثقافة –يف سبيل ثقافة عربية ذاتية الدكتور عبد اهلل عبد الدايم"

.١٩٨٣، دار األدب، بريوت، مارس "-العربية والرتاث

،٢٠٠٦عماد ، مركز دراسات سوسيولوجيا الثقافة لنبيل علي"عبد الغين عماد"

.٢٠٠٦الوحدة العربية، بريوت الطبعة: األوىل/

،١٩٨٢قباري

كلية األدب ، –الدكتور قباري حممد إمساعيل (أستاذ علم االجتماع ومشكالت الشخصية يف –علم االجتماع الثقايف جامعة اإلسكندرية)"

.١٩٨٢، منشأة املعارف باإلسكندرية، طبعة "-البناء االجتماعي

"الدليل املنهجي يف إعداد وتنظيم البحوث العلمية أ. د إبراهيم خبيت-، قسم العلوم االقتصادية، جامعة قاصدي "-املذكرات واألطروحات

.٢٠٠٦/٢٠٠٧مرباح، ورقلة، اجملالت والدوريات:

،٢٠٠٦ابن عبد اهلل القاسم العوملة "أستاذ مشارك بكلية الرتبية)( د. خالد بن عبد اهلل القاسمجامعة امللك سعود، الرياض، ،الثقافية وأثرها على اهلوية"

٢٩/٠٥/٢٠٠٦.

٤٦٨

،٢٠٠٠السيد جنم ، قراءة أحد حماور كتاب من الثقافة تسبق االقتصاد أحيانا"السيد جنم "

احلداثة إىل العوملة ل: ج. كيومنز روبريكس و اميي هايت، ترمجة مسر  .٢٠٠٠الشيشكلي، والصادر عن عامل املعرفة،

،٢٠٠٣العيفة عندما ختضع وسائل اإلعالم -الثقافة اجلماهريية مجال العيفة "

، منشورات جامعة باجي خمتار، مديرية النشر، "-واالتصال لقوى السوق .٢٠٠٣اجلزائر، -عنابة-

،٢٠٠٣أوكيل وآخرون الصناعات الثقافية وأبعادها حممد سعيد أوكيل وعاشور فين"

، ردم د ٩٢٥/٢٠٠١، جملة سطيف، اإليداع القانوني اإلسرتاتيجية" .٠٢/٢٠٠٣، العدد ١١١٢-٣٤٤٣

،١٩٩٧توميسون، وآخرون جمموعة من الكتاب (ميشل توميسون ،ريتشارد اليس، ارون

، ترمجة د. علي سيد الصاوي، مراجعة أ.د نظرية الثقافة"فلدفسكي)" .١٩٩٧الفاروق زكي يونس، سلسلة عامل املعرفة، إصدار يوليو

٤٦٩

،٢٠٠٣خروف -قسنطينة-أ.د محيد خروف (قسم علم االجتماع جامعة منتوري،

،جملة العلوم "–مقاربة نظرية -القيم من منظور اجتماعي اجلزائر)"

-ISSN 111اجلزائر، ( -قسنطينة -اإلنسانية، جامعة منتوري،

505X ٢٠٠٣ديسمرب ٢٠)، عدد.  ،٢٠٠١ساقور

االيدولوجيا يف -"شروط فعالية التحوالت الثقافية عبد اهلل ساقور، "جملة أفاق جامعة باجي "-اجلزائر و معوقات االقتصاد احلر فيها

 .٢٠٠١مارس ٠٥، عدد issn-1111-486-xخمتار، عنابة اجلزائر، ،٢٠٠٧ستاتوسكي

، "وضع املرأة يف االعتبار عند حتديد املوازنة" جانيت ج.ستاتوسكي جملة التمويل والتنمية بعنوان" إطالق العنان لقوة املرأة االقتصادية "،

 .٢٠٠٧، عدد يونيو MFIAA 2007 002 صندوق النقد الدويل، رمز: ،٢٠٠٣سالم

، مذكرة مقدمة ضمن مقتضيات ثقافة املؤسسة والتغيري" سليمة سالم،"نيل شهادة املاجستري، حتت إشراف األستاذ الدكتور: العمري العربي،

.٢٠٠٣/٢٠٠٤إصدار

٤٧٠

،٢٠٠٥صاحلي ، جملة العلوم دور الدولة يف احلياة االقتصادية"صاحل صاحلي"

االقتصادية وعلوم التسيري، سطيف اجلزائر، االيداع القانوني .٠٤/٢٠٠٥، العدد ١١١٢-٣٤٤٣، ردم د ٩٢٥/٢٠٠١

،١٩٧٨علي النجار ، سلسلة شهرية يديرها اإلسالم واالقتصاد" د. عبد اهلادي على النجار"

، صدرت يف يناير -الكويت –اجمللس الوطين للثقافة والفنون واألدب ١٩٧٨. 

،٢٠٠١كوملاس ، ترمجة: د. أمحد عوض، مراجعة: اللغة واالقتصاد"فلوريام كوملاس"

، ١-٠٤٨-٠-٩٩٩٠٦ ISBNعبد السالم رضوان، سلسلة عامل املعرفة،  .٢٠٠٠طبعة نوفمرب

،٢٠٠٠كينيث جالبريت ، ترمجة: أمحد فؤاد بليغ، تاريخ الفكر االقتصادي"جون كينث جالربيت"

مراجعة: إمساعيل صربي عبد اهلل، سلسلة علم املعرفة، إصدار سبتمرب ٢٠٠٠. 

،٢٠٠٥حلسن شوثري "، التفاوت يف توزيع الدخل بني النظرية والتطبيقأمال حلسن شوثري"

وجهة نظر، جملة العلوم االقتصادية وعلوم التسيري، سطيف اجلزائر، .٠٤/٢٠٠٥، العدد ١١١٢-٣٤٤٣، ردم د ٩٢٥/٢٠٠١االيداع القانوني

٤٧١

،٢٠٠١نبيل علي ، سلسلة عامل املعرفة"، الثقافة العربية وعصر املعلوماتد.نبيل علي" .٢٠٠١إصدار يناير

 املقاالت:

،٢٠٠٥الربيكي ، جامعة اإلمارات، موقع دروب، اقتصاد املعرفة"د. فاطمة الربيكي"

 .٢٠٠٥ديسمرب ٢٤،١٩٩٨التوجيري

الدكتور عبد العزيز بن عثمان التوجيري (املدير العام للمنظمة ، الثقافة العربية الثقافات األخرى"اإلسالمية للرتبية والعلوم والثقافة)"

ورقة حبث قدمت يف ندوة يف إطار املهرجان الوطين للرتاث والثقافة يف ١٩-٤اململكة العربة السعودية، الذي عقد يف الرياض يف الفرتة ما بني

.١٩٩٨مارس ،٢٠٠٦السبيت

، جريدة اإلدارة اليابانيةد. سعد بن عبد اهلل السبيت (كاتب وباحث)، مايو ٢٢ه ١٤٢٧ربيع اآلخر ٢٤، يوم االثنني ١٣٨٤٦الرياض، عدد

 م.٢٠٠٦

،٢٠٠٦السليم 

.الثقافة العربية بني األصالة واملعاصرة"الدكتور فرحان السليم"

٤٧٢

العبد اهلل الكفري 

احلوار -االقتصاد اإلسالمي الدكتور مصطفى العبد اهلل الكفري" .١٠/٠٢/٢٠٠٣، ٦٧٨، جامعة دمشق، كلية االقتصاد، العدد "-املتمدن

،٢٠٠٧اهلوية والعنف

AMARTYA SEN ""اهلوية و العنف ،W.W. Norton

&Company, 2006 ، هـ ١٤٢٧ذو احلجة ٢٥أضيف بتاريخ: األحد

 .Darussalam_ae.comم، موقع: ٢٠٠٧يناير ١٤املوافق ،٢٠٠٥بسيسو

الثقافة واهلوية أو الثقافة ومعركة الدفاع الدكتور عبد الرمحان بسيسو" ، وزارة الثقافة: مشروع اخلطة اإلسرتاتيجية للثقافة الوطنية عن اهلوية"

نيسان/ أبريل ١٦، غزة، -ورشة عمل خاصة مبناقشة مسودة اخلطة –٢٠٠٥ . 

،٢٠٠٦حصرية ، موقع الثقافة املالية فرض عني أم فرض كفاية"عبد القادر حصرية"

Syria Steps.htm. ١٤/١١/٢٠٠٧خطوات سوريا،

،٢٠٠٥حواص ، اقتصاد املعرفة")"-القامشلي -حواص حممود (كاتب وباحث سوري

، العدد -باب العلوم وثورة االتصاالت -جملة جسور، جملة ثقافية جامعة .٢٠٠٥السنة األوىل، تشرين األول /أكتوبر -٨-

٤٧٣

،١٩٨٠خليل القطان ، حبوث خمتارة من املؤمتر العاملي االقتصاد اإلسالمي"خليل القطان"

 .٢٤/٠٧/٢٠٦٦األول لالقتصاد اإلسالمي، ،٢٠٠٠دياب

Copyright © 2000، اقتصاد املعرفة.. أين حنن منه؟"حممد دياب"

alblagh ORG  

،٢٠٠٤زياد صاحل 

"جريدة الشرق األوسط، اخلرطوم ، هنضة اليابان"طارق زيادة صاحل ، م.٢٠٠٤أغسطس ٨ه ١٤٢٥مجادى الثاني ٢٢، ليوم األحد ٩٣٨٥عدد

،٢٠٠٥سالمة

//:http، يف نظرية الثقافة وتعريفها"نبيل سالمة "

www.maaber.50megs.com/issue_december04/spotlights3.htm

،٢٠٠٢سليمان حممود أسرار املعجزة اليابانية يف أسباب املهندس حواس سليمان حممود"

، الصادر يف ١٢٧، جريدة الدفاع، عدد وعوامل التطور الياباني"٠١/٠٧/٢٠٠٢ . 

،١٩٩٩ضاهر تشابه املقدمات -النهضة العربية والنهضة اليابانية د. مسعود ضاهر" .١٩٩٩، سلسلة عامل املعرفة، عدد: ديسمرب "-واختالف النتائج

٤٧٤

،٢٠٠٢علي القحطاني الدكتور مسفر بن علي القحطاني (أستاذ مساعد بقسم الدراسات

" جامعة امللك فهد النظام االقتصادي يف اإلسالماإلسالمية والعربية) " م.٢٠٠٢ه/١٤٢٣للبرتول واملعادن،

،٢٠٠٦ماندل . ٢٦/٠٣/٢٠٠٦، ١٥٠١، العدد: احلوار املتمدن" إرنست ماندل"

،٢٠٠٨حممود نصار ، الفكر االقتصادي عند مالك بن نيب"أمحد حممد حممود نصار"

ماجستري االقتصاد واملصارف اإلسالمية، البنك اإلسالمي األردني، ١٦/٠١/٢٠٠٨.

،ج ٢٠٠٧وكيبيديا، املوسوعة احلرة، آخر تعديل هلذه اليابان من ويكيبيديا"ويكيبيديا "

. ٢٠٠٧نوفمرب ٢، ١٨:٠٨الصفحة كان يف ،٢٠٠٧ويكيبيديا

يوليو ١٣، ١٩:٠٩، آخر تعديل هلذه الصفحة كان يف الثقافة"ويكيبيديا" ٢٠٠٧.

،٢٠٠٨ويكيبيديا

عالمة مسجلة ملؤسسة ®، ويكيبيديامفهوم اقتصاد املعرفة"ويكيبيديا " . ٢٠٠٨يناير ٢، ١٠:١٣ويكيبيديا، آخر تعديل هلذه الصفحة كان يف

٤٧٥

التكافل كأحد أركان الثقافة العملية للحركة اجملتمعية للتنمية

١٠/٠٨/٢٠٠٥ .http://www.attajdid.ma/def.asp?

codelangue=6&infoun=18900

،٢٠٠٦مصطفى . ٢٠٠٦حسن مصطفى، منتديات اإلذاعة السودانية، ماي

http://www.sudanradio.info/php/vb.353/showthread.php?p=48473

" االقتصاد اإلسالمي بني ، "يوسف القرضاويمقابلة مع الشيخ العالمة .٢٢/٠٢/٢٠٠٨تاريخ وضع الصفحة الواقع والطموح،

http://www.uaeec.com/vb/showthread.php?t=67075 ،جريدة املدى، أخر زيارة للصفحة الثقافة االقتصادية ودورها يف التنمية

٠١/١٢/٢٠٠٨.

http://www.almadapaper.com/sub/08-468/p19.ht UNESCO ،2005

التقرير األويل للمدير العام، مشفوعا مبشروعني أوليني التفاقية بشأن آذار/مارس ٣محاية تنوع املضامني الثقافية وأشكال التعبري الفين،

٢٠٠٥ .United Nations Educational, Scientific and Cultural

Organization.

٤٧٦

UNESCO ،2005 تشرين ٢٠، باريس اتفاقية محاية و تعزيز تنوع أشكال التعبري الثقايف

CLT-2005/CONVENTION. ٢٠٠٥األول /أكتوبر

DIVERSITE-CULT REV  

UNESCO ،1998 "ملؤمتر الدويل احلكومي للسياسات الثقافية من أجل التقرير النهائي

.١٩٩٨ابريل/نيسان ٢-مارس/آذار ٣٠السويد -، ستوكهومل التنمية " املراجع باللغة األجنبية:

Livres: BENIER, 1979

BERNARD BERNIER (Anthropologie, professeur

au département d’anthropologie, Université de Mon-tréal Faculté des arts et des sciences - Centre d'études

d'Asie de l'Est 1979), Production, culture et idéologie: approche marxiste, Ville de Saguenay, province de

Québec, Édition complétée le 13 novembre 2005 à Chicoutimi.

٤٧٧

CHATELUS et AT, 1993 MICHEL CHATELUS ET JACQUES FONTANEL, Dix grands problèmes Economique contemporains, office de la

publication Universitaires Place central –Ben Aknoun –Alger, 11-09-1993.

COOMANS, 2003 Michel COOMANS, de l’éthique par le changement au changement par l’éthique ou l’éthique et l’entreprise: une

problématique de gestion a long terme, Mai 2003. DOUJON, 1990

JEAN PIERRE DOUJON, Histoire des faits Economiques et sociaux “Une Analyse pour les modes de production”, of-

fice des publications Universitaires, place centrale de Ben Aknoun Alger, 05/1993.

EPSTEIN, 1995 MIKHAÏL EPSTEIN, “After the future’’ the paradoxes of postmodernism and contemporary Russian Culture, Am-

herst: The University of MASSA CHUESTTES, press, Pp280-306, 1955.

٤٧٨

GILL, 2005 LOUIS GILL (Economiste retraite de l’UQAM), "L’Economie capitaliste en crise" quelque élément d’explica-

tion, Edition complétée le 27 juin 2003, à Chicoutimi, Québec Texte corrigé le 3 janvier 2005.

ROCHER, 1994 GUY ROCHER (sociologue, Université de Montréal 1994), Le défi éthique dans un contexte social et culturel en

mutation, Ville de Saguenay, province de Québec, Canada, Édition numérique réalisée le 28 août 2005 à Chicoutimi.

SILEM et AT, 2004 AHMED SILEM, JEAN-MARIE ALBERTINI,

JACQUES BICHOT, BERNARD BOIS, COLLECTIF, Lexique d'économie, Editeur : DALLOZ-SIREY, Isbn : 2-247-06840-5 / Ean 13 : 9782247068401, 9e édition, 06/07/2006.

THORIS, 1997

GERARD THORIS, Analyse économique des systèmes, Armand colin /Masson, Paris, TSBN :2-200-01507-0, 1997.

٤٧٩

TREMBLAY, 2004 MARC-ADELARD TREMBLAY (Anthropologie, retrai-té, Université Laval 1962), le transfert culturel: Fondement

et extension dans le processus d’acculturation, Edition élec-tronique réalisée avec traitement de textes Microsoft Word 2004 pour Macintosh.

TREMBLAY, 2006 MARC-AADELARD TREMBLAY, Transaction social et

conduite individuelle, Ville de Saguenay, province de Qué-bec, Canada, Edition numérique réalisée le 10 juin 2006 a CHICONTINI.

WEBER, 2002

Max WEBER (1904-1905), L’éthique protestante et l’esprit du CAPITALISME, un document produit en version nu-mérique par Jean-Marie Tremblay, professeur de sociologie, une collection développée en collaboration avec la Biblio-thèque Paul-Émile-Boulet de l'Université du Québec à Chi-

coutimi, 2002. Site web: http://bibliotheque.uqac.uquebec.ca/index.htm

٤٨٠

Revues et Articles : AZIZ et AT, 2007

JAHANGIR AZIZ ET STEVEN DUNAWAY, LE Réé-quilibrage de L'économie chinoise, l'urbanisation en marche, revue finance et développement, FMI septembre 2007.

BARRO, 2007

ROBERT BARRO, dans le peloton de tête, la revue de "Finance ET Développement", Code Promotionnel P0706GNO-FD, N° : Septembre 2007.

BLOOM et AT, 2007

DAVID E, BLOOM ET KHANNA, imf révolution ur-baine, l'urbanisation en marche, revue finance et développe-ment, FMI septembre 2007.

BROUSSEAU, 1995 ERIC BROUSSEAU, De la Science du Marche a l’Analyse

Economique des formes de coordination , Université de Nancy IXATOM (Université de Paris 1), Apparaitre dans les cahiers Français N 272, pp 54-63, 1995.

٤٨١

CANCTINI, 2001 NESTOR GARCIA CANCTINI (professeur –chercheure), Economie et Culture: Les pays latins dans sphère publique

transnationale, 2éme Table ronde ‘’ Culture et Economie ‘’, Universidad Autonoma REHOPOLITANA, Mexique, 20 mars 2001.

Culturologie "sociologie Urbaine", GRESLE, PANOFF, PERRIN, TRIPIER, Dictionnaire de science humaine An-

thropologie, sociologie, Paris, Nathan Université, p80, 1994.

FOSSART, 1991 ROBERT FOSSAERT, le monde au 21eme siècle "une

théérie des systèmes mondiaux", un document produit en version numérique par Mme MAVELLE BERGERON BENEVOLE (professeur a la retraite de l'école Dominique racine de CHICONTINI, Québec et collaborice bénévole, 1991.

GEMEAP, 1996 © 1996 GEMEAP, tous droits réservés, URL : http://www.umoncton.ca/gemeap/index.html

٤٨٢

J.SMITH, 1990 ROBER J. SMITH, le concept de culture dans l’analyse du développement économique du Japon, Anthropologie et so-

ciétés Vol 14 , N°3, p(11-20), 1990. MENISSIER, 2007

THIERRY MENISSIER, Culture et identité "Une critique philosophique de la notion d’appartenance culturelle", e-portique 5 – 2007. Rechercheshttp://leportique.revues.org/

document1387.html PERROUX, 1961

FRANÇOIS PERROUX, Le développement économique et social.

http://www.ac-versailles.fr/PEDAGOGI/ses/reserve/pages/ter-intro2.htm

REGIS MAHIEN, 2008 FRANÇOIS-REGIS MAHIEU, L’Anthropologie Econo-mique d’AMARTY SEN, cantre d’économie et éthique

pour l’environnement et le développement, C3ED, Univer-sités de Versailles.

٤٨٣

ROSTOW, 2002 WALT WHITMAN ROSTOW, Les étapes de la crois-sance économique "Un manifeste non communiste", fiche de

lecture publie 13/06/2002. http://www.oboulo.com/etapes-croissance-economique-manifeste-non-communiste-w-w-rostow-6209.html

THOMPSON, 2001 HERB THOMPSON (professor of economics), Culture and

Economic Development: modernization to globalization, Murdoch University, ISSN: 1527-5558, 2001.

UNESCO, 1982 UNESCO, Déclaration de Mexico sur les politiques cultu-

relles, Conférence mondiale sur les politiques culturelles, Mexico City, 26 juillet – 6 août 1982.

WIKIPEADIA, 2007 WIKIPEADIA, la culture, dernière modification de la page: janvier 2007.

WIKIPEDIA, 2007 A WIKIPEADIA, Economie de la culture, dernière modifica-tion de la page le 19 Octobre 2007 à 15 :22.

٤٨٤

WIKIPEADIA, 2007 B WIKIPEADIA, Les biens culturel des biens comme les autres, dernière modification de cette page le 1 mars 2008 à

22:12. WIKIPEADIA, 2007

WIKIPEADIA, Economie des industries Culturelle, 17 no-vembre 2007.

٤٨٥

فهرس احملتويات

٦ املقدمة

٢٣ الفصل األول: النظام االقتصادي

٢٥ املبحث األول: النظام االقتصادي والنتائج االقتصادية

٢٥ املطلب األول: األنظمة االقتصادية (تعاريف، وخواص)

٢٥ الفرع األول: تعاريف

٢٩ الفرع الثاني: ميزات أو خواص النظام

٤١ املطلب الثاني: تبويب وتصنيف األنظمة االقتصادية

٤١ الفرع األول: تبويب األنظمة االقتصادية

٤٣ الفرع الثاني: مثال أهم األنظمة االقتصادية

٤٦ املطلب الثالث: النظام االقتصادي وتقويم النتائج

٤٧ مقابل الواقع -النماذج-الفرع األول: طرق املقارنة

٤٨ الفرع الثاني: القوى املؤثرة على النتائج االقتصادية

٥٢ املبحث الثاني: النظرية الرأمسالية

٥٢ املطلب األول: أسس ومبادئ الرأمسالية

٥٣ الفرع األول: أسس الرأمسالية

٥٤ الفرع الثاني: مبادئ الرأمسالية

٥٥ املطلب الثاني: أهم النماذج الرأمسالية

٥٥ الفرع األول: النموذج الكالسيكي والنيوكالسيكي

٦١ الفرع الثاني :النموذج الكينزي

٦٣ الفرع الثالث: املدرسة النقدية

٦٥ الفرع الرابع: الفكر احلديث يف االقتصاد الكلي

٤٨٦

٦٨ املطلب الثالث: الرأمسالية و (دور الدولة، توزيع الدخل)

٦٨ الفرع األول: مسألة تدخل الدولة

٧٦ الفرع الثاني: توزيع الدخل

٧٨ املطلب الرابع: ملخص النظرية الرأمسالية

٧٨ الفرع األول: حتليل عام ألداء النظام االقتصادي الرأمسايل

٨٠ الفرع الثاني: أراء حول النظام االقتصادي الرأمسايل

٨٤ املبحث الثالث: النظام االقتصادي االشرتاكي

٨٤ املطلب األول: الفكر االشرتاكي:

٨٤ الفرع األول: االشرتاكية من املنظور التارخيي

٨٧ الفرع الثاني: التنظري االشرتاكي

٩٢ املطلب الثاني: أهم أنواع االشرتاكية

٩٢ الفرع األول: االشرتاكية املخططة

١٠٣ االشرتاكية السوقية -الفرع الثاني

١١٢ املطلب الثالث: كفاءة النظام االشرتاكي

١١٢ الفرع األول: فرضيات أداء النظام االشرتاكي

١١٤ وجهات نظر يف االقتصاد االشرتاكي-الفرع الثاني

١١٦ املبحث الرابع: النظام االقتصادي اإلسالمي

١١٧ املطلب األول: عموميات حول النظام االقتصادي اإلسالمي

١١٧ الفرع األول: مفهوم النظام االقتصادي اإلسالمي

١٢١ الفرع الثاني :خصائص االقتصاد اإلسالمي

١٢٦ الفرع الثالث: أركان االقتصاد اإلسالمي

املطلب الثاني: فصل االقتصاد اإلسالمي يف أهم القضايا ١٣٤ االقتصادية

١٣٥ الفرع األول: دور الدولة يف االقتصاد اإلسالمي

٤٨٧

١٣٩ الفرع الثاني: توزيع الدخل يف االقتصاد اإلسالمي

١٤١ الفرع الثالث: النقود يف املنظور االقتصاد اإلسالمي

١٤٥ الفرع الرابع: التنمية االقتصادية

١٤٨ املطلب الثالث: أداء النظام االقتصادي اإلسالمي

الفرع األول: النظام االقتصادي اإلسالمي حسب املعايري ١٤٨ الدولية

١٥٥ الفرع الثاني: ملخص عن النظام االقتصادي اإلسالمي

١٦٢ خالصة الفصل

١٦٥ الفصل الثاني: الثقافة االجتماعية

١٦٧ املبحث األول: الثقافة االجتماعية وأساسياهتا

١٦٧ املطلب األول: مفهوم الثقافة االجتماعية

١٦٨ الفرع األول: الثقافة االجتماعية يف الفكر العربي

١٧٢ الفرع الثاني: الثقافة االجتماعية يف الفكر الغربي

١٨٤ الفرع الثالث: أهم نظريات و أنواع الثقافة

١٩٠ الفرع الرابع: الثقافة واحلضارة

٢٠١ الفرع اخلامس: الثقافة واهلوية

٢٠٦ الفرع السادس: الثقافة االجتماعية

٢١١ املطلب الثاني: أساسيات الثقافة

٢١٢ الفرع األول: مصادر، أوجه وعناصر الثقافة

٢٢٣ الفرع الثاني: خصائص ووظائف الثقافة

٢٣٠ املبحث الثاني: عموميات الثقافة االجتماعية

٤٨٨

املطلب األول: أهم الظواهر الثقافية: ( التنوع، االنتشار والتغري ٢٣١ الثقايف، التخلف والتكامل الثقايف)

٢٣١ الفرع األول: التنوع، االنتشار والتغري الثقايف

٢٥٨ الفرع الثاني: التخلف الثقايف والتكامل الثقايف

٢٦٨ املطلب الثاني: الثقافة العربية اإلسالمية

٢٦٨ الفرع األول: مفهوم ومكونات الثقافة العربية

٢٧١ الفرع الثاني: مقومات وخصائص الثقافة العربية

٢٧٥ خالصة الفصل

الفصل الثالث: حتليل العالقة بني النظام االقتصادي ٢٧٧ والثقافة االجتماعية

٢٧٩ املبحث األول: الفكر االقتصادي والثقافة االجتماعية

املطلب األول: منشأ األنظمة االقتصادية وعالقته بالثقافة ٢٨٠ االجتماعية

الفرع األول: الفكر االقتصادي الرأمسايل والثقافة ٢٨٠ االجتماعية

الفرع الثاني: الفكر االقتصادي االشرتاكي والثقافة ٢٩٢ االجتماعية

الفرع الثالث: الفكر االقتصادي اإلسالمي والثقافة ٢٩٩ االجتماعية

٣٠٥ الفرع الرابع: عالقة منظومة الثقافة مبنظومة االقتصاد

املطلب الثاني: أهم فروع االقتصاد املنبثقة من العالقة بني ٣٠٨ االقتصاد والثقافة

٣٠٩ الفرع األول: االقتصاد والثقافة

٣١٧ الفرع الثاني: اقتصاد الثقافة

٣٢٤ الفرع الثالث: اقتصاد املعرفة

٤٨٩

املبحث الثاني: طبيعة العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة ٣٢٩ االجتماعية وإفرازاهتا

املطلب األول: العالقة بني األفراد االقتصاديني والثقافة ٣٣٠ االجتماعية

الفرع األول: العالقة بني الفرد واجملتمع من منظور ثقايف ٣٣٠ واقتصادي

٣٣٧ الفرع الثاني: العالقة بني الثقافة واملؤسسة

املطلب الثاني: التأثري املتبادل لعناصر النشاط االقتصادي ٣٤٧ والثقافة االجتماعية

الفرع األول: الثقافة االجتماعية وعناصر النشاط ٣٤٧ االقتصادي

الفرع الثاني: أهم الثقافات الناجتة عن تأثري عناصر من ٣٦٠ النظام االقتصادي

٣٦٥ الفرع الثالث: الصناعات الثقافية

٣٧٥ املبحث الثالث: آثار العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة االجتماعية

املطلب األول: أثار العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة ٣٧٥ االجتماعية على اجملتمع والتنمية

الفرع األول: آثار العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة ٣٧٦ االجتماعية على اجملتمع

الفرع الثاني: آثار العالقة بني النظام االقتصادي والثقافة ٣٨٦ االجتماعية على التنمية

املطلب الثاني: ملخص التقرير النهائي "املؤمتر الدويل احلكومي ٤٠٦ للسياسات الثقافية من أجل التنمية"

٤٠٦ الفرع األول: النقاط الرئيسية يف املؤمتر

الفرع الثاني: أهم حماور الرتكيز يف امللتقى الدويل ٤١٣ "السياسات الثقافية"

٤٩٠

٤١٨ املطلب الثالث: التجربة اليابانية يف التنمية

٤١٩ الفرع األول: مسار اإلصالح يف التجربة اليابانية

الفرع الثاني :أسباب جناح التجربة اليابانية: (أسرار ٤٣٣ املعجزة اليابانية)

٤٤٤ خالصة الفصل

٤٤٧ اخلامتة

٤٥٩ قائمة املراجع

٤٨٠ الفهارس ... امللخصات

٤٩١

فهرس اجلداول والرسوم البيانية: اجلداول: -١

الرسوم البيانية:-٢

رقم الصفحة عنوان اجلدول اجلدول

٢١ أنواع القرار ١ ٤١ عناصر النظام االقتصادي ٢ ٤٦ تفصيل األنظمة االقتصادية ٣ ٧٩ فرضيات أداء النظام االقتصادي الرأمسايل ٤ ١١٢ فرضيات أداء النظام االقتصادي االشرتاكي ٥ ١٤٨ فرضيات أداء النظام االقتصادي اإلسالمي ٦ ١٨٧ تفصيل أهم أنواع الثقافة ٧

٣٨٩ عوامل التغري عند "مالك بن نيب" و"ماكس فيرب" ٨

العالقة بني أهم عناصر النظام االقتصادي وأهم عناصر ٩ ٤٤٥ الثقافة االجتماعية

رقم الرسم الصفحة عنوان الرسم البياني البياني

٤٩ العوامل املؤثرة يف النتائج االقتصادية ١ ١٠٤ تنظيم النظام االقتصادي حسب "النج" ٢ ٣٠٥ اإلطار العام ملنظومة الثقافة ٣ ٣١٣ العالقة بني االقتصاد والثقافة ٤ ٣٣١ منظومة اجملتمع ٥ ٣٣٣ هيكل عملية التثقيف ٦ ٣٩٥ الثقافة حمور منظومة التنمية االجتماعية الشاملة ٧

https://www.facebook.com/ehiaa.pub