kitab al-alfain arabic

453
ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ: ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻷﻟﻔﻴﻦ ﺍﻟﻤﺆﻟﻒ: ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﺤﻠﻲ ﺍﻟﺠﺰﺀ:٧٢٦ : ﺍﻟﻮﻓﺎﺓ ﺍﻟﻤﺠﻤﻮﻋﺔ: ﻣﻦ ﻣﺼﺎﺩﺭ ﺍﻟﻌﻘﺎﺋﺪ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺸﻴﻌﺔ ﺍﻹﻣﺎﻣﻴﺔ ﺗﺤﻘﻴﻖ: ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ:١٩٨٥ - ١٤٠٥ : ﺳﻨﺔ ﺍﻟﻄﺒﻊ ﺍﻟﻤﻄﺒﻌﺔ: ﺍﻟﻜﻮﻳﺖ- ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ: ﻣﻜﺘﺒﺔ ﺍﻷﻟﻔﻴﻦ ﺭﺩﻣﻚ: ﻣﻼﺣﻈﺎﺕ:

Upload: awnslaught

Post on 29-Nov-2014

125 views

Category:

Documents


13 download

DESCRIPTION

Allama Hilli Kitab Alfain Imam Ali Caliphate Reasons

TRANSCRIPT

Page 1: Kitab Al-Alfain Arabic

الكتاب: كتاب األلفينالمؤلف: العالمة الحلي

الجزء:الوفاة: ٧٢٦

المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة اإلماميةتحقيق:الطبعة:

سنة الطبع: ١٤٠٥ - ١٩٨٥ مالمطبعة:

الناشر: مكتبة األلفين - الكويتردمك:

مالحظات:

Page 2: Kitab Al-Alfain Arabic

األلفين

(١)

Page 3: Kitab Al-Alfain Arabic

األلفينفي إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السالم

العالمة الحليجمال الدين الحسن بن يوسف المطهر

مكتبة األلفينالكويت

(٣)

Page 4: Kitab Al-Alfain Arabic

كافة الحقوق محفوظة ومسجلة١٤٠٥ ه - ١٩٨٥ م

مكتبة األلفين: بنيد القار - الكويت - تلفون: ٢٥٢٢٧٩٧

(٤)

Page 5: Kitab Al-Alfain Arabic

مقدمة الناشربحر من بحور العلم، قذفت أمواجه الالمستكينة على شواطئه دررا

وآللئ من تحلى بها تسلل بريقها إلى أعماقه فأضائتها بنورها، نور العلموالمعرفة، كما تمد ببريقها في األرجاء مضيئة الدرب له، فال يخشى حينها

شيئا.هذا أقل ما يقال عن أحد رجالت العلم (العلمة الحلي) مؤلف

هذا الكتاب، فالحديث عن هؤالء العلماء وعن حياتهم وجهادهم في سبيلالعلم والدين معا، كما هو الحديث عن مؤلفاتهم ونتاجهم الفكري، ال

يمكن إال أن يطول وساعتئذ ال مناص من وضع مجلدات.وعلى هذا األساس، لسنا هنا في وارد التقديم لهذا الكتاب فيكفيه تقديما

أنه من تأليف (العالمة الحلي)، لكننا فقط أحببنا أن نذكر بقيمة هذاالكتاب، األثر الثمين الذي يتصدى إلبطال الشبهات الواردة في حق األئمة

(عليهم السالم) وإثبات إمامتهم باألدلة والثوابت، والذي نعتز ونفتخربتقديمه (الكتاب) للمكتبة اإلسالمية سائلين المولى أن يمن علينا ببركاته

وعونه إنه سميع مجيب.١٢ / جمادي األول / ١٤٠٥ مكتبة األلفين

٢ / شباط / ١٩٨٥ الكويت

(٥)

Page 6: Kitab Al-Alfain Arabic

ترجمة المؤلفالشيخ األجل األعظم، فريد عصره ووحيد دهره بحر العلوم

والفضائل ومنبع األسرار والدقائق، مجدد المذهب ومحييه وماحي أعالم الغوايةومفنيه، اإلمام العالمة األوحد، آية الله المطلق، جمال الدين أبو منصور

الحسن بن سديد الدين يوسف ابن زين الدين علي بن مطهر الحلي نور اللهمضجعه.

كان - قدس سره - من فطاحل علماء الشريعة، وأعاظم فقهاءالجعفرية، جامعا لشتى العلوم، حاويا مختلفات الفنون، مكثرا للتصانيف

ومجودا فيها، استفادت األمة جمعاء من تصانيفه القيمة منذ تأليفها، وتمتعوامن أنظاره الثاقبة طيلة حياته وبعد مماته، له ترجمة ضافية في كتب التراجموغيرها تعرب عن تقدمه في العلوم وتضلعه فيها، وتنم عن مراتبه السامية فيالعلم والعمل وقوة عارضته في الظهور على الخصم، وذبه عن حوزة الشريعة

ونصرته للمذهب وإنا وإن لم يسعنا في هذا المختصر سرد جميعها لكنا نذكرشكرا لحقه بعضا منها.

قال معاصره ابن داود في رجاله: شيخ الطائفة وعالمة وقته، صاحبالتحقيق، والتدقيق، كثير التصانيف، انتهت رئاسة اإلمامية إليه في المعقول

والمنقول. ا ه (١).--------------------

(١) نقد الرجال ص ٩٩.

(٧)

Page 7: Kitab Al-Alfain Arabic

وقال الشهيد األول في إجازته البن الخازن: اإلمام األعظم الحجة،أفضل المجتهدين جمال الدين إه. (١).

ووصفه ابن أبي جمهور األحسائي في إجازته للشيخ محمد بن صالح الحليبقوله: شيخنا وإمامنا، ورئيس جميع علمائنا، العالمة الفهامة، شيخ

مشايخ اإلسالم، والفارق بفتاويه بين الحالل والحرام، والمسلم له الرئاسة فيجميع فرق اإلسالم. إه (٢).

وأطراه علي بن هالل في إجازته للمحقق الكركي بقوله: الشيخ اإلماماألعظم المولى األكمل األفضل األعلم جمال الملة والحق والدين. إه (٣).

وفي إجازة المحقق الكركي لسميه الميسي: شيخنا اإلمام، شيخاإلسالم مفتي الفرق، بحر العلوم أوحد الدهر، شيخ الشيعة بال

مدافع جمال الملة والحق والدين. إه (٤).وفي إجازته للمولى حسين بن شمس الدين محمد األسترآبادي: اإلمام

السعيد، أستاذ الكل في الكل، شيخ العلماء والراسخين، سلطان الفضالءوالمحققين، جمال الملة والحق والدين (٥).

ومدحه الشهيد الثاني في إجازته للسيد علي بن الصائغ: بشيخ اإلسالمومفتي فرق األنام، الفاروق بالحق للحق، جمال اإلسالم والمسلمين، ولسان

الحكماء والفقهاء والمتكلمين، جمال الدين. إه (٦).--------------------

(١) إجازات البحار ص ٣٩.

(٢) إجازات البحار ص ٥١.(٣) المصدر ص ٥٥.(٤) المصدر ص ٥٧.(٥) المصدر ص ٥٩.(٦) المصدر ص ٨٣.

(٨)

Page 8: Kitab Al-Alfain Arabic

ووصفه شرف الدين الشولستاني في إجازته للمجلسي األول، بالشيخاألكمل العالمة آية الله في العالمين جمال الملة والحق والدين. إه (١).

وقال شيخنا البهائي في إجازته لصفي الدين محمد القمي: العالمة آيةالله في العالمين جمال الحق والملة والدين. إه (٢).

وقال بحر العلوم في فوائده الرجالية: عالمة العالم وفخر نوع بني آدمأعظم العلماء شأنا، وأعالهم برهانا، سحاب الفضل الهاطل، وبحر العلمالذي ليس له ساحل جمع من العلوم ما تفرق في جميع الناس وأحاط من

الفنون بما ال يحيط به القياس، مروج المذهب والشريعة في المائة السابعة،ورئيس علماء الشيعة من غير مدافعة، صنف في كل علم كتبا، وآتاه الله من

كل شئ سببا (٣).وقال السماهيجي في إجازته: إن هذا الشيخ رحمه الله بلغ في االشتهاربين الطائفة بل العامة شهرة الشمس في رايعة النهار، وكان فقيها متكلما

حكيما منطقيا هندسيا رياضيا، جامعا لجميع الفنون، متبحرا في كل العلوم منالمعقول والمنقول، ثقة إماما في الفقه واألصول، وقد مأل اآلفاق بتصنيفه،

وعطر األكوان بتأليفه ومصنفاته، وكان أصوليا بحتا ومجتهدا صرفا. إه (٤).وقال الشيخ الحر في أمل اآلمل ص ٤٠: فاضل عالم عالمة العلماء،

محقق مدقق ثقة نقة فقيه محدث متكلم ماهر جليل القدر، عظيم الشأن،رفيع المنزلة، ال نظير له في الفنون والعلوم العقليات والنقليات، وفضائله

ومحاسنه أكثر من أن تحصى. إه.وأطراه المولى نظام الدين في نظام األقوال بقوله: شيخ الطائفة وعالمةوقته، صاحب التحقيق والتدقيق، كل من تأخر عنه استفاد منه، وفضله

--------------------(١) المصدر ص ١٤٣.(٢) المصدر ص ١٣٠.

(٣) تنقيح المقال ج ١ ص ٣١٤.

(٤) تنقيح المقال ج ١ ص ٣١٤.

(٩)

Page 9: Kitab Al-Alfain Arabic

أشهر من أن يوصف. إه (١).ووصفه البحاثة الرجالي الميرزا عبد الله األصفهاني في المجلد الثاني من

رياض العلماء: باإلمام الهمام العالم العامل الفاضل الكامل الشاعر الماهر،عالمة العلماء وفهامة الفضالء، أستاذ الدنيا، المعروف فيما بين األصحاببالعالمة عند االطالق، والموصوف بغاية العلم ونهاية الفهم والكمال في

اآلفاق، كان ابن أخت المحقق، وكان رحمه الله آية الله ألهل األرض، ولهحقوق عظيمة على زمرة اإلمامية والطائفة الحقة االثني عشرية لسان وبياناوتدريسا وتأليفا، وقد كان رضي الله عنه جامعا ألنواع العلوم، مصنفا في

أقسامها، حكيما متكلما فقيها محدثا أصوليا أديبا شاعرا ماهرا، وقد رأيتبعض أشعاره ببلدة أردبيل وهي تدل على جودة طبعه في أنواع النظم أيضا،وكان وافر التصانيف متكاثر التآليف، أخذ واستفاد عن جم غفير من علماء

عصره من العامة والخاصة، وأفاد على جمع كثير من فضالء دهره من الخاصةبل من العامة - إلى أن قال -: وكان من أزهد الناس وأتقاهم، ومن زهده ما

حكاه السيد حسين المجتهد في رسالة النفحات القدسية أنه قدس سره أوصىبجميع صلواته وصيامه مدة عمره وبالحج عنه مع أنه كان قد حج. إه.

وله ذكر جميل في غير واحد من التراجم، كمنتهى المقال ص ١٠٥كتب رجال األسترآبادي، وجامع الرواة ج ١ ص ٢٣٠ ورياض العلماء

والمقابس ص ١٧ وروضات الجنات ص ١٧٢ والمستدرك ج ٣ ص ٤٥٩وسفينة البحار ج ٢ ص ٢٢٨ ولسان الميزان ج ٦ ص ٣١٩ (٢) والدرر

الكامنة (٣). ومحبوب القلوب لإلشكوري (٤) وغيرها من التراجم، وهم وإن--------------------

(١) الرياض المجلد الثاني.(٢) وقد اشتبه عليه اسمه واسم والده قال: يوسف بن الحسن بن المطهر الحلي المشهور، كان

رأس الشيعة اإلمامية في زمانه، وله معرفة بالعلوم العقلية. إه.(٣) أورده تارة مكبرا وتارة مصغرا.

(٤) راجع الروضات ص ١٧٦.

(١٠)

Page 10: Kitab Al-Alfain Arabic

بالغوا في ثناه لكن اعترفوا بأنهم عاجزون عن درك مداه، وعن اإلعراب بمايقتضي شأنه وشخصيته المثلى، قال الفاضل التفرشي في كتاب نقد الرجال

ص ١٠٠: ويخطر ببالي أن ال أصفه إذ ال يسع كتابي هذا ذكر علومهوتصانيفه وفضائله ومحامده، وإن كل ما يوصف به الناس من جميل وفضلفهو فوقه، له أزيد من سبعين كتابا في األصول والفروع والطبيعي واإللهي

وغيرها. إه.وقال العالمة النوري بعد أن بالغ في ثنائه: وآلية الله العالمة بعد ذلك

من المناقب والفضائل ما ال يحصى، أما درجاته في العلوم ومؤلفاته فيها فقدمألت الصحف وضاق عنه الدفتر، وكلما أتعب نفسي فحالي كناقل التمر إلى

هجر، فاألولى تبعا لجمع من األعالم اإلعراض عن هذا المقام.* (تآليفاته الثمينة الممتعة) *

له تأليفات كثيرة قيمة ربما تزيد على مائة مصنف، بل قال صاحب مجمعالبحرين في مادة العالمة: إنه وجد بخطه رحمه الله خمسمائة مجلد من

مصنفاته غير ما وجد بخط غيره.وقد عد جملة منها هو نفسه في كتاب الخالصة عند ترجمة نفسه، منها:

١ - منتهى المطلب في تحقيق المذهب، ذكر فيه جميع مذاهب المسلمين فيالفقه، لم يتم، وقد طبع في المجلدين الضخمين في سنة ١٣١٦ قال رحمه

الله: هو في سبع مجلدات.٢ - تلخيص المرام في معرفة األحكام.

٣ - تحرير األحكام الشرعية، استخرج فيها فروعا كثيرة، طبع بإيرانفي مجلد كبير.

٤ - مختلف الشيعة في أحكام الشريعة، مطبوع.٥ - استقصاء االعتبار في تحرير معاني األخبار، قال: ذكرنا فيه كل

(١١)

Page 11: Kitab Al-Alfain Arabic

حديث وصل إلينا، وبحثنا في كل حديث منه على صحة السند أو إبطاله،وكون متنه محكما أو متشابها، وما اشتمل عليه المتن من المباحث األصولية

واألدبية وما يستنبط من المتن من األحكام الشرعية وغيرها.٦ - مصابيح األنوار، قال: ذكرنا فيه كل أحاديث علمائنا، وجعلنا

كل حديث يتعلق بفن في بابه، ورتبنا كل فن على أبواب، ابتدأنا فيها بماروي عن النبي صلى الله عليه وآله ثم بما روي عن علي عليه

السالم وهكذا إلى آخر األئمة عليهم السالم.٧ - الدر والمرجان في األحاديث الصحاح والحسان.

٨ - نهج الوضاح في األحاديث الصحاح.٩ - نهج اإليمان في تفسير القرآن، ذكر فيه ملخص الكشاف والتبيان

وغيرهما.١٠ - القول الوجيز في تفسير الكتاب العزيز.

١١ - منهاج الصالح في الدعوات وأعمال السنة.١٢ - كشف الحق ونهج الصدق.

١٣ - كشف اليقين في اإلمامة، وقد يعبر عنه باليقين.١٤ - األلفين.

١٥ - منهاج الكرامة.١٦ - شرح التجريد.

١٧ - أنوار الملكوت في شرح الياقوت.١٨ - نهاية الكالم.

١٩ - نهاية األصول.٢٠ - نهاية الفقهاء.

٢١ - قواعد األحكام.٢٢ - إيضاح مخالفة أهل السنة للكتاب والسنة.

٢٣ - تذكرة الفقهاء.٢٤ - الرسالة السعدية.

(١٢)

Page 12: Kitab Al-Alfain Arabic

٢٥ - خالصة الرجال.

٢٦ - إيضاح االشتباه.

٢٧ - تبصرة األحكام.٢٨ - التناسب بين الفرق األشعرية والفرق السوفسطائية.

٢٩ - نظم البراهين في أصول الدين.٣٠ - معارج الفهم في شرح النظم في الكالم.

٣١ - األبحاث المفيدة في تحصيل العقيدة.٣٢ - كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد في الكالم.٣٣ - القواعد والمقاصد في المنطق والطبيعي واإللهي.

٣٤ - األسرار الخفية في العلوم العقلية.٣٥ - الدر المكنون في علم القانون في المنطق.

٣٦ - المباحث السنية والمعارضات النصيرية.٣٧ - المقاومات، قال: باحثنا فيها الحكماء السابقين وهو يتم مع تمام

عمرنا.٣٨ - حل المشكالت من كتاب التلويحات.

٣٩ - إيضاح التلبيس من كالم الرئيس، قال: باحثنا فيه الشيخ ابنسينا.

٤٠ - الجوهر النضيد في شرح كتاب التجريد في المنطق.٤١ - الشفاء في الحكمة.

٤٢ - مراصد التدقيق ومقاصد التحقيق في المنطق والطبيعي واإللهي.٤٣ - المحاكمات بين شراح اإلشارات.

٤٤ - منهاج الهداية ومعراج الدراية في علم الكالم.٤٥ - استقصاء النظر في القضاء والقدر.

٤٦ - نهج الوصول إلى علم األصول.٤٧ - مختصر شرح نهج البالغة.

٤٨ - األدعية الفاخرة.٤٩ - المنهاج في مناسك الحاج.

(١٣)

Page 13: Kitab Al-Alfain Arabic

٥٠ - نهج العرفان في علم الميزان.وغير ذلك مما يطول ذكره.

* (مشايخه) *يروي عن جماعة من حفاظ الشريعة منهم:

١ - الشيخ الجليل مفيد الدين محمد بن علي بن محمد بن جهماألسدي.

٢ - الحكيم المتأله كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني صاحبالشروح الثالثة على نهج البالغة.

٣ - العالم الفاضل الحسن ابن الشيخ كمال الدين علي بن سليمانالبحراني.

٤ - الشيخ نجيب الدين أبو أحمد أو أبو زكريا يحيى بن أحمد بن يحيى بنالحسن بن سعيد الحلي الهذلي. ابن عم المحقق الحلي، صاحب كتاب جامع

الشرائع ونزهة الناظر المتولد سنة ٦٠١ والمتوفى سنة ٦٩٠ (١). -٥ - والده األجل األكمل سديد الدين يوسف بن زين الدين علي بن

المطهر الحلي الفقيه المتكلم األصولي (٢).٦ - سلطان المحققين الخواجة نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن

الطوسي المتولد سنة ٥٩٧ المتوفى سنة ٦٧٢، قرأ عليه الكالم والهيئةوالعقليات، وقرأ عليه الطوسي الفقه (٣).

٧ - جمال الدين أبو الفضائل والمناقب السيد أحمد بن موسى بن جعفر بن--------------------

(١) المصدر ص ٤٦٢.

(٢) المصدر ص ٤٦٣.

(٣) المصدر ص ٤٦٤.

(١٤)

Page 14: Kitab Al-Alfain Arabic

طاووس المتقدم ذكره (١).٨ - السيد األجل األسعد رضي الدين علي بن موسى بن طاووس المتقدم

ذكره (٢).٩ - خاله األكرم وأستاذه األعظم رئيس العلماء، المحقق على االطالق،الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الهذلي

الحلي صاحب الشرائع والنافع والنكت، المتوفى ستة ٦٧٦. وفيه نطر (٣).١٠ - نجم الملة والدين جعفر بن نجيب الدين محمد بن جعفر بن أبي

البقاء هبة الله ابن نما الحلي الربعي صاحب مثير األحزان وكتاب أخذ الثارالمتوفى في سنة ٦٤٥.

١١ - بهاء الدين علي بن عيسى اإلربلي صاحب كشف الغمة.

١٢ - السيد عبد الكريم بن طاووس صاحب فرحة الغري (٤).كان - قدس سره - قرأ على جماعة من علماء السنة منهم: نجم الدين

الكاتبي القزويني والشيخ برهان الدين النسفي والشيخ جمال الدين حسين بنأبان (٥) النحوي، وعز الدين الفاروقي الواسطي، وتقي الدين عبد الله بنجعفر بن علي الصباغ الحنفي، وشمس الدين محمد بن محمد بن أحمد

الكيشي (٦) ويروي عن رضي الدين الحسن بن علي الصنعاني الحنفي (٧).--------------------

(١) المصدر ص ٤٦٦.

(٢) المصدر ص ٤٧٣.

(٣) المصدر ص ٤٧٣.(٤) الروضات ص ١٤٦ و ١٧٥، أخذ األخير صاحب الروضات عن الرياض حيث قال: وقدنسب األمير منشئ في رسالة تاريخ قم بالفارسية إلى العالمة كتاب رسالة الدالئل البرهانية في

تصحيح الحضرة الغروية، وحكى عنه فيها أنه يروي بعض األخبار عن السيد عبد الكريمبن طاووس وأظن أن تلك الرسالة لغيره.

(٦) الروضات ص ١٧٥.(٥) في بعض النسخ [اياز].

(٧) اإلجازات ص ١١٤

(١٥)

Page 15: Kitab Al-Alfain Arabic

* (تالمذته والراوون عنه) *يروي عنه جماعة من المشايخ الكبار منهم:

١ - ولده الصالح، أجل المشائخ وأعظم األسانيد، المحقق النقاد،الفقيه فخر المحققين أبو طالب محمد، المتولد في ليلة االثنين ولعشرين من

جمادي األولى سنة ٦٢٨ والمتوفى ليلة الجمعة الخامس والعشرين من جمادياآلخرة سنة ٧٧١ (١).

٢ - مجد الدين أبو الفوارس محمد الحسيني (٢).٣ - ابنا أخته السيد الجليل المرتضى عميد الدين عبد المطلب والسيد

ضياء الدين عبد الله ابنا مجد الدين أبي الفوارس محمد المتقدم ذكره (٣).٤ - رضي الدين أبو الحسن علي بن جمال الدين أحمد بن يحيى المزيدي

المتوفى سنة ٧٥٧ (٤).٥ - الشيخ الفقيه زين الملة والدين أبو الحسن علي بن أحمد بن طراد

المطار آبادي المتوفى سنة ٧٦٢ (٥).٦ - السيد عالء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن بن زهرة

الحسني الحلي، وهو الذي كتب العالمة له ولولده وألخيه اآلتيين اإلجازةالمعروفة باإلجازة الكبيرة ألبناء زهرة (٦).

--------------------(١) المستدرك ج ٣ ص ٤٥٩.(٢) المصدر ص ٤٤١ و ٤٥٩.

(٣) المصدر ص ٤٥٩.

(٤) المصدر ص ٤٤٢.

(٥) المصدر ص ٤٤٣.(٦) المصدر ص ٤٤٣ والروضات ص ٢٠١.

(١٦)

Page 16: Kitab Al-Alfain Arabic

٧ - السيد بدر الدين محمد أخو عالء الدين المذكور.٨ - السيد شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن عالء الدين المذكور (١).

٩ - السيد الجليل أحمد بن أبي إبراهيم محمد بن الحسن بن زهرة الحسنيالحلبي (٢)

١٠ - السيد العالم الكبير مهنا بن سنان بن عبد الوهاب الحسيني (٣)١١ - الشيخ قطب الدين أبو جعفر محمد بن محمد الرازي البويهي

الحكيم المتأله صاحب شرح الشمسية والمطالع (٤).١٢ - السيد النقيب تاج الدين أبو عبد الله محمد بن القاسم بن الحسين

بن معية الحلي الحسني (٥).١٣ - المولى تاج الدين الحسن بن الحسين بن الحسن السرابشنوي نزيل

قاسان (٦).١٤ - الشيخ الحسن بن الحسين بن الحسن بن معانق، ذكره صاحب

الرياض وقال: رأيت نسخة من الخالصة للعالمة بخط هذا الشيخ وكانتاريخ كتابتها ٧٠٧ في حياة أستاذه العالمة.

١٥ - السيد أحمد العريضي، ذكره صاحب الرياض.--------------------

(١) المستدرك ج ٣ ص ٤٤٣، الروضات ص ٢٠١.(٢) المستدرك ج ٣ ص ٤٤٥، تنقيح المقال ج ٣ ص ٤٣ في باب الكنى، راجعه ففيه اشتباه.

(٣) المستدرك ج ٣ ص ٤٤٥.(٤) المستدرك ص ٤٤٧.(٥) الروضات ص ٥٨٥.

(٦) ذكره صاحب الرياض في المجلد الثاني، وضبطه بضم السين والراء ثم األلف وبعدها الباءالمفتوحة والشين المعجمة الساكنة ثم النون، وقال: رأيت إجازة العالمة له بخطه.

(١٧)

Page 17: Kitab Al-Alfain Arabic

* (أشعاره) *قد سمعت من صاحب الرياض أنه وصفه بالشاعر الماهر، ولم نجد لهفي كتب التراجم شعرا غير ما ذكره صاحب الروضات، قال: أتفق لي

العثور في هذه األواخر على مجموعة من ذخائر أهل االعتبار ولطائف آثارفضالء األدوار فيها نسبة هذه األشعار األبكار إليه:

ليس في كل ساعة أنا محتاج * وال أنت قادر أن تنيالفاغتنم حاجتي ويسرك فاحرز * فرصة تسترق فيها الخليال

وقال: وله أيضا ما كتبه إلى العالمة الطوسي مسترخصا للسفر إلىالعراق من السلطانية:

محبتي تقتضي مقامي * وحالتي تقتضي الرحيالهذان خصمان لست أقضي * بينهما خوف أن أميال

وال يزاالن في اختصام * حتى نرى رأيك الجميالوكتب إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية بعد ما بلغه أنه رد على كتابه في

اإلمامة ووصل إليه كتابه أبياتا أولها:لو كنت تعلم كل ما علم الورى * طرا لصرت صديق كل العالم

لكن جهلت فقلت إن جميع من * يهوي خالف هواك ليس بعالم (١)ولد رضوان الله تعالى عليه في التاسع والعشرين من شهر رمضان

المبارك سنة ٦٤٨، وتوفي في يوم السبت الحادي والعشرين من محرم الحرام--------------------

(١) ذكرها أيضا العسقالني في الدرر الكامنة ج ٢ ص ٧١.

(١٨)

Page 18: Kitab Al-Alfain Arabic

سنة ٧٢٦، ونقل إلى النجف األشرف، ودفن في الحجرة التي إلى جنبالمنارة الشمالية من حرم أمير المؤمنين عليه السالم (١).

١ / ٢ / ١٩٨٥ مؤسسة الوفاء١١ / ٥ / ١٤٠٥ بيروت - لبنان

--------------------(١) المستدرك ج ٣ ص ٤٦، روضات الجنات ص ١٨٦.

(١٩)

Page 19: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة األولىمن األدلة الدالة على وجوب عصمة اإلمام عليه السالم.

الحمد لله مظهر الحق بنصب األدلة الواضحة، والبراهين القاطعة،وموضح اإليمان عند أوليائه المخلصين، ومنطق ألسنة البشر بفساد اعتقادالمبطلين، الذي شهد بوجوب وجوده الوجود عند الصديقين، وأقر بقدرته

فناء العالمين، وتكاثر كثير من الموجودات مع أبطال سائر االعتقاداتباليقين، وأوضح عن وحدانيته انتظام أحوال السماوات واألرضين، ووجود

الممكنات مع استحالة الترجيح بال مرجح وتكثير الفاعلين، وأظهر استغناءهوعلمه وتمام حكمته، فجل عن أوصاف الواصفين وتعالى عن إدراك كماله

أبصار بصائر العارفين، فظهر من ذلك عصمة األنبياء واألئمة الطاهرين،وصلى الله على سيد المرسلين محمد النبي وآله الطاهرين المعصومين، خصوصاعلى نفسه بالوحي النازل إليه على لسان الروح األمين، علي بن أبي طالب أمير

المؤمنين عليه السالم وعلى األحد عشر الذين كل واحد منهم هو حبل اللهالمتين، ومصباح الواصلين، وبهم تجاب دعوة أعلى عليين، ومن أنكر

فضلهم فهو في أسفل السافلين، صالة دائمة متصلة إلى يوم الدين.أما بعد: فإن أضعف عباد الله تعالى الحسن بن يوسف المطهر الحلي

يقول: أجبت سؤال ولدي العزيز محمد أصلح الله له أمر داريه، كما هو بربوالديه ورزقه أسباب السعادات الدنيوية واألخروية، كما أطاعني في استعمالقواه العقلية والحسية وأسعفه ببلوغ آماله، كما أرضاني بأقواله وأفعاله، وجمع

له بين الرياستين، كما أنه لم يعصني طرفة عين، من إمالء هذا الكتاب

(٢١)

Page 20: Kitab Al-Alfain Arabic

الموسوم ب (كتاب األلفين) الفارق بين الصدق والمين، فأوردت فيه مناألدلة اليقينية والبراهين العقلية والنقلية ألف دليل على إمامة سيد الوصيين

علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السالم، وألف دليل على إبطال شبهالطاعنين، وأوردت فيه من األدلة على باقي األئمة عليهم السالم ما فيه كفاية

للمسترشدين وجعلت ثوابه لولدي محمد وقاني الله عليه كل محذور، وصرفعنه جميع الشرور، وبلغه جميع أمانيه، وكفاه الله أمر معاديه وشانئيه، وقد

رتبته على مقدمة ومقالتين وخاتمة، أما المقدمة ففيها أبحاث:البحث األول

ما اإلمام؟.. اإلمام هو اإلنسان الذي له الرياسة العامة في أمور الدينوالدنيا باألصالة في دار التكليف، ونقض بالنبي، وأجيب بوجهين:األول: التزام دخوله في الحد (١) لقوله تعالى: * (للناس إماما) *.والثاني: تعديل قولنا باألصالة بالنيابة عن النبي (٢). وقيل: اإلمامة

عبارة عن خالفة شخص من األشخاص للرسول صلى الله عليه وآله فيإقامة قوانين الشرع وحفظ حوزة الملة على وجه يجب اتباعه على األمة كافة

وجنسها البعيد اإلضافة (٣).--------------------

(١) ظاهر كالمه طاب ثراه أنه يلتزم بهذا الالزم، وهو دخول النبي صلى الله عليه وآله فيحد اإلمام لما جاء في الكتاب من قوله عز شأنه في خطاب إبراهيم عليه السالم: إني جاعلك

للناس إماما، ولكن هذا ال يدفع للفرق بين النبوة واإلمامة اصطالحا وحقيقة، واجتماعهمافي واحد ال ينافي االختالف، فإنه يكون جامعا للوظيفتين، ومن ثم تكون اإلمامة للنبي وال

تكون النبوة لإلمام.(٢) أي تبديل لفظ األصالة الوارد في حد اإلمام بلفظ النيابة، وهذا ال يكون جوابا أيضا، بل

هو اعتراف بالنقض، غير أنه تصحيح للحد بهذا التعديل وبهذا يخرج النبي عن حداإلمام، ألن رياسة النبي باألصالة.

(٣) أي مقولة اإلضافة وهي إحدى المقوالت العشر فالعالمة طاب ثراه يعتبر اإلمامة من مقولةاإلضافة، وقد يشكل عليه بأن اإلضافة من النسب االعتبارية التي ليس لها مستقل دون

المتضايقين، واإلمامة من الشؤون الذاتية الثابتة للشخص، وإن لم يأتم به أحد، ويشهد لهتعريفه المذكور.

(٢٢)

Page 21: Kitab Al-Alfain Arabic

البحث الثانياإلمامة لطف عام، والنبوة لطف خاص المكان خلق الزمان من نبي

حي، بخالف اإلمام لما سيأتي، وإنكار اللطف العام شر من إنكار اللطفالخاص، وإلى هذا أشار الصادق عليه السالم بقوله عن منكر اإلمامة أصال

ورأسا وهو شرهم.البحث الثالث

كل مسألة ال بد لها من موضوع ومحمول فإن كانت كسبية احتاجت إلىوسط ليتم البرهان عليها ومن ثم وجبت المقدمتان، فإن كانتا ضروريتين فال

كالم، وإن كانتا برهانيتين فهما علم من العلوم وال يبرهن عليهما وال علىشئ من مباديهما بتلك المسألة وإال دار، وعلى الناظر فيها أن يسلم المباديعليها وال يعترض عليها، ألن المنع منها واالعتراض عليها يتعلقان بنظر آخر

غير النظر األول، فإن اعتراه شك فليرجع إلى المواضع المخصوصة بها ويؤخرالنطر فيها إلى أن يحقق المبادئ التي هي كالقواعد، فإن الباحث عن قدرةالصانع ال يتكلم في حدوث األجسام، بل يكون ذلك مقررا عنده، إذا تقرر

ذلك فنقول:موضوع هذه المسألة ومحمولها ظاهران، وأما المبادي فهي ثمانية عشرا:

١ - إن العالم محدث، والله تعالى محدثه.٢ - إنه واجب الوجود لذاته أزال وأبدا.

٣ - إنه قادر على كل المقدورات.

(٢٣)

Page 22: Kitab Al-Alfain Arabic

٤ - إنه عالم بجميع المعلومات (١).٥ - غني عما سواه.٦ - مريد للطاعات.٧ - كاره للمعاصي.

٨ - ال يخل بالواجبات وال يفعل القبيحات وال يريد ذلك.٩ - إنه تعالى قد كلف العباد مصالحهم بقدر وسعهم.

١٠ - إنه يجب عليه األلطاف.١١ - إنه تعالى قام باأللطاف الواجبة عليه مما يتعلق بتكاليفهم.

١٢ - إنه تعالى أزاح علتهم ليس غرضه في ذلك إال االحسان إليهموإفاضة النعم عليهم.

١٣ - إنه كلفهم بالوجه األفضل والبلوغ به إلى الثواب األجزل.١٤ - إنه تعالى أرسل محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسوال معصوما

قائما بالحق قائال بالصدق.١٥ - أنزل عليه الكتاب العزيز الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه وال

من خلفه تنزيل من حكيم حميد فنسخ بشريعته جميع الشرايع، وبسنتهالسنن، وهي باقية إلى يوم الدين.

١٦ - إنه معصوم من الزلل والخطأ والنسيان.١٧ - إن اللطف في الواجبات واجب عليه تعالى إذا كان من فعله

خاصة.--------------------

(١) أخرج بذلك المستحيالت بالذات كشريك الباري تعالى، واجتماع الضدين والنقيضين، ألنالعجز من ناحية المقدور ال القدرة.

(٢٤)

Page 23: Kitab Al-Alfain Arabic

١٨ - إنه تعالى لم يجعل لكل الناس القوة القدسية التي تكون علومهممعها فطرية القياس، فتكون القوة الوهمية والشهوية والغضبية مغلوبة دائما،

وهذا ظاهر فإنه لم ينقل في عصر من األعصار ذلك.البحث الرابع

* (في أن نصف اإلمام لطف) *إعلم أن اإلمام الذي حددناه إذا كان منصوبا يقرب المكلف بسببه من

الطاعات، ويبعد عن المقبحات، وإذا لم يكن كذلك كان األمر بالعكس،وهذا الحكم ظاهر لكل عاقل بالتجربة وضروري ال يتمكن أحد من إنكاره

وكل ما يقرب المكلفين إلى الطاعة ويبعدهم عن المعاصي يسمى لطفااصطالحا، فظهر من ذلك أن كون اإلمام منصوبا ممكنا (١) لطف في

التكاليف الواجبة وما سيأتي في وجوب نصب اإلمام يدل على أنه لطفأيضا (٢).

البحث الخامسال يقوم غير اإلمامة مقامها لوجوه:

الوجه األول: ما ذكره القدماء وهو أن اتفاق العقالء في كل صقع (٣)وفي كل زمان على إقامة الرؤساء يدل على عدم قيام غيرها مقامها (٤).

--------------------(١) مفعول مكن مضاعف العين.

(٢) أي إن نصب اإلمام مع التمكين لطف ومجرد النصب لطف أيضا، وإن لم يتمكن من القيامبوظائفه - كما سيأتي - وهذا دفع لما يخال من أن اللطف في اإلمام إنما يكون مع التمكن

فحسب.(٣) الصقع: بضم فسكون: الناحية.

(٤) ال يرتاب ذو مسكة في حاجة الناس إلى الرئيس الدنيوي استتبابا لألمن ودفعا للفوضى،فكيف للجامع بين الرياستين دنيا ودينا؟ واتفاقهم من البدء إلى اليوم على إقامتهم هذه

للرؤساء أقوى برهان على أنه ال يقوم مقام اإلمامة شئ، وإال الستغنى الناس عنالرئيس.

(٢٥)

Page 24: Kitab Al-Alfain Arabic

الوجه الثاني: إن الغالب على أكثر الناس القوة الشهوية والغضبيةوالوهمية بحيث يستبيح كثير من الجهال لذلك اختالل نظام النوع اإلنساني في

جنب تحصيل غاية القوة الشهوية له أو الغضبية، ويظهر لذلك التغالبوالتنازع والفساد الكلي، فيحتاج إلى رادع لها، وهو لطف يتوقف فعل

الواجبات وترك المحرمات عليه وهو إما داخلي أو خارجي، فاألول: ليسإال القوة العقلية، وإال لكان الله تعالى مخال بالواجب في أكثر الناس. وهذامحال، ألنه إن امتنع معه الفعل وكان من فعله تعالى كان إلجاء وهو ينافي

التكليف، وإن كان من فعل المكلف نقلنا الكالم إليه (١) وإن كان مما يختارمعه المكلف فعل الواجبات وترك المعاصي بحيث يوجب الداعي لذلك

ويوجب المصارف عن ضده، وإن جاز معه الفعل بالنظر إلى القدرة ال بالنظرإلى الداعي، كما في العصمة، فالتقدير خالف ذلك في األكثر، والواقع ضدذلك في غير المعصوم، وألن البحث على تقدير عدمه، ولهذا أوجبنا اإلمامة

وألنه يلزم إخالله تعالى بالواجب، وإن لم يكن كذلك لم نجد نفعا فيردعها، وهو ظاهر والواقع يدل عليه والثاني: إن كان من فعله تعالى بحيث

كلما أخل المكلف بواجب أو فعل حراما أرسل الله عليه عقابا أو مانعا أو فيبعض األوقات كان إلجاء وهو باطل، وإن كان من فعله تعالى الحدود ومنفعل غيره كإقامتها وهو المطلوب ألن ذلك الغير يجب أن يكون معصوما

مطاوعا ليتم له ذلك فال يقوم غيره مقامه (٢) وألنه إن وجب وصوله كل وقتيحتاج إليه لزم الجبر (٣) وإال فأما أن يكون من فعل الله تعالى بغير وساطة أحد

--------------------(١) أي إن امتنع معه الفعل وكان من فعل المكلف كان ذلك الجاء أيضا، وااللجاء ينافي

التكليف، لسلبه االختيار من المكلف.(٢) ألن غير المعصوم وإن أطيع ال يؤمن من خطئه في إقامة الحدود المقررة من قبله تعالى، فإقامة

الحدود التي يقررها الحكيم سبحانه ال يقيمها دائما كما هي مقررة غير المعصوم.(٣) هذا برهان لحاجة الناس إلى اإلمام في كل زمان، وتقريبه أن اإلمام ال يراد منه حمل الناس

قهرا على الطاعة وردعهم عن المعصية بحيث ال يكون لهم اختيار في فعل الطاعة وتركالمعصية، فهو يحملهم ويردعهم بعد التعليم وإقامة الحجة فمن هنا يعلم أن الناس في حاجة

دوما إلى هذا المرشد المعلم، فلو وجب وصوله في األوقات الخاصة التي تخص على الحملوالردع مع التمكين للزم الجبر بسلب االختيار.

(٢٦)

Page 25: Kitab Al-Alfain Arabic

من البشر بأن ينزل به عذابا إذا فعل أو آية عند عزمه والتقدير عدمه أوبتوسط البشر فهو مطلوبنا (١).

الوجه الثالث: إن تحصيل األحكام الشرعية في جميع الوقايع منالكتاب والسنة وحفظها ال بد من نفس قدسية تكون العلوم الكسبية

بالسنة إليها كفطرية القياس معصومة من الخطأ، وال يقوم غيرها مقامها فيذلك إذ الوقايع غير متناهية والكتاب والسنة متناهيان، وال يمكن أن تكونهذه النفس لسائر الناس فتعين أن تكون لبعضهم، وهو اإلمام فال يقوم غيره

مقامه.الوجه الرابع: المطلوب من الرئيس أشياء:

١ - جمع اآلراء على األمور االجتماعية التي مناط تكليف الشارع فيهااالجتماع كالحروب والجماعات، فإنه من المستبعد بل المحال أن يجتمع آراء

الخلق الكثير على أمر واحد وعلى مصلحة واحدة، وأن يعرف الكل تلكالمصلحة ويتفقوا عليها، وأن تجتمعوا من البالد المتباعدة، وأن تتفق دواعيهم

على الحرب ومدته وجهته، والمهانات والمصلحة في جميع األوقات، فإناالتفاقي ال يكون دائما وال أكثريا، وال يقوم غير الرئيس في ذلك مقام

الرئيس وهو ظاهر.٢ - التقريب المتقدم فيما يحتاج فيه إلى االجتماع، فإن الناس ال يتفقونعلى مقدم فيؤدي إلى االختالف، وهو نقض للغرض، فال بد أن يتميز بآية

من الله تعالى ويكون منزها من كل عيب، ويكون معصوما لئال تنفر الطباععنه.

--------------------(١) ألن الوسيط هو القائم بتعليم الناس شرائع األحكام كما جاء بها صاحب الشريعة وال يسلبهم

االختيار، وال يصلح لتلك الوساطة غير المعصوم.

(٢٧)

Page 26: Kitab Al-Alfain Arabic

٣ - حفظ نظام النوع عن االختالل، ألن اإلنسان مدني بالطبع ال يمكنأن يستقل وحده بأمور معاشه الحتياجه للغذاء والملبوس والمسكن، وغير

ذلك من ضرورياته التي تخصه، ويشاركه غيره من أتباعه فيها، وهي صناعةال يمكن أن يعيش اإلنسان مدة بصنعها، فال بد من االجتماع بحيث يحصلالمعاون الموجب لتسهيل الفعل، فيكون كل واحد يفعل لهم عمال يستفيض

منه أجرا، ال يمكن النظام إال بذلك وقد يمتنع المجتمعون من بعضها، فالبد من قاهر يكون التخصيص منوطا بنظره الستحالة الترجيح من غير

مرجح، وألنه يؤدي إلى التنازع.٤ - الطباع البشرية مجبولة على الشهوة والغضب والتحاسد والتنازع،

واالجتماع مظنة ذلك فيقع بسبب االجتماع الهرج والمرج، ويختل أمر النظامفال بد من رئيس يقهر الظالم وينصر المظلوم، ويمنع عن التعدي والقهر

ويستحيل عليه الميل والحيف (١) وإنما قصده اإلنصاف، ويخاف من عقوبتهالعاجلة، فإن أكثر الناس أطوع لها اآلجلة، ألنا نبحث على هذا التقدير

بحيث يقاوم خوفه شهوته وغضبه وحسده، وغير الرئيس ال يقوم مقامه فيذلك لما تقدم، وأيضا فإنه معلوم بالضرورة.

٥ - الحدود لطف أمر الشارع بها، فال بد لها من مقيم، وغير الرئيسيؤدي أي الهرج والمرج والترجيح بال مرجح، فال يقوم غيره مقامه في ذلك.

٦ - الوقايع غير محصورة، والحوادث غير مضبوطة، والكتاب والسنة اليفيان بها، فال بد من إمام منصوب من قبل الله تعالى معصوم من الزلل

والخطأ، يعرفنا األحكام ويحفظ الشرع، لئال يترك بعض األحكام أو يزيدفيها عمدا أو سهوا، أو يبدلها، وظاهر أن غير المعصوم ال يقوم مقامه في

ذلك.٧ - تولية القضاء الذين يجب العمل بحكمهم في الدماء واألموال

--------------------(١) الجور والظلم.

(٢٨)

Page 27: Kitab Al-Alfain Arabic

والفروج، وسعاة الزكوات األمناء على أموال الفقراء وأمراء الجيوشالواجبي الطاعة في الحروب وبذل النفس والقتل، والوالة أمر ضروري لنظام

النوع، وال بد أن يكون منوطا بنظر واحد الستحالة الترجيح من غيرمرجح، والواقع اختالف اآلراء وتضاد األهواء، وغلبة الشهوات وتغاير

المرادات واتفاق الخلق من أنفسهم ابتداء على واحد في هذه المناصب متعسربل متعذر، وفي كل زمان على شخص واحد بالشرائط التي يستحق معها

ذلك ممتنع، فإن االتفاقي يستحيل أن يكون أكثريا أو دائميا، فذلك الواحدالذي يناط تولية هؤالء بنظره ال بد أن يكون واجب الطاعة من قبل الله

تعالى، ويستحيل من الحكيم إيجاب طاعة غير المعصوم في مثل هذه األمورالكلية التي بها نظام النوع وعدم اختالله، وظاهر أن غيره ال يقوم مقامه على

التقادير التي يبحث عنها.٨ - األمر بالمعروف والنهي عن المنكر لطف ال يقوم غيره مقامه لوجوبه

من غير بدل، فاألمر لطف واجب ال يقوم غيره مقامه المتناع تحقق اإلضافةبدون تحقق المضافين، وال بد أن ينتهي إلى معصوم ال يجوز عليه الخطأ بوجه

من الوجود وال السهو، وإال لجاز أمره بالمنكر ونهيه عن المعروف، فلم يبقوثوق بقوله فانتفت فائدة التكليف به، وألنه أما أن يكون كل واحد منالخلق مأمورا بأمر اآلخر ونهيه من غير أن يكون هناك رئيس يأمر الكل

وينهاهم أو مع رئيس واألول باطل، وإال لوقع الهرج والمرج والنتفى األمربالمعروف والنهي عن المنكر إذ الغالب أن يرضى الواحد بترك تأليم غيره ليترك

تأليمه، ألنا نبحث على تقدير غلبة القوة الشهوية والغضبية على القوة العقليةفي أكثر الناس الذين يحصل بسبب تخليتهم على قواهم الشهوية والغضبية

المفتضية لعدم التفاتهم إلى الشرايع اختالل نظام النوع، فتعين الثاني فال يقومغير الرئيس في ذلك مقامه، وال بد أن يكون ذلك الرئيس من قبل الله تعالى

بحيث تجب طاعته وجوبا عاما، وال بد أن يكون معصوما.٩ - العلم باألحكام يقينا ال ظنا باالجتهاد، ألن المصيب واحد على ما

بيناه في كتبنا األصولية، وقد تتعارض األدلة وتتساوى األمارات، ويستحيل

(٢٩)

Page 28: Kitab Al-Alfain Arabic

الترجيح بال مرجح، وتتساوى أحوال العلماء بالنسبة إلى المقلدين، فال بدمن عالم باألحكام يقينا ال ظنا باألمارة، ليرجع إليه من يطلب العلم ويطلب

الصواب يقينا.الوجه الخامس: إن نظام النوع ال يحصل إال بحفظ النفس والعقل

والدين والنسب والمال فشرع لألول (١) القصاص، وأشار إليه بقوله تعالى:* (ولكم في القصاص حياة) * وللثاني (٢) تحريم المسكر والحد عليه،وللثالث (٣) قتل المرتد والجهاد، وللرابع (٤) تحريم الزنا والحد عليه،

وللخامس (٥) قطع السارق وضمان المال، وهذه أمور مهمة يجب حكمهما فيكل شريعة في كل زمان وال يتم إال بمتول لذلك يكون عارفا بكيفية إيجابها،

وكمية الواجب ومحله وشرائطه، وال يقوم غيره مقامه، في ذلك، وال بد أنيمتاز عن بني نوعه بنص إلهي ومعجز ظاهر الستحالة الترجيح من غير

مرجح، ولجواز اجتماع جميع اآلراء على غيره الختالف األهواء وألنه لوالذلك ألدى إلى الهرج والمرج.

الوجه السادس: أن قيام البدل مقامه (٦) ال يتصور إال في حال عدمهوقد تقرر حصول العلم الضروري إن التقريب والتبعيد (٧) عند عدم نصباإلمام أو تمكينه (٨) على عكس ما ينبغي فيستحيل أن يكون له بدل (٩).

--------------------(١) وهو حفظ النفس.(٢) وهو حفظ العقل.(٣) وهو حفظ الدين.

(٤) وهو حفظ النسب.(٥) وهو حفظ المال.

(٦) أي مقام اإلمام المعصوم.(٧) أي التقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية.

(٨) أي عدم تمكينه.(٩) وإيضاحه إننا نعلم بالضرورة بأن تقريب الناس من الطاعة وتبعيدهم عن المعصية بدون إمام

منصوب منه تعالى أو مع عدم تمكينه ال يكون على ما ينبغي أن يكون، والوجدان أصدقبرهان على ذلك، فإن التقريب والتبعيد على ما يريده سبحانه لم يحصال في جميع األوقات التي

كان اإلمام فيها غير متمكن ألن الناس من بعد الرسول صلى الله عليه وآله حتى اليوملم يعملوا بالشريعة كما هي إال أيام أمير المؤمنين عليه السالم، في البالد التي كانت تحت

سلطته، فيستحيل إذن أن يكون لإلمام المعصوم بدل يقوم مقامه.

(٣٠)

Page 29: Kitab Al-Alfain Arabic

البحث السادسفي أن نصب اإلمام واجب والنظر في الوجوب وكيفيته وطريقه ومحله

وإبطال كالم الخصم.النظر األول في الوجوب

أجمع العقالء كافة على الوجوب في الجملة خالفا لألزارقة (١)واألصفرية (٢) وغيرهم من الخوارج (٣) والدليل على الوجوب مطلقا أن اإلمامة

لطف وكل لطف واجب (٤) والصغرى ضرورية قد ذكرناها، والكبرى مثبتةفي علم الكالم ال يقال: إنما يجب اللطف عينا إذا لم يقم غيره مقامه، أما إذا

قام فال، سلمنا لكن الوجوب ال يكفي فيه وجه المصلحة ما لم يعلم انتفاءجهات القبح بأسرها فلم ال يجوز أن تكون اإلمامة قد اشتملت على نوع

--------------------(١) أتباع نافع بن األزرق الحنفي المكنى بأبي راشد، وكانوا أكبر فرق الخوارج عددا وأشدهم

شوكة.(٢) ويقال لهم الصفرية أيضا مثل والبترية وهم أتباع زياد بن األصفر.

(٣) غير أن الذي وجدته في أرجوزة بعض العلماء من األباضية ما ظاهره الوجوب، وهي أرجوزةمحمد بن عبد الله بن حميد بن سلوم السالمي العماني المولود عام ١٢٨٦ والمتوفى عام ١٣٣٢

المسماة ب " جواهر النظام " قال في مستهل مبحث اإلمامة ج ٢ ص ١١٦:يلزم نصب قائم في الناس * في أربعين رجال أكياس

- بل يكاد أن يكون صريحا في الوجوب ولعل الوجوب رأي حادث لهم.(٤) أما لطف اإلمامة فلكونها مقربة من الطاعة مبعدة عن المعصية، وإما أن كل لطف واجب

فلكون اللطف محصال للغرض، وذلك ألنه تعالى يريد عباده أن يعرفوه ويعبدوه، فلو كلفهمدون أن يبعث لهم الرسل المبلغين وينصب لهم األئمة المرشدين حفظة للشرائع لم يحصل

غرضه، فيجب عليه سبحانه تحصيال لغرضه أن يبعث للعباد األنبياء ويجعل لهم أوصياءمعصومين.

(٣١)

Page 30: Kitab Al-Alfain Arabic

مفسدة ال نعلمه؟ فال يصح الحكم بالوجوب، وعدم العلم ال يدل علىالعدم، ووجه الوجوب علينا كاف ال عليه تعالى وألن في نصبه إثارة الفتنوقيام الحروب، كما في زمن علي عليه السالم والحسن والحسين عليهما

السالم، وألن مع وجود اإلمام يخاف المكلف فيفعل الطاعة، ويترك القبيحللخوف منه ال لكونه طاعة أو قبيحا، وذلك من أعظم المفاسد، وألن فعل

الطاعة وترك المعصية عند فقد اإلمام أشد منهما عند وجوده فيكون الثوابعليهما في حال فقده أكثر منه في حالة وجوده، وذلك فساد عظيم، سلمناكونها لطفا لكن ال نسلم دائما كذلك، فإنه قد يكون في بعض األزمنة من

يستنكف من اتباع غيره، فيكون نصب اإلمام في ذلك الوقت قبيحا،وسلمنا لكن ها هنا لطف آخر، فال تتعين اإلمامة للوجوب ألن اإلمام

معصوم، فعصمته إن كانت إلمام آخر تسلسل، وإن كانت ال إلمام آخر ثبتالمطلوب ألن امتناع اإلمام من المعصية وترك الواجب (١) ال يتوقف على اإلمام

بل له لطف آخر.ال يقال: إنا نعلم بالضرورة أن غير المعصوم احترازه عن فعل القبيح

وفعله الطاعات عند وجود اإلمام أتم، ألنا نقول: جاز أن يكون في بعضاألزمنة القوم بأسرهم معصومين فيه، فال يكون نصب اإلمام هناك واجبا لقيامالعصمة مقام اإلمام في ذلك الوقت، فجاز في كل وقت فال يتعين وقت مناألوقات لوجوب نصب اإلمام على التعيين، وألنه جاز أن يكون غير العصمةسببا في االمتناع عن اإلقدام على المعاصي، سلمنا لكن ها هنا ما يدل على

أنها ليست لطفا وذلك ألنها أما أن تكون لطفا في أفعال الجوارح أو في أفعالالقلوب والقسمان باطالن، أما األول فعلى قسمين ألن القبايح منها ما يدل

العقل عليها، ومنها ما يدل السمع عليها فإن جعلتم اإلمام لطفا فيالشرعيات لم يلزم وجوبه مطلقا، ألن الشرع ال يجب في كل زمان ووجوب

اللطف تابع لوجوب المطلوب فيه، وإن جعلتموه لطفا في العقليات فنقول:--------------------

(١) عطف على المعصية أي وامتناع اإلمام من ترك الواجب.

(٣٢)

Page 31: Kitab Al-Alfain Arabic

القبايح العقلية إن تركت لوجه وجوب تركها كان ذلك مصلحة دينية، وإنتركت ال لذلك كانت مصلحة دنيوية، ألن في ترك الظلم والكذب مصلحة

دنيوية ضرورة اشتماله (١) على مصلحة النظام، لكن معنى ترك القبيح لقبحههوان الداعي إلى ترك الظلم هو كونه ظلما وذلك من صفات القلوب، فإنجعلنا اإلمام لطفا في ترك القبيح، سواء كان لوجه قبحه أو ال لوجه قبحه،كان ذلك الترك مصلحة دنيوية، فيكون اإلمام لطفا في المصالح الدنيوية،

وذلك غير واجب باالتفاق على الله تعالى، وإن جعلناه لطفا في ترك القبيحلوجه قبحه، فقد جعلنا اإلمام لطفا في صفات القلوب ال في أفعال

الجوارح، وذلك باطل ألن اإلمام ال اطالع له على الباطن.ال يقال: يحصل بسببه المواظبة على فعل الواجبات وهو يفيد استعدادا

تاما لخلوص الداعي في أن ذلك الفعل يفعل لوجه وجوبه، ويترك لوجهقبحه، وذلك مصلحة دينية، ألنا نقول: هذا يقتضي وجوب اللطف في

المصالح الدنيوية على الله تعالى ألن على ذلك التقدير تكون المصالح الدنيويةوالمواظبة عليها سببا لرعاية المصالح الدينية وذلك غير واجب اتفاقا، ألنا

نجيب:عن األول: بأنه قد بينا أن اإلمام لطف ال يقوم غيره مقامه، ونزيد

هيهنا فنقول إن قيام البدل قيام البدل ال يتصور إال في حال عدمه، وقد قلنا فيصدر هذه المسألة إنا نعلم ضرورة أن التقريب والتبعيد عند عدم نصباإلمام أو تمكينه (٢) على عكس ما ينبغي، فيستحيل أن يكون له بدل،ولقوله تعالى: (ولوال دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع

وصلوت ومسجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن اللهلقوي عزيز) حكم بلزوم هذه المفاسد النتفاء الرئيس فلو قام غيره مقامه لم

تكن الزمة النتفاء الرئيس، ولقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله--------------------

(١) أي اشتمال ترك الظلم والكذب.(٢) أي عدم تمكينه عطفا على نصب اإلمام.

(٣٣)

Page 32: Kitab Al-Alfain Arabic

وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) * جعل طاعة الرسول وطاعة أولي األمرمتساويتين القتضاء العطف المساواة في العامل، وكما أن طاعة الرسول ال يقوم غيرها

مقامها كذلك طاعة أولي األمر (١) فال يقوم غيرها مقامها، وأيضا فإنالوجوب عند المعتزلة مشروط باشتمال الفعل على مصلحة أو وجه يقتضي

وجوبه، فإن قام غيره مقامه وكان مساويا له في االمكان والقدرة عليهوالمصالح والوجوه الموجبة للوجوب بحيث ال يشتمل أحدها على وجه موجب

للوجوب ويخلو اآلخر عنه استحال إيجاب أحدهما عينا ووجب إيجابهما مخيرا،وال شك في وجوب اإلمامة في الجملة. فلو قام غيرها مقامها وكان مقدوراممكنا استحال وجوبها عينا بل كان الله تعالى قد أوجب أحدهما ال بعينه،

وهذا الدليل إنما يتأتى على قواعد المعتزلة القائلين بوجوب اإلمامة سمعا، واليتأتى على قواعد اإلمامية القائلين بوجوبها عقال، وال على قواعد األشاعرة،

وألنه قد ثبت بالتواتر إجماع المسلمين في الصدر األول أنهم قالوا: يمتنع خلوالوقت عن خليفة ولو قام غير اإلمام مقامها لما امتنع ذلك، وفيه نظر فإنه

يدل على ذلك الوقت والمدعي في كل وقت (٢).وعن الثاني بوجهين، األول: إن قرب المكلفين من الطاعة وبعدهم عن

المعصية مما يطابق غرض الحكيم من التكليف ويقرب حصوله، وعكسهما ممايناقضه ويبعد حصوله، فلو كان فيما يطابق غرضه ويقرر حصوله مفسدة

لكان غرضه مفسدة وذلك باطل على ما ثبت في العدل أنه ال يريد القبايح،والثاني: إن المفسدة تستحيل أن تكون راجعة إلى الحكيم إذ هو واجب

--------------------(١) المراد من أولي األمر األئمة المعصومون وذلك ألن غير المعصومين يقوم غيرهم مقامهم، وألنهم

لو وجبت طاعتهم مع تجويز الخطأ عليهم لجاز اتباع الخطأ وهو مناف لغرضه تعالى، فإناإلمام إنما يريده سبحانه للصالح وهو حمل الناس على العمل بالشريعة وإصابة الحق، فكيف

يوجب تعالى طاعته وإن خالف الحق والشرع؟ فاألمر بطاعة غير المعصوم مستحيل عليهجل شأنه.

(٢) ويجاب عن هذا النظر بأنه لم يحك عن األزمنة المتأخرة أنها خالفت إجماع الصدر األول، فهوماض في جميع األوقات ما لم تعلم مخالفته.

(٣٤)

Page 33: Kitab Al-Alfain Arabic

الوجود لذاته، غني عن غيره فال يصح عليه جلب نفع وال دفع ضرر، فلوكانت لكانت راجعة إلى غيره، والذي أثبتناه في وجوب نصب اإلمام فيه

المصلحة العامة للمكلفين، فلو كانت فيه مفسدة راجعة إليهم لكان عين ماهو مصلحة لهم مفسدة لهم خلف (١) وأيضا فإن المفاسد محصورة معلومة ألنا

مكلفون باجتنابها وتلك منفية عن اإلمام ال يقال: إنما نعلم المفاسد المشتملةعليها أفعالنا بل أفعال غيرنا التي ال نقدر نحن عليها فال يجب معرفتها

واإلمامة عندكم ليست من فعلنا على ما يأتي بل من فعل الله تعالى فال يجبالعلم بالمفسدة التي تشتمل عليها ألنا نقول: لو كانت اإلمامة مشتملة على

مفسدة لما أوجبها الله تعالى على المكلفين ولما أوجب على الناس طاعة اإلماموأيضا لو اشتملت على مفسدة لنهى الله تعالى عن نصب اإلمام، والتالي

باطل قطعا، فالمقدم مثله والمالزمة ظاهرة.وعن الثالث: إنه لوال إمامة علي والحسن والحسين عليهم السالم لظهر

من الفتن ما هو أشد من ذلك، وألن اإلمام كعلي والحسن والحسين عليهمالسالم يدعون الناس إلى ما دعاهم النبي صلى الله عليه وآله ويخاصمهم على ما لو كانالنبي صلى الله عليه وآله موجودا لخاصمهم عليه كذلك، فلو كان ذلك مانعا من نصب

اإلمام لكان مانعا من نصب النبي، وألن الحث على الواجبات وترك المعاصيلو كانت مفسدة غير جائزة المتنعت من النبي صلى الله عليه وآله (٢).

وعن الرابع: إن ذلك يقتضي قبح اإلمامة مطلقا سواء وجبت بالعقلأو من الله تعالى وذلك باطل اتفاقا، ثم نقول: المكلف إما مطيع أو عاص،

ووجه اللطف في األول تقويته على فعل الطاعة، وأما الثاني فال نسلم إن تركالمعصية منه ال لكونها معصية قبيح، بل القبيح هو ذلك االعتقاد، وهو كون

الترك ال لكونها معصية ووجه اللطف فيه حصول االستعداد الشديد ليثبتالتكرير والتذكير الموجب لفعل الطاعة لكونها طاعة ولترك المعصية لكونها

--------------------(١) هذا الحرفان إشارة إلى قولهم - هذا خلف - جرى على ذلك القدماء في مؤلفاتهم.

(٢) بل لو كانت الحروب والفتن مانعة من نصب اإلمام لبطلت إمامة من ادعوا إمامتهم إذ قل مايتفق ألحد منهم إن خلت أيامه من حروب وفتن.

(٣٥)

Page 34: Kitab Al-Alfain Arabic

معصية (١).وعن الخامس: إنه وارد في كل لطف مع إنا قد بينا وجوبه فيما سلف.

وعن السادس: إنا ال نسلم اتفاق أهل زمان ما من األزمنة التي وقعفيها التكليف على ذلك، نعم قد يكون بعضهم بهذه المثابة لكن لو نظر إلىذلك البعض لكانت بعثة األنبياء قبيحة الستنكاف بعضهم منها، وأيضا هذاإنما يكون بالنسبة إلى شخص معين، أما مطلق الرئيس فال. ونحن اآلن النتعرض لتعيين ذلك الرئيس وأيضا فألن المفسدة الحاصلة عند عدمه أغلب

منها عند وجوده فيجب وجوده نظرا إلى حكمته.وعن السابع: إن اإلمام ال شك في كونه لطفا بالنسبة إلى غير

المعصومين مع بقاء التكليف فيكون حينئذ واجبا، أما إذا أفتقد أحد الشرطينوهو جواز الخطأ على المكلفين أو التكليف لم نقل بوجوب اإلمامة حينئذ وذلك

ال يضرنا (٢) ال يقال مذهبكم وجوب اإلمامة مع التكليف مطلقا: ألنا نقولال نسلم بل مع شرط آخر وهو جواز الخطأ.

وعن الثامن: إنها مصلحة فيها والشرع، ال نسلم جواز انقطاعة معبقاء التكليف، وهذا المنع يتأتى من القائل بعدم جواز انفكاك التكليف

--------------------(١) ويجاب أيضا بأن العبد لو فعل الطاعة وترك المعصية خوفا منه تعالى ال لحسن الطاعة وقبح

المعصية لكان ذلك أيضا من أعظم المفاسد بنظر هذا المعترض فتبطل عبادات الناس إال منندر، وأين من يزعم هذا من نبي اإلسالم؟ على أن المقصود من بعثة تعالى األنبياء ونصبهاألوصياء المعصومين عبادته (وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون) نعم لو كانت العبادةلذاته تعالى، ألنه مستحق لها بذاته ال طمعا في جنته وال خوفا من ناره لكان ذلك أفضل

العبادات ألن سواها باطل.(٢) ألن الخطأ جائز على البشر دائما والتكليف باق أبدا، فلطف اإلمامة مستمر، وأين من البشر

المعصوم عدا من وجبت له العصمة؟ وأين الوقت الذي اتفقت فيه عصمة الناس بأسرهمليستغنوا عن اإلمام؟ ولو اتفق ذلك ال نأبى من القول باستغناء األمة عن اإلمام، فكل وقت

إذن يتعين فيه نصب اإلمام، لبقاء التكليف وتجويز الخطأ معا.

(٣٦)

Page 35: Kitab Al-Alfain Arabic

العقلي عن السمعي، سلمنا لكن ترك الظلم ليس مصلحة دينية ال غير بلهو مصلحة دينية ودنيوية ألن االخالل به من التكاليف العقلية والسمعية، سلمنا

لكنه يكون لطفا في أفعال القلوب، فإن ترك القبيح ألجل اإلمام ابتداء ممايؤثر استعدادا تاما لتركه لقبحه.النظر الثاني في كيفية الوجوب

والحق عندنا إن وجوب نصب اإلمام عام في كل وقت وخالف في ذلكفريقان أحدهما أبو بكر األصم (١) وأصحابه فإنهم: ذهبوا إلى أن وجوبه

مخصوص بزمان الخوف وظهور الفتن، وال يجب مع األمن وإنصاف الناسبعضهم من بعض لعدم الحاجة إليه، والفريق الثاني الفوطي (٢) وأتباعه

فإنهم: ذهبوا إلى عدم وجوبه مع عدم الفتن، فإنهربما كان نصبه سببا لزيادة الفتن واستنكافهم عنه، وإنما يجب

عند العدل واألمن إذ هو أقرب إلى شعائر اإلسالم، لنا داللة األدلة الدالةعلى وجوبه على عمومها، إذ مع اإلنصاف واألمن يجوز الخطأ، ويحتاج إلى

حفظ الشرع وإقامة الحدود، فيجب اإلمام. ومع ظهور الفتن الخطأ واقعفالمكلف إلى اللطف يكون أحوج (٣).

--------------------(١) أحد رؤساء المعتزلة وأهل المقاالت فيهم.

(٢) هشام بن عمر الفوطي كانا من أرباب المقاالت، وله فئة وأتباع وكان في عصر المأمون.(٣) إن الذي أوقع هذين الفريقين في الخطأ: زعمهم أن حاجة الناس إلى اإلمام محدودة وفاتهم

إن في الناس حاجة دائمة إلى اإلمام، إذ ال يراد من اإلمام صد الناس عن الفتن والفسادفحسب، بل يراد منه أيضا أن يدل الناس على الهدى ويعلمهم شرائع اإلسالم كما جاء بها

صاحب الشريعة، ويحفظ الشريعة عن التحريف والتصحيف والزيادة والنقصان إلى غيرذلك، ومتى تحصل األمة على ذلك بدون إمام معصوم؟ مع ما هم عليه من الجهل بالشريعة

والدين والخطأ عمدا وسهوا.

(٣٧)

Page 36: Kitab Al-Alfain Arabic

النظر الثالث في طريق وجوبهانحصر قول القائلين بالوجوب في ثالثة أقوال:

أحدها: إنه واجب بالعقل ال باألوامر السمعية (١) وهو مذهب اإلماميةواإلسماعيلية.

وثانيها: القول بالوجوب سمعي وهو مذهب األشاعرة.وثالثها: القول بالوجوب عقال وسمعا وهو مذهب الجاحظ (٢)

والكعبي (٣) وأبي الحسين البصري (٤) وجماعة من المعتزلة. لنا أن الوجوب هنا علىالله تعالى لما يأتي فيستحيل أن يكون الوجوب سمعيا (٥) وألنه لطف في الواجبات

العقلية فيقدم عليها والشرع متأخر عنها، فلو وجب بالشرع دار، وألنها غيرموقوفة على الشرع، واللطف فيها لذلك. والواجبات الشرعية موقوفة على

الشرع، وألنه لو وجب بالشرع لكان تعيينه إما من الله تعالى أو منالمكلفين، واألول باطل على هذا التقدير إجماعا، أما عندنا فلعدم الوجوبشرعا بل عقال، وأما عند الباقين فلعدم تعيين الله تعالى إياه، والثاني محال

أيضا الستلزامه الترجيح من غير مرجح أو تكليف ما ال يطاق، أو خرق--------------------

(١) ال أن األوامر السمعية ال حجية فيها، وإنما القصد أن الوجوب أوال وبالذات مستفاد منحكم العقل قبل ورود الشرع به، وإنما أمر الشرع إرشاد إلى حكم العقل، فإن الشرع إنما

عرفناه من العقل قبل أن يصبح شرعا نافذ الحكم ماض األمر.(٢) أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ الشهير كان مائال إلى النصب، وله كتب جمة، وكان قبيح

المنظر، أصابه الفالج، وبقي مفلوجا إلى أن مات عام ٢٥٥.(٣) أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي الشهير، كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لها

الكعبية توفي عام ٣١٧ ه.(٤) محمد بن علي الطيب البصري المتكلم على مذهب المعتزلة، وهو أحد أئمتهم األعالم وله

تصانيف، توفي عام ٤٣٦ ه.(٥) ألن الوجوب إذا ثبت عليه تعالى كان قبل أن يأتي السمع: نعم يكون السمع مرشدا إلى ذلك

الوجوب العقلي، كما أشرنا إليه قريبا.

(٣٨)

Page 37: Kitab Al-Alfain Arabic

االجماع، أو اجتماع األضداد، أو عدم وجوب نصب اإلمام، أو انتفاءفائدته، والكل محال، أما المالزمة فألنه لو اختار قوم إماما، وآخرون آخر

مع تساويهما في الصفات، فإما أن يكون أحدهما بعينه هو اإلمام أو ال يكونأحدهما، أو يكون كل واحد منهما إماما، واألول يستلزم الترجيح بال

مرجح، والثاني يستلزم تكليف ما ال يطاق (١) وخرق االجماع (٢) وانتفاءفائدته (٣) والثالث يستلزم اشتراط نصب اإلمام باتفاق الكل وقبله ال يجب

وإال لزم تكليف ما ال يطاق، لكن اتفاقهم على واحد مع اختالف األهواءوتشتت اآلراء وما بينهم من العداوة والشحناء ال يمكن، والرابع يستلزم

اجتماع الضدين أو النقيضين، ألنه إذا أمر كل بضد أمر اآلخر، فإن وجبطاعتهما اجتمع الضدان، وإن لم تجب طاعة واحد منهما مع كونه إماما تجب

طاعته اجتمع النقيضان، وانتفت فائدته، وإن وجب طاعة واحد منهما لزمالترجيح بال مرجح، وكان هو اإلمام واجتمع النقيضان أيضا، وألنه (٤) من

الواجبات أيضا والواجبات إنما تتم باإلمام أو باالجماع فيدور أو يتسلسل (٥)وألنه (٦) إما أن يجب عليهم (٧) نصب المعصوم أوال، والثاني محال لما يأتي،

واألول يستلزم تكليف ما ال يطاق إذ العصمة أمر خفي ال يطلع عليه إال الله--------------------

(١) وذلك ألن المفروض وجوب معرفة اإلمام وطاعته، فكيف يمكن للمكلفين ذلك مع عدمتعيينه.

(٢) ألن إجماع المسلمين قام على تعيين اإلمام بشخصه ومعرفته بذاته ومع تردده بين اثنين أو أكثرخرج ذلك عن موضوع االجماع.

(٣) ألن القصد من نصب اإلمام حفظ الشريعة بتسيير نظامها وأحكامها كما صدع بها صاحبالشريعة، ومع تردده لم يحصل المطلوب.

(٤) هذا التعليل البرهان الثاني على عدم صحة تعيين اإلمام بالشرع ومن المكلفين.(٥) لعل الفارق هنا بين الدور والتسلسل هو شخص اإلمام ونوعه، فعلى األول يكون الدور،

وعلى الثاني التسلسل، وبيانه إن الواجبات التي منها تعيين اإلمام إذا احتاج تمامها إلى هذااإلمام الشخصي حصل الدور أو إلى إمام آخر حصل التسلسل.

(٦) وهذا التعليل البرهان الثالث على عدم صحة تعيين اإلمام بالشرع ومن المكلفين.(٧) أي على المكلفين.

(٣٩)

Page 38: Kitab Al-Alfain Arabic

تعالى، فيلزم تكليف ما ال يطاق، وألن الواجبات الشرعية تنقسم إلى ثالثةأقسام:

األول: ما يختص بالنبي صلى آله عليه وآله.الثاني: ما يختص باألمة.الثالث: ما يشترك بينهم.

فلو وجبت اإلمامة بالشرع لكان إما من القسم األول وهو على تقديروجوبه سمعا باطل إجماعا (١) وإما من الثاني وهو باطل أيضا ألن اإلمام إنما

وجب إللزام المكلفين بالواجبات وترك المحرمات وبه تحصيل نظام النوع،فهو أهم الواجبات فيستحيل إيجاب ملزم لهذه الواجبات التي ال يعم نفعها

وال تشمل من المصالح على ما يشتمل عليه اإلمامة من دون إيجاب ملزم لهذهالواجبات العظيمة واستحالة هذا من الحكيم ضرورية (٢) فيلزم التسلسل،

وألن االتفاق، إما أن يكون شرطا أوال، واألول إما اتفاق الكل أوالبعض، فإن كان األول انتفى الواجب، إذ اتفاق الكل مع االختالف األهواء

وتشتت اآلراء مما يتعسر بل يتعذر بل يستحيل وإن كان الثاني فأما بعض معين--------------------

(١) وذلك ألن القائلين بوجوب اإلمامة سمعا ال يرونها من الواجبات على النبي صلى الله عليهوآله.

(٢) إيضاح ذلك أن نقول: إن الغرض من اإلمامة حفظ الشريعة وحمل األمة على الهدى وصدهمعن الردى ونظام نوع البشر واجتماعهم تحت لواء واحد إلى غير ذلك، فوجوب اإلمامة من

أهم الواجبات، بل هي أهم واجب، ألن بها أداء الواجبات ومنع المحرمات، ونرى أنهناك واجبات غير عامة النفع، وال تشتمل على مصالح كمصالح اإلمامة، وكانت مصالحهاأوجبت االلزام بها، بل نرى كثيرا من المسنونات من عبادات وغيرها اهتم الشارع لبيانها،فكيف ال تكون مصالح اإلمامة العظمى وفوائدها الكبرى ال توجب االلزام بها، فيستحيلعلى الحكيم سبحانه أن تكون لديه تعالى تلك المصالح الضعيفة باعثة على االلزام بتلك

الواجبات وال تكون المصالح الجلي والمنافع المهمة في اإلمامة غير ملزمة بإيجابها عليه جل شأنهفوجوب نصب اإلمام من قبله جل شأنه لتلك المصالح يجب أن يكون من البديهيات التي ال

يختلجها الشك وال يعتريها الريب، ويستحيل عليه تعالى إيجاب تلك الواجبات دوناإلمامة.

(٤٠)

Page 39: Kitab Al-Alfain Arabic

أو غير معين، واألول باطل ألنه إما موصوف بصفة تميزه عن غيره كأهل الحلوالعقد أو العلماء أو الصحابة أو غير ما سميتم أو ال يكون كذلك، واألول

باطل إلمكان االختالف وتعذر االجتماع واستحالة الترجيح بال مرجح،والثاني يستلزم تكليف ما ال يطاق ووقوع الهرج والفساد، وإن كان الثاني وهوأن ال يكون االتفاق شرطا يستلزم الهرج والمرج والفتن والترجيح بال مرجح أو

اجتماع األضداد، وإما أن يكون من القسم الثالث فيلزم أن ال يخل النبيصلى الله عليه وآله بل ينص عليه وإال لزم إخالله بالواجب وهو محال.

النظر الرابع في محل الوجوبالوجوب هنا يتحقق على الله سبحانه وتعالى، ويدل عليه وجوه:األول: إن اللطف ينقسم قسمين: أحدهما ما يكون من فعل الله

تعالى: وثانيهما: ما يكون من فعل غيره، وكل قسم ينقسم إلى قسمين:أحدهما: ما يكون لطفا في واجب. وثانيهما: ما يكون لطفا في مندوب وقدتبين في علم الكالم إن كل ما هو لطف من الله تعالى في واجب كلف العبيدبه على وجه ال يقوم غيره من أفعاله وأفعال غيره مقامه فيما هو لطف فيه فهو

واجب على الله تعالى وإال لقبح التكليف بالملطوف فيه (١) وانتقض غرضه (٢)--------------------

(١) مثال ذلك أن نقول: إنه لو كان اإلمام لطفا في بيان الشريعة وصيانتها عن العيث والعبث،ولم يكن سواه من أفعاله وأفعال العباد ما يقوم مقام اإلمام في ذلك تعين عليه تعالى نصب

اإلمام، وإذا لم يعمل هذا اللطف كان التكليف بأحكام الشريعة قبيحا لعجز البشر دونمعلم وحافظ عن فهم حقيقة الشريعة وصيانتها وعن التحريف، والخطأ، والقبيح ال يصدر منه

جل شأنه - وقد تبين في محله من الكالم وكيف يصدر منه القبيح وهو قادر على فعل الحسن،وغني عن عمل القبيح أوليس يقدر على نصب إمام معصوم يقوى على حفظ الشريعة وتعليم

الناس أحكامها، فلماذا ال يفعله؟ ولو جاز منه تعالى فعل القبيح الرتفع الوثوق بوعدهووعيده، إلمكان وقوع الكذب منه - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - ولجاز عليه أيضا إظهار

المعجز على يد الكاذب، وذلك يدعو إلى الشك في صدق األنبياء، ويمنع من االستداللبالمعجز عليه، إلى غير ذلك من البراهين الكثيرة.

(٢) فإن غرضه سبحانه هداية العباد وطاعتهم وما أنزل عليهم الشرائع إال لذلك، فلو لم يكنلهم معلم وهاد وحافظ للشريعة بعد صاحب الشريعة لم يحصل غرضه تعالى.

(٤١)

Page 40: Kitab Al-Alfain Arabic

ونصب اإلمام فيما يجب فيه كذلك، فثبت أن نصب اإلمام ما دام التكليفباقيا واجب على الله تعالى، فهذا الدليل مبني على مقدمات، األولى: إن

نصب اإلمام لطف في الواجبات وهذا بين وقد قررناه فيما مضى، الثانية:إنه من فعل الله تعالى ألن اإلمام يجب أن يكون معصوما فال يمكن أن يكون

نصبه من فعل غير الله ألن غير المطلع على السرائر ال يكون مطلعا علىالسرائر، فال يقدر أن يميز الموصوف بامتناع وقوع المعصية عنه أو عن غيرهحتى ينصبه إماما، الثالثة: إنه ال يقوم غيره مقامه وقد تقرر ذلك فيما مضى.

الرابعة: إن كل لطف شأنه ذلك فهو واجب على الله تعالى على ما قد بيناه فيعلم الكالم. الخامسة: إنه تعالى ال يخل بالواجبات (١) وهذا قد تقرر وبين

في باب العدل.الوجه الثاني: كل ما كان التكليف واجبا عليه تعالى، فنصب اإلمام

واجب عليه تعالى، لكن المقدم حق فالتالي مثله بيان المالزمة من وجوه،األول: إنه ال يتم فائدته وغايته (٢) إال بنصب اإلمام، فيكون أولى

بالوجوب، الثاني: إنه إنما يجب التكليف السمعي لكونه لطفا في التكاليفالعقلية، وهذا لطف في التكاليف السمعية واللطف في اللطف في الشئ

لطف في ذلك الشئ أيضا فيجب، الثالث: إنما وجب التكليف ألنه خلقفيهم القوى الشهوية والغضبية، وخلق لهم قدرا (٣) فوجب من حيث الحكمة

التكليف، وإال لزم االختالل والفساد، وهذا بعينه آت في نصب اإلمام واليتم إال بنصب اإلمام، وما ال يتم الواجب إال به، فهو واجب فيكون نصب

اإلمام واجبا (٤) على تقدير وجوب التكليف، وأما حقية المقدم فقد بين في--------------------

(١) فإنه مع القدرة على الفعل ووجوب الداعي إليه يكون االخالل به قبيحا ويستحيل عليه تعالىفعل القبيح كما أشرنا إليه قريبا.

(٢) يعني التكليف، وذلك ألن التكاليف كما يريدها تعالى ال تعلم وال يعمل بها إال بنصب اإلمامالمعصوم.

(٣) جمع قدرة.(٤) هاهنا أمور ثالثة أشار إليها طاب ثراه، حفظ النظام ورفع الفساد واجب وال يتم ذلك إال

بنصب اإلمام وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب فينتج أن نصب اإلمام واجب.وهذه األمور الثالثة نشير إلى بيانها موجزا فنقول: خلق الله تعالى اإلنسان ذا قدرة وشهوة

وغضب، وهذه شؤون تبعث على الفساد واختالل النظام وجدانا وعيانا لو بقي اإلنسانونفسه، فوجب عليه تعالى أن ال يتركهم سدى، بل يجعل لهم قانونا يكون به حفظ النظام

ومنع الفساد، وهذا القانون ما نسميه بالشريعة والمبعوث بها الرسول وبعد انتقال األنبياء إلىدار الحيوان تبقى الناس والشريعة ولكن تبقى الناس على ما خلقهم عليه وفيهم القدرة

والشهوة والغضب وما دامت فيهم هذه القدر والقوى ال يرتفع الفساد وال يصلح النظام،لتعارض الشهوات وتغالب القدر وتكافح الغضب، وال تذعن النفوس لنواميس الشرائع تماما

Page 41: Kitab Al-Alfain Arabic

حتى تقهرها وتتغلب على هاتيك الشرور النفسية - إن النفس ألمارة بالسوء -.ولما كانت طاعة البشر وقمع الشرور التي فيهم بحفظ النظام والله عز شأنه يريد ذلك وجب

عليه تعالى أن يقوم بحفظه دون الجاء للعباد، بل مع بقاء القدر والقوى واالختيار واإلرادةفيهم، وهل يتم ذلك بدون قدير على الحفظ عليم بنواميس الدين كما يريد تعالى نبراسالهداية وعلم الرشاد؟ والحائل دون انغماسهم في بحور الضالل والشقاء، ال يخطئ في

تحمل تلك النواميس ونقلها عمدا وسهوا فإن الخطأ يباين الحفظ،فإذا كان الحفظ وإصالح البشر موقوفا على الحافظ المصلح وجب عليه

سبحانه أن ينصبه إقامة للحجة - والله الحجة البالغة - وهل ذلك المصلح الحافظ غير اإلمامالمعصوم، وإذا وجب عليه شئ قام به فال يهمله، وكيف يجوز عليه تعالى إهمال هذاالواجب العظيم الذي به حياة الشريعة والبشر؟ مع بيانه ألقل - واجب في الدين حتى

األرش في الخدش، وقصاص الضرب والجرح والتعزير على - المخالفات البسيطة وحرمةأخذ المال من غير حله، ولو كان قنطارا، والنظر إلى ما ال يحل ولو لحظة، والغيبة ولو

كلمة، إلى غير ذلك، بل أبان من المسنونات في كل باب من أبواب الشريعة ما ال يحصر ومايترتب على ذلك من أجر وشر - ومن يعمل مثقال ذرة.. الخ - فإذا كان تعالى قد قطع عذر

العباد بجعل النواميس النظامية والعبادية، كيف يجعل لهم العذر بالتالعب بتلكالنواميس عمدا وخطأ، وتسبيب الفوضى بالنظام واألحكام؟ فالواجب عليه أن يقيم لهم

المصلح الحافظ وهو القدير على إقامته، أفيخل بالواجب أو يعجز عن إيجاد ذلك الحجة؟ -تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا -.

(٤٢)

Page 42: Kitab Al-Alfain Arabic

علم الكالم.الوجه الثالث: إن وجوه وجوبه تتحقق في الله تعالى وكل ما كان كذلك

كان واجبا عليه، ينتج أن نصب اإلمام واجب عليه تعالى، أما الصغرى فألنوجه وجوب التكليف يتحقق هنا مع زيادة هي كونه لطفا فيه وأما الكبرى

(٤٣)

Page 43: Kitab Al-Alfain Arabic

فظاهرة.الوجه الرابع: إن الحسن على قسمين منه ما وجوبه الزم لحسنه بحيث

كلما حسن وجب، ومنه ما ليس كذلك، واإلمامة من األول إجماعا (١) وألنهاتصرف في األموال واألنفس والفروج في العالم، فال تحسن إال عند ضرورة ملزمة

بما تقتضي وجوبها كأكل طعام العين في المخمصة وشرب مائه ونصب اإلمامحسن من الله تعالى ولطف فيكون واجبا (٢).

النظر الخامسفي نقل مذهب الخصم وإبطاله

إعلم أن الناس اتفقوا على أن اإلمام ال يصير إماما بنفس الصالحيةلإلمامة بل ال بد من أمر متجدد وإال لزم أحد األمرين، إما المنع، من مشاركةاثنين في الصالحية لها وذلك بعيد قطعا أو كون إمامين في حالة واحدة، وهو

مجمع على خالفه، ثم اتفقت األمة بعد ذلك على أن نص النبي صلى اللهعليه وآله وسلم على شخص بأنه اإلمام طريق إلى كونه إماما، وكذلك اإلمام

إذا نص على إنسان بعينه على أنه إمام بعده، ثم اختلفوا في أنه هل غيرالنص طريق إليها أم ال، فقالت اإلمامية: ال طريق إليها إال النص بقول

النبي صلى الله عليه وآله أو اإلمام المعلومة إقامته بالنص، أو بخلق--------------------

(١) إذ لم يخالف في الوجوب إال الخوارج والمجمعون على وجوب اإلمامة إنما اختلفوا في مدركالوجوب، وهل هو العقل أو السمع أو هما معا، كما أنهم لم يختلفوا في حسن اإلمامة غير أن

حسنها عقلي أو سمعي.(٢) وأما كون الحسن في اإلمامة بالغا إلى مرتبة تبعث على الوجوب فلما أشار إليه من مكانتها من األمة

ومركزها االجتماعي، فإن اإلمام له حق التصرف في أهم الموجودات في الحياة وهي األنفسوالفروج واألموال، فيما إذا اقتضت - المصلحة ذلك النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم - إنما

وليكم الله ورسوله والذين آمنوا - فلو لم تكن المصلحة تلزم بتخويله هذه المنزلة لم يجعلها اللهتعالى له، وهذه أكبر مرتبة في الوجود، فكيف ال تكون هذه المصلحة الباعثة على هذه المرتبة

غير ملزمة، ودونها بمراتب عديدة كما بين السماء واألرض تبعث على الوجوب؟.

(٤٤)

Page 44: Kitab Al-Alfain Arabic

المعجز على يده، وقال جماعة من المعتزلة والزيدية الصالحية (١) والبترية (٢)وأصحاب الحديث والخوارج: االختيار طريق إلى ثبوت اإلمامة كالنص،

وهو مذهب األشاعرة والسليمانية (٣) وجميع أهل السنة والجماعة، وقالتالزيدية غير الصالحية والبترية: الدعوة طريق إلى ثبوتها، والدعوة هوان

يباين الظلمة من أهل اإلمامة، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويدعو إلىاتباعه فإنه يصير بذلك إماما عندهم، ثم اختلف القائلون باالختيار في

اشتراط االجماع، فذهب األكثر إليه خالفا للجويني فإنه جوز في إرشادهانعقاد اإلمامة لواحد، وإن لم يجتمع عليه أهل الحل والعقد واستدل بأن أبا

بكر انتدب إلمضاء األحكام اإلسالمية ولم يتأن إلى انتشار إيثار االختيار إلىمن نأى من الصحابة في األقطار، فإذا لم يشترط االجماع في عقد اإلمامة ولميثبت عدد معدود وحد محدود جاز أن تنعقد اإلمامة بعقد واحد من أهل الحل

والعقد، مثل ما قال أصحابنا، ونقل عن أصحابه: منع عقد اإلمامةلشخصين في طريق العالم، فإن اتفق عقد عاقدين باإلمامة لشخصين كان

بمنزلة تزويج امرأة من اثنين، ثم قال: والذي عندي إن عقد اإلمامةلشخصين في صقع واحد متضايق الخطط والمحال غير جائز إجماعا وإن بعد

المدد فلالحتمال في ذلك وهو خارج عن القطع، وإذا انعقدت اإلمامةلشخص لم يجز خلعه من غير حدث إجماعا، وإن فسق وخرج عن سمة

األئمة بفسقه، فانخالعه من غير خلع ممكن، وإن لم يحكم بانخالعه فجوازخلعه أو امتناع ذلك وتقويم أوده ممكن ما وجدنا إلى التقويم سبيال، كلذلك من المجتهدات المحتمالت عندنا وخلع اإلمام نفسه من غير سبب

محتمل، والحق مذهب اإلمامية والذي يدل على حقيته وإبطال مذهب--------------------

(١) وهم أصحاب الحسن بن صالح بن حي الهمداني الكوفي، وكان من أصحاب اإلمام الباقرعليه السالم ثم خالف بعد حين طريقته.

(٢) وهم أصحاب كثير النوى وجماعة آخرين على شاكلته، وكان أبتر اليد وقيل إنما سموا البتريةنسبة إليه وقد يسمون األبترية، وقد جاء لعنه وجماعة معه على لسان اإلمام الصادق عليه

السالم.(٣) وهم من فرق الزيدية أيضا نسبة إلى سليمان بن جرير.

(٤٥)

Page 45: Kitab Al-Alfain Arabic

المخالف لهم وجوه:األول: إن اإلمامية عندنا من جملة ما هو أعظم أركان الدين، وإن

اإليمان ال يثبت بدونها، وعندهم إنها ليست من أركان الدين بل هي منفروع الدين لكنها من المسائل الجليلة والمطالب العظيمة، فكيف يجوز استنادمثل هذا الحكم إلى اختيار المكلف وإرادته؟ ولو جاز ذلك لجاز فيما هو أدون

منه من أحكام الفروع.الوجه الثاني: إن الشارع نص على عدم الخيرة، فقال الله تعالى:

(وما كان لمؤمن وال مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرةمن أمرهم) فنقول: إما أن يكون الله تعالى قضى بترك اإلمامة فال يجوز

لألمة الخيرة بإثباتها (١) وإما أن يكون قضى بها فتكون كغيرها من أحكامالشريعة التي نص الله تعالى عليها ولم يهملها وهو المطلوب.

الوجه الثالث: القول باالختيار ونصب اإلمام بقول المكلفين تقديم بينيدي الله تعالى ورسوله، وقد نهى الله تعالى عن ذلك فقال عز من قائل:

* (يا أيها الذين آمنوا ال تقدموا بين يدي الله ورسوله) *.الوجه الرابع: إن الله سبحانه وتعالى في غاية الرحمة والشفقة على العبادوالرأفة بهم، فكيف يهمل الله تعالى أمر نصب الرئيس مع شدة الحاجة

إليه (٢) ووقوع النزاع العظيم مع تركه ومع استناده إلى اختيار المكلفين، فإن--------------------

(١) بل حتى لو لم نعلم بقضائه تعالى بترك اإلمامة وإنما علمنا سكوته عنها فإن السكوت أيضا يمنعاألمة من الخيرة بإثباتها، ألن سكوته تعالى إن كان لعدم وجوبها، فكيف توجبها األمة؟ وإن

كان سكوته مع أنها واجبة عليه - فهو وإن كان محاال - إال أن األمة أجدر بالسكوت فيما سكتعنه العليم اللطيف سبحانه أفهل ترى أن األمة أعلم وأدرى بالواجب بالصالح؟

(٢) ولو فرض محاال إنه تعالى أهمله مع شدة الحاجة إليه لكانت األمة أحق باالهمال، فلماذاتكلفت اختياره؟.

فإن قلت: إنما أهمله رأفة باألمة لئال يقعوا في محذور مخالفته ولئال يقع الهرج والمرج بالنصعليه، قلنا: إذا كان في نصبه محاذير لم تكن في نصبه مصلحة أو تكون المفسدة أغلب، فاليجب عليه نصبه، فتكون األمة في فسحة من هذا الواجب فهي باالهمال أجدر فال وجوب

عليها لهذه المحاذير.

(٤٦)

Page 46: Kitab Al-Alfain Arabic

كل واحد منهم يختار رئيسا، وذلك فتح باب عظيم للفساد ومناف للحكمةاإللهية (١) تعالى الله عن ذلك.

الوجه الخامس: إن الله تعالى قد بين جميع أحكام الشريعة أجلها وأدونهاحتى بين الله تعالى كيفيات األكل والشرب وما ينبغي اعتماده في دخول الخالء

والخروج منه والعالمات الجليلة والحقيرة، فكيف يهمل مثل هذا األصلالعظيم ويجعل أمره إلى اختيار المكلفين مع علمه تعالى باختالفهم وتباين

آرائهم وتنافر طباعهم.الوجه السادس: القول الذي حكيناه عن الجويني (٢) ينافي مذهبهم من

استناد األفعال إلى قضاء الله وقدره وإنه ال اختيار للعبد في أفعاله بل هو يجبرعليها مقهور ال يتمكن من ترك فعله (٣).

الوجه السابع: القول باستناد اإلمامة إلى االختيار مناقض للغرضومناف للحكمة، ألن القصد من نصب اإلمام امتثال الخلق ألوامره ونواهيه

واالنقياد إلى طاعته، وسكون نائرة الفتن وإزالة الهرج والمرج وإبطال التغلبوالمقاهرة، وإنما يتم هذا الغرض ويكمل المقصود لو كان الناصب لإلمام عينالمكلفين ألنه لو استند إليهم الختيار كل منهم من يميل طبعه إليه، وفي ذلك

--------------------(١) فإن حكمته تعالى في توحيد الزعيم جلية، ألن األمة تكون جميعها متمسكة بحبل واحد،ويكون قائدها واحدا، ودليلها واحدا، وفي ذلك من الفوائد دنيا ودينا ما ال يخفى على أحد،

فيما إذا كان الزعيم جامعا للشروط.(٢) إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني الشافعي، حكي

أنه جاور بمكة المكرمة أربع سنين وبالمدينة المنورة يدرس ويفتي، فلذا لقب بإمام الحرمين،وله مصنفات كثيرة توفي عام ٤٧٨ ه بنيسابور وجوين ناحية من نواحي نيسابور.

(٣) فإن قلت: إن قولهم بأن اختيار اإلمام من األمة أيضا راجع إليه سبحانه لسلبه االختيارمنهم، وإنما نسمي ذلك اختيارا منهم تجوزا، الستنادها ظاهرا إليهم، وهذا ال ينافي قولهم

باستناد األفعال إلى قضائه تعالى حقيقة، قلنا: فلماذا إذن هذا النزاع والجدال، فاألحرىتسليمهم للقائلين بأن نصب اإلمام منه عز شأنه دون رأي واختيار لألمة.

(٤٧)

Page 47: Kitab Al-Alfain Arabic

ثورات وفتن عظيمة ووقوع هرج ومرج بين الناس فيكون نصب اإلماممناقضا للغرض من نصبه وهو باطل (١).

الوجه الثامن: وجوب طاعة اإلمام حكم عظيم من أحكام الدين فلوجاز استناده إلى المكلفين لجاز استناد جميع األحكام إليهم وذلك يستلزم

االستغناء عن بعثة األنبياء عليهم السالم ألنهم إنما بعثوا لنصب األحكام فإذاكان أصلها مستغنى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان غيره أولى (٢).

الوجه التاسع: إما أن يشترط في االختيار اتفاق األمة عليه أو ال،--------------------

(١) ولكن لو فرض تسالمهم على رجل واحد واتفاق طباعهم وميولهم إليه لم تكن هناك فتن والهرج وال مرج فال يناقض نصبه الغرض حينئذ، فاألحرى في الجواب أن يقال: إن الحكمة

اإللهية في توحيد اإلمام جمعهم على الحق وصدهم عن الباطل، وحفظ الشريعة عن التالعبوالقدرة على تسيير نظامها وتمشية أحكامها إلى ما سوى ذلك من وظائف اإلمام وهذا اليكون في سائر البشر مهما علت مراتبهم وسمت فضائلهم، فال يقوم بذلك غير المعصوم،

فإن غيره يجوز عليه الخطأ فال يحصل به الغرض فال يؤمن من أن يأمر أو يعمل بما يخالفالشريعة، فكيف يكون من الدين طاعته وموافقته وإن خالف الدين؟ فنحن إن خالفناه

وافقنا الدين ولكن خالفنا األمر بطاعته إن صح إننا مأمورون بطاعته، وإن وافقناه خالفالدين ولكن وافقنا األمر بطاعته ونحن في محذور على التقديرين، وأين هذا مما لو كان

اإلمام معصوما؟(٢) وقد يدفع هذا اإلشكال بأن الواجب على األمة حكم واحد وهو نصب اإلمام، وهذا ال

يستلزم االستغناء عن بعثة األنبياء عليهم السالم ألنهم يأتون بشرائع ذات أحكام ال تحصىتسير البشر تسييرا صحيحا ال حيف فيه وال إجحاف، واني للبشر في علمها ومداركها بوضع

شرائع صحيحة تغني عن الشرائع اإللهية، فمن ثم يجوزان يستند إلى األمة نصب اإلمام والتستغني عن بعثة األنبياء عليهم السالم.

فالجدير في الجواب عن ذلك أن يقال: بأن لإلمام أحكاما وتكاليف عديدة تجب عليه للرعية،وأخرى تجب له على الرعية، فمن الواضع لهذه األحكام؟ فإن كان الله تعالى، فهل وضعهاإلمام لم يأمر به ولم ينصبه، فإذا لم يوجب نصبه فكيف أوجب أحكامه؟؟ أو وضعها إلمامأوجب نصبه فهو المطلوب، وإن كانت األمة فقد جاءت بإمام وأحكام ما أنزل الله بها من

سلطان، وما عرفهما الرسول صلى الله عليه وآله وال أمر بهما، فمثل هذا اإلمام كيف تجب طاعته؟ومثل تلك األحكام كيف تعتبر من الشريعة؟

(٤٨)

Page 48: Kitab Al-Alfain Arabic

واألول باطل لعدم القائل به على ما نقله الجويني وأثبت القاضي عبد الجبار (١)إمامة أبي بكر ألنه بايعه واحد وهو عمر برضى أربعة أبي عبيدة، وسالم مولى

حذيفة، وأسد بن حصين، وبشر بن سعد، وألنه من المعلوم بالضرورةامتناع الكل في لحظة واحدة على اختيار شخص واحد ثم من المعلوم امتناع

معرفة الخلق كلهم لشخص واحد ومعرفة اجتماع شرائط اإلمامة فيه ألنانعلم تباعد أمكنة المكلفين وتنائي مواضعهم، ومثل هؤالء يمتنع اتفاقهم علىذلك (٢) وأما الثاني: فأما أن يشترط فيه انعقاد عدد معين أوال، واألول باطل

لعدم الدليل عليه، فإنه ال عدد أولى من عدد، ومن المعلوم أنه لو نقص عنالعدد المشترط واحد لم يؤثر في وجوب طاعة المنصوب كما لو زاد لم يؤثر

زيادته، وأيضا لم كان قول بعض المكلفين حجة على أنفسهم وعلى غيرهمبحيث يحرم بعد ذلك مخالفته ويجب اتباعه، وأي دليل يدل على ذلك فإن العقل

غير دال عليه وال وجد في النقل عن النبي ما يدل عليه، والثاني أيضا باطل--------------------

(١) المعتزلي ابن أحمد بن عبد الجبار الهمداني األسد آبادي شيخ المعتزلة في عصره استدعاهالصاحب بن عباد إلى الري وبقي فيها مواضبا على التدريس إلى أن توفي عام ٤١٥ ه.

(٢) وقد يدفع هذا اإلشكال أوال: بأن اشتراط االتفاق لحظة واحدة ال ملزم للقول به، بلنقول بجواز اتفاقهم ولو تدريجا، وبعد أمد تصبح مجمعة عليه، وإما أن اتفاقهم ال

يكون فمدفوع لجواز وقوعه ويكفي في الفرض الجواز، وثانيا: لو يجوز االتفاق لحظةواحدة؟ وذلك فيما لو استناب أهل كل صقع رجال يختار عنهم، واتفق النواب كلهم على

واحد لحظة واحدة كما يقع اليوم في اختيار الملوك ورؤساء الجمهوريات، وثالثا: بأن اتفاقالجميع ال تشترط فيه - معرفة الجميع، بل يكفي فيه معرفة أهل الصالح والعلم، والناستتبعهم حسن ظن بهم، فاألحرى إذن أن يقال في الجواب: بأن االتفاق لو فرض حصوله

دفعة أو تدريجا وإنه حصل عن معرفة الجميع أو معرفة أهل العلم والصالح فال يغني ذلك فيفائدة اإلمام وحكمة نصبه، فإن ذلك ال يجعله حافظا للشريعة مأمونا من الخطأ عمدا

وسهوا، ولربما تعتقد بوقوع المخالفة للشريعة، وهو فيما لو تعاقب إمامان وأفتى كل واحدمنهما بما يخالف اآلخر في الحدود أو المواريث أو سواهما، فإنا نقطع بأن أحدهما مخالف ما جاء

به الرسول صلى الله عليه وآله من الدين، بل جوز عليهما معا المخالفة، وإن ما جاء به غير ما أفتيافيه فكيف نصيب في هذه اإلمامة أحكام الشريعة، وكيف يرتضي اللطيف تعالى إمامة مثل

هؤالء؟ وللفرار منها مندوحة.

(٤٩)

Page 49: Kitab Al-Alfain Arabic

ألنه إذا لم يشترط العدد جاز أن ينصب شخص واحد إماما، ويجب علىالخلق كلهم متابعته كما اختاره الجويني وهو معلوم البطالن، وألنه لو جاز

ذلك لجاز أن ينصب اإلنسان نفسه إماما ويأمر الخلق بوجوب اتباعه، وألنه لو كانكذلك ألدى إلى وقوع الفتن وتكاثر الهرج والمرج وقيام النزاع ولما احتيج إلى

المبايعة واالختيار عليه. بيان الشرطية إن المقتضى لوجوب قبول قول الواحدفي حق الغير ثابت في حق نفسه ألنه مسلم بشرائط االجتهاد نص على من

يستحق الرياسة واإلمامة واختياره لذلك فوجب انعقاد قوله كما في حق الغيرإذ ال يشترط تغاير العاقد والمعقود له بل متى كان العاقد محال قابال للفعل

والمعقود محال قابال لالنفعال وجب وقوع األثر (١).الوجه العاشر: اإلمام يجب أن يكون معصوما على ما يأتي فيجب أن

يثبت التعيين بالنص ال باالختيار لخفاء العصمة عنا ألنها من األمور الباطنةالخفية التي ال يعلمها إال الله تعالى (٢).

الوجه الحادي عشر: اإلمام يجب أن يكون أفضل أهل زمانه دينا وورعاوعلما وسياسة، فلو ولينا أحدنا باختيارنا لم نأمن أن يكون باطنة كافرا أو

فاسقا (٣) ويخفي علينا أمر علمه والمقايسة بينه وبين غيره في هذه الكماالت،--------------------

(١) ولو سلم االكتفاء بأي عدد كان فبايع كل جماعة من كل بلد رجال منهم على اإلمامة دفعةواحدة، فمن اإلمام من بين هؤالء وليس أحدهم أولى من اآلخر، وقد يكون هؤالء األئمة

بعدد العشرات أو المآت أفيجوز عليه تعالى أن يمضي مثل هذا الوجوب، أو يرتضى لألمةمثل هذا النصب؟ وأين الحكمة اإللهية في نصب اإلمام وحفظه للشريعة وإصالح األمة،

فمن هو الحافظ المصلح من بين هؤالء.(٢) ولو سلم إمكان معرفة العصمة للناس، ولكن هل في االمكان اتفاق الناس على المعصوم لو

كان االختيار لهم، أو التسليم له بعد معرفته، والناس أهواء متفرقة وآراء مشتتة،والوجدان شاهد عيان، فإن الناس مع حكم العقل به، وأمر الله تعالى بنصبه، وقيام

الرسول عليه وآله السالم مبلغا إمامته، أنكره قوم، وخالفه آخرون، وجحد عصمته فئةجمة، إلى غير هؤالء، فكيف لو كان اختياره للناس.

(٣) ولو فرضنا إننا علمنا بإيمانه وعدالته علما باتا ال ريب يعتريه، ولكن ذلك ال يثبت أفضليتهقبل اختباره ال سيما في مثل السياسة، التي ال تعلم األفضلية فيها قبل االختبار فال يجوز لنا

اختباره قبل اختياره، كيف نختبره قبل االختيار فيلزم الدور.على أننا لو اكتفينا باالختيار قبل االختبار فكيف نعرف أفضليته قبل اختبار سواه؟ فكم يحتاج

من الزمن الختبار؟ وكم عدد تختبرهم الناس؟ ومن هم المختبرون - دون سواهم؟ ولواختار كل بلد فئة لالختبار واختلف هؤالء فقول: من المتبع؟ ولو طال الزمن لالختبار

واالمتحان، فماذا تصنع الناس في هده الفرصة؟ ومن هو اإلمام فيها والمتصرف في شؤونهاوالحافظ للشريعة؟ وهل يجوزان تبقي الناس حوال أو أحواال بال إمام؟ على أن بالد اإلسالممتباعدة وأهل الفضيلة فيهم كثيرون، فكيف نعرف األفضل منهم باالختبار وإن طال األمد

دون إشارة منه عز لطفه؟

Page 50: Kitab Al-Alfain Arabic

(٥٠)

Page 51: Kitab Al-Alfain Arabic

وإذا جهلنا الشرط كيف يصح أن يناط هذا األمر بنا ويستند إلى اختيارنا.الوجه الثاني عشر: أهل الحل والعقد ال يملكون التصرف في أمور

المسلمين فكيف يصح منهم أن يملكوها غيرهم؟ ال يقال: كما أمكن أن يمكنولي المرأة التزويج بالغير وال يملك االستمتاع بها أمكن ذلك فيها هنا، ألنا

نقول: يمنع أوال كون الولي ال يملك االستمتاع بها إذا لم يكن محرما، سلمنالكن الفرق ظاهر فإن المرأة لما كانت ناقصة العقل جاهلة بأحوال الرجال

افتقرت في تمليك بعضها للغير إلى نطر ولي شفيق عليها يختار لها الكفء دونغيره بخالف أهل الحل والعقد (١).

الوجه الثالث عشر: القول باالختيار يؤدي إلى الهرج والمرجوإثارة الفتن فيكون باطال، بيان الشرطية أن اإلمام إذا توفي وتعددت

البالد لم يكن أهل بعضها أولى بأن يختاروا اإلمام دون غيرهم، فإذا ولوارجلين ولم يكن عقد أحدهما أولى من اآلخر أدى ذلك إلى الفتنة (٢) وال يقال

--------------------(١) ال أدري لماذا جعل ولي المرأة مناط الحكم في المقام؟ فإن أدلة المرأة إذا قامت على أن وليها له أن

يزوجها وإن لم يملك االستمتاع بها فال يعني ذلك إن الحكم سار إلى اإلمامة، فاألجدر فيالجواب أن يقال: إنه لم يثبت عقال أو نقال إن ألهل الحل والعقد حق التصرف في شؤون

المسلمين دون غيرهم من سائر الناس وقياس اإلمامة على ولي المرأة قياس مع الفارق للنصولم تثبت وحدة المناط حتى يصح القياس.

(٢) قد يقال: ربما يؤدي إلى الفتنة هذا االختيار، وذلك فيما لو تسالم الطرفان على واحد أو رجعاإلى القرعة، نعم قد يؤدي إلى الفتنة ما لو استمر الشجار وأصر كل قوم على من اختاروه،

فالفتنة غير الزمة على كل حال، فاألحرى في الجواب أن ينقل الكالم إلى االختيار ويمنع كونهطريقا إلى نصب اإلمام.

(٥١)

Page 52: Kitab Al-Alfain Arabic

الحكم هاهنا كالحكم في ولي المرأة إذا زوجها من كفوين دفعة ألنا نقولإبطال العقدين في المرأة ال يؤدي إلى الفتن وإثارة الفساد، بخالف صورة

النزاع، ألنه مع إبطالهما ال أولوية في تخصيص بعض البالد بأن ينصب أهلهاالرئيس العام دون بعض، فيستمر حال النزاع مع اإلبطال، كما استمرت مع

العقد ونفوذه.الوجه الرابع عشر: تفويض اإلمام إلى االختيار يؤدي إلى الفتن

والتنازع ووقوع الهرج والمرج بين األمة وإثارة الفساد، ألن الفساد مختلفوالمذاهب متباينو اآلراء واالعتقادات، فكل صاحب مذهب يختار إماما منأهل نحلته (وعقيدته) وال يمكن غيره ممن ليس من أهل نحلته أن يختار

اإلمام، فالمعتزلي يريد إماما معتزليا، وكذا الجبري والخارجي وغيرهم، فإذااختار كل واحد منهم إماما من أهل نحلته نازعتهم الفرقة األخرى وذلك هو

الهرج العظيم، وقد كان في شفقة الرسول صلى الله عليه وآله بأمته ورحمة الله تعالىعلى

عباده ما يزيل ذلك، مع أنه تعالى نص على أحكام كثيرة ال يبلغ بعضهابعض نفع اإلمامة، فكيف يليق من رحمة الله تعالى ومن شفقة رسوله إهمالالرعايا وتركهم همجا يموج بعضهم في بعض؟ هذا مناف لعنايته تعالى وال

يرتضيه عاقل لنفسه مذهبا.ال يقال إن ذلك لم يقع ألنا نقول هذا جهل تام، ولو لم يكن إال ما في

زمن علي عليه السالم ومعاوية والحروب التي وقعت بينهم لكفى، وكذا فيزمن الحسن والحسين عليهما السالم، ثم عدم الوقوع في الماضي ال يستلزم

عدمه في المستقبل، وأيضا مجرد التجويز كاف في منع استناد اإلمامة إلىاالختيار (١).

--------------------(١) على أنه لو سلمنا أن االختيار ال يؤدي إلى الفتنة والتنازع والفوضى ولكن متى اتفقت األمة أو

اتفق على االختيار، ومتى ملكت أو تملك االختيار ومتى قدرت أو تقدر على االختياراألصلح، فما ذاك إال فرض ما كان ولكن يكون إلى آخر األبد فما الجدوى في الجدال في مثل

هذه الفروض؟ فال إمامة قامت أو تقوم باالختيار بين المسلمين من البدء حتى الساعة وإلى أنتقوم الساعة.

ولو قيل: إن إمامة بعضهم وإن لم يرض جميع المسلمين بها من البدء ولكن رضاهم ولو بعدحين كاف في صحة إمامته، لقلنا: إن عمل القائم باألمر في شؤون المسلمين باسم الخالفةقبل االجماع عليه عمل باطل وتصرفه تصرف غير صحيح ومن يرتكب الباطل كيف تصح

إمامته - ال ينال عهدي الظالمين - فهو قبل االجماع ال إمامة له، وبعد االجماع أصبح ظالما التصح إمامته لما كان منه من تصرف وعمل باسم الخالفة قبل الخالفة، وإال لجاز تصرف كل

أحد في شؤون المسلمين بأمل أن يختاروه ولو بعد حين لإلمامة، وإذا تصدى بعضهم ألنيختاروه فال يجعله إماما عند التصدي، وال يقين بأنه سوف يلبس حلتها، فال إمامة له حين

Page 53: Kitab Al-Alfain Arabic

العمل لعدم االجماع عليه، وال بعد العمل ألن العمل أبعده عنها.

(٥٢)

Page 54: Kitab Al-Alfain Arabic

الوجه الخامس عشر: كما أن اإلمام لطف باعتباره إن الناس معه أقربإلى الصالح وأبعد من التنازع والهرج والمرج، وكان ذلك علة في وجوب

نصبه كذلك كونه منصوصا (١) عليه معينا من عند الله تعالى، فإن الناس معاإلمام المنصوص عليه من قبل الله تعالى أقرب إلى الصالح وأبعد عن الهرج

والمرج، مما إذا كان تعيينه مستندا إلى اختيار المكلفين ومفوضا إلى تعيين العامةفإنه ال فساد أعظم من ذلك وال اختالف أشد منه فيكون تعيينه من قبل الله

تعالى واجبا، كما وجب أصل تعيينه، ال يقال ال نسلم ذلك ألن مقتضىالهرج والمرج االختالف في المذهب، وهذا حاصل مع النص أيضا، فيصح

أن يحمل هذا االختالف صاحب المذهب على منازعة من يخالفه في المذهبوينكر نصه الذي يدعيه أو يتأوله على ما ال يدل معه بمخالفة منازع كما

نجدهم يفعلون هذا في النصوص مخالفيهم التي ينصرون بها مذاهبهم، علىأن اإلمامية ليس لهم أن يقولوا بهذا، ألن النصوص عندهم موجودة في كل

زمان وإن المعجزات ظهرت على يد األئمة عليهم السالم ثم لم ترتفع الفتنة فياألزمنة كلها في النصوص ولم يقع الطاعة للمنصوص عليه إال في أوقات

يسيرة، وهو علي عليه السالم ثم من بعده لم يتمكن أحد من األئمة عليهمالسالم من الظهور بل منعوا وغلبوا من ولي األمر باالختيار، فقد سلم له

--------------------(١) بعد القول بأن اإلمام لطف ال مندوحة من االعتراف بوجوب النص عليه، وإال لزم االخالل

منه تعالى بالواجب وال مجال للقول باالختيار مع االعتراف بأن اإلمامة لطف، وإنما القائلونباالختيار ينكرون لطف اإلمامة.

(٥٣)

Page 55: Kitab Al-Alfain Arabic

األمر مدة مديدة وعارض أبو الحسين أيضا، فقال: إيما أقرب إلي نفي الهرجوالمرج بأن يبعث الله نبيا معه معجزات ظاهرة للناس كافة تشافه الناس

بالنص على اإلمام أو بان يقتصر بهم على نصوص مجملة منقولة برواياتمحتملة؟ فال بد أن يقولوا بأنهم مع األول أقرب إلى ترك الهرج والمرج، ثم لميفعل الله تعالى ذلك، وأيما أقرب إلى نفي الهرج بأن يسلب الله تعالى األشرار

زيادة القوة ويجعلها في أنصار اإلمام أو يجعل زيادة القوة في األشرار؟؟ والشك في أن األول أقرب إلى نفي الهرج ثم لم يفعل الله تعالى ذلك تشديدا

للتكليف، وتغليظا للمحنة وتعريضا لزيادة الثواب وكذا األمر في تفويض أمراإلمامة إلى االختيار وترك النص ألنا نقول: إنكار العلم بقرب الناس إلى الصالح

مع التنصيص على اإلمام بعدهم مع التفويض إلى االختيار إنكار للضرورياتومكابرة محضة فإن كل عاقل يجزم بذلك ويحكم به وإذا حمل المنازع النص على ما

ال داللة عليه كان جاحدا له ومنكرا ومعاندا، ومثل هذا أشد إنكارا الختيارمن يعانده في تعيين إمام ال يقول بمقالته وال يذهب إلى معتقده وطاعته،

واألول أقرب فيكون أولى بالوجوب وإن منعت معاندته من وجوب التنصيصكانت أشد منعا من االختيار، وإذا عاند جماعة كثيرة للمنصوص عليه

وفوضوا أمرهم إلى غيره لم يكن ذلك قادحا في وجوب التنصيص إذ ال يلزممن وجوب الشئ العمل به على من وجب عليه، وال فرق بين اإلمام والنبي

صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك، وكما لم يجب من عدم اتباع الكفار للنبيترك البعثة، كذلك ال يجب من ترك اتباع المخالفين للمنصوص عليه ترك

النص، ومعارضة أبي الحسن باطلة، أما أوال، فألنها واردة عليه حيثأوجب نصب اإلمام لكونه لطفا. وأما ثانيا فلو ردوه على جميع التكاليف فإنالناس لو خلقوا معصومين كانوا إلى الصالح أقرب، ومع ذلك كله ال يجب

فعله ويلزم من ذلك سقوط التكاليف، إذ مع عدمها يكون الناس إلىالصالح أقرب وهو باطل، كما أن المصلحة، اقتضت التكليف ومشقته

كذلك اإلمامة.الوجه السادس عشر: لو جاز أن يثبت اإلمامة باالختيار لجاز أن يثبت

(٥٤)

Page 56: Kitab Al-Alfain Arabic

به النبوة الشتراكهما في جميع المصالح المطلوبة منهما (١) والتالي باطل قطعا،فكذا المقدم ال يقال الفرق أن النبي صلى الله عليه وآله يتلقى منه المصالح الشرعية فال

بد من يثبت نبوته بطريق يؤمن عنده من جواز الخطأ عليه والكتمانوالتغيير، وليس كذلك اإلمام ألنه يراد لما يراد له األمراء والقضاة وغيرهمممن يستعان به في الدين، وال يمتنع أن يثبت إمامته باالختيار، ألنا نقول:

اإلمام أيضا يراد لتعريف الشرع وحفظه وصيانته عن التغيير والتبديل لعصمتهبخالف غيره من األمة، ويجب اتباعه وطاعته واالنقياد إلى قوله: فال بد من

أن يثبت إمامته بطريق يؤمن عنده من جواز الخطأ.الوجه السابع عشر: الصفات المشترطة في اإلمام خفية ال يمكن

االطالع عليها للبشر كاإلسالم والعدالة والشجاعة والعفة وغيرها منالكيفيات النفسية (٢) فلو كان نصبه منوطا باختيار العامة لكان إما أن يشترطالعلم بحصولها في المنصوب باالختيار، وهو تكليف ما ال يطاق، أو يشترطالظن، وقد نهى الشرع عن اتباعه قال الله سبحانه وتعالى: * (إن يتبعون إال

--------------------(١) قد تمنع دعوى اشتراك النبي واإلمام في جميع المصالح، ألن وظيفة النبي التشريع والتبيلغ عن

الله تعالى، وهذا ال يقوم به سائر البشر، وأما اإلمام فليس من وظيفته التشريع والتبليغ،وإنما يراد منه حفظ ما شرعه وبلغه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

فاألصح في الجواب ما ذكره أخيرا من أن اإلمام يراد منه تعريف الشرع وحفظه وصيانته عنالتغيير والتبديل بخالف غيره من األمة، وإذا جاز عليه الخطأ لم يحصل منه المراد، فال بد

من عصمته ليقوى على القيام بهذه الوظائف.(٢) قد يقال: إن عدم إمكان االطالع على الصفات النفسية ممنوع، ال سيما في مثل ما ذكره من

الصفات، وإال كيف تحكم الناس فيما بينهم من بعضهم على بعض باالسالم والعدالة وماسواها، وأما مثل الشجاعة، فأمرها بارز، نعم إنما يشكل الحال في السياسة وغنى النفس

عما في أيدي الناس وأمثالهما من الصفات التي ال تعرف إال بعد االختبار ال سيما إذا اعتبرنااألفضلية فيها، فإنه يدور األمر بين القناعة باإلمام المفضول أو العاري عن بعض صفات

الفضل وبين االختبار زمنا طويال ليقع االختيار على األفضل على أنه كيف نظفر باألفضلوبنوا اإلسالم ما أكثرهم والبالد ما أوسعها؟ ومن الذي يختار فترضى األمة باختياره؟ ومنقائد األمة وسائسها وحافظ الدين أيام االختبار؟ إلى أمور جمة ال يمكن االلتزام بها إذا قلنا

باالختيار، ولكن ذلك كله ال يرد على القول بوجوب نصب اإلمام عليه عز شأنه.

(٥٥)

Page 57: Kitab Al-Alfain Arabic

الظن وإن الظن ال يغني من الحق شيئا، أن نظن إال ظنا وما نحنبمستيقنين، اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم، وتظنون بالله

الظنونا) * وغير ذلك من اآليات الدالة على النهي عن اتباع الظن، فكيفيكون طريقا في إثبات مسألة علمية وحكم عام يعم به البلوى؟ ال يقال:الشارع قد أمر باتباع الظن في قبول الشهادات والمسائل الفروعية. ألنا

نقول: العام إذا خص بدليل ال يخرج عن داللته في ما عدا محل التخصيص.الوجه الثامن عشر: لو ثبتت اإلمامة باالختيار لكان لمن يثبتها باختياره

أن يبطلها ويزيلها باختياره كما في األمير والقاضي، وإذا لم يعمل في إزالتهاعلمنا أنه ال يعمل في ثبوتها (١) ال يقال: هال كان األمر فيها كاألمر في ولي

المرأة، أنه يملك تزويجها وال يملك فسخ العقد بعد التزويج، ألنا نقول:الفرق ظاهر فإن الشارع جعل إلزالة قيد النكاح سببا مخصوصا غير منوطبنظر الولي وال بنظر المرأة، بل بالزوج بخالف والية اإلمامة فإنها منوطة

باختيار العامة لمصلحتهم على تقدير ثبوتها به.الوجه التاسع عشر: لو كان لجماعة أن تولي اإلمام لكان اإلمام خليفة

لها على نفسها، وليس لإلنسان أن يستخلف على نفسه، كما ليس له أنيحكم لنفسه وهو يبطل االختيار. ال يقال: هال كان من ذلك كحدوث

حادثة للمجتهد، فإذا اجتهد وعمل فإنه ال يكون ذلك حكما لنفسه أو علىنفسه بل يكون حكما لله وللرسول عليه السالم بشرط اجتهاده، وكذلك

المختارون إذا اختاروا اإلمام: ألنا نقول: الفرق ظاهر فإن حكم الله تعالى--------------------

(١) قد يقال: إنه ال تالزم بين االثبات واإلزالة: فإن كثيرا من الهبات والعقود وااليقاعات يقدرالمرء على إثباتها وال يقدر على إزالتها، نعم إال بشروط خاصة، ومثلها اإلمامة باالختيار،

فإنه يمكن إزالتها أيضا بشروط خاصة، كما إذا فسق أو كفر أو ما سوى مما يقتضي بعزلة،فثبوت اإلمامة ال يلزم إزالتها على أنه يمكن أن يكونا معا بيد األمة، فكما كان الثبوت بشروط

تكون اإلزالة أيضا بشروط، نعم إنما تمنع أن يكون أصل ثبوتها بيد األمة لبراهين تقدم شطرمنها ويأتي الشطر اآلخر.

(٥٦)

Page 58: Kitab Al-Alfain Arabic

في الحادثة واحد وقد أمر المكلف بإصابته بوساطة النظر في األدلة التي نصبهاالله تعالى وجعلها عالمة عليه، فإنها ال بد أن تكون موصلة إليه المتناع

تكليف ما ال يطاق، ولم يجعل الله تعالى حكم تلك الحادثة منوطا باختيارالمكلف، بخالف اإلمامة عندكم فإنها موقوفة على اختيار العامة فلهم أن

ينصبوا من أرادوا ويعزلوا من أرادوا.الوجه العشرون: والية اإلمام أعظم الواليات، فإذا لم تثبت هذه

الوالية للعامة وال للخاصة، فكيف يملكون إثباتها لغيرهم؟ ال يقال: المثبتلوالية اإلمام هو الله تعالى، فإن اإلمام إذا أمر غيره أن يولي أميرا فواله فإنهيكون مضافا إلى اإلمام دون من واله، ألنا نقول: إذا سلمتم إن الوالية منالله تعالى ارتفع النزاع على إنكم ال تذهبون إلى ذلك، بلى تجعلون األمرمفوضا إلى اختيارنا، وليس إذا وجبت علينا إقامة الرئيس فاخترنا نحن من

شئنا والية وال يخرج بذلك نصب اإلمام عن استناده إلينا.الوجه الحادي والعشرون: اإلمام خليفة الله تعالى ورسوله فلو ثبتت

إمامته باالختيار لما كان خليفة لهما، ألنهما لم يستخلفاه، وال يجوز أن يكونخليفة لألمة لقول الكل إنه خليفة الله تعالى ورسوله، وهذا يبطل االختيار، ال

يقال: إنه خليفة الله عند اختيارهم على ما بيناه. ألنا نقول: كيف يكون خليفة اللهولم ينص الله عليه بل جعله مفوضا إلى اختيارنا؟ ولو كان بسبب ذلك خليفة

الله لجاز أن يبعث الله نبيا ويجعل األحكام مستندة إلى اختيارنا وتكون بسببذلك مستندة إليه تعالى وهو باطل قطعا.

الوجه الثاني والعشرون: كيف يجوز من النبي صلى الله عليه وآله أن يفوضأعظم األمور إلى غيره وهو تولية اإلمام مع علو مرتبة هذا األمر؟ فإن أعظمالمراتب هو النبوة واإلمام نائب عنه، وحاكم كحكمه، ووال كواليته، وال

يتولى الوالية بنفسه، فكيف يهمل ذلك؟ وهذا يبطل العقد باالختيارويوجب إثبات النص، ال يقال: جاز أن تكون المصلحة شرعا في أن يفوض

عليه السالم اختيار األئمة إلى غيره: ألنا نقول: نعلم انتفاء المصلحة فيذلك بل ثبوت مفاسد كثيرة ولو جاز ذلك جاز أن يعلم الله تعالى أن تكون

(٥٧)

Page 59: Kitab Al-Alfain Arabic

المصلحة في أن يفوض إلى المكلفين تعيين األنبياء.الوجه الثالث والعشرون: قد أوجب الله تعالى الوصية كما في كتابه،

وحث عليها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قال: من مات بغير وصية مات ميتةجاهلية. فكيف يجوزان يليق نسبة النبي إلى ترك هذا الواجب المجمع على

وجوبه المنصوص عليه في القرآن والمتواتر من األخبار؟ وكيف يوجب علىاألمة وعليه حكما، ثم يتركه من غير نسخ وال إبطال؟ ولو سب الكفار نبينا

عليه السالم لم يسبوه بأعظم من ذلك، وإذا امتنع منه عليه الصالة والسالمترك الوصية بطل القول الختيار. ال يقال: إنما ندب إلى الوصية من كان

عليه دين أو وصاية لغيره، أو كان له طفل إلى ما جرى هذا المجرى، وأمااألمور الدينية فلم يرد الشرع بالوصية فيها أصال. ألنا نقول: الوصية في

الدين أعظم من الوصية في األمور الدنيوية: وبالخصوص من النبي صلى الله عليه وآلهالذي هو مبدء الخير ومنبع الدين ومعلمه والمرشد إليه والدال عليه وقد حصر

الله أحواله في االنذار فقال تعالى: * (إن أنت إال نذير) * ومنصبه أعلىالمناصب وأرفعها شأنا، فكيف يجوز أن يهمله ويجعله منوطا بمن يتالعب به

ومن يوصله إلى غير مستحقه، وكيف يمتنع ندب الوصية في األمور الدينية،وقد ذكر الله تعالى في كتابه وصية إبراهيم لبنيه؟ وكذلك يعقوب، قال الله

تعالى: * (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب) *وكيف يجوز أن تجب الوصية

في أمور الدنيا وال تجب في أمور الدين ممن هي منوطة به ومن هو مبعوثألجلها ولإلرشاد إليها.

الوجه الرابع والعشرون: لو كان لجماعة األمة أو لبعضها أن يختاروااإلمام لوجب أن يكونوا أعلم من اإلمام ليعرفوا باالمتحان علم اإلمام وفضله

ليختاروه ولو كانوا أعلم منه لكانوا باإلمامة أولى منه ولم يكن لهم أن يختاروه،وليس لهم أن يختاروا أنفسهم، وهذا يبطل االختيار. وال يقال: ال يجب أن

يكون المرء أعلم من غيره حتى يعلم فضل علمه بل المرجوح أبدا يعلم فضلالراجح: فإنا نعلم رجحان أبي حنيفة في الفقه على علمائه، وسيبويه فيالنحو. ألنا نقول: مسلم أن المرجوح يعلم أن الراجح أفضل منه أما أن

(٥٨)

Page 60: Kitab Al-Alfain Arabic

يعلم أنه أفضل من آخر غيرهما ممنوع (١).الوجه الخامس والعشرون: لو وجب نصب الرئيس على الخلق فإما أن

يشترط العلم باستحالة الظلم والتعدي منه أوال، واألول هو القول بالعصمةوال يعلمها إال الله تعالى، والثاني يستلزم جواز كون الضرر في نصبه أكثر من

فقده (٢).الوجه السادس والعشرون: لو وجب على الناس نصب الرئيس وطاعته

لدفع الفساد والمضار لوجب ترك الفساد، فاستغنوا بذلك عن نصب الرئيسفيسقط وجوبه، وهو خالف المقدم، وهذا ال يتأتى على اإلمامية القائلين

بوجوب نصب الرئيس على الله تعالى ال على الرعية، ال يقال: إنهم ال يكفونعن الفساد. ألنا نقول: وقد ال يطيعون الرؤساء فيقع الفساد، ال يقال:

إذا لم يطيعوا الرؤساء، فمن قبل أنفسهم أوتوا، ألنا نقول: إذا لم يتركواالفساد فمن قبل أنفسهم أوتوا، ال يقال: ال شبهة في وجوب ترك الفساد،

ولكن كل زمان ال يخلو من صلحاء يكرهونه ومن جهال يطلبونه، والفسادعند نصب الرئيس أقل منه عند عدمه: فمن يكره وقوع الفساد لزمه تركه

بنفسه، وأن يتوصل إلى منع غيره بإقامة الرئيس وأن يعينه بنفسه ورأيه ومالهألنا نقول الصلحاء ال تتفق آراؤهم في تعيين الرئيس بل تختلف، وقد يطلب

كل واحد منهم ذلك المنصب لنفسه أو لمن له به عناية فيقع الهرج والمرج،وألن الجهال ال يساعدون الصلحاء، وقد ال يمتثلون أمر ذلك الرئيس فيكثر

--------------------(١) ربما، يقال: بأن المفضول ال يمنع عليه أن يعرف األفضل من بين جماعة جميعهم أفضل منه،

كما يعرف األفضل منه بأنه أفضل منه، فإن صاحب الفضيلة ال يخفي عليه التفاضل بين أهلالفضل وإن كان جميعهم أفضل منه.

نعم إنما يعسر أو يتعذر معرفة أفضل األمة مع كثرة البالد وتباعدها وكثرة أهل الفضل فيهاخصوصا في التفاضل في صفات تحتاج إلى االختبار، واختبار الجميع يحتاج إلى أمد طويل

وتجربة واسعة كالسياسة.(٢) فإذا جاز أن يكون الضرر في نصبه أكثر كيف يجوز نصبه؟ ألن اإلمام إنما يراد للصالح بحفظ

الشريعة وإصالح األمة وقد أصبح للفساد.

(٥٩)

Page 61: Kitab Al-Alfain Arabic

الفساد، وإنما تندفع مادة الفساد على قول اإلمامية بأن الرئيس منصوب منقبله تعالى، وألن الصلحاء إذا تمكنوا من نصب الرئيس يمكنوا من دفع

الفساد من الجهال وإذا عجزوا عن هذا عجزوا عن ذلك، فيلزم عدم وجوبنصب الرئيس. وهو باطل (١).

الوجه السابع والعشرون: لو اقتضى تجويز ترك الواجب وجوبنصب الرئيس على المكلفين لزم التسلسل والالزم باطل، فالملزوم مثله: بيانالشرطية إن المقتضى لوجوب نصب الرئيس واجب يجوز منهم االخالل به،

فكان عليهم شئ آخر يصدهم عن االخالل بهذا الواجب (٢) كما وجبعليهم في تجويز وقوع الفساد نصب الرئيس لوجود المقتضى فيهما.

وأما قول اإلمامية وهو أنه إذا وجب على المكلفين ترك الفساد وجاز منهماالخالل به وجب على الله تعالى إقامة اللطف بنصب الرئيس، والله تعالى

يستحيل منه االخالل بالواجب، فاندفع محذور التسلسل، ال يقال: المالزمةممنوعة: فإن تجويز ترك الواجب من كل واحد من األمة يستلزم وجوب نصب

الرئيس، لكن هذا الواجب ال يمكن تركه، فإنه واجب على كل األمة علىسبيل االجتماع ومجموع األمة من حيث مجموع معصوم. ألنا نقول:

المحال اجتماع كل األمة على الخطأ أما إذا ارتكب بعضهم الصواب جاز أن--------------------

(١) ال ريب في أن الرئيس الصالح يكون نصبه أصلح لألمة، وبه يكون دفع الفساد أكثر، ولكنالشأن في أن يختار الناس األصلح ليكون وجوده أصلح من فقده، وإذا انتظرنا بعد اختياره

واختباره، فقد نقع في مفاسد جمة فيكون عدمه أفضل من وجوده، فإن رضينا به فقد رضينابالفساد، وإن عزلناه - وقد ال نستطيع - فال نعتقد بأننا نظفر بخير منه، وإلى كم نبقى ونحن

ننصب ونعزل وننصب ونعزل وال ننتقل إال من شر إلى أشر؟ ويكفيك شاهد عيان منتسلقوا المنابر فأين كان الصالح منهم لألمة وللشريعة؟ ولكن بناء على أن اإلمامة منه تعالى

وإنه سبحانه ال يختار لنا إال األصلح ال نجد من هذه المفاسد شيئا.(٢) وإيضاحه أن نقول: إن نصب الرئيس إذا قلنا بوجوبه ال بد أن يكون منبعثا عن واجب وإال

كيف يجب نصبه إذا لم يكن الباعث على نصبه واجبا؟ فإذا جاز أن يخل المكلفون بهذاالواجب الباعث احتاجوا إلى واجب آخر يصدهم عن االخالل بهذا الواجب وهذا الثاني جاز

أن يخلوا به أيضا فنحتاج إلى ثالث، وهكذا فيتسلسل.

(٦٠)

Page 62: Kitab Al-Alfain Arabic

يرتكب بعضها اآلخر الخطأ، وقول البعض في نصب اإلمام ليس بحجةاالستحالة الترجيح من غير مرجح، وألنكم في االعتراض جعلتموه من فعلالمجموع. فإذا لم يحصل بإخالل البعض ال يلزم اجتماع األمة على الخطأ

وألحقية اإلمام المذكور.الوجه الثامن والعشرون: لو وجب نصب الرئيس على الرعية ال على

الله تعالى لزم أحد أمرين أما االخالل بالواجب أو وقوع الهرج والمرج،والتالي بقسميه باطل إجماعا بالمقدم مثله، بيان الشرطية إن البالد متعددة

والمساكن متباعدة، وفي كل بلد وصقع يجب أن يكون لهم رئيس يردعهم عنالفساد، وال أولوية لتخصيص بعض البالد واألصقاع بكون الرئيس منهم،

فإما أن يجب على كل بلد نصب رئيس ويلزم منه وقوع الهرج والمرج وإثارةالفتن وانتشار التنازع بين الرؤساء، إذ كل رئيس يطلب الرياسة العامة،

وفي ذلك من الفساد أضعاف ما يحصل بترك نصبه، أو يجب على بعضالبالد ويلزم الترجيح بال مرجح أو ال يجب على أحد وفيه بطالن وجوب

نصب الرئيس على الرعية، أو يجب على كل بلد وال يفعلونه ويلزم االخاللبالواجب (١).

الوجه التاسع والعشرون: االجماع واقع على أنه قوله تعالى:* (" والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما "، " والزانية والزاني فاجلدوا كل

واحد منهما مائة جلدة ") * وغيرهما من اآليات مطلقة غير مقيدة، فإذا ثبت--------------------

(١) يمكن أن يقال: بأن نصب الرئيس إذا كان واجبا يجب حمل الناس عليه ولو بالقهر ألنمقدمة الواجب واجبة، فيجب على كل أحد مقدمة لنصب الرئيس أن يدفع غيره إذا أهمل أو

قصر، فالوجوب إذن ال يخص أحدا وال بلدا وتقصير البعض ال يسقط التكليف عناآلخرين فإذا قام جماعة من بلد أو بلدان لنصب الرئيس ونصبوه جاز أن يحملوا بقية الناس

على األتباع، وأمرا بالمعروف - ونهيا عن المنكر. غير أن هذا مجرد فرض، وإال كيف يمكنلهؤالء أن يحملوا الناس دون فتن وتنازع بحيث ال يقعون باألفسد؟ وأنى يكون لجماعة

األمرين وحدة ال تتفكك؟ وإذا اختلفوا فمن المتبع قوله وأمره منهم؟ واتباع بعضهم ترجيحبال مرجح، وليس لهؤالء البعض قهر اآلخرين من أمثالهم الذين قاموا بالواجب.

(٦١)

Page 63: Kitab Al-Alfain Arabic

هذا فنقول: إما أن يكون الخطاب لألمة أو لألئمة، واألول باطل لإلجماععلى أن الحدود ال يتوالها إال اإلمام أو من أذن له اإلمام كما نقله

الخوارزمي (١) فتعين الثاني وإذا كان خطابا لإلمام وجب أن يكون منصوبا منقبله تعالى ليتحقق األمر نحوه ويتوجه الخطاب إليه، وال يجوز أن يكون

منصوبا من قبل األمة وإال لكان األمر موقوفا على أن تنصب األمة إماما ويقبلذلك المنصوب اإلمامة (٢) ال يقال: إنه أمر مطلق بالتوصل إلى قطع السارق

والسارقة والتوصل إليه إنما يكون بقبول من يصلح لإلمامة لها وبعقد من يمكنهالعقد لمن يصلح لإلمامة، فيلزم من جهة اآلية على من يصلح لإلمامة قطع

السارق مع مقدماته وهي قبوله لإلمامة، ولزم على من يمكنه العقد له القطعبأن يعقد اإلمامة لمن يصلح لها فيقطعه اإلمام، ألن األمر المطلق يقتضي

وجوب الفعل على كل حال وذلك يقتضي وجوب مقدماته، واآلية دالة علىوجوب نصب اإلمام على الرعايا، ألنا نقول: اآلية دلت بذاتها على القطع

وبالتبع على المقدمات وإنما يتم األمر بالقطع على تقدير إمام معصوم من قبلهتعالى. وال يجوز أن يجعل دالة بالذات على التوصل إلى القطع ألنه إخراجالكالم عن حقيقته من غير ضرورة وال داللة عليه، وألن األمر المطلق إنما

يقتضي وجوب مقدمات الفعل على من يجب عليه ذلك الفعل، فأما وجوبالفعل على المكلف ووجوب مقدماته على غيره فغير صحيح، ومن يعقد

--------------------(١) الظاهر أنه أراد به أخطب خوارزم أبا المؤيد الموفق بن أحمد صاحب كتاب (مناقب أهل البيت

عليهم السالم) المتوفى عام ٥٦٨.(٢) يمكن أن يقال: بأن الخطاب متجه إلى اإلمام خاصة، وال يكون ذلك موقوفا على شئ، ألن

اإلمامة بعد فرض وجوبها على األمة، وأن األمة قائمة بهذا الفرض دائما فاإلمام موجود دائمافإليه يتجه الخطاب، وهكذا جميع الخطابات القرآنية وغيرها، فإنه هو الحافظ للشريعة المقيم

لحدودها والمسير لنظامها، غير أن الشأن كله في أن اإلمام تتجه إليه الخطابات القرآنيةوغيرها، والذي يجب أن يقيم الحدود من هو عالم بالكتاب والشريعة ومن هو عالم بالحدود

ليقيمها حسبما وردت في الدين دون تحريف وتصحيف، وأما من يجهل مفاد الخطابات ويجهلالحدود كيف يصح خطابه وتصح إقامته للحدود، فمن ثم يعلم أن المخاطب في - الكتاب

والسنة والمقيم للحدود كما جاءت هو اإلمام المعصوم فحسب.

(٦٢)

Page 64: Kitab Al-Alfain Arabic

اإلمامة لمن يصلح لها غير من يقبل اإلمامة، فإن وجب قبولها على من يصلحلها لم يصح أن تجب مقدمات قبوله على الغير ومن يعقد اإلمامة ال يجب عليه

القطع بل على من يقبلها.وقد استدل أبو الحسين البصري بهذه اآلية على وجوب نصب األئمة

على الرعية بأن قوله تعالى: * (فاقطعوا) * مشترك بين التوصل إلى القطعوبين مباشرة القطع فإنه يقال قطع األمير السارق إذا أمر بقطعه فقطع، وقطع

الجالد السارق إذا باشر القطع، وليس المراد المباشرة فإن ظاهرها عام متناولللكل وليس يمكن مباشرة الكل القطع، ولو أمكنهم لم يكن المراد ذلك

لإلجماع على أنه ليس لألمة أن يأمروا الجالد بالقطع من دون أن يتولى ذلكاألمر اإلمام، فإذن المراد بها التوصل إلى القطع وإذا كان كذلك فاألمة يدخل

في جملتهم من يصلح لإلمامة، ومن يمكنه العقد له فيلزم الكل التوصل إليهبمقدماته وليس إال القبول والعقد، والجواب من وجهين: األول: إن األمربالقطع ال بالتوصل إليه وقد تقدم ذلك فيما نحن قررناه. الثاني: أنه يصحأن يقال في اإلمام إنه قطع السارق ويفهم عرفا أنه أمر بالقطع كما يفهم

حقيقة في الجالد إنه قطع إذا باشره فيصح أن يكون حقيقة فيهما في حق اإلمامعرفا وفي حق الجالد لغة، أما العاقدون لإلمامة فال يقال إنهم قطعوا السارق

بمعنى إنهم عقدوا عقد اإلمامة لمن أمر بقطع السارق لبعد ذلك في اللغة، وإنجعل مجازا كان بعيدا في الغاية واللفظ ال يحمل على مجازه البعيد في الغاية مع

وجود الحقيقة.وأقول: لفظ القطع حقيقة في المباشرة وقد يطلق على السبب مجازا

للسببية واألسباب تتفاوت في القرب والبعد، وفي العموم والخصوص،ويتفاوت بذلك المجاز في األولوية، واألمر بالقطع بعض األسباب إذا ليس

علة تامة والعقد سبب بعيد عام واألمر أقرب منه، فال يجوز الحمل علىالعقد مع وجود الحقيقة والقرب وإمكانهما خصوصا السبب البعيد العام فإنه

يكاد أن يكون من األسباب االتفاقية فال يجوز حمل اللفظ عليه.

(٦٣)

Page 65: Kitab Al-Alfain Arabic

واعلم أن القائلين بوجوبها عقال على األمة ال على الله تعالى ذكروا شبهااألولى: ما ذكر في نفي التحسين والتقبيح العقليين على استحالة إيجاب شئعلى الله تعالى، الثانية: أن يكون اإلمام منصوبا ممكنا (١) لطف، فعند عدمتمكنه ال يحصل اللطف، وإذا علم الله تعالى ذلك كان النصب الذي ال يتماللطف عبثا فال يجب عليه، الثالثة: ذلك اإلمام أما أن يكون معصوما أو اليكون معصوما، والقول بالعصمة ممتنع على ما يأتي، وغير المعصوم ليس

بلطف. الرابعة: لو وجب وجود إمام معصوم لكونه مقربا ومبعدا لوجب أنيكون نوابه ورؤساء القرى والنواحي والحكام بأسرهم معصومين ألن ذلك

أشد تقريبا وتبعيدا، الخامسة: إن ما من زمان إال ويتصور خلوه عنالتكاليف الشرعية باالتفاق، فالقول بجواز خلو الزمان عن وجوب نصباإلمام ألجل الطاعات يكون أولى، وهذه الشبهة هي معتقدهم وتعويلهم

عليها، وهي واهية ضعيفة، أما األولى: فقد بينا في علم الكالم ثبوتالتحسين والتقبيح العقليين وكيف ال يكون كذلك وال تتم شريعة من الشرائعوال ملة من الملل إال بمقدمتين، المقدمة األولى: إن الله تعالى خلق المعجزعلى يد األنبياء للتصديق، المقدمة الثانية: إن كل من صدقه الله تعالى يجبأن يكون صادقا لقبح تصديق الكاذب منه تعالى واستحالة صدور القبيح منه

تعالى وشئ منهما ال يتم على مذهبهم.أما المقدمة األولى: فالستحالة تعليل أفعاله تعالى باألغراض، وأما

الثانية، فألن نفي الحسن والقبح العقليين يستلزم جواز إظهار المعجز منهعلى يد الكاذب، وألن نفي وجوب شئ عليه تعالى يستلزم جواز إثابةالعاصي على معصيته وعقاب المطيع على طاعته، وإدخال األنبياء النار

وإدخال الفراعنة الجنة، وهذا مما يعده العقالء سفها لو صدر من آدمي،فكيف إذا صدر من قادر حكيم؟ سبحانه وتعالى عما يصفون، وأما الثانية:فهي واهية لوجوه، األول: أن اإلمام لطف في حال غيبته وظهوره، أما مع

--------------------(١) مفعول ممكن مضاعف العين.

(٦٤)

Page 66: Kitab Al-Alfain Arabic

ظهوره فلما مر، وأما عند غيبته فألنه يجوز المكلف ظهوره كل لحظة فيمتنعمن اإلقدام على المعاصي، وبذلك يكون لطفا (١) ال يقال تصرف اإلمام إنكان شرطا في كونه لطفا وجب على الله تعالى فعله وتمكينه وإال فال لطف،

ألنا نقول: إن تصرفه ال بد منه في كونه لطفا وال نسلم أنه يجبعليه تعالى تمكينه ألن اللطف إنما يجب إذا لم يناف التكليف،

فخلق الله تعالى األعوان لإلمام ينافي التكليف وإنما لطف اإلمام يحصل ويتمبأمور، منها: خلق اإلمام وتمكينه بالقدرة والعلوم والنص عليه باسمه

ونسبه، وهذا يجب عليه تعالى وقد فعله ومنها: تحمل اإلمامة وقبولها، وهذايجب على اإلمام وقد فعله، ومنها: النصرة والذب عنه، وامتثال أوامره،

وقبول قوله، وهذا يجب على الرعية (٢) الثاني: المقرب إلى الطاعة والمبعدعن المعصية والقهر واالجبار عليها ليس بلطف، ألنه مناف للتكليف ونصب

اإلمام والنص عليه وأمرهم بطاعته من األول وقهرهم على طاعته من قبيلالثاني ألنه من الواجبات، فلو جاز القهر عليها لجاز على باقي الواجبات،

وألن طاعة اإلمام هي عبارة عن امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه، فالقهر على--------------------

(١) قد يقال بأننا نجد الناس مع وجود اإلمام ظاهرا يرتكبون المعاصي إذا لم يكن متمكنا، فكيفبه غائبا؟ وأما أن تجويز المكلف ظهوره كل لحظة فال نراه حاجزا عن اقتحام الموبقات، فأين

اللطف فيه؟فاألجدر في تعليل اللطف حال الغيبة بأن يقال نفس وجوده لطف وذلك ألن فيه إقامة

للحجة على العباد، ولما كان خذالن الناس له هو الذي أوجب غيبته وعدم تمكينه كانتالحجة عليهم أتم، فهم يعلمون بأن الحجة بوجوده قائمة عليهم والتكليف غير مرفوع

عنهم، والعصيان مسؤولون عنه، فمن ثم يكون ذلك مقربا لهم إلى الطاعة مبعدا عنالمعصية.

(٢) إذا قصرت الرعية في القيام بواجب الطاعة والسمع لم يحصل التمكين، فعدم التمكين ال منناحيته تعالى، وال من ناحية اإلمام نفسه، وإنما كان من ناحية األمة فحسب.

وهذا ال يختص باإلمام، فإن كثيرا من األنبياء عليهم السالم، لم يتمكنوا من تسيير نظامهموتمشية شرائعهم، فهل كان عدم تمكنهم لعدم اللطف في بعثهم أو لتقصيرهم في التبليغ أولرفض الناس أقوالهم ونصحهم، وال يشك أحد في أن عدم التمكين إنما كان لخذالن الناس

لهم وعدم السمع والطاعة منهم.

(٦٥)

Page 67: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث: اإلمام هو اآلمر بأوامر الله تعالى والناهي بنواهيه، فلو جازقهر الناس على طاعته القهر على االتيان بما أمر الله تعالى به واالمتثال عما

نهي عنه من غير وساطة اإلمام.وأما الثالثة: فألن اإلمام يجب أن يكون معصوما، ألن اإلمام لو جاز

أن يخل بالواجبات أو يفعل المقبحات المتنع أن يكون نصبه لطفا وإال لزم أنيكون داخال فيما هو خارج عنه أي يكون من المحتاجين إلى نفسه لجواز

المعصية عليه ومن غير المحتاجين إليه لكونه محتاجا إليه والمحتاج إليه غيرالمحتاج القتضاء اإلضافة تغاير المضافين وسنزيد بيانه فيما بعد إن شاء الله

تعالى.وأما الرابعة: فهي ضعيفة جدا من وجهين، األول: إن الواجب

عليه ما يفيد التقريب والتبعيد وما أوردتم ال يزيد التقريب والتبعيد، فهو غيروارد علينا، بيانه أن المكلف إذا استوت نسبته إلى ما يريد الحكيم منه وإلى ماال يريده، فيجب على الحكيم أن يقربه إلى ما يريده ويبعده عما ال يريده حتىيحصل ترجيح أحد الطرفين المتساويين على اآلخر الذي ال يتم الوقوع إلى به،

وأما إذا كان إلى ما يريده أقرب فالترجيح حاصل وموجب الوجوب وهوالتساوي المانع عن الوقوع زائل فال يجب عليه (١).

الثاني: إنه يكفي في كل زمان وجود معصوم، ويستحيل وجوب شيئينكل واحد منهما يقوم مقام اآلخر دفعة (٢).

وأما الخامسة: فألنا قلنا بوجوب اإلمام على تقدير التكليف. فال--------------------

(١) وإال لوجوب عليه تعالى أن يجعل في كل بلد معصوما بل في كل قبيلة ألنه يكون أكثر مقربيةومبعدية، ومثله الشأن في األنبياء، فيرسل لكل بلد نبيا بل لكل قبيلة.

(٢) وذلك ألن أمير البلد إذا كان معصوما أغنى عن اإلمام، وكذا القاضي والنائب وما سواهما فماالحاجة إذن إلى اإلمام.

(٦٦)

Page 68: Kitab Al-Alfain Arabic

ترد علينا، وألنه دافع الخوف والفساد وبه يتم نظام النوع، وهذه الشبهةأوهن من بيت العنكبوت.

البحث السابع: في عصمة اإلمام، وهي ما يمتنع المكلف معه منالمعصية متمكنا منها، وال يمتنع منها مع عدمها (١) اختلف الناس في ذلك

فذهبت اإلمامية واإلسماعيلية إليه ونفاه الباقون وجوه:األول: لو كان غير معصوم لكان محتاجا إما إلى نفسه أو إلى إمام آخر

فيدور أو يتسلسل وهما محاالن، وذلك لوجود العلة المحوجة إليه فيه (٢) اليقال: المعصوم ال يخلو أما أن يقدر على المعصية أو ال يقدر، فإن قدر فال

يخلو أو أن يمكن وقوعها منه أو ال يمكن، فإن أمكن فهو كسائر المكلفين فيالحقيقة من غير امتياز، وإن لم يمكن فقدرته على ما ال يمكن وقوعه ال يكونقدره، وإن لم يقدر فهو مجبور وليس ذلك بشرف له، وأيضا إذا جاز أن يمتنعوقوع المعصية من شخص من المكلفين بفعل الله تعالى، وال يضر ذلك قدرته

وتمكنه من الطرفين فالواجب أن يجعل جميع المكلفين كذلك إذا كان الغرضمن وجودهم إيصال الثواب إليهم دون وقوع المعصية وعقابهم عليها، وأيضا

فلم ال يجوز أن يكون االنتهاء في االحتجاج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلمأو القرآن وينقطع التسلسل.

ألنا نجيب عن األول: بأنه يقدر عليها ولكن ال يقع مقدوره منه لعدم--------------------

(١) هذا التعريف غير مانع ألنه يشمل العدالة أيضا، فال بد من أخذ قيد فيه يخرج منه العدالةبأن نقول إن عصمة اإلمام ما يمتنع معها من المعصية متمكنا - منها عمدا وخطأ سهوا ونسيانا،

فإن العدالة حينئذ خارجة عنه، ألن العدالة ال يضر معها ارتكاب المعصية خطأ، ولكن ذلكضائر في المعصوم، فالمعصوم والعادل يشتر كان في العمد ويفترقان فيما عداه.

(٢) ألن العلة المحوجة إلى عصمة اإلمام هي جواز الخطأ على البشر فهم في تفهم الشريعة واألخذبأحكامها يحتاجون إلى من ال يخطئ فيها، فإذا لم يكن ذلك المنصوب معصوما احتاج إلى غيره

وذلك الغير إن رجع في الحاجة إلى هذا اإلمام دار، أو إلى إمام ثالث، والثالث إلى رابع،وهكذا تسلسل إلى إذ انتهى إلى معصوم، فالمعصوم ال بد منه في كل أوان وزمان، وإال فاإلمامة

في خطأ دائم، وهو خالف اللطف.

(٦٧)

Page 69: Kitab Al-Alfain Arabic

خلوص داعية إليها (١) كما نقول في امتناع وقوع القبايح من الحكيم تعالى،وكما نقول في عصمة األنبياء فإن القدرة على ما ال يمكن وقوعه العتبار شئ

غير ذاته ال يستنكر إنما يستنكر القدرة على ما ال يمكن وقوعه لذاته.وعن الثاني: إنا ال نقول إن الحكيم تعالى جعل شخصا واحدا بفعله

معصوما من غير استحقاق منه لذلك، لكنا نقول: كل من يستحق األلطافالخاصة التي هي العصمة بكسبه، فهو تعالى يخصه بها ثم اإلمام يجب أن

يكون من تلك الطايفة فالمكلفون بأسرهم لو استحقوا بكسبهم تلكاأللطاف لكانوا كلهم معصومين، فظهر أن الخلل في عدم عصمتهم جميعا

راجع عليهم ال عليه تعالى.وعن الثالث: إن نسبة غير المعصومين إلى النبي صلى الله عليه وآله والقرآن نسبةواحدة فلو جاز أن يكون النبي الموجود في زمان سابق أو القرآن مغنيا لمكلف

مع جواز خطأه عن اإلمام لجاز في الجميع مثل ذلك، وحينئذ ال يجباحتياجهم جميعا إلى اإلمام وقد سبق فساد الالزم فظهر فساد الملزوم.

الثاني: لما ثبت وجوب نصب اإلمام على الله تعالى بالطريق الثانيفنقول: إنا نعلم ضرورة أن الحاكم إذا نصب في رعيته من يعرف منه أنه ال

يقوم بمصالحهم وال يراعي فيهم ما ألجله احتاجوا إلى منصوب قبله تستقبحالعقول منه ذلك النصب وتنفر عنه، ونصب غير المعصوم من الله تعالى داخلفي هذه الحكم (٢) فعلمنا أنه ال ينصب غير المعصوم، فكل إمام ينصبه الله

--------------------(١) إن من ينظر بعين بصيرته إلى عظم الخالق تعالى وقوة سلطانه وجاللة - قدره، وما أعده ألهل

الطاعة من جليل الثواب وألهل العصيان من أليم العقاب يمنعه عقله من اإلقدام على المخالفةخوف النكال والسخط والبطش، فكيف إذا بلغت به المعرفة والقرب إلى أن يكون، والجنةكمن رآها والنار كمن شاهدها، بحيث لو كشف له الغطاء ما ازداد يقينا؟ ويرى من آثار

عظمة الخالق وقدرته ما يزيد بصيرة في سلطانه وقوة في قهره وبطشه، أترى مثل هذا تغلبالشهوة أو قوة الغضب على ملموساته ومحسوساته؟ فمن ثم ال يحصل لديه داعي العصيان

أبدا وإن قدر عليه.(٢) إن الغرض من نصب اإلمام - كما علم مرارا - حاجة البشر إلى المعصوم - لجواز الخطأ عليهم، فلو

جاز عليه الخطأ أيضا وجاز أن يكون في نصبه فساد كان نقضا للغرض، فال بدمن أن تستقبح العقول نصب من يخالف القصد والغرض مع العلم بالمخالفة ومع إمكان أن

ينصب من يحصل به الغرض وهو المعصوم كيف يتركه إلى غيره، وإال فهو ليس بحكيم- تعالى عن ذلك علوا كبيرا - فمن هنا يتضح أن كل إمام مستند إليه نصبه، فهو معصوم.

(٦٨)

Page 70: Kitab Al-Alfain Arabic

تعالى، فهو معصوم. ال يقال: لم ال يجوز أن يكون خوف اإلمام من العزلسببا موجبا المتناع إقدامه على الخطأ (١) سلمنا لكن ينتقض ما ذكرتم بالنائبله إذا كان في المشرق واإلمام في المغرب فإنه غير معصوم وال يخاف سطوته،

سلمنا لكن اإلمامة عبارة عن مجموع أمرين أحدهما ثبوتي وهو نفوذ حكمه علىغيره، والثاني سلبي وهو انتفاء نفوذ حكم غيره عليه، فلو افتقرت اإلمامة

إلى العصمة لكان ذلك أما لألول أو للثاني أو للمجموع والكل باطل بالنائبالمذكور، فإنه ال ينفذ حكم أحد عليه غير اإلمام واإلمام في تلك الحال ال

ينفذ حكمه عليه أيضا ألنه يستدعي علم اإلمام بالغيب وقدرته على االختراعوهو نافذ الحكم على غيره، وقد تحقق فيه كل واحد من الوصفين مع أن

العصمة غير معتبرة فيه فبطل اشتراط العصمة في اإلمام، ألنا نجيب عناألول بأن من عرف الفوائد علم بالضرورة عجز األمة عن عزل آحاد الوالة،

فكيف بالرئيس المطلق (٢) وعن الثاني: إن النائب يخاف من العزل في مستقبلالوقت، وذلك لطف له بخالف اإلمام (٣).

سؤال: فليكن خوف اإلمام من عقاب اآلخرة لطفا له؟جواب: اإلمام يشارك غيره في الخوف فلما لم يكن ذلك مغنيا لهم عن

--------------------(١) لو سلمنا امتناعه عن الخطأ فهو إنما يمتنع عمدا وجهرا، ولكن كيف شأنه مع السهو والغفلة

والنسيان، وارتكاب العصيان سرا؟ فجواز الفساد في إمامته ال مفر منه.(٢) قد يقال، إن األمة وإن لم تقو على عزل الوالة رأسا ألن نصبهم ال يعود إليهم، ولكنها تقوى

على عزل الرئيس المطلق، ألن نصبه كان إليهم، ومن بيده النصب يكون بيده العزل، غيرأن الشأن الذي يراعي هنا هو أن خوف العزل وحدة ال يمنع عن الخطأ سرا أو سهوا كما سبق

بيانه فالفساد ملحوظ باإلمام غير المعصوم.(٣) قد أوضحنا إن خوف العزل وحده ال يمنع من الخطأ وشاهده من تعاقب على كراسي الحكم،

فقد كان يجري على بعضهم العزل وال يمنع الباقين من ارتكاب الخطأ عمدا وسهوا.

(٦٩)

Page 71: Kitab Al-Alfain Arabic

جواب: اإلمام يشارك غيره في الخوف فلما لم يكن ذلك مغنيا لهم عناإلمام فكذلك له، وألن رغبة الناس في الدنيا أكثر تقريبا من فعل الطاعة

وترك المعصية من اآلخرة.وعن الثالث، يمنع الحصر وأيضا فلم ال يجوز أن يكون الفرق أن

اإلمام حاكم على كل المسلمين فوجبت عصمته بخالف النائب - وأيضا - فلمال تكون العصمة ألجل عدم حكم غيره عليه بخالف النائب، فإن اإلمام

يحكم عليه في تلك الحالة أو في ما بعد - الثالث - أن اإلمام حافظ للشرع (١)فيكون معصوما، أما الصغرى فألن الحافظ له ليس هو الكتاب لوقوع النزاع

فيه ولعدم إحاطته بجميع األحكام، وليس هو السنة للوجهين السابقينوالتفاق المسلمين على أنها ليست الحافظة للشرع وألنها متناهية والحوادث غير

متناهية، وليس هو األمة لجواز الخطأ عليهم إذا خلوا عن اإلمام، ألن كلواحد يجوز كذبه فالمجموع كذلك، وألن االجماع إنما يحصل في قليل منالمسائل، وألن االجماع إنما يثبت كونه حجة إذا ثبت كون النقلة معصومينوإنما يثبت ذلك بالسمع ألنا لو علمناه بالعقل لكان إجماع النصارى حجة،

والسمع يتطرق إليه النسخ والتخصيص، فال بد من معرفة عدم الناسخ--------------------

(١) إن حفظ اإلمام للشرع بأن يعلم جميع ما جاءت به الشريعة ويعمل تطبيقا على نفسه وعلىاألمة، فلو علم بعضا وجهل بعضا، أو طبق بعضا وأهمل بعضا لم يكن حافظا، فلما لم يكن

الكتاب والسنة جامعين لما في الشريعة على ما في داللتيهما من النزاع، وال األمة تعلمهاكذلك، وال تعمل بها لو علمتها بأجمعها، لم يحصل الحفظ بالكتاب والسنة وال باألمة، فال بد

من المعصوم حينئذ، ألن الله تعالى ما أنزل الشريعة إال ويريد إال ويريد االحتفاظ بها والعمل بها مناألمة، وهذا ال يتأتى بدون حافظ عالم بجميع ما جاءت به الشريعة قائد رادع لألمة، وال

يكون كذلك غير المعصوم، وأما مثل القياس والبراءة إذا انضما إلى الكتاب والسنة، فال يحصلبهما وال بالجميع حفظ الشريعة، لما أشرنا إليه، فإن الشريعة التي جاء بها الرسول صلى اللهعليه وآله وسلم ال يحصل العمل بها حسبما بها بمثل ذلك، ألننا نعتقد بأن االختالف في -

الكتاب والسنة، ومخالفة القياس والبراءة وغيرهما أحيانا للشريعة يوقعنا بالخطأ، فأين االحتفاظبالشرع الذي يراد االحتفاظ به مع المخالفة له علما وعمال؟

(٧٠)

Page 72: Kitab Al-Alfain Arabic

والمخصص، وال طريق إلى ذلك سوى أنه لو كان لنقل، وإنما يتم هذا إذاعلمنا أن األمة ال تخصل بنقل الشرايع، وإنما يكون كذلك لو عرفنا كونهم

معصومين وهذا دور ظاهر، وليس هو القياس وألنه ليس حجة في نفسهإلفادته الظن الضعيف، وألنه ال بد له من أصل منصوص عليه فال يكون

بانفراد حافظا، وألن أحدا لم يقل بذلك وليس هو البراءة األصلية وإال لماوجبت بعثة األنبياء عليهم السالم بل كان يكتفي بالعقل وذلك بالطل،

وليس هو المجموع، ألن الكتاب والسنة وقع التنازع فيهما وفيمعناهما، فال يجوز أن يكون المجموع حافظا، ألنهما من جملة ذلك المجموع

وهما قد اشتمال على بعض الشرع، إذا كان كل واحد من المجموع قدتضمن بعض الشرع وبطل كونه دليال على ما تضمنه، وذلك البعض الذي

تضمنه ذلك الفرد من جملة الشرع، وقد صار بعض الشرع غير محفوظ فاليكون المجموع محفوظا، فلم يبق إال اإلمام الذي هو بعض األمة المعصوم،

ألنه لو لم يكن معصوما لتطرق إليه الزيادة والنقصان فال يكون محفوظا.الرابع: إذا صدر عنه الذنب فأما أن يتبع وهو باطل قطعا، وإال لم

يكن ذنبا ولقوله تعالى * (وال تعاونوا على اإلثم والعدوان) * وأما أن ال يتبعفال يكون قوله مقبوال فال يكون فيه فائدة (١).

الخامس: إن كان نصب اإلمام واجبا على الله تعالى استحال صدورالذنب منه لكن المقدم حق على ما تقدم فالتالي مثله بيان الشرطية أنه لو صدر

عنه الذنب لجوزنا الخطأ في جميع األحكام التي بأمر بها وذلك مفسدة عظيمة،وإن الله تعالى حكيم ال يجوز عليه المفسدة.

السادس: قوله تعالى * (ال ينال عهدي الظالمين) * أشار بذلك إلى عهداإلمامة والفاسق ظالم (١).

--------------------(١) بل يجب على األمة ردعة عن الذنب فتكون األمة حينئذ هي اإلمام المقوم له المصلح لفساده،

فأين إمامته؟ فإن سكتت عنه اشتركت معه في المآثم، فإن رضى تعالى بمثل هذا اإلمام فقدرضي لألمة الموافقة على الجرائم - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - وإن أبى - وال بد من أن يأبى -

لهم ارتكاب أو الرضى به، فال يكون ذلك إال بجعل اإلمام المعصوم.فال يخرج عن العدالة، فاآلية ال تدل على العصمة بنحو ما ذكره، نعم إنما تخرج من سبق

منهم الفسق بالكفر أو بغيره، ومن تلبس به عند اعتالئه منصة الحكم بناء على شمول المشتقلمن تلبس بالمبدأ ولو فيما مضى، ولكن تفيدنا اآلية اعتبار العصمة في اإلمامة من ناحية

أخرى. وهي أن نيل العهد كان منه تعالى، وكيف ينيل تعالى واليته وعهده من يجوز عليهالخطأ فيقع ويوقع األمة بالفساد من حيث يدري وال يدري؟ وقد أراد الله تعالى اإلمامة

للصالح، فال بد أن يكون الذي ينيله تعالى عهده من كان معصوما. فإن قلت: إنمقتضى مفهوم الوصف إن العهد ينال بعمومه من لم يكن ظالما سواء كان - عادال أو

معصوما -. قلنا: إننا لو نقول بمفهوم الوصف - وال نقول به - ففي المقام منصرف عن

Page 73: Kitab Al-Alfain Arabic

العموم لما أشرنا إليه من أن النيل لما كان منه عز شأنه فال يختص إال بذوي العصمة وهذهقرينة االنصراف.

(٧١)

Page 74: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع: اإلنسان مدني بالطبع ال يمكن أن يعيش مفردا الفتقار في بقائهإلى مأكل وملبس ومسكن ال يمكن أن يفعلها بنفسه، بل يفتقر إلى مساعدة

غيره بحيث يفرغ كل منهما لما يحتاج إليه صاحبه حتى يتم نظام النوع ولما كاناالجتماع في مظنة التغالب والتنافر، فإن كل واحد من األشخاص قد يحتاج

إلى ما في يد غيره فتدعوه قوته الشهوية إلى أخذه وقهره عليه وظلمه فيهفيؤدي ذلك إلى وقوع الهرج والمرج وإثارة الفتن، فال بد من نصب إمام

معصوم يصدهم عن الظلم والتعدي، ويمنعهم عن الغلب والقهر،وينتصف للمظلوم من الظالم، ويوصل الحق إلى مستحقه، ال يجوز عليه الخطأ وال

السهو وال المعصية، وإال لم يتم النظام به (١).الثامن: إنه تعالى قادر على نصب إمام معصوم والحاجة للعالم داعية إليه

وال مفسدة فيه، والكل ظاهر فيجب نصبه (٢).--------------------

(١) قد يقال: إن النظام اليوم قام بدون إمام معصوم حاضر متمكن، فال حاجة إذن له من هذهالناحية، ولكن نقول: إن القصد من تمام النظام تمامه على النهج الشرعي القويم، الذي

يكون المرء فيه أمينا على نفسه وعرضه وماله، وإن أصيب في شئ من هذه الثالثة، فاإلمامينتصف له من ظالمه حسب الشريعة على قدر ظالمته، ال يأخذ له دون حقه، وال ينتصف

من ظالمه بأكثر من حقه، وأين هذا النظام اليوم، ومتى كان؟(٢) وإنما تمحل قوم في مخالفة هذا الظهور العقلي الوجداني، واتبعوا أنفسهم في التخلص

- بزعمهم - من هذا الوجوب، تصحيحا إلمامة من زعم اإلمامة ونسبت إليه، وما كانوا منهابسبب أو نسب على أن ذلك الدفاع عنهم ما كان إال تعليال بعد الوقوع وإال فإن اعتبار

العصمة في اإلمامة أظهر من أن يحتاج إلى برهان.

(٧٢)

Page 75: Kitab Al-Alfain Arabic

التاسع: كل صفة نقص توجب احتياج موصوفها في الكمال ونفيها إلىغيره إنما توجب االحتياج إلى غير موصوف بتلك الصفة فعدم العصمة أوجبتاالحتياج إلى غير موصوف بها إذا الموصوف بها مشارك في االحتياج، وغير

الموصوف بعدم العصمة هو موصوف بالعصمة (١).العاشر: تجويز الخطأ هو إمكانه، فإذا أوجب االحتياج إلى علة في

عدمه كانت واجبة العدم، إذ جميع الممكنات تشترك في االمكان، فتشترك فياالحتياج إلى علة خارجة، والخارج عن كل الممكن ال يكون ممكنا، وواجب

عدم الخطأ هو المعصوم (٢).الحادي عشر: لو كان اإلمام غير معصوم لزم تخلف المعلول عن علته

التامة لكن التالي باطل، فالمقدم مثله بيان المالزمة أن تجويز الخطأ علىالمكلف موجب إليجاب كونه مرؤسا إلمام واإلمام ال يكون مرؤسا إلمام

وإال لكان إمامه من غير احتياج إليه (٣).الثاني عشر: أنه يجب متابعته بدليل اللغة واإلجماع والعقل، وأما اللغة

--------------------(١) وإيضاحه أن نقول: إن الخطأ صفة نقص في اإلنسان، فهو يحتاج في رفع خطأه إلى غيره،فإذا كان الغير أيضا مثله متصفا بتلك الصفة - أعني الخطأ - لم يجد عنده ما يرفع به من نقصه

ويكمل به نفسه، ألنهما معا مشتركان في النقص، فال بد في رفع ما يجده من النقص أنيرجع إلى الكامل فاقد ذلك النقص، وما هو إال المعصوم.

(٢) وبيانه أن نقول: إن الممكنات تحتاج في وجودها وعدمها إلى علة، والعلة ال تكون منجنسها، ولو كانت مثلها ممكنة أيضا احتاجت إلى خارج عنها غير ممكن، وغير الممكن هو

الواجب، فالخطأ من البشر ممكن، وإذا أردنا عدمه كان المعدم خارجا عنه وواجبا بالفعلألن الممكنات كلها مشتركة باالمكان فال تصلح لعلية االعدام، فالبشر إذن في رفع الخطأ

الممكن يجب أن يرجع إلى المجرد عن الخطأ، وهو من نسميه بالواجب، وما هو إالالمعصوم.

(٣) فإذا انتهت الحاجة إلى المعصوم كان المعصوم غنيا عن غيره، فيكون فوق الجميع، وهوالرئيس ومن سواه مرؤوسا.

(٧٣)

Page 76: Kitab Al-Alfain Arabic

فألن اإلمام عبارة عن شخص يؤتم به، أي يقتدي به كما أن اسم الرداء لمايرتدي به واللحاف لما يلتحف به، وأما االجماع فألنه ال خالف أنه يجب على

كل واحد من الناس قبول حكم اإلمام واتباعه في جميع األحكام وفي جميعسياسته، وأما العقل فألنه يجب اتباع اإلمام قطعا وقبول حكمه، أما

أن يكون بمجرد قوله أو لدليل دل على ذلك أو ال لقوله وال لدليل دل عليه الجايز أن يقال إنه ال لقوله وال لدليل دل عليه بالضرورة وال جايز أن يقال

لدليل دل عليه لوجوب اتباعه على غير المجتهد وال يتحقق عليه دليل وألنه الفايدة حينئذ في توسط قوله فتعين أن يكون بمجرد قوله، فلو جاز عليه الخطأفبتقدير إقدامه على الخطأ، أما أن يقال: بوجوب اتباعه واألمر من الله تعالى

باالقتداء به، أوال يقال ذلك، فإن كان األول لزم كونه آمرا بالخطأ وهومحال، وإن كان الثاني فقد خرج اإلمام في تلك الحالة عن كونه إماما، فيلزم

منه خلو ذلك الزمان عن اإلمام وهو محال.الثالث عشر: إنا نعلم بالضرورة بعثة النبي صلى الله عليه وآله

وتكليف الناس في كل زمان باتباع ما جاء به من الشرايع وذلك موقف علىنقلها إلى من بعده، والناقل إما أن يكون معصوما أو غير معصوم، والثاني

باطل وإال لما حصل العلم بقوله فيما ينقله وال االعتماد على قوله فتنتفي فايدةالتكليف (٢) فتعين األول والمعصوم، أما اإلمام أو األمة فيما أجمعوا عليه أو أهل

التواتر فيما نقلوه ال غير، فالقول بمعصوم خارج عن هؤالء الثالثة قوله ال--------------------

(١) فإذا انتهت الحاجة إلى المعصوم كان المعصوم غنيا عن غيره، فيكون فوق الجميع، وهوالرئيس ومن سواه مرؤوسا.

(٢) نعم إال أن يكون كل حكم من الشريعة يرويه عدة ثقات يحصل من روايتهم اليقين بالحكم،دون أن يعارض روايتهم ثقات آخرون، وأين هذا في الشريعة؟ وإن وجد ففي أحكام نادرة.

(٧٤)

Page 77: Kitab Al-Alfain Arabic

قائل به وال يجوز أن يكون مستند علم من بعد النبي صلى الله عليه وآلهوسلم بشريعته انعقاد االجماع من األمة عليه، فإن عصمة األمة عن الخطأ إنما

تعرف بالنصوص الواردة على لسان الرسول بالكتاب أو السنة، وكل نصيدل على كون االجماع حجة فال بد من معرفة كونه منقوال عن الرسول صلى

الله عليه وآله وسلم وأنه ال ناسخ له وال معارض، وكان أيضا يتوقف علىصدق الناقل له وصدقه، أما أن يكون معلوما باالجماع أو غيره، فلو كان

االجماع لزم الدور من حيث إنا ال نعرف صدق الخبر الدال على صحة عصمةأهل االجماع إال االجماع، وعصمة أهل االجماع ال تعرف إال بعد معرفة

صدق ذلك الخبر، ألن االجماع إنما هو حجة باشتماله على قوله المعصوم،ألنه لواله لكان جواز الكذب الزما لكل واحد، والزم الجزء الزم للكل،

وقد بينا في األصول ضعف أدلتهم على كون االجماع حجة (١) وألن المسائلاالجماعية قليلة في الغاية، وألنه ال يمكن أن يحتج به على الغير (٢) وإن كان بغير

االجماع، فإما بالتواتر أو بغيره، ال جايز أن يكون بالتواتر، فإن غاية التواترمعرفة كون ذلك الخير منقوال عن النبي صلى الله عليه وآله وليس فيه ما يدل على أنه

ليس بمنسوخ وال معارض فال يفيد كون االجماع حجة فلم يبق إال اإلمام وهوالمطلوب، وبهذا بطل كون التواتر مفيد لألحكام، وألنه لم يكن عند النبي

صلى الله عليه وآله أظهر من اإلقامة لوقوعها في كل يوم خمس مراتعلى رؤوس األشهاد، ولم يثبت بالتواتر فصولها لوقوع الخالف فيها (٣).

الرابع عشر: إنه لو لم يكن اإلمام معصوما فبتقدير وقوعه فيالمعصية إما أن يجب االنكار عليه أو ال يجب، فإن وجب االنكار عليه لزمالدور من جهة توقف زجر اإلمام على زجر الرعية وزجر الرعية على زجر

اإلمام، ولوقوع الهرج المحذور منه، وإن لم يجب االنكار عليه، فهو ممتنعلقوله صلى الله عليه وآله من رأى منكرا فلينكره، ولوجوب إنكار المنكر

باالجماع.--------------------

(١) إذ ال دليل على حجية االجماع من حيث هو إجماع من كتاب أو سنة ولو قيل: إن دليله إجماعالقوم على حجيته، لقلنا: إنه يستلزم التسلسل، فإنه أي دليل علي عليه على حجية إجماعهم

األول، ولو قيل: إن حجيته حصول العلم منه لقلنا: إن الحجة العلم حينئذ ال نفساالجماع، فلو لم يحصل منه العلم فال حجية فيه.

(٢) فإن حجية االجماع عند فرقة ال يكون حجية على خصومهم إال أن يعترف الجميع بحجيته علىأي حال وإن حصل عند فرقة دون أخرى، وأين من يعترف بذلك؟

(٣) على أن التواتر على حكم من األحكام عند فرقة ال يكون حجة على غيرهم من الفرق.

Page 78: Kitab Al-Alfain Arabic

(٧٥)

Page 79: Kitab Al-Alfain Arabic

الخامس عشر: اختلفت األمة في مسائل ليست في كتاب الله تعالى والالسنة المتواترة وال إجماع عليها، والقياس ليس بحجة لما بين في األصول

وأخبار اآلحاد ال تصلح إلفادة الشريعة لقوله تعالى: * (إن الظن ال يغني منالحق شيئا) * فال بد من معصوم يعرف الحق والباطل وذلك هو اإلمام.السادس عشر: إن القرآن إنما أنزل ليعلم ويعمل به، وهو مشتمل على

ألفاظ مشتركة مجملة ال يعرف مدلولها من نفسها وآيات معارضة وآياتمتشابهة، وقد وقع االختالف فيها بين المفسرين وال سبيل إلى معرفة الحق

منها بقول غير المعصوم إذ ليس قول أحد غير المعصومين أولى من اآلخر، فالبد أن يكون المعرف لذلك معصوما وهو اإلمام.

السابع عشر: إن الله عز وجل هو الناصب لإلمام ومن يعلم فسادهنصبه قبيح عقال والله تعالى ال يفعل القبيح فال بد أن يكون اإلمام معصوما.

الثامن عشر: قوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمرمنكم) * وكل من أمر الله تعالى بطاعته فهو معصوم الستحالة إيجاب طاعة غير

المعصوم مطلقا ألنه قبيح عقال (١).التاسع عشر: اإلمام لو لم يكن معصوما لكان إما عاميا أو مجتهدا،

واألول محال وإال لما وجب على المجتهد طاعته ولنقص محله من القلوبويستحيل من الله تعالى األمر بطاعة العامي أيضا، ولم يجب أيضا على العامي

طاعته لعدم األولوية، والثاني محال وإال لم يجب على المجتهدين غيره اتباعه لعدماألولوية وتخير العامي بين قوله وقول غيره من المجتهدين فلم يبق فائدة في

نصبه.--------------------

(١) على أنه لو ارتكب معصية أو أمر بها لوقع التعارض بين وجوب طاعته ووجوب زجره، لعمومأوامر النهي عن المنكر لإلمام والرعية، فإن رجحنا أوامر الطاعة جوزنا له ولألمة ارتكاب

المعاصي، فأين حفظ الشريعة؟ وإن رجحنا أوامر النهي عن المنكر، ونهيناه عن المنكروعصينا أمره بالمنكرات، فما فائدة اإلمامة؟ وأين المصلحة من نصب اإلمام؟

(٧٦)

Page 80: Kitab Al-Alfain Arabic

العشرون: قوله تعالى: * (اهدنا الصراط المستقيم صرط الذينأنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وال الضالين) وغير المعصوم ضال (١)فال يسأل اتباع طريقة قطعا، فتعين أن يكون هنا معصومون، والهداية إنماهي العلم بطريقهم ال بالظن وهو نقلي والناقل له أيضا معصوم واإلجماع

والتواتر غير متحقق، إذ السؤال اإلمام إنما هو اتباعهم في جميع األحكام، واإلجماعوالتواتر ال يفيدان ذلك فليس إال اإلمام فإنه إذا كان قوله تعالى: * (الذين

أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم وال الضالين) * إشارة إلى األنبياء،فالهداية إلى طريقهم بطريق علمي إنما هو من المعصوم في كل زمان إذ ال

يختص هذا الدعاء بقوم دون قوم، وإن كان إشارة إلى األنبياء واألئمة عليهمالسالم فالمطلوب أيضا حاصل.

الحادي والعشرون: قوله تعالى: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطنإال من اتبعك من الغاوين) * هذه نكرة منفية فتعمم لالستثناء، فيلزم من

ذلك نفي كل سلطان للشيطان على قوم خاصة (٢) في جميع األوقات إذ كل منصدر منه ذنب في وقت ما كان للشيطان عليه سلطان في الجملة، وهو ينافي

--------------------(١) ال بد من تأويل الظاهر من هذا الكالم، ألنه ال يمكن أن يحكم على كل من ليس بمعصوم إنه

ضال الستلزام ذلك ضاللة من عدا المعصوم من أبناء اإلسالم عامة حتى من اتبع المعصوم،وهذا ال يلتزم به حتى المصنف طاب رمسه، فاحسب أنه أراد ضاللة كل من ليس بمعصوم

ممن لم يتبع المعصوم ولم يعمل بقوله ويأخذ بطريقته، فإنه يخالف بذلك الشريعة في كثير منأحكامها ونظامها، وهذا عين الضاللة.

(٢) يمكن أن يقال: إن نفي السلطان ال يستلزم العصمة، فإن العادل الذي لم يرتكب ذنبا غيرمعصوم مع أنه ليس للشيطان عليه سلطان، على أن مرتكب الذنب خطأ ال يخرج عن كونه

ممن ليس للشيطان عليه سلطان، فإن االستثناء لم يخرج إال الغواة وجعل تعالى عنوانهم التابعينللشيطان ومرتكب الخطيئة سهوا وغفلة ال يعد من أتباع الشيطان الغواة على أن االستثناء

بإخراج الغواة جعل العباد قسمين غواة وهم أتباع الشيطان، وهداة وهم الذين لم يكنللشيطان عليهم سلطان، فإذا كان هؤالء هم المعصومين خاصة كان كل من عداهم إذن

غواة، وال يمكن أن يلتزم حتى المصنف طاب ثراه بأن الناس بين معصوم وغاو حتى من اتبعالمعصوم.

(٧٧)

Page 81: Kitab Al-Alfain Arabic

قوله (ليس لك عليهم سلطان) ويدل هذا على عصمة قوم من ابتداءوجودهم إلى آخر عمرهم من الصغاير والكباير عمدا وسهوا وتأويال وكل منأثبت ذلك أثبت عصمة اإلمام إذ لم يقل أحد بعصمة األنبياء من أول عمرهم

إلى آخر عمرهم من جميع الصغاير والكبائر عمدا وسهوا وتأويال إال وقالبعصمة اإلمام كذلك، ومن نفى عصمة اإلمام لم يقل بذلك، فالفرق قول

ثالث خارق لإلجماع.الثاني والعشرون: قوله تعالى (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع

أمن ال يهدي)، وقد ال يهدي مع أنه يهدى، فيكون االنكار على اتباعه أولى،فغير المعصوم ال يجوز اتباعه، واإلمام يجب اتباعه، فال شئ من غير

المعصوم بإمام وهو المطلوب.الثالث والعشرون: قوله تعالى: الذين أنعمت عليهم) المراد بالنعمة

هنا العصمة إذ سؤال اتباع طريقهم التي أنعم الله تعالى عليهم بها يدل علىذلك إذ طريقهم هي الصراط المستقيم، وإنما يوصف بذلك ما هو صوابدائما، ويستحيل عليه الخطأ وال شئ من غير المعصوم كذلك، إذ طريقه

ليست بمستقيمة دائما، فدل على أن كل متبوع طريقه كذلك، وكل متبوعمعصوم، واإلمام متبوع فيجب أن يكون معصوما.

الرابع والعشرون: قوله تعالى (لئال يكون للناس على الله حجة بعدالرسل) المراد منه أن ال يكون ألحد الناس شئ من وجوه الحجج، نعم

في الناس وهو ظاهر وفي الحجة ألنها نكرة في معرض النفي وإنما يتم ذلك في

(٧٨)

Page 82: Kitab Al-Alfain Arabic

حق من يأتي بعد عصر الرسول مع عصمة ناقل الشرع، وقائم مقام الرسولفي جميع ما يراد منه سوى النبوة، وال يتحقق ذلك إال مع عصمة اإلمام.فيجب عصمة اإلمام، ال يقال نفي الحجة بعد مجئ الرسول، فال يتوقف

على إمام معصوم وإال لزم التناقض ألنه لو لم يكن إمام معصوم يثبت الحجةبقولكم لكنها منفية باآلية والزمان واحد فشرائط التناقض متحققة، ألنا نقول

اإلمام المعصوم الزم بإرشاد الرسول للوجه المذكور وذكر الملزوم ووجه المالزمةكاف، ألن قوله تعالى بعد الرسل هو قوله بعد اإلمام المعصوم أو ملزومة،وألنه ليس المراد بعد مجئ الرسول بمجرده، بل المراد بعد الرسول وإتيانه

بجميع الشريعة وتقريرها وإظهارها وجميع ما يتوقف إيصالها عليه والعلم بهاوالعمل، ورأس ذلك وأهمه اإلمام المعصوم ألنه هو المؤدي للشريعة وبه يعلموال تناقض الستحالة مجئ الرسول ووفاته وخلو الزمان من إمام معصوم وإال

لثبتت الحجة (١).الخامس والعشرون: قوله تعالى (من آمن بالله واليوم اآلخر وعمل

صالحا فلهم أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم وال هم يحزنون) وجهاالستدالل من وجهين األول: إن نفي الخوف ونفي الحزن على وجهين،

أحدهما: لعدم االلتفات وعدم التصديق وهو من باب الجهل. وثانيهما للعلمبالنجاة واليقين من صحة العبادات واألحكام التي أتى بها واعتقدها، والعلم

بالطاعات والمعاصي واألحكام بالوجه اليقيني واإلتيان بها وليس المراد " األول "ألنه تعالى ذكره على سبيل المدح واألول يقتضي الذم فتعين الثاني فال بد من

طريق إلى معرفة ذلك وليس الكتاب الشتماله على المتشابهات والمشتركات والالسنة لذلك (٢) فتعين أن يكون الطريق هو قول المعصوم فإنه

--------------------(١) وإيضاحه أن نقول: إن الله تعالى حينما بعث الرسول بالشرايع أراد من األمم العمل بها كاملةكما صدع بها الرسل دون تأويل وتبديل، والناس لو تركوا - وأنفسهم الختلفوا في أحكام تلك

الشرايع قطعا، وشاهده شريعة خاتمهم نبيا صلى الله عليه وآله وال بد في االختالف منالمخالفة، وهو سبحانه ال يريد منهم إال الموافقة فإذا خالفوا - وليس لهم دليل - ال تقوم له

سبحانه عليهم الحجة، بل لهم الحجة عليه إذا أقامهم للسؤال، فإنه لم ينصب لهم هادياودليال، والناس ال تتحد فهما وصالحا ونوايا، ومن ثم إن ينصب لهم إماما يوضح لهم أحكام

الشريعة ويحفظها عن كل تالعب وتصرف، وبه تكون لله الحجة البالغة على الناس، وال تكونلهم عليه تعالى الحجة، ولوال اإلمام المعصوم لثبتت الناس الحجة واضحة عليه تعالى

(٢) على ما في مفادهما من اختالف األمة، وعدم وفائهما بجميع األحكام وما هذا االختالف،وكل يدعي أن مدركه الكتاب والسنة، إال إلمكان الجدال والنظر في المفاد.

(٧٩)

Page 83: Kitab Al-Alfain Arabic

يعلم متشابهات القرآن ومجازاته، واأللفاظ المشتركة فيه، ما المراد بها يقينا،ويعلم األحكام يقينا وللعلم بعصمته يحصل الجزم بقوله، الثاني قوله تعالى:

* (وال خوف عليهم وال هم يحزنون) * نكرة منفية فتكون للعموم ونفيالخوف والحزن إنما هو بتيقن نفي سببهما، ومع عدم اإلمام المعصوم في زمانما ال يحصل ألهل ذلك الزمان تيقن انتفاء سببهما إذ غير المعصوم يجوز أمرهخطأ بالمعصية ونهيه عن الطاعة، وجميع األحكام ال تحصل من نصر القرآن

وال من نص السنة المتواترة، لكن في كل زمان يمكن نفيه فوجب اإلمام المعصوم فيكل

زمان (١).السادس والعشرون: قوله تعالى: * (آلم ذلك الكتب ال ريب فيه هدى

للمتقين) نقول: هذا يدل على وجود المعصوم في كل زمان من وجهين،أحدهما: إن نكرة منفية فيعم فيلزم انتفاء الريب والشك عنه من جميع

الوجوه، وهو عام في األزمنة أيضا وغير المعصوم ال يعلم جميع مدلوالتالقرآن يقينا بحيث ال يحصل له ريب وال شك في وجه داللة من دالالت

ألفاظه وال معنى من معانيه وال في شئ مما يمكن أن يتناوله أو يراد منه، لكنقد دللنا على وجود من ال ريب عنده في شئ منها ويكون اعتقاده مطابقا ألنه

ذكره في معرض المدح في كل زمان، فدل على وجود المعصوم فيه، وثانيهما:أنه يمكن معرفته في كل وقت، وال يمكن يقينا إال من قول المعصوم وهو

ظاهر.السابع والعشرون: قوله تعالى: * (وإذا قيل لهم ال تفسدوا في األرض

قالوا إنما نحن مصلحون أال أنهم هم المفسدون ولكن ال يشعرون) * وجه--------------------

(١) وذلك ظاهر، ألن النصوص الكتابية التي ال خالف فيها قليلة جدا، وكذا المتواتر منالسنة، ومن ثم يكون الخالف مستمرا في كل زمان، وال رافع له إال اإلمام المعصوم في كل

زمان، وأما غير المعصوم فال يرفع الخالف، بل قد يزيد فيه فيما إذا زعم أنه من أرباباالجتهاد فإنه يزيد رأيا إلى اآلراء فاالختالف في الشريعة قضى بأن تكون شرائع عديدة ال

شريعة واحدة، ولكثرة االختالف فيها نقطع بمخالفة بعضها لما جاء في الشريعة.

(٨٠)

Page 84: Kitab Al-Alfain Arabic

االستدالل به أنه يقتضي ذم من يفسد في األرض وهو يعتقد أنه مصلحخطأ، ويستلزم النهي عن اتباعه إذ متبعه يوجد هذا المعنى فيه فيكون

مذموما، ويجب االحتراز عن متابعة من يمكن وجود ذلك منه الشتمال اتباعهعلى الخوف والضرر المظنون ودفعهما واجب، وغير المعصوم يجوز منه ذلك،

بل يكون إمكان فعله وعدمه متساويين إذ داعي األمر وصارف النفي غيرموجبين، ويعارضهم دواعي الشهوة والغضب وهما يقتضيان الترجيح

كاألولين فيتعارض األسباب بل يترجح كثيرا (١). الثانية في غير المعصوم،فيجب ترك اتباع غير المعصوم (٢) وال شئ من اإلمام يجب ترك اتباعه

لوجوب اتباعه فكان يلزم اجتماع الضدين وهما ينتجان من الثاني ال شئ منغير المعصوم بإمام (٣) وهو المطلوب.

الثامن والعشرون: قوله تعالى: * (" وما يضل به إال الفاسقين " " الذينينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون

في األرض أولئك هم الخاسرون) * وجه االستدالل به ما تقدم في الوجهالسابق (٤).

--------------------(١) ويمكن أن نستفيد منها وجها ثالثا، وهو نقول: إن مع هذا االختالف في الكتاب وتعدد

اآلراء في داللته كيف يكون هدى، ومن ثم ضلت فرق كثيرة من اإلسالم مع أن مصدرهاالكتاب، وهذه الضالالت ال يريدها اللطيف سبحانه فال بد أنه جعل للكتاب مبينا ومفسرا

يرفع اللبس والريب والشك في تفسيره وبيانه، ويجعل منه الهدى ألهل التقى والصالح،الذين يريدون فهم - الكتاب حقيقة والعمل فيه دون أهل الزيغ الذين يريدون اتباع المتشابه

ويحاولون المنزع للخالف.(٢) على أن غير المعصوم بفرد واحد حتى نحتمل مطابقة أحكامه وآرائه جميعا للشريعة، بل

هم كثر ومختلفون في المشرب والمذهب، وباختالفهم تحصل المخالفة يقينا للشريعة، وبذلكيحصل الفساد، على أنهم يزعمون أنهم مصلحون، وال يجوز أتباع من يحتمل في أتباعه

للفساد، فكيف بمن يعتقد فيه الفساد؟ ألن المفروض أنهم جميعا أئمة يجب اتباعهم وباتباعهم جميعا نقعفي المخالفة المنتجة للفساد، وال نجاة من الفساد إال باتباع المعصوم.

(٣) ألنه إذا قلنا: اإلمام يجب اتباعه، وال شئ من غير المعصوم يجب اتباعه، تكون النتيجة:ال شئ من غير المعصوم بإمام.

(٤) وتقريبه أن نقول: إن هؤالء الخاسرين كيف نعرف خسرانهم وأنهم يفسدون في األرضويخالفون أوامر الله سبحانه؟ فإن الكتاب والسنة ال يوضحان لنا تلك المخالفة التي عليهاهؤالء ما دام لداللتهما وجوه واحتماالت، وما دام فيهما متشابه، فإذن ال مفر من الضاللة

إال بأن يكون معصوم يعلم التأويل.

(٨١)

Page 85: Kitab Al-Alfain Arabic

التاسع والعشرون: قوله تعالى: * (أولئك الذين اشتروا الضاللةبالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) * وجه االستدالل به إن الفعلنكرة وهي في معرض االثبات يكفي فيها المرة (١) إذ تقرر ذلك فنقول: اإلمام

مهد دائما وكل مهد مهتد ما دام مهديا، فيكون اإلمام مهتديا دائما إلنتاجالدائمة والعرفية دائمة (٢) وال شئ من غير المعصوم بمهتد باالطالق لما

تقدم، فال شئ من اإلمام بغير معصوم (٣) وهو المطلوب.ال يقال نمنع الصغرى (٤) ألنا ذلك يوجب امتناع اتباعه (٥) لما تقدم

من التقرير.الثالثون: قوله تعالى: * (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم

جنات تجري من تحتها األنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذيرزقنا من قبل) * وجه االستدالل بها يتوقف على مقدمات، األولى: إن

المأمور بأن يبشر غير المبشر وهو ظاهر. الثانية: األلف والالم في الجمعيقتضي العموم، وقد بين ذلك في األصول. الثالثة: إن لهم يقتضي

--------------------(١) أي في إثبات شراء الضاللة، فإنه يثبت أنهم اشتروا الضاللة ولو بالمرة الواحدة.

(٢) أما الدائمة المطلقة فهي ما دلت على ثبوت المحمول لذات الموضوع أو سلبه عنه ما دامالموضوع بذاته موجودا، وأما العرفية العامة فهي من الدائمة غير أن الدوام فيها مشروط

ببقاء عنوان الموضوع ثابتا لذاته.فإذا قلنا: اإلمام مهد دائما: وكل مهد مهتد ما دام مهديا، كانت النتيجة دائمة أيضا،

وذلك بإسقاط المتكرر وهي قوله: اإلمام مهتد دائما، ولو أخذنا النتيجة وجعلناها صغرى منالشكل الثاني وقلنا: اإلمام مهتد دائما وال شئ من المعصوم بمهتد باالطالق، كانت

النتيجة بعد إسقاط المتكرر ما ذكره، وهو قوله: ال شئ من اإلمام بغير معصوم.(٣) فال بد أن ينتج إن اإلمام معصوم، ألن اإلمام كما سبق هاد مهتد ومن يرتكب الضاللة مرة

واحدة يخرج عن الهداية فال يصلح لإلمامة.(٤) وهي قوله اإلمام مهد دائما.

(٥) فإنه ال يجوز اتباعه إذا كان غير مهد دائما لتجويز الوقوع باتباعه في الضاللة والفساد.

(٨٢)

Page 86: Kitab Al-Alfain Arabic

االستحقاق. الرابعة: إن استحقاق الثواب الدائم وعدم العقاب إنما هوبفعل الطاعات وترك المعاصي، وقد بينا ذلك في علم الكالم، وهذه اآليةتدل على ذلك من باب االيماء كما تقرر في األصول. الخامسة: يستحيل

وجوب الممكن أو معلوله إال عند وجوب سببه. السادسة: استحقاق الثوابالدائم مشروط بالموافاة فال يثبت إال مع الموافاة عند الوفاة أو قبلها مع وجود

سبب الطاعات وسبب ترك المعاصي وإال لزم أحد األمرين، أما وجوبالممكن مع عدم سببه أو ثبوت استحقاق الثواب الدائم، وليست العلة ثابتة

إذا الموافة اآلن لم تثبت ألنها في المستقبل، فال بد من ثبوت سببها الذي يمتنعمعه المعاصي وتجب معه الطاعات باختيار المكلف، ألنه إن لم يجب وجود

الطاعات منه ويمتنع المعاصي لزم ثبوت المعلول مع عدم سببه، فإن وجبمن غير سبب وجوبه لزم وجوب الممكن مع عدم سببه، وهو محال، وذلك

السبب هو العصمة (١) إذا تقرر ذلك فنقول: هذه اآلية تدل على وجودالمعصوم في كل زمان ألن األمر بالبشارة يقتضي وجود المبشر الستحالة

بشارة المعدوم، ويكون مغايرا للنبي صلى الله عليه وآله للمقدمة األولى--------------------

(١) يمكن أن يقال إن السبب أعم من العصمة وذلك هو الطاعة، نعم إنما تكون الطاعة من غيرالمعصوم بإرشاد المعصوم، وهذا يستحق البشارة بل ومثله - تجب بشارته فرقا بينه وبين

المخالف للمعصوم، وأما عمل الصالحات واالمتناع من المعاصي جميعا فال يمتنع حصوله منالمؤمن المطيع، وصدور الذنب منه لو اتفق سهوا وغفلة ال عمدا ال ينافي كونه ممتنعا عن

المعاصي، ألن مرتكب المعاصي من يعملها عمدا.وأما بشارة المعدوم فهي كخطابه فلم ال تجوز، والتكاليف الشرعية كتابا وسنة كلها لمن حضر

ومن هو آت، ال فرق في ذلك بين الشخصين؟ والقرائن أو األدلة التي عممت خطابالمعدوم جائية في بشارته!!

نعم إنما نستفيد وجود المعصوم في كل زمان من هذه اآلية الكريمة بتقريب آخر، وهواننقول: إن الصالحات التي يعتبرها الشارع األقدس صالحات ال نعرفها من طريق غير

المعصوم لجواز الخطأ عليه، فلربما يأمرنا بالطالح بزعم أنه صالح، ففي كل جيل وعهد اليصدق على الناس أنهم عملوا الصالحات حقا فاستحقوا الجنان إال باتباع المعصوم وطاعتهواألخذ عنه، وهذا يقضي بأن يكون في كل زمان معصوم، حتى تتعرف الناس الصالحات

منه فتعمل بها.

(٨٣)

Page 87: Kitab Al-Alfain Arabic

والمبشر يجب منه جميع الطاعات ويمتنع منه جميع المعاصي ألن قولهتعالى: * (وعملوا الصالحات) * للعموم للمقدمة الثانية ومن جملتها فعل ضد

القبايح واالمتناع منها، فيلزم عدم صدور شئ من القبايح منهم، ثم ثبوتاالستحقاق قبل الموافاة يدل على ثبوت سببها الموجب لما تقرر والعلم غير الكاف

ألنه غير موجب ألنه، والسبب هو العصمة فوجب ثبوت العصمة اآلنلقوم غير النبي صلى الله عليه وآله والناس بين قائلين منهم من لم يقل بثبوت المعصوم

أصال، ومنهم من قال بثبوته في كل عصر فال قائل بثبوته في عصر دون عصرفيكون باطال، وقد ثبت في وقته فثبت في كل عصر فيستحيل كون اإلمام معثبوته، ويستحيل من الحكيم إيجاب طاعة غير المعصوم على المعصوم وغيره

مع وجود المعصوم بضرورة العقل.الحادي والثالثون: قوله تعالى: * (قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها

ويسفك الدماء) * اآلية وجه االستدالل إن المالئكة يستحيل عليهم الجهلالمركب، وقد حكموا بأن وجود غير المعصوم يشتمل على مفسدة، فأجابهم

الله تعالى بقوله: * (قال إني أعلم ما ال تعلمون) * معناه إن في وجوده منالمصالح ما يقتضي ترجيح الوجود على العدم، فإذا كان وجود غير المعصوميشتمل على مفسدة ما فيكون تحكيمه وتمكينه مع عدم معصوم يقربه ويبعدهمحض المفسدة القبيحة التي يستحيل صدورها منه تعالى، فال يكون إماما، ال

يقال هذا يدل على نقيض مطلوبكم، ألنه يدل على عدم عصمة آدم عليهالسالم ألنه تعالى قال: * (وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض

خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد) * إلى آخرها، والخليفة آدم، وقولهم إشارةإليه وإذا لم يكن النبي صلى الله عليه وآله معصوما فاإلمام أولى أن ال يكون كذلك،

ألنانقول ال نسلم أنه يدل على عدم عصمة آدم عليه السالم، فإن قولهم:

* (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) * ليس إشارة إلى آدم وإنما هوإشارة من يلده آدم عليه السالم، إذ آدم عليه السالم لم يوجد منه فساد في

األرض وال سفك دماء وهو ظاهر، ووجه االنكار أنهم عرفوا إن وجود آدمعليه السالم على وجه يحصل منه النسل والعقب المنتشر المتكثر مع عدم

(٨٤)

Page 88: Kitab Al-Alfain Arabic

عصمة أكثرهم مستلزم للمفسدة وهذا مما يؤكد امتناع تحكيم غير المعصوم.الثاني والثالثون: قوله تعالى: * (فمن تبع هداي فال خوف عليهم وال

هم يحزنون) * وجه االستدالل يتوقف على مقدمات:األولى: إن هذا ترغيب في فعل أسباب نفي الخوف والحزن، وهو عام

في كل عصر لكل أحد اتفاقا.الثانية: إن كل ما رغب الله فيه فهو ممكن.

الثالثة: أن المراد نفي جميع أنواع الخوف والحزن في كل األوقات، ألنالنكرة المنفية للعموم.

الرابعة: إنه ال يحصل ذلك إال بتيقن امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه،وإنما يعلم ذلك بمعرفة مراد الله تعالى من خطابه جميعه يقينا ومعرفة مراد النبي

صلى الله عليه وآله من خطابه.الخامسة: إن ذلك ال يحصل من الكتاب والسنة إذ أكثرهما مجمالت

وعمومات وألفاظ مشتركة، واألقل منهما المفيد لليقين والسنة المتواترة منهماقليل، وقد قال بعض األصوليين: إن الدالئل اللفظية كلها ال يفيد شئ

منها اليقين، وقد بينا وجه ضعفه في الصول لكن اتفق الكل على أنه ليسكل الدالئل اللفظية مفيدا لليقين وال يمكن انتفاء الخوف دائما والحزن في جميع

األحوال إال مع تيقن المراد في خطابه تعالى، وال يمكن إال بقول المعصومفيكون المعصوم ثابتا في كل فيستحيل إمامة غيره مع وجوده وهو ظاهر (١).

الثالث والثالثون: قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا--------------------

(١) ويمكن االستدالل باآلية من ناحية أخرى. وهي أن هدى الله تعالى ال يثاب بمخالفته، وإنموافقة غير المعصوم ال نحرز معها إصابة هداه تعالى لتجويز الخطأ عليه فال نحرز الموافقة إذن

بقول المعصوم واتباعه، فما أمر الله تعالى باتباع هداه إال وجعل طريقا واضحا له، وهل هوإال المعصوم، لجواز وقوع الخطأ في غيره بل لليقين بوقوعه ولو في بعض األحكام.

واتباع هداه تعالى يجب في كل عهد، فال بد من جعل الطريق له في كل عهد.

(٨٥)

Page 89: Kitab Al-Alfain Arabic

شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) * وجه االستدالل إنه تعالىوصفهم بالعدالة المطلقة ألجل الشهادة على الناس، وال بد أن يكون الشاهد

منزها عن مخالفة رسوله في شئ أصال حتى ال يكون للمشهود عليه لمخالفتهحجة عليه وال يكون كذلك إال المعصوم (١).

الرابع والثالثون: قوله تعالى: * (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهممصيبة) * إلى قوله: * (هم المهتدون) * وجه االستدالل إن إدخال األلف

والالم على المحول مع ذكرهم في الموجبة يدل على انحصار المحمول فيالموضوع، كما إذا قلنا زيد هو العالم يدل على انحصار العلم فيه، وقوله

تعالى: * (أولئك هم المهتدون) * يدل على انحصار الهداية العامة، أعني فيكل األحوال وفي كل األشياء فيهم، فيكون هذا إشارة إلى المعصومين من أمة

محمد صلى الله عليه وآله وهم بعض األمة وهو ظاهر، وإذا ثبت أن هاهنا معصومافيستحيل وجود اإلمامة في غيره، وهذه اآلية عامة في كل عصر إجماعا،فيلزم وجود معصوم في كل عصر، وألنه ال قائل بوجود معصوم غير النبي

صلى الله عليه وآله في زمان دون زمان، ال يقال لو جعل المحمول طبيعة المهتدي لزمما

ذكرتم، لكنه ذكره بصيغة الجمع المعرف بالالم، فإما أن يريد به بعضالمهتدين وال يتم دليلكم أو يريد به كل المهتدين، وهذا ممتنع، ألن القضية

حينئذ تصير منحرفة موجبة محمولها مصور بألقاب الكلي، ومثل هذه القضيةيمتنع صدقها لما بين في المنطق، وأيضا فلم ال يجوز أن يكون قوله تعالى هم

المهتدون، وفي تلك القضية أي في الصبر ال مطلقا وعلى هذا يصح ألنا نجيبعن - األول - إن مثل هذه القضية تصدق مع مساواة المحمول للموضوع

--------------------(١) بل يجوزان يكون كذلك العادل الذي لم يخالف الرسول عمدا - ولكن يمكن أن تستفيد

العصمة منها بتقريب آخر، وهو أنه تعالى جعلهم - والجعل منه - بين منزلة الرسول ومنازلالناس، فلو كانوا كالناس لما استحقوا هذه المنزلة، ولو كانت الخطيئة تجوز عليهم لما كانواأهال لذلك الجعل، على أن الجعل منه يقتضي أن يكون المجعول مقبوال لديه في شهادته ومن

يجوز عليه الخطأ قد يظلم الناس في ذلك، فال بد أن يكون معصوما لئال تضيع حقوق عبادهبسببه.

(٨٦)

Page 90: Kitab Al-Alfain Arabic

وإرادة ثبوت الكل للكل كما تقول مجموع أفراد اإلنسان هي مجموع أفرادالناطق، وعن الثاني: إن ما ذكرتموه مجاز والحمل على الحقيقة أولى (١).

الخامس والثالثون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم إفهام اإلماموالتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أن اإلمام إذا جاز عليه الخطأ لم يجز

اتباعه إال فيما علم أنه صواب، لكن هو الناقل للشرع، وإنما يعلم بقوله،فيتوقف معرفة صوابه، على قبول قوله، وقبول قوله على معرفة صوابه،

فيدور فينقطع اإلمام.السادس والثالثون: كل محكوم بإمامته يعلم منه أنه يقرب من الطاعة

ويبعد عن المعصية دائما يقينا بالضرورة، وال شئ من غير المعصوم يعلم منهأنه يقرب ويبعد مع تمكنه دائما يقينا بالضرورة، فال شئ ممن يعلم إمامته

بغير معصوم بالضرورة والسالبة المعدومة تستلزم الموجبة المحصلة مع تحقيقالموضوع، فيلزم كل من يعلم إمامته فهو معصوم بالضرورة وهو المطلوب (٢).

--------------------(١) ظاهر اآلية أن كل صابر إذا أصابته مصيبة واسترجع كان بتلك - المثابة العليا من العطفاإللهي والتقدير لصبره وكان مهتديا، وعمومها يشمل المعصوم وغيره، وال ينافي ذلك عموم

الهداية للصبر وغيره إذ ال ينكر وجود فئة من المسلمين عدا المعصومين يحملون علمالهداية، ويعتبرهم اللطيف سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله من األمة المهتدية.

نعم ربما نستفيد منها الداللة على اإلمامة من جهة أخرى، وتقريبها هوان صدق الهداية عليهمهل هو مع موافقتهم للشريعة أو حتى مع المخالفة، أما مع الثاني فال يجوز ألن المخالفة للدين

ضاللة ال محالة، فال بد أن يكون مع الموافقة، وكيف نحرر الموافقة بدون األخذ عن اإلمامالمعصوم العالم بأحكام الشريعة المنزلة، فالهداة إذن هم أتباع األئمة المعصومين خاصة، فمنهنا نعرف أن هناك أئمة معصومين في الوجود تكون الهداية باألخذ عنهم، ألن اآلخذ عنهم

عامل بالشريعة حقا.وأما وجود اإلمام في كل زمان فألن اآلية شاملة لكل عهد وجيل، ففي كل وقت يوجد فيه

صابرون على ذلك النمط كانوا مهتدين بالرجوع إلى هداة الحق في عصورهم.(٢) وتوضيحه أن نقول: إن القضية الحملية التي يدخل حرف السلب طرفيها معا تسمى

معدولة الطرفين، فمن هنا يكون قولنا: ال شئ ممن تعلم إمامته بغير معصوم بالضرورةحملية معدولة الطرفين، وهذه المعدولة السالبة تستلزم الحملية المحصلة الموجبة وهي ما كانطرفاها وهو الموضوع والمحمول محصال فالزمها إذن أن نقول: إن كل من تعلم إمامته فهو

معصوم بالضرورة، وبذلك يتم المطلوب ألن الموضوع المذكور في المعدولة معلوم يقينا، ألنمن تصدى لإلمامة وليس بمعصوم لم تثبت إمامته حتى يكون نقضا لموضوع هذه المعدولة.

(٨٧)

Page 91: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع والثالثون: غير المعصوم ال يمكن العلم بإمامته قطعا (١) وكل منال يمكن العلم بإمامته ال يكون إماما ينتج ال شئ من غير المعصوم يكونإماما بالضرورة (٢)، أما الصغرى فألن اإلمام هو الذي يقرب من الطاعة،

ويبعد عن المعصية مع تمكنه دائما فكل من لم يعلم منه ذلك ال يعلم إمامتهلتجويز خطئه وتعمده الرتكاب المعاصي واألمر بها وتجاوزه عن األمر بالطاعة

والعلم ينافي تجويز النقيض، وإنما يعلم ذلك بعصمة اإلمام وهذا ظاهر،وأما الكبرى فألنه إذا لم يمكن العلم بإمامته لو كان إماما لزم تكليف ما ال

يطاق، وأنه ال تجب طاعته لعدم العلم بالشرط وإال لزم تكليف الغافل،وقد بينا استحالته في علم الكالم.

الثامن والثالثون: غير المعصوم أما أن يكفي في تقريب نفسه من الطاعةوتبعيده عن المعصية أو ال يكفي فإن كان األول استغنى عن إمام مطلقا ولميحتج إلى إمام، وإن كان الثاني، فإذا لم يكف في تقريب نفسه فأولى أن ال

يكفي في تقريب غيره وال يصلح.التاسع والثالثون: اإلمام يجب أن يكون مقربا لجميع المكلفين في ذلك

العصر الجايز عليهم الخطأ ومبعدا وال شئ من غير المعصوم، كذلك فإنه اليصلح لتقريب نفسه وتبعيدها، فال شئ من اإلمام بغير معصوم وهو

المطلوب.األربعون: اإلمام يجب أن يخشى منه بالضرورة وال شئ من غير

المعصوم يجب أن يخشى منه. ينتج ال شئ من اإلمام بغير معصوم--------------------

(١) وأما اعتبار الناس إمامته ومبايعته على اإلمامة ال تجعله إماما حقيقة فال نقطع بإمامته أحدورضي الله تعالى بإمامته إال من كان معصوما.

(٢) ألن اإلمامة ليست بالدعوى واالعتبار وإنما هي أمر حقيقي، فمن ال يمكن أن نعلم إمامته الطريق لنا لتصديق إمامته المدعاة، فال يكون إذن إماما، فمن ثم ينتج ما أشار إليه طاب ثراه

بقوله: ال شئ من غير المعصوم يكون إماما بالضرورة.

(٨٨)

Page 92: Kitab Al-Alfain Arabic

بالضرورة. أما الصغرى فظاهرة فإنه لوال ذلك النتفت فايدته، ولقولهتعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) * فأوجب طاعتهوكل من أوجب الله طاعته وجب أن يخشى منه لقوله تعالى: * (فليحذر

الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * وأماالكبرى فألن غير المعصوم ظالم لصدور الذنب منه. وقال تعالى: * (فمنهم

ظالم لنفسه وكل ظالم ال يخشى منه) * لقوله تعالى: * (إال الذين ظلموا منهمفال تخشوهم) * اآلية ال يقال هذا قياس من األول صغراه ممكنة، فإن غيرالمعصوم هو الذي يمكن أن يصدر منه الذنب وال يشترط صدور الذنب

بالفعل والقياس األول الذي هو أصل الدليل من الشكل الثاني كبراه ليستضرورية واختالط الضرورية مع غيرها في الشكل الثاني ال نسلم أنه ينتج

ضرورية ألنا نجيب عن األول بأنه أما أن يصدر منه ذنب أوال، والثاني هوالمعصوم، واألول هو غيره (١) سلمنا لكن قد بينا في علم المنطق أن الممكنة

الصغرى في األول تنتج وقد برهنا على خطأ المتأخرين فيه.وعن الثاني: إنا قد بينا في كتبنا المنطقية انتاج الضرورية في الثاني معغيرها ضرورية وإلمكان ردها إلى الضرورية، ألن الكبرى فيه ضرورية

وبيانها ظاهر.الحادي واألربعون: اإلمام يزكيه الله تعالى قطعا يوم القيامة وال شئ

من غير المعصوم كذلك، فال شئ من اإلمام بغير معصوم، أما الصغرىفلقوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس

ويكون الرسول عليكم شهيدا) * فقد زكاهم الله تعالى ويزكيهم الرسول واللهيوم القيامة بقبول شهادتهم، وذلك إنما هو المتثال أمر الله تعالى ونهيه

والطاعات، فاإلمام الذي هو مقرب لهم إلى الطاعة، ومبعد لهم عن--------------------

(١) ال تالزم بين عدم العصمة وارتكاب الذنب، فقد يجوز لغير المعصوم أن ال يرتكب ذنبا طيلةحياته، نعم إنما يجوز عليه الخطأ، فمن ثم ال يخشى من ردعه لجواز أن يكون ما ردع عنه

غير محرم في الشريعة.

(٨٩)

Page 93: Kitab Al-Alfain Arabic

المعصية، وهو لطف في التكليف وبه فعلوا ذلك أولى بذلك بل ينبغي أنيكون هو المراد بذلك ال غير، وأما الكبرى فلقوله تعالى: * (أن الذين

يكتمون ما أنزل الله من الكتب ويشترون به ثمنا قليال أولئك ما يأكلون فيبطونهم إال النار وال يكلمهم الله يوم القيمة وال يزكيهم ولهم عذاب أليم) *

وغير المعصوم يمكن أن يكتم ما أنزل الله ويشتري به ثمنا قليال، فليسمقطوعا بتزكية الله تعالى له يوم القيامة.

الثاني واألربعون: اإلمام مقطوع بأنه غير مخزي يوم القيامة بالضرورةوال شئ من غير المعصوم كذلك، فال شئ من اإلمام بغير معصوم، أما

الصغرى فالستحالة الكذب على الله بالضرورة، وقد قال الله تعالى:* (يوم ال يخزي الله النبي والذين آمنوا معه) * فها هنا قوم مقطوع بأنهم غير

مخزيين، فكما أن النبي أولى من كل الناس بذلك كذلك اإلمام يكون أولىمن كل الناس بذلك لوجود ما في غيره فيه، ألنه يمتنع كونه مفضوال على ما

يأتي وزيادة تقريبه وتبعيده وكونه لطفا كما أن النبي صلى الله عليه وآله لطف فيكونالمراد

بهذه اآلية أما األئمة عليهم السالم وحدهم أو هم وغيرهم وهم أولى بها وأماالكبرى فألن غير المعصوم يمكن أن يخزي ألمة يمكن أن يدخل النار، لقولهتعالى: * (والذين ال يدعون مع الله إلها أخر وال يقتلون النفس التي حرم اللهإال بالحق وال يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضعف له العذاب يوم القيمة

ويخلد فيه مهانا) * جعل ذلك جزاء على كل واحد واحد. وقوله تعالى:* (أولئك الذين اشتروا الضاللة بالهدى والعذاب بالمغفرة) * فما أصبرهم علىالنار وكل من يمكن أن يدخل النار يمكن أن يخزي لقوله تعالى: * (ربنا إنكمن تدخل النار فقد أخزيته) * ال يقال هذا الدليل ال يتم ألن القياس المركب

من ممكنتين أو ممكنة صغرى وفعلية كبرى ال ينتج في الشكل األول لما بين فيالمنطق، ألنا نقول بل هذا الدليل تام ألن الممكنة الصغرى تنتج في الشكل

األول لما بينا في المنطق ال يقال هذا الدليل يتم في حق علي والحسن والحسينعليهم السالم ألنهم وجدوا زمن النبي صلى الله عليه وآله أما في حق باقي األئمة فال

يتأتى فيهم ألنهم لم يكونوا في زمانه، ألنا نقول ليس المراد بمن آمن معه الذين

(٩٠)

Page 94: Kitab Al-Alfain Arabic

آمنوا في زمانه خاصة بل الذين آمنوا شيئا بدعوته والتزموا بشريعة ولم يخالفواله أمرا أصال وال ارتكبوا شيئا من مناهيه في أي زمان كان، وأيضا فألن

الناس بين قائلين قائل بعصمته اإلمام فيجب عنده في كل إمام، ومنهم مننفي عن الكل، فعصمة البعض دون البعض قول ثالث باطل باالجماع.

الثالث واألربعون: قوله تعالى: * (ولكن البر من آمن بالله واليوماآلخر والمالئكة والكتب والنبيين) * إلى قوله: * (أولئك الذين صدقوا وأولئكهم المتقون) * وجه االستدالل به ما تقدم تقريره في - ٣٤ - (١) وأيضا فإنالذين يصدر منهم الذنب يقال إنهم ليسوا هم المتقين وهو يناقض قوله * (هم

المتقون) * فدل على وجود المعصوم (٢) غير النبي صلى الله عليه وآله، وإذا كانالمعصوم غير النبي موجودا كان هو اإلمام الستحالة إمامة غيره مع وجوده.

--------------------(١) وقد قدمنا هناك أيضا بأن هذا التقريب ال يستلزم حصر المهتدين في تلك اآلية في تلك باألئمة

المعصومين، كما أنه هاهنا ال يستلزم حصر المؤمنين الصادقين المتقين في المعصومين أيضا،بل يجوزان يوجد في المؤمنين العدول من يتصف بهذه الصفات.

نعم إنما تفيدنا هذه اآلية وتلك اآلية الكريمتان وجود المعصوم من ناحية أخرى، وتقريبها أننقول: إن اإليمان الصحيح والتقوى منه جل شأنه حق تقاته ال يحصل لبشر دون توسط العالمبالشريعة حسبما نزلت، والعارف به تعالى وبأنبيائه حق المعرفة، إذ يجوز أن يحيد المرء بال

معرفة صحيحة عن جادة الصواب، إذ نجدهم مختلفين رأيا ومذهبا، وال يجوز أن يحيد المرءبال معرفة صحيحة عن جادة الصواب، إذ نجدهم مختلفين رأيا ومذهبا، وال يجوز أن يكونوا جميعا على

صواب، فالعلم والمعرفة الصحيحان ال يكونان إال للمعصوم، فال يحصل عليهماأحد بدون وساطته فإذن ال بد منه في العلم بالشريعة وفي معرفته الحقة ومعرفة رسله تعالى.

(٢) نعم ربما تكون داللة اآلية الكريمة على وجود المعصوم من غير الناحية التي أشار إليها المصنفطاب رمسه، وإنما داللتها على المطلوب من الناحية التي أشرنا إليها من أن التقوى والمعرفة

حسبما يريدهما تعالى ال يحصالن بدون وساطة المعصوم فإن غير المعصوم ال تحرز موافقة تقاهومعرفته لما يريده عز شأنه كمال.

وأما دعواه طاب ثراه من أن كل من يصدر منه الذنب فال يقال له متق فصحيحة ولكن ليسكل من هو غير معصوم يصدر منه الذنب، فيجوز أن يصدق على كثير من غير المعصومين

إنهم أتقياء، غير أن ذلك ال يحصل بدون العلم والمعرفة الصحيحين، وهما ال يكونان بدونوساطة المعصوم.

(٩١)

Page 95: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابع واألربعون: قوله تعالى: * (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهميتقون) * وجه االستدالل به أن نقول: هذه اآلية عامة ألهل كل عصر وهو

إجماع فنقول: بيان اآليات إنما هو بنصب معصوم يعرف معاني اآلياتوناسخها ومنسوخها ومجملها ومؤولها إذ بمجرد ذكرها ال يتبين بحيث يعمل بها

ويعرف معانيها، إذ هو المراد بقوله: * (لعلهم يتقون) * وإنما تحصل التقوىمنها بالعمل بها، وغير المعصوم ال يعتد بقوله والتقوى هو األخذ باليقين

واالحتراز عما فيه شك وال يحصل ذلك إال من قول المعصوم، وال يكفيالنبي في ذلك الختصاصه بعصر دون عصر، والسنة حكمها حكم الكتابفي المجمل والمتأول، فقل إن يحصل منها اليقين، ألن المتيقن في متنه هو

المتواتر وفي داللته هو النص، وذلك ال يفي باألحكام لقلته فبيان اآلياتألهل كل عصر بحيث يمكنهم العمل بها، وعلم المراد بها يقينا، إنما هو

بنصب اإلمام المعصوم في كل عصر.الخامس واألربعون: قوله تعالى: * (وال تأكلوا أموالكم بينكم

بالباطل) * فال بد من طريق معرف للصحيح في جميع الحوادث يقينا، والسنةوالكتاب ال يفيان فبقي اإلمام المعصوم.

السادس واألربعون: قوله تعالى: * (واتقوا الله لعلكم تفلحون) * أمرهبالتقوى مع عدم نصب طريق سالم من الشبهة والشك موصل إلى العلم

باألحكام يقينا محال، وذلك الطريق ليس الكتاب والسنة، ألن المجتهد اليحصل منهما إال الظن وقد يتناقض اجتهاده في وقتين، فيعلم الخطأ في أحدهما

ويتناقض آراء المجتهدين فيضل المقلدون، فال بد من إمام معصوم في كلعصر لعموم اآلية في كل عصر يحصل اليقين بقوله لعصمته.السابع واألربعون: قوله تعالى: * (وال تعتدوا إن الله ال يحب

المعتدين) * يجب االحتراز عن االعتداء في كل األحوال وال يمكن ذلك األبعدالعلم بأسبابه وال يحصل ذلك إال من قول المعصوم فيجب نصبه وإال لزم

تكليف ما ال يطاق.

(٩٢)

Page 96: Kitab Al-Alfain Arabic

الثامن واألربعون: قوله تعالى: * (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليهبمثل ما اعتدى عليكم) * وال يجوز تحكيم الغريم في ذلك وال غير المعصوم

لجواز الميل فالخطاب للمعصوم بموآخذة المعتدي بمثل ما اعتدى، وهذه اآليةعامة في كل عصر فيجب المعصوم في كل عصر وهو المطلوب.التاسع واألربعون: قوله تعالى: * (وال تلقوا بأيدكم إلى التهلكة) *

فيجب االحتراز في كل عصر عنه وامتثال قول غير المعصوم إلقاء باليد إلىالتهلكة (١) لجواز أمره بالمعصية والخطأ، فيكون منهيا عنه فيجب إمام

معصوم يمتثل قوله.الخمسون: * (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى) * وهو االحتراز عن

الشبهات فال بد من طريق محصل للعلم بأوامر الله تعالى ونواهيه، والمراد منخطابه حتى يحصل ذلك في كل عصر وليس ذلك إال قول المعصوم، ألن

الكتاب والسنة غير وافيين بذلك عند المجتهد وال المقلد، فيجب المعصوم فيكل عصر.

الحادي والخمسون: امتثال قول غير المعصوم يشتمل على الخوفوالشبهة لجواز أمره بالخطأ عمدا أو خطأ فال يكون من باب التقوى، وامتثال

أمر اإلمام من باب التقوى بالضرورة، فال شئ من غير المعصوم بإمام وهوالمطلوب.

الثاني والخمسون: قوله تعالى: * (وأحسنوا إن الله يحب المحسنين) *فال بد من طريق معرف للحسن والقبح يقينا وليس إال المعصوم لما تقدم،

وهي عامة في كل عصر، فيستحيل كون اإلمام غيره.الثالث والخمسون: قوله تعالى: * (ومن الناس من يعجبك قوله في

الحياة الدنيا) * إلى قوله: * (والله ال يحب الفساد) * وجه االستدالل به أنه--------------------

(١) ال يلزم ذلك دائما، نعم يجوز فيه ذلك، فالمرء ال يأمن من التهلكة بالرجوع لغير المعصوم،فيجب المعصوم ألمان األمة من إلقاء أنفسها بالتهلكة.

(٩٣)

Page 97: Kitab Al-Alfain Arabic

حذر من مثل هذا وتوليته وعرف إن مثل هذا واليته تستلزم الفساد واختالفالنظام، وقد ال يعلم باطنه إال الله فال يجوز إال أن يكون اإلمام منصوصاعليه من قبل الله تعالى ليعلم استحالة ذلك منه، وذلك هو المعصوم وال

يحسن من الحكيم توليته غير المعصوم.الرابع والخمسون: اإلمام يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطوات

الشيطان وتركه ألن الله تعالى أمر بطاعة اإلمام بقوله تعالى: * (أطيعوا اللهوأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) * ونهى عن اتباع خطوات الشيطان بقوله

تعالى: * (وال تتبعوا خطوات الشيطان) * وفاعل المأمور به ال يكون فاعالللمنهي عنه من هذه الجهة الستحالة تعلق األمر والنهي بشئ واحد، وال

شئ من غير المعصوم يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطوات الشيطانوهما ينتجان من الثاني ال شئ من اإلمام بغير المعصوم (١) وهو المطلوب.

الخامس والخمسون: قوله تعالى: * (فإن زللتم من بعد ما جاءتكمالبينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم) * والبينات التي ال يحصل معها الخطأ وال

الخلل وال تحصل إال بقول المعصوم إذ الكتاب مشتمل على المجمالتوالمتشابهات والناسخ والمنسوخ واالضمار والمجاز والسنة أكثر متنها غير يقيني،

وداللة أكثرها غير يقينية، وال يعلم ذلك يقينا إال المعصوم، وال يحصل الجزمإال بقوله لتجويز الخطأ على غيره، والجزم ينافي احتمال النقيض، فدل على

ثبوت المعصوم في كل وقت، فيستحيل كون اإلمام غيره.السادس والخمسون: الجزم بالنجاة يحصل باتباع اإلمام وإال لم يحصلوثوق بقوله وأمره البتة، فانتفت فايدة نصبه، وال شئ من غير المعصوم

يجزم بحصول النجاة باتباعه فال شئ من اإلمام بغير معصوم (٢).--------------------

(١) وتقرير الشكل الثاني ها هنا أن نقول: اإلمام يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطواتالشيطان، وال شئ من غير المعصوم يلزم من طاعته واتباعه عدم اتباع خطوات

الشيطان، وبعد إسقاط المتكرر وهو المحمول في الصغرى والكبرى تكون النتيجة ما ذكرهرضوان الله عليه وهي: ال شئ من اإلمام بغير المعصوم.

(٢) وهذه النتيجة من الشكل الثاني وتقريره أن نقول: اإلمام يجزم بحصول النجاة باتباعه،وال شئ من غير المعصوم يجزم بحصول النجاة باتباعه، وبعد إسقاط المحمول المتكرر في

المقدمتين تكون النتيجة: ال شئ من اإلمام بغير المعصوم.

(٩٤)

Page 98: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع والخمسون: قوله تعالى: * (ومن يبدل نعمة الله من بعد ماجاءته فإن الله شديد العقاب) * وغير المعصوم يجوز عليه ذلك، فال يجوز

اتباعه.الثامن والخمسون: قوله تعالى: * (كان الناس أمة وحدة فبعث الله

النبيين مبشرين ومنذرين) * إلى قوله تعالى: * (والله يهدي من يشاء إلى صرطمستقيم) * االستدالل بهذه اآلية من خمسة أوجه:

األول: قوله تعالى: * (ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) * وهذالطف فيجب عمومه ولإلجماع على عمومها في كل عصر ولعموم الناس فال بدممن يحكم بالكتاب بين كل مختلفين بالحق قطعا، وغير المعصوم ليس كذلكلتجويز عمده وخطئه بغير الحق أو خطئه وأيضا غير المعصوم ال يمكنه الحكم

بين كل مختلفين بالحق من الكتاب ألنه ال يعلم ذلك يقينا من الكتاب إالالمعصوم لتوقفه على معرفة جميع األحكام يقينا منه، فدل على وجود المعصوم في

كل عصر.الثاني: قوله تعالى: * (وما اختلف فيه إال الذين أوتوه من بعد ما

جاءتهم البينات بغيا بينهم) * والطريق إلى العلم أما العقل أو النقل وأكثرأحكام الشريعة ال يتمكن العقل من إدراكها، وال مجال له فيها، فبقي النقلفإما أن يكون مقطوعا في متنه وداللته أو ال يكون كذلك، فإن كان األولوكان إدراكه ضروريا يشترك فيه كل الناس، وهذا ال يقع فيه اختالف إال

على سبيل البغي بين المختلفين، وليس شئ من الكتب اإللهية والسنة كذلكأو ال يكون إدراكه ضروريا يشترك فيه الناس، فال بد من وضع طريق يمكن

التوصل منه إلى معرفة المتن والداللة من أنواع الخطاب في الكتب المنزلة لكلالناس، وإال لم يكن االختالف بغيا بينهم إذ ال يشترك العقالء في ضروريةإدراكه وال طريق يوصلهم إلى العلم به ال بد فيه من االختالف الختالف

(٩٥)

Page 99: Kitab Al-Alfain Arabic

األمارات والظنون فال يكون االختالف بغيا، لكنه تعالى حكم بأناالختالف بغي وإن كان الثاني وأن ال يكون مقطوعا في متنه وداللته بل يكونمن قبيل مجمالت والمجاز، فال يتيقن طريق إلى العلم بأنواع الخطاب والعقل

ال يصلح هنا وهو ظاهر، فبقي النقل ممن يحصل الجزم بقوله، وال بد منطريق إلى الجزم بصدقه وبعلمه، وذلك هو المعصوم، وهو المطلوب والطريقإلى معرفة صدقه ومعرفة عصمته وأما بالمعجزات أو بنص من الله تعالى أو من

النبي أو اإلمام صريح على ذلك.الثالث: قوله تعالى: * (من بعد ما جاءتهم البينات) * حكم بأن

اختالفهم بعد مجئ البينات التي يمكنهم معها العلم اليقيني بذلك، وليسذلك من الكتاب والسنة فيكون إشارة إلى المعصومين المؤيدين بالمعجزات

والكرامات، فإن لم يعلموهم فلتقصيرهم في النظر العقلي في معجزتهموالنصوص الدالة عليهم والبراهين القطعية التي ال تحتمل النقيض.

الرابع: قوله تعالى: * (فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقبإذنه) * إشارة إلى المعصومين (١) ألنا نعلم قطعا أنه لم يعلم جميع المتشابهات

وجميع المؤوالت يقينا إال المعصوم.الخامس: قوله تعالى: * (والله يهدي من يشاء إلى صرط مستقيم) *

وذلك يدل على ثبوت المعصوم ألن الصراط المستقيم الذي ال يعتريه خطأأصال ال يحصل إال من قول المعصوم.

--------------------(١) لعله طاب ثراه أراد أن المعصومين كانوا الطريق إلى هداية المؤمنين بإذنه سبحانه ألن غيرالمعصوم يجوز عليه الخطأ، فال يكون طريقا لهداية المؤمنين بإذنه تعالى، وكيف يجعل تعالى

طريقا إلى الهدى ال يصيب دائما.وأما لو أراد أن المقصود من الذين آمنوا المعصومون، فللكالم فيه مجال لعموم اآلية لكل مؤمناهتدى بإذنه سبحانه سواء كان معصوما أو غير معصوم نعم إنما تدل على وجود المعصوم يقينامن الناحية التي أشرنا إليها، إذ أن المهتدي إلى الحق تماما إنما يكون من طريق المعصوم، واليحصل ذلك بغير المعصوم لجواز الخطأ على غير المعصوم، وكيف يكون الطريق الذي يجوز

عليه الخطأ مأذونا منه سبحانه.

(٩٦)

Page 100: Kitab Al-Alfain Arabic

التاسع والخمسون: قوله تعالى: * (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرلكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ال تعلمون) * فال بد

من طريق إلى العلم باألشياء النافعة والضارة من حث الدين، وال سبيل إلىذلك إال من المعصوم فيلزم ثبوته.

الستون: قوله تعالى: * (والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياتهللناس لعلهم يتذكرون) * االستدالل به من وجوه:

األول: إن هذا يدل على رحمته ولطفه بالعباد وإرادته لدخولهم الجنة معخلق القوى الشهوية والغضبية واألهوية المختلفة والشيطان، والخطاب يعين

النص فلو لم ينصب المعصوم في كل عصر لناقض غرضه تعالى الله عن ذلك.الثاني: إن دعاءه إلى المغفرة والجنة إنما هو بخلق القدرة وجعل األلطافوالطريق التي يحصل بها العلم والعمل وأهم األلطاف في التكاليف اإلمام

المعصوم ألنه المقرب إلى الطاعات والمبعد عن المعاصي، وألن العلمبالتكاليف واألحكام الشرعية ال يحصل إال من المعصوم إذ غيره ال يوثق بقوله

وال تتم الفايدة به.الثالث: قوله تعالى: * (ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) * البيان

الذي يحصل معه التذكر والخوف من المخالفة ال يحصل إال بقول المعصوم،إذ اآليات أكثرها مجمل وعام يحتمل التخصيص وال مستند في عدم المخصص

إال أصالة العدم المفيد للظن وأكثرها مؤول، فال بد من معرفة طريق معرفلهذه وليس إال المعصوم لما تقدم.

الحادي والستون: قوله تعالى: * (إن الله يحب التوابين ويحبالمتطهرين) * وذلك يتوقف على معرفة الذنوب وهو موقوف على العلم

باألحكام الشرعية والخطابات اإللهية والسنة النبوية، وكذلك يتوقف علىمعرفة الطهارة وأنواعها وأحكامها ونواقضها وشرايطها وأسبابها وكيفياتها وال

يحصل ذلك إال من المعصوم على ما تقدم وهي عامة في كل زمان فيجب

(٩٧)

Page 101: Kitab Al-Alfain Arabic

المعصوم في كل زمان فيستحيل أن يكون غيره اإلمام معه.الثاني والستون: قوله تعالى: * (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس

والله سميع عليم) * وجه االستدالل من وجهين:األول: إن البر والتقوى واالصالح بين الناس موقوف على معرفة

األحكام الشرعية والمراد من أنواع الخطاب اإللهي على وجه يقيني وإال لجازأن يأتي بالمعصية والفساد وترك البر وهو ال يعلم وذلك ال يحصل إال من

المعصوم على ما تقرر فيجب المعصوم.الثاني: إن الموصوف بهذه الصفات الذي يصلح بين الناس فيتعين علىالناس قبول قوله ليتم االصالح وانتظام النوع، وغير المعصوم ال يصلح

لذلك فدل على ثبوت المعصوم.الثالث والستون: قوله تعالى: * (ال يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم

ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) * وكسب القلوب ثالثة أنواع:األول: االعتقاد فإن طابق كان مثابا وإن لم يطابق في أي شئ كان

سواء في النقليات أو العقليات يسمى أيضا كسبا.الثاني: اإلرادة.

الثالث: الكراهة، فيجب وضع طريق العلم بالموافق منها للحقوالمطابق ألمر الله تعالى، ونهيه ال يحصل ذلك إال من المعصوم لما تقدم،

وهي عامة في كل عصر فيجب وجود المعصوم في كل عصر، ال يقال أتقولونبمذهب المالحدة القائلين بتوقف المعارف، ألنا نقول ال نقول بذلك فيالمعارف العقلية بل نقول معرفة األحكام الشرعية، والمراد من الكلمات

اإللهية واآليات المجملة وغيرهما موقوف على المعصوم وليس هذا مذهبالمالحدة.

الرابع والستون: قوله تعالى: * (والله غفور رحيم) * وجه االستداللإنه وصف نفسه بالرحمة وخلق القوى الشهوية والغضبية وإبليس وقدرته

(٩٨)

Page 102: Kitab Al-Alfain Arabic

وتمكين المؤذي من األذى والجهل، فلو لم يخلق المعصوم الذي يمكن معهتحصيل الفوائد الدنيوية واألخروية، والخالص من العذاب وتحصيل النعيم،

وقهر القوى الشهوية والغضبية وإبليس لنا في رحمته إذ هذه األشياء، موجباتالهالك واإلمام المعصوم منج منها والرحيم هو الموقى من أسباب الهالك.

الخامس والستون: هذه اآلية هي قوله تعالى: * (والله غفور رحيم) *وقوله تعالى: * (الرحمن الرحيم) * وقوله تعالى: * (كتب ربكم على نفسه

الرحمة) * كل ذلك يدل على نفي عذر المكلف في ترك المكلف به وإهماله معإتيان الله تعالى بجميع ما ينبغي له أن يأتي به مما يتوقف عليه فعل المكلف منالقدرة والعلوم واأللطاف المقربة والمبعدة المعارضة للقوى الشهوية والغضبيةواللذات والنفرة واآلالم، وال أهم في ذلك من المعصوم في كل زمان، إذ معنفيه ال يعتمد المكلف على قول غيره وال تحصل له العلوم الواجبة من السنة

والكتاب بجميع األحكام، وكان الله تعالى انتسب منه إلى وجه ما، ولكن التجويز النسبة إليه تعالى بنفيه القدرة والشهوة والنفرة وإال الرتفع التكليف لعدم

الكلفة ولزوم االلجاء وغير ذلك ال يجوز، وإال لم يحسن المبالغة، وإنما يحسنمع كونه من المكلف من كل وجه إال ما ليس من فعله ويتوقف عليه

التكليف.السادس والستون: انتفاء اإلمام المعصوم في عصر ما ملزوم للمحال

بالضرورة فهو محال، فانتفاء اإلمام المعصوم في عصر ما محال، وإذا استحالصدق السالبة الجزئية وجب صدق الموجبة الكلية، فيجب وجوده في كل

عصر، أما الكبرى فظاهره، وأما الصغرى فالستلزام انتفائه ثبوت الحجةللمكلف على الله تعالى في وقت ما (١) لمشاركة المعصوم النبي في المطلوب إذ

النبي يراد منه العلم باألحكام ولتقريب والتبعيد وهما موجودان في اإلمام--------------------

(١) ألن المكلف إذا أخطأ التكليف لعدم البيان أو لالجمال أو لغير ذلك لم يحسن من المولى سبحانهعقابه، لعدم الحجة منه تعالى عليه بل الحجة للمكلف عليه سبحانه، إذن فما الفائدة من

بعث الرسول صلى الله عليه وآله بالشريعة إذا أخطأت األمة العمل بها وفاتتهمأحكامها وجهلوا نظامها.

(٩٩)

Page 103: Kitab Al-Alfain Arabic

المعصوم، فيكون نفيه مساويا لنفي النبي صلى الله عليه وآله والزم أحدالمتساويين الزم لآلخر، ولكن انتفاء الرسول يستلزم ثبوت الحجة فكذا انتفاء

اإلمام.السابع والستون: اإلمام المعصوم لطف عام والنبي لطف خاص (١)

وانتفاء العام شر من انتفاء الخاص (٢) فإذا استحال عدم إرسال الرسل منهتعالى فاستحالة عدم نصب اإلمام المعصوم من باب مفهوم الموافقة (٣) كتحريم

التأفيف الدال على تحريم الضرب.الثامن والستون: قوله تعالى: * (ومن يتعد حدود الله فأولئك هم

الظالمون) * وكل من يمكن أن يكون ظالما ال يجوز اتباعه وال طاعته احترازامن الضرر المظنون وغير المعصوم كذلك فال يجوز ابتاعه، وكل إمام يجب

اتباعه فال شئ من غير المعصوم بإمام.التاسع والستون: قوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات والصالة

الوسطى وقوموا لله قنتين) * أمر بالمحافظة على الصلوات والصالة الوسطىوإنما يحصل ذلك بمراعاة شرائطها ومعرفة أحكامها واالحتراز من مبطالتها على

وجه يعلم صوابه وال يعلم إال من المعصوم لما تقدم، فيجب وهي عامة فيكل عصر فيجب فيه.

السبعون قوله تعالى: * (يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون) * والبيانالذي يحصل منه العلم إنما يكون بالنص مع معرفة الوضع يقينا أو من قول

--------------------(١) وذلك ألن النبي إنما يجب في وقت ما، واإلمام في كل وقت، فمن ثم كان لطف النبي خاصا

وإمام عاما.(٢) ألن ضرر انتفاء العام لطول زمانه أكثر من انتفاء الخاص.

(٣) أو ما نسميه باألولوية القطعية، فإن اإلمامة إذا كانت أعم من النبوة، وكان انتفاؤها أكبرشرا من انتفاء النبوة كانت االستحالة بعدم نصب المعصوم أولى من االستحالة بعدم بعث

النبي، ومن هناك مثل لألمرين من النبوة واإلمامة بتحريم التأفيف الدال على تحريم الضربألن الضرب في التحريم أولى من التأفيف ألنه أشد عقوبا وأكبر إساءة، وهكذا يكون شأن

اإلمامة مع النبوة.

(١٠٠)

Page 104: Kitab Al-Alfain Arabic

المعصوم واألول منتف في أكثر اآليات فيتعين الثاني فيستحيل أن يكون اإلمامغيره وهي عامة في كل عصر إجماعا.

الحادي والسبعون: قوله تعالى: * (وقتلوا في سبيل الله) * أمر بالمقاتلةويستحيل من دون رئيس وهي عامة في كل عصر يوجد فيه الكفار، فيجب

فيه الرئيس لذلك وال بد أن يكون معصوما ألن الجهاد فيه سفك الدماءوإتالف األموال واألنفس فال بد من أن يتيقن صحة قوله وكيف يقاتل وغير

المعصوم ال يحصل الوثوق بقوله فتنتفي فائدة التكليف.الثاني والسبعون: قوله تعالى: * (والله يؤتي ملكه من يشاء والله وسع

عليم) * فنقول: من يؤتيه الله الملك ال يجوز أن يكون غير معصوم، ألنهعبارة عن استحقاق األمر والنهي في الخلق وال يجوز أن يفعل الله سبحانه

وتعالى ذلك بغير المعصوم وهي عامة في كل عصر باالجماع، وألنه ال قائلبالفرق فإنه لو قال قائل لم ال يجوز أن يكون ذلك إشارة إلى النبي، قلنا:

يدل على عصمته بعد النبوة وقبلها ألنه لو كان بحيث صدر منه الذنب قبلهالسقط محله من القلوب فلم يحصل االنقياد ألمره ونهيه وهو يناقض الغرض

ويلزم من القول بذلك عصمة اإلمام، وإال لزم إحداث قول ثالث وهوباطل.

الثالث والسبعون: قوله تعالى: * (ولوال دفع الله الناس بعضهم ببعضلفسدت األرض) * وجه االستدالل به من وجوه:

األول: الله عز وجل نص على أنه هو الناصب للرئيس الدافع فيبطلاالختيار ويجب حينئذ أن يكون معصوما، ألنه تعالى يستحيل أن يحكم غير

المعصوم.الثاني: إنه بنصب الله تعالى الدافع من الناس يرتفع الفساد، ألن لوال

تدل على امتناع الشئ لثبوت غيره، وال يكون ذلك إال مع المعصوم إذ معغيره الفساد ال يرتفع.

الثالث: إنه تعالى نسب األحكام الصادرة من الرئيس واألوامر والنواهي

(١٠١)

Page 105: Kitab Al-Alfain Arabic

إليه تعالى، وإال لزم الجبر وقد بينا بطالنه فيكون معصوما إذ غير المعصوم قديأمر بالخطأ وهو ظاهر واقع، ومن يقف على أخبار الخلفاء والملوك المتواترةيكون ذلك مقررا عنده والخطأ ال يكون من الله تعالى، ال يقال لم ال يجوزان

يكون ذلك إشارة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه دل على رئيسمطلق ولم يدل على إمام فإنه في زمانه يحصل بوجوده، وبعد وفاته يحصلبشرعه وقوانينه الشرعية وأحكامه التي قررها سلمنا، لكن ال فاعل إال اللهتعالى فكان نصب الخلق للرئيس من فعله أيضا، سلمنا لكن فساد األرض،

إنما يقال عند وقوع جميع األحكام خطأ وعدم رئيس تجاذب األهوية واضطرابالعالم وال يلزم من نفي الكل النفي الكلي، ألنا نقول: أما الجواب عن

األول فنقول هذه اآلية عامة في كل عصر إجماعا ولثبوت المالزمة المذكورةوانتفاء الالزم في كل زمان ألنه تعالى ال يريد إصالح األرض، ودفع فسادهافي زمان دون زمان وإال لزم الترجيح من غير مرجح، وبعد وفاة النبي صلى

الله عليه وآله وسلم ال بد من رئيس يقهر على اتباع أوامره ونواهيه، وإال لزمالمحال المذكور.

وأما عن الثاني: فقد بينا بطالن الجبر، وقولكم ال فاعل إال الله اعذارإلبليس ونفي لفساد فعله واعذار للمكلف في صدور الخطأ منه، وينافيه

القرآن المجيد في عدة مواضع، بل القرآن مشحون بإسناد الفعل إلىاآلدمي، وذم الكفار وفاعل الظلم على ذلك، ثم كيف يتحقق العقاب؟

وألنا قد بينا أن هذه تدل على عصمة الرئيس فإنه ال يصدر منه إال الصالحوال يصدر منه ذنب ألنه فساد فيستحيل أن يكون منصوبا من الخلق.

وأما عن الثالث: فبوجهين: األول: إن كل واحد من أنواع الفسادمراد لله تعالى ووقوع كل المصالح والعبادات مراد الله تعالى أيضا ويلزم من

ذلك نصب المعصوم الستحالة ما قلناه بدونه.الثاني: إن ما ذكرتموه من نفي الكل ال يحصل إال من المعصوم ألن

ناصب الرئيس أما الله تعالى أو غيره، والثاني مستلزم لالضطراب وتجاذب

(١٠٢)

Page 106: Kitab Al-Alfain Arabic

األهوية والفساد الكلي فال ينتفي إال بنصب الله تعالى عز وجل للرئيسويستحيل من الله تعالى تحكيم غير المعصوم، وألن غير المعصوم يحصل منه

الجواز، وفيه إثارة للفتن والفساد الكلي واالضطراب.الرابع والسبعون: قوله تعالى: * (ولوال دفع الله الناس بعضهم ببعض

لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومسجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) * وجهاالستدالل به أنه يدل على نصب الله الرئيس بعد النبي صلى الله عليه وآله ألنه حافظ

للمساجد والصلوات ومقرب إلى الطاعات ومبعد عن المعاصي بعد تقريرهاوذلك هو اإلمام المعصوم لما تقدم من التقرير.

الخامس والسبعون: قوله تعالى: * (قد تبين الرشد من الغي) * وجهاالستدالل إن كل ما يطلق عليه رشد وصواب قد اشترك في هذا الوصف

الموجب لبيانه وظهوره وتميزه من الخطأ، وكذلك الغي قد اشترك في هذاالوصف الموجب لوجوب بيانه وإظهاره، فترجيح البعض محال ألنه في معرض

شيئين:أحدهما: نفي عذر المكلف مطلقا.

الثاني: االمتنان، وال يحصل األول وال يحسن الثاني إال بالكلي وليسذلك الشئ من الكتاب والسنة وحدهما وهو ظاهر لما تقدم، فتعين المعصوم

في كل زمان وهو ظاهر وهو مطلوبنا، وال يقال قوله تعالى فيه تبيانا لكل شئينافي ذلك ألنا نقول إنه ال يحصل منه إال لمن علم يقينا مجمالته ومجازاته

ومضمراته ومشتركاته وال يعلم ذلك يقينا إال اإلمام المعصوم ال غيره إجماعا،فدل على ما ذكرتموه في كل زمان (١).

--------------------(١) ويمكن االستدالل بهذه اآلية الشريفة على وجوب اإلمام ووجوده في كل زمان بتقريب

آخر، وهوان اآلية صريحة في أن الرشد بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وآله أصبحبينا عن الغي، والهدى عن الضاللة، ومع اختالف الناس في الدين وتشتتهم فرقا فيما جاء به

سيد المرسلين عليه وآله السالم لم يكن الرشد بينا عن الغي والهدي الضاللة وإال لما وقعهذا االختالف، فيدور األمر عندئذ بين أن تكون اآلية غير صادقة، أو إنه تعالى ارتضى

للناس ضاللهم وغيهم واعتبره رشدا وهدى أو أن هناك إماما في كل زمان يكون طريقا لتبيينالرشد من الغي والهدى من الضاللة وبنصبه تعالى له لهذه الغاية أخبر عز شأنه على سبيلالصدور والوقوع بأنه قد تبين الرشد من الغي واألمران األوالن مستحيالن فيتعين الثالث.

(١٠٣)

Page 107: Kitab Al-Alfain Arabic

السادس والسبعون: قوله تعالى: * (الله ولي الذين آمنوا يخرجهم منالظلمات إلى النور) * وجه االستدالل به من وجهين:

األول: إن هذه عامة في كل األوقات والظلمات أما األول فباإلجماع،وأما الثاني فلوجوه، إحداها: اشتراك كل ظلمة في هذا الوصف المقتضي

لالخراج منها والتنزيه عنها، وثانيها: إنه ذكرها في معرض االمتنان،وثالثها: إنه جمع معرف باأللف والالم وقد بينا في األصول عمومه، فدل على

ثبوت المعصوم في كل عصر فيستحيل أن يكون اإلمام غيره.الثاني: إن كرم الله تعالى ورحمته يقتضي جعل طريق يوصل إلى ذلك

لمن رامه من المؤمنين وليس إال المعصومفيجب في كل عصر (١).

السابع والسبعون: قوله تعالى: * (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركمبالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضال) * هذه تحذير من متابعة أمر الشيطان

فيجب االحتراز عنه وترغيب في اتباع أوامر الله تعالى ونواهيه، وال يحصل--------------------

(١) توضيح االستدالل بهذه اآلية الكريمة أن نقول: إن الله سبحانه نسب االخراج إليه مع أننانجد الكثير من الفرق راكسين في ظلمات الضاللة كما يشير إلى ذلك الحديث النبوي

" ستفترق أمتي على ثالث وسبعين فرقة " فمن هنا يعلم أنه تعالى أراد من االخراج تهيئةاألسباب بإقامة الطرق التي باتباعها االخراج وال شك أن طريق االخراج في عهد الرسول

صلى الله عليه وآله هو الرسول، ومقتضي عموم وجود طرق أخرى بعده.فإن قيل: إن الطريق بعده شريعته ولها األثر في األزمنة المتتالية قلنا لو كان األثر للشريعة

وحدها لما اختلفت األمة وسلكت كل فئة واديا، أليس االفتراق حدث بعد الرسول مع وجودالشريعة، فإذن ال بد من طرق أخرى بعد صاحب الشريعة ناطقة ال تقبل التأويل

والتبديل، وبنور هدايتها الوضاء تخرج الناس من ظلمات الضاللة، وتلك الطرق إنأخطأت مرة وأصابت أخرى لم يحصل االخراج، وإنما االخراج بالطرق المصيبة دوما،

الموصلة أبدا، وهل هو إال اإلمام المعصوم.

(١٠٤)

Page 108: Kitab Al-Alfain Arabic

ذلك إال من قول المعصوم إذ لو كان اإلمام غيره لجاز أمره بالمعصية وبأوامرالشيطان.

الثامن والسبعون: اإلمام يستحق النصرة ويستحق األنصار وال شئمن غير المعصوم وكذلك ينتج ال شئ من غير اإلمام بمعصوم (١) أما الصغرى

فظاهرة ولقوله تعالى: * (ما لكم ال تناصرون) * وهي في معنى نصرة اإلمامأولى اتفاقا ولقوله تعالى: * (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر

منكم) * وأما الكبرى فألن غير المعصوم ظالم متعد (٢) لما تقدم، وقال اللهتعالى: * (وما للظالمين من أنصار) * إما أن يكون المراد نفي االستحقاق أو

نفي النصرة بالفعل، والثاني محال لوقوع النصرة فتعين األول، وهوالمطلوب.

التاسع والسبعون: قوله تعالى: (وليس البر بأن تأتوا البيوت منظهورها ولكن البر من اتقى وآتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم

تفلحون) والتقوى هي االحتراز وهي موقوفة على معرفة أحكام الله تعالىكلها والمراد بالخطاب وال يحصل إال من قول المعصوم وألن امتثال قول غيرالمعصوم ارتكاب الشبهة إذ يحتمل أمره بالمعصية وذلك ينافي التقوى فيكون

منهيا عنه.الثمانون: قوله تعالى: (وقتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) وجه

االستدالل به أنه أمر بالقتال فال بد فيه من نصب رئيس إذ القتال من دونهمحال، وال بد أن يكون منصوبا من قبل الله تعالى وإال لزم االختالف والهرج

--------------------(١) هذه القضية من الشكل الثاني، والنتيجة حتمية.

(٢) ال تالزم بين عدم العصمة والظلم إذ يجوز أن يكون ولي األمر عادال وإن لم يكن معصوما،والعادل ليس بظالم نعم إنما يكون ظالما بغصبه اإلمامة من أهلها وجلوسه على دست ليس

أهال له، وهذا أكبر الظلم.ويمكن أن نقول: بأنه ال يستحق النصرة من ناحية أخرى ال من جهة الظلم وذلك ألنه ال يؤمن

من صدور الخطأ منه، فقد تكون مناصرته تخالف الدين، وقد أريد بها الدين.

(١٠٥)

Page 109: Kitab Al-Alfain Arabic

والمرج وتجاذب األهوية (١) وذلك ضد القتال ألنه موقوف على االتفاق ورفعالنزاع ويستحيل من الله تعالى تحكيم غير المعصوم.

الحادي والثمانون: قوله تعالى: (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بينالناس والله سميع عليم) (واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيثأخرجوكم) هذا يتوقف على نصب الرئيس وغير المعصوم ال يوثق بقوله

وفعله، فال يتبع فينتفي فائدة هذا األمر.الثاني والثمانون: قوله تعالى: (والفتنة أشد من القتل) وغير المعصوم

قد يحصل منه الفتنة التي هي أشد من القتل فيجب االحتراز منه، كما يجباالحتراز منها وهو المطلوب.

الثالث والثمانون: قوله تعالى: (وقتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكونالدين كله لله فإن انتهوا فال عدون إال على الظالمين) وجه االستدالل أنه

جعل انتفاء الفتنة غاية ويكون الدين كله لله وال يعلم انتفاء الفتن بالقتال وأنالمراد به االصالح إال من المعصوم.

الرابع والثمانون: قوله تعالى: (وقدموا ألنفسكم واتقوا الله واعلمواأنكم مالقوه وبشر المؤمنين) كل ذلك تحريض على فعل الطاعات واالمتناععن القبايح واالحتراز عن الشبهات، وال يتم إال بقول المعصوم في كل عصر

فيجب.الخامس والثمانون: قوله تعالى: (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين

الناس والله سميع عليم) والبر والتقوى واالصالح موقوف على معرفة أوامرالله تعالى ونواهيه والمراد بخطابه وال يتم ذلك إال بقول المعصوم في كل عصر

--------------------(١) قد يتفق للمنصوب من قبل الناس أن تتفق عليه الكلمة، فليس عدم القتال معه لالختالف،بل الذي ينبغي أن يقال، إن حرمة القتال معه لجواز أن يكون القتال معه مخالفا للدين، وغير

مأمور به من الشارع األقدس، فنحن كيف نحرز بالقتال معه إصابة الشريعة ورضى اللهتعالى بهذا القتال نفسه، فإذن ال نحرز ذلك إال بالقتال مع المعصوم.

(١٠٦)

Page 110: Kitab Al-Alfain Arabic

لما تقدم من التقرير، وغير المعصوم قد يأمر بما يوهم أنه إصالح، فالإصالح فيه، فال يجب امتثال قوله فتنتفي فائدة إمامته.

السادس والثمانون: قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحاتوأقاموا الصالة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم وال هم

يحزنون) وجه االستدالل بها كما تقدم.السابع والثمانون: قوله تعالى: (إن الله بالناس لرءوف رحيم) وجه

االستدالل أن اإلمام المعصوم في كل عصر من أعظم النعم وأتمها وبه تحصلالنجاة األخروية والمنافع الدنيوية، وكان من رأفته ورحمته التي حكم بها على

نفسه، وأي نعمة في جنب هذه النعمة التي بها يحصل نعم الدنيا ونعماآلخرة، فكل النعم أقل منها وتستحقر في جنبها (١).

الثامن والثمانون: قوله تعالى: (فاستبقوا الخيرات) هذا موقوفعلى معرفتها وذلك موقوف على معرفة الخطاب اإللهي، وال يحصل من

المعصوم كما تقدم.التاسع والثمانون: قوله تعالى: (والتم نعمتي عليكم ولعلكم

تهتدون) إلى قوله: (ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون) االستدالل بها منوجوه:

األول: إنه قد حكم بإتمام النعم علينا وقد بينا أن اإلمام المعصوم، كلالنعم مستحقرة في جنب هذه النعمة فلو لم يكن قد نصبه الله تعالى لم يكن قد

أتم النعم.الثاني: إنه امتن بجعل الرسول وفائدته ال تتم إال بخليفة معصوم يقوم

مقامه في كل وقت.الثالث: إن العلة الداعية إلى إرسال الرسل هو إعالم خطاب الله تعالى

--------------------(١) ولربما تلقى إطاعة غير المعصوم في الخطأ ومخالفة األحكام اإللهية وعندئذ العقاب والنار، فأمره

تعالى بطاعة غير المعصوم خالف الرأفة والرحمة.

(١٠٧)

Page 111: Kitab Al-Alfain Arabic

فيقرب إلى الطاعة ويبعد عن المعصية، ويعلم الكتاب ومعانيه ويهدي إلىمجمالته، ومتأوالته ومجازاته ومشتركاته، ويعلمهم ما لم يكونوا يعلمون،وهذا الداعي موجود بالنسبة إلى اإلمام والقدرة موجودة، وإذا علمنا وجود

الداعي والقدرة حكمنا بوقوع الفعل فدل على وجود اإلمام المعصوم في كلزمان.

التسعون: قوله تعالى: (واشكروا لي وال تكفرون) أمر بالشكرونهى عن كفران النعم وهو عدم الشكر فيجب، وذلك موقوف على معرفة

كيفية وهو موقوف على معرفة الخطابات اآللهية وال تحصل إال من قول المعصوملما تقرر إذ الكتاب والسنة ال يفيان بكيفية الشكر على كل نعمة، وغير

المعصوم ال يوثق بقوله لجواز أن يكون ما يعمله لنا غير الشكر أو من بابالجحود فيجب المعصوم في كل وقت.

الحادي والتسعون: قوله تعالى: (نزل عليك الكتب بالحق مصدقا لمابين يديه وأنزل التوراة واإلنجيل) (من قبل هدى للناس) المراد من

إنزال الكتاب الهداية وال تحصل إال بمعرفة ما فيه وال تتم فائدة إال بما يقربمن امتثال أوامره ونواهيه وال يحصل ذلك كله إال من المعصوم لما تقرر وإال

فدل على ثبوت اإلمام المعصوم.الثاني والتسعون: قوله تعالى: (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه

آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) إلى قوله تعالى: (وما يذكرإال أولوا األلباب) االستدالل به من وجوه:

األول: إن الناس منهم مقلد، ومنهم مقلد، والمقلد إنما يتبع المقلد،والله تعالى ذم من يتبع المتشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وهذا منع مناتباعه وغير المعصوم يجوز فيه ذلك فال يوثق بقوله فتنتفي فائدة الخطاب

فيجب المعصوم حتى ينتهي التقليد إليه.الثاني: إنه تعالى حكم بعلم تأويله لقوم مخصوصين ميزهم بكونهم

راسخين في العلم، وهذا ال يعلم إال من المعصوم إذ غيره ال يعرف حصول

(١٠٨)

Page 112: Kitab Al-Alfain Arabic

الصفة فيه.الثالث: المراد بالخطاب بالمتشابه هو العمل أيضا به وال يحصل األمن من

الخطأ في العلم به إال من المعصوم فيجب، وألن الخطاب بالمتشابه مع عدممعصوم يجزم يقينا بصحة قوله يستلزم الفتنة المحذر منها إذ آراء المجتهدين

مختلفة فيه ويقع بسبب ذلك الخبط وعدم الصواب، فال بد من المعصومليتوصل منه إلى العلم به.

الرابع: أنه يجب دفع الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاءالفتنة وردعهم عن ذلك وهو يستلزم ثبوت المعصوم ألن غيره ال ترجيح لقول

بعضهم على بعض، فكل منهم يدعي أن مخالفة كذلك، وذلك هو الفتنة.الثالث والتسعون: قوله تعالى: (ربنا ال تزغ قلوبنا) المراد عدم

الزيغ إذ يستحيل من الله تعالى فعل الزيغ، وإذا كان المراد عدم الزيغبالكلية، وال يحصل إال بالمعصوم لما تقدم من التقرير فدل على نصبه.

الرابع والتسعون: قوله تعالى: (للذين اتقوا عند ربهم) إلى قوله(والله بصير بالعباد) وجه االستدالل به أنه قد حكم باستحقاق الذين اتقوا

بالثواب الدائم والخالص من العقاب بسبب التقوى، وال طريق إليها إالبالمعصوم كما تقدم.

الخامس والتسعون: قوله تعالى: (الصابرين والصادقين والقانتينوالمنفقين والمستغفرين باألسحار) إنما يعلم طريق ذلك من المعصوم، كما

تقدم تقريره.السادس والتسعون: قوله تعالى: (قل اللهم ملك الملك تؤتي الملك

من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخيرإنك على كل شئ قدير) وقد أتى الملك باالتفاق، فيلزم أن يكون معصوما

ألن تحكيم غير المعصوم قبيح (١) ويستحيل على الله تعالى لوجود ضده، وهي--------------------

(١) نسب إليه تعالى إتيان الملك ومن ثم يكون إتيانه لغير المعصوم قبيحا ألن غير المعصوم يجوزعليه الخطأ، ومخالفة الله سبحانه، وكيف يولي عز شأنه على الرقاب واألموال والفروج من

تجويز عليه المخالفة، فيحكم فيها بما ال يحل من براءة النفس المحكومة بالقتل وعلى البريئةبالقتل ومن التفريق بين المرء وزوجه وعلى األجنبية بالزوجية، وعلى مال زيد لعمرو، ومالخالد لبكر، إلى غير ذلك من الشؤون التي تخالف الحقيقة والشريعة، ويكون ذلك مستندا

إليه تعالى، ألنه هو الذي آتى الملك لغير المعصوم مع علمه بما يجري منه.

(١٠٩)

Page 113: Kitab Al-Alfain Arabic

الحكمة.السابع والسبعون: قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني

يحببكم الله) وإنما يعلم اتباعه بالمعصوم كما تقرر فيما تقدم (١).الثامن والتسعون: قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل

إبراهيم وآل عمران على العالمين) وإنما يحسن ذلك من الحكيم مع عصمتهممن أول العمر إلى آخره، فأما أن يكون متناوال لألنبياء ال غير أو لهم ولألئمة

عليهم السالم وعلى كال التقديرين، فمطلوبنا حاصل أما على األول فألنكل من قال بذلك قال بعصمة األئمة ومن منع من عصمة األئمة لم يقلبعصمة األنبياء من أول العمر إلى آخره فالفرق إحداث قول ثالث وهو

باطل، وأما على الثاني فظاهر، وألن الجمع أضيف والجمع المضاف للعمومفيدخل فيه علي وفاطمة والحسن والحسين وباقي األئمة االثني عشر صلوات

الله عليهم أجمعين، فدل على عصمتهم وغير األنبياء من آل إبراهيم خارجعن ذلك إذ ليس بمعصوم اتفاقا فال يصح اصطفاؤه على العالمين، ال يقال:

الجمع المخصوص، وخصوصا بالمنفصل ليس حجة والباقي لما بين فياألصول، ألنا نقول بل العام المخصوص حجة في الباقي لما بين في

األصول.التاسع والتسعون: قوله عليه السالم " ال يجتمع أمتي على الخطأ " خبر

متفق عليه وهو يدل على وجود المعصوم في كل عصر ألن األلف والالم التي في--------------------

(١) فإن غير المعصوم ال تحرز باتباعه محبة الله تعالى لجواز مخالفته لله تعالى بل نعتقد أحيانا وقوعنابالمخالفة كما إذا حكم اإلمام السابق بأمر خالفه عليه اإلمام الالحق فأحدهما خالف الشريعة

يقينا، بل يجوز عليهما معا المخالفة، وكيف تحرز محبة الله تعالى بمخالفته.

(١١٠)

Page 114: Kitab Al-Alfain Arabic

الخطأ ليست للعهد اتفاقا، فهي للجنس أو لتعريف الطبيعة فبقي المعنى اليجتمع أمتي على جنس الخطأ من حيث هي فلو لم يكن منهم معصوم من أولالعمر إلى آخره لجاز في زمان عدم المعصوم، فعل كل واحد نوعا من الخطأمغايرا لما يفعله اآلخر فيكون قد اجتمعوا على جنس الخطأ لكنه منفى بالخبر

فدل على ثبوت معصوم بينهم من أول عمره إلى آخره في كل عصر إذ المراد بهكل عصر إجماعا فثبت مطلوبنا الستحالة كون اإلمام غيره هي هي.

مائة: اإلمام يحبه الله ألن معنى المحبة من الله تعالى كثرة الثواب،واإلمام هو سبب حصول الثواب للناس كافة وألن اإلمام متبع للنبي عليه

الصالة والسالم في كل أحواله وإال لما أمر بطاعته واتباعه، وألن خليفة النبيصلى الله عليه وآله وقائم مقامه وكل من يتبع النبي صلى الله عليه وآله يحبه الله تعالى

لقوله تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله) وال شئ من غير المعصوم يحبه اللهتعالى ألن ظالم (١) لقوله تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه) وال شئ من الظالميحبه الله تعالى لقوله تعالى: (والله ال يحب الظالمين) ال يقال نفي المحبة

عن الكل ال يستلزم نفيها عن كل واحد ألنا نقول العلة الظلم وهو موجود فيكل واحد.

--------------------(١) مر معنا مرارا أنه ال تالزم بين عدم العصمة والظلم إال أن يكون الظلم بغصب منصباإلمامة، كما مر أيضا إننا ال نحرز موافقة الشريعة والنجاة والمحبة باتباع غير المعصوم.

(١١١)

Page 115: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة الثانيةاألول: قوله تعالى: (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم

أجورهم) والصالحات عام ألنه جمع معرف بالالم فيكون للعموم فيجب فيالحكمة وضع طريق لمعرفة جميع الصالحات وليس إال المعصوم كما تقدم،

فيجب في كل عصر لعمومها كل عصر (١).الثاني: قوله تعالى: (يا أهل الكتب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون

الحق وأنتم تعلمون) صفة ذم تقتضي التحذير من متابعته، وغير المعصوميمكن كونه كذلك فيكون ترك اتباعه احتراز عن الضرر المظنون فيجب،

واألصل في ذلك أن المكلف يجب أن يخلو من أمارات المفاسد ووجوهها،فلذلك لم يرد اتباعه احتراز عن الضرر المظنون.

الثالث: طاعة الرسول أن نأخذ بجميع ما آتانا به وننتهي عن جميع مانهانا عنه لقوله تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)

وطاعة اإلمام مساوية له لقوله تعالى: (وأطيعوا الرسول وأولي األمرمنكم) جعل طاعتهما مشتركة واحدة فإن العطف يقتضي التساوي فيالعامل، فيجب أن يكون اإلمام معصوما وإال لزم اجتماع األمر بالشئ

--------------------(١) وأما غير المعصوم فال نجزم بأننا عملنا الصالحات بموافقته، فإنه يجوز أن يأمر بغير الصالحات

بعنوان الصالح.

(١١٣)

Page 116: Kitab Al-Alfain Arabic

والنهي عنه (١) وهذا ال يجوز.الرابع: قوله تعالى: (فمن افترى على الله الكذب من بعد ذلك

فأولئك هم الظالمون) وغير المعصوم يمكن أن يكون كذلك بالضرورة والشئ من اإلمام يمكن أن يكون كذلك قطعا، وإال النتفت فائدته وهماينتجان (٢) ال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة وهو المطلوب.

الخامس: قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرونبالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) وهو يقتضي األمر بكل

معروف والنهي عن كل منكر وال يكون كذلك إال المعصوم فيجب (٣).السادس: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته) وحق

تقاته إنما يحصل بعد العلم باألحكام يقينا، والتقريب والتبعيد ال يحصل إالمن اإلمام المعصوم لما تقدم فثبت.

السابع: قوله تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا وال تفرقوا)واالستدالل به من وجهين:

األول: االعتصام بحبل الله فعل أوامر الله تعالى كلها واالمتناع عنمناهيه وال يعلم ذلك إال من المعصوم.

الثاني: قوله تعالى: (جميعا وال تفرقوا) حث على االجتماع علىالحق وعدم االفتراق عنه، وإرادة االجتماع منهم من غير معصوم في كل

عصر يناقض الغرض لتجاذب األهواء وغلبة القوى الشهوية والغضبيةواالمتناع عن طاعة من يصدر عنه الذنوب وسقوط محله من القلوب مع أنه ال

--------------------(١) وذلك فيما لو نهى عن طاعة أوامر بمعصيته أو ارتكبها، فإن مقتضى األمر بطاعته امتثال أوامره

مطلقا، ومقتضى عموم النهي عن المنكر شموله للمقام.(٢) على الشكل الثاني.

(٣) ألن األمر بكل معروف والنهي عن كل منكر يستدعي العلم بالشريعة كما نزلت وال يعلمهاكذلك إال المعصوم، وأما غير المعصوم فيجوز عليه أن يأمر بالمنكر وينهي عن المعروف جهال

بأحكام الشريعة.

(١١٤)

Page 117: Kitab Al-Alfain Arabic

بد لالجتماع على األمور من رئيس.الثامن: قوله تعالى: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها)

وذلك إنما هو بخلق اللطف المقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعصية وهو اإلمامالمعصوم في كل عصر وهو المطلوب (١).

التاسع: قوله تعالى: (كذلك يبين الله لكم آيته لعلكم تهتدون) هذهعامة في كل اآليات وفي األزمنة وبيان المجمل والمشترك إنما هو بحصول العلم

وإال لم يكن بيانا وذلك إنما يحصل بقول المعصوم فثبت وهو المطلوب.العاشر: قوله تعالى: (وال تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما

جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم) نهى عن التفرق واالختالف وإنمايتم ذلك بالمعصوم في كل زمان إذ عدم الرئيس يوجب التفرق

واالختالف (٢) وكذا الرئيس إليهم (٣) فتعين نصب اإلمام المعصوم، وأيضافإن النهي عن االختالف مع عدم وفاة السنة والكتاب باألحكام وثبوت

المجمالت والمتشابهات والمجازات مع عدم نصب اإلمام المعصوم والتكليف--------------------

(١) فإن غير المعصوم ال نجزم بحصول التقريب والتبعيد به، فال نجزم بحصول االنقاذ به منالنار، فإن كل أحد اتبع غير المعصوم لو راجع نفسه لم يجدها في حرز ووقاية من النار لكثرة

المخالفة للشريعة.(٢) ال يراد من التفرق واالختالف في الشؤون الدنيوية فحسب، وإنما يقصد به األعم منها ومن

الدينية، ومن ثم لو كان للناس رئيس ولكن كان غير معصوم، وكانوا جميعا تحت رايةواحدة ال يعني ذلك أنهم متفقون ما لم يتفقوا على األحكام وكيف يتفقون عليها وهم آراء

مختلفة وأهوية متباينة، وفي مجموعها المخالفة للشريعة يقينا، فاالتفاق الحقيقي ال يحصل إالمع اإلمام المعصوم، حيث ال يكون للناس من األمر شئ، إنما األمر كله لله وحده.

(٣) أشرنا آنفا إلى أن اجتماعهم على الرئيس وحده ال يغني في الوحدة وعدم االختالف ما لم يتفقواعلى الشريعة، وكيف تتفق اآلراء واألهواء، ولو اتفقت في الدين كيف نعتقد بموافقتها

للشريعة المنزلة، ونحن مسؤولون عن العمل وفق الشريعة كما نزلت، ال وفق اآلراءواألهواء، والنزعات والرغبات، وما دام باالمكان موافقة الشريعة ال يصح العدول عنها،

والموافقة إنما هي باتباع المعصوم فالبينات إنما تجئ مع المعصوم، والصفح عنه سبيل التفرقواالختالف.

(١١٥)

Page 118: Kitab Al-Alfain Arabic

باألحكام في كل واقعة وتفويض استخراج ذلك إلى االجتهاد التابع لألماراتالمختلفة واألفكار واألنظار المتباينة تكليف بما ال يطاق، وهو محال ال يقال إذا

لزم من مجموع ال يلزم لزومه لألجزاء فال يلزم استلزام عدم المعصومالمحال، ألنا نقول إذا كان ما عدا عدم المعصوم صادقا متحققا في نفس األمر

والصادق المتحقق ال يستلزم المحال، فتعين عدم المعصوم لالستلزام وهوالمطلوب وأيضا، فقوله من بعد ما جاءتهم البينات يدل على طريق لظهوراألحكام والعلم بها وإال ليس من المعصوم في كل عصر كما تقدم فثبت.

الحادي عشر: قوله تعالى: (وما الله يريد ظلما للعباد) والمأمور بهمراد على ما ثبت في األصول وكالم األشاعرة قد أبطلناه في كتبنا األصولية (١)

--------------------(١) الخالف بين العدلية واألشاعرة في أفعال العباد معروف مشهور، قالت العدلية: إن كان

الفعل من العبد مأمورا به منه عز شأنه فهو مراد له، وإن لم يكن مأمورا به فليس بمراد،وإنما هو من أفعال العباد أنفسهم، وقالت األشاعرة إن كل ما هو واقع فهو مراد له سبحانه

سواء كان طاعة أو معصية.واستدلت العدلية على ما تقول بأمرين، األول: إنه تعالى حكيم ال يفعل القبيح، وكما اليفعله ال يريده وال يأمر به، فإن فعل القبيح كما كان قبيحا كانت إرادته واألمر به أيضا

قبيحا.الثاني: إنه تعالى أمر بالطاعة ونهي عن المعصية، والحكيم إنما يأمر بما يريد ال بما يكره،وينهي عما يكره ال عما يريد، فما أمر بالطاعة إال ألنها مرادة له، وما نهى عن المعصية إال

ألنها مكروهة لديه، فلو كانت الطاعة غير مرادة له لما أمر بها ولو كانت المعصية غير مكروهةله لما نهى عنها، فثبت أن كل مأمور به مراد له تعالى وإن المعصية غير مرادة وال مأمور بها

للنهي عنها.واستدلت األشاعرة على ما تقول بأمور، األول: إنه تعالى فاعل لكل موجود فتكون القبائح

مستندة إليه بإرادته.الثاني: لو أراد الله تعالى من الكافر الطاعة، والكافر أراد المعصية وكان الواقع ما أراده الكافر

للزم إن يكون الله تعالى مغلوبا، إذ من يقع مراده من المريدين هو الغالب.الثالث: إن كلما علم الله تعالى وقوعه وجب، وما علم عدمه امتنع، فإذا علم عدم وقوع

الطاعة من الكافر استحال منه إرادتها وإال لكان مريدا لما يمتنع وجوده.والجواب عن األول بأن ذلك عين الدعوى، فإنه تعالى فاعل كل شئ بمعنى أنه موجود

للممكنات، فاإلنسان مخلوق له تعالى، ولكن ذلك ال يستلزم بأن تكون أفعاله أيضا مخلوقةله، ألننا نجد بالوجدان والضرورة، إن أفعال العبد مستندة الختياره، وهو قادر على فعل

الشئ وتركه معا في آن واحد ومن ثم يصح ثوابه على الطاعة وعقابه على المعصية.وعن الثاني: بأنه تعالى إنما يريد الطاعة من العباد على سبيل االختيار منهم دون الجاء وقهر وال

يتحقق ذلك إال بإرادة المكلف نفسه، ولو أراد تعالى الطاعة من الكافر مطلقا سواء كانتعن اختيار أو إجبار لوقعت على كل حال، والفرق بين اإلرادتين واضح.

وعن الثالث: بأن العلم تابع للمعلوم فال يؤثر في إمكانه، فعلمه تعالى بأفعال عباده ال يكونعلة فاعلية لوجودها بعد إن كان متعلقا بها وتابعا لوجودها.

فمن هاهنا يتضح بطالن ما زعمه األشاعرة، وصحة ما يقوله العدلية، ألنه عز شأنه يستحيل

Page 119: Kitab Al-Alfain Arabic

عليه أن يأمر بطاعة غير المعصوم، ألن األمر بطاعته قبيح الستلزامه الظلم للعباد، فإناإلمام غير المعصوم قد يقع منه الظلم وقد يأمر به فيكف يأمر تعالى بالظلم أو يريده، فما

يقع من القبايح من العباد، فليس بمراد له وال مأمورا به.

(١١٦)

Page 120: Kitab Al-Alfain Arabic

فمحال أن يأمر بطاعة غير المعصوم ألنه قد يأمر بالظلم للعباد، واإلمام أمرالله تعالى بطاعته فال شئ من غير المعصوم بإمام.

الثاني عشر: قوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرونبالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) يقتضي األمر بكل معروف

والنهي عن كل منكر فإما أن يكون إشارة إلى المجموع من حيث هو مجموع أوإلى كل واحد أو إلى بعضهم واألول محال فإن األمة يتعذر اجتماعها في حال

فضال على األمر بكل معروف لكل أحد والنهي كذلك، والثاني محال أيضاألن الواقع خالفه، فتعين الثالث وهو المعصوم فثبت المعصوم في كل عصر

لعمومها لكل عصر وهو المطلوب (١).الثالث عشر: قوله تعالى: (أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم

يسجدون) إلى قوله: (وأولئك من الصالحين) يقتضي األمر بكل--------------------

(١) ال تالزم بين البعض والعصمة، فقد يجوز أن يكون اآلمرون الناهون غير معصومين بل أهلعدالة وإيمان، ولكن داللتها على المطلوب بأن يقال: إن المعروف والمنكر كيف نعرفهما حقاحتى تقوم ثلة من األمة بأداء واجبهما؟ وهل لنا طريق لهما غير المعصوم، فإذن ال يصدق على

األمة بأنها آمرة ناهية دون األخذ عن المعصوم فيجب، واستمرار هذا الشأن فيها يقتضيوجوبه ووجوده في كل زمان.

(١١٧)

Page 121: Kitab Al-Alfain Arabic

معروف والنهي عن كل منكر والمسارعة إلى كل الخيرات بحيث ال يلزمتكليف ما ال يطاق وذلك هو المعصوم (١) فثبت وهي عامة في كل زمان إجماعا

اتفاقيا ومركبا.الرابع عشر: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة مندونكم ال يألونكم خباال) إلى قوله: (قد بينا لكم اآليات إن كنتم

تعقلون) االستدالل به من وجهين:األول: إنه نهى عن اتباع هؤالء وحذر منه تحذيرا تاما، واتباع من يمكن أنيكون، كذلك فيه خوف وضرر مظنون، ودفعهما واجب بترك اتباعه وغير

المعصوم كذلك فيجب ترك اتباعه، فلو كان إماما لوجب اتباعه، فيلزمالتكليف بالضدين وهو تكليف بالمحال.

الثاني: قوله تعالى: (قد بينا لكم اآليات إن كنتم تعقلون) هذاإشارة إلى نصب المعصوم في كل زمان إذ بيان اآليات ممن ال يحتمل أن يكون

كذلك ليس إال من المعصوم كما تقدم، فدل على ثبوته.الخامس عشر: قوله تعالى: (وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا

عليكم األنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور)فدل على ثبوت قوم كذلك ال يعلم باطنهم إال الله تعالى ألنه من باب الغيب

وقد حذر عن اتباع من يمكن منه ذلك وغير المعصوم كذلك فال يجوز اتباعه،واإلمام يجب اتباعه.

السادس عشر: قوله تعالى: (ليس لك من األمر شئ) فاألولى أنال يكون للرعية نصب اإلمام بل يكون إلى الله تعالى ويستحيل منه نصب غيرالمعصوم واألمر بطاعته في كل ما يأمر به وإال أمكن اجتماع الضدين وحسن

--------------------(١) سبق أنه ال تالزم بين القيام باألمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمسارعة إلى الخيرات وبين

العصمة إذ يجوزان يفعل العادل عامال بذلك كله، نعم ال يجوز أن يفعل ذلك كما يريدهتعالى باألخذ عن غير المعصوم، فيتعين المعصوم وجوده في كل زمان.

(١١٨)

Page 122: Kitab Al-Alfain Arabic

القبيح في نفسه وقبح الحسن وهو محال.السابع عشر: قوله تعالى: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون)

واإلمام المعصوم لطف في هذا التكليف، وفعله موقوف عليه من جهة العلموالعمل كما تقدم تقريره فيجب وإال لناقض الغرض وهو على الحكيم محال.

الثامن عشر: قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنةعرضها السماوات واألرض أعدت للمتقين) إلى قوله: (والله يجب

المحسنين) واالستدالل بها من وجوه:األول: مراده من التكليف هذه الغاية، واإلمام المعصوم لطف فيه،

وفعله يتوقف عليه فيجب فعله وإال لناقض الغرض.الثاني: إن ذلك ال يعلم إال من اإلمام كما تقدم.

الثالث: إن خلقهم على جهة التكليف للتعريض للمنافع تفضل، وقدفعله الله تعالى، واللطف المقرب من ذلك بعد خلقهم على جهة التكليف،وتكليفهم أولى أن يفعله الله تعالى وهو المعصوم، وهل يتصور من الحكيم

تعالى التفضل بخلق الخلق وتكليفهم للتعريض للمنافع، وال يخلق لهماإلمام المعصوم الذي هو مقرب إلى ذلك ومبعد عن القوى الشهوية

والغضبية المبعدة عن ذلك الغالبة في أكثر األمور، وهذا ال يجوز في الحكمةوال يتصوره عاقل.

التاسع عشر: قوله تعالى: (ويتخذ منكم شهداء والله ال يحبالظالمين) هذا دليل على ثبوت المعصوم، إذ غيره ظالم والذي يتخذه الله

شاهدا له العدالة المطلقة التي هي العصمة، وبالجملة فهو غير الظالم أعني غيرالمعصوم، فيكون هو المعصوم (١).

--------------------(١) قدمنا سابقا أنه ال مالزمة بين عدم العصمة والظلم فال يلزم أن يكون الشهداء المعصومين

فحسب، ولكن أسلفنا أيضا إن الشهداء يجب أن يكونوا معصومين ال من ناحية مقابلةالشهداء للظالمين، ولكن من جهة أن الشهيد فوق المشهود عليه، ولو كان مثله في جميع

الجهات لما كان أولى بهذه المنزلة، ولو كان يجوز عليه الخطأ في الشهادة لما صح أن يجعلهالعليم سبحانه شهيدا، فال بد أن يكون معصوما لئال يخطئ في تحمل الشهادة وأدائها أمام

الله تعالى.

(١١٩)

Page 123: Kitab Al-Alfain Arabic

العشرون: قوله تعالى: (ومن يرد ثواب اآلخرة نؤته منها وسنجزيالشاكرين)

وجه االستدالل بها أنه بمجرد اإلرادة من دون فعل سبب الثوابال يحصل وهو ظاهر وإال لكان تفضال، فال يكون ثوابا، وال بد من طريق

يحصل به العلم بأسباب الثواب جزما، وكذلك ال بد من معرفة كيفية الشكروسببه، وإنما يحصل من المعصوم، وإذا تبين أن فعل الطاعات

موجب للثواب، والله داع إلى الثواب ومريد لحصوله من العباد فال بد منخلق المقرب والمبعد وهو المعصوم.

الحادي والعشرون: إن الله تعالى فاعل مختار ومتى تحققت القدرةوالداعي وجب الفعل (١) واالحسان المطلق إنما هو بفعل الطاعات واالمتناععن القبايح، والمعصوم لطف فيه محصل له ال يحصل بدونه كما تقدم، والله

يريد االحسان ويحبه لقوله تعالى: (والله يحب المحسنين) فدل على تأكداإلرادة له، وإنما يريد ذلك على سبيل اختيار المكلف، فيلزم أن يريد

األلطاف الموقوف عليها االحسان المطلق التي تقرب المكلف إليه وتبعده عنضده والتي ال تبلغ االلجاء، فيريد خلق المعصوم واألمر بطاعته لوجود القدرة

والداعي وانتفاء الصارف إذ هو مناف لإلرادة وقد تحقق انتفاء الصارف،وهو المطلوب (٢).

--------------------(١) وذلك لحصول المقتضي مع انتفاء الصارف عن الفعل وهوما يسمى بالمانع ومتى ما حصل

المقتضي وانتفى المانع كانت العلة عندئذ تامة، فال محالة من وجوب الفعل.(٢) وإيضاح ذلك أن نقول: إن الله عز شأنه يحب أن يكون عباده من أهل االحسان وعليه قوله

تعالى (والله يحب المحسنين) وأمثالها في الكتاب كثير وكمال االحسان بفعل الطاعاتواالمتناع عن القبايح، ومعرفة الطاعات والقبايح والقرب من األولى والبعد عن الثانية

موقوف على اإلمام المعصوم ألن الشريعة من الكتاب والسنة غير كافيين في ذلك الختالفالناس في مفادهما، ولما كان تعالى فاعال مختارا وهو القادر وقد حصل الداعي لخلق المقربالمبعد لطفا بعباده وحبا، ألن يكونوا من المحسنين ولم يكن هناك مانع من وجود هذا الطريق

وجب عليه تعالى فعله وهو تعالى يريد أن يكون االحسان من عباده على سبيل االختيار دونالجاء وإجبار، فإذا لم يخلق لهم المعصوم فماذا يصنع لهم ليبعدهم عن العصيان، ويقربهم

من الطاعة.

(١٢٠)

Page 124: Kitab Al-Alfain Arabic

الثاني والعشرون: قوله تعالى: (والله يحب الصادقين) وجهاالستدالل ما تقدم (١).

الثالث والعشرون: قوله تعالى: (بل الله موالكم وهو خيرالناصرين) المراد فاعل لمصالحكم ومرشد لكم وإنما يتم ذلك بخلق األلطاف

الموقوف عليها الفعل وهو المعصوم إذ غيره ربما يقرب من المعصية ويبعد عنالطاعة، وهو ضد اللطف وال يحصل الوقوف بقوله فتنتفي فائدة نصبه فتعين

المعصوم وهو المطلوب.الرابع والعشرون: قوله تعالى: (حتى إذا فشلتم وتنازعتم في األمر

وعصيتم من بعد ما أريكم ما تحبون) وجه االستدالل إنه ذم التنازعوالخذالن والعصيان وجعله سبب النار عدم المعصوم مؤد إلى ذلك وموجب

له (٢) والمعصوم من فعله تعالى فلو لم يخلقه لكان الله تعالى سببا في ذلك (٣)وهو قبيح، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وألنه لم يحسن حينئذ الذم لعدم

الطريق المفيد لليقين في كثير من األحوال واألحكام واألمارات والظنونمختلفة، وكان التكليف بعدم الخالف في ذلك التكليف ما ال يطاق.

الخامس والعشرون: قوله تعالى: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من--------------------

(١) وبيانه أن الصبر على الطاعة عن المعصية موقوف على معرفة الطاعة والمعصية وال يعلمان تماماإال من قبل المعصوم وال يبعد عن العصيان ويقرب إلى الطاعة الحقيقيين سواه.

(٢) كما نجد ذلك عيانا فإن الناس لما صفحوا عن المعصوم أصبحوا فرقا ومذاهب وطرائقمختلفة، ولو أطاعوا المعصوم لتمسكوا بحبله تعالى جميعا.

(٣) ألن هذا االختالف والتنازع يكون قهريا بدون المعصوم فإذا لم يخلق الله تعالى المعصوم لكانهو السبب في إيجاد ذلك بين عباده، وكيف عندئذ يذمهم عليه وهو السبب الموجد له، فإن

الناس ال محالة صائرون إليه لعدم الطريق المفيد لليقين في كثير من األحكام واألحوالوالتكليف بعدم الخالف عندئذ تكليف بما ال يطاق كما أشار إليه المصنف طاب ثراه.

(١٢١)

Page 125: Kitab Al-Alfain Arabic

يريد اآلخرة) وهذا الذي يريد اآلخرة ال بد له من طريق موصل يتيقنالوصول به وليس إال المعصوم فثبت.

السادس والعشرون: قوله تعالى: (والله ذو فضل على المؤمنين) وهوأما بالمنافع الدنيوية واألخروية أو هما ال جايز، األول إذ هو محتقر بالنسبة إلى

األخروي فال يجوز االمتنان بالفاني المحتقر مع إمكان الدائم العظيم فتحققأحد القسمين اآلخرين فال يتم لهم ذلك إال باللطف المقرب المبعد الذي هو

المعصوم فثبت به وإال لم يحسن االمتنان.السابع والعشرون: قوله تعالى: (يقولون هل لنا من األمر من شئ

قل إن األمر كله لله) وجه االستدالل إن هذا يدل على أن ليس لهم أمر والحكم في شئ مطلقا، بل الكل لله تعالى، فال يجوز أن يكون نصب اإلمام

مستند إليهم، ألنه من أعظم األمور وأتمها وأهمها، وعليه تبنى المصالحالدينية، فيكون إلى الله تعالى والله تعالى ال يجوز أن يجعل غير المعصوم ألنه

قبيح لما تقدم والله تعالى ال يفعل القبيح، وألنه لو أمر بطاعته في جميع أوامرهوهو يمكن أن يأمر بما يريد وبما سنح في خاطره وقد وقع مثل ذلك، فلو أمرالله به لزم أن يكون له من األمر شئ، لكنه منفي وإن كان مما يعرف المكلف

إنه صواب لزم إفحامه فال حاجة إلى نصبه.الثامن والعشرون: علة السبب علة المسبب، فلو كان نصب اإلمام من

فعلهم لكان جميع األوامر والنواهي واألحكام الصادرة منه من فعلهم (١) فثبتنقيض السالبة التي حكم الله تعالى بصدقها وهذا خلف.

التاسع والعشرون: قوله تعالى: (لكيال تحزنوا على ما فاتكم وال ماأصابكم) وفي موضع آخر (وال تفرحوا بما آتاكم) أي من أمور الدنيا،

وهذا المراد موقوف على المعصوم إذ هو أشد التكاليف، فال يحصل إال--------------------

(١) ال مالزمة بين نصبه وبين األوامر والنواهي، فقد يقال: إنما تنصبه األمة ألن يحفظ الشرعويعمل بأوامر الله تعالى ونواهيه، وإنما اإلشكال عليه أنه ال يحصل بغير المعصوم حفظ الشرع

وال العمل بأوامره سبحانه ونواهيه لجواز مخالفته هما في أمره وعمل.

(١٢٢)

Page 126: Kitab Al-Alfain Arabic

المعصوم وبه لما تقدم من التقرير فدل على ثبوته.الثالثون: قوله تعالى: (يخفون في أنفسهم ما ال يبدون لك) هذه

صفة ذم يقتضي عدم جواز اتباع من يمكن منه ذلك وهو غير المعصوم.الحادي والثالثون: قوله تعالى: (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم

لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) وجه االستبدال به أن نقول القتل فيسبيل الله بالجهاد على نية أوامر الله تعالى ونواهيه، وذلك ال يتم إال باإلمام

المعصوم، إذ ال يتيقن دعاءه إلى الله تعالى إال إذا كان معصوما (١).الثاني والثالثون: قبول قول غير المعصوم إلقاء باليد إلى التهلكة (٢)

خصوصا في الجهاد، فال يجب وكل إمام يجب امتثال دعاءه إلى الجهاد وقبولقوله فال شئ من غير المعصوم بإمام.

الثالث والثالثون: غير المعصوم ال يجوز القتال بقوله وال امتثال أوامرهفي الشرع ونواهيه مع عدم تيقن صوابها بطريق غير قوله، وكل إمام يجب

القتال بقوله ويجب امتثال أوامره ونواهيه في الشرع، ومنه يعلم صواب بيانهوخطابه ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام أما الصغرى فألن االلقاء باليد

إلى التهلكة منهي عنه قطعا وامتثال أوامر غير المعصوم في القتال، وغيره اليعلم أنه في سبيل الله وال صوابه والمقطوع به مقدم على المضنون (٣) وأما

الكبرى فألن فائدة نصب اإلمام الجهاد، وهذا األمر العظيم الذي وعد اللهعليه من الثواب، ما وعد إذا لم يتوله اإلمام فما فائدته، واإلمام حافظ

للشرع، فإذا لم يجزم بقوله فما فائدته.الرابع والثالثون: قوله تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت

--------------------(١) يجوز أن يكون دعاء غير المعصوم لله تعالى لكن اإلصابة ال تتيقين إال من المعصوم.

(٢) ال على سبيل اليقين بل على سبيل الجواز فإنه قد تكون النجاة مع غير المعصوم ولكن من أيننحرزها يقينا.

(٣) هذا فيما لو علم وجود المعصوم، فإنه عندئذ يكون قوله في قبال قول غير المعصوم من المقطوعبه والمظنون إال أن ذلك هو محل الكالم ومورد البرهان واالستدالل.

(١٢٣)

Page 127: Kitab Al-Alfain Arabic

فظا غليظ القلب النفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فياألمر) هذا يدل على الرحمة التامة واللطف العظيم بالعباد وإرادة مصالحهم

والشفقة عليهم من الله تعالى وأمر النبي صلى الله عليه وآله بمثلذلك، وال شئ من الشفقة والرحمة كنصب اإلمام المعصوم المقرب إلى

الطاعات يقينا والمبعد عن المعاصي جزما، وبه يحصل النعيم المؤبدوالخالص من العذاب السرمد فهل يجوز من مصدر هذه الرحمة والشفقة

إهماله وعدم نصبه، وهل يجوز من النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أمرهبمثل هذه الشفقة التامة والرحمة العامة عدم الوصية وعدم نصب المعصوم

وإهمال هذا مع هذه الرحمة والشفقة مما ال يجتمعان.والثاني: ثابت فينتفي األول ال يقال هذا من باب الخطأ بيات والمسألة

علمية برهانية ألنها أهم المصالح وبها يتم نظام العالم، ألنا نقول: بل هيبرهانية من باب التنبيه باألدنى على األعلى فإن اللين لهم واالستغفار والعفوعنهم واستعمال التواضع واألخالق الحميدة معهم ليس في اللطف المقرب

والمبعد كالمعصوم فإن المعصوم أصل وهذا زيادة وفضل يستحيل من الحكيمقصد اللطف، وأن يأتي بما هو مهم في هذا المعنى ويخل باألصل بل هذا

الخطاب اإللهي برهان لمي وبرهان أني (١) ألن إثبات الرحمة التامة والفضلالعظيم وإرادة المنافع علة في نصب اإلمام المعصوم الذي قد بينا وجوبه وألنه

أثبت أحد معلولي الرحمة والشفقة وإرادة التقريب من الطاعة والتبعيد عنالمعصية، فثبت اآلخر الذي هو نصب اإلمام المعصوم الذي ال يتم فائدة

ذلك إال به، ال يقال: فرق بين الحسن والقبيح فإن فاعل الحسن لحسنه اليلزم منه أن يأتي بكل حسن وتارك القبيح لقبحه يلزم منه ترك كل قبح فإن

أكل الرمان لحموضته ال يلزم منه أكل كل حامض بخالف تاركه لحموضته بلقد وقع في الثاني نزاع بين المتكلمين ولهذا اختلفوا في صحة التوبة عن قبيح

--------------------(١) البرهان اللمي ما كان االنتقال فيه من المعلول إلى العلة واألني ما كان االنتقال فيه من العلة

إلى المعلول، والخطاب اإللهي هاهنا جمعهما معا من ثم أفاض طاب ثراه في بيان ذلك مناألمرين.

(١٢٤)

Page 128: Kitab Al-Alfain Arabic

دون قبيح واألول أولى والله تعالى فعل ذلك وأمر به لحسنه فال يلزم فعلكل حسن من هذا النوع فال يلزم من ذلك نصب اإلمام المعصوم ألنا نقول:بل يلزم هذا، فإنه إذا فعل الحسن لحسنه الذي هو غير واجب لزم منه فعل

الواجب، والله تعالى حكيم، وقد بينا وجوب نصب اإلمام عليه، وهذهاألمور من باب األصلح، وقد فعلها مع حكمته وعنايته وترك الواجب،

وهذا محال صدوره من حكيم حكمته ال تتناهى وأيضا فإنه إذا فعل الحكيم فيالغاية العالم بكل المعلومات القادر على كل المقدورات أمرا لغرض كهدي فعله

للتقريب والتبعيد وهو ليس بعام وال يحصل منه ما يحصل من المعصوم وهوعام ويحصل منه ما يحصل من هذا، وهذا موقوف على المعصوم أيضا وجب

في الحكمة أن يفعل نصب المعصوم أيضا وهو المطلوب فإن الحكيم إذا قصدتحصيل غرض فعل ما يتوقف عليه قطعا (١).

الخامس والثالثون: إن هذه المنافع، وهذا الشفقة وهو دعاء الرسولبلين وعفوه واستغفاره أمر عظيم ورحمة تامة ال يجوز تخصيص البعض بها

دون البعض فيجب ذلك في كل عصر، ويستحيل من الرسول ألنه خاتماألنبياء، فال يأتي نبي غيره ولم يحصل البقاء في الدنيا، فال بد من قائم مقامه

متيقن متابعته له في أفعاله عليه السالم وليس ذلك إال المعصوم فيجب في كلعصر (٢).

--------------------(١) ولو جاز إهمال نصب اإلمام مع حسنه بل مع كونه أحسن لجاز إهمال بعثة النبي، فإن بعثة

األنبياء ما كانت إال من ناحية الرأفة والرحمة واللطف والعلة واحدة في الجميع، فكيف يصحاستعمالها في النبي وإهمالها في اإلمام مع أن الحاجة من البشر واحدة والداعي من قبله عز

شأنه واحد.على أنه ال يمكن التفكيك بين األمرين مع االعتراف بأن وجود المعصوم أقرب إلى طاعة الناس

وأبعد عن معاصيهم فإنه سبحانه يختار في كل أمر ما هو األصلح لعباده، فلماذا يهملاألصلح هاهنا وهو تقريبهم من الطاعة وتبعيدهم عن المعصية.

(٢) ولو قيل: إن القائم مقامه شريعته الكتاب والسنة لقلنا قد سبق الجواب عن ذلك بأنهما غيركافيين في بيان كل ما يحتاج إليه الناس وما يتولد من شؤون لم يصرحا بها، هذا مع أنداللتها محل للتنازع والخالف بين األمة، وبقول من يؤخذ وعلى رأي من يعتمد على أن

الرسول صلى الله عليه وآله مصلح ناطق والكتاب والسنة مصلح صامت وال يغني الصامت عن الناطقفال بد من المصلح الناطق في كل زمان ألن الخلق كلهم شرع سواء في العطف واللطف

والشفقة والرحمة من الخالف اللطيف فكيف يخص زمنا وجيال دون األزمنة واألجيال األخرىبعطفه ولطفه وهو اللطيف الرحيم في كل عهد مع كل جيل.

(١٢٥)

Page 129: Kitab Al-Alfain Arabic

السادس والثالثون: قوله تعالى: (إن الله يحب المتوكلين) وجهاالستدالل به أن نقول النفس الناطقة لها قوتان نظرية وعملية، ولها في كل

منهما مراتب في الكمال والنقصان، أما النظرية فمراتبها أربع:األولى: العقل الهيوالني وهو الذي من شأنه االستعداد المحض.

الثانية: العقل بالملكة وهو الذي من شأنه إدراك المعقوالت األولية،أعني البديهية والعلوم الضرورية.

الثالثة: العقل بالفعل وهو الذي من شأنه إدراك المعقوالت الثانية،أعني العلوم الكسبية.

الرابعة: العقل المستفاد وهو حصول العقول اليقينية والعلوم مشاهدةعندها كالصورة في المرآة وهي غاية الكمال في هذه القوة إليه أشار أمير

المؤمنين علي عليه السالم بقوله: " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ".وأما العملية، فأولها: تهذيب الظاهر باستعمال الشرايع النبوية

والنواميس اإللهية.وثانيها: تزكية الباطن من الملكات الردية.

وثالثها: تحلية السر بالصورة القدسية والتوكل ال يحصل إال بهذه وذلكموقوف على المعصوم، ألنه اللطف المقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعصية

الموقوف عليه فعل المكلف به فيجب إذ صحة التوكل بدون فعل ما هوموقوف عليه وهو من فعله وال يمكن من غيره يستلزم فعله من الحكيم قطعا،

فثبت اإلمام المعصوم (١).--------------------

(١) ما ذكره طاب ثراه مبني على أسس فلسفية وأخرى أخالقية وهذه وإن صحت إال أنها أشبهشئ بالطرق البعيدة فاألحرى أن نقول في تقريب داللة اآلية على المطلوب، أن التوكل عليهالمحبوب لديه ال نعرفه إال من طريق المعصوم، فإنه مهما أرشدنا أحد إلى التوكل، ومهما

عملنا شيئا بحسبان أنه التوكل المحبوب ال نجزم بأنه التوكل المحبوب لديه، ولما أن أخبرتعالى وجوده بأنه يحب المتوكلين عرفنا أنه نصب طريقا يعرفننا كيف التوكل الموصل إلى محبوبيته

تعالى وإال كيف يحب المتوكلين والناس ال تعرف التوكل الصحيح الذي يحببهم إليه فإنه عزشأنه ما ترك حجة عليه بل له الحجة البالغة على خلقه، فال طريق لنا إذن إلى التوكل الموصل

إلى محبوبيته تعالى إال المعصوم فيجب، ولما إن كان ذلك في كل زمان وجب المعصوم في كلزمان.

(١٢٦)

Page 130: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع والثالثون: التوكل ال يحصل إال بثالثة أشياء:األول: تنحية ما دون الحق عن يسير االيثار.

الثاني: تطويع النفس األمارة للنفس المطمئنة لتجذب قوى التخيلوالوهم إلى التوهمات المناسبة لألمر القدسي منصرفة عن التوهمات المناسبة

لألمر السفلي.الثالث: تلطيف السر للتنبيه أي تهيئته ألن يتمثل فيه الصور العقلية

بسرعة وألن ينفعل عن األمور اإللهية، وأنما يحصل األول بالزهد الحقيقيالمقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعصية، وذلك ال يتم إال بالمعصوم كما تقدم

وإنما يحصل الثاني بثالثة أشياء.األول: بالعبادة المشفوعة بالذكر والفكر في الله تعالى ألن العبادة تجعلالبدن بكليته متابعا للنفس، فإذا كان مع ذلك، النفس متوجهة إلى جناب

الحق بالفكر صار اإلنسان بكليته مقبال على الحق وإال فصارت العبادة سبباللشقاوة كما قال الله تعالى: (" فويل للمصلين " " الذين هم عن صالتهم

ساهون ") وبالعبادة تنجز النفس من جناب الغرور إلى جناب الحق.الثاني: بالوعد والوعيد وبالزجر والمؤاخذة على فعل المعاصي والمدح علىفعل الطاعات والتقرير، وذلك ال يحصل إال بالمعصوم، فإن غيره ال تسكن

النفس إليه وال يحصل االعتماد عليه فال يحصل الغرض منه بل معاصيهوخطأه منفر عظيم عن قبول قوله فيحصل ضد الغرض.

(١٢٧)

Page 131: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث: الكالم المفيد للتصديق بما ينبغي أن يفعل وعماذا ينزه منشخص تسكن النفس إليه ليجعلها غالبة على القوى وال يحصل سكون النفسواعتمادها وتصديقها اليقيني الذي يجعلها غالبة على القوى إال إذا كان زكيا

يعلم منه الصدق يقينا ويعلم منه عدم صدور ذنب منه، فإن وعظ من اليتعظ ال ينجع ألن فعله يكذب قوله، وذلك ليس إال المعصوم وإنما يحصل

األول بشيئين:األول: الفكر اللطيف.

الثاني: جعل النفس لهيبة الله ذات خشوع ورقة منقطعة عن الشواغلالدنيوية معرضة عما سوى الحق جاعلة جميع الهموم هما واحدا وهو طلب وجه

الله تعالى ال غير وهذا ال يحصل إال بمعرفة طريقة يقينا وليس ذلك إال منالمعصوم كما تقدم من التقرير، فقد ثبت االحتياج إلى المعصوم في هذه

المراتب كلها إذا تقرر ذلك فنقول: قد وجد من الله تعالى القادر على جميعالمقدورات العالم بجميع المعلومات إرادة التوكل فيريد ما يتوقف عليه ألنإرادة المشروط تستلزم إرادة الشرط، مع العلم بالتوقف واستحالة المناقضة

فيجب نصب المعصوم في كل زمان لوجود القدرة والداعي وانتفاء الصارففيجب وجود الفعل (١).

--------------------(١) قد أوضحنا في التعليقة السابقة إن التوكل كما يريده الله تعالى ويحبه ال نحيط به وال نتعرفه

بدون وساطة المعصوم، هذا في ظاهر التوكل وبساطته وأما لو أخذناه على مراتبه العليةومقامه األسمى كما أشار إليه طاب ثراه، فهو أحرى أن نجهله وال نفهمه، وال تقول إنه هو

بدون إرشاد المعصوم وداللته، فإن هاتيك الفضائل العالية التي يتحلى المرء بها وتدنيه منجناب القدس وتبعده عن الرذائل السافلة التي يطرد بها عن حظيرة القدس ويجب أن يتخلى

عنها هي أحرى وأولى أن ال تعلم إال من طريق المعصوم، ومن أين للبشر معرفة تلكالمراتب وقطع هاتيك المراحل التي تزل فيها األقدام، وفيها الهوى إلى الحضيض األسفل إنزلت القدم، فإن كل من أراد أن يرقى إلى هاتيك المعارج ال يحرز إنه ارتقى ووصل والغيب

محجوب عنه ولعله يهبط إلى الحضيض وهو يزعم أنه يصعد إلى الرفيق األعلى ومن الذي دلهعلى صوابه وأيقن بوصوله إذا لم يكن الدليل المرشد معصوما فعسى أن يكون المرشد والمسترشد في

خطأ، والذي يشهد للخطأ الملموس ادعاء المرشدية من الكثيرين وتخالفهم في الطريقةواختالفهم دليل على خطأ الجميع بدون استثناء أو باستثناء طريقة واحدة من بينها إن صح

االستثناء فكل طريقة نمر عليها يحتمل فيها الخطأ، فمن أين نجزم بإصابة المحق من التوكلوغيره باتباع هذه الطرق، فإذا اعتقدنا أنه عز شأنه يريد إصابة أحكامه وتنزيه عباده عن

الرذائل وتزيينهم بالفضائل اعتقدنا أنه نصب لك الدليل المرشد المصيب وما هو إال المعصوم،فإذا كان كذلك شأنه مع عباده في كل زمان فقد نصب لهم ذلك الدليل في كل زمان.

(١٢٨)

Page 132: Kitab Al-Alfain Arabic

الثامن والثالثون: اعلم أن القوة الحيوانية التي هي مبدأ اإلدراكاتواألفاعيل الحيوانية في اإلنسان إذا لم يكن لها طاعة القوة العقلية ملكة كانتبمنزلة بهيمة غير مرتاضة تدعوها شهوتها تارة وغضبها تارة إلى لذائذ تهيجها

القوة المتخيلة والمتوهمة بشيئين.األول: ما يتذاكرانه.

الثاني: ما يتأدى إليهما من الحواس تارة الظاهرة إلى ما يالئمها، وتارةما ال يالئهما فتتحرك إليه حركات مختلفة حيوانية بحسب تلك الدواعي

وتستخدم القوة العاقلة في تحصيل مراداتها فتكون هي إمارة تصدر عنها أفعالمختلفة المبادئ والعقلية مؤتمرة عن كره مضطربة، أما إذا منعتها القوى

العقلية عن التخيالت والتوهمات واإلحساسات واألفاعيل المثيرة للشهوةوالغضب وأجبرتها على ما يقتضيه العقل العملي بحيث صارت تأتمر بأمره

وتنتهي بنهيه، وال يصدر منها ما تقتضيه القوة الغضبية والشهوية منالفساد كانت العقلية مطمئنة ال يصدر عنها أفعال مختلفة المبادئ، وباقي القوى

بأسرها مؤتمرة ومسالمة لها، وبين الحالتين حاالت بحسب استيالء إحديهما علىاألخرى تتبع الحيوانية فيها أحيانا هواها عاصية للعاقلة، ثم تندم فتلوم

نفسها وتكون لوامة، وقد جاء في القرآن الحكيم تسمية هذه النفس بهذهاألسامي إذا عرفت ذلك فنقول قد ظهر مما تحقق أن النفس المطمئنة هي التي

ال يصدر منها ذنب أصال والبتة واعتقاداتها صحيحة يقينية من باب العقلالمستفاد فيجب أن تكون نفس اإلمام من هذه، ألن هذا القسم موجود،

وقد جاء التنزيل به فيستحيل أن يكون غير اإلمام مع وجوده وألن اإلمام فيكل عصر واحد خصوصا في غير المعصوم وفائدة اإلمام منع النفسين اآلخرين

(١٢٩)

Page 133: Kitab Al-Alfain Arabic

عن متابعة القوى الحيوانية وحملهما على مطاوعتهما للقوة العقلية والعملية فيكل وقت فلو كانت نفسه من إحدى النفسين أما األولى والثانية لكان في حالغلبة القوى الحيوانية على نفسه ال يحمل النفسين اآلخرين على مطاوعة القوةالعقلية فيخلو ذلك الزمان عن فائدة اإلمام وهو يناقض ما ذكرناه من وجوب

حصول فائدته في كل زمان الستحالة الترجيح من غير مرجح ووجود المقتضيفي كل وقت وأيضا فإن هذا ليس في زمان واحد بل في أزمنة متعددة وإذا جاز

خلوها عن فائدة اإلمام وغايته جاز خلوها عن اإلمام إذ انتفاء غاية الشئيوجب تجويز انتفائه، فيجوز في كل زمان الستحالة الترجيح من غير مرجحهذا خلف فيجب أن تكون نفس اإلمام من القسم الثاني فيكون معصوما وهو

المطلوب.التاسع والثالثون: رياضة النفس نهيها عن هواها وأمرها بطاعة موالها

وأكملها منع النفس عن االلتفات إلى ما سوى الحق تعالى ورضا الله عز وجلفي جميع األحوال والعقود واألحوال واألقوال وحملها على التوجه إلى الله تعالى

ليصير االقبال عليه واالنقطاع عما دونه ملكة لها، ولما كان اإلمام حامالللناس على األول وجب أن تكون هذه الرياضة التي هي أكمل الرياضات له

وتلك هي العصمة.األربعون: العلة (١) في العدم إنما هو عدم العلة واختالل نظام النوع إنماهو معلول لعدم العصمة، فيكون نظامه وصالحه إنما هو بالعصمة، لكناإلمام هو الناظم للنوع والحافظ الختالله والمصلح له، فيلزم أن يكون

معصوما:أما األول: فقد تقرر في علم الكالم.

وأما الثاني: فألن اختالل نظام النوع يحصل به ألن اإلنسان مدنيبالطبع ال يستقل بأمور معاشه وحده بل ال بد من معاون فيحتاج إلى

--------------------(١) أي عدم العلة للوجود فإذا لم تحصل علة الوجود كان ذلك العلة في العدم.

(١٣٠)

Page 134: Kitab Al-Alfain Arabic

االجتماع وتدعو القوة الشهوية والغضبية إلى الجور على غيره فيقع بذلكالهرج والمرج ويختل أمر االجتماع وال يكفي تقرير الشرايع فإن ضعفاء العقول

يستحقرون اختالل النافع لهم عند استيالء الشوق عليهم إلى ما يحتاجونإليه بحسب الشخص فيقدمون على مخالفة الشرع وإهمال الثواب واستسهال

العقاب األخروي فنظامه وصالحه إنما هو من أهل العصمة وهو المطلوب.وأما الثالث: فألن فائدة اإلمام ذلك وألنه إلى الرئيس ال إلى غيره،

وهذا أمر ظاهر.الحادي واألربعون: اللذات منها حيوانية ومنها عقلية، أما الحيوانية

فكما يتعلق بالقوة الشهوية كتكيف العضو الذايق بكيفية الحالوة وسواء كانتعن مادة خارجية أو حادثة في العضو عن سبب خارج، وكما يتعلق بالقوى

الغضبية كتكيف النفس الحيوانية يتصور غلبة ما أو يتصور أذى حلبالمغصوب عليه، وكما يتعلق بالقوى الباطنة كتكيف الوهم بصورة شئيرجوه أو بصورة شئ يتذكره وكذلك في سائرها، وهذه كلها خياالت

حيوانية مختلفة وإدراكات حيوانية متفاوتة يتبعها اللذات بحسبهما، والجوهرالعاقل له أيضا كمال ولذات وهوان يتمثل فيه ما

يسبقه من الحق األول بقدرما يستطيعه ألن يعقل األول على ما هو عليه غير ممكن للبشر بل لغير الله تعالى

ثم ما يتعقله من صور مخلوقاته وأفعاله العجيبة أعني الوجود كله تمثال يقينياخاليا عن شوايب الظنون واألوهام، فإذا عرفت ذلك فنقول إن النفوس

البشرية أكثرها مصروفة إلى تحصيل اللذات الحسية الحيوانية أكثرها بل بعضهامستغرقة أوقاتها، ثم بعضها محرم وبعضها مباح، والمباح منها أنما أبيح على

جهة العدل بحيث ال يقع نزاع ويخرب النظام وال يكفي الوعد باللذاتواآلالم اآلجلة، فإن كثيرا من الجهال يستسهل ذلك في تحصيل مرامه، فال

بد من رئيس في كل عصر يلزم النفوس البشرية عدم تعدي العدل والوسط فيهذه اللذات ويقرب من اللذات العقلية وال بد أن يكون موثوقا من نفسه بأن

ال يتعدى العدل وال يأخذ من المالذ إال ما أبيح لها ال غير وإال لكان سببالتجري النفوس الباقية على ما ال يحسن وال يجوز االقتداء بالمعتدي وقد يتوقف

(١٣١)

Page 135: Kitab Al-Alfain Arabic

بلوغ لذاته على ذلك فيسامح ويجوز فتنتفي فائدته.الثاني واألربعون: كل قوة تشتاق إلى كماالتها المستتبعة للذاتها وتتألم

بحصول أضداد تلك الكماالت، والنفس اإلنسانية قد ال تشتاق إلى حصولكماالتها وال تتألم بحصول أضدادها، وذلك فوات لطف عظيم ومنافع ال

تقاس بشئ غيرها وسبب فقدان االشتياق وعدم التألم بالجهل اشتغال النفسبالمالذ الحسية وإهمالها الشرايع اإللهية، فال لطف أهم من المقرب إليها والمبعد

عن أضدادها إذا كانت موجودة كانت النفس مشتغلة بها فلم يحصل لها داعإلى الكماالت وال التفات إليها لكنه مطلوب لله تعالى فيجب نصب اإلمام

وإال لزم نقض الغرض.الثالث واألربعون: فوات السعادة األخروية الحاصلة من امتثال األوامر

اإللهية واالمتناع عن النواهي الربانية، وفوات الثواب المؤبد يكون أما ألمرعدمي كنقصان غريزة العقل أو وجودي كوجود األمور المضادة للكماالت فيها

وهي أما راسخة وغير راسخة، وكل واحد منهما أما بحسب القوة النظرية،وأما بحسب القوة العملية، فتصير ستة أقسام:

األول: ما يكون بحسب نقصان الغريزة في القوة النظرية.الثاني: ما يكون بحسبها في القوة العملية وال يكون بسبب ذلك

عذاب.الثالث: ما يكون لوجود أمور مضادة راسخة بحسب القوة النظرية وهو

يكون سببا للعذاب األخروي.الرابع: ما يكون بسبب وجوده أمور مضادة غير راسخة في القوة

النظرية.الخامس: األمور الراسخة في القوة العملية.

السادس: غير الراسخة بحسب القوة العملية فأسباب فوات الثواب أو حصولالعذاب األخروي منحصرة في هذه الستة، وال فعل لإلمام في األولين بل هو

(١٣٢)

Page 136: Kitab Al-Alfain Arabic

لطف في زوال األربعة الباقية، فال بد وأن ال يكون متصفا في وقت ما بشئمنها وإال لم يكن لطفا في زوالها إذ مثل الشئ ال يكون علة في عدمه، وذلك

هو المعصوم فإن اآلخر إنما يكون بوساطة غواش غريبة عارضة مغارفة الذنوبتفعل في بعض الوقت فإذا تنزه عن الكل ذاته دائما ثبت العصمة.الرابع واألربعون: اإلمام الذي هو المقرب إلى السعادة األخروية

والنعيم المؤبد والمبعد عن استحقاق العقاب األخروي مطلقا سواء كان دائماأو غير دائم ال بد أن يكون كامال بحسب القوة النظرية وبحسب القوة

العملية الكمال المطلق الذي يمكن للبشر فإنه لو كان ناقصا في إحديهما لميحصل للتقريب والتبعيد المذكورين لجواز تقريبه مما ينبغي تبعيده عنه وتبعيدهعما ينبغي تقريبه منه والكامل فيهما هو المعصوم إذ غيره ناقص فيمكن وجود

أكمل منه، فال يكون قد حصل له الكمال المطلق الممكن للبشر.الخامس واألربعون: اإلمام يجب أن تكون نفسه لها ملكة التجرد عن

العالئق الجسمانية والشواغل البدنية واللذات الحيوانية بحيث ال يلتفت إليهاوال يشتغل بتحصيلها بل ما حصل منها من المباح له ال يكترث به، وإلى ذلك

أشار الله تعالى بقوله: (وما الحياة الدنيا إال متاع الغرور) وقال أميرالمؤمنين عليه السالم مخاطبا للدنيا " أبي تعرضت أم إلى تشوقت طلقتك

ثالثا " ونفسه متنقشة بالكمال األعلى وحصل لها اللذة العليا إذ الداعي منجهة الله إلى ذلك والمنفر للخلق عن جميع ما يبعده عن الله تعالى على حسبما أمر الله تعالى به من التحريم والكراهة والحث على األفعال المقربة من هذا

كالواجبات والمندوبات وإباحة ما ال يبعد وال يقرب لو لم يكن كذلك لم يصلحلذلك وهو ظاهر، وإذا تقرر فنقول يجب أن يكون معصوما ألنه عالم بقبحالقبيح، وبقبح ترك الواجب ومستغن عنه ال يتصور فيه حاجز القوة الشوقية

والجسمانية، وال الجهل لكماله في القوتين، وإذا انتفي الداعي وثبتالصارف امتنع منه فعل القبيح وترك الواجب، وهي العصمة وهو المطلوب.

السادس األربعون: اعلم أن الناس طرفان وواسطة، األول الفاجرالجاهل بالله تعالى من كل وجه، الذي ال يخشى الله من كل وجه.

(١٣٣)

Page 137: Kitab Al-Alfain Arabic

الثاني: المعصوم الذي ال يخل بواجب وال يفعل قبيحا ويكون عالما باللهتعالى على أنهى ما يكون للبشر علمه ويكون أخشى الخلق لله تعالى، فيكون

أكمل الخلق في ثالثة، األول: علمه، الثاني: خشيته، الثالث: فعله -المراتب بينهما وال تتناهى بعضها يكون أقرب إلى األول، وبعضها أقرب إلىالثاني، والمحتاج إلى اإلمام للتقريب والتبعيد األول والثالث، وأما الثاني فقد

يحتاج إلى تعريف األحكام كاحتياج الحسن والحسين عليهما السالم إلى عليأمير المؤمنين في روايتهما ونقلهما إذا تقرر ذلك، فنقول: اإلمام يجب أن يكون

من الثاني، ألنه يحتاج إلى إمام آخر وإال لزم التسلسل، واألول والثالثمحتاجان فال يجوز أن يكون منهما.

السابع واألربعون: اإلمام أفضل من رعيته من كل وجه، وال شئمن غير المعصوم أفضل من كل واحد ومن الكل من كل وجه فال شئ من

اإلمام بغير معصوم أما الصغرى فلما يأتي، وأما الكبرى فألن كل غيرمعصوم غير بالغ في الكمال إلى طرف النهاية الممكنة للبشر، فيمكن أن يكون من

هو أكمل منه بل يوجد أكمل منه في شئ ما ألنه في حال ما ال بد وأن يكونفي قوته العملية أو العلمية، وفي تلك الحال ال يجب موافقة الكل له في ذلكالنقصان فيجوز أن يكون بعضهم في تلك الحال لم يوجد منه سبب النقصان

قطعا، فيكون أكمل منه من وجه، وهو يناقض الكلية.الثامن واألربعون: اإلمام قادر على ترك القبيح ولم يوجد داعي الفعلمنه ووجد الصارف فامتنع منه، أما األول: فظاهر وإال لم يكن مكلفابترك فال يكون قبيحا، وأما الثاني: فألن الداعي هو تصور كمال في

الفعل، أما للقوة الشهوية أو للقوة الغضبية أو للقوة الوهمية أو الجسمانية،وقد بينا أنه يجب أن يكون مجردا عن هذه األشياء قليل المباالة بها ال التفات

له إليها البتة. وأما وجود الصارف فألنه عالم بقبحه، ويعلم ما يستحق عليهمن الذم والعقاب، ألنه يجب أن يكون عالما بجميع القبايح ألنه المبعد عنهاوألنه أعلم الناس بالله عز وجل لما تقدم، وألنه الداعي للكل إليه وال يدعو

إلى الشئ إال األعلم به الستحالة العكس، وقال الله تعالى: (إنما يخشى

(١٣٤)

Page 138: Kitab Al-Alfain Arabic

الله من عبادة العلماء) والخشية التامة صارف عظيم، فإذا انتفى الداعيووجد الصارف امتنع الفعل، وهذا معنى العصمة.

التاسع واألربعون: الناس في العلم بالله وحضورهم وعدم اشتغالهم عنالجانب اإللهي على ثالثة أقسام:

األول: الذي ال شعور له وال حضور.الثاني: الذي له الشعور التام للبشر أي الذي يمكن له ال في نفس

األمر، فإن ذلك ال يكون إال لله تعالى والحضور التام الممكن للبشر، وهذاهو صاحب المحبة المفرطة لله تعالى المتلذذ بإدراكه في غاية اللذة الممكنة

للبشر، ولذته به أعظم اللذات ألن اللذات تتفاوت في القوة والضعفبحسب إدراكه المؤثر من حيث هو مؤثر والمؤثر إنما هو بحسب كماله فإذا

كان له الكمال الذي ال يتناهى كان مؤثر على جميع ما سواه فإذا كانتالمعرفة به أتم كانت اللذة به وبطاعته أقوى اللذات ويكون متنفرا عن

معصيته، غاية التنفر، فيكون ذلك معصوما قطعا.الثالث: المراتب بينهما وال تتناهى بحسب القرب من إحداهما والبعد عنه

والمحتاج إلى اإلمام إنما هو األول والثالث ألنه المفتقر إلى المعاون الخارجي علىطاعته والمبعد عن معصيته ويقرب من الثاني، فال يكون اإلمام منهما ألنهمستغن عن غيره وال شئ منهما مستغن عن غيره، فيكون من الثانية وهو

المطلوب، كما نقل من حال علي عليه السالم.الخمسون: اإلمام الذي له الرياسة العامة وحكم العالم بيده ال بد أن

تجتمع فيه أربعة أشياء:األول: أن يكون نفسه كاملة، وإن كانت في الظاهر ملتحفة بجالبيب

األبدان لكنها في نفس األمر قد خلعها وتجردت عن الشوائب وخلصت إلىالعالم القدسي.

الثاني: أن يكون لهم أمور خفية هي مشاهدتهم لما تعجز عن إدراكه

(١٣٥)

Page 139: Kitab Al-Alfain Arabic

األوهام وتكل عن شأنه األلسن وابتهاجاتهم بما ال عين رأت وال أذن سمعتكما قال الله تعالى: (فال تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين).

الثالث: أمور ظاهرة عنهم آثار كمال وإكمال تظهر من أقواله وأفعاله.الرابع: آيات تختص به من جملتها ما يعرف بالمعجزات والكرامات

كقلع باب خيبر وما ظهر من اآليات على يد أمير المؤمنين علي عليه السالموإخباره بالمغيبات وكذلك أخبار صاحب الزمان عليه السالم بذلك لدليل

إجمالي وتفصيلي فألنه مكمل للنفوس ومرقيها إلى هذه المراتب، فال بد أنيكون منها، وأما التفصيلي.

أما األول: فلئال يغتر بالذات الجسمانية والقوى الشهوية والغضبية واليلتفت إليها في حال ليتمكن من اعتماد العدل المطلق في جميع أحواله وإنما

احتاج إلى الثاني لتكون علومه من قبيل فطرية القياس المتسقة المنتظمة،فيعرف حكم الله تعالى في الوقايع جزما وليعلم الثواب والعقاب والمجازاةويتنفر خاطره عما يبعده عن أمور اآلخرة بالكلية ليكون مقربا إليها، وإنما

احتاج إلى الثالث ألن اإلمام هو الكامل المكمل وإنما احتيج إلى الرابع للعلمبصدقه وبعصمته وطاعة العالم له فإنهم لهذا أطوع إذا تقرر ذلك. فنقول:متى تحققت هذه األمور كان اإلمام معصوما قطعا ألن عدم العصمة أعني

صدور الذنب والخطأ، إنما هو لترجيح القوى الشهوانية واللذات الحسية علىاألمور العقلية، فال يكون قد حصل له األول فعدم العصمة من عدم هذه

األشياء، فإذا ثبتت هذه األشياء تثبت العصمة.(حكاية ومنام)

يقول محمد بن الحسن بن المطهر حيث وصل في ترتيب هذا الكتابوتبينه إلى هذا الدليل في حادي عشر جمادي اآلخر سنة ست وعشرين

وسبعمائة بحدود آذربايجان خطر لي أن هذا خطابي ال يصلح في المسائلالبرهانية، فتوقفت في كتابته فرأيت والدي عليه الرحمة تلك الليلة في المنام

(١٣٦)

Page 140: Kitab Al-Alfain Arabic

وقد سالني السلوان وصالحني األحزان، فبكيت بكاء شديدا وشكيت إليه منقلة المساعد وكثرة المعاند، وهجر اإلخوان وكثرة العدوان، وتواتر الكذب

والبهتان، حتى أوجب ذلك لي جالء عن األوطان، والهرب إلى أراضيآذربايجان، فقال لي: اقطع خطابك فقد قطعت نياط قلبي، وقد سلمتك

إلى الله فهو سند من ال سند له، وجاز في المسئ باالحسان فلك ملك عالمعادل قادر ال يهمل مثقال ذرة وعوض اآلخرة أحب إليك من عوض الدنيا

ومن أجرته إلى اآلخرة فهو أحسن وأنت أكسب أال ترضى بوصول أعواض لمتتعب فيها أعضاءك، ولم تكل بها قواك والله لو لم علم الظالم والمظلوم بخسارة

التجارة وربحها لكان الظلم عند المظلوم مترجي وعند الظالم متوقي دعالمبالغة في الحزن علي فإني قد بلغت من المنى أقصاها، ومن الدرجات

أعالها، ومن الغرف ذراها وأقلل من البكاء، فأنا مبالغ لك في الدعاء،فقلت: يا سيدي الدليل الحادي والخمسون بعد المائة من كتاب األلفين على

عصمة األئمة يعتريني فيه شك، فقال: لم، قلت: ألنه خطابي، فقال:بل برهاني، فإن إرادة الشئ تستلزم كراهة ضده وقوة الكراهة وضعفها من

حيث الضدية تابع لقوة اإلرادة وضعفها وكراهة الشئ منافية إلرادته،فيمتنع الفعل والتزام القوانين الشرعية، ومالزمة األفعال التي هي كمال القوةالعقلية مضادة لمتابعة القوى الشهوانية والغضبية على خالف العدل ألن تلك

تستلزم استحقاق المدح والثواب، وهذه تستلزم استحقاق الذم والعقابوتنافي اللوازم يستلزم تنافي الملزومات والداعي إلى فعل المعاصي إنما هو توهم

تكميل القوى البدنية الحيوانية، واإلمام حافظ للعدل مطلقا في جميع األحوالفإذا لم يحصل له ما قلنا كان له التفات ما إلى تكميل القوى البدنية، فاليحيط العدل في جميع األحوال فال يصلح لإلمامة، فإذا تجرد عن القوىالبدنية لم يحصل له إرادة إلى تكميل قواه بإبالغ القوة الشهوية والغضبية

والحسية مقتضاها، فال يريد المعاصي ومع حصول المشاهدات المذكورةيحصل له المواظبة على الطاعات والصارف عن المعاصي فتمتنع منه المعاصي،

وهذا هو العصمة والعلم بعصمة وحاله يحصل من الرابع وطاعته أيضا بهفيتعلق المآل وهو آثار الكمال والتكميل، وعند ذلك تتم فائدة اإلمام.

(١٣٧)

Page 141: Kitab Al-Alfain Arabic

اعلم يا ولدي أن وجود النبي لطف عظيم ورحمة تامة ال يعرفها أهلالدنيا ورحمة الله واسعة ال تختص بزمان دون زمان وال بأهل عصر دون عصر

آخر وال يحصل البقاء السرمدي للبشر في دار الدنيا، فال بد من وجودشخص قائم مقامه في كل عصر ولهذا قرن تعالى في: (يا أيها الذين آمنوا

أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) طاعته بطاعته فعليكبالتمسك بوالية األئمة االثني عشر فإنها الصراط المستقيم والدين القويم،

هذه وصيتي إليك والله خليفتي عليك، ثم تولى عني ماشيا فوددت لو قبضتنفسي ولم تفارقه لكن الحكم لله الواحد القهار.

الحادي والخمسون: اإلمام ال بد أن تجتمع فيه ثالثة أشياء:األول: اإلعراض عن الدنيا ولذاتها.

الثاني: المواظبة على فعل العبادات جميعها.الثالث: التصرف بفكرة إلى عالم الجبروت مستديما لبروق نور الحق في

سره ألنه طالب للحق وألمور اآلخرة وملزم للناس بها، فيلزمه اإلعراض عماسوى الحق تعالى ال سيما لما يشغله عن الطلب وهو لذات الدنيا وطيباتها

خصوصا المحرمة، ثم يقبل على ما يعتقد أنه يقربه من الحق وهو العبادات،وهذان كمال الزهد والعبادة وال بد من دوام تصوره تعالى إذا تقرر ذلكفنقول: هذا يدل على عصمة اإلمام عليه السالم للعلم الضروري بعصمة

من اجتمع فيه هذه األشياء.الثاني والخمسون: اإلمام يكون له حالتان، األولى: محبة الله تعالى

وهي راجعة إلى نفسه خاصة. الثانية: حركته في طلب القرب إليه وكالهمايتعلقان به تعالى لذاته وال يتعلقان بغيره لذات ذلك الغير بل إذا تعلقا بغير

الله تعالى، فألجل الله تعالى أيضا فهو يريد الله تعالى ومرضاته وال يؤثر شيئاعلى عرفانه ومرضاته وتعبده له فقط، وألنه مستحق للعبادة، وألنها نسبة

شريفة إليه ال لرغبة وال لرهبة كما قال أمير المؤمنين عليه السالم: " إلهي ماعبدتك شوقا إلى جنتك وال خوفا من نارك بل وجدتك أهال للعبادة فعبدتك "

(١٣٨)

Page 142: Kitab Al-Alfain Arabic

ألنه لو لم يكن كذلك لم يمكنه حفظ العدل المطلق في جميع األحوال واألزمان،وبالنسبة إلى كل األشخاص وإذا كان كذلك في كل أقواله وأحواله فهو

معصوم ال محالة ألن الحركة االختيارية تابعة للشوق واإلرادة، فإذا لم يؤثر ولميشتق في حال من األحوال إلى غير الله تعالى ومرضاته لم يصدر منه ذنب قط

فكان معصوما.الثالث والخمسون: الحركات االختيارية موقوفة على مبادئ أربعة مترتبة

االدراك، ثم الشوق المسمى بالشهوة أو الغضب، ثم العزم المسمى باإلرادةالجازمة ثم القوى المؤتمرة المثبتة في األعضاء، فنقول اإلمام له بالنسبة إلىالمعاصي، المبدء األول ألنه مكلف باجتنابه، فال بد من إدراكه، وله اآلخرأيضا وإال لم يكن قادرا، بقي الثاني والثالث فنقول: ال بد من العلم بانتفاء

الثالث عنه ألنه لو جوزناه عليه لجاز أمره به وال يوثق بأنه المقرب إلى الطاعةوالمبعد عن المعصية وال يعتمد على قوله فتنتفي فائدته، وإنما يعلم بانتفاء

الثالث عنه مع العلم بعصمته، والثاني منتف عنه أيضا ألنه يعرف ما يستحقعليها من العقاب ويستحقر ما يحصل بها للقوى البدنية من اللذة لما تقرر منأنه ال التفات له إلى األمور البدنية والقوى الشهوانية بل يتخذها مستحقرة فإن

حصلها كان على سبيل العدل والشرع وللتأسي به وليعلم الناس إباحتهاوعدم كراتها ال غير ذلك، فيستحيل الشوق منه إليه، وإذا تعذر المبدءان

امتنعت الحركة االختيارية، فامتنع وقوع المعاصي منه فكان معصوما.الرابع والخمسون: اإلمام كلما لمح شيئا عاج منه إلى الله تعالى فهو يرىالله بعين البصيرة عند كل شئ وخشيته منه كاملة وإرادته لمرضاته في كل

حال جازمة وإال لم يصلح للتقريب في كل حال ولدعاء كل الناس إلى ذلكولم يحفظ العدل المطلق فيستحيل منه االخالل بواجب وفعل قبيح الستلزام

إرادة الشئ كراهة ضده فهو معصوم.الخامس والخمسون: خشية اإلمام وخوفه من الله تعالى يجب أن يكون

في الغاية بحيث يستصغر كل شئ بالنسبة إليها، وتكون راجحة على كل

(١٣٩)

Page 143: Kitab Al-Alfain Arabic

لذة أو مطلوب أو شهوة أو غضب فرضت في جميع األوقات واألحوال حتىيحسن من الحكيم تحكيمه واألمر بطاعته وجعله مقربا إلى الطاعة ومبعدا عن

المعصية، وحافظا للعدل التام فتحصل من ذلك الكراهة التامة للمعاصيوإرادة الجازمة للواجبات فال يحصل معها الشوق إلى شئ من المعاصي

واإلرادة لها بل قد وجد الصارف فيستحيل فعلها فيكون معصوما.السادس والخمسون: اإلمام كلما الحظ شيئا الحظ غيره وإن لم يكن

مالحظته لالعتبار فسيخ له تعريج من عالم الزور إلى عالم الحق مستقر به حتىيتحقق منه حفظ العدل، وذلك يوجب له صارفا عظيما عن المعاصي فيكون

معصوما.السابع والخمسون: اإلمام يكون سره مرآة مجلوة محاذاتها جانب الحق

ألن له الكمال األسنى حتى يحسن أمر الكل بتبعيته فترد عليه اللذات العليفيستحقر القوى الشهوية والغضبية واللذات البدنية، وال يحصل له شوق

وإرادة إلى المعاصي البتة.الثامن والخمسون: اإلمام متوجه بالكلية إلى الحق عز وعال ال يالحظ

نفسه إال من حيث هي الحظة لجناب القدس ألن له الرياسة العامة في أمورالدين والدنيا فيكون أكمل الكل في الكماالت الحقيقة لنفور النفس الكامل

عن متابعة األنقص منه ولقبحه في نفس األمر فيستحيل إرادة المعاصيوالشوق إليها منه ويستحيل ترك الواجبات فيكون معصوما.

التاسع والخمسون: اإلمام له صفات:األولى: التفريق بين ذاته وبين جميع ما يشغله عن الحق بأعيانها.

الثانية: نقض آثار تلك الشواغل كالميل وااللتفات إليها عن ذاته تكمياللها بالتجرد عن ما سوى الحق واالتصال به.

الثالثة: ترك التوخي للكمال ألجل ذاته بل لذات الكمال ولذاتالحق.

(١٤٠)

Page 144: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابعة: ترك اعتبار ذاته، فإذا انقطع عن نفسه واتصل بالحق رأي كلقدرة ال نسبة لها إلى قدرته المتعلقة بجميع المقدورات، وكل علم ال نسبة لهإلى علمه الذي ال يعزف عنه مثقال ذرة في السماوات واألرض وال أصغر من

ذلك وال أكبر، فصار قدرة الحق بصره الذي به يبصر وسمعه الذي بهيسمع، وقدرته التي يفعل بها، والعلم الذي يعلم منه تعالى، فال يردع

شئ منها عن مرضاته تعالى، ألن اإلمام يجب أن يكون له الكمال األسنى لمايأتي.

الستون: اإلمام له حالتان، األولى: أن يكون له القدرة بحيث ال يقدرمع االشتغال بالحق على االلتفات إلى غيره لشدة االشتغال به فقط، ويكون

غافال عما سواه كما نقل عن علي عليه السالم إنه إذا أرادوا إخراج نصل منهقصدوا أوقات مخاطبته لله تعالى.

الثانية: أن تفي القوة باألمرين تتسع للحاستين فال تكون األمورالخارجية شاغلة إياه عن الحق ليكون أنفس الخلق في بهجة الحق، فدائما هو

مراقب الحق ومالحظ بجنابه، وهذا أعظم الصوارف عن المعاصي.الحادي والستون: اإلمام إشجع الناس لما يأتي، وكيف ال وهو بمعزل

عن تقية الموت وجواد، وكيف ال وهو بمعزل عن محبة الباطل وصفاح،وكيف ال ونفسه أكبر من أن يجرحها زلة بشر ونساء لألحقاد، وكيف الوذكره مشغول بالحق، فيلزم من ذلك قهره للقوى الشهوية، وإال لم يكن

شجاعا والغضبية، وإال لم يكن صفاحا، وللحقد وإال لن يكننساء

لألحقاد، فال يصدر عن هذه القوى مقتضاها، فال يصدر منه ذنب ألنالذنب مصدر هذه القوى ال غير.

الثاني والستون: اإلمام ال يلتفت إلى القوى البدنية والشهوية البتة فيوقت ما وإال لكان غيره في تلك الحال إذا لم يلتفت أفضل منه من هذه الجهة

لكن اإلمام أفضل من الكل في كل األوقات من كل الجهات، وفاعلالمعاصي ألجل ذاته ما ال غير فهو في تلك الحال ملتفت إلى ذاته معرض عن

(١٤١)

Page 145: Kitab Al-Alfain Arabic

جناب الحق، فال شئ من اإلمام بفاعل المعاصي.الثالث والستون: اإلمام نفسه دائما متوجهة بالكلية إلى طلب الحق

والصواب في جميع األشياء، وإال لم يصلح للعدل في كل األوقات فال يتحركالقوى البدنية إلى يضاد ذلك لوجود هيئة راسخة في النفس تقتضي

ضدها، فال يمكن صدور ذنب منه أصال والبتة، وهو المطلوب.الرابع والستون: قوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه) وإنما يحسن بعد

إعالم األحكام في كل واقعة، وإنما يتم بالمعصوم في كل عصر كما تقدمتقريره.

الخامس والستون: قوله تعالى: (يا أيها الذين اتقوا ربكم) والتقوىالتنزه عن الشبهات ومن جملة الشبهات اعتماد قول غير المعصوم، فال يجوز

تكليفه بطاعته وأيضا فالتقوى موقوفة على المعصوم إذ منه يحصل الجزمباألحكام واألمر بالشئ مع االخالل بشرطه الذي هو من فعل األمر ال

المأمور ال يحسن من الحكيم ألنه نقض الغرض وتكليف بما ال يطاق.السادس والستون: قوله تعالى: (واتقوا الذي تساءلون به

واألرحام إن الله كان عليكم رقيبا) هذا يدل على وجوب االحتراز في كلاألحوال ألنه تعالى رقيب دائما وهو عبارة عن األمر بالتحري وقصد الثواب فيكل األحوال والوقائع وال يتم ذلك بدون المعصوم إذ غير المعصوم ال يتوقع منه

الصواب في كل األحوال.السابع والستون: قوله تعالى: (وال تتبدلوا الخبيث بالطيب) هذا

الدليل يبني على مقدمات:األولى: إن فعل غير الصواب في واقعة ما تبدل الخبيث بالطيب.

الثانية: إن هذا النهي عام في األحوال والوقائع واألشخاص واألزمانوهو إجماعي.

الثالثة: إن غير المعصوم يأمر بالباطل ويشتبه على الناس.

(١٤٢)

Page 146: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابعة: االحتراز عن الضرر المظنون واجب.الخامسة: اعتماد قول غير المعصوم متوقع منه تبدل الخبيث فيمتنع قبول

قوله إذا تقرر هذا فنقول: هذا األمر يستلزم نصب المعصوم، فيجب بالنظرإلى هذا األمر لما تقدم، وألنه يصدق غير المعصوم ال يجب قبول قوله في

الجملة، وكل إمام يجب قبول قوله دائما ينتج ال شئ من غير المعصومبإمام.

الثامن والستون: اإلمام هاد دائما في كل الوقائع والشبهات، وكل منكان كذلك فهو معصوم ينتج أن اإلمام معصوم، أما الصغرى فظاهرة، وأما

الكبرى فألن كل هاد للكل في كل الوقايع والحوادث خصوصا في األحكام الشرعيةفإنه يهديه، وال شئ من غير المعصوم يهديه الله، أما الصغرى فظاهرة،

وأما الكبرى، فألن غير المعصوم ظالم لما مر وال شئ من الظالم يهديه اللهتعالى لقوله تعالى: (والله ال يهدي القوم الظالمين).

التاسع والستون: قوله تعالى: (ومن يطع الله ورسوله يدخله جناتتجري من تحتها األنهار خالدين فيها وذلك هو الفوز العظيم) الطاعة المطلقة

إنما تحصل من المعصوم وألن طاعة الله تعالى في كل األمور مطلوبة لله تعالى،وال يعلم إال من المعصومين فيجب.

السبعون: قوله عز وجل: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدودهيدخله نارا خلدا فيها وله عذاب مهين)

ال يصلح لإلمامة وال يتبع إال منيعلم انتفاء هذه الصفات فيه وليس إال المعصوم وألن االحتراز عن المعاصي

ال يعلم إال من المعصوم فيجب الستحالة طلب الشرط مع عدم فعل المشروطبه من فعله.

الحادي والسبعون: قوله تعالى: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سننالذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم) والبيان بالمعصوم كما

تقدم فيجب.

(١٤٣)

Page 147: Kitab Al-Alfain Arabic

الثاني والسبعون: قوله تعالى: (ويريد الذين يتبعون الشهوات أنتميلوا ميال عظيما) هذه صفة ذم ومنع عن اتباعهم وهم غير المعصوم، ألن

المتبع للشهوات فال يجوز اتباعه مطلقا احترازا عن الضرر المظنون، واإلماميجب اتباعه وال شئ من غير المعصوم بإمام.

الثالث والسبعون: اإلمام ال يقيم غيره عليه الحدود وإال لسقط منالقلوب محله، وألنه المتغلب على الرعية كلهم ويقهرهم وال هو على نفسه

وهو ظاهر، وألنه إذا كان يفعل الذنوب إلبالغ القوى الشهوية مقتضاهافدفع اآلالم عنه أولى منه وألن التكليف في الحد على المحدود بالتمكن

والطاعة للمقيم ال بأن يكون فاعال لإلقامة إجماعا وكل مذنب فال بد منمستحق لإلقامة عليه الحد، وإن لم يتمكن فهو عدم التمكن من المكلفين ال

منه وال من الله تعالى، وألن وجوب إقامة الحد ال على مقيم إجماعا محال إذاتقرر ذلك، فنقول: اإلمام يستحيل عليه الذنب ألنه لو جاز عليه الذنب فاليخلو أما أن ال يجب إقامة حد عليه، وهو باطل قطعا، وأما أن يجب، فأما

أن يكون المقيم غيره وهو محال للمقدمة األولى، وأما نفسه وهو باطل لتغايرالقابل والفاعل إجماعا هنا.

الرابع والسبعون: الذنوب حادثة فلها فاعل قطعا، ولها مانع وهوظاهر، والمانع مغاير للفاعل قطعا ألن المانع هو المستلزم للعدم والفاعل أثره

الوجود وتنافي اآلثار أو اللوازم يدل على تغاير المؤثرات والملزومات إذا تقررذلك، فنقول اإلمام مانع من كل المعاصي في جميع األوقات واألحوال لجميع

الناس مع عدم مانعه وحصول شرائطه والموانع ال يجوز أن تكون منه بل منأمر خارج عنه، وإال لما يصلح للمانعية فالشرائط والموانع من قبل الله تعالى

ومن قبل اإلمام كلها حاصلة وإال لكان المقرب مبعدا والمبعد مقربا فإذا كانتشرائط المنع وزوال المانع عنه جميعا حاصلة فال يجوز أن يكون سببا فيها منه،

وإال لكان المانع سببا هذا خلف.الخامس والسبعون: اإلمام مخرج للمحل عن قبول المعصية، فال يجوز

أن يكون قابال لها فيمتنع.

(١٤٤)

Page 148: Kitab Al-Alfain Arabic

السادس والسبعون: اإلمام سبب الطاعات وجميع الشرائط من قبلهحاصلة والموانع من ذاته وعوارضه النفسانية والبدنية زايلة، فمحال أن يخل

بشئ من الواجبات وذلك هو المطلوب.السابع والسبعون: اإلمام مانع لسبب المعصية، فال يكون سببا لها

بوجه وإال لكان المانع من الشئ سببا له هذا خلف.الثامن والسبعون: علة وجود الطاعة وعدم المعصية في اإلمام موجودة

والمانع منتف والشرائط حاصلة، وكلما كان كذلك وجب وجود الحكم وهواقتناع المعصية ووجوب الطاعات، أما الصغرى: فأما وجود العلة فألن

اإلمام علة للتقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية في غير محلها، ففيمحلها أولى ألن المانع من الشئ مناف له وإذا كان في غير محله ففي محلهالقابل لهذا الحكم أولى وكذا التقرير وهذا حكم ضروري، وأما عدم المانع

فألن المانع أما عدم علم اإلمام بصدور ذلك من الفاعل إذ ال يتحقق عدمعلمه بالحكم، وأما مقاهرة الفاعل بحيث ال يتحقق قدرة اإلمام على منعه

لسبب انفكاك يده، ألنه لو علم به وتمكن من مقاهرته وأهمل لزم االخاللبالقصود منه، فال يصلح لذلك وكال المانعين ممتنعان في حق نفسه إذ لو لميكن له قدرة على االمتناع عن المعصية لزم تكليف ما ال يطاق، وهذا محال

وأما وجود الشرائط فلوجوب تحققها من طرف اإلمام وطرف الله تعالى، وإاللكانت الحجة للمكلفين، وألنه إجماعي قطعي...

التاسع والسبعون: اإلمام علة في تقليل المعاصي، فلو وجدت منهلكان علة لكثرتها.

الثمانون: قوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنمايأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا) ال يصلح لوالية اإلمامة إال من

تيقن نفي هذه الصفة منه وليس إال المعصوم.الحادي والثمانون: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا أموالكم

بينكم بالباطل إال أن تكون تجارة عن تراض منكم) إلى قوله تعالى: (وكان

(١٤٥)

Page 149: Kitab Al-Alfain Arabic

ذلك على الله يسيرا) وجه االستدالل بها من وجهين:األول: إن معرفة الحق الذي يؤكل به المال ال يكون إال من اإلمام

المعصوم لما بين غير مرة فيجب نصبه.الثاني: قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك عدونا وظلما فسوف نصليه

نارا) هذه صفة ذم ال يجوز أن يتبع من هي فيه وال أن يكون إماما وإنمايعلم انتفاؤها عن المعصوم، فال يجوز اتباع غير المعصوم.

الثاني والثمانون: قوله تعالى: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفرعنكم سيئاتكم) اآلية هذه إنما تعلم من المعصوم لما تقدم تقريره.

الثالث والثمانون: قوله تعالى: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكمامن أهله وحكما من أهلها) هذا خطاب لإلمام عليه السالم وتحكيم له

وتحكيم غير المعصوم ال يجوز من الحكيم، وألن تفويض نصب اإلمام إلىاألمة يؤدي إلى تعطيل األحكام إلفضائه إلى التنازع وعدم االتفاق على إمرة

واحد لعسره كما تقدم.الرابع والثمانون: قوله تعالى: (إن الله ال يجب من كان مختاال

فخورا) يجب االحتراز عن اتباع من يمكن فيه هذه الصفة ألنه احتراز عنالضرر المظنون وهو غير المعصوم فال يصح أن يكون إماما.

الخامس والثمانون: قوله تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناسبالبخل ويكتمون ماءاتهم الله من فضله) ال يجوز اتباع كل من يمكن هذه

الصفة فيه وهو غير المعصوم: فال يجوز أن يكون إماما.السادس والثمانون: قوله تعالى: (والذين ينفقون أموالهم رئاء

الناس هذه صفة ذم ومنع عن اتباعه، وغير المعصوم يحتمل ذلك منه فاليجزم بقوله وال بصحة فعله، فال يصلح لإلمامة.

السابع والثمانون: قوله تعالى: (ومن يكن الشيطان له قرينا فساءقرينا) وغير المعصوم الشيطان له قرين قطعا وما يعلم في أية حالة يسلب عنه

(١٤٦)

Page 150: Kitab Al-Alfain Arabic

فيجب االحتراز عنه فال يصلح لإلمامة.الثامن والثمانون: اإلمام لنفي فعل الشيطان وإزالة أقرانه وغير

المعصوم ال يصلح لذلك فال يصلح لإلمامة.التاسع والثمانون: قوله تعالى: (إن الله ال يظلم مثقال ذرة) وجه

االستدالل أن اإلمام يحكمه الله وال شئ من المعصوم يحكمه الله تعالى ينتجال شئ من اإلمام بغير معصوم، وأما الصغرى فظاهرة، وأما الكبرى فألن

تحكيم الظالم ظلم ما وال الشئ من الظلم بصادر من الله تعالى بهذه اآلية،فال شئ من غير المعصوم يحكمه الله تعالى.

التسعون: اإلمام أمر الله بطاعته في جميع أوامره ونواهيه وال شئ منغير المعصوم أمر الله بطاعته في جميع أوامره ونواهيه، فال شئ من اإلمام

بغير معصوم أما الصغرى فلقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللهوأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) وهو عام في جميع األوامر والنواهي

اتفاقا ولتساوي المعطوف والمعطوف عليه في العامل، فالطاعة هنا المراد بها فيجميع األوامر والنواهي فيكون في أولي األمر كذلك، وأما الصغرى فألن

امتثال أمر الظالم في جميع أقواله وأوامره ونواهيه ظلم ما وهو منفي بهذه اآليةالقتضائها السلب الكلي وهو نقيض الموجبة الجزئية.

الحادي والتسعون: قوله تعالى: (وإن تك حسنة يضعفها ويؤت منلدنه أجرا عظيما) هذا حث عظيم على فعل الحسنات وإنما يعلم من

المعصومين كما تقدم فيجب.الثاني والتسعون: إن الله عز وجل يريد فعل الحسنات من العباد،

وإنما يتم بالمعصوم لما تقدم من أنه لطف يتوقف فعل المكلف به عليه وهو منفعله تعالى فيجب فعله وإال لكان نقضا للغرض.

الثالث والتسعون: قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيدوجئنا بك على هؤالء شهيدا) وإنما تتم الحجة عليهم والغرض بنصب اإلمام

المعصوم في كل زمان، ألنه الطريق إلى معرفة األحكام الشرعية، وامتثال

(١٤٧)

Page 151: Kitab Al-Alfain Arabic

األوامر األهلية فيجب.الرابع والتسعون: قوله تعالى: (يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو

تسوى بهم األرض) معناه يود الذين كفروا ويود الذين عصوا الرسول هذهصفة ذم تقتضي أنه ال يجوز اتباع من يعصي الرسول غير المعصوم يعصي

الرسول فال يجوز اتباعه فال يصلح لإلمامة.الخامس والتسعون: هذه تحريض على االحتراز عن مخالفة أوامر

الرسول ونواهيه وذلك موقوف على معرفتها بالتحقيق وبعين اليقين، وال يتمإال من المعصوم فيجب نصبه الستحالة التحذير التام من الحكيم وعدم نصب

الطريق إليه.السادس والتسعون: كلف الله تعالى في هذه اآلية بامتثال أوامر

الرسول ونواهيه والمعصوم لطف فيها فيجب ألنا بينا في علم الكالم أنالتكليف بالشئ يستلزم فعل شرايطه، واللطف فيه الذي هو من فعل.

المكلف، وبينا أن اإلمام المعصوم لطف يتوقف عليه فعل المكلف به الواجبفيجب.

السابع والتسعون: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ال تقربوا الصالةوأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) اآلية، ال يجوز اتباع من يحتمل فعل

ذلك منه وغير المعصوم كذلك فال يجوز اتباعه فال يصلح لإلمامة.الثامن والتسعون: اإلمام هاد إلى السبيل يقينا وال شئ من غير

المعصوم بهاد إلى السبيل يقينا، فال شئ من اإلمام بغير المعصوم، أماالصغرى فظاهرة ألن اإلمام للتقريب إلى الطاعة والتبعيد عن المعصية وهيالهداية، وأما الكبرى فألنه يمكن أن يضل السبيل وال يأمر بما يقرب إلى

الطاعة ويبعد عن المعصية.التاسع والتسعون: قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من

الكتب يشترون الضاللة ويريدون أن تضلوا السبيل) وجه االستدالل إناإلمام يجب له الصارف عن إضالل السبيل ويمتنع عليه ذلك، وإال لم يجزم

(١٤٨)

Page 152: Kitab Al-Alfain Arabic

بقوله وال يعتمد على أمره والحتمال دخوله في هذه اآلية وهي تقتضياالحتراز عن اتباعه فتنتفي فائدته وال شئ من غير المعصوم كذلك، ألن لهداللة الدواعي إلى ذلك والعصمة الموجبة لمنعه منتفية، فيكون ذلك ممكنا

فيه.هذا آخر الكالم في الجزء األول من كتاب األلفين الفارق بين الصدق

والمين فرغ من تسويده مصنفه حسن بن يوسف بن المطهر الحلي في العشرينمن ربيع األول لسنة تسع وسبعمائة ببلدة دينور وفرغ من تبييضه ولده

محمد بن الحسن بن يوسف بن مطهر في سادس جمادي األولى لسنة ستوعشرين وسبعمائة بعد وفاة المصنف.

(١٤٩)

Page 153: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة الثالثةاألول: قوله تعالى: (والله أعلم بأعدائكم) وجه االستدالل أن

األعداء يكونون هادين وكل غير المعصوم يحتمل أن يكون عدوا، فال يجوز أنيجزم بكونه هاديا ووليا وكل إمام يجزم بكونه غير عدو بل يعلم أنه هاد، وأنه

ولي فال شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب.الثاني: قوله تعالى: (وكفى بالله وليا) هذا يدل على غاية الشفقة

واستحالة إهمال األلطاف المقربة إلى الطاعات، والمبعدة عن المعاصي، واليحصل إال بالمعصوم وكيف يتحقق من الحكيم أن ينص على أنه الولي، والوليهو النصير المتصرف في المصالح ويخلي من اللطف العظيم الذي هو المعصوم

الذي به تحصيل السعادة األخروية والخالص من العقاب السرمد، وبهيعرف الصواب من الخطأ.

الثالث: قوله تعالى: (وكفى بالله نصيرا) ليس المراد في أمور الدنياوحدها إجماعا، بل أما في اآلخرة أو فيهما وإنما يتحقق بإعطاء جميع ما تتوقف

عليه األفعال الواجبة وترك المحرمات من األلطاف والمقربات خصوصا التيهي من فعله وأوالها بذلك المعصوم، فإنه ال يقوم غيره مقامه وكل نصرة

محتقرة في جانب جعل المعصوم والداللة عليه.الرابع: قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي

(١٥١)

Page 154: Kitab Al-Alfain Arabic

من يشاء) وجه االستدالل أن تقول الزكاة هي الطهارة، وكل ذنبرجس، فأما أن يكون المراد الزماة من بعض الذنوب، فالكل مشترك فيه

وألنه ال يسمى مزكى فبقي أن يكون من كلها وهو المطلوب ألنه عبارة عنالعصمة وألنه يستحيل أن يزكي الله غير المعصوم.

الخامس: قوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنينوالقنطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة واألنعام والحرث ذلك

متع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب) هذه صفة ذم تقتضي المنع مناتباع المتصف بها وكل غير معصوم متصف بها.

السادس: إن حب الشهوات والقناطير المقنطرة مجبول في طبيعة اإلنسانوال يكفي العقل الذي هو مناط التكليف في دفعه ومانعيته، فال بد من رئيس

دافع ومانع لذلك وإن لم يكن معصوما كان من هذا القبيل فال يصلحللمانعية.

السابع: قوله تعالى: (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عندربهم جنات تجري من تحتها األنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان منالله والله بصير بالعباد) وجه االستدالل إن التقوى في ارتكاب الطريقة القويمة

يقينا وال يعلم إال من المعصوم لما تقدم تقريره غير مرة.الثامن: التقوى موقوفة على المقرب إلى الطاعات والمبعد عن المعاصي

وهو المعصوم فيجب.التاسع: الذي يفهم من هاتين اآليتين إن الثاني يحصل بترك ما زين لهم

من حب الشهوات إلى آخره، وال تكفي القوة العقلية التي هي مناطالتكليف في الناس، وهو ظاهر فال بد من مانع للشهوة وهو اإلمام المعصوم

لما تقدم.العاشر: التقوى الحقيقية التي ال تخالطها معصية البتة موجودة بهذه اآلية

هي العصمة.

(١٥٢)

Page 155: Kitab Al-Alfain Arabic

الحادي عشر: قوله تعالى: (والله بصير بالعباد) وجه االستدالل أنهال بد من الجزم بصحة أخبار اإلمام وعدم إخالله بشئ من الشرع وتيقنهدايته، وأنه يستحيل عليه االخالل وال بصير بالعباد إال الله تعالى، فإن

هذه اآلية مفيدة للحصر إجماعا، فال بد من جعل طريق لنا إلى علم ذلك،وليس إال العصمة فيجب عصمة اإلمام.

الثاني عشر: قوله تعالى: (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقينوالمستغفرين باألسحار) وجه االستدالل إن هؤالء تثبت لهم صفة المدح

المطلق دائما، فالمراد أما الصابرين والصادقين إلى آخره في البعض أو في جميعاألحوال عن جميع المعاصي وعلى جميع الطاعات، واألول باطل وإال لم يثبتلهم المدح المطلق والشتراك الكل فيه فال يوجب تخصيصا في المدح، والثاني

هو المعصوم فثبت فيستحيل أن يكون اإلمام غيره وهذه اآلية عامة في جميعاألزمنة وال تخص الرسل.

الثالث عشر: قوله تعالى: (وما اختلف الذين أوتوا الكتب إال منبعد ما جائهم العلم بغيا بينهم) وجه االستدالل إن اختلف نكرة، وقد

وقعت في معرض النفي فيعم فليزم إن كل اختالفهم بعد العلم بغيا، بينهم،وإنما يتحقق ذلك لو كان لهم إلى العلم طريق، وقد بينا وجوب المعصوم في

ذلك الطريق، فيلزم ثبوته وليس لطفنا أقل من لطفهم.الرابع عشر: قوله تعالى: (ووفيت كل نفس ما كسبت وهم ال

يظلمون) وجه االستدالل إن المقصود من ذلك التحذير من فعل الشروالتحريض على فعل الطاعة وال يتم الغرض من ذلك إال بالمعصوم لما تقدممن كونه لطفا يتوقف حصول الغرض من التكليف عليه، فيجب نصبه وإال

لزم نقض الغرض.الخامس عشر: إنما يحسن مجازاتها على فعل القبيح فعل جميع

الشروط التي هي من قبله تعالى والتمكين التام وأعظم الشرائط المعصوم فقبلهال يحسن.

(١٥٣)

Page 156: Kitab Al-Alfain Arabic

السادس عشر: القوة الشهوية والغضبية ليستا بمقدورتين لنا وفائدتهما إنهلوال هما لم يكن في التكليف كلفة ومشقة ولكان الفعل والترك متساويين بالنسبة

إلى القدرة وال مرجح لفعل القبيح إال هما، فإن انتفتا كان فعل القبيح بمجردقبحه وكشف الشرع له قريبا من الممتنع، فلم يحتج إلى التحذير التام والزجر

الوافر األقسام، فاقتضت الحكمة خلفهما والعقل ال يفي بترجيح تركمقتضاهما، فإنهما أغلب في أكثر الناس وطاعة كثير من الناس للقوى الوهمية

أكثر من طاعتهم للقوى العقلية، فلوال وجود شئ آخر يقتضي ترجيح تركمقتضاهما لكان فعل مقتضاهما يقرب من االلجاء واالكراه، فما كان يحسن

العقاب على فعل المعاصي، وليس المعاون للعقل قوة داخلية بل ال بد مناالنتهاء إلى من يتمكن من دفع شهوته بقوته العقلية وتكون القوة العقلية فيه

وافية بذلك، وذلك هو المعصوم لوجود المانع من فعلها، ومع وجود المانع التأثير للسبب.

السابع عشر: لو لم يكن معصوما لكانت قوته الشهوية غالبة عليه،فال يصلح للمانعية.

الثامن عشر: الناس على ثالثة أقسام طرفان وواسطة:األول: من قوته العقلية وافية بمعارضة القوة الشهوية بحيث ال يرجح

مقتضى القوة الشهوية ويفي بمنعها دائما.الثاني: من قوته الشهوية غالبة دائما.

الثالث: من تفي قوته العقلية بالمنع في وقت دون وقت.األول: هو المعصوم. والثاني: هو الفاجر الداخل تحت قوله تعالى:

(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ولهم عذابعظيم) فإن أبصارهم كلما أبصرت التغير المقتضي للتفكر في آثار رحمة الله

وغضبه المقتضية لالنزجار منعتها القوة الشهوية وكذلك سمعهم كلما وردتعليه األوامر والنواهي والمواعظ والدالئل المقتضية لالنزجار منعته القوة

(١٥٤)

Page 157: Kitab Al-Alfain Arabic

الشهوية وغلبت عليه، وهذا ليس من القوة الشهوية خاصة بل من إهمالهالقوة العقلية وعدم التفاته إلى مقتضاها.

والثالث: الثابت المؤتمر ويعبر عن النفس األولى بالمطمئنة، وعن الثانيةباألمارة، وعن الثالثة باللوامة كما نطق به الكتاب العزيز فاإلمام يستحيل أن

يكون من الثاني قطعا، ويستحيل أن يكون من الثالثة ألنه أما تجب طاعتهوامتثال أوامره دائما في جميع أحواله وهو محال وإال لزم كون الخطأ صوابا واألمر

بالمعصية والتناقض المحال عقال بالضرورة، وأما أن يجب امتثال أوامرهونواهيه في حال غلبة القوة العقلية على القوة الشهوية خاصة دون غيرها من

األحوال وهو محال لوجوه.األول: إنه حال قوته الشهوية ال بد له من رئيس مانع لتلك القوة

الستحالة خلو الزمان عنه ومحال أن يكون هو محتاجا إلى رئيس آخر حاله كماذكر فيقع الخبط والهرج.

الثاني: أن يكون حينئذ محتاجا إلى رئيس عليه في تلك الحالة ألن علةاالحتياج إلى الرئيس ونصبه هو غلبة القوة الشهوية في بعض األحوال وذلك

الرئيس يكون حاله كذلك فيلزم، إما التسلسل أو الدور والهرج وانتفاءالفايدة.

الثالث: الرئيس إذا كان إنما تجب طاعته في حال ما ال يحصل للمكلفاليقين بقوله ويجوز في كل حال أن تكون هي تلك الحالة فال يتبعه فتنتفي

فائدة نصبه لعدم الوثوق به.الرابع: يلزم إفحامه ألنه يقول له المكلف ال يجب علي اتباعك حتى

أعرف إن تلك الحالة هي حالة غالبة القوة العقلية، وإن ما تقوله صواب والأعرفه إال بقولك، وقولك ليس بحجة دائما وال أعرف إن هذه الحالة هيحالة حجية قولك فينقطع اإلمام ال يقال لم ال يجوز معرفة قوله باالجتهاد

سلمنا، لكن لم ال يجب قبول قوله كقبول فتوى المفتي فإنه يجب على المقلددائما قبول قوله، وإن لم يكن معصوما ألنا نقول أما االجتهاد فإنه يلزم إفحامه

(١٥٥)

Page 158: Kitab Al-Alfain Arabic

أيضا ألنه إذا لزم المكلف له أن يقول إني اجتهدت وأدى اجتهادي إلى عدموجوب قبول قولك في هذه الحالة فينقطع وفايدته إلزام المكلف، وأما وجود

قبول قوله كالمفتي فهو باطل لوجوه:األول: إن قبول قول المفتي إنما هو على العامي الذي ال يتمكن من

معرفة الصواب من الخطأ باالجتهاد، أما من يتمكن فإنه ال يجب عليه قبولاجتهاد آخر.

الثاني: إنه راجع إلى القسم األول الذي أبطلناه من وجوب طاعته فيجميع األحوال.

الثالث: أما أن يكون إماما بالنص أو بغيره، واألول يستحيل منهتعالى إيجاب قبول قول من يجوز عليه الخطأ في جميع األحوال وعلى جميع

التقادير والثاني مع الشك أما أن تخير المكلف كالمفتي فيلزم الهرج وإثارة الفتنفيلزم منه محاالت وأما أن ال يتخير، فأما أن يكون مكلفا باالجتهاد فيلزم مع

الهرج وإثارة الفتن إفحام اإلمام وألن االجتهاد ليس عاما، وأما ألنه فيلزمتكليف ما ال يطاق والكل محال، فتعين أن يكون اإلمام من القسم األول

وهو المطلوب.التاسع عشر: قوله تعالى: (ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير)

وإنما يحسن ذلك بخلق جميع األلطاف المقربة والمبعدة وأهمها المعصوم فيجب.العشرون: قوله عز وجل: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير

محضرا أو ما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم اللهنفسه والله رؤوف بالعباد) وإنما يتم ذلك بمعرفة القبيح والحسن، فيجب

وضع طريق يقيني وإنما يتم بالمعصوم كما تقدم في كل زمان فيجب وأيضا فاليتم إال بالمقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعاصي وذلك هو المعصوم فيجب.

الحادي والعشرون: حكم الله بأنه رؤوف بالعباد فيجب من ذلك فعلاأللطاف الموقوف عليها فعل التكليف وكل لطف وكل نعمة فهي بالنسبة إلى

(١٥٦)

Page 159: Kitab Al-Alfain Arabic

نصب المعصوم صغيرة مستحقرة وأعظم النعم وأهم األلطاف المعصوم في كلزمان فيجب ممن بالغ في وصف نفسه بالرأفة والرحمة نصبه.

الثاني والعشرون: قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونييحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) اتباعه عليه السالم إنما يتم بأمرين أحدهمامعرفة األحكام الشرعية بطريق يقيني إذ غيره ال يجزم باتباعه فيه وال بد من

طريق إلى العلم وثانيهما المقرب من أفعاله والمبعد عن مخالفته وكالهما اليحصل إال بإمام معصوم في كل زمان فيجب.

الثالث والعشرون: قوله تعالى: (والله غفور رحيم) فغفور فعولللمبالغة ومع عدم نصب طريق يفيد العلم اليقيني بقبح القبايح وحسنالحسن وخلق اللطف المقرب والمبعد ال يتم هذا فيجب المعصوم.

الرابع والعشرون: قوله عز وجل: (قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسولفإن تولوا فإن الله ال يحب الكافرين) أقول المراد الطاعة في جميع األوامروالنواهي وإنما يتم ذلك علما وعمال بالمعصوم، كما تقدم فيجب، وجعل

التولي عن الطاعة كالكفر وال يتم ذلك إال بطريق يقيني وال يتم إال بالمعصومكما تقدم تقريره فيجب.

الخامس والعشرون: قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآلإبراهيم وآل عمران على العالمين) هذا يدل على عصمة األنبياء وال قائل

بالفرق فيجب عصمة اإلمام، وألن عليا عليه السالم واألئمة األحد عشر منآل إبراهيم عليهم السالم فيكون قد اصطفاهم الله تعالى فيكونون

معصومين، ال يقال هذا ليس بعام ألنا نقول هذا يدل على العموم ألن الجمعالمضاف للعموم كما قد بين خرج من األول من هو عاص فيبقى على األصل.

السادس والعشرون: قوله تعالى: (وأما الذين آمنوا وعملواالصالحات فيوفيهم أجورهم) هذا تحريض وحث على فعل الطاعات وترك

القبايح وإنما يتم بالعلم اليقيني والمقرب والمبعد كما تقدم تقريره وهو المعصومفيجب.

(١٥٧)

Page 160: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع والعشرون: قوله تعالى: (والله ال يحب الظالمين) اإلماممحبوب لله تعالى وغير المعصوم غير محبوب ألنه ظالم فال شئ من اإلمام بغير

معصوم.الثامن والعشرون: قوله عز وجل: (والله ولي المؤمنين) والقصد

الذاتي من الولي عمل المصالح وقصد منافع المولى وفعلها وكل مصلحة ومنفعةللمكلفين فهي في جنب المعصوم مستحقرة لما تقدم فيجب عليه تعالى من

حيث هذه اآلية ولزوم هذا الحكم نصب اإلمام.التاسع والعشرون: قول تعالى: (لم تلبسون الحق بالباطل) هذه

صفة ذم تقتضي التحرز عن اتباع من يجوز فيه ذلك، وكل غير معصوم يجوزفيه ذلك فال يحسن إيجاب اتباعه، وألن هذه اآلية تدل على النهي عن

ارتكاب الباطل بحيث ال يمازجه بحق بل يكون جميع طريقه باطال بطريقالتنبيه باألدنى على األعلى ويدل على النهي والعقاب على ارتكاب الباطل فيالجملة في بعض األحوال بالنص فإذا بطلت الموجبة الجزئية المطلقة العامةتثبت السالبة الكلية الدائمة، فيكون مراده أن ال يرتكب باطال دائما وهذه

هي العصمة بالفعل فالمراد في كل مكلف ذلك، فهذا يدل على عصمة اإلماممن وجهين:

أحدهما: إن العصمة على المكلف ممكنة ومكلف بها ألنه مكلف بفعلجميع الواجبات واالحتراز عن جميع المحرمات وال نعني بالعصمة إال ذلك

والمراد باإلمام وجود تلك الصفة بالفعل في المأموم عند طاعته إياه وعدممخالفته إياه في شئ البتة فلو لم تكن هذه الصفة في اإلمام الشتركا في وجه

الحاجة، فلم يكن أحدهما باإلمامية واآلخر بالمأمومية أولى من العكس.وثانيهما: إنه تعالى أمر كل مكلف باتباع اإلمام بمجرد قوله أمرا عاما في

المكلف واألوامر والنواهي، وهذا يدل على أن سبيل اإلمام وطريقه العصمةألنه مأمور باتباع طريقة ومأمور بالعصمة فال يمكن المنافاة بينهما.الثالثون: قوله عز وجل: (وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) ال يجوز

(١٥٨)

Page 161: Kitab Al-Alfain Arabic

اتباع من يجوز فيه ذلك فال يصح كون غير المعصوم إماما.الحادي والثالثون: إنه إنما يحسن الذم على كتمان الحق، فال بد أن

يجعل الله تعالى مع العلم طريقا إليه وهو المعصوم.الثاني والثالثون: قوله تعالى: (وتكتمون الحق وأنتم تعلمون) إنما

ذم مع العلم وال يحصل إال بالمعصوم، وألنه صفة ذم تقتضي عدم جوازاتباع من يجوز فيه ذلك، وكل غير المعصوم يجوز فيه ذلك، فال شئ من

غير المعصوم بمتبع وكل إمام متبع وإال النتفت فائدة اإلمام ينتج ال شئ منغير المعصوم بإمام.

الثالث والثالثون: قوله تعالى: (قل إن الهدى هدى الله) وجهاالستدالل إن هذا يدل على أن ال هدى أقوى من هدى الله تعالى وال أصح

منها طريقا فال بد أن يفيد العلم الجازم المطابق الثابت وليس بمختص بواقعةدون أخرى وهو موجودا إذ االمتنان بما ليس بموجود محال، والترغيب إلى

المعدوم ممتنع وال طريق يفيد ذلك إال المعصوم إذ الكتاب حقيقة أكثرهعمومات وظواهر والنص المفيد لليقين ال يشمل أكثر الوقائع والسنة كذلك

وألن االجتهاد ال يؤمن معه الغلط لتناقض آراء المجتهدين فيجب وجودالمعصوم.

الرابع والثالثون: قوله تعالى: (أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم)وطريق االجتهاد مشترك بين الكل فال بد من شئ يفيد اليقين، وليس إال

المعصوم ال يقال المعصوم على مذهبكم مشترك أيضا، ألنا نقول إنه يدل علىطريق يفيد اليقين من غير االجتهاد، وهو المعصوم والتفضيل بتفضيله على

المعصومين المتقدمين من أرباب الملل.الخامس والثالثون: قوله عز وجل: (قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من

يشاء والله وسع عليم) الكمال الحقيقي في قوتي العلم والعمل بحيث تكونالعلوم الممكنة للبشر بالنسبة إليه من قبيل فطري القياس، وتكون نفسه في

مرتبة العقل المستفاد بحيث يكون الجميع مشاهدا عندها كالصور في المرأة،

(١٥٩)

Page 162: Kitab Al-Alfain Arabic

كما قال علي عليه السالم (لو كشفت الغطاء ما ازددت يقينا) فيكون مهذبالظاهر باستعمال الشرائع الحقة بحيث ال يهمل منها شيئا البتة ويتضمن ذلك

فعله جميع الطاعات وترك جميع القبايح بحيث ال يفعل قبيحا وال يخلبواجب، ويكون باطنه مزكى من الملكات الردية ونفسه متحلية بالصور

القدسية وهذا هو التفضيل الذي يحسن به االمتنان وبالقدرة عليه المدح فالبد من إثباته في كل وقت فيدل على وجود المعصوم في كل وقت وهو

المطلوب.السادس والثالثون: قوله تعالى (يختص برحمته من يشاء) ال رحمة

أعظم مما قلنا من وجود المعصوم على غيره يدل على وجود المعصوم في كلوقت وهو المطلوب.

السابع والثالثون: قوله تعالى: (والله ذو الفضل العظيم) بيان ماذكرناه من الفضل العظيم فيدل على وجود المعصوم.

الثامن والثالثون: قوله تعالى: (ويقولون على الله الكذب وهميعلمون) هذا يدل على التحذير عن اتباع من يجوز فيه ذلك، وكل غيرمعصوم يجوز فيه ذلك فال شئ من غير المعصوم بمتبع وكل إمام متبع.

التاسع والثالثون: قوله تعالى: (بلى من أوفى بعهده واتقى فإن اللهيحب المتقين) وجه االستدالل إن هذه تدل على وجود المتقي الحقيقي وهو

المعصوم.األربعون: إن هذه صفة مدح على التقوى فمع عمومها يكون المدح

أولى والتحريض عليه أكثر فال بد من طريق إلى ذلك وليس إال المعصومفيجب وجوده.

الحادي واألربعون: إن قولنا هذا متق مساو لنقيض، قولنا هذا ظالمألن كل واحد منهما يستعمل في نقيض اآلخر عادة وعرفا وظالم يصدق بمعصيتهواحدة ونقيض الموجبة الجزئية السالبة الكلية فالمتقي إنما يصدق حقيقة على من

(١٦٠)

Page 163: Kitab Al-Alfain Arabic

لم يخل بواجب ولم يفعل قبيحا وذلك هو المعصوم فيجب وجوده بهذه اآليةألنها تدل على إرادة الله تعالى لخلقه المحبة والمانع منتف ومتى وجدت القدرة

والداعي وانتفى الصارف وجب الفعل فيجب خلقه ونصبه في كل وقت وهوالمطلوب.

الثاني واألربعون: اإلمام يزكيه الله وال شئ من غير المعصوم يزكيهالله تعالى فال شئ من اإلمام بغير المعصوم، أما الصغرى فألن إيجاب اتباع

أقواله وأفعاله وامتثال أوامره ونواهيه ونفاد حكمه وصحة حكمه بعلمه من غيرشاهد يزكيه قطعا، واإلمام كذلك، وأما الكبرى فلقوله تعالى: (وال

يزكيهم).الثالث واألربعون: قوله تعالى: (وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم

بالكتب لتحسبوه من الكتب وما هو من الكتب ويقولون هو من عند الله وما هومن عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون) هذه صفة ذم واإلماميجزم بنفيها عنه وال شئ من غير المعصوم يجزم بنفيها عنه، فال شئ من

اإلمام بغير معصوم والمقدمتان ظاهرتان.الرابع واألربعون: اإلمام يهديه الله قطعا ألنه هاد لألمة، وإنما أوجب

الله طاعته لهدايته، وال شئ من غير المعصوم يهديه الله تعالى ألنه ظالم،وكل ظالم ال يهديه الله في الجملة لقوله تعالى: (والله ال يهدي القومالظالمين) ينتج ال شئ من اإلمام بغير معصوم، ال يقال هذا ال يتم على

رأيكم ألن الله تعالى يجب عليه هداية الكل عند العدلية، فالكبرى باطلةوألن هذا قياس من الشكل الثاني وشرط انتاجه دوام إحدى المقدمتين أو كون

الكبرى من القضايا المنعكسة سلبا، والمقدمتان هنا مطلقتان عامتان، ألنانقول أما األول فألنا ال نعني بالهداية هنا الهداية العامة التي هي مناط

التكليف الشتراك الكل فيها بل بخلق ألطاف زائدة وهو من باب األصلحفال يجب عليه تعالى.

وما الثاني: فنقول الصغرى ضرورية فتدخل تحت الشرط.

(١٦١)

Page 164: Kitab Al-Alfain Arabic

الخامس واألربعون: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حقتقاته) أقول: وجه االستدالل به من وجهين:

أحدهما: إنه أمر باتقائه حق التقاة، وال يمكن ذلك إال بالعلم اليقينيباألحكام وال يحصل إال من المعصوم فيجب وألنه ال يتم إال باللطف المقرب

والمبعد وهو المعصوم فيجب.وثانيهما: إن المعصوم غير متق الله حق تقاته وهذا خطاب ال بد له من

عامل وإال الجتمعت األمة على الخطأ وال يجوز فثبت المعصوم وهو المطلوب.السادس واألربعون: أن اإلمام سبب في امتثال أوامر الله تعالى ونواهيه

جميعها ومن جملتها االتقاء حق التقاة، فال بد من أن يكون هو متقيا حقالتقاة.

السابع واألربعون: اإلمام مقرب إلى االتقاء حق التقاة فال تكون منفيةعنه فال بد أن تكون فيه متحققة.

الثامن واألربعون: قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخيرويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) هذا يقتضي

كون البعض يدعون إلى كل خير ويأمرون بكل معروف وينهون عن كلمنكر، لإلجماع على العموم وذلك هو المعصوم قطعا، وهذا خطاب ألهل

كل زمان فيكون المعصوم ثابتا في كل زمان.التاسع واألربعون: نهى الله عز وجل عن التفرق بقوله تعالى: (وال

تفرقوا) وإنما يتم هذا بنصب شخص يحملهم على االجتماع وليس باختباراألمة وإال لزم التفرق المحذور منه فيكون من الله تعالى، وال بد من إيجاب

طاعته ويستحيل ذلك في غير المعصوم فيجب المعصوم.الخمسون: إنه تعالى نهى عن التفرق مطلقا ولو لم يكن المعصوم ثابتا في

كل وقت لزم تكليف ما ال يطاق إذ االستدالل بالعمومات واألدلة واالجتهادفيها مما يوجب التفرق إذ ال يتفق اجتهاد المجتهدين فيما يؤدي إليه

(١٦٢)

Page 165: Kitab Al-Alfain Arabic

اجتهادهم، فلو لم يكن المعصوم ثابتا لزم تكليف ما ال يطاق، والالزم باطلفالملزوم مثله.

الحادي والخمسون: عدم التفرق واالختالف مشروط بالعلم والتكليفبالشرط تكليف بالمشروط فيلزم التكليف بالعلم في الوقايع والحوادث فال بد

من نصب طريق مفيد للعلم وليس األدلة اللفظية إذ أكثرها ظنية والعقلية فيالفقهيات قليلة جدا بل هي منتفية عند جماعة فليس إال المعصوم، فلو لم

يكن ثابتا في كل وقت لزم التكليف بالعلم الكسبي مع عدم طريق مفيد لهوذلك تكليف ما ال يطاق، ال يقال النهي عن الشئ ال نسلم أنه يستلزم

األمر بضده فال يلزم من عدم جواز التفرق وجوب االجتماع وألن النهي عنالتفرق ليس بعام بل في األصول وفي الجهاد وما المطلوب فيه االجتماع خاصة

ألنا نجيب:عن األول: بأن الناس اختلفوا في متعلق النهي فقال أبو هاشم وأتباعه

إنه عدم الفعل.وقالت األشاعرة: إنه فعل ضد المنهي عنه، فعلى الثاني ال يتأتى هذا

المنع.وأما عن األول: فألن المطلوب هنا من عدم التفرق اجتماع المسلمين

واتفاق كلهم ليحصل فوايد االجتماع ففعل هذا مقصود، وأبو هاشم ال يمنعمثل ذلك.

وعن الثاني: بأنه نكرة في معرض النفي فيعم، وألن المراد عدم إدخالالماهية في الوجود، فلو أدخلت في وقت ما لم يحصل االمتثال.

الثاني والخمسون: اتفاق آراء المجتهدين في اآلفاق ال بد له من طريقمتفق واحد وليس إال المعصوم إذ هذه األدلة الموجودة ليست بمتفقة واحدة والغيرها وغير المعصوم اتفاقا فلو لم يكن المعصوم ثابتا لزم التكليف بالمسبب مع

عدم السبب وذلك تكليف بالمحال باطل.

(١٦٣)

Page 166: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث والخمسون: اعلم أن تأدى السبب إلى المسبب إما أن يكوندائميا أو أكثريا أو مساويا أو أقليا، فالمسبب الذي يتأدى السبب إليه علىأحد الوجهين األولين هو الغاية الذاتية ويسمى السبب ذاتيا، والذي يكون

على الوجهين اآلخرين هو الغاية االتفاقية، ويسمى السبب اتفاقيا، وقد أنكرجماعة األسباب االتفاقية ألن السبب، إما أن يكون مستجمعا لجميع الجهات

المعتبرة في المؤثرية فيتأدى إلى األثر ال محالة فال يكن اتفاقيا، وإن لم يكنكذلك فهو بدون ذلك الشرط الفايت استحالة تأديته إلى المسبب فال يكون

اتفاقيا، فإذن القول باالتفاق باطل وتحقيق ذلك وموضوع الغلط من هذامذكور في كتبنا العقلية إذ تقرر ذلك فنقول اتفاق المكلفين، المجتهدين

وغيرهم في آرائهم مسبب له سبب ذاتي وسبب اتفاقي نادر في الغاية، واألولهو خلق المعصوم ونصبه، والداللة عليه، وقبول المعصوم لذلك وطاعةالمكلفين له، وهذا ظاهر مع اعتقادهم عصمته، وتمكنهم منه وقهر يده

عليهم وسلطنته، وهذا سبب ذاتي يؤدي إلى مسببه دائما، ونصب أدلة تفيداليقين والجزم التام، وهذا يمكن أن يكون أكثريا، فإن غلبة الشهوة تعارضه

ويخرج أكثر المكلفين عن العمل به إذا لم يحصل لهم قاهر يقرب إلى الطاعةويبعد عن المعصية وسبب اتفاقي نادر في الغاية هو هذه األدلة اللفظية

والعمومات خصوصا مع وجود المعارض فالله تعالى قد نهى عن التفرق وطلباالجتماع، فأما أن يكون مع السبب االتفاقي وهو تكليف بما ال يطاق

قطعا، وأما من السبب الذاتي وهو تكليف ما ال يطاق أيضا ألنه ال يفيد،وأما مع وجود السبب األول الذاتي وهو تكليف ما ال يطاق أيضا ألنه ال

يفيد، وأما مع وجود السبب األول الذاتي وهو المطلوب، فنقول: الذي منفعله تعالى نصب المعصوم والداللة عليه وإيجاب الدعاء والقبول على اإلمامذلك والذي على اإلمام القبول وقد بقي الثاني من فعل المكلفين فأوجبه اللهتعالى عليهم، فال بد أن يفعل الله تعالى من هذه األشياء ما هو من فعله وإال

لزم التكليف بالمحال واإلمام ما يجب عليه فثبت وجود المعصوم، وأماالمكلفون فإذا لم يفعلوا كان انتفاء السبب من جهتهم ال غير.

(١٦٤)

Page 167: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابع والخمسون: طلب االتفاق وعدم االختالف من هذه األدلة هوجعل ما ليس بعلة علة وهو خطأ يستحيل على الله تعالى فال بد من

المعصوم.الخامس والخمسون: االتفاق أما بمتابعة واحد من غير ترجيح وهو

ترجيح بال مرجح أو بال متابعة بل باالتفاق وهو محال أو بمتابعة واحد ترجحاتباعه من حيث الشرع ال باختيار، فإما أن يكون معصوما أو غير معصوم.

والثاني محال وإال لزم عدم االتفاق أو األمر بالمعصية فتعين األول وهوالمطلوب.

السادس والخمسون: قوله تعالى: (وال تكونوا كالذين تفرقواواختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) دل على وجوب االتفاق وتحريم

االختالف وال يتم إال بالمعصوم كما ذكرناه وأيضا دل على تكليفنا بذلك بعدالبينات وهو ما يفيد العلم وذلك هو المعصوم وهو المطلوب.

السابع والخمسون: قوله تعالى: (ليسوا سواء من أهل الكتب أمةقائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) يؤمنون بالله واليوم

اآلخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسرعون في الخيرات وأولئكمن الصالحين) هذه تدل على المعصوم ألن األمر بكل معروف والناهي عن

كل منكر والمسارع في الخيرات هو المعصوم، وإنما قلنا بالعموم لظهوره وألنغيره مسار وألن الصالح حقيقة إنما يطلق على المعصوم وهو يدل على وجوده،

وال قائل بالفرق.الثامن والخمسون: قوله تعالى: (وما يفعلوا من خير فلن يكفروه

والله عليم بالمتقين) هذا تحريض تام على فعل كل خير ويدل على طلب اللهتعالى لفعل كل خير وإنما يعلم بالعلم اليقيني والمقرب والمبعد وال يتم ذلك إال

بالمعصوم، فيجب ثبوته.التاسع والخمسون: قوله تعالى: (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم

يظلمون) وجه االستدالل إن فعل التكليف موقوف على العلم به يقينا وعلى

(١٦٥)

Page 168: Kitab Al-Alfain Arabic

المقرب والمبعد وال يتم ذلك إال بالمعصوم فإن أهمل الله تعالى أحد الفعلين معتكليفه يكون قد كلف بالمشروط مع انتفاء الشرط وذلك ظلم لهم تعالى الله

عنه وإن كان مع وجود الشرطين وتجاوزوا يكون هم ظلموا أنفسهم، لكنهنفي األول وأثبت الثاني فدل على وجود المعصوم.

الستون: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ال تتخذوا بطانة من دونكمال يألونكم خباال) حذر الله عز وجل عن اتباع مثل هؤالء وغير المعصوم

يجوز كونه منهم فال يجوز اتباعه.الحادي والستون: قوله تعالى: (قد بينا لكم اآليات إن كنتم

تعقلون) البيان هنا بمعنى إيجاد فعل صالح ألن يحصل معه العلم وال يمكنإال بالمعصوم كما تقدم تقريره مرارا، فيلزم أن يكون الله تعالى قد نصب

المعصوم وهو ظاهر.الثاني والستون: قوله تعالى: (ها أنتم أوالء تحبونهم وال يحبونكم

وتؤمنون بالكتب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلو عضوا عليكم األناملمن الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور) وجه االستدالل

أن اإلمام ليس من هذا القبيل بالضرورة وغير المعصوم يمكن أن يكون منهذا القبيل فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة.

الثالث والستون: أنكر الله تعالى على محب هؤالء مع إخفائهم حالهمعنا وذلك يستلزم النهي عن محبة من يجوز فيه ذلك، إذ لو كان يقينا لم يكن

هؤالء القوم وغير المعصوم يجوز فيه ذلك، فال يجب محبة الطاعة واالتباع إذ هيالمراد واإلمام يجب محبة الطاعة واالتباع فال شئ من غير المعصوم بإمام وهو

المطلوب.الرابع والستون: قوله تعالى: (إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن

تصبكم سيئة يفرحوا بها) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك، والشئ من اإلمام يمكن أن يكون كذلك بالضرورة، فال شئ من غير المعصوم

بإمام.

(١٦٦)

Page 169: Kitab Al-Alfain Arabic

الخامس والستون: قوله تعالى: (ولله ما في السماوات وما في األرضيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله غفور رحيم) وصفة بالمبالغة في

الغفران والرحمة تستلزم عدم تعذيبه إال مع قطع جميع الحجج وإظهار جميعاألحكام ونصب الطرق التي يتوصل منها إلى معرفة األحكام يقينا واللطف

المقرب من الطاعة والمبعد عن المعصية وذلك كله ال يتم إال بالمعصوم فيجبنصبه.

السادس والستون: قوله تعالى: (واتقوا الله لعلكم تفلحون) هذاال يتم إال بالمعصوم كما تقدم وهو من فعله تعالى فيجب نصبه الستحالة

التكليف مع عدم خلق الشرائط التي هي من فعله تعالى.السابع والستون: قوله تعالى: (وأطيعوا الله والرسول لعلكم

ترحمون) الطاعة موقوفة على معرفة أحكامه تعالى وأمره ونهيه وحكم الرسولوال يتم إال بالمعصوم كما تقدم مرارا فيجب نصبه.

الثامن والستون: قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنةعرضها السماوات واألرض أعدت للمتقين) (الذين ينفقون في السراءوالضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)

المسارعة إلى المغفرة بفعل موجبها وهو امتثال أوامره ونواهيه الموقوف علىمعرفة ذلك واللطف المقرب والمبعد الذي هو شرط فيه، وكذلك االحسان

والتقوى وكل ذلك موقوف على المعصوم، فلو لم ينصبه الله تعالى لزم منه أنيكون الله تعالى قد كلف مع عدم فعل شرط من فعله تعالى وهو تكليف

بالمحال محال.التاسع والستون: قوله تعالى: (هذا بيان للناس وهدى وموعظة

للمتقين) وال يتم كونه بيانا وهدى إال بالمعصوم إذ أكثره مجمل وظاهر اليفيد اليقين وال يحصل إال بقول المعصوم فيجب نصبه وهو المطلوب.

السبعون: قوله تعالى: (ويتخذ منكم شهداء) الله تعالى يتخذ مناألمة شهداء فال بد من حصول العدالة المطلقة لهم حتى ال يتوجه الطعن

(١٦٧)

Page 170: Kitab Al-Alfain Arabic

عليهم بوجه أصال والباتة والعدالة المطلقة هي العصمة، فدل على ثبوتمعصوم في كل عصر وهو المطلوب.

الحادي والسبعون: قوله تعالى: (والله ال يحب الظالمين) غيرالمعصوم ظالم وكل ظالم ال يحبه الله تعالى، فكل غير المعصوم ال يحبه الله تعالى

وكل أما يحبه الله تعالى بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام وهوالمطلوب.

الثاني والسبعون: قوله: تعالى: (ولما يعلم الله الذين جهدوا منكمويعلم الصابرين) الجهاد الدائم أفضل وهو الجهاد مع القوى الشهوية

والغضبية وكسرهما والصبر على ترك مقتضاهما وذلك هو مطلوب المعصوم،فيلزم ثبوته وهو المطلوب.

الثالث والسبعون: قوله تعالى: (ومن يرد ثواب اآلخرة نؤته منها)وجه االستدالل إن من يريد ثواب اآلخرة يؤتيه الله منها، والثواب في مقابل

الطاعة فال بد أن يكون له طريق إلى معرفة األحكام الشرعية واألوامروالنواهي اإللهية وال بد من اللطف المقرب والمبعد وال يحصل ذلك إال

بالمعصوم فيجب نصبه.الرابع والسبعون: قوله تعالى: (وسنجزي الشاكرين) هذا تحريض

على الشكر وال يتم إال بمعرفة كيفيته يقينا وال يحصل إال بالمعصوم فيجبنصبه وإال لزم التحريض على شئ مع عدم التمكن منه وهذا باطل ضرورة

فيلزم نقض الغرض والعبث وكل ذلك محال عليه تعالى.الخامس والسبعون: قوله تعالى: (وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير فما

وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين)هذه الفضيلة ال بد أن تدرك في كل زمان والنبي ليس في كل زمان فال بد منشخص يقوم مقامه ويكون طاعته كطاعته ودعاؤه كدعائه وذلك هو المعصوم

فيجب حصوله في كل وقت وهو المطلوب.

(١٦٨)

Page 171: Kitab Al-Alfain Arabic

السادس والسبعون: قوله تعالى: (فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسنثواب اآلخرة والله يحب المحسنين) ال يتم ذلك إال بالمعصوم فيجب ثبوته

وهو المطلوب.السابع والسبعون: قوله تعالى: (بل الله موالكم وهو خير الناصرين)

فيجب بهذه اآلية عمل المصالح وخلق األلطاف والتقوى والنصرة على القوىالشهوية والغضبية فال يتم ذلك إال بالمعصوم فيجب نصبه.

الثامن والسبعون: قوله تعالى: (وبئس مثوى الظالمين) الظالميستحق مثوى النار وال شئ من اإلمام يستحق مثوى النار بالضرورة ينتج الشئ من الظالم بإمام وكل غير معصوم ظالم فيجعل صغرى للنتيجة لينتج من

اإلمام بغير معصوم ال شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب.التاسع والسبعون: قوى النفس تنقسم إلى ثالثة أقسام:

األول: الملكية وهي التي بها التفكر والتميز والنظر في حقايق األموروآلتها التي تستعملها من البدن والدماغ وقد تسمى هذه نفسا ناطقة.الثاني: البهيمية وهي النفس الشهوانية وهي التي بها الشهوات وطلب

الغداء والشوق إلى اللذات الحسية وآلتها التي تستعملها من البدن الكبد.الثالث: السبعية وهي التي بها الغضب والنجدة والترفع وآلتها التي

تستعملها من البدن القلب، وهذه الثالثة متباينة، وإذا قوى بعضها أضرباآلخر وربما أبطل أحدهما فعل اآلخر وبغلبة األولى يحصل امتثال األوامرالشرعية وانتظام نوع اإلنسان وبغلبة اآلخرين يحصل االختالل فال بد من

مقوم لألولى ومانع لألخيرين وليس من األمور الداخلية بل من األمورالخارجية للمشاهدة وليس إال توقع العقوبة في العاجلة وليس ذلك إال من

اإلمام المعصوم إذ غيره اآلخريان فيه أقوى وأغلب فال يصلح لتقوية ضدهماوكسرهما ألن غلبة أحد الضدين يستلزم ضعف اآلخر.

الثمانون: أجناس الفضائل أربعة: الحكمة والفقه والشجاعة

(١٦٩)

Page 172: Kitab Al-Alfain Arabic

والعدالة.واألولى: إنما تحصل إذا كانت حركة النفس معتدلة.

والثانية: إنما تحصل إذا كانت حركة النفس البهيمية معتدلة منقادةللنفس الناطقة، والثالثة: إنما تحصل إذا كانت حركة النفس البهيمية

والسبعية منقادة للنفس الناطقة. والرابعة: إنما تحصل من اعتدال الفضائلالثالث ونسبة بعضها إلى بعض فاإلمام لتحصيل هذه الفضائل للمكلف فيكل وقت، فال بد أن يكون القوى البهيمية مغلوبة والقوى الناطقة غالبة فيه

في كل وقت يفرض وذلك يستلزم العصمة؟الحادي والثمانون: أجناس الرذائل أربعة الجهل والشره والجبن

والخمود إذا تقرر ذلك.فنقول: اإلمام لدفع هذه في كل وقت يفرض فتنتفي عنه بالكلية

واإلقدام على القبيح إنما يتأتى من أحد هذه ومع انتفاء السبب فيلزم من ينتفيالمسبب ذلك العصمة وهو المطلوب.

الثاني والثمانون: غاية حصول الحكمة أن يعرف الموجودات على ما هيعليه ويعرف أي المفعوالت يجب أن يفعل وأيها يجب أن ال يفعل وإنما يحصلذلك بمعرفة األحكام اإللهية يقينا وإنما تحصل من المعصوم كما تقدم وإنما يتم

الغرض والفائدة بفعل ذلك وال يحصل إال بالمعصوم كما تقدم فيجب.الثالث والثمانون: أنواع الحكمة الذكاء وهو شرعة انقداح النتائج

وسهولتها على النفس والذكر وهو ثبات صورة ما يحصله العقل والوهم مناألمور والتعقل وهو موافقة بحث النفس عن األشياء بقدر ما هي عليه وإنمايحصل ذلك بكثرة التفات النفس إلى المعقوالت بحيث تقوي القوة الناطقة

وقوة التفاتها إلى القوة البدنية البهيمية وإنما يحصل ذلك بامتثال األوامر اإللهيةوإنما ذلك علما وعمال بالمعصوم كما تقدم تقريره غير مرة.

الرابع والثمانون: العفة تحدث عن القوة البهيمية وذلك إذا كانت

(١٧٠)

Page 173: Kitab Al-Alfain Arabic

حركتها معتدلة منقادة للنفس الناطقة غير مباينة عليها وغاية ظهورها فياإلنسان أن يصرف شهواته بحسن الرأي أعني أن يوافق التميز الصحيح حتى

ال ينقاد لها، ويصير بذلك حرا غير متعبد لشئ من شهواته وهي فضيلةعظيمة مطلوبة وإنما يتم بذلك بقهر القوى الشهوانية وال يحصل إال بالمعصوم

كما تقدم تقريره غير مرة.الخامس والثمانون: العفة وساطة بين رذيلتين، األولى: الشرة وهو

االنهماك في اللذات والخروج فيها عن ما ينبغي. الثانية: الخمود وهوالسكون عن الحركة التي يسلك بها نحو اللذة الجملية التي يحتاج إليها البدن

في ضروراته وهي ما يرخصه العقل والشرع، واألولى أشر من الثانية بكثير،فال بد من حافظ للشرع في كل وقت يعرف أحكامه الصحيحة والفاسدة وما

حرم من الشهوات ليخلص من األولى ويعرف ما يحل ليخلص من الثانيةوالكتاب والسنة ال يفيان بذلك، فتعين اإلمام ويجب أيضا قهر القوى

الشهوية بحيث ال يقع في الرذيلة األولى، فإن أكثر تداعي القوة البشرية إلىاستعمال القوى الشهوانية وال يمنع ذلك إال الرئيس القاهر فيجب المعصوم إذ

غيره ال يصلح لذلك.السادس والثمانون: للعفة اثني عشر نوعا:

األولى: الحياء وهو انحصار النفس خوف إتيان القبايح والحذر من الذموالسبب الصارف.

الثاني: الدعة وهو سكون النفس عند هيجان الشهوة.الثالثة: الصبر وهو مقاومة النفس للهوى لئال تنقاد لقبائح اللذات.

الرابع: السخاء المتوسط في االعطاء واألخذ وهو أن ينفق األموال فيماينبغي بقدر ما ينبغي وتحته أنواع سنذكرها.

الخامس: الحرية وهي فضيلة النفس بها تكتسب المال من وجهه وتمتنعمن اكتساب المال من غير وجهه.

(١٧١)

Page 174: Kitab Al-Alfain Arabic

السادس: القناعة وهي التساهل في المأكل والمشرب والزينة.السابع: الديانة وهي حسن انقياد النفس لما يجمل ويشرعها إلى

الجميل.الثامن: االنتظام والتدبير وهو حال للنفس يقودها إلى حسن تدبير

األمور وترتيبها كما ينبغي.التاسع: الهدى وهو حسن السمت وهي تكميل محبة النفس بالزينة

الخشنة والحسنة.العاشر: المقالة وهي مرادعة تحصيل للنفس عن تكملة االضطرار

فيها.الحادي عشر: الوقار وهو سكون النفس وثباتها عند الحركات التي تكون

في المطالب.الثاني عشر: الورع وهو لزوم األعمال الجميلة التي يكون فيها كمال

النفس إذا عرفت هذا، فنقول: اإلمام نصب لتكميل هذه في الناس، فالبد أن يكون فيه أكمل ما يمكن دائما في كل وقت وذلك يوجب العصمة.

السابع والثمانون: الشجاعة إنما تحصل بانقياد القوة السبعية للنفسالناطقة فتكن الحركة السبعية معتدلة فال تهيج في غير ما ينبغي وال تحمي أكثر

مما ينبغي وإنما تظهر بحسن انقيادها للنفس الناطقة المميزة واستعمال ما يوجبهالرأي في األمور الهائلة، أعني أن ال يخاف من األمور المفزعة إذا كان فعلهاجميال والصبر عليه محمودا وإذا لم يظهر أثر انقيادها لها في اللذات الحسية

والشهوات الحيوانية المحرمة لم يظهر فعلها في الخارج: ولم يكن على أصلواإلمام أشجع الناس في كل وقت يفرض الحتياجه إلى ذلك وهو ظاهر، فال

تغلب السبعية الناطقة العقلية في وقت من األوقات خصوصا في ما يتعلقبالشهوات الحيوانية فيكون معصوما.

الثامن والثمانون: أنواع الشجاعة ثمانية:

(١٧٢)

Page 175: Kitab Al-Alfain Arabic

األول: كبر النفس وهو االستهانة باليسار واالقتصار على حمل الكرامةوالهوان وتنزيه النفس عن الدناءات.

الثاني: النجدة وهو ثقة النفس عند المخاوف بحيث ال يخامرها جزع.الثالث: عظم الهمة وهي فضيلة للنفس بها يحتمل سعادة الجسد

وضدها حتى الشدايد التي تعرض عند الموت.الرابع: الصبر وهي فضيلة بها تقوي النفس على احتمال اآلالم

ومقاومتها على األهوال والفرق بينه وبين الصبر الذي في العفة إن هذا يكونعلى األمور الهائلة وذلك على الشهوات الهائجة.

الخامس: الحلم وهو فضيلة للنفس تكسبها الطمأنينة فال تكن سبعيةوال يحركها الغضب بسهولة وسرعة.

السادس: السكون وهو قوة للنفس تعسر حركتها عند الخصومات،وفي الحروب التي يذب بها عن الحرايم أو عن الشريعة لشدتها.

السابع: الشهامة وهو الحرص على األعمال العظام لألحدوثة الجميلة.الثامن: االحتمال وهو قوة للنفس تستعمل اآلت البدن في األمور

الحسية بالتمرين وحسن العادة واإلمام لتقوية هذه وضعف أضدادها فال بدأن يكون فيه في غاية الكمال وذلك يقتضي العصمة.

التاسع والثمانون: العدالة تحدث من الفضائل الثالث المتقدمة بعضهافي بعض فضيلة هي كمالها وتمامها وذلك عند مسالمة هذه القوى بعضها

لبعض واستسالمها للقوى المميزة ال تتحرك بتغالب وال تتحرك عند مطلوبهاعلى سوء طباعها وتحدث لإلنسان بها هيئة يختار بها أبدا اإلنصاف من نفسه

على نفسه أوال، ثم اإلنصاف واالنتصاف من غيره واإلمام للحمد عليهاوتقويتها فيجب أن تكون فيه في جميع األوقات وعلى جميع األحوال وعلى جميع

التقادير على أكمل ما يمكن أن يكون وذلك هو العصمة.

(١٧٣)

Page 176: Kitab Al-Alfain Arabic

التسعون: قد بينا أن العدالة فضيلة ينصف بها اإلنسان من نفسه ومنغيره من غير أن يعطي نفسه من النافع أكثر وغيره أقل، وفي الضار

بالعكس، أي ال يعطي نفسه أقل وغيره أكثر لكن يستعمل المساواة التيهي تناسب بين األشياء، ومن هذا المعنى يشتق اسمه أعني العدل، وأما

الجائر فبخالف ذلك فإنه يطلب لنفسه الزيادة من النافع ولغيره النقصان منهوفي األشياء الضارة يطلب النقصان لنفسه ولغيره الزيادة فيجب أن يتصف

حاكم الكل بهذه الصفة على أكمل األنواع وذلك هو العصمة.الحادي والتسعون: من أنواع العدالة العبادة وهي تعظيم الله تعالى

وتمجيده وطاعته واالكرام ألوليائه من المالئكة واألنبياء والرسل والعمل بماتوجبه الشريعة واإلمام إلتمام ذلك والحمل عليه، فال بد أن يكون ذلك فيه

في كل زمان على أكمل األنواع والوجوه وهو العصمة.الثاني والتسعون: اعلم أن العدالة وساطة بين رذيلتين:

األولى: الظلم وهو التوصل إلى أكثر المقتنيات من حيث ال ينبغي بما الينبغي.

الثانية: االنظالم وهو االستجابة في المقتنيات بمن ال ينبغي وكما ال ينبغيولهذا يكون الظالم كثير المال ألنه يتوصل إليه من حيث ال يجب بما ال يجبوالمتظلم يسير المال ألنه يتركه من حيث يجب والعادل في الوسط ألنه يقتني

المال من حيث يجب ويتركه من حيث ال يجب، واإلمام عليه السالم لدفعاألول وتعريف طريق الوسط ليتحفظ من الثاني فال بد أن يكون معصوما وإال

لم يثق بقوله وفعله فيهما.الثالث والتسعون: اإلمام إنما هو للعلوم بالشرع والعمل به، فال بد

أن يكون معصوما وإال لم تتم هذه الفائدة ولم يحصل الوثوق بقوله والحتاج إلىإمام آخر فيلزم الدور أو التسلسل.

الرابع والتسعون: كل معصية ال بد أن يكون لها عقوبة في مقابلتهاوأقله التعزير والتأديب وال بد أن يكون لها معاقب غير فاعلها يخافه الفاعل

(١٧٤)

Page 177: Kitab Al-Alfain Arabic

قبل فعله وربما يترك ويستوفي منه مع فعله وفي ذلك لطف للفاعل بامتناعه عنالمعاصي وحصول الثواب باستيفاء العقاب ولغيره من المكلفين وال بد أن

يكون ذلك المعاقب بوالية شرعية واستحقاق وأخذ وإال وقع الهرج، فلو جازعليه ذلك لوجب أن يكون معاقب آخر يخافه أقوى منه وأبسط يدا فيجب أن

يكون لإلمام إمام آخر وهو محال.الخامس والتسعون: موقوف على مقدمات:

المقدمة األولى: كل فعل غاية فإما ذاته أو غيره والثاني أما أن يكفي فيحصول الغاية أو يتوقف على آخر غيره، والثاني ال بد أن يفعل الفاعل ذلك

الفعل الموقوف عليه تحصيل الغاية من الفعل اآلخر وإال لزم الجهل والعبث،ألنه أما أن يعلم بالتوقف أوال، والثاني هو الجهل، واألول يستلزم العبث

بالفعل ألنه إذا كان لغاية وال يتم تحصيله إال بالفعل اآلخر، فإذا لم يفعله لزمالعبث.

المقدمة الثانية: نصب الحدود وتعريف الفرائض وما يحرم إما أن يكونال لغرض وهو عبث على الله تعالى محال أو لغرض ويستحيل عوده إليه فبقي

عوده إلى العباد فإما النفع أو الضرر، والثاني باطل بالضرورة، فتعين األولوهو ارتداع المكلف عن المعاصي وحمله على الطاعات.

المقدمة الثالثة: ال تتم هذه الغاية إال بحاكم قاهر يستحيل عليه إهمالهاوالمراقبة ويستحيل عليه موجب الحدود وإال كان هو الداعي للمكلف إليه

وذلك هو المعصوم فيلزم من نصب الحدود وتقرير الشرايع نصب إمام معصومفيلزم في كل زمان وهو المطلوب.

السادس والتسعون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم إما الترجيح بالمرجح أو كون اإلمام غير مكلف والتالي بقسميه باطل فالمقدم مثله بيان

المالزمة إن إيجاب طاعة اإلمام ونصبه إنما هو لمصلحة المكلف غير المعصوم،فأما أن يكون اإلمام مكلفا غير معصوم أوال، واألول يستلزم الترجيح من غير

مرجح إذ جعل اإلمام يقهر بعض المكلفين لمصلحتهم دون البعض مع تساوي

(١٧٥)

Page 178: Kitab Al-Alfain Arabic

الكل بالنسبة إليه تعالى ترجيح من غير مرجح، والثاني انتفاء المجموع، إمابانتفاء التكليف فيلزم األمر الثاني أو بانتفاء عدم العصمة، وهو خالف

التقدير والمطلوبالسابع والتسعون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم أن يكون أقل رتبة

عند الله تعالى ومحال للمعاصي والتالي باطل، فالمقدم مثله بيان المالزمة اإلمامإنما هو لمصلحة المكلف غير المعصوم فإذا كان اإلمام مكلفا غير معصوم ولمينصب له إمام مع إيجاب الله تعالى النصب بغيره دونه لزم أن يكون قد راعى

الله تعالى مصلحة العوام دون مصلحة اإلمام فيكون أقل رتبة من العوام اليقال هذا إنما يتم على قول المعتزلة إن فعله تعالى لغرض وغاية أما على قولنا

من أن فعله تعالى ال لغرض وغاية فال يتم هذا، لكن قد ثبت الثاني فيالكتب الكالمية والقادر عندكم يجوزان يرجح أحد مقدوريه على اآلخر ال

لمرجح كالجايع إذا حضره رغيفان والعطشان إذا حضره إناءان والهارب إذاكان له طريقان وتساوت نسبة الجميع إلى المذكورين وبهذا أثبتم قدرة العبدوجاز أن يكون نصبه لألمة لطفا له مانعا من المعاصي كمنصبه لغيره لخوف

غيره العقوبة وخوفه من العزل أو نقول علو مرتبة توجب أن ال يكون عليهرئيس آخر، فليس هو نقص رتبة بل علو مرتبة، ألنا نقول الحق إنه تعالىيفعل لغرض ألن كل فعل يقع ال لغرض فهو عبث وكل عبث قبيح فكل

فعل ال لغرض قبيح وكل قبيح ال يفعله الله تعالى والنقص إنما يلزم لو عادالغرض إليه، أما إلى غيره فال، وأما الترجيح بال مرجح تساوي المصالح

بالنسبة إلى الفاعل القادر أما مع لزوم المفسدة وهو االخالل باللطف فال،سلمنا لكن لجواز من حيث القدرة ال ينافي عدمه من حيث الحكمة واالمتناعهنا في الثاني وهو المطلوب. سلمنا لكن إذا كان المانع والحامل للمكلفين هواإلمام فلو لم يكن ممنوعا لم يتحقق منعهم، فما كان يحصل المقصود وكونهرئيسا أو مرؤوسا إذا نسب إلى النجاة األخروية، كان الثاني أولى وادخل في

االعتبار عند الله تعالى وخوفه من العزل إنما يمنعه لو كان مقهورا، أما إذاكان هو القاهر للكل فال يتحقق الخوف من العزل وأيضا فإن خوفه من ذلك

(١٧٦)

Page 179: Kitab Al-Alfain Arabic

إنما يتحقق مع عصمتهم إما مع موافقتهم إياه في المعاصي فال وأيضا فألنخوف المكلفين بيان للمكلفين ال صلة للخوف من المعصوم والممتنع عن

المعاصي أكثر من غيرهما وأنه مع غيرهما أكثر وكان داعي جايز الخطأ إلىنصب غير المعصوم أو األقل امتناعا أكثر إال باعتبار أمر آخر.

الثامن والتسعون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم أن يكون الله تعالىناقضا لغرضه والتالي باطل فالمقدم مثله.

(بيان المالزمة)إنه تعالى إنما طلب باإلمام رفع المعاصي من المكلفين ووقوع الطاعات،فإذا كان اإلمام غير معصوم ولم يكن له إمام آخر لزم نقض الغرض، وألن

دفع المعاصي ووقع الطاعات ال يتصور إال من المعصوم، فلو لم يكن اإلماممعصوما لزم أن يكون الله تعالى ناقضا لغرضه وبطالن التالي ظاهر.

التاسع والتسعون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم الترجيح من غيرمرجح أو التسلسل والتالي بقسميه باطل، فالمقدم مثله بيان المالزمة إن نصباإلمام إنما هو لنفع المكلف غير المعصوم فإن لم يكن اإلمام معصوما فإن لميكن له إمام آخر لزم تخصيص غير اإلمام بالنفع دون اإلمام وهو ترجيح من

غير مرجع وإن كان له إمام آخر نقلنا الكالم إليه وتسلسل.المائة: القوة المدركة والقوة الشهوية والمدرك والقدرة علة حصول اللذات

وبقاء النوع وذلك مع احتياج البعض إلى ما في يد اآلخر أو عمله أو بالعكسالموجب بحسن الشرع المعاوضات علة نظام النوع لكن يلزم هذه األشياءالتغالب والفساد كما أن حرارة النار خير وإن استلزم إحراق ما ال يستحق

إحراقه والقوة العقلية المقتضية أحسن التكليف مع - حال من القوة العقلية -التكليف ومع نصب رئيس معصوم في كل زمان قاهر مانع لهذه الشهوات هو

علة زوال هذا الالزم الذي هو المفسدة ال على وجه الجبر بحيث يمنع التكليفوهو مقدور لله تعالى وال يحسن انتفاء هذه المفسدة على الوجه المذكور إال بهذه

(١٧٧)

Page 180: Kitab Al-Alfain Arabic

األشياء الثالثة، فال بد من خلقها وإال لكان الله تعالى فاعال لسبب المفسدةمع قدرته على فعل سبب انتفائها على وجه ال ينافي التكليف وهذا قبيح عقال

ال يجوز من الحكيم إذ يكون هو سبب المفسدة تعالى الله عن ذلك علواكبيرا.

(١٧٨)

Page 181: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة الرابعةاألول: القوة الشهوية والوهمية منشأ المفسدة والقوة العقلية هي منشأ

المصلحة وهي المانعة لهما واإلمام إنما جعل معاضدا للثانية ومتمما لفعلها فيكل وقت لغلبة األوليين في كثير من الناس وال يتم ذلك إال مع كونه معصوما

إذ غير المعصوم قد تقوي الشهوية والغضبية عليه وتكون العقلية مغلوبة معهفال يحصل المنع منه.

الثاني: علة الحاجة إلى اإلمام في القوة العملية أما غلبة القوة الشهويةبالقوة أو بالفعل والثاني إما دائما أو في الجملة، وهذا مانعة الخلو وهو ظاهر إذ

لو كانت القوة الشهوية مغلوبة للعقلية دائما في كل الناس لم يحتج فعل الطاعاتواالنتهاء عن المعاصي مع العلم بها إلى اإلمام لتحقق سبب األولى الذي منجملته القدرة والداعي وانتفاء الصارف فيجب انتفاء سبب الثانية ويستحيلوجود ذي المبدء بدون مبدئه فيمتنع فثبت صحة المنفصلة، فنقول: األول

يستلزم وجوب عصمة اإلمام ألن نقيض الممكنة إنما هو الضرورية ولثبوتذلك في اإلمام غير المعصوم فيحتاج إلى إمام آخر ويتسلسل وبالثاني يلزم

االستغناء عن اإلمام في أكثر الوقت ألكثر الناس في أكثر األصقاع وال تكونالحاجة إليه إال نادرا، وهو محال والثالث هو المطلوب إذ غير المعصوميتحقق فيه هذا فيحتاج إلى إمام آخر وتسلسل فال بد أن يكون معصوما،

وهذا القسم الثالث هو الحق.

(١٧٩)

Page 182: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث: لو كان اإلمام غير معصوم لم يجز نصبه إال بالنص لكن التاليباطل فالمقدم مثله بيان المالزمة إن األمة متساوية في هذا المعنى فترجيح

أحدهم لإلمامة ترجيح من غير مرجح وهو محال ولوجود علة االحتياج فيهفال ينقاد المكلفون إليه بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وأما بطالن

التالي فباالتفاق وألنه يستحيل من النبي عليه الصالة والسالم األمر بطاعة منيجوز عليه الخطأ في جميع ما يأمر به وينهي عنه وألنه لم يوجد ألن الناس بين

قائلين منهم من شرط العصمة فأوجب النص ومنهم من لم يشترطها فلميوجب النص.

الرابع: االمكان هو تساوي طرفي الوجود والعدم بالنسبة إلى الماهية أوملزومه وهو علة الحاجة إلى العلة المتساوية النسبة إلى الطرفين بل الواجبة،وعلة احتياج األمة إلى اإلمام وهو إمكان المعاصي والطاعات عليهم، فال بد

أن يجب للعلة في الطاعات وعدم المعاصي أن ال يكون ذلك ممكنا لها وهيمعنى العصمة.

الخامس: الممكن محتاج إلى غيره من حيث االمكان والمغاير من جهةاالمكان هو الواجب فالممكن من حيث هو محتاج إلى الواجب فممكن الطاعة

محتاج إلى واجبها وهو المعصوم فيجب أن يكون اإلمام معصوما.السادس: الممكن محتاج إلى العلة في وجوبه وال شئ من غير الواجب

من حيث هو غير واجب يفيد الوجوب فكل علة للممكن فهي واجبة إذا تقررذلك فاإلمام علة في فعل الطاعات فيجب وجودها لإلمام وهو معنى العصمة

وهو المطلوب ال يقال: هذا إنما يرد في العلة التامة الموجبة على أن نمنع عمومهفإن االمكان نفسه عند قوم علة لكن ناقصة، وما أنتم فيه كذلك واإلمام

ليس من العلل الموجبة وإال لم يقع معه معصية من مكلف البتة، وأيضا فألنالمطلوب من اإلمام تقريب المكلف ال وجوب وقوع الطاعة وإال الرتفع

التكليف أو كان بما ال يطاق وهو باطل قطعا وألنه يلزم أن ال يكون لطفا،فال يجب وهو ترجيح يرجع باالبطال، وأيضا فألن المطلوب من اإلمامترجيح الطاعة عند المكلف مع إمكان النقيض وإال لزم الجبر فيجب فيه

(١٨٠)

Page 183: Kitab Al-Alfain Arabic

ترجيح الطاعة مع إمكان النقيض فال يلزم العصمة وال وجوبها، وأيضا فإنهلو وجب وجود الطاعة مع اإلمام لزم الجبر في حقه فال يكون مكلفا، ويلزم

نفي فضيلته في العصمة، ألنا نقول: كل علة سواء أكانت تامة أو ناقصةفإنه يجب أن تكون واجبة في الجملة، فإن الممكن المساوي ال يصلح للعلية

فإن المتساوي من حيث هو ال يصلح للترجيح وهو ضروري واالمكان اليصلح للعلية ألنه عدمي

وإال لزم ووجوب الممكن أو التسلسل وكل عدميفال تحقق له في نفسه وال تعين وال شئ مما ال تعين له وال تخصص بعلة بل

امتناع علية االمكان في وجود خارجي بديهي وما يذكر فيه (تنبيه) وأيضا فإنالعلة المقتضية للترجيح ال بد من وجوب ما يرجحه لها وإال لم تعقل عليه

مقتضيته فنقيضه حال التساوي بالنسبة إلى الله تعالى ممتنع ما لم يرجح بداعوإرادة فحال وجوب النقيض أولى باالمتناع، وال نعني بالعصمة إال ذلك

واإلمام مسلم إنه ليس من العلل الموجبة بل من المرجحة من قدرته وعلمهوعلم المكلف، وهذا يكفي إذ لو أوجب االلجاء لخرج المكلف عن التكليف

هذا خلف واإلمام المطلوب منه التقريب فمتى جوز المكلف عصيانه لم يثقبصحة ما يأمر به بل يجوز أمره بالمعصية، فال يكون مقربا فال يفرض كونه

مقربا إال مع وجوب الطاعة منه وامتناع المعصية، وهو المطلوب، وأيضا فإنمعنى كونه مقربا كونه علة ناقصة وقد قررنا إن كل ما هو علة ال بد من

وجوبه وهو الجواب عن الثالث.وأما الرابع: فباطل ألنا نقول بوجوب الطاعة المنافي للقدرة بل الوجوب

بالنسبة إلى الداعي الذي لإلمام باعتبار اللطف الزائد والوجوب بالنظر إلىالداعي ال ينافي االمكان من حيث القدرة الختالف االعتبار فال جبر.

السابع: كل مكلف مأمور بجميع الطاعات مع اجتماع شرايط الوجوبومنهي عن المعاصي كذلك وهذا هو العصمة، فالعصمة مطلوبة من الكل

وغاية اإلمام التقريب منها فكل واحد من األمة ممكن العصمة وغاية االمكانالتقريب منها بحسب االمكان، فلو يمكن واجب العصمة لم يكن علة ما في

ثبوت الممكن لما تقرر في المعقول من وجوب وجود العلة.

(١٨١)

Page 184: Kitab Al-Alfain Arabic

الثامن: لو كان اإلمام غير معصوم لزم أحد األمرين أما خرق االجماعأو كون نقيض الالزم علة غائية مجامعة في الوجود للملزوم والتالي بقسميه

باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة يتوقف على مقدمتين:إحديهما: إن بقاء نظام النوع ودفع الهرج والمرج علة غائية مقصودة من

نصب اإلمام.وثانيتهما: إن مساواة اإلمام لغيره في عدم العصمة وعدم النص عليه مع

اختالف األهواء وتباين اآلراء موجب للتنازع والهرج والمرج وهو أعظماألسباب في إثارة الفتن وإقامة الحروب، ألنا نرى في الرياسات المنحصرة

ذلك، فكيف مثل هذا األمر العظيم إذا تقرر ذلك؟فنقول: لو لم يكن اإلمام معصوما لكان تعيينه أما أن يكون بنص النبي

صلى الله عليه وآله أو ال.واألول: يلزم منه خرق االجماع إذ األمة بين من يوجب العصمة والنص

ومن ينفيهما وال ثالث، فالثالث خارق االجماع والثاني وهو أن ال يكون بنصالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يلزم منه اختالل نظام النوع والهرج والمرج

وهو ظاهر لكن انتظام النوع وأضداد ما ذكر غاية مجامعة في الوجود لإلمامفيكون نقيض الالزم علة غائية مجامعة في الوجود للملزوم وأما بطالن التالي

بقسميه فظاهرالتاسع: اقتدار العاقل على الظلم جايز لوقوعه واستحالة القبيح منه

تعالى والستلزام عدمه عدم المكلف أو ثبوته بالمحال والظلم قبيح فوجب فيالحكمة التكليف بتركه وإال لكان إغراء بالقبيح، والتكليف غير كاف في

التقريب من تركه وإال لم يجب الرئيس وللمشاهدة، فلو أوجب طاعته علىالمكلفين كافة وحرم معصيته وأباح له قتال عاصيه إلى أن يقتل أو يرد إلى

طاعته مع عدم لطف زائد يمتنع معه اختيار المكلف للظلم وإن كان قادرا عليهبحيث ال يرتفع التكليف لكان إغراء بالقبيح وزيادة تمكن منه مع عدم

الصارف إذ مجرد التكليف ال يكفي وهذا قبيح قطعا فال بد في من أمر الله

(١٨٢)

Page 185: Kitab Al-Alfain Arabic

بطاعته وحرم معصيته وأمر بقتال عاصيه إلى أن يقتل أو يرد إلى طاعته منلطف زائد يمتنع معه اختياره للظلم، وهذا هو العصمة وهو المطلوب.

العاشر: علة االحتياج إلى اإلمام هو القدرة على المعصية والقوة الشهويةوعدم العصمة ولم يكف التكليف وحده، فال بد أن إيجاب تمكين اإلمام من

المكلفين وإيجاب طاعتهم له بحيث يتسلط على الكل ويكون قادرا عليهم منغير عكس إذا تقرر ذلك.

فنقول: تحكيم غير المعصوم كما ذكرنا زيادة في اقداره على أنواع الظلموالمعاصي، وقد بان فيما مضى وجوب اإلمام المقرب والمبعد مع وجود القدرة

على المعاصي وعدم العصمة ولم يكتف بالتكليف، فمع زيادة القدرة وزيادةالتمكن أولى أن ال يكفي التكليف وحده، ويجب اإلمام فكان يجب أن يكون

مرؤسا ال رئيسا لكن رياسته أولى بالطاعة من الكل منه، وال يكون منفرض إماما هذا خلف.

الحادي عشر: ال اعتبار في وجوب اإلمام لمخصوصية المكلف بلالموجب لوجوبه هو قدرة المكلف وعدم العصمة والتكليف، فلو لم يكن

اإلمام معصوما لزم تحقق الموجب فيه فيجب أن يكون لإلمام إمام آخر وننقلالكالم إليه والدور والتسلسل محاالن، فتعين أن يكون اإلمام معصوما.الثاني عشر: إما أن يجب اإلمام لجميع المكلفين مع عدم العصمة أو

لبعضهم أو ال لواحد منهم والثاني باطل وإال لزم الترجيح من غير مرجح.والثالث: باطل أيضا لما بينا من وجوب اإلمام، فتعين األول فيكون لإلمام

إمام آخر.الثالث عشر: علة المنافي منافية وهو ظاهر، واإلمامة هي علة القرب

من الطاعة والبعد عن المعصية، فال بد أن تكون منافية للقرب من المعصيةوالبعد عن الطاعة وتحقق أحد المنافيين يستلزم نفي اآلخر فيستحيل على

اإلمام القرب من المعصية والبعد عن الطاعة في وقت ما لتحقق اإلمامة فيجميع األوقات فيستحيل عليه المعصية وترك الطاعة، وهذا هو وجوب

(١٨٣)

Page 186: Kitab Al-Alfain Arabic

العصمة، واإلمام وإن لم يكن علة تامة فهو في حكم الجزء األخير من العلة،وهو ظاهر.

الرابع عشر: ال يجوز نقصان اللطف الواجب لمكلف لحصوله آلخر وإاللجاز مجرد مفسدة مكلف لمصلحة آخر، وهو محال وقد بينا أن تمكين غير

المعصوم زيادة اقتدار له على المعاصي والتكليف وحده مع عدم هذه الزيادة فياألقدار غير كاف فمعها أولى بعدم الكفاية، فلو لم يكن له إمام لنقص لطفه

ألجل لطف مكلف آخر فيحصل محض المفسدة للمكلف لمصلحة آخر وهذاظلم ال يجوز.

الخامس عشر: لو كفى غير المعصوم في اللطف لكان أما أن يكفيلنفسه ولغيره أو لنفسه خاصة أو لغيره خاصة أو ال لواحد منهما واألول باطل

لوجوه:أحدها: إنه لو كفى فإما باعتبار التكليف أو باعتباره واعتبار اإلمامة،

إذ ال غيرهما قطعا إجماعا واألول باطل وإال لم يحتج إلى إمام آخر والثاني كمايقال يخاف القول من الرعية، وهو محال ألن تسلط غير المعصوم زيادة في

اقداره وتمكينه بل في إغرائه لغلبة القوى الشهوية في األغلب، والرعية القدرة لها على السلطان وال عزله، فال يتحقق خوفه منهم.

وثانيها: لو كفى لنفسه ولغيره ولكان تخصيص بعض دون بعض منغير علة موجبة مع تساويهم وهو محال.

وثالثها: إن اإلمامة لو كفت في التقريب لنفسه لم يكن معصية، إذاإلمامة مقربة مبعدة، وقد حصلت فيه وتكفيه، فيلزم قربه من الطاعة

دائما، وبعده عن المعاصي دائما وهذا هو العصمة وال يمكن أن يتحقق هذا فيحق الغير ألن الغير يجوز عدم علم اإلمام به وألن تقريب اإلمام هو باعتبار

الحمل على الطاعة وترك المعصية بمعنى أنه مع علمه وخوف المكلف منه وعلمهبعدم التجاوز يوجد منه داعي الفعل أو الصارف فتقريب اإلمامة قريب من

العلل الموجبة وهي متحققة في اإلمام مع عدم الشروق في غيره،. فيجب قربه

(١٨٤)

Page 187: Kitab Al-Alfain Arabic

من الطاعة وبعده عن المعصية، هذا هو العصمة والثاني لما ذكرنا وألنه يلزمأن ال يكون لطفا لغيره، فال يكون إماما له هذا خلف، والثالث باطل وإال

لخال بعض المكلفين عن اللطف أو كان لإلمام إمام آخر. والرابع يرفع إمامتهوهو مطلوب، فال شئ من غير المعصوم بإمام.

السادس عشر: ال شئ من غير المعصوم تمكينه وإيجاب طاعته في جميعما يأمر به وينهي، ويقتل ويقاتل لطف، وكل إمام تمكينه وإيجاب طاعته فيذلك كله لطف، ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب، ال يقال

هذا قياس من الشكل الثاني وشرط انتاجه دوام الصغرى أو كون الكبرىمنعكسة سلبا وعدم استعمال الممكنة إال مع الضرورية أو تجعل كبرى

إلحدى المشروطتين، والصغرى هاهنا، إما جزئية أو ممكنة إذ قد يعلم اللهتعالى إن بعض المكلفين غير المعصوم ال يأمر باعتبار اإلمامة إال بالطاعة والينهي إال عن المعصية فيكون تمكينه لطفا والكبرى يمنع كونها ضرورية، وما

البرهان عليه، ألنا نقول: إما أن يتقرر في العقول أن اإلمام المنصوبيستحيل صدور معصية منه، ويستحيل أمره بمعصيته ونهيه عن طاعة،

ويستحيل عليه الخطأ أو ال يتقرر ذلك، فإن كان األول فهذا هو وجوبالعصمة وإن كان الثاني لزم أحد األمرين أما إمكان المعصية طاعة بمجرداختيار إنسان غير معصوم وأمره، وأما نقض الغرض والالزم بقسميه باطل

فالملزوم مثله، أما المالزمة فألنه إما أن نجيب على المكلف في نفس األمرجميع ما يأمر به وإن كان معصية ويصير طاعة أو ال يجب إال ما يكون طاعة،واألول يستلزم األول وهو ظاهر، والثاني يستلزم الثاني إذ يجوز المكلف أن ال

يكون ما أمر به واجبا عليه في نفس األمر، فال ينقاد إلى فعله ويظهر التنازعوهو نقض الغرض فال يكون لطفا بالضرورة، فقد ظهر أن األولى ضرورية.

سلمنا: لكن الثانية ضرورية قطعا واختالط الضرورية مع غيرها فيالشكل الثاني ينتج ضرورية وقد أوضحنا ذلك في كتبنا المنطقية.

السابع عشر: تمكين غير المعصوم وإيجاب طاعته في جميع أوامره من غير

(١٨٥)

Page 188: Kitab Al-Alfain Arabic

اجتهاد وال نظر مفسدة وال شئ من تمكين اإلمام وإيجاب طاعته كذلكبمفسدة ويلزمها ال شئ من غير المعصوم بإمام، والمقدمتان ظاهرتان مما

تقدم.الثامن عشر: إنما يجب طاعة اإلمام لو علم أنه مقرب إلى الطاعة مبعد

عن المعصية وإنما يحصل ذلك لو لم يجوز عليه المكلف المعصية وال األمر بها،وذلك هو العصمة.

التاسع عشر: لو لم يكن اإلمام معصوما لساوى المأمومين في جوازالمعصية فكان تخصيص أحدهم بوجوب الطاعة والرياسة ترجيحا بال مرجح

وهو محال.العشرون: ال شئ من غير المعصوم يجب طاعته في جميع أوامره سواء

علم بكونه طاعة في نفس األمر أو ال، وكل إمام تجب طاعته في جميع أوامرهسواء علم بكونه طاعة أم ال ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام، أما

الصغرى فألن المأمور به إنما يجب مع علم المأمور بكونه طاعة يستحق عليهالثواب أو ظنه إذ تجويزه كون، المأمور به ذنبا، وإن اآلمر قد يأمر بمعصيته، وبما

ليس بطاعة مما ينفر المكلف عن االمتثال ويبعده عن ارتكاب مشاقالتكليف، وأما الكبرى فألنه لوال ذلك النتفت فائدته ولزم إفحامه.

الحادي والعشرون: اإلمام يحتاج إليه في حفظ الشرع وتقريب المكلفمن الطاعة وتبعيده عن المعصية وإقامة الحدود والجهاد وحفظ نظام النوع.

فنقول: كل من هذه الخمسة يستلزم أن يكون معصوما، فلو لم يكنمعصوما لزم مساواته لباقي المجتهدين فال.

أما األول: يخصص لحفظ الشرع دونهم بل يقومون مقامه فيه فيفتقراحتياجهم إليه فيه.

وأما الثاني: فإذا لم يكن معصوما ساوى غيره، فلو صلح لتقريب غيرهمع مساواته إياه لصلح لتقريب نفسه فلم يحتج إليه فيه واإلمامة زيادة في

(١٨٦)

Page 189: Kitab Al-Alfain Arabic

التمكين.أما الثالث فنقول: العلة الموجبة لنصب اإلمام إلقامة الحدود جواز

وجوبها على المكلف المعلول لعدم العصمة، فلو لم يكن اإلمام معصوما لزمأحد األمرين أما الترجيح بال مرجح، وأما التناقض والتالي بقسميه باطل

فالمقدم مثله بيان المالزمة أن اإلمام إذا لم يكن معصوما وجد منه علة نصبمقيم الحدود فيه فإما أن ال يشرع ألحد إقامة الحد عليه أو يشرع فإن كان

األول لزم الترجيح من غير مرجح، إذ علة نصب مقيم عليه موجودة فيهونصبه على المكلفين الباقين دونه يستلزم ذلك وهو أيضا خارق لإلجماع، وإن

كان الثاني فأما الرعية فيلزم غلبته عليهم وغلبتهم عليه وهو تناقض.وأما الرابع: فإن لم يكن معصوما جوز المكلف خطأه في الدعاء إلى

الجهاد فال يبذل نفسه لعدم تيقنه بالصواب.وأما الخامس: فتسليط غير المعصوم مما ال يؤمن عليه اختالل النظام،

فقد ظهر أن مع عدم عصمة اإلمام ال يحصل شئ من هذه المقاصد، فقدظهر أن عدم عصمة اإلمام يناقض الغرض وينفي فائدة نصبه.

الثاني والعشرون: ال شئ من غير المعصوم فعله حجة، وكل إمام،فعله حجة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام، أما الصغرى فألن الدليل

شرطه عدم احتمال النقيض واحتمال الخطأ فيه ظاهر لوجود القدرة والداعيوهو الشهوة والصارف له كالصارف لغيره من المجتهدين، إذ ال صارف إالالقبيح والعلم بقبحه وهو منازع غير المعصوم واإلمامة زيادة في التمكين بل

الصارف في المجتهد الذي هو رعية أولى لخوفه من الرئيس وأما الكبرى فألنهقائم مقام النبي صلى الله عليه وآله وهي ظاهرة.

الثالث والعشرون: عدم فعل القبيح أما لعدم القدرة عليه أو العلمبقبحه مع انتفاء الداعي أو ثبوت الصارف وقد يكون لعدم العلم بنفس

الفعل في االختيار إذ الفعل االختياري تابع للقصد التابع للعلم إذ مع ثبوتالقدرة والجهل بالقبيح وثبوت الداعي وانتفاء الصارف والعلم بالفعل يجب

(١٨٧)

Page 190: Kitab Al-Alfain Arabic

الفعل قطعا، فعدم إتيان اإلمام بالقبيح، أما لعدم القدرة عليه وهو باطللوجود القدرة أو للعلم بقبحه وانتفاء الداعي، وهذا العلم إذا لم يكن اإلمام

معصوما ساوى فيه غيره من المجتهدين، ولو زاد عليهم لكان تلك الزيادة اليطلع عليها إال الشاذ النادر وداعي الشهوة موجودة متحقق تساوى فيه غيره وعدمه

أمر خفي ال يطلع عليه أحد في األغلب، وأما الصارف فليس إال التكليفوالقوة العقلية، وال مدخل لها عند األشاعرة، وال تفي أيضا بمنع القوة

الشهوية إذ لو صلحت المصارفية التامة دائما كان معصوما وصارفية التكليفال تكفي في غير المعصوم وإال لم يجب نصب اإلمام لمساواته غيره، وأيضا

فألن ذلك الصارف إما أن يجب تحقيقه دائما أو ال.واألول يستلزم كونه معصوما مع اختالف االجماع، والثاني ال يصلح في

األغلب لسائر المكلفين العلم بحصوله وهو ظاهر، وأيضا فإن اإلمام إذا لميكن معصوما لم يحصل الجزم بثبوت الصارف ألن البحث في الصارف التام،

وأيضا فإن اإلمام إذا لم يكن معصوما ساوى غيره في الصارف، ولو ثبتتفاوت لم يدركه كل أحد بل األغلب ال يدركه، وأما عدم العلم بأصل

الفعل فباطل ألن التقدير علمه به ألنه يكون من باب االتفاق والندرة واليجب فيه.

إذا تقرر ذلك فنقول: اإلمام إذا لم يكن معصوما لم يكن فعله حجة علىالمجتهدين لمساواتهم إياه في العلم وال على غيرهم ألن الحجة إنما تكون حجة

مع عدم احتمال النقيض ولمساواته غيره من المجتهدين فليس ترجيحهبالتقليد أولى من العكس واإلمامة زيادة في التمكين لما مر، فال تصلحللصارفية ومن ليس فعله حجة ال يصلح، لإلمامة ألن اإلمام خليفة النبي

صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقائم مقامه.الرابع والعشرون: علة الحاجة إلى اإلمام هو التكليف وعدم

العصمة، فلو لم يكن اإلمام معصوما لم يحصل اندفاع الحاجة لثبوت علتها،فاحتاج مع وجود اإلمام إلى إمام، فال يكون ما فرض إماما محتاجا إليه.

(١٨٨)

Page 191: Kitab Al-Alfain Arabic

الخامس والعشرون: عدم العصمة مع غلبة القوة الشهوية في أكثرالناس هو سبب الخطأ، واإلمام عليه السالم مانع ومانع السبب يستحيل أنيكون من جنسه مثله، فال بد من متباينتهما ومضادتهما، فال بد أن يكون

اإلمام معصوما.السادس والعشرين: اإلمام الستدراك الخطأ في الناس وازلل، فلو

جاز عليه ذلك النتقض الغرض.السابع والعشرون: الناس على ثالث مراتب:

األولى: الذين ال يجوز عليهم الخطأ والمعاصي.الثانية: المصرون على ذلك.

الثالثة: الواسطة بينهم وهم من يجوز عليهم الخطأ تارة يفعلونه وتارةال يفعلونه ولهم مراتب في القرب من أحد الطرفين والبعد من اآلخر ال

تتناهى فقصارى أمر اإلمام التقريب إلى المرتبة األولى والتبعيد عن الثانية،فمحال أن يكون من الثانية أو الثالثة فتعين أن يكون من األولى.

الثامن والعشرون: إنما يراد من اإلمام رفع الخطأ والبعد عن المعاصيفهو علة في نقيض الخطأ والمعاصي مع علمه وقدرته وإطاعة المكلف له وعلة

نقيض الشئ يستحيل اجتماعهم معا وإال اجتمع النقيضان والشروط فينفسه حاصلة مجتمعة فيستحيل صدور الخطأ منه عليه السالم، فيكون

معصوما.التاسع والعشرون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم التناقض والالزم

باطل فالملزوم مثله أما المالزمة فألن المكلف مع اللطف المقرب المبعد أقربإلى الطاعة وأبعد من المعصية من المكلف المساوي له في عدم العصمة إذا لم

يكن له ذلك اللطف فالمكلف الذي له إمام أقرب إلى الطاعة وأبعد عنالمعصية من المكلف المساوي له في عدم العصمة إذا لم يكن له إمام قاهر عليهفلو لم يكن اإلمام معصوما كان المأموم أقرب منه إلى الطاعة وأبعد عن المعصية

(١٨٩)

Page 192: Kitab Al-Alfain Arabic

ألنا بينا أن الرياسة والقهر زيادة في التمكين ال يقتضي منع ما توجبه القوةالشهوية والغضبية، واألقرب إلى اللطف أولى باالمتناع وبامتثال أوامره،

وباإلمامة مما ليس كذلك، فكان ال يجب عليه امتثال أوامر اإلمام أصال والباتةبل قد يجب على اإلمام ذلك فال يكون من فرض إماما ومن فرض واجب

الطاعة واجب الطاعة وهو تناقض فأما بطالن التالي فظاهر.الثالثون: اإلمام أمره وكالمه دليل قاطع على الصحة من حيث إنه

كالمه، وال شئ من غير المعصوم كالمه دليل قاطع من حيث إنه كالمه، فالشئ من غير المعصوم بإمام، بيان الصغرى إن مخالف كالم اإلمام مخطئ

قطعا، ويحل قتاله إلى أن يفئ إلى كالمه وكل ما ليس بدليل قطعي ال يقطعبخطأه وال يحل قتاله، وأما الكبرى فظاهرة الحتمال خطأه.

الحادي والثالثون: كالم غير المعصوم مع عدم علم فسقه من حيث إنهكالمه ومع عدم العلم بصحته من جهة أخرى أعلى مراتبه أن يكون أمارة،

وال شئ من اإلمام، كذلك ينتج ال شئ من غير المعصوم كذلك، أماالصغرى فالحتمال خطأه وكذبه، وال يدفع هذا االحتمال إال األصل

وإعادة الصدق، وكالهما ال يوجبان الجزم الحتمال النقيض معهما، وأماالكبرى فألن مخالف كالم اإلمام من حيث إنه كالمه إذا لم يعلم صدقه من

جهة أخرى يقطع بخطأه ويحارب ويحل جهاده، وال شئ من مخالف األمارةكذلك، فكالم اإلمام ليس بأمارة بل هو دليل مفيد للعلم.

الثاني والثالثون: اإلمام أمره دليل على التقريب من الطاعة والتبعيدعن المعصية، وال شئ من غير المعصوم كذلك ينتج ال شئ من اإلمام بغير

معصوم، ويلزمه كل إمام معصوم، أما الصغرى فألنه لوال ذلك النتفتفائدة نصبه إذ لو جوز المكلف كون أوامره مقربة إلى المعصية ونواهيه مبعدة

عن الطاعة لم يحصل له الوثوق به فلم تتوفر الدواعي على اتباعه وتنفرتالخواطر عنه ولم يقطع بخطأ مخالفة ولم يعتمد على قوله في الجهاد وغيره، وأما

الكبرى فألن الدليل هو المفيد للعلم وشرط المفيد للعلم عدم احتمالالنقيض إذ مع احتماله يكون أمارة.

(١٩٠)

Page 193: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث والثالثون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم تكليف ما ال يطاقوالالزم باطل فكذا الملزوم، أما المالزمة فألن المكلف مأمور بالعلم بقوله وإال

لم يحصل التقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية ولم يحصل االنقياد له،وأقدم الناس على مخالفته ومنازعته، فلو لم يكن قوله مفيدا للعلم لكان الله

عز وجل قد كلف بالعلم من شئ ال يفيده وهو تكليف ما ال يطاق وغيرالمعصوم يمنع التكليف بالعلم بمجرد قوله الحتمال النقيض وهو يستحيل أن

يفيد إال الظن، وأما بطالن التالي فظاهر من كتبنا الكالمية.الرابع والثالثون: أوامر اإلمام ونواهيه وإرشاده دليل على اللطف، وال

شئ من غير المعصوم كذلك، أما الصغرى فظاهرة وإال لم يكن مقربا ولميثق المكلف به فتنتفي فائدته وهو ظاهر، وأما الكبرى فألن الدليل ما يفيد

العلم وأوامر غير المعصوم ونواهيه تحتمل النقيض فال تكون دليال.الخامس والثالثون: مع امتثال أوامر اإلمام ونواهيه يأمن المكلف

ويحصل له الجزم بالحق والطمأنينة، وال شئ من غير المعصوم كذلك، أماالصغرى فألن المكلف ال بد له من طريق إلى األمن والجزم والطمأنينة والسنة

والقرآن ال يحصل بهما ذلك خصوصا على القول بأن األدلة اللفظية ال تفيداليقين وأكثرها عمومات وظواهر، والنص الدال على األحكام قليل منهما،والوحي بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منقطع فليس إال اإلمام،وأما إنه ال بد من طريق إلى ذلك، فظاهر، وكيف ال وقد نهى عن اتباع

الظن، وأما الكبرى فظاهرة الحتمال الخطأ.السادس والثالثون: كلما كنا مكلفين بالحق والصواب في جميع األحكام

كان اإلمام معصوما لكن المقدم حق فالتالي مثله أما المالزمة فألن الصوابوالحق في جميع األحكام ال بد من طريق إلى العلم به وإال لم يقع التكليف به

الستحالة تكليف ما ال يطاق والسنة والكتاب ال يفيدان ذلك للمجتهدينقطعا، فتعين أن يكون هو اإلمام، وأما حقيقة المقدم فلوجهين:

أحدهما: إما أن نكون مكلفين بالحق والصواب في جميع األحكام أو ال

(١٩١)

Page 194: Kitab Al-Alfain Arabic

نكون مكلفين بالحق والصواب في شئ من األحكام أو في البعض دونالبعض والثاني باطل قطعا والثالث محال ألنه ترجيح من غير مرجح، وألن

البعض اآلخر إن لم يكن مكلفين في ذلك البعض بشئ فهو محال أو بالخطأ،وهو محال وإال لم يكن خطأ ألنا ال نعني بالصواب إال ما كلف الله تعالى به،

وألن الخطأ يستحيل التكليف به، فتعين القسم األول فثبت ما قلناه.وثانيهما: إن أحكام الله تعالى ليست مفوضة إلينا وإلى اختيارنا، ونحن

مكلفون بها في الوقائع إذ لم نخير في واقعة فيها حكم الله تعالى بل نحنمأمورون بذلك الحكم بعينه، والمجتهد ال يمكنه تحصيل ذلك من الكتاب

والسنة، فتعين اإلمام المعصوم إذ غيره ال يفيد.السابع والثالثون: اإلمام لطف في فعل الواجبات والطاعات وتجنب

المقبحات وارتفاع الفساد وانتظام أمر الخلق وهو لطف أيضا في الشرائع بأنيفسر مجملها ويبين محتملها ويوضح عن األعراض الملتبسة فيها ويكون المفزع

في الخالف الواقع فيها األدلة الشرعية عليه كالمتكافئة، ويكون من وراءالناقلين، فمتى وقع منهم ما هو جائز عليهم من األعراض عن النقل بين

ذلك وكان الحجة فيه واعترض قاضي القضاة عبد الجبار بأن قال: المكلفونأما يعلمون كون اإلمام حجة باضطرار وباستدالل فإن قلتم باضطرار

ونقضهم ال يؤثر في ذلك، قلنا: فجوزوا ذلك في سائر أمور الدين أن نعلمهباضطرار وال يقدح النقض فيه فيقع االستغناء عن اإلمام.

وإن قلتم باستدالل قلنا: فنقضهم يمنع من قيامهم بما كلفوه مناالستدالل على كونه حجة. فإن قلتم: نعم لزمت الحاجة إلى إمام آخر

ويتسلسل ألن الكالم فيه كالكالم في اإلمام األول ومع التسلسل فال يؤثراألئمة التي ال تتناهى، كما ال يؤثر الواحد فال بد من القول بأنه يمكنهم

معرفة الحجة والقيام بتصرفه من غير حجة فنقول فجوزوا مثل ذلك في سائرما كلفوا به وإن كان النقض قائما أجاب السيد المرتضى قدس سره بوجهين:

األول: إن هذا االعتراض مبني على مقدمتين:

(١٩٢)

Page 195: Kitab Al-Alfain Arabic

إحديهما: إن علة الحاجة إلى اإلمام هي أن يعلم منه ما ال يعلم عندعدمه ال غير.

وثانيهما: إن ما كان لطفا في بعض التكاليف يجب أن يكون لطفا فيجميعها وهاتان المقدمتان باطلتان، فاالعتراض باطل، أما بطالن المقدمة

األولى فنقول انا لم نثبت الحاجة إلى اإلمام ألجل تعليمنا ما نجهله بفقده، بلقلنا باالحتياج إليه في أشياء منها العلم ومنها كونه لطفا في مجانبة القبيح وفعل

الواجب، وال يقع االستغناء عنه، ولو علمنا الكل باضطرار ألن االخالل بماعلمناه اضطرارا متوقع منا عند فقد اإلمام وال يمنع العلم بوجوب الفعل من

االخالل به، وال العلم بقبحه من اإلقدام عليه، فإن أكثر من يقدم علىالظلم وفعل القبائح يكون عالما بقبحه.

وأما بطالن المقدمة الثانية: فألن اللطف ال يجب عمومه بل في األلطافالعموم والخصوص المطلقان من وجه فال يجب في كون اإلمام لطفا في ارتفاع

الظلم والبغي ولزوم العدل واإلنصاف أن يكون لطفا في كل تكليف حتى فيمعرفة نفسه.

الثاني: إنه معارض بالمعرفة بالثواب والعقاب ومعرفة الله تعالى فإنهالطف في الواجبات واالمتناع عن القبائح فإن كانت لطفا في نفسها حتى ال

تجب على المكلف حتى يعرف الثواب والعقاب ويعرف الله تعالى أو ال يكونكذلك واألول ظاهر الفساد، والثاني: نقول إذا جاز أن يستغني بعض

التكاليف عن هذه المعرفة مع كونها لطفا فيه، فهال جاز االستغناء عنها فيسائر التكاليف ال يقال المعرفة بالثواب والعقاب وإن لم يكن لطفا في نفسهامن حيث لم يصح ذلك فيها، فهناك ما يقوم مقامها وهو الظن لهما فلم يغن

المكلف من لطف في تكليفه المعرفة، وإن لم يكن مماثال للطفه في سائرالتكاليف ألنا نقول: فاقنع منا بما اقنعتنا به، فإنا نقول: إن معرفة كل

األئمة يستحيل أن يكون اللطف فيها معرفة اإلمام ألنه ال بد في أول األئمةمن أن يكون معرفته واجبة وإن لم يتقدم للمكلف معرفة بإمام غيره وإن

استحال ذلك جاز أن يقوم مقامه المعرفة باإلمام في هذا التكليف. غيرها وال

(١٩٣)

Page 196: Kitab Al-Alfain Arabic

يجب أن يعم هذا الوجه سائر التكاليف كما لم يجب أن يعم اللطف الحاصلللمكلف في استدالله على معرفة الله تعالى ومعرفة ثوابه وعقابه.

الثامن والثالثون: علة الوجود تخرج المعلول من االمكان إلى الوجوبوعلة العدم تخرجه من االمكان إلى االمتناع والمخرج إلى الوجوب واالمتناع ال

يجوز أن يكون في حد االمكان، بل ال بد أن يكون واجبا أو ممتنعا، واإلمامعلة في الطاعات وعدم المعاصي، فيجب وجوب األولى له أو امتناع الثانية

وهو المطلوب.التاسع والثالثون: الناس بعد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما

من شأنه أن يكون مقربا إلى الطاعة ومبعدا عن المعاصي أو ال يكون مقربالغيره وال مبعدا، وهو الطرف األخير وأما أن يكون مقربا لغيره ومبعدا غير

مقرب لغيره في هذا الزمان وال يبعد وهو طرف المبدأ، وأما أن يكون مقرباومبعدا، وهو الوسط وكل غير المعصومين في حكم الوسط أو الطرف األخير

ألن علة االحتياج إلى المقرب والمبعد هو عدم العصمة فلو لم يكن المبدأموجودا لزم أن يكون الوسط واألخير مبدأ وهو محال.

األربعون: اإلمام عليه السالم يحتاج إليه المكلفون من جهة عدمالعصمة والمحتاج إليه مغاير للمحتاج من جهة االحتياج، فاإلمام مغاير

للرعية من جهة عدم العصمة وكلما هو سبب من جهة عدم العصمة فهومعصوم وهو المطلوب.

الحادي واألربعون: كل محتاج فهو ناقص من جهة االحتياج وكمالهحصول ما تزول به الحاجة فالمكلف غير المعصوم يحتاج إلى اإلمام من جهة

عدم العصمة فكماله في زوال هذا الوصف، فقصارى أمر اإلمام تحصيلالعصمة للمكلفين غير المعصومين على حسب ما يمكن فمحال أن ال يكونمعصوما، ألن المكمل كامل في ذاته وألن تحصيل العصمة ال يتصور من غير

المعصوم إذ أنها يلزمه بالحمل على الطاعة والمنع عن المعصية بحفظ الشرع فيمايشتبه هو التقوى والعدالة المطلقة ال غيرها.

(١٩٤)

Page 197: Kitab Al-Alfain Arabic

الثاني واألربعون: وجوب نصب اإلمام في الجملة، أما عقال أو شرعامع كونه غير معصوم مما ال يجتمعان، واألول ثابت فينتفي الثاني.

أما الثاني: فألن عدم عصمة المكلفين، إما أن يقتضي وجوب نصباإلمام أوال، واألول يستلزم إما عصمة اإلمام أو ثبوت علة الحاجة معه فيلزم

وجوب نصب إمام آخر، ويتسلسل ومعه أن حصلت عصمة زالت علةالحاجة وعصمة اإلمام وإال تثبت الحاجة فيحتاج إلى إمام آخر خارج عن

األئمة الغير المتناهي والكل باطل ظاهر االستحالة، والثاني يقتضي عدموجوب نصب اإلمام ألن علة وجوب نصبه هو التكليف مع عدم العصمة

إجماعا.الثالث واألربعون: المقتضي لوجوب نصب اإلمام أما عدم عصمة

مجموع األئمة من حيث هو مجموع أو عدم عصمة البعض، واألول باطللعصمة كل األمة والثاني يستلزم نصب إمام آخر لإلمام مع عدم عصمته

لثبوت علة االحتياج ويستلزم التسلسل.ال يقال: الواجب من عدم العصمة نصب اإلمام، وقد حصل فال يجب

آخر ألنا نقول كلما لم ينتف علة الحاجة لم ينتف الحكم فإذا كان علة الحاجة فيالبعض الموجب للنصب لم ينتف في الجملة بهذا المنصوب وجب آخر ال يقال

فمع عصمة اإلمام لم ينتف علة الحاجة إليه وإلى عصمته وهو عدم عصمةباقي المكلفين، فيلزم المحذور ألنا نقول مع طاعة المكلف له وانقياده ألمرهونهيه ينتفي علة الحاجة، فاالخالل من المكلف هنا فال يلزم المحذور، وأما

مع عدم عصمة اإلمام فال ينتفي مع انقياد المكلف وطاعته له فال يتمكنالمكلف حينئذ من جبر هذا النقص وال يحصل اللطف به بل طلب العصمة

من المكلف مع عدم عصمة اإلمام يكون تكليفا بالمحال.الرابع واألربعون: المحتاج إلى شئ من حيث هو بالقوة وإنما

يحتاج في خروجه من القوة إلى الفعل، والمحتاج إليه حال لحاجة إليه فيه اليمكن أن يكون له ذلك بالقوة بل يكون واجبا له إذا تقرر ذلك، فالمحتاج إلى

(١٩٥)

Page 198: Kitab Al-Alfain Arabic

اإلمام هو غير المعصوم في تحصيل العصمة، فهي فيه بالقوة فيجب أنتكون في اإلمام الذي هو العلة الفاعلية واجبة وهو المطلوب.

الخامس واألربعون: المكلف قابل للعصمة، واإلمام فاعل ونسبتهالفعل إلى القابل باالمكان نسبته إلى الفاعل بالوجوب، فتجب العصمة

بالنسبة إلى اإلمام وهو المطلوب.السادس واألربعون: هنا مقدمات:

المقدمة األولى: الفعل حال المرجوحية محال، فكذا حال التساوي وإنمايقع حال الراجحية.

المقدمة الثانية: إنما وجب اإلمام لكونه مقربا مبعدا، يعني حصولرجحان فعل الطاعات، ورجحان ترك المعاصي.

المقدمة الثالثة: إنه بالنظر إلى المرجح لو لم يحصل الترجيح لم يكن مافرض مرجحا هذا خلف.

المقدمة الرابعة: العصمة ممكنة لكل مكلف ألن معناها فعل الواجباتواالمتناع عن القبايح والله تعالى أمر بذلك كله لكل مكلف.

المقدمة الخامسة: شرائط ترجيح اإلمام للعصمة اثنان:األول: قبول المكلف ألوامر اإلمام ونواهيه وعدم مخالفته له في شئ.

الثاني: قدرته هذا ما يرجع إلى المكلف بحيث ال يلزم بالجبر.المقدمة السادسة: مع وجود هذين الشرطين، أما أن يترجح العصمة

بالنظر إلى اإلمام أوال، والثاني محال ألنا فرضناه مرجحا مع وجود الشرائط،فقد تحققت الشرائط، فلو لم يترجح لم يكن ما فرضناه مرجحا مرجحا، هذا

خلف وإن ترجحت فيكون نقيضها مرجوحا وقد قررنا إن الفعل حالالمرجوحية ممتنع فيكون مع وجود اإلمام وشرائط العصمة واجبة إذا تقرر

ذلك.

(١٩٦)

Page 199: Kitab Al-Alfain Arabic

فنقول: لو لم يكن اإلمام معصوما يلزم من تحقق هذين الشرطين ووجوداإلمام وجوب العصمة إذ ال يلزم من قول غير المعصوم أوامر غير المعصوم

ونواهيه ووجود غير المعصوم وحكمه وانقياد الناس له وجوب العصمة، وقدثبت وجوب العصمة عند وجوده وتحقق الشرطين المذكورين فال يكون

مرجحا، ونحن قد فرضناه مرجحا وهذا خلف.السابع واألربعون: هنا مقدمات:

المقدمة األولى: فرق بين وجوب الفعل على المكلف شرعا أو عقال عندالقائلين به وبين وجوب صدوره منه، وهذا ظاهر وال يلزم من األول الثاني.

المقدمة الثانية: إنما وجب اإلمام لكونه لطفا مقربا إلى الطاعة، ومبعداعن المعصية.

المقدمة الثالثة: ليس المراد من اإلمام التقريب من بعض الطاعاتوالتبعيد عن بعض المعاصي بل التقريب من جميع الطاعات والتبعيد عن جميع

المعاصي مع قبول المكلف منه وقدرتهما، فالمراد منه التقريب إلى العصمةوعدم ذلك إنما جاء من قبل المكلف ال من قبله.

المقدمة الرابعة: ال يتم التقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية بوجوداإلمام وتكليفه وقبول المكلف منه واالقتداء بأفعاله، بل بصدور األمر والنهيمنه وعدم فعله لمعصيته القتداء المكلف به، وألنه يبعد عن امتثال نهيه وأمره

ويسقط محله من القلوب وعدم تركه لواجب فاللطف هو فعل اإلمام للطاعاتوامتناعه عن المعاصي وكونه بحيث لو قبل المكلف ألمر ونهي واللطف

واجب، ألنا نبحث على هذا التقدير، فالواجب هو ذلك وهذا هو العصمةووجه خروج ذلك عن الجبر خلق ألطاف زائدة يختار معه المكلف ذلك

ويرجحه، وإن كان بالنظر إلى القدرة يتساوى الطرفان وال منافاة بين االمكانمن حيث القدرة والرجحان من جهة الداعي.

الثامن واألربعون: قد ظهر مما مضى أن اإلمام مرجح مع الشرطين

(١٩٧)

Page 200: Kitab Al-Alfain Arabic

المذكورين في موضع اشتراطهما ومع عدم اشتراطهما يكون هو المرجح التام،وفي نفس اإلمام ال يمكن اشتراطهما فيكون هو المرجح التام بالنسبة إليه،

وتجب العصمة له وإال لم يكن ما فرض مرجحا مرجحا، هذا خلف.التاسع واألربعون: كل غير المعصوم يمكن أن يقرب إلى المعصية والشئ من اإلمام أن يقرب إلى المعصية بالضرورة، ينتج ال شئ من غير

المعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.الخمسون: اإلمامة تنم فائدتها بأشياء:

األول: نصب الله تعالى لإلمام.الثاني: نصب األدلة عليه.

الثالث: قبول اإلمام لإلمامة.الرابع: إيجاب الله تعالى على المكلفين طاعته وامتثال أوامره وتحليل قتال

من خالفه.الخامس: إعالمهم ذلك بنصب األدلة عليه.

السادس: طاعة المكلفين له وامتثال أوامره ونواهيه، والخمسة األول منفعله تعالى وفعل اإلمام، والسادس من فعل المكلفين، فلو لم يكن اإلمام

معصوما النتفى األول، أما أوال فلإلجماع، فإن الناس بين قائلين منهم منقال بالنص فأوجب العصمة ومن لم يوجبها لم يقل بالنص، فالقول بالنص

مع كون اإلمام غير معصوم خارق لإلجماع ولم يجزم المكلف بذلك بقياسهبها، فينتفي فائدة نصبه إذا مع عدم جزم المكلف بذلك لم يحصل له داع إلى

اتباعه، وال يحصل الرابع أيضا، وإال ألمكن اجتماع النقيضين أو خروجالواجب أو القبيح عنه، وكالهما ممتنعان وإمكان الممتنع ممتنع ولقبحه عقال.

الحادي والخمسون: مع اجتماع هذه الشرائط يجب التقريب لوجودالعلة والشرط وارتفاع المانع وألنه لوال ذلك النتفت فائدة اإلمامة ألن فائدتها

تقريب المكلف من الطاعة وتبعيده عن المعصية، وهو العلة فيه مع اجتماع

(١٩٨)

Page 201: Kitab Al-Alfain Arabic

الشرائط، فإذا لم يجب لم يكن العلة فيه بل هو مع شئ آخر، لكن ذلكباطل إجماعا وضرورة أيضا ولو لم يكن اإلمام معصوما لم يجب التقريب.الثاني و الخمسون: الممكن ما لم يجب لم يوجد، وقد تقرر ذلك في علمالكالم والعلة إنما تقتضي الوجوب ال الترجيح المجرد، واإلمام مع الشرائط

المذكورة علة في التقريب والتبعيد فيجب معه، ولو لم يكن اإلمام معصوما لميجب التقريب معه وكلما لم يجب معه لم يقتض الترجيح أيضا الستحالة اقتضاء

العلة الترجيح غير المانع من النقيض فال يكون مرجحا للتقريب أيضا، بليبقى معه التقريب على صرافة االمكان فال يكون علة وتنتفي فائدته الستحالة

وجوده حينئذ فيجب كونه معصوما.الثالث والخمسون: اإلمام مع هذه الشرائط هو العلة في التقريب

والتبعيد فلو لم يجب بذلك، فإما أن يجب بشئ آخر معه أو ال علة له غيرذلك، واألول محال النعقاد االجماع عليه، فإن االجماع واقع على أن المقرب

هو اإلمام، والثاني وهو أن ال علة له غير ذلك محال وإال لكان أما واجبا أوممتنعا أو كون الممكن مع علته ممكنا على صرافة إمكانه هذا خلف فالكل

محال.الرابع والخمسون: إذا اجتمع الشرائط الراجعة إلى الله تعالى، واإلمام

ال ينبغي أن يبقى للمكلف عذر البتة ولو لم يكن اإلمام معصوما لبقي له عذرمن وجهين.

أحدهما: إنه جاز أن يخل اإلمام ببعض األحكام، فيكون المكلف قدأبرئ عذره.

ثانيهما: أنه يقول إنه ال وثوق لي بما تقول وال أعرف صحته إال منقولك ال يفيد العلم والوثوق فينقطع اإلمام فيلزم االفحام.

الخامس والخمسون: اإلمام أما أن يكون شرطا في التكليف أو الوالثاني يلزم عدم وجوبه، ولكن قد تحقق إنه واجب، وإنه شرط واألول إما

أن يكون اشتراطه من حيث إنه مع اجتماع الشرائط يمكن أن يقرب أو يجب

(١٩٩)

Page 202: Kitab Al-Alfain Arabic

أن يقرب واألول باطل ألنه لو كفى فيه االمكان بعد اجتماع الشرائط لكفىفي المكلف االمكان ألنه يمكن أن يتقرب بمجرد سماعه األمر اإللهي والوعد

والوعيد، فال يكون اإلمام شرطا، وقد فرض إنه شرط هذا خلف، والثانيهو المطلوب، إذ مع وجود اإلمام والشرائط الراجعة إلى المكلف لو لم يكن

اإلمام معصوما لم يجب التقريب.السادس والخمسون: اللطف الذي هو مقرب إلى الطاعة ومبعد عن

المعصية الذي هو الشرط في التكليف إنما هو عصمة اإلمام فهي واجبةبالقصد األول وإنما قلنا إنها هي الشرط ألن اإلمام إنما هو لطف من حيث

قوته العملية للعلم والعمل فال يصلح أن يكون نسبته إليه االمكان وإاللساوى المكلفين فيه، فكان االمكان الحاصل لهم أولى باللطفية منه ألن

إمكان الفعل من الفاعل أولى في االشتراط وفي التقريب من االمكان من غيرالفاعل هذا خلف.

السابع والخمسون: شرائط الفعل الوجودية ال بد أن تكون حاصلةللفاعل بالفعل وإال لم يحصل الفعل وال يصدر التقريب من اإلمام إال من قوتهالعملية العلم والعمل فلو لم تكن حاصلة فيه بالفعل لم يكن مقربا بالفعل عند

الشرائط الراجعة إلى المكلف، لكنه مقرب هذا خلف.الثامن والخمسون: اإلمام ال يصلح أن يكون علة لشئ، واإلمام علة

في فعل المكلف المكلف به وال ندعي إنه علة تامة بل مع الشرائط العائدة إلىالمكلف وليس علة بوجوده وانسانيته بل بقوته العملية بالعلم والعمل، فال بد

أن يجب له وهو العصمة.التاسع والخمسون: مجموع ما يتوقف عليه الفعل المكلف به من

المكلف هو التكليف والعلم به ونصب اإلمام والداللة عليه وانقياد المكلف لهوأمره ونهيه فعند اجتماع الشرائط العائدة إلى المكلف يبقى موقوفا على ما

يرجع إلى اإلمام وأحواله والتكليف لو كان الفعل ممكنا باقيا على حداالمكان، أما لعدم فعل من الله تعالى يتوقف عليه فعل التكليف، ويكون

(٢٠٠)

Page 203: Kitab Al-Alfain Arabic

شرطا يجب فعله عليه تعالى من حيث الحكمة والتكليف. فيكون الله تعالىقد أخل بالشرط الذي من فعله وهو ال يجوز ألنه يحصل للمكلف العذرحينئذ، وأما من جهة المكلف وقد قلنا إنه قد اجتمعت الشرائط، وأما من

جهة اإلمام فال يكون ما فرض تمام الموقوف عليه وهو خالف التقدير فتعينأن يجب الفعل مع اجتماع الشرائط العائدة إلى المكلف مع توقف الفعل علىما يرجع إلى اإلمام والله تعالى، ولو لم يكن اإلمام معصوما لم يجب لجواز أن

ال يأمر المكلف، وال ينهاه ويأمر بالمعصية وينهاه عن الطاعة ومع انتفاءالعصمة ال يحصل تمام ما يتوقف عليه الفعل ومع وجودها يحصل فيجب أن

يكون اإلمام معصوما وهو المطلوب.الستون: األسباب إما اتفاقية أو أكثرية أو ذاتية وعلة اإلمام لقيام

المكلفين بالتكاليف ودفع الهرج ورفع المفاسد مع انقياد المكلفين له، أمااألول فيحتاج معه ومع الشرائط العائدة إلى المكلف إلى لطف آخر ألن

األسباب االتفاقية ال تصلح للترجيح وال يجوز أن يكون من الثاني وإال لم يكنتمام اللطف، فتعين أن يكون من الثالث وإنما يكون منه إذا كان معصوما وإال

لكان معه ممكنا، فال يكون سببا ذاتيا.الحادي والستون: المبدأ الذي يخرج ما بالقوة إلى الفعل ال يجوز أن

يكون بالقوة، بل يجب أن يكون بالفعل والشئ حال وجوده نقيضه ممتنعبالنظر إلى تحقق نقيضه، واإلمام هو المخرج للمكلفين في القوة العملية علماوعمال من القوة إلى الفعل في كل حال يفرض بالنسبة إلى كل واجب وترك

معصيته يفرض احتياجهم فيها إليه، وذلك حكم عام لكل واحد بوساطةقوته العملية علما وعمال.

فنقول: يجب أن يكون ذلك في اإلمام بالفعل ال بالقوة وال يكون نقيضهمتحققا في كل حال بالنسبة إلى كل واجب في وقته وترك كل معصية، وهذا

هو وجوب العصمة.الثاني والستون: الناس أما ممتنع الخطأ أو جائزه، واألول إذا لم يكن من

جهة اإلمام لم يحتج إلى إمام، والثاني هو المحتاج إلى اإلمام، فأما ليبقى على

(٢٠١)

Page 204: Kitab Al-Alfain Arabic

حاله لجواز أو ليمتنع. واألول باطل وإال لزم تحصيل الحاصل، والثاني هوالمطلوب وإنما يمتنع مع عصمة اإلمام إذ مع عدم العصمة، يبقى االمكان وهو

ظاهر، فال يخرج إلى حيز االمتناع.الثالث والستون: اإلمامة أما منافية لفعل الواجب من حيث هو واجب

وترك المعصية من حيث هو ترك المعصية أو ملزومة له أو ال منافية وال ملزومةواألول محال قطعا بالضرورة وتثبت علته ألنها علة فيها والعلة في الشئ ال

تنافيه. والثاني: باطل وإال لم يشترط في اإلمامة العدالة ولم تكن علته فيواجب أو ترك معصيته من حيث هو واجب ما أو ترك معصية ما، فال تكون

مقربة، ونحن قد فرضناها كذلك هذا خلف فتعين الثاني وهو المطلوب،وألنه إذا تحققت اإلمامة وكانت لذاتها مستلزمة لفعل الواجب من حيث هو

فعل الواجب وترك المعاصي من حيث هو ترك المعاصي فيجب أن تكونملزومة للكل المتناع تخلف المعلول عن علته فيمتنع اجتماعهما مع ترك

واجب ما أو فعل معصية ما ألن كل ملزوم يمتنع اجتماعه مع نقيض الزمهفوجبت العصمة وهو المطلوب.

الرابع والستون: اإلمامة مقربة مبعدة ألنه معني اللطف وألنه لواله لماوجبت وقد تحققت في اإلمام فتكون مرجحة للطاعات مبعدة عن المعاصي،

والفعل حال التساوي ممتنع، فحال المرجوحية أولى، فيمتنع تحقق تركواجب أو فعل محرم معها منه وهو المطلوب.

الخامس والستون: كلما لو كان المكلف مطيعا لإلمام كانت اإلمامةمقربة إلى الطاعة مبعدة عن المعصية كان اإلمام معصوما وإال على تقدير عدم

اختيار اإلمام للطاعة واختياره المعصية وقهره عليها لم تكن اإلمامة مقربة،فإذا لم يكن اإلمام معصوما كان هذا التقدير، ممكن االجتماع مع مقدم

الشرطية التي هي مقدم فال يكون التالي الزما على هذا التقدير، فال تكونالشرطية كلية وإال لم يكن اإلمام واجبا إذ ليس المراد منه التقريب في حال أو

إلى بعض الواجبات أو لبعض المكلفين بل في كل األحوال بالنسبة إلى كلالواجبات لكل المكلفين وألنه تمام الشرط بعد طاعة المكلف وإال لوجب لطف

(٢٠٢)

Page 205: Kitab Al-Alfain Arabic

آخر بعده وهو باطل إجماعا، لكن المقدم حق وهو ظاهر فالتالي مثله.السادس والستون: دائما أما كلما كان المكلف مطيعا في جميع أقواله

وأفعاله كانت اإلمامة مقربة إلى الطاعة مبعدة عن المعصية أو ال يكون اإلماممعصوما مانعة الجمع لما تقرر في المنطق من استلزام الملزومية الكلية مانعة

الجمع من عين المقدم ونقيض التالي لكن األول صادق بالضرورة فتعين كذبالتالي، فيجب أن يكون اإلمام معصوما.

السابع والستون: دائما أما ليس كلما كان المكلف مطيعا فاإلمامةمقربة مبعدة، أو يكون اإلمام معصوما مانعة خلو ألن كل متصلة تستلزم

منفصال مانعة الخلو من نقيض المقدم وعين التالي، لكن األول كاذب قطعافتعين صدق الثاني وهو المطلوب.

الثامن والستون: إنما أوجبنا اإلمامة لدفع المفسدة التي يمكن حصولهامن خطأ المكلف مع قبوله وتحصيل المصلحة المناسبة من فعله للمكلف به إذلو لم يجزم الخطأ على شئ من المكلفين لم تجب اإلمامة، فلو لم يكن اإلماممعصوما مع وجود اإلمامة لم تحصل العلة الدافعة لتلك المفسدة، والمحصلة

للمصلحة مع زيادة مفسدة منها وهو جواز خطأه وحمله المكلف على الخطأفالمفسدة الممكنة الحصول من إهمالها ممكنة مع زيادة مفسدة.

التاسع والستون: شرط الوجوب خلوه من وجوه المفاسد فلو لم يكناإلمام معصوما لجاز أن يقرب المكلف إلى المعصية، وهذا وجه مفسدة وال

مانع له إذ اإلمامة ال تنافي فعل المعاصي وإال لزم بها وال ريب أن إيجاب طاعةمن يجوز منه دعاء المكلف إلى المعصية وتقريبه منها مع عدم مانع له إذ ليسإال اإلمامة وهي زيادة في التمكين وتمكينه من مفسدة ال يمكن منه إيجابها.

السبعون: وجوب اإلمامة مع عدم عصمة اإلمام مما ال يجتمعان دائماواألول ثابت فينتفي الثاني، أما التنافي فألن تجويز الخطأ من مكلف أما أنيستلزم وجوب اإلمامة أو ال، واألول يستلزم نفي الوجوب والثاني يستلزمالعصمة أو التسلسل ألنه مع عدم العصمة ال يجوز الخطأ من اإلمام على

(٢٠٣)

Page 206: Kitab Al-Alfain Arabic

نفسه، وإن يلزم به غيره فالموجب آكد، فإما أن يستلزم وجوب إمام آخرفيلزم التسلسل وهو محال أو العصمة وهو المطلوب وإنما قلنا إنه إذا كان تجويز

الخطأ ال يستلزم الوجوب ينتفي الوجوب ألن المقتضى ليس إال تجويز الخطأ،فإما من كل المكلفين وهو باطل الستحالة اجتماعهم على الخطأ عندهم،فكان يلزم أن ال يتحقق المقتضي لإلمامة أو من بعضهم، وهو المقصود،

وأما ثبوت األول فلما مر من وجوبها.الحادي والسبعون: دائما أن يكون معصوم موجودا أو يجب نصب

اإلمام مانعة خلو إذا التكليف وتجويز الخطأ موجب للطف المقرب إلى الطاعةالمبعد عن المعصية، ألنا بينا ذلك في وجوب اإلمامة وإنما يجب على هذاالتقدير وبين نقيض العلة وعين المعلول مانعة الخلو وإال النفك المعلول عن

العلة، هذا خلف.فنقول: كلما لم يكن معصوم متحققا وجب نصب إمام وإذا لم يكن

اإلمام معصوما وجب نصب إمام، فإما األول فيستلزم تحصيل الحاصل أوغيره، فيلزم التسلسل.

الثاني والسبعون: متى وجدت القدرة والداعي وانتفى الصارفواإلرادة وجب وجود الفعل واإلمام ليس المراد منه هو إيجاد القدرة للمكلف

بل إليجاد الداعي واإلرادة فإذا كان المعلول هو الداعي واإلرادة وجب أنيكون اإلمام معصوما ألن العلة هو الداعي لإلمام إلى الطاعة مع انتفاء

الصارف فيكون واجبا ألن المحتاج هو جائز الخطأ حيث إن داعيه ممكنفتكون علته وهي داعي اإلمام فيكون واجبا، وإذا كان واجبا ثبت

المطلوب، وألنه ساوى المكلف في جواز الخطأ لم يكن داعي أحدهما بالعليةأولى لتساويهما في االمكان ولنفرة المكلف عن طاعة مساوية في جواز الخطأ

وألن الخطأ ينفر المكلف عن اتباع فاعله ولسقوط محله من القلوب.الثالث والسبعون: لو كان اإلمام غير معصوم لما حسنت اإلمامة،

والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة إن وجود القدرة والتكليف مع عدم

(٢٠٤)

Page 207: Kitab Al-Alfain Arabic

وجوب المقرب قبيح وإال لما وجبت اإلمامة، لكن اإلمام ليس بمقرب منحيث انسانيته وال من حيث قدرته وتكليفه وال اإلمامة من حيث هي زيادة في

التمكين، وألن مطلق الرياسة ليس موجبا للتقريب، فإن بعض الرؤساءالذين ادعوا اإلمامة كبني أمية فساق في غاية الفجور بحيث ال يصح االقتداء

بهم في الصالة وبعضهم بغاة فتقريبه إنما يكون من حيث قربه من الطاعةوفعله إياها والقرب ليس لذاته وال من حيث التكليف وال من حيث القدرةألنه غير صالح للترجيح وحده وإال لما وجبت اإلمامة والستلزامه العصمة

أيضا فتعين الوجوب من جهة أخرى فإما إمام آخر أو العصمة وهو المطلوب.الرابع والسبعون: الممكن من حيث هو محتاج إلى علة مغايرة له من

حيث االمكان، وال يمكن أن يكون ذلك هو الممتنع، فتعين أن يكون هوالواجب وداعي المكلفين هو المحتاج إلى اإلمام في إيجاده والمؤثر فيه داعياإلمام إلى الطاعات وصارفه عن المعاصي، فيكون واجبا وعند وجود القدرة

والداعي وانتفاء الصارف يجب الفعل.الخامس والسبعون: اإلمامة لها عمود وأعوان حتى تتم فائدتها وقبول

المكلف ألوامره ونواهيه.أما العمود: فهو الحجة الدالة على صدقة وحجية قوله وفعله وإيجاب

طاعته على المكلف وذلك أما األدلة التفصيلية على خصوصيات المسائل وهومحال، وإال لم يجب ذلك إال على المجتهد فتحريم التقليد في اإلمامة، فتعين

أن يكون على كل أقواله وأفعاله من حيث هي أقواله وأفعاله، ولو لم يكنمعصوما لم تتحقق الدالة على ذلك لقيام االحتمال في كل فعل، وأما األعوان

فهو أقوال وأفعال، أما من غيره كنص النبي صلى الله عليه وآله أواإلمام قبله أو الله تعالى عليه، ولو لم يكن معصوما لما حسن النص عليه

لوجوب طاعته في جميع أقواله وأفعاله أو من أحواله كتنسكه ومواظبته علىالعبادة ولو لم يكن معصوما لكانت أفعاله مفردة في حال ما، لكن اإلمام يجب

أن يكون دائما مقربا موجبا للداعي أو إطاعة المكلف، أو من نفس قوله بأنيتحقق المكلف بأن قصده بألفاظه معناها ال يقصد االضالل وال االغراء

(٢٠٥)

Page 208: Kitab Al-Alfain Arabic

بالجهل، وذلك ال يحصل إال بالعصمة، وبأن يتحقق المكلف صحته وكونهحجة وكذا البحث في فعله ولو لم يكن معصوما لما تحقق ذلك.

السادس والسبعون: اإلمام يحتاج إليه لتكميل المكلف في قوته العمليةبحيث يحصل له العمل بجميع األوامر الواجبة واالنتهاء عن المعاصي كلها،

هذا هو غاية اإلمام، فلو لم يكن اإلمام كامال في هذه القوة لما حصل منهالتكميل فيكون معصوما.

السابع والسبعون: لو لم يكن عدم العصمة علة الحاجة إلى اإلمام لم يكنلعدمها تأثير في عدم الحاجة ألن علة العدم عدم العلة فجاز مع عدمها ثبوت

الحاجة لوجود المقتضي لها ألن كل شيئين إذا نظر إليهما من حيث هما هما منغير اعتبار ثالث لو لم يكن أحدهما علة جاز انفكاك أحدهما عن اآلخر، ولوجاز أن يحتاج المكلفون إلى اإلمام مع عصمتهم لجاز أن يحتاج األنبياء إلى

األئمة والدعاة مع ثبوت عصمتهم والعلم بأنهم ال يفعلون شيئا من القبائحوهو معلوم الفساد بالضرورة فتعين أن تكون علة الحاجة ارتفاع العصمة

وجواز فعل القبيح، فال يخلو حال اإلمام أما أن يكون معصوما مأمونا منهفعل القبيح أو غير معصوم والثاني باطل وإال الحتاج إلى إمام آخر لحصول

علة الحاجة فيه وننقل الكالم إلى ذلك اإلمام ويتسلسل وبتقديره ال تنتفي علةالحاجة فيحتاج إلى إمام آخر فال بد من عصمة اإلمام اعترض بوجهين،

األول: قد بينتم الكالم على أن المعصوم ال يحتاج إلى إمام وعولتم في ذلكعلى أمر األنبياء فلم زعمتم أن كل من ثبتت عصمته ال يحتاج إلى إمام ولم ال

يجوزان يعلم الله من بعض عباده أنه إذا نصب له إماما آخر اختار االمتناعمن كل القبائح وفعل جميع الواجبات، ومتى لم ينصب له إماما لم يختر ذلكويكون معصوما، الثاني: لم ال يجوز أن يحتاج المعصوم مع عصمته الثابتة إلى

إمام فيكون مع وجوده أقرب إلى فعل الواجب وترك القبيح، أجاب السيدالمرتضى قدس سره عن األول بأن هذا التقدير الذي قدرته لو وقع لم يقدح في

قولنا إن المعصوم ال يحتاج مع عصمته إلى اإلمام، ألن من كانت باإلمامعصمته لم يحتج إلى اإلمام مع عصمته، وإنما احتاج إليه ليكن معصوما، فلم

(٢٠٦)

Page 209: Kitab Al-Alfain Arabic

تستقر له العصمة بغير اإلمامة، مع حاجته إلى اإلمامة، وإنما يكون مفسدا لمااعتمدنا موافقتك لنا على معصوم لم تكن عصمته ثابتة باإلمام، وهو مع ذلكيحتاج إلى إمام على أن ما بينا عليه الدليل ليسقط هذه المعارضة، ألنا عللنا

وجوب حاجة الناس إلى المعصوم بعدم العصمة وقضينا بأن من كان معصوماال يجب حاجته إلى اإلمام وإنما يقتضي إذا صح تجويز ذلك فالتجويز ال يقدح

فيما اعتمدناه ألن الحاجة إلى اإلمام ال تجب للمعصوم، وعن الثاني بأن مافعله فيما قد علم أنه ال يخل معه بالواجب يغني ويكفي وإذا ثبتت هذه الجملةبطل ما سأل عنه، ألن المعصوم الذي قد علم الله تعالى أنه ال يختار شيئا منالقبائح عندما فعله من األلطاف التي ليس من جملتها اإلمامة هو مستغن عن

إمام يكون عند وجوده أقرب إلى ما ذكره.وأنا أقول: إن هذين االعتراضين فيهما تسليم المطلوب ألنه إذا كان

المعصوم يحتاج إلى إمام يكون معه أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية بحاجةغير المعصوم أولى وأوكد.

واعترض فخر الدين الرازي على أصل الدليل بأنه مبني على أنالشيئين، إذا لم يكن أحدهما علة في اآلخر جاز انفكاك كل واحد منهما عناآلخر وأنتم لم تذكروا عليه حجة بل أعدتم الدعوى ال غير، وهذا االحتمال

لو لم يكن له مثال من الموجودات الفتقر إبطاله إلى البرهان ألنها قضية مفتقرةإلى البيان لعدم ظهورها فإنه ليس من المستبعد أن يكون كل واحد من

الشيئين غنيا في ذاته عن اآلخر إال أن حقيقة كل واحد منهما تقتضي أنيحصل لها هذا الوصف أعني معية اآلخر وهذا االحتمال له مثال من

الموجودات، فإن اإلضافات كاألبوة والبنوة وغيرهما ال يوجدان إال معا مع أنهليس لواحد منهما حاجة إلى اآلخر، ألن إحدى اإلضافتين لو احتاجت إلى

األخرى لتأخر وجود المحتاج عن وجود المحتاج إليه، فال تكونان معا وهوخلف اتفاقا، ألنا نفرض الكالم في إضافتين متماثلتين كاألخوة والمماسة

فإنهما لما تماثلتا لو احتاجت إحديهما إلى األخرى الحتاجت األخرى إلى األولىواحتاج كل واحدة إلى نفسها وهو محال.

(٢٠٧)

Page 210: Kitab Al-Alfain Arabic

ال يقال: هذا النوع من التالزم ال يعقل إال في اإلضافات، ألنانقول: لما رأينا لهذا النوع من التالزم مثال من الموجودات افتقر دعوى

انحصاره في اإلضافات إلى البرهان.أجاب عنه أفضل المحققين خواجة نصير الدين الطوسي بأن المفهوم من

كون الشئ غنيا عن غيره ليس إال صحة وجوده مع الغير، وكون البيان هوالدعوى بعينه يدل على أن الدعوى واضح بنفسه غير محتاج إلى برهان وإنما

أعيد ذكره بعبارة أخرى ليرتفع االلتباس اللفظي، وأما المتضايفان، فليسكل واحد منهما غنيا عن اآلخر كما ظنه، وليس االحتياج بينهما دايرا كما ألزمه

بل هما ذاتان أفاد شئ ثالث كل واحد منهما صفة بسبب اآلخر، وتلكالصفة هي التي تسمى مضافا حقيقيا فإذن كل واحد منهما محتاج ال في ذاته

بل في صفته تلك، وهذا ال يكون دورا، ثم إذا أخذ الموصوف والصفة معاعلى ما هو المضاف المشهور حدثت جملتان كل واحدة منهما محتاجة، ال في

كلها بل في بعضها إلى األخرى، ال إلى كلها بل إلى بعضها غير المحتاج إلىالجملة األولى، فظن أن االحتياج بينهما دائر وال يكون في الحقيقة، كذلك

فإذن ليس التالزم بينهما على وجه االحتياج ألحدهما إلى اآلخر على ما ظنه والعلى سبيل الدور فظهر من ذلك أن المعية التي تكون بين المتضايفين ليست من

جنس ما تقدم بطالنه بل هي معية عقلية معناها وجوب تعقلهما معا.وفيه نظر فإن كل واحد من معلولي العلة إذا نظر إليه مع علته كان

مستغنيا عن اآلخر، وال يصح وجوده مع عدم اآلخر بهذا االعتبار، وكونالدعوى هو البيان مصادرة على المطلوب األول، وال يدل على وضوحه، وقدحذر في المنطق عن استعماله، وكيف يصح تسميته بالبيان مع أنه لم يستفدمنه شئ، والمضافان قد يعني بهما تارة الذاتان اللتان عرضت اإلضافتان لهما

كذات األب وذات االبن وتارة نفس العرض، ويسمى، المضاف الحقيقيكاألبوة والبنوة وتارة المجموع من الذات مع اإلضافة الحقيقية، ويسمى

المضاف المشهور، وبحثنا في اإلضافة الحقيقية.فنقول: هنا إضافتان هما األبوة والبنوة وهما ذاتان وجوديتان عندهم

(٢٠٨)

Page 211: Kitab Al-Alfain Arabic

ويستحيل انفكاك إحديهما عن األخرى وهما معا ال يمكن تقدم إحديهما علىاألخرى في الوجود العيني والذهني وال احتياج بينهما، ألنه إن كان من

الطرفين لزم الدور وإن كان من أحدهما كان المحتاج متأخرا، والمحتاج إليهمتقدما وهو ينافي المعية الذاتية، فقوله: وإنما المتضايفان إلى قوله، وهذا اليكون دورا يشير به إلى الذاتين اللتين عرضت لهما اإلضافة وهي ذات األب

وذات االبن أو أحدهما مجردين عن اإلضافة فإنهما ذاتان أفاد شئ ثالث وهوسبب اإلضافة كالتوليد ذات األب صفة هي صفة األبوة بسبب ذات االبن،

وذات االبن صفة البنوة بسبب ذات األب وهاتان الصفتان هما المضافالحقيقي، فكل واحد من ذات األب وذات االبن محتاج ال في ذاته بل في

صفته التي هي اإلضافة الحقيقية العارضة له ذات اآلخر وليس البحث في هذاكما قررناه بل في الصفتين وقوله ثم إذا أخذ الموصوف والصفة معا إلى قوله

وجوب تعلقهما مما يشير بذلك إلى المضاف المشهوري، وهو الذات معاإلضافة وليس البحث فيه أيضا بل في المضاف الحقيقي، ولم يظهر من ذلك

أن المعية التي بين المتضايفين ليست من جنس ما تقدم بطالنه من التالزم،مع عدم االستغناء أو االحتياج من الطرفين، ألن البحث في المضاف

الحقيقي، ولم يذكر حكمه والحق عندي أن اإلضافة أمر اعتباري ال تحقق لهخارجا وإال لزم التسلسل فال ترد المعارضة به.

الثامن والسبعون: الغاية من خلق اإلنسان هو حصول الكمال في القوةالعلمية والعملية وأعلى المراتب في القوة العلمية هو العقل المستفاد وفي القوة

العملية في العلم هو ذلك أيضا، ثم إصابة الصواب دائما، وفي العملاالمتناع عن القبيح وفعل األفضل، ثم االقتصار على الواجب وعدم االخاللبشئ منه، واإلمام عليه السالم لتحصيل المرتبة الثانية، والترغيب في األولى

والدعاء إليها، فيلزم أن يكون كامال في المرتبة األولى وإال لم يصلح للتكميلفيكون معصوما.

التاسع والسبعون: اإلمام شريك القرآن في إبانة األحكام فإنه لما كانتاألحكام غير متناهية والكتاب متناه، فلم يمكن للمجتهد علم األحكام منه

(٢٠٩)

Page 212: Kitab Al-Alfain Arabic

فلذلك احتيج إلى اإلمام، فكما امتنع على القرآن الباطل، كذا امتنع علىاإلمام تحققا للمساواة من هذا الوجه، فكان اإلمام معصوما.

الثمانون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم انتفاء الحاجة إليه حال ثبوتهافيلزم التناقض، والالزم باطل، فالملزوم مثله بيان المالزمة أنه إذا تحقق

ووجه الحاجة إلى شئ فمع تحقق ذلك الشئ أما أن يبقى وجه الحاجة أوينتفي مع فرض وجوده واألول يلزم أن ال يكون هو المحتاج إليه ألن تمام

المحتاج إليه ما تندفع الحاجة بوجوده، فإذا لم تندفع الحاجة بوجوده لم يكنتمام المحتاج إليه، فإما أن يكون شيئا غيره ينضم إليه أوال، واألول منتف

هنا قطعا إذ مع فرض طاعة المكلف له في جميع ما يأمره وينهاه يتم به الغرضوال يحتاج إلى غيره في امتثال أوامر الشرع والثاني يقع االستغناء عنه إذ معوجوده ال تنتفي الحاجة وال بانضمام غيره إليه فال يحتاج إليه قطعا إذ نسبة

وجوده وعدمه إلى انتفاء الحاجة واحدة إذا تقرر ذلك.فنقول: الطريق إلى وجوب الحاجة إلى اإلمام هو كونه لطفا في ارتفاع

القبيح وفعل الواجب، وقد ثبت إن فعل القبيح واالخالل بالواجب اليكونان إال ممن ليس بمعصوم، وقد ثبت إن جهة الحاجة هي ارتفاع العصمةوجواز فعل القبيح واقتران العلم بالحاجة بالعلم بجهتها وصارت الحاجة إلىوجوب اإلمام ما ثبت من كونها لطفا وجهة الحاجة إلى كونها لطفا ارتفاع

العصمة وجواز فعل القبيح فالنافي جهة الحاجة ومقتضاها كالنافي لنفسالحاجة، فلو لم يكن اإلمام معصوما لم يخرج عن العلة المحوجة إلى اإلمام ولم

تندفع الحاجة بوجوده فيلزم االستغناء عنه حال الحاجة إليه.وأما بطالن الثاني فظاهر للزوم التناقض اعترض بأن خالصة كالمكم هوأن المعصوم ال تجب حاجته إلى اإلمام وهذا مناقض قواعدكم ألن أمير

المؤمنين عليا عليه السالم معصوم في حياة النبي صلى الله عليه وآلهومع ذلك كان محتاجا إليه ومؤتما به وكذلك القول في الحسن والحسين عليهما

السالم في حياة أمير المؤمنين عليه السالم فإن زعمتم أن أمير المؤمنين عليه

(٢١٠)

Page 213: Kitab Al-Alfain Arabic

السالم لم يكن محتاجا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ذلك خروجاعن الدين وإن زعمتم أنه لم يكن معصوما كان خروجا عن قاعدتكم إن

اإلمام معصوم من أول عمره إلى آخره.أجاب السيد المرتضى قدس الله سره بأنا إنما منعنا حاجة المعصوم إلى

إمام يكون لطفا له في تجنب القبيح وفعل الواجب ولم نمنع حاجته إليه من غيرهذا الوجه أال ترى إن كالمنا إنما كان في تعليل الحاجة إلى إمام يكون لطفا في

االمتناع من المقبحات، ولم يكن في تعليل غير هذه الحاجة، وإذا ثبتت هذهالجملة لم يمتنع استغناء أمير المؤمنين عليه السالم لعصمته في حياة النبي عنه صلى

الله عليه وآله وسلم فيما ذكرناه، وإن لم يكن مستغنيا عنه في غير ذلك منتعليم وتوقيف وما أشبههما وكذلك القول في الحسن والحسين عليهما السالم مع

أنهما مستغنيان بعصمتهما عن إمام يكون لطفا لهما في االمتناع عن القبائح وإنجازت حاجتهما إلى إمام للوجه الذي ذكرناه.

الحادي والثمانون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم العبث والتالي باطلفالمقدم مثله بيان المالزمة أن الغاية هو ارتفاع جواز الخطأ، فإذا لم يرتفع ذلك

لم تحصل الغاية فيكون إيجابه عبثا.الثاني والثمانون: أدلة الشرع من الكتاب والسنة ال تدل بنفسها

الحتمالها ولذلك اختلفوا في معناها مع اتفاقهم في كونها داللة فال بد من مبينعرف معناها اضطرارا من الرسول أو من إمام، فلو جاز خالفه لم يمتنع أن الينزل الله تعالى كتابا وال نبيا في الزمان فلما بطل ذلك من حيث إنه ال بد منمبين للمراد بالكتاب لالحتمال الحاصل فيه فكذلك القول في اإلمام، اعترض

قاضي القضاة عبد الجبار بأن هذا مبني على أن الكالم ال يدل بظاهره، وقد بينا فيمابعد ما به يدل وأبطلنا األقاويل المخالفة لذلك وبينا ما يلزم عليها من

الفساد.وأجاب عنه السيد المرتضى نضر الله وجهه بأنا لسنا نقول إن جميع أدلة

الشرع محتملة غير دالة بنفسها بل فيها ما يدل إذا كان ظاهره مطابقا لحقائق

(٢١١)

Page 214: Kitab Al-Alfain Arabic

اللغة وتقدم العلم للمستدل بأن المخاطب به حكيم وأنه ال يجوز أن يريدخالف الحقيقة من غير أن يدل عليه وال شبهة أن جميع أدلة الشرع ليست

بهذه الصفة، ألنا نعلم أن في القرآن متشابها وفي السنة مجمال، وأن العلماء.من أهل اللغة قد اختلفوا في المراد بهما وتوقفوا في الكثير مما لم يصح لهم طريقه

ومالوا في مواضع إلى طريقة الظن واألولى فال بد والحال هذه من مبينللمشكل ومترجم للغامض يكون قوله حجة كقول الرسول صلى الله عليه وآله وليس

يبقى بعد هذا، إال أن يقال إن جميع ما في القرآن أما معلوم بظاهر اللغة أوفيه بيان من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يفصح عن المراد وإن السنة

جارية بهذا المجرى، وهذا قول يعلم بطالنه بالضرورة لوجود. مواضع كثيرةمن الكتاب والسنة قد أشكل على كثير من العلماء وأعياهم القطع فيها علىشئ بعينه ولو لم يكن في القرآن إال ما ال خالف في وجوده وال يتمكن من

دفعه وهو المجمل الذي ال شك في حاجته إلى البيان وااليضاح مثل قولهتعالى: (خذ من أموالهم صدقة) وقوله تعالى: (والذين في أموالهم حق

معلوم) (للسائل والمحروم) إلى غير ما ذكرناه وهو كثير وإذا كان ال بد منترجمته والبيان عن المراد به، فلو سلمنا أن الرسول قد تولى بيان جميع ما

يحتاج إلى البيان منه ولم يخلف منه شيئا على بيان خليفته والقائم باألمر بعدهعلى نهاية ما اقترحه الخصوم في هذا الموضع لكانت الحاجة من بعده إلى اإلمام

في هذا الوجه ثابتة، ألنا نعلم أن بيانه عليه السالم وإن كان حجة على منشافهه به وسمعها من لفظه فهو حجة أيضا على من يأتي بعده ممن لم يعاصره

ويلحق زمانه، ونقل األمة لذلك البيان، وقد بينا أنه ليس بضروري وأنهغير مأمون منهم العدول عنه، فال بد مع ما ذكرناه من إمام مؤد لترجمة النبي

صلى الله عليه وآله مشكل القرآن وموضح عما غمض عنا من ذلك فقد ثبتت الحاجةإلى

اإلمام المعصوم مع تسليم أكثر قواعد المخالف.اعترض قاضي القضاة بالمعارضة باإلمام بأن من غاب عنه إما أن ينقل

كالمه إليه بالتواتر أوال، فإن كان األول فليجر في الرسول، وإن كان الثانيفليجر أيضا في الرسول مثله، وأجاب عنه السيد المرتضى بالفرق بأن اإلمام

(٢١٢)

Page 215: Kitab Al-Alfain Arabic

مراع لبيانه واإلمام بعده فيأمن فيه التغير بخالف الرسول بعد.الثالث والثمانون: اإلمام يجب أن يؤتم به ويجب القبول منه واالنقياد

له فلو لم يكن معصوما لم يؤمن فيما يأمر وينهاه أن يكون قبيحا وال يجوزتكليف الرعية لالنقياد لمن هذه حاله والتزام طاعته بل إذا لم يكن معصوما اليمتنع أن يرتد وأن يدعو إلى االرتداد وليس بعد ثبوت العصمة إال القول بأنه

ال بد من إمام منصوص عليه في كل زمان واعترض على هذا القاضي عبدالجبار بوجوه:

األول: إنه إنما يلزم هذا لو قلنا بوجوب اتباع اإلمام في كل شئ وليسبل اإلمام عندنا هو الذي إليه القيام بأمور مبينة في الشرع والذي يلزم طاعته

منه به ما بين الشرع حسن ذلك كما روى عن أبي بكر أنه قال: " أطيعوني ماأطعت الله فإذا عصيت الله فال طاعة لي عليكم " وهذه طريقة علي عليه

السالم فيما كان يأمر به.ال يقال: إذا دعا قوما إلى محاربة أو غيرها وهم ال يعلمون وجهها يلزم

طاعته به، فإن قلتم نعم لزم أن يكون معصوما ألنه إن لم يكن كذلك جاءفيما يأمر به أن يكون قبيحا، وإن قلتم ال لزم إفحامه فتنتفي فائدته.ألنا نقول: الواجب اتباعه فيما ال يعلم قبحه وإن كان ال يمتنع أمره

بالقبيح لكن فاعله مقدم على حسن من حيث يفعله ال على الوجه الذي يقبحكما أن العبد مكلف أن يطيع مواله فيما ال يعلمه قبيحا على الوجه المذكور،

فكذا رعية اإلمام.الثاني: قد ثبت إن المأموم في الصالة مكلف بأن يتبع اإلمام إذا لم يعلم

أن صالته فاسدة، وال يخرج من أن يكون مطيعا وإن جوز في صالة اإلمامأن تكون قبيحة ألنه إنما كلف أن يلزم اتباعه في أركان الصالة ولم يكلف أنيعلم باطن فعله فكذلك القول في اإلمام وعلى هذه الطريقة يجري الكالم في

الفتاوي واألحكام وغيرهما.الثالث: يلزم من قولهم أن ال ينقاد الرعية لألمراء إذا لم يكونوا

(٢١٣)

Page 216: Kitab Al-Alfain Arabic

معصومين لمثل هذه العلة التي ذكروها، وإذا لم تجب ألجل ذلك عصمتهم ولميمنع ذلك من وجوب طاعتهم ما لم يعلم دعاؤهم إلى المعصية، فكذا القول

في اإلمام، والجواب عن األول من وجوه:األول: إنه لو لم يجب اتباعه إال فيما يعلم حسنه لزم إفحامه. ألن

المكلف يقول له ال أعلم حسن هذا إال بقولك، وقولك ليس بحجة،ووجوب اتباعه فيما ال يعلم قبحه ال يدفع وجه المفسدة، ألن المفسدة إنما

لزمت من عدم أمن المكلف من أمره بالقبيح وتجويز ارتكابه الخطأ، واليندفع هذا إال بدفع هذا االحتمال أو نقيض الممكنة الضرورية، فيجب

القول بامتناع القبيح عليه، وهذا هو العصمة.الثاني: ما ذكره السيد المرتضى من أن وجوب اتباع غير المعصوم فيما ال

يعلم قبحه يستلزم إمكان أن يتعبد الله تعالى بفعل القبيح على وجه منالوجوه إلمكان أن يكون ذلك الذي يأمر به معصيته، لكن ذلك محال فيلزم

عصمته.الثالث: ما ذكره السيد المرتضى أيضا، وهو أن اإلمام إنما هو إمام في

جميع الدين وما لم يكن متبعا فيه من الدين يخرج عن كونه إماما فيه، وهذهالجملة ال خالف فيها، فليس ألحد أن ينازع فيها، ألن المنازعة في هذا

االطالق خرق االجماع، وأما ما رواه عن أبي بكر فال يفيد علما وال عمالللمنع من إمامته أوال وأنه خبر واحد ال يفيد في المسائل العلمية وأيضا فألنه

إذا بين أن كل ما يقوله ليس بحجة، فأما أن ال يكون شئ منها حجة فالحجة في الخبر المذكور، وأما أن يكون البعض حجة، والبعض اآلخر ليسبحجة، فال يدل أيضا لجواز كونه من ذلك البعض، واألصل فيه أن الجزئية

ال تصلح كبرى في الشكل األول، فحينئذ ال يمكن االستدالل، قوله هذهطريقة أمير المؤمنين عليه السالم فليس في ذلك زيادة على الدعوى، ولم يذكر

رواية عنه تقتضي ذلك فال داللة لنتكلم عليها، والذي يؤمننا فما ظنه قيامالداللة على إمامته وقيامها على أن اإلمام يجب أن يكون معصوما ومقتدى به

في جميع الدين قوله الواجب اتباعه فيما ال يعلم قبحه، وإن كان ال يمتنع أمره

(٢١٤)

Page 217: Kitab Al-Alfain Arabic

بالقبيح، لكن فاعله مقدم على حسن من حيث يفعله ال على الوجه الذييقبح قلنا محال أن يقع الفعل قبيحا على وجه من بعض الفاعلين، ويقع على

ذلك الوجه من فاعل آخر وال يكون قبيحا ألن علة القبح الوجوهواالعتبارات، فالمحاربة إذا دعا اإلمام إليه وفعلها وكانت قبيحة منه لم يصح

منه ألنه عالم بقبحها، بل ألنه متمكن من العلم بذلك، ألن التمكين فيهذا الباب يقوم مقام العلم ورعية اإلمام إذا كانوا متمكنين من العلم بقبح

المحاربة وما يعود به الفساد في الدين قبحت منهم وإن لم يعلموا وجهها فيالحال لتمكنهم من العلم بقبحها، فال بد وأن يكونوا متمكنين، فكيف

تكون المحاربة قبيحة منه غير قبيحة منهم، ولو سلمنا جواز عدم تمكنهم منالعلم بحال المحاربة في القبح أو الحسن لم يقدح أيضا، ألن الكالم فيما

مكنوا من العلم بحاله من جملة ما دعاهم اإلمام إلى فعله، ولو استقام له ماأراده من المحاربة لم يستقم له مثله في غيرها من أمور الدين ألن اإلمام ال بد

وأن يكون إماما في سائر الدين ومفتدى به في جميعه ما كان معلوما وجههللرعية، وما لم يكن على ما دللنا عليه من قبل، فيلزم على هذا أن لو دعاهمإلى غير المحاربة مما ال يمكن المنازع أن يدعي كونه حسنا أن يلزم طاعتهواالنقياد ألمره من حيث وجب االقتداء به، فأما العبد فلما كلف طاعة مواله

فيما ال يعلمه قبيحا، فما تمكن من العلم بقبحه حكم ما يعلمه قبيحا، وأماما ال سبيل له إلى العلم بحاله، فيجوز أن ال يقبح منه، وإن قبح من المولىوليس هذا حال اإلمام ألن كالمنا على ما أمرنا باتباعه فيه فيما يتمكن من

العلم بحاله، فال بد أن يكون القبيح منه قبيحا منا.وعن الثاني: إن إمامة الصالة ليست بإمامة حقيقية ألنه لم يثبت فيها

معنى االقتداء الحقيقي، سلمنا كونها إمامة حقيقة، لكن االقتداء هنا فيماالتكليف فيه منوط بالظن، وثمة االقتداء لتحصيل العلم وإزالة االحتمال

وإزالة الشك والريب.وعن الثالث: إن األمير مولى عليه ولعصمة اإلمام وعدم مسامحته له

يخاف من المؤاخذة والعزل وخطأه ينجبر بنظر اإلمام عليه السالم ووجوده

(٢١٥)

Page 218: Kitab Al-Alfain Arabic

ويستدرك بخالف من ال والية عليه وال يخاف من معاقبة أحد وهو المتسلط علىالعالم وليس أحد متسلطا عليه، وأيضا فإن اإلمام والية متبعة عامة، ووالية

األمير خاصة.وقال السيد المرتضى رحمه الله: االقتداء بإمام ال بد أن يكون مخالفا

لالقتداء بكل من هو دونه من أمير وقاض وحاكم، وألن معنى اإلمامة أيضاال بد أن يكون مخالفا لمعنى اإلمارة من غير رجوع إلى خالف االسم، وإذا

كان ال بد من مزية بين اإلمام ومن ذكرناه من األمراء وغيرهم في معنىاالقتداء، فال مزية يمكن إثباتها إال ما ذكرناه وفيه نظر، فإن المحال الالزم في وجوب

اتباع غير المعصوم آت هاهنا، وال ينفع هذا في دفعه، وألنا نمنع انحصارالمزية فيما ذكرتم.

الرابع والثمانون: اإلمام له صفات:األولى: إنه واحد.

الثانية: إنه يولي وال يولي عليه.الثالثة: إنه يعزل وال يعزل.

الرابعة: يجب على غيره طاعته وال يجب عليه طاعة غيره حال كونهإماما.

الخامسة: كالمه وفعله كل منهما دليل.السادسة: اعتقاد الصواب في أفعاله وأقواله والجزم بعدم خطأه.

السابعة: له التصرف المطلق.الثامنة: مخالفة تحل محاربته إلى أن يرجع طاعته بمجرد مخالفته.

التاسعة: يجب تعظيمه كتعظيم النبي صلى الله عليه وآله.العاشرة: إنه حافظ للشرع.

(٢١٦)

Page 219: Kitab Al-Alfain Arabic

الحادية عشر: المحاربة والجهاد بأمره ودعاءه.الثانية عشر: إنه مقيم للحدود.

الثالثة عشر: إنه داع إلى الطاعات مقرب إليها.

الرابعة عشر: مبعد عن المعاصي إذا تقرر ذلك.فنقول: هذه األشياء مفتقرة إلى العصمة.

أما األول: فألن وحدته توجب عدم من يقربه إلى الطاعة ويبعده عنالمعصية فال يحتاج. فتنتفي علة الحاجة فيه وهي عدم العصمة فيه.

وأما الثاني: فألنه لو لم يكن الخطأ مأمونا لم يؤمن أن يؤمن أن يولي منال تحسن واليته وفي واليته سبب لهالك الدين وفساد المسلمين.

وأما الثالث: فألنه إذا لم يعزل أمن ارتكابه الخطأ، وإذا عزل هو جازأن يعول األصلح في الوالية.

وأما الرابع: فحاجته إلى العصمة ظاهرة وإال لزم أحد أربعة أمور.وأما إفحامه أو إمكان وجوب المعصية في نفس األمر، أو تكليف ما اليطاق، أو التناقض ألنه إن وجب طاعته فيما يعلم صوابه لزم إفحامه ألن

قوله غير حجة إذن ودعوى المكلف بعدم الظفر بالدليل ال يمكن ردها إنوجب مطلقا لزم إمكان وجوب المعصية لجواز أمره بها وإن كان في بعض

األحكام غير معين لزم تكليف ما ال يطاق وإن لم تجب طاعته في شئ ناقضوجوب طاعته.

وأما الخامس: فألنه لو كان الخطأ عليه جايزا لم يكن كالمه وفعلهدليال.

وأما السادس: فألنه فلو جاز عليه الخطأ لم يحصل اعتقاد الصواب في أفعالهوأقواله والجزم بعدم خطأه عدم اجتماع الجزم مع إمكان النقيض. ال يقال: ينتقض

بالعاديات ألنا نقول ثبوت العادة غير معلوم هاهنا فيستحيل الجزم.

(٢١٧)

Page 220: Kitab Al-Alfain Arabic

وأما السابع: فألن التصرف المطلق يستحيل من الحكيم أن يجعله لمنيجوز منه الظلم والكفر وأنواع التعدي والخطأ في األقوال واألفعال.

وأما الثامن: فألن مخالفة غير المعصوم بمجرد مخالفته في شئ كان اليمكن الجزم بإيجابها للمحاربة والقتل لجواز كون الحق في طرف المخالف فيلزم

أن يكون قابل الحق أو فاعلة يمكن أن يجب محاربته بمجرد ذلك وهو محالبالضرورة.

وأما التاسع: فألن تعظيم النبي صلى الله عليه وآله واجب في كلحال وغير المعصوم يمكن صدور ما يوجب الحد والعقوبة منه، فإن لم يجب

مقابلته بالعقوبة كان إغراء بالقبيح، وإن وجبت عقوبته فإن بقي وجوبالتعظيم اجتمع النقيضان وإن لم يجب التعظيم ناقض الحكم بوجوب تعظيمه

دائما.وأما العاشر: فألن غير المعصوم ال يحصل الجزم بحفظه للشرع، فال

يحصل الوثوق بقوله فتنتفي فائدته.وأما الحادي عشر: فإن اإلنسان ال يقتل نفسه ويقتل غيره إال بقول من

يعرف يقينا صوابه، وأنه ينزل منزلة النبي صلى الله عليه وآله واليتحقق ذلك إال بالمعصوم.

وأما الثاني عشر: فألن مقيم الحدود ال بد وأن يستحيل عليه الميلوالحيف والمراقبة في الحد، ويستحيل عليه سبب الحد، وإال لكان غيره مقيما

أيضا، فال ينحصر المقيم فيه.وأما الثالث عشر والرابع عشر: فألن المقرب إلى الطاعات ال بد أن

يكون أقرب من غيره دائما إليها، والمبعد عن المعاصي ال بد أن يكون دائمابعيدا عنها وهذا هو العصمة.

الخامس والثمانون: وجوب عصمة النبي صلى الله عليه وآله مععدم وجوب عصمة اإلمام مما ال يجتمعان، واألول ثابت فينتفي الثاني، أما

(٢١٨)

Page 221: Kitab Al-Alfain Arabic

النافية فألن النبي صلى الله عليه وآله مخير عن الله تعالى ومقتدي بفعلهوقوله، ويجب اتباعه وطاعته فإما أن يقتضي ذلك وجوب العصمة أوال، فإن

كان األول وجب عصمة اإلمام لتحقق العلة فيه وإن كان الثاني لم تجبعصمة النبي صلى الله عليه آله وسلم وأما ثبوت األول فألن كونه حجة

فيما يخبر به عن الله تعالى يوجب أن ال يجوز عليه ما ينقض كونه حجة منالغلط والسهو وغير ذلك، ولعدم الوثوق حينئذ بقوله وفعله.

السادس والثمانون: كلما وجب عصمة النبي صلى الله عليه وآله وجب عصمةاإلمام والمقدم حق فالتالي مثله أما حقية المقدم فلقوله تعالى: (لئال يكون

للناس على الله حجة بعد الرسل) فلو لم يكن الرسول معصوما لكانللمكلف حجة ألن قول الرسول حينئذ ليس بدليل الحتماله النقيض، ومع

انتفاء الدليل وإن ثبت اإلمامة تتحقق الحجة وأما المالزمة فألن مع عدم إماممعصوم يبقى للمكلف حجة إذا المكلف الذي لم يبصر الرسول والمجمل

موجود في القرآن والسنة والمتشابه واالضمار وما يحتاج إلى التفسير وعدمالمقرب حينئذ وقول المعصوم ليس بدليل، والمجمل والمتشابه ليسا بدليل

فلو لم يكن اإلمام معصوما لثبت الحجة المنفية.السابع والثمانون: كلما كان اإلمام أفضل من رعيته وجب أن يكون

معصوما لكن المقدم حق فالتالي مثله أما المالزمة، فألن اإلمام لو عصى فيحال ما فأما في تلك الحالة يعصي كل واحد واحد من الناس فتجتمع األمة

على الخطأ وهو محال لما تحقق في أدلة االجماع، وأما أن ال يعصي واحد ماففي تلك الحالة غير المعاصي أفضل من المعاصي فغير اإلمام أفضل فيخرجعن اإلمامة، فال تكون إمامته مستقرة وهذا هو الفساد الموقع للهرج والمرجويلزم تكليف ما ال يطاق، وأما أن يكون إماما مع وجوب كون اإلمام أفضلدائما مع كونه ليس بأفضل في هذه الحال، وهو تناقض، وأما حقية المقدمفالستحالة تقديم المفضول على الفاضل واستحالة تقديم المساوي المتناع

الترجيح من غير مرجح والعلم بها ضروري.الثامن والثمانون: اإلمام هو الحامل لكل من يعلمه من المكلفين

(٢١٩)

Page 222: Kitab Al-Alfain Arabic

الجائزي الخطأ على الحق وارتكابه الشريعة في كل حكم وحال وقهره على ذلكمع تمكنه ومانع كل مكلف من الخطأ، ومع تمكنه دائما فلو أخطأ وقتا ما لم

يكن إماما ألن المطلقة العامة نقيض الدائمة فخطأه فلزوم للمحال فيكونمحاال.

التاسع والثمانون: يستحيل إمكان تحقق الشئ مع فرض وجود ضدهوتحقق نقيضه وإال اجتمع النقيضان، فاإلمامة ضد للخطأ والنسيان، وأقوى

األشياء معاندة له فيستحيل اجتماعهما في محل واحد وفي وقت واحد إنما قلنابالمعاندة ألن اإلمامة هي المبعدة من الخطأ والمعاصي والمقتضي للمبعد عن

الشئ، ولعدمه مضاد له ومعاند له فقد ظهر أن تحقق اإلمامة في محل لموجبامتناع الخطأ عليه، وهذا هو العصمة.

التسعون: المحوج إلى اإلمام ليس امتناع الخطأ بل هو المغني عنه فيالتقريب والتبعيد وال وجوب الخطأ وإال لزم تكليف ما ال يطاق، فبقي أن

يكون هو إمكان الخطأ ليحصل به عدمه، فاإلمام هو المخرج للخطأ من حداالمكان إلى االمتناع وال شئ أقوى في المعاندة في الوجود من علة االمتناع

فمع تحقق اإلمامة يستحيل الخطأ وهو المطلوب.الحادي والتسعون: نسبة الوجود إلى الخطأ مع اإلمامة، أما الوجوب

وهو محال ألنه مع عدمها االمكان، ويستحيل أن تكون مقربة إليه، فكيفتكون علة فيه، وإما االمكان أيضا فوجودها كعدمها، فيكون إيجابها عبثا،

وإما ترجيح العدم لكن رجحان غير النهي عن الوجوب محال وإال لجاز فرضوجود المرجوع مع علة الرجحان في وقت وعدمه في آخر، فترجيح أحد

الوقتين بالوجود واآلخر بالعدم، إما أن يكون محتاجا إلى مرجح أوال، والثانيمحال وإال لجاز الترجيح بال مرجح، واألول يستلزم عدم كون ما فرض

مرجحا تاما هذا خلف، وإما االمتناع وهو المطلوب.الثاني والتسعون: معلول اإلمامة إما ترجيح عدم الخطأ أو امتناع الخطأ

وأيا ما كان يلزم المطلوب إما على التقدير األول فألن أحد طرفي الممكن مع

(٢٢٠)

Page 223: Kitab Al-Alfain Arabic

التساوي يستحيل وقوعه، فمع المرجوحية أولى، وإذا استحال وجود الخطأانتهى إلى االمتناع، وإن كان الثاني فالمطلوب أظهر ألن العلة متى تحققتوجب تحقق المعلول فإذا تحققت اإلمامة امتنع الخطأ، وهذا هو العصمة.

الثالث والتسعون:كل عرض يتوقف على استعداد مسبوق باستعداد

المحل له واالستعداد التام هو الذي يوجد عقيبه بال فصل المستعد له،فاإلمامة هي المبعدة عن الخطأ، والمبعد عن الشئ مناف له ألنه موجب

لبطالن االستعداد المتوقف عليه ذلك الشئ، فاإلمامة منافية للخطأ وتحققأحد المتنافيين يستلزم امتناع اآلخر، فاإلمامة موجبة المتناع الخطأ، وهو

مطلوبنا.الرابع والتسعون: كل شئ إذا نسب إلى آخر فإما أن يكون مثله أوالوالثاني إما أن يكون منافيا له يستحيل اجتماعه معه أوال، وهذه قسمة

حاصرة مترددة بين النفي واالثبات، فاإلمامة إذا نسبت إلى الخطأ فإما أنيكونا من األول وهو محال وإال لما بطل استعداده ولم يكن انتفاء مطلق الخطأوالماهية المطلقة من حيث هي غاية في وجودها وهو ظاهر ألن أحد المثلين اليكون عدم الماهية المطلقة من حيث هي غاية في وجودها الستحالة عدمها معه

إذ هو مثل فوجوده يستلزم وجود الماهية المطلقة، فكيف يطلب منه العدم،وإما أن يكون من الثالث وهو محال، وإال لم يكن معها أبعد ألن كلما يمكن

اجتماعه مع الشئ ال يكون منافيا له يجامع علة وجوده فال يكون معه أبعدولتساوي نسبة الوجود والعدم أو رجحان الوجود قطعا فتعين أن يكون من

الثاني وتحقق أحد المتنافين يستلزم امتناع اآلخر وإال ألمكن اجتماع النقيضين وهومحال.

الخامس والتسعون: اإلمام هاد دائما والعاصي ليس بهاد في الجملةفاإلمام ليس بعاص، أما الصغرى فألنه المراد من اإلمام إذ ليس المراد منه

الهداية في وقت دون آخر، وال في حكم آخر، وال لبعض دونبعض، وأما الكبرى فألن العاصي ضال ما دام عاصيا، والضال ليس بهاد

ما دام ضاال.

(٢٢١)

Page 224: Kitab Al-Alfain Arabic

السادس والتسعون: اإلمام مقيم للشرع حامل على العمل به دائما والشئ من العاصي كذلك ما دام عاصيا فال شئ من اإلمام بعاص، أماالصغرى فظاهرة ألن الغاية من اإلمام ذلك، وأما الكبرى فظاهرة.

السابع والتسعون: العلة الغائية في اإلمامة إنما هو ارتفاع الخطأ والعلةالغائية علة بماهيتها معلولة بوجودها، فدل على أن ارتفاع الخطأ معلول

اإلمامة وقد تحققت اإلمامة فيتحقق ارتفاع الخطأ ما دامت متحققة في محلهاوهو اإلمام فيلزم العصمة.

الثامن والتسعون: كل شئ إذا نسب إلى غيره، فأما أن يكون واجبامعه أو ممتنعا معه أو ممكنا معه، فإذا نسب الخطأ إلى اإلمامة، فمع فرض

تحققها أما أن يجب وجد الخطأ معها فتكون مفسدة، ألنها بدونها جايز، فإذاكان معها واجبا كانت مفسدة هذا خلف وإن كان معها ممكنا تساوى وجودها

وعدمها فانتفت فائدتها وهو محال قطعا وإن كان معها ممتنعا ثبت المطلوب.التاسع والتسعون: المكلف المع اإلمامة له نسبة إلى الطاعات وارتفاع

المعاصي وهو جواز الفعل والترك فمع اإلمامة إما أن يصير المكلف أقرب إلىالطاعة وأبعد عن المعصية مع تمكن اإلمام منه وعلمه به أوال، والثاني محالوإال لكان وجوده كعدمه، فتعين األول فكل مكلف يتمكن اإلمام من تقريبه

إلى الطاعة وتبعيده عن المعصية ويعلم به يجب له ذلك فيمتنع عنه المرجوع،واإلمام قادر على نفسه وإال لم يكن مكلفا، فيجب له ذلك فيمتنع منه

نقيضه، بحيث ال يعد مقهورا وال مجبرا وهذا هو العصمة.المائة: امتناع الخطأ واإلمامة مع تمكن اإلمام من المكلف وقدرته على

منعه من المعاصي وحمله على الطاعات وعلمه به وبطاعة المكلف له إما أنيكون بينهما لزوم ما أو ال، والثاني محال وإال يمكن مع ذلك أن ال تقع

الطاعة وتقع المعصية فتنتفي فائدة اإلمامة ألن فائدة اإلمام مع طاعته المكلفله وتمكنه وتمكينه وقدرته على حمله على الطاعة ومنعه عن المعصية يتحقق

الطاعة وتبعد عن المعصية، فبقي أن يكون بينهما لزوم، فأما أن يكون

(٢٢٢)

Page 225: Kitab Al-Alfain Arabic

اإلمامة مع الشرطين المذكورة ملزومة لرفع الخطأ أو بالعكس أو التالزم منالطرفين، األول والثالث المطلوبان، والثاني محال، وإال لكان مع تحقق

اإلمامة وإطاعة المكلف لإلمام وتمكن اإلمام من تبعيده عن المعصية وتقريبه إلىالطاعة فكان يمكن أن يكون المكلف أبعد عن الطاعة وأقرب إلى المعصية وهو

محال وإال النتفت فائدته، وإنما قلنا بلزوم المطلوب من الثالث واألول ألنالملزوم اإلمامة وتمكن اإلمام من حمل المكلف على الطاعة وتبعيده عن المعصية

وإطاعة المكلف له، والثالث ال يتحقق في اإلمام ألن الطاعة ال تتحقق بين اإلنسانونفسه فيبقي األوالن وهما متحققان فثبت المطلوب.

(٢٢٣)

Page 226: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة الخامسةاألول: اإلمامة مع تمكن اإلمام من حملة المكلف على الطاعة وإبعاده عن

المعصية وعلمه به سبب لفعل المكلف الطاعة، وامتناعه عن المعصية اتفاقا،فأما أن يكون من األسباب االتفاقية وهو محال ألن االتفاقي ال يدوم، وهذا

السبب يدوم تأثيره، ومن األسباب الذاتية الدائمة وهو المطلوب.الثاني: كل إمام يجب إطاعته بالضرورة ما دام إماما إذ لو لم يجب طاعته

لكان الله تعالى ناقضا لغرضه، والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة إن اللهتعالى إذا نصب إماما وأوجب عليه الدعاء لألمة إلى فعل الطاعات، ثم لميوجب عليهم طاعته، بل قال إن شئتم فاقتدوا به وأطيعوه، وإن شئتم فالانتفت فائدة وانتقض الغرض ضرورة، وأما بطالن التالي فظاهر فلو كانإمام غير معصوم لصدق اإلمام ال تجب طاعته باالمكان حين هو إمام،

ألن اإلمام إذا لم يكن معصوما يمكن أن يدعو إلى معصيته فإن وجب وجبتالمعصية حال كونها معصية هذا خلف وإن لم تجب ثبت المطلوب، ولو

صدقت هذه المقدمة مع صدق األولى الجتمع النقيضان إذا الحينية الممكنةتناقض المشروطية العامة، لكن األولى صادقة لما بينا فالثانية كاذبة فملزومها

وهو كون اإلمام غير معصوم كاذب.الثالث: هنا مقدمات:

(٢٢٥)

Page 227: Kitab Al-Alfain Arabic

األولى: كل ما أوجبه الله عز وجل على المكلف فهو واجب في نفساألمر بالضرورة الستحالة أن يوجب الله سبحانه على المكلف ويأمره بشئوال يكون قد أوجبه عليه في نفس األمر وإال لكان مغريا بالجهل والقبيح،

ألن االلزام بما ليس بالزم قبيح ضرورة.الثانية: كلما كان طاعة اإلمام في جميع األقوال واألفعال التي يأمر بها

وينهي قد أوجبه الله تعالى على المكلف يكون المأمور به من جهة اإلمام واجبافي نفس األمر.

الثالثة: كلما هو معصية ال يجب بوساطة أمر اإلمام لو فرض والعياذبالله تعالى ومحال أن يوجبه الله تعالى وإال لزم التكليف بالضدين.

الرابعة: اإلمام هو الموقف على األحكام والشرع بعد النبي صلى الله عليهوآله ومنه يستفاد أحكام الشريعة.

الخامسة: التكليف بالمحال محال وقد بين ذلك في علم الكالم.السادسة: طاعة اإلمام واجبة دائما في جميع أوامره ونواهيه، ألنه إما أن

تجب دائما في جميع األوامر والنواهي، أو في بعض األوقات، أو في بعضاألوامر والنواهي دون بعض أو ال تجب في شئ، والكل محال سوى األول،

وأما الثاني والثالث: فألن ذلك البعض إما أن يكون معه أو ال، والثانييستلزم التكليف بالمحال، وقد قررنا استحالته منه، واألول إما أن يكون

معينا باسمه كما يقال في الفعل الفالني أو في الوقت الفالني، غير ذلك كمايقال ما يظنه المكلف صوابا في وقت يظنه على الحال المستقيم وهو باطل

لوجهين:أحدهما: أنه يستلزم إفحامه إذ المكلف يقول له إني ال يجب علي

اتباعك إال فيما حصل في ظني بأنك مصيب فيه أو أعلم وأقل مراتبه الظن فيوقت أعلمك أو أظنك في الحال المستقيم وإن لم يحصل في هذا الظن فينقطع

اإلمام، إذ حصول الظن والعلم من الوجدانيات التي ال يمكن إقامة

(٢٢٦)

Page 228: Kitab Al-Alfain Arabic

البرهان عليها وإنما يحصل لصاحبها.وثانيهما: إنه المعرف لألحكام فإذا لم يكن قوله حجة كان للمكلف أن

يقول إني ال أعرف هذا الحكم وإصابتك إال بقولك، وقولك بمجرده ليسحجة عندي فينقطع اإلمام أيضا، فال فائدة في نصبه البتة.

والرابع: محال قطعا وإال لكان وجوده كعدمه فتعين األول وهو وجوبطاعته دائما في كل األوامر والنواهي مطلقا إذا تقرر ذلك.

فنقول: كلما أوجبه اإلمام على المكلف أوجبه الله تعالى عليه من المقدمةالثانية وكلما أوجبه الله تعالى على المكلف فهو واجب عليه في نفس األمر

بالضرورة من األولى ينتج كلما أوجبه اإلمام على المكلف فهو واجب عليه فينفس األمر بالضرورة، فاإلمام إما أن يجوز عليه الخطأ والعصيان أو ال،واألول يستلزم جواز أمره بالمعصية، فإن لم يجب ناقض السادسة، وإن

وجبت في نفس األمر ناقض الثالثة، ولزوم التكليف بمحال، وإن لم يجبأمكن صدق قولنا بعض ما يأمر به اإلمام غير واجب في نفس األمر، وهو

نقيض النتيجة الضرورية وهو محال فقد ظهر أن جواز الخطأ على اإلمام ملزومللمحال، فيكون محال، فتعين الثاني وهو امتناع الخطأ والعصيان عليه، وهو

المطلوب.اعترض بعض الفضالء على هذا الدليل بأنا ال نسلم أن إمكان صدق

قولنا بعض ما يأمر به اإلمام بالفعل غير واجب في نفس األمر غير ثابتوصدق الضرورية ال ينافي في إمكان صدقه، ألن إمكان صدق قولنا بعض مايأمر به اإلمام غير واجب في نفس األمر إمكان صدق القضية، والذي ينافي

أصل القضية هو قولنا بعض ما يأمر به اإلمام بالفعل غير واجب في نفساألمر باالمكان، وال يلزم من صدق األولى صدق الثانية ألن إمكان صدق

القضية ال يتوقف على صدق الموضوع بالفعل بل جاز أن يكون المحمولوالموضوع بالقوة بخالف الثانية.

أجاب عنه أفضل المحققين خواجة نصير الدين محمد الطوسي قدس الله

(٢٢٧)

Page 229: Kitab Al-Alfain Arabic

سره: بأن هذا تجويز لوقوع ما يقابل القضية الضرورية، ألن إمكان صدقالقضية هو جواز صدقها بالفعل ملزوم للمكنة، فإن المطلقة العامة أخص من

الممكنة وامتناع وقوع مقابل القضية الصادقة معلوم الضرورة، قوله ألنإمكان صدق القضية إلى قوله أن يكون الموضوع المحمول بالقوة باطل، ألن

ذلك قريب من صدق إمكانها ال إمكان صدقها، وإنما قلنا إنه قريب منصدق إمكانها، ولم نقل هو صدق إمكانها، ألن صدق إمكانها بأن يكونالموضوع لذلك البعض بالفعل المحمول بالقوة، وإمكان صدق غير صدق

االمكان، فإن األول دون الثاني ربما يعرض للقضية غير الممكنة كما يعرضللقضية الفعلية كقولنا بعض (ج ب) بالفعل، وهذه القضية من حيث

إمكان صدقها تقابل صدق الضرورية من حيث هي صادقة، ومن حيثكونها بالفعل تقابل نفس تلك القضية وال تناقضها إنما تناقضها لو كانت ممكنة

باالمكان العام، وإذا كانت مقابلة الضرورية ال يمكن اجتماعها معها ثبتمطلوبنا إذ يمتنع صدقها مع صدق الضرورية.

واعترض أيضا بأن هذا يدل عصمته في التبليغ واألوامر والنواهي العلى عصمته مطلقا، ومطلوبكم الثاني ال األول، والثاني غير الزم مناألول، ألن األول أعم، وقد ذهب إلى ذلك جماعة من أهل السنة في

األنبياء.والجواب عنه من وجهين:

األول: إنه لم يقل أحد بذلك في صورة اإلمام بل الناس بينقائلين، منهم من قال بعدم عصمته مطلقا، ومنهم من قال بعصمته مطلقا،

فالفرق قول ثالث باطل مخالف االجماع.الثاني: إن المقتضى للفعل هو القدرة والشهوة وربما جلبت اإلرادة

والمانع ليس إال الخوف من الله تعالى والنهي والتحذير وتحريم الفعل ونسبتهإلى الكل واحدة فإن اقتضى المنع اقتضى في الجميع وإن لم يوجب المنع كانالكل ممكنا ولم يوجب شيئا لتساوي علة الحاجة إليه ووجه عليته ومعلوليتها.

(٢٢٨)

Page 230: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابع: لو كان اإلمام غير معصوم لصدق كلما لم يكن اإلمام معصوما ماوجبت طاعته إذ جعله إماما من غير وجوب طاعته نقض للغرض ويلزمه

قولنا، كلما لم يجب طاعة اإلمام كان اإلمام معصوما ألن انتفاء الالزم يوجبانتفاء الملزوم ويلزمه قد يكون إذا كان اإلمام معصوما لم يجب طاعته وكل

ذلك محال ألن وجوب طاعة اإلمام إذ لم يكن معصوما يقتضي وجوب طاعتهإذا كان معصوما بطريق األولى فيصدق دائما أما أن يكون اإلمام معصوما أو اليجب طاعته مانعة جمع ويلزمه كلما كان اإلمام معصوما وجبت طاعته، فهو

يناقض الثانية.الخامس: لو كان اإلمام غير معصوم لكان النبي غير معصوم ألنه لو كان

النبي معصوما على تقدير عدم عصمة اإلمام لكان عصمة النبي ثابتة على هذاالتقدير وإذا كان كذلك فال يخلو أما أن تكون عصمة النبي الزمة لعدم

عصمة اإلمام أو ال تكون الزمة، وكالهما باطل، وأما األول فألنه لو ثبتالمالزمة بين عدم عصمة اإلمام وعصمة النبي لثبتت المالزمة بين عدم عصمةالنبي وعصمة اإلمام، وكان كلما كان النبي غير معصوم كان اإلمام معصوماألن انتفاء الالزم يستلزم انتفاء الملزوم لكن التالزم محال، ألن عصمة اإلمام

مع عدم عصمة النبي مما ال يجتمعان ألن النبي أولى بالعصمة من اإلمام لعدمالقائل به، فعلى تقرير عدم عصمة النبي ينتفي عصمة اإلمام قطعا ألنه تابعله وخليفته، وأما الثاني فألنه إنما قلنا على تقدير عدم عصمة اإلمام، والنعني بالمالزمة إال هذا القدر، وفيه نظر وألنه قد ثبت في الكالم وجوبعصمة النبي على كل تقدير دائما، فكل ما ثبت عدم عصمة اإلمام ثبتعصمة النبي دائما، وألن على تقدير عدم عصمة اإلمام، لو لم يكن النبيمعصوما لم يكن للمكلف طريق إلى العلم البتة، وألن النائب إذا لم يكن

معصوما واألصل معصوم بخبر بنظره أما مع عدمه فال يمكن التحرز من الخطأمطلقا أصال هذا خلف، ال يقال انتفاء عدم عصمة النبي على تقدير عدم

عصمة اإلمام المانع وهو أن النبي هو المخبر عن الله تعالى الذي ال يمكن أنيعمله إال النبي، فلو لم يكن معصوما لم يحصل الوثوق بخالف اإلمام المخبر

(٢٢٩)

Page 231: Kitab Al-Alfain Arabic

عن النبي وهو إنسان يمكن غيره الوصول إليه والعلم منه باالحساس،فيمكن حصول الوثوق للمكلف بتواتر المخبرين عنه بخالف النبي عليه

السالم ألن للمستدل أن يقول ال نسلم إن المانع متحقق على ما ذكرناه منالتقدير، فإن الحافظ للشرع كالمؤسس له، فإن شرط عصمته للوثوق شرط

عصمة الحافظ وإال فال فائدة فيهما الوثوق بكثرة المخبرين ينفي كون اإلمام هوالحافظ للشرع، ألنا ال نعني بالحافظ إال الذي يحصل الوثوق بقوله والجزم به

فيكون الحافظ هو المجموع ال اإلمام وحده وهو خالف التقدير.السادس: هنا مقدمات:

األولى: االجماع حجة لقوله عليه السالم ال تجتمع أمتي على الضاللةوألدلة االجماع.

الثانية: كلما أوجب الله تعالى األمة االجتماع عليه وقبوله وحرم النزاعفيه فإنه يكون حقا.

الثالثة:أوجب الله تعالى على األمة كافة امتثال أوامر اإلمام كلها

ونواهيه وصحة أقواله وأفعاله، ألن طاعته ال تختص بالبعض على ما تقدممرارا، فيكون جميع أفعاله وأقواله حقة صحيحة ليس شئ منها بخطأ وهذا

هو العصمة.السابع: كلما كان نزاع اإلمام حراما بالضرورة ومع وجوب إنكار كل

منكر كان اإلمام معصوما، والمقدم حق فالتالي مثله، أما المالزمة فألنه لو لميكن اإلمام معصوما ألمكن أن يأتي بالمنكر، فأما أن يجب إنكاره أوال،

والثاني يناقض وجوب إنكار كل منكر، واألول يستلزم وجوب نزاعه وهونقيض القضية األولى.

الثامن: كل إمام نافع لكل مكلف في القوة العملية بالضرورة، فلوكان اإلمام غير معصوم لصدق بعض اإلمام يمكن أن ال يكون نافعا ألنه يمكنأن يدعو المكلف إلى المعصية أو ال يدعوه إلى الطاعة وإلى ترك المعصية، فال

يكون نافعا لكن الثانية نقيض األولى، فصدق األولى يستلزم كذب الثانية،

(٢٣٠)

Page 232: Kitab Al-Alfain Arabic

فيكون ملزومها كاذبا.التاسع: ال شئ من اإلمام بضار بالضرورة وكل غير معصوم ضار

باالمكان العام ينتج ال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة، أما الصغرىفألن اإلمام إنما وجب لنفع المكلف ودفع ضرره، فمحال أن يكون ضارا،

وأما الكبرى فألن غير المعصوم يمكن أن يحمل على المعاصي، وأما االنتاجفلما بين في المنطق أنه إذا كانت إحدى المقدمتين ضرورية في الشكل الثاني

تكون النتيجة ضرورية لثبوت الضرورة ألحديهما بالضرورة ونفيها عن األخرىبالضرورة، فيكون القياس في الحقيقة من ضروريتين.

العاشر: أوامر اإلمام ونواهيه وأقواله وأفعاله سبيل المؤمنين لوجوباتباعه على المؤمنين كافة وسبيل المؤمنين حق فكلما يصدر منهم حق فيمتنع

منه الخطأ وهذا هو العصمة.الحادي عشر: ال ينعقد االجماع مع مخالفة اإلمام ألنه كبير األمة

وسيدهم وقوله وحده حجة ألنه يجب على األمة كافة اتباعه وال نعني بالحجةإال هذا فقوله وفعله بمنزلة قول كل األمة، وفعل كل األمة، فهو بمنزلة كل

األمة، وكل األمة معصومة فيلزم أن يكون اإلمام معصوما.الثاني عشر: اإلمام إما أن يكون واجب الخطأ أو جائز الخطأ، أو ممتنعالخطأ، والقسمان األوالن باطالن، فتعين الثالث، أما بطالن األول فألنه

يكون حينئذ أسوء حاال من األمة، إذ األمة يجوز عليهم الخطأ.وأما الثاني فألنه يكون مساويا لألمة في علة الحاجة إلى اإلمام، فتعين

إمام لهم دونه ترجيح بال مرجح وتعيينه إماما لهم دونهم ترجيح بال مرجحأيضا.

الثالث عشر: اإلمامة مع عدم العصمة ال يجتمعان في محل واحد،واألول ثابت، فينتفي الثاني، أما المنافاة فألن اجتماعهما في محل واحد

يستلزم التسلسل أو الدور أو التناقض أو إخالل الله تعالى بالواجب أوالترجيح بال مرجح، والكل باطل أما المالزمة، فألنا قد بينا أن اإلمامة

(٢٣١)

Page 233: Kitab Al-Alfain Arabic

واجبة أما على الله تعالى عندنا أو على األمة عند آخرين وعلة وجوبها جوازالخطأ على المكلف وهو عدم العصمة، فإذا لم يكن اإلمام معصوما إما أن

يجب له إمام آخر أو ال، واألول يستلزم التسلسل أو الدور أو ينتهي إلى إماممعصوم، فيكون هو اإلمام لالستغناء به من غير المعصوم وعدم االستغناء

عنه بغير المعصوم وعدم وجوب قبول قوله ووجوب قبول قول المعصوم فإمامةغير المعصوم تكون عبثا فتنتفي، والثاني يستلزم أحد األمرين: أما إخالل

الله تعالى بالواجب مع امتناعه وهو تناقض لتحقق علة الوجوب في اإلمام مععدم إمام له أو اجتماع كل األمة على الخطأ حيث لم يجعلوا له إماما فأخلوا

بالواجب لكن األمة يستحيل اجتماعها على الخطأ وهو تناقض أيضا، وأماعدم كون ما فرض علة وهو تناقض وإن كان في غير اإلمام يوجب اإلمام،

وباإلمام ال يوجبه لزم الترجيح من غير مرجح لتساويهما في علة الحاجة، وهذاأيضا راجع إلى كون ما ليس بعلة علة ألنه حينئذ ال يكون علة تامة، والدليل

ال يتم بدونه، وإذا كان اجتماع اإلمامة مع عدم العصمة في محل واحدمستلزما للمحال كان محاال، وأما ثبوت األول فظاهر لتحقق اإلمامة إلمام

بعينه.الرابع عشر: عدم عصمة اإلمام مع عدم كونه تعالى ناقضا للغرض مما

ال يجتمعان، والثاني ثابت فينتفي األول بيان التنافي إن فائدة اإلمام ارتفاعالخطأ واألمن منه ووثوق المكلف، فإذا لم يكن معصوما لم يثق المكلف به فلم

يحصل له داع إلى قبول قوله، فإذا أوجب الله تعالى طاعة إمام ال يحصل منهالغرض كان ناقضا لغرضه، وإن كان معصوما ثبت عدم العصمة، وأما

ثبوت الثاني فظاهر.الخامس عشر: كلما لم يكن الله تعالى ناقضا للغرض كان اإلمام

معصوما والمقدم حق فالتالي مثله بيان المالزمة إن كل مانعة جمع تستلزم متصلةمن عين أي كان ونقيض اآلخر.

السادس عشر: كلما لم يكن اإلمام معصوما كان الله تعالى ناقضاللغرض والتالي، باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أنه كلما لم يكن اإلمام

(٢٣٢)

Page 234: Kitab Al-Alfain Arabic

معصوما لم يحصل للمكلف وثوق قوله، بل يجوزان يكون الهالك في قوله،وذلك مما ينفره عن الطاعة، فال يحصل له داع إلى قبول قوله، والغرض من

نصب اإلمام قبول المكلف قوله وحصول الداعي بمجرد قوله ومع عدم عصمةاإلمام ال يحصل ذلك فيكون نصب اإلمام غير المعصوم نقضا للغرض.

السابع عشر: كلما كان اإلمام غير معصوم كان المكلف أبعد عن طاعتهوأقرب إلى معصيته، وكلما كان كذلك كان تكليف المكلف بالعكس تكليفا

بالمحال ينتج كلما كان اإلمام غير المعصوم كان تكليف المكلف بطاعته والبعدعن معصيته محاال وذلك محال، أما الصغرى فألن المكلف حينئذ يعتقد

مساواته للمجتهد للرعية فيكون تكليفه طاعته من دون العكس ترجيحا منغير مرجح والترجيح من غير مرجح محال فيعتقد أن تكليفه طاعته محال،

وذلك يستلزم البعد عن طاعته والقرب إلى معصيته، وأما الكبرى فألنتكليف نقيض الالزم مع وجود الملزوم تكليف بالمحال إذ هو محال المتناع

االجتماع، وأما استحالة النتيجة فألن نصب اإلمام مع عدم التكليف بقربالمكلف عن طاعته والبعد عن معصيته مانعة الجمع ألن المكلف يعتقد مساواته

له، وقوله مساو لقوله، فترجيح بال مرجح، وذلك يستلزم بعده عنطاعته فلو كلف الله تعالى المكلف بذلك كان تكليفا له بالجمع بين جزئي

مانعة الجمع وهو محال وإن لم يكلفه كان نصبه ينفي اإلمام ونصبه.الثامن عشر: دائما إما أن يكون اإلمام غير معصوم أو يكون المكلف

أقرب إلى طاعته وأبعد عن معصيته عبثا.التاسع عشر: دائما إما أن يكون اإلمام معصوما أو ال يوجب الله تعالى

على المكلف كونه أقرب إلى طاعته وأبعد عن معصيته مانعة خلو ألن كلمتصلة تستلزم مانعة خلو من نقيض المقدم وعين التالي والثاني منتف

بالضرورة فيكون األول ثابتا.العشرون: كلما كان اإلمام غير المعصوم كان نصبه عبثا، لكن التاليباطل فالمقدم مثله بيان المالزمة إن المكلف يعتقد طاعته الترجيح بال

(٢٣٣)

Page 235: Kitab Al-Alfain Arabic

مرجح وذلك مما ينفر عن طاعته بل يحيلها فيكون نصبه عبثا، وأما بطالنالتالي فظاهر.

الحادي والعشرون: دائما أما أن يكون اإلمام غير معصوم أو ال يكوننصبه عبثا مانعة الجمع ألن كل متصلة تستلزم مانعة جمع من عين المقدم

ونقيض التالي لكن الثاني ثابت بالضرورة فينتفي األول.الثاني والعشرون: دائما أما أن يكون اإلمام معصوما أو يكون نصبه عبثا

مانعة خلو ألن كل متصلة تستلزم مانعة خلومن نقيض المقدم وعين التالي،لكن الثاني منتف بالضرورة، فيكون األول ثابتا.

الثالث والعشرون: كلما كان اإلمام غير معصوم ترجيح أحد طرفيالممكن بال مرجح لكن التالي باطل فالمقدم مثل بيان المالزمة أنه يجب طاعته

مع مساواته للمكلف وال يجب عليه طاعة المكلف مع تساويهما، وهذا هوالترجيح بال مرجح وأما بطالن التالي فظاهر.

الرابع والعشرون: كلما كان اإلمام غير معصوم، فدائما أما أن تجبطاعته دائما أو ال تجب طاعته دائما، أو تجب في وقت دون وقت، وكلما

وجبت طاعته دائما أمكن وجوب المعصية أو اجتماع النقيضين وكلما لم تجبطاعته دائما كان نصبه عبثا واجتمع النقيضان أيضا، وكلما وجبت في وقتدون آخر فإما في وقت إصابته أو في وقت خطأه، والتالي يستلزم التناقض،

واألول يلزم إفحامه، ينتج كلما كان اإلمام غير معصوم، فدائما إما أنيمكن وجوب المعصية أو يكون نصبه عبثا أو يلزم إفحامه أو اجتماع

النقيضين، والتالي بأقسامه باطل، فالمقدم مثله بيان الصغرى أن األمر اليخلو من هذه الثالثة على التقدير وصدق هذه القضية التي هي مانعة

الخلو بل هي حقيقته على تقدير المقدم صدقا الزما ظاهرا، وأما الكبرى فألنوجوب طاعته دائما مع إمكان أمره بالمعصية أمكن أن يجب المعصية إن وجبت

بأمره وإال لم يجب طاعته دائما أو وجب على المكلف الفعل ولم يجب عليهوكالهما يستلزم اجتماع النقيضين وعدم وجوب طاعته دائما يستلزم العبث في

(٢٣٤)

Page 236: Kitab Al-Alfain Arabic

نصبه وعدم كونه إماما مفترض الطاعة وهو اجتماع النقيضين ووجوب طاعتهفي وقت إصابته المعلومة أما بقوله وليس بحجة حتى يعلم إصابته فيكون علةإصابته ملزومة لدور المحال فيكون محاال، فيلزم إفحامه أيضا، وأما باجتهادالمكلف، فإذا قال المكلف اجتهدت ولم أعلم إصابتك انقطع فيلزم إفحامه

أيضا، وأما االنتاج، فلما ظهر في القياس المنطقي.الخامس والعشرون: كلما كان كل من اجتماع النقيضين والعبث

بنصب اإلمام وإفحامه وإمكان وجوب المعصية محاال فدائما أما أن يكون نصباإلمام غير واجب أو يكون معصوما مانعة خلو لكن المقدم حق فالتالي الذيهو المنفصلة المانعة الخلو حقة صادقة، أما المالزمة فألنا بينا إن عدم عصمة

اإلمام ملزوم لهذه األشياء فإذا كانت مستحيلة يلزم امتناع اإلمام غير المعصوموامتناع المركب مستلزم المتناع أحد أجزائه، فإما أن يكون هذا االمتناع

وجوب اإلمام أو االمتناع عدم عصمته وأما حقية المقدم فقد بيناها فيما مضىوهي بينة أيضا بنفسها يحتاج بعض من عرض له شبهة إلى تنبيه ما، وإذاثبتت هذه القضية المانعة الخلو، فنقول: لكن عدم وجوب نصب اإلمام

باطل لما بينا من وجوب نصبه، فيجب أن يكون معصوما.السادس والعشرون: أما أن يكون اإلمام معصوما دائما أوليس بمعصوم

دائما أو يكون معصوما في وقت دون آخر وكلما كان ليس بمعصوم دائما أمكنأن يكون الله سبحانه ناقضا لغرضه، وكلما كان معصوما في وقت دون وقت

أمكن أن يكون الله ناقضا للغرض ولزم إفحامه أو تكليف ما ال يطاق،ينتج إما أن اإلمام معصوما دائما أو يكون الله تعالى ناقضا للغرض مانعة خلووينتج أيضا إما أن يكون اإلمام معصوما أو يمكن أن يكون الله تعالى ناقضا

للغرض أو يفحم اإلمام أو يكون تكليف ما ال يطاق واقعا، أما الصغرىفصدقها مانعة الخلو ظاهر، وأما صدق المالزمة األولى فألنه يمكن أن ال

يقرب إلى الطاعة في وقت من األوقات فيكون الله تعالى ناصبا إلمام ال يحصلمنه الغرض البتة، فهذا هو نقض الغرض وأما صدق المالزمة الثانية فألنه

يمكن أن ال يقرب إلى الطاعة في وقت عدم عصمته مع أن الغرض أن يكون

(٢٣٥)

Page 237: Kitab Al-Alfain Arabic

مقربا في جميع أوقات إمامته، فيلزم إمكان نقض الغرض أيضا وأما المالزمةالثالثة فألن المكلف أما أن يميز بين وقت عصمته وعدم عصمته بقوله وقولهليس بحجة إال وقت عصمته وهو ال يعلم إال منه فينقطع النبي وكذا إن كان

باجتهاد المكلف وإن لم يمكن التمييز للمكلف يكون تكليفا بما ال يطاق، وأمااالنتاج فقد ظهر في المنطق فإن امتناع الخلو عن الشئ والملزوم يستلزم امتناعالخلو عنه وعن الالزم فإذا صدقت هاتان النتيجتان فنقول في األول لكن كون

الله تعالى ناقضا للغرض محال فتكون عصمة اإلمام ثابتة، وفي الثانية نقول:كل واحد من الجزئين اآلخرين محال فتعين عصمة اإلمام.

السابع والعشرون: إما أن يكون اإلمام معصوما بالضرورة أو يكونليس بمعصوم بالضرورة أو يكون يمكن أن يكون معصوما ويمكن أن ال يكون

معصوما وكلما كان ليس بمعصوم بالضرورة أمكن أن يكون اإلمام إمامامع وجود النص عليه أو االجماع وكلما كان يمكن أن يكون معصوما ويمكن أن

ال يكون أمكن أن ال يكون إماما دائما، ينتج دائما إما أن يكون اإلماممعصوما بالضرورة أو يمكن أن ال يكون إماما دائما مانعة خلو، أما الصغرى

فصدقها مانعة خلو ظاهر، وأما صدق الشرطيتين فألن غير المعصوم يمكن أنال يدعو إلى الطاعة دائما، فإذا لم يكن مقربا أصال لم يكن إمام، وإال لكانت

إمامته عبثا، وإذا تحققت النتيجة فنقول الثاني محال ألنه لو أمكن أن ال يكونإماما دائما مع وجود النص عليه أو االجماع لم يكن للمكلف طريق إلى معرفةإمامته أصال والباتة فيكون تكليف المكلف بهذه المعرفة محاال فال يجب فتعين

األول وهو أن يكون اإلمام معصوما بالضرورة.الثامن والعشرون: دائما أما أن يجب نصب اإلمام أو يمكن أن ال يكون

إماما دائما بعد أن صار إماما أو خرق االجماع مانعة خلو، والقسمان اآلخرانباطالن، فتعين األول إما منع الخلو فألن اإلمام أما أن تجب عصمته دائما أو

ال تجب عصمته دائما أو في وقت دون آخر، واألول هو أحد أجزاءالمنفصلة والثاني يستلزم الثاني إذ عدم عصمته دائما يستلزم جواز أن ال يقرب

إلى الطاعة في شئ من األوقات، فال يكون إماما وإال ألمكن أن يكون الله

(٢٣٦)

Page 238: Kitab Al-Alfain Arabic

تعالى ناقضا للغرض واستحالة الالزم تدل على استحالة الملزوم، والثالثيستلزم خرق االجماع، وأما بطالن األخير فظاهر من ذلك أيضا.

التاسع والعشرون: كلما كان نقض الله تعالى الغرض ممتنعا وجب أنيكون اإلمام معصوما، لكن المقدم حق فالتالي مثله بيان المالزمة أن المراد من

اإلمام التقريب إلى الطاعة وعدم عصمته يستلزم إمكان عدم ذلك منه، فيلزمإمكان نقض الله تعالى الغرض إمكان الملزوم يستلزم إمكان الالزم، وأما

حقية المقدم فلما بين في علم الكالم.الثالثون: دائما إما أن يكون اإلمام معصوما أو يكون تكليف

ما ال يطاق واقعا أو االغراء بالجهل من الله تعالى أو يكون العبث جائزا علىالله تعالى مانعة الخلو والكل سوى األول باطل فتعين ثبوت األول أما صدق

المنفصلة فألنه إما أن يكون اإلمام معصوما أو ال وعلى الثاني يكون اإلمامجائز الخطأ فجاز أن يدعو إلى المعصية، وال يقرب إلى الطاعة فينتفي كونهلطفا ووجه الحاجة إليه فأما أن يبقي إمامته، فتكون عبثا فيجوز العبث على

الله تعالى، وإن لم تبق إمامته فأما أن يكون المكلف مكلفا بمعرفة ذلك من غيرطريق إليه فيكون تكليفا بما ال يطاق وهو يستلزم إمكان تكليف ما ال يطاق،

وإن لم يكن مكلفا بمعرفة ذلك فيكون الله تعالى مغريا بالجهل ألن األمر باتباعهدائما مع عدم وجوبه في بعض األوقات يكون إغراء بالجهل، وأما بطالن

الكل غير األول فقد تقرر في علم الكالم.الحادي والثالثون: كلما وجب نصب اإلمام كان واجبا في نفس األمر

بالضرورة ألن الوجوب هنا إما على الله أو على كل األمة وعلى كل واحد منالتقديرين، فخالفه محال وكلما كان اإلمام غير معصوم أمكن انتفاء وجه

الوجوب دائما، وكلما أمكن انتفاء الوجوب دائما، فكلما وجب نصب اإلمامفأحد األمرين الزم إما كونه معصوما بالضرورة، أو إمكان صدق قولنا ال

يجب نصب اإلمام حين وجب نصبه ألنه على تقدير وجوب نصب اإلمام،إما أن يكون معصوما أو ال، والثاني يستلزم إمكان انتفاء وجه الوجوب

المستلزم المكان انتفاء الوجوب وعدم الخلو عن الشئ والملزوم يستلزم انتفاء

(٢٣٧)

Page 239: Kitab Al-Alfain Arabic

الخلو عنه وعن الالزم لكن صدق الثاني على تقدير صدق وجوب نصب اإلماممحال ألنه الوقتية المطلقة، والوقتية الممكنة متناقضتان، وألن حين وجوب

نصبه يستحيل أن يصدق إمكان عدم نصبه فتعين على هذا التقدير صدقاألول فيكون معصوما بالضرورة وهو المطلوب.

الثاني والثالثون: كلما لم تكن عصمة اإلمام واجبة أمكن انتفاء وجهالوجوب في كل وقت، وكلما أمكن انتفاء الوجوب الستحالة وجوب المعلول

مع إمكان العلة ينتج كلما لم يكن عصمة اإلمام واجبة أمكن انتفاء وجوبنصب اإلمام فقد ظهر أن وجوب اإلمام ال يجامع عدم وجوب نصب العصمةألن األول ملزوم لوجوب النصب والثاني يستلزم إمكان عدمه وتنافي اللوازم

يستلزم تنافي الملزومات واألول ثابت فينتفي الثاني.الثالث والثالثون: لو لم يكن اإلمام معصوما أمكن أن يكون مقربا إلى

المعصية ومبعدا عن الطاعة، فكان نصبه مفسدة حين وجوب نصبه، وكلما كان نصباإلمام واجبا كان مقربا إلى الطاعة ومبعدا عن المعصية بالضرورة ما دام واجبا وإال

النتفتفائدة الوجوب، فيكون الوجوب عبثا ويلزم من هاتين المقدمتين مع استثناء عين

مقدميهما اجتماع النقيضين.الرابع والثالثون: لو لم يكن اإلمام معصوما لم يكن الفرق بين الصادق

والكاذب لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أن اإلمام إذا لم يكنمعصوما أمكن أن يقرب إلى المعصية ويأمر بها وينهي عن الطاعة، فأما أن

يبقي إماما على هذا التقدير فتجب طاعته أوال، واألول محال ألن اإلمام لضدذلك والثاني إذا بقي على دعواه وحكمه وإال طريق للمكلف إلى العلم بهفيمتنع الفرق بين الصادق والكاذب في دعوى اإلمامة، لكن ذلك محال،

فعدم عصمة اإلمام محال.الخامس والثالثون: لو لم يكن اإلمام معصوما لم يعلم المكلف هل

طاعته مقربة إلى طاعة مبعدة عن المعصية، أو طاعته مقربة إلى المعصيةمبعدة عن الطاعة إذ إمامته ال تمنع من ذلك ألنه غير معصوم حينئذ وال طريق

(٢٣٨)

Page 240: Kitab Al-Alfain Arabic

حينئذ له إلى معرفة ذلك وهذا أعظم المنفرات عن اتباعه فيكون نصب غيرمعصوم نقضا للعرض.

السادس والثالثون: لو لم يكن اإلمام معصوما لم يعلم المكلف أن اتباعهمصلحة له أو مفسدة وال طريق له إلى العلم إذ ال طريق إال اإلمامة ومعها

يجوز كونه مفسدة، ومع هذا يستحيل اتباع المكلف له وتكليف المشاق فتنتفيفائدته.

السابع والثالثون: لو لم يكن اإلمام معصوما المتنع الوثوق بوعدهووعيده وأمره ونهيه وصحة كالمه وذلك من أعظم المنفرات عن اتباعه فال

فائدة في نصبه.الثامن والثالثون: لو لم يكن اإلمام معصوما لكان وجوب اتباعه إما

للعلم بتقريبه إلى الطاعة وتبعيده عن المعصية أو للظن أو إلمكان ذلك،والثالث محال وإال لساوى غيره، وكان يجب أن كل أحد يتبع غيره مع إمكانذلك، والثاني محال وإال لساوى غيره من المجتهدين فكان تعيينه ترجحيا بال

مرجح فتعين األول وإنما يعلم ذلك بامتناع النقيض فهو معصوم.التاسع والثالثون: دائما إما أن يكون إمام معصوما أو يمكن أن يجب

المعصية حال كونها معصية على تقدير كونها مفسدة وانتفاء وجوه الحسن فيهاواجتماع وجوه المفاسد أو لم يكن الفرق بين ما يجب اتباعه فيه وبين ما ال

يجب اتباعه فيه مانعة خلو ألنه إذا لم يكن اإلمام معصوما أمكن أن يأمربالمعصية على هذا التقدير المذكور فيها فإن وجبت لزم الثاني وإن لم يجب مع

أنه الحافظ للشرع وهو المميز بين الحالل والحرام لزم الثالث إذ مجرد قوله يمكنمعه أن يكون معصية، فال يحصل العلم به، لكن القسمين األخيرين

بإطالق قطعا، فتعين األول وهو المطلوب.األربعون: نصب غير المعصوم ضالل، وكل ضالل يستحيل وقوعه

من الله تعالى أو من إجماع األمة، فيستحيل نصب غير المعصوم من الله تعالىأو من إجماع األمة وكل من ال يكون نصبه من الله تعالى وال من إجماع األمة

(٢٣٩)

Page 241: Kitab Al-Alfain Arabic

ال يكون إماما وإال لزم الترجيح بال مرجح واجتماع النقيضين وانتفاء الفائدةفيه ووقوع المفاسد أما األولى فألن نصب اإلمام إنما هو للتقريب إلى الطاعة

والتبعيد عن المعصية والتقريب والتبعيد إنما هو سبب ذلك أمره بالطاعةوإلزامه بها ونهيه عن المعصية وتجرده عنها وذلك من غير المعصوم ممكن ال

واجب، فلو كان غير المعصوم إماما لكان قد جعل االمكان علة في الوجودلكن االمكان ال يصلح للعلية لما ثبت في علم الكالم فنصب غير المعصوم

يستلزم جعل ما ليس بعلة علة وهذا ضالل وأما المقدمة الثانية فظاهرة.الحادي واألربعون: لو كان إمكان التقريب كافيا لكان إمكان التقرب

في نفس المكلف كافيا لتساوي االمكانين واالحتمالين وزيادة احتمال الكذبفي الغير ولو كان كافيا لكان نصب اإلمام وإيجاب طاعته خاليا عن لطف

فيكون محاال ألنه إنما وجب لكونه لطفا.الثاني واألربعون: كلما كان اإلمام غير معصوم فدائما إما أن يتساوى

الواجب وعدمه في الوجه المقتضي للوجوب أو إيجاب شئ ال فائدة فيه أصاللكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أن إمكان التقريب لو كان كافيا

لكان إمكان القرب كافيا فتساوي نصب اإلمام وعدمه في وجه الوجوب،وأما أن يكون إيجابه ال للتقريب وال غيره إجماعا فيلزم إيجاب شئ ال

لفائدة، وأما بطالن التالي، فقد ظهر في علم الكالم.الثالث واألربعون: كلما كان اإلمام غير معصوم فدائما إما أن يمكن

الترجيح بال مرجح أو يكون كل واحد من الناس إماما برأسه إما على سبيلالبدل أو الجمع مانعة خلو ألنه إذا لم يكن معصوما كان نسبة التقريب إليه

باالمكان الحتمال النقيض فلو كفى واالمكان متحقق في كل واحد فإن ثبتإمامته من دون كل الناس مع تساويهم في وجه الوجوب لزم الترجيح بال

مرجح أو أن يكون كل واحد إماما إما على البدل أو على الجمع وبيان بطالنالتالي ظاهر أما األول فضروري، وأما الثاني والثالث فضروري أيضا

والستلزامه خرق االجماع بل بطالنهما ضروري أيضا ال يقال اإلمامة من فعلالله تعالى عندكم والله قادر على كل مقدور والقادر عندكم يجوزان يرجح أحد

(٢٤٠)

Page 242: Kitab Al-Alfain Arabic

مقدوراته ال لمرجح فكيف يمكنكم الحكم باستحالة الترجيح بال مرجح هنا ثمهذا سؤال وارد على كل تقدير إذ كل من اختاره من األمة لإلمامة يرد هذاالسؤال عليه فيكون باطال ألنه ال بد من واحد، ألنا نقول أفعاله تعالى على

قسمين:أحدهما: غير األحكام الخمسة.

وثانيهما: األحكام الخمسة.فاألول: يجوز منه الترجيح بال مرجح فيه لتخصيص وقت خلقه بقدرته

به وأما الثاني فال يجوز فيه االيجاب والتحريم بغير وجوه تقتضيه وإال لكانظلما وقد تقرر ذلك في علم الكالم، وأما قوله سؤال باطل ألنه يرد على كل

تقدير، قلنا بل هو سؤال حق ألنه وارد على كل تقدير.الرابع واألربعون: كلما كان اإلمام غير معصوم فدائما إما أن يكون

الوجوب شرعيا محضا كما تقوله األشاعرة أو اقتضاء العلة التامة بمعلولها فيصورة دون أخرى مانعة خلو لكن التالي باطل، فالمقدم مثله بيان المالزمة أنهإذا وجب نصب اإلمام فال يخلو أما أن يجب لغرض أوال والثاني يستحيل في

الوجوب العقلي ألنه إما أن يجب لذاته أو لغيره أو كالهما عبث ومحال أن اليشتمل على غاية وغرض وإال لكان عبثا، وهذا الوجوب له غاية غير الفعل

إجماعا من مثبتي الغاية، وإنما يتحقق على قول األشاعرة إن الوجوب شرعيمحض، فثبت األول من المنفصلة واألول فليس إال التقريب والتبعيد وما

يوصل إليهما وما يتوقفان عليه إجماعا، فلو كان غير معصوم لكان كون ذلكبالقوة المحضة كافيا لكن الكل يتشارك في ذلك وهذا هو العلة التامة فيالوجوب فيلزم أحد األمرين أما تحقق اإلمامة لكل واحد واحدا، ووجود

العلة التامة مع تخلف معلولها عنها، وأما بطالن التالي فلما بين في علم الكالممن أن الحسن والقبح عقليان واستحالة تخلف المعلول من علته التامة.

الخامس واألربعون: دائما إما أن يكون اإلمام معصوما أو يعين اللهتعالى لوجوب أحد المتساويين في الوجه المقتضى للوجوب مع عدم مرجحه أو

(٢٤١)

Page 243: Kitab Al-Alfain Arabic

التخيير بين واجب وغيره مع تساويهما في الوجه مانعة خلو لكن التالي باطلفالمقدم مثله بيان المالزمة، إن الوجه حينئذ إمكان التقريب وليس يختص به

اإلمام بل يساويه غيره فيه، فأما أن يجب طاعته عينا، فيلزم إيجاب أحدالمتسويين في الوجه المقتضى للوجوب مع عدم مرجحه، وإن خير بينه وبين

طاعة غيره من الخلو لزم التخيير بين الواجب وغير الواجب وهو باطل لما بينفي علم الكالم فإن عدم إيجاب طاعته محال وإال لخرج عن اإلمامة.السادس واألربعون: كلما كان اإلمام غير معصوم لم يكن إماما على

تقدير إمامته والتالي باطل الستلزامه اجتماع النقيضين، فالمقدم مثله بيانالمالزمة استحالة الترجيح بال مرجح، فال يوجب طاعته عينا وال طاعة الكل

إجماعا، فتعين أن ال يوجب طاعته البتة فال يكون إماما قطعا.السابع واألربعون: كل واجب عينا فإما لذاته أو لمصلحة ال تحصل إال

منه واإلمامة ليست من األول إجماعا فهي من الثاني وكلما كان كذلك موجباللمصلحة مع قبول المكلف إذ لو بقيت ممكنة معها لم يكن لها بد من السبب،

والسبب ما لم يوجب لم يوجد، فإما غيره فهو خالف التقدير أو ال لسببفيلزم استغناء الممكن عن المؤثر وهو محال وال مصلحة في اإلمامة إال التقريب

والتبعيد إجماعا، فيجب أن يكون موجبا لهما مع قبول المكلف ومع عدمالعصمة ال يكون موجبا، بل يكون معه ممكنا هذا خلف فتصدق معنا

مقدمتان كل إمام مع قبول المكلف يجب أن يكون مقربا مبعدا وال شئ منغير المعصوم مع قبول المكلف يجب أن يكون مقربا مبعدا ينتج ال شئ من

اإلمام بغير معصوم وهو المطلوب.الثامن واألربعون: كلما وجب لكونه لطفا وجب تحقق اللطف عنده

وكلما لم يكن اإلمام معصوما لم يجب تحقق اللطف عنده ويلزم ذلك صدقدائما، إما أن يجب اإلمام ال لكونه لطفا أو يكون معصوما أو ال يجب نصب

اإلمام وصدق هذه المنفصلة مانعة خلو ظاهر لكن الكل سوى الثاني باطلفتعين عصمته.

(٢٤٢)

Page 244: Kitab Al-Alfain Arabic

التاسع واألربعون: كلما لم يكن اإلمام معصوما لم يكن علة الحاجة إلىالمؤثر هو االمكان والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أن االمام إذا لم يكن

معصوما كان التقريب والتبعيد بالنسبة إليه ممكنا ال يؤثر فيه إال اإلمام، وإاللم يجب بعينه لكن ال يجب لإلمام إمام وإال تسلسل وهو محال ومعه فالكليتساوون في علة الحاجة فيلزم إمام آخر خارج والخارج عن كل األئمة غير

المعصومين مع كونه إمام يكون معصوما، فيكون إثبات أولئك عبثا هذاخلف، فيكون االمكان متحققا وال حاجة فال يكون علة الحاجة هي االمكان

وهو المطلوب، فأما بطالن التالي، فظاهر في علم الكالم فينتفي األول وهوالمطلوب.

الخمسون: إما أن يكون اإلمام غير معصوم أو يكون علة الحاجةاالمكان مانعة جمع ألن كل منفصلة تستلزم مانعة جمع من عين المقدم ونقيض

التالي، لكن الثاني ثابت لما بين في علم الكالم فينتفي األول.الحادي والخمسون: دائما إما أن يكون اإلمام معصوما أو ال تكون علة

الحاجة االمكان مانعة الخلو، ألن كل متصلة تستلزم مانعة خلو من نقيضوعين التالي، لكن الثاني منتف فتعين األول وهو المطلوب.

الثاني والخمسون: كل ما يجب لكونه لطفا فإما أن تكون لطفيتهحاصلة له باالمكان أو بالوجوب واألول غير كاف فإن الفعل ال يجب إلمكان

كونه لطفا بل ألنه لطف بالفعل، واإلمام إنما يجب لكونه لطفا، فمحال أنيكون له االمكان المحض بل بالوجوب وإنما يكون كذلك إذا كان معصوما.

الثالث والخمسون: نسبة اللطف إلى اإلمام أما بالوجوب أو باالمكانأو باالمتناع، والثالث محال وإال امتنع وجوبه، والثاني يستلزم عدم وجوبه

ألنه ال يكفي في وجه الوجوب ثبوته للفعل باالمكان، واألول هو المطلوب إذغير المعصوم جاز أن يكون مقربا إلى المعصية، فال يكون لطفا.

الرابع والخمسون: هنا مقدمات:

(٢٤٣)

Page 245: Kitab Al-Alfain Arabic

األولى: إنما وجب اإلمام لكونه لطفا.الثانية: وجه الوجوب متى انتفى الوجوب إذ المعلول يستحيل بقاؤه مع

عدم العلة.الثالثة: الضرورية والدائمة مالزمتان لما ثبت في المنطق اآللي إذا تقرر

ذلك فنقول إما أن يكون اإلمام لطفا دائما أوليس بلطف دائما أو يكون لطفافي وقت دون آخر، والثاني يستلزم نفي وجوبه، والثالث يستلزم كونه

إماما في وقت دون وقت آخر، ووجوب اتباعه في وقت دون آخر، وهو محاللما تقدم، وإال لزم تكليف ما ال يطاق أو انتفاء فائدته، فتعين األول وكلدائم ضروري لما تقدم في المقدمة الثالثة، وإنما يكون ضروريا إذا كان

معصوما وهو المطلوب.الخامس والخمسون: كلما لم يكن اإلمام معصوما فدائما أما أن يكون

ليس بإمام دائما أو في وقت دون آخر مانعة خلو ألنه إن كان هو مقربا مبعدالو أطاعه المكلفون فيكون معصوما لما تقدم وإن لم يكن كذلك، فإما دائما أو

في وقت فيخرج عن اإلمامة إما دائما أو في وقت، لكن التالي باطل لما تقدمفالمقدم مثله.

السادس والخمسون: كلما يكن اإلمام معصوما لم يجزم المكلف بكونهمقربا أو لطفا له بل يجوز ذلك، ويجوز أن يكون مفسدة له، ومتى كانكذلك حصل له نفرة عن اتباعه ولم يحصل له داع، فينتفي فائدة نصبه،

فيلزم نقض الغرض.السابع والخمسون: اتباع غير المعصوم جاز أن يكون مهلكا مضرا

واالحتراز عن الضرر المتوقع واجب، فكلما كان اإلمام غير معصوم وجبترك اتباعه وطاعته، وكلما كان كذلك انتفت فائدته ولزم التناقض، فكلما

كان اإلمام غير المعصوم انتفت فائدته ولزم التناقض، لكن التالي باطل قطعافكذلك المقدم.

(٢٤٤)

Page 246: Kitab Al-Alfain Arabic

الثامن والخمسون: كلما لم يكن اإلمام معصوما كان اتباعه ارتكاباللضرر المظنون وكل إمام اتباعه دفع للضرر المظنون، فلو كان اإلمام غير

معصوم كان اتباعه دفعا للضرر المظنون وارتكابا للضرر المظنون وترك اتباعهيكون أيضا دفعا للضرر المظنون وارتكابا للضرر المظنون فيكون كل مناتباعه، وترك اتباعه مستلزما للنقيضين وإنما قلنا إن اتباعه ارتكاب للضررالمظنون فألن القوة الشهوية في األغلب غالبة على القوة العقلية في غير

المعصوم واقتضاؤها ترك الواجبات وفعل المعاصي ألن ميل القوة البشرية إلىترك المكلفات وفعل المالذ التي هي المعاصي وإنما قلنا إن كل إمام يجب أن

يكون اتباعه دفعا للضرر المظنون، فألنه مرشد إلى الصواب وألنه فائدتهواستلزام تركه لهما ظاهر.

التاسع والخمسون: كلما كان اإلمام غير معصوم كان اتباعه فيما اليعلم المكلف صحته وفساده حراما لكن التالي باطل إجماعا، فالمقدم مثله بيان

المالزمة إن اتباعه حينئذ يشمل على ضرر مظنون فيكون حراما.الستون: اإلمام أما أن يجزم المكلف بأن اتباعه لطف أو مفسدة أوال

يجزم بواحد منهما، بل يجوز كليهما، والثاني والثالث يستلزمان انتفاء فائدةنصبه فتعين األول وإنما يكون على تقدير العصمة.

الحادي والستون: أما أن يجزم المكلف بأن اإلمام يدعو إلى الهدى أوإلى الضالل أو يجوز كليهما، والثاني والثالث يقتضيان حصول الداعي

للمكلف إلى ترك اتباعه وإلى مخالفته وعدم االلتفات إليه وهو يناقض في نصبهفتعين األول وإنما يلزم ذلك عن تقدير العصمة.

الثاني والستون: كلما لم يكن اإلمام معصوما لم يجب معرفة الله تعالىبالدليل عقال لكن التالي باطل، فكذا المقدم بيان المالزمة أن إمكان وجودالشئ إما كان في الجزم به أو ال، واألول يستلزم أن يكتفي بإمكان ثبوت

الواجب في الجزم به فال يحتاج إلى الدليل، والثاني يستلزم عدم االكتفاء بقولهفي اإلصابة إال إذا كان معصوما.

(٢٤٥)

Page 247: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث والستون: كلما كان اإلمام غير المعصوم كان الجزم بلطفيته أخذما بالقوة مكان ما بالفعل مع إمكان عدمه لكن التالي باطل ألنه من باب

األغالط فكذا المقدم المالزمة ظاهرة، فإن عدم عصمته يوجب إمكان تبعيدهعن الطاعة وتقريبه إلى المعصية وعكسه.

الرابع والستون: كلما كان اإلمام غير معصوم فدائما أما أن يمكنوجوب المعصية بمجرد اختيار عاص لها أو عدم وجوب ما أوجبه الله تعالى على

المكلف والتالي بقسميه باطل، فكذا المقدم بيان المالزمة، إن غير المعصوميمكن أن يأمر بالمعصية فإن وجبت لزم األول وإال لزم التالي ألن المكلف يجب

عليه طاعة اإلمام في جميع ما يأمر به وإال انتفت فائدته، ويجب عليه فعل ماأمره به. وأما بطالن التالي فاألول ظاهر بأن المعصية يستحيل وجوبها باختيار

عاص ضرورة، والثاني يستلزم الجهل.الخامس والستون: كلما كان نصب اإلمام واجبا كان عدمه أشد محذورا

من وجوده في تحصيل الغاية منه بالضرورة، وكلما لم يكن معصوما كان وجودهأشد محذورا من عدمه في تحصيل الغاية منه باالمكان العام، أما صدق األولىفظاهر وأما صدق الثانية فألنه يمكن أن يأمر بالمعصية، فإن اعتقد وجوبها لزم

مع ارتكاب المعصية الجهل المركب وإال لزم من عدم اإلمام جواز ارتكابالمعصية ومن وجوده إمكان ارتكابها مع الجهل المركب والغاية من اإلمام البعد

عن إمكان فعل المعصية ونصبه حينئذ يلزمه إمكان فعلها مع الجهل المركب،ويلزم من صدق هاتين القضيتين كلما كان اإلمام غير معصوم كان عدمه أشد

محذورا من وجوده في تحصيل الغاية منه بالضرورة وكلما كان اإلمام غيرمعصوم كان وجوده أشد محذورا من عدمه في تحصيل الغاية منه فيكون مقدمهذه القضية مستلزما للنقيضين وكلما كان كذلك كان صدقه محاال بالضرورةوإال لزم إمكان اجتماع النقيضين وهو محال وكلما كان عدم العصمة محاالكانت العصمة واجبة وهو المطلوب وصورة القياس فيه أن نجعل مقدم الثانية

مقدما ومقدم األولى تاليا وتصديق المالزمة بينهما وإال لصدق قولنا قد ال يكونإذا لم يكن اإلمام معصوما ال يجب نصبه، لكن اإلمام غير معصوم دائما،

(٢٤٦)

Page 248: Kitab Al-Alfain Arabic

ألن القائل بعدم العصمة قائل بجواز خطأه، وهذا الجواز ال يختص وقتدون آخر بل دائما فيلزم أن ال يجب نصبه في الجملة وهو باطل إجماعا لزم من

فرض صدق هذه القضية، وإذا لزم من فرض صدقها المحال كان صدقهامحاال فيكون نقيضها.

السادس والستون: كلما كان نصب اإلمام واجبا كان حصول الغايةمنه لو أطاعه المكلف واجبا وكلما كان اإلمام غير معصوم لم يكن حصول

الغاية منه أو إطاعة المكلف واجبا والالزم منهما كلما كان نصب اإلمام واجباكان وليس غير معصوم لكن المقدم حق دائما، فكذا التالي فيكون معصوما.

السابع والستون:ال شئ من اإلمام نصبه عبث بالضرورة، وكل غير

معصوم نصبه عبث باالمكان ينتج ال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورةويلزمه كل إمام معصوم بالضرورة وهو المطلوب أما الصغرى فظاهرة إذ

يستحيل العبث على الله عز وجل أو على االجماع ألنه ضالل، أما الكبرىفألنه يمكن عدم تقريبه من الطاعة وتبعيده عن المعصية، وكلما ال تحصل

الغاية منه ففعله عبث بالضرورة وأما االنتاج فلما بينا في المنطق من أن الحقإن اختالط الضرورية والممكنة في الشكل الثاني ينتج ضرورية لثبوت

الضرورة للضرورة بالضرورة وانتفائها عن األخرى بالضرورة فيرجع القياسإلى الضروريتين، وأما الزم النتيجة، فألنا قد بينا في المنطق أن السالبة

المعدولة المحمول مستلزمة للموجبة المحصلة المحمول مع وجود الموضوع لكنهنا الموضوع موجود.

الثامن والستون: كلما كان اإلمام مظهرا للشريعة، وكاشفا لها الجاعال لألحكام كان معصوما لكن المقدم حق فالتالي مثله بيان المالزمة أناإلمام يجب طاعته في جميع ما يأمر به، وإذا لم يكن معصوما أمكن أن يأمر

بالمعصية، فإما أن يجب ويحرم وهو محال فيكون التكليف بالمحال واقعا أو اليجب طاعته وهو خالف التقدير أو يخرج من كونها معصية بأمره، فيكون

جاعال لألحكام كاشفا وهو خالف التقدير وأما حقية المقدم فاجماعية.

(٢٤٧)

Page 249: Kitab Al-Alfain Arabic

التاسع والستون: كلما كان نصب اإلمام واجبا كان طاعته دائمامصلحة للمكلف مقربا له من الطاعة ومبعدا له عن المعصية بالضرورة،

وكلما كان طاعة المكلف له مصلحة للمكلف دائما ومقربا من الطاعة ومبعداعن المعصية بالضرورة كان معصوما ينتج كلما كان نصب اإلمام واجبا كان

معصوما بالضرورة، لكن المقدم حق بالتالي مثله والمقدمتان ظاهرتان مما تقدم.السبعون: إنما وجب نصب اإلمام لكونه لطفا في التكليف، ولكما

وجب على الله تعالى لكونه لطفا في التكليف يكون التكليف موقوفا عليهوبدونه ال يحسن التكليف وكلما كان كذلك فأما أن يتوقف فائدته على فعل من

أفعال المكلف أوال فإن كان األول وجب على الله تعالى إيجابه على المكلف فإذا فعلالمكلف تم اللطف وحصل الملطوف فيه بالضرورة، وإن كان الثاني تم

اللطف وحسن الملطوف فيه وكلما لم يفعل الله تعالى أو من يتعلق بفعله تماماللطف ذلك الفعل انتفى التكليف بالفعل على المكلف إذا تقرر ذلكفنقول: ما يتوقف عليه حصول الغاية من لطف اإلمام الذي من فعل

المكلف هو طاعته له في جميع األوامر والنواهي، فنقول: إذا فعل المكلفذلك وبذل الطاعة، فإما أن يتم، لطفية اإلمام بالضرورة أوال، واألول

يستلزم العصمة، وإال لم يمكن القطع بتمام لطفية اإلمام وإن كان الثانيفيكون عدم اللطف الموقوف عليه الفعل من الله تعالى، أو من اإلمام،

فينتفي تكليف المكلف بالفعل بحيث ال يبقى مكلفا بالفعل، فلو لم يكناإلمام معصوما أمكن أن يخرج المكلف عن التكليف بالفعل مع حصول األمر

الظاهر وعدم علم المكلف بخروجه عنه، وهذا هو بعينه تكليف ما اليطاق.

الحادي والسبعون: كلما كان اإلمام غير معصوم لم يبق للمكلف وثوقببقاء تكليفه بالواجبات الشرعية وال طريق له إلى الجزم ألنه ليس لهذا األمر

إال اإلمام وأخبار اإلمام ومعهما يحتمل عدم بقائه مكلفا بالفعل وجاز خروجهعنه وزواله وإذا لم يبق له وثوق ببقاء التكليف وجوز أن يكون مكلفا كان

من الطاعة أبعد فإن التكليف فيه كلفة ومشقة وميل البشر إلى تركه وارتكاب

(٢٤٨)

Page 250: Kitab Al-Alfain Arabic

المعاصي فيكون مفسدة نصبه أكثر من مفسدة تركه.الثاني والسبعون: اإلمام إنما نصب لتأكيد التكليف ولتمامه ومن نصب

غير المعصوم قد يحصل زواله فال يصح لإلمامة.الثالث والسبعون: اإلمام إلتيان المكلف بالفعل المكلف به، ومن

نصب اإلمام غير المعصوم يحصل الخلل في نفس التكليف، فيحصل إخاللالمكلف بالفعل وهذا يناقض الغاية.

الرابع والسبعون: نصب اإلمام بعد استجماع الشرائط المعتبرة في فعلالمكلف التي من فعله تعالى غير اإلمام ونصب اإلمام غير المعصوم قد ينفيالتكليف كما بينا فال تكون اإلمامة بعد استجماع الشرائط التي من فعله، ال

يقال: هذا إنما يرد على قول من يجعل اإلمامة من فعله تعالى، أما إذاجعلت األمة من فعل المكلفين فال، وقد بينا في الكالم بطالن األول وصحة

الثاني ألنا نقول: قد بينا في كتبنا الكالمية بطالن الثاني وصحة األول، ثمتعين الدليل على وجه يعم فنقول اإلمامة بعد التكليف فال تصلح أن تكون

نافية له وإال لما كانت بعده.الخامس والسبعون: غاية اإلمام فعل المكلف به وغاية الشئ يستحيل

أن تكون سببا في ضدها لكن نصب اإلمام غير المعصوم قد يكون سببا فيزوال أصل التكليف فيبطل الفعل المكلف به فيكون سببا في ضدها.

السادس والسبعون: اإلمام لتحصيل الثواب المستحق بالتكليف ونصباإلمام غير المعصوم قد يزيل التكليف فال يبقى الثواب المستحق.السابع والسبعون: كل إمام إلتمام التكليف بالضرورة وال شئ من

اإلمام غير المعصوم إلتمام التكليف باالمكان، ينتج، ال شئ من اإلمام بغيرمعصوم.

الثامن والسبعون: كل ذي غاية فإنه يستحيل أن يكون سببا في ضدها واإلمام

(٢٤٩)

Page 251: Kitab Al-Alfain Arabic

غايته تكميل التكليف بفعل المكلف ما كلف به، وغير المعصوم قد يكونسببا في ضد ذلك، كما بينا فيستحيل أن يكون إماما.

التاسع والسبعون: كلما كان اإلمام واجبا كان اإلمام مقربا للتكليفومظهرا ألثره على تقدير إطاعة المكلف له، وكلما كان اإلمام غير معصوم،

فقد ال يكون اإلمام مقربا للتكليف وال مظهرا ألثره ويلزمهما قد يكون إذا كاناإلمام واجبا ال يكون اإلمام مقربا للتكليف وال مظهرا ألثره، وهو يناقض

األولى.الثمانون: ال شئ من اإلمام بمزيل للتكليف لعدم فعل المكلف به

بالضرورة وكل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك، ينتج ال شئ من اإلمامبغير معصوم بالضرورة.

الحادي والثمانون: اإلمام تابع للتكليف، وإنما هو ألجله وكلما زال لميجب فلو كان اإلمام غير معصوم ألمكن أن يكون سببا في زواله.

الثاني والثمانون، كل إمام فإن المكلف المطيع له أقرب إلى فعل المأموربه وترك المنهي عنه بالضرورة، فلو كان اإلمام غير معصوم لصدق بعضاإلمام المكلف إذا أطاعه لم يكن كذلك باالمكان العام فيجتمع النقيضان

والمحال نشأ من عدم العصمة.الثالث والثمانون: كل إمام فإنه منشأ المصلحة للمكلف في الدين

بالضرورة فلو كان اإلمام غير معصوم أمكن أن يكون منشأ للمفسدة فيجتمعالنقيضان وهو محال، والمقدمتان ظاهرتان.

الرابع والثمانون: ال شئ من اإلمام بآمر بالمعصية وناه عن الطاعةبالضرورة وكل غير معصوم آمر بالمعصية وناه عن الطاعة باالمكان العام فال

شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة.الخامس والثمانون: يستحيل من الله تعالى أن يجعل ما يمكن أن يكون

سببا للضد مقربا إلى الضد وغير المعصوم يمكن أن يكون سببا في ضد الفعل

(٢٥٠)

Page 252: Kitab Al-Alfain Arabic

المكلف به فيستحيل أن يجعل له الله تعالى سببا له.السادس والثمانون: اإلمام أما حامل المكلف على الطاعة ومانع له عن

المعصية أو مكفوف اليد لعدم طاعة المكلفين وقلة الناصر مانعة خلو، وإال لميكن له فائدة فلو كان اإلمام غير معصوم لجاز أن يخلو عن الحالين.

السابع والثمانون: إنما وجب اإلمام لكونه لطفا في التكليف مقربا إلىالطاعة مبعدا عن المعصية فيستحيل أن يكون بضد ذلك، وكل غير معصوم

ال يستحيل أن يكون بضد ذلك، فيستحيل أن يكون اإلمام غير معصوم.الثامن والثمانون: كلما كان اإلمام غير معصوم لم ينتف حجة المكلف علىالله تعالى ألن اإلمام إنما وجب لكونه لطفا يتوقف عليه فعل التكليف حتى

يقرب المكلف إلى الفعل المكلف به، فإذا لم يكن اإلمام معصوما أمكن أن اليتحقق ذلك اللطف بل يمكن أن يبعد عن الطاعة، فإما أن يقع هذا الغرض

بالفعل أو ال يقع فإن وقع فحجة المكلف ظاهرة ليس فيها لبس إذ لم يحسنالتكليف إال مع ذلك اللطف فإذا لم يفعل ذلك اللطف لم يجب على المكلففعل ما كلف به، وإال كان الله تعالى مرتكبا للقبيح - تعالى الله عن ذلك علواكبيرا - وإن لم يتحقق كان االمكان متحققا فلم يجزم المكلف بوقوع شرطالتكليف فال يجزم بالتكليف له وال طريق له إال بنفي هذا االحتمال وال ينتفيإال بعصمة اإلمام، فإذا لم يتحقق لم ينتف وأيضا فإن اإلمام إذا جاز أن يدعو

إلى المعصية وجاز أن يكون ضدا لذلك اللطف اشتمل اتباعه على ضررمظنون، وقد أمر بدفع الضرر المظنون فله في ترك اتباعه عذر لكن التالي

باطل قطعا فالمقدم مثله.التاسع. والثمانون: كلما كان الزم إمامة غير المعصوم منتفيا كان إمامة

غير المعصوم منتفية لكن المقدم حق فالتالي مثله، أما المالزمة فظاهرة إذانتفاء الالزم يوجب انتفاء الملزوم وأما انتفاء الالزم فألن إمامة غير المعصوم

تستلزم التكليف بارتفاع النقيضين وارتفاع النقيضين محال بيان استلزامها ذلكإن اتباع غير المعصوم وطاعته ارتكاب الضرر المظنون كما بينا وترك اتباعه

(٢٥١)

Page 253: Kitab Al-Alfain Arabic

وترك طاعته كذلك واالحتراز عن الضرر المظنون واجب، فيجب ترك اتباعهوترك طاعته.

التسعون: دائما إما أن يكون إمامة غير المعصوم منتفية أو تكون ثابتة معانتفاء الزمها مانعة خلو، لكن الثاني محال فثبت األول بيان صدق المنفصلة

إن إمامة غير المعصوم تستلزم وجوب اتباع غير المعصوم وتحريمه ألنه يشتملعلى ضرر مظنون وفعل ما يشتمل على ضرر مظنون حرام وترك اتباعه حراملإلمامة وواجب لتحريم اتباعه، وهذا الالزم منتف ألنه جمع بين النقيضين،

فإما أن يكون إمامة غير المعصوم ثابتة أو ال يخلو الحال منهما، فإن كانت ثابتةوالزمها منتف على كل تقدير لزم األمر الثاني وإن كانت منتفية لزم األول،

وأما استحالة الثاني فظاهرة إذ وجود الملزوم مع انتفاء الالزم محال.الحادي والتسعون: اإلمام شرط للتكليف وسبب ما في فعل المكلف به

وإال لما وجب فيستحيل أن يكون مانعا وغير المعصوم يمكن أن يكون مانعافمحال أن يكون اإلمام غير معصوم.

الثاني والتسعون: اإلمام مقرب إلى الطاعة ومبعد عن المعصية وعلةاالستعداد للشئ بالذات وعلة البعد عنه أو االستعداد لضده بالذات

متنافيان ال يمكن اجتماعهما في محل واحد بأن يكون معد الشئ بالذاتومبعدا عنه أو معدا بضده في الحال وعدم العصمة معد لتحصيل المعاصيوعدم الطاعات مع الشهوة والنفرة فال يمكن أن يجتمع مع اإلمامة المعدة

لضدها بالذات مع طاعة المكلف فال يمكن إمامة غير المعصوم.الثالث والتسعون: اإلمامة لمنع عدم العصمة مع قبول المكلف أوامره

ونواهيه، وهذا الشرط ال يكون شرطا في اإلمام نفسه ألنه ليس له إمام آخرحتى يقال يقبل أوامر اإلمام ونواهيه وال يتحقق امتثال اإلنسان ألوامر نفسه

ونواهيه ألن اآلمر والمأمور متغايران وال يمكن أن يقال الشرط امتثاله ألوامر اللهتعالى واختيار للطاعة، وإال لكان خاليا عن اللطف، فتكون مانعة من عدمالعصمة في حق اإلمام مطلقا، ويستحيل تحقق الشئ مع المانع له أو علة

(٢٥٢)

Page 254: Kitab Al-Alfain Arabic

عدمه، فيستحيل اجتماع عدم العصمة مع تحقق اإلمامة في محل واحد وهوالمطلوب، وإنما قلنا إن اإلمامة مانعة من عدم العصمة مطلقا، ألن اإلمامة

للتقريب من الطاعة والتبعيد عن المعصية لكل مكلف وإال لم يجب بالمعصيةبالنسبة إلى كل طاعة وكل معصية في كل وقت.

الرابع والتسعون: دائما أما أن يكون الشئ أو المانع منه، وعلة عدمهمتحققتين في محل واحد في وقت واحد أو يكون اإلمام معصوما مانعة خلو،

ألن اإلمامة مانعة من عدم العصمة: فإما أن يكون اإلمام معصوما أو ال،وكلما لم يكن اإلمام معصوما اجتمع الشئ مع مانعه وعلة عدمه وامتناع الخلو

عن الشئ والملزوم يستلزم امتناع الخلو عن الشئ والالزم، لكن األولمنتف قطعا ومما ينبه عليه أنه لوال انتفاؤه لزم أحد األمرين، أما كون المانع

ليس بمانع أو كون الشئ الواحد ثابتا منتفيا وكالهما محال فثبت الثاني وهوالمطلوب.

الخامس والتسعون: دائما إما أن يكون اإلمام ليس بمعصوم أو يستحيلاجتماع الشئ مع المانع من وجوده وعلة عدمه مانعة جمع إذ اإلمامة مانعةمن عدم العصمة ويستلزم العلة في عدم العصمة أو تكون هي علة فيه، فلو

كان اإلمام غير معصوم لم يجتمع هذان الحكمان، والثاني ثابت قطعا فينتفياألول.

السادس والتسعون: كل ناصب لغير المعصوم إماما مخطئ، واللهتعالى أوكل األمة يستحيل أن يكون مخطأ، ينتج ناصب غير المعصوم إماما

يستحيل أن يكون الله تعالى وأن يكون كل األمة وكل من ال ينصبه الله تعالى،وال كل األمة يستحيل أن يكون إماما، فغير المعصوم يستحيل أن يكون

إماما، بيان األولى إن إمامة غير المعصوم تستلزم اجتماع الشئ مع مانعه أوعلة عدمه لما تقدم، وأما الكبرى فظاهرة، وأما الثالثة فألن ناصب اإلمام

ليس إال النص أو االجماع.السابع والتسعون: ناصب اإلمام غير المعصوم إما أن يمكن أن يجعل

(٢٥٣)

Page 255: Kitab Al-Alfain Arabic

سبب أحد الضدين سببا في اآلخر حال كونه سببا للضد أو يمكن بأن يكونمغريا بالجهل أو يكون مكلفا بما ال يطاق والكل خطأ وهو على الله تعالى وعلى

كل األمة محال أما المالزمة فألن غير المعصوم يمكن أن يدعو إلى المعصية،فأما أن يبقى إماما مقربا مبعدا فيكون قد جعل سبب أحد الضدين سببا في

اآلخر حال كونه سببا في الضد وأما أن ال يبقى إماما مع أنه نص عليه ونصبهولم يعزله فيكون مغريا بالقبيح، وأما أن يكلف المكلف بعدم قبوله قوله

وعدم االلتفات إليه في وقت عصيانه وارتكابه مع أنه ال يعلم ذلك إال بقولهلكونه هو الحافظ للشرع والمبين لألحكام مع أنه القاهر الحاكم ال يمكن

مخالفته، فيلزم تكليف ما ال يطاق وإمكان المحال محال، ال يقال: هذا الزمللوقوع ال إلمكان الوقوع وفرق بين الوقوع بالفعل وبين إمكان الوقوع، ألنانقول: إمكان الالزم الزم إلمكان الملزوم والستحالة استلزام الممكن المحال

وإال لزم استحالة الممكن وإمكان المحال لكن ذلك ليس بممكن بل هو محالعلى الله تعالى وعلى كل األمة فيستحيل، ال يقال: أدلة االجماع دلت على

عدم وقوع الخطأ ال على استحالته للفرق بين الدائمة والضرورية فال يرد علىتقدير كون اإلمام نصب كل األمة، ألنا نقول: قد بينا في الكالم استحالة

استناد نصب اإلمام إلى المكلفين بل هو من فعله تعالى، وأيضا أدلة االجماعدلت على أن كل ما فعلته األمة حسن وكل ما هو حسن فهو حسن بالضرورةالستحالة االنقالب على الحسن والقبح وهما عقليان وأيضا قد ظهر في اإللهي

تالزم الضروري والدائم.الثامن والتسعون: إذا أوجب الله طاعة اإلمام على المكلف في جميع

أوامره وغير معصوم وله داع إلى المعصية وله مانع ال يكفي غير المعصوم فيالمنع وهو األمر والعقل فيكون إضالل الله تعالى للعبد يتم بإخبار إنسان غيرمكلف وال يندفع بداعي الحكمة ألنه ال يندفع إال بعدم احتمال إتيان إنسان

غير معصوم بالمعصية ال غير.التاسع والتسعون: جوازا لخطأ على المكلف وجه نقض ال بد للمكلف

من طريق إلى التقصي منه وعدم ورود خلل من هذا الوجه فال يحسن

(٢٥٤)

Page 256: Kitab Al-Alfain Arabic

الحكيم أن يأمر بأن يطلب سد هذا النقض من مساويه وفي الدواعيالمقتضية لورود الخلل مع عدم ساد لخلل هذا المساوي وعدم طريق له إلى

جبر، هذا النقض وقبح هذا معلوم بالضرورة.

(٢٥٥)

Page 257: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة السادسةالمائة السادسة من األدلة الدالة على وجوب عصمة اإلمام عليه السالم:

(األول) كلما كان اإلمام غير معصوم فدائما إما أن يكون الله تعالىمكلفا للعبد عقدا كسبيا من غير سبب وال كاسب أو يكون مكلفا للعبد بما ال

يعتقد أنه صواب وال طريق له إلى اكتسابه والتالي باطل فالمقدم مثله بيانالمالزمة أنه ال يخلو إما أن يكون المكلف مكلفا باعتقاد صواب أفعاله وأوامره

ونواهيه أو ال واألول ملزم لألول إذ غير المعصوم يجوز عليه الخطأ واألمربالمعصية فالمرجح للصواب الذي ال يتوقف بعده على مرجح أما أن يكون معلوم

الحصول لإلمام عند المكلف أوال واألول يستلزم عصمته لوجوب الطرف عندوجود المرجح التام وإن لم يكن معلوما كان تكليفه بذلك تكليفا بعقد ذيسبب من غير حصول سبب، والثاني أما أن يكون لحصوله للمكلف فيكونالتكليف به تكليفا بالحاصل أو لعدم لزومه في وجوب طاعة اإلمام أو لها أولجواز نقيضه، واألوالن محاالن، أما األول فلما تقدم وأما الثاني فألن لطفيةاإلمام وطاعته من المكلف إنما يتم بذلك، والثالث يستلزم الجزء الثاني من

المنفصلة المذكورة ألنه تعالى كلفه بطاعته في جميع أوامره ونواهيه، فإذا جازالخطأ في بعضها أمكن أن يكون الله تعالى قد كلف العبد بالخطأ والقبيح وأما

بطالن التالي بقسميه فظاهر ألن األول تكليف بما ال يطاق وتكليف بالجهلوهو قبيح على الله تعالى، والثاني يستلزم إمكان النقيض عليه وهو محال، ال

يقال هذا ال يرد على مذهبكم ألن عندكم إن الله تعالى قادر على القبيح،

(٢٥٧)

Page 258: Kitab Al-Alfain Arabic

وقادر على األمر بالمعاصي والقبيح، والنهي عن الطاعة واألمر بما ال يطاق منحيث القدرة، وإن امتنع من حيث الحكمة خالفا للنظام، وكل مقدور ممكن

فال يصح استثناء نقيض التالي الذي هو المنفصلة إلمكانهما، ألنا نقول المحالإمكان ذلك مع فرض الحكمة ألن وجود الممكن مع علة عدمه من هذه الجهة

محال لذاته ألنه اجتماع النقيضين، فلو كان اإلمام غير معصوم ألمكن ذلكمع فرض وجود حكمة الله تعالى بالنظر إليها ألن ثبوت الملزوم على تقدير

المالزمة الكلية ثابتة على كل تقدير يمكن اجتماعه مع المقدم يستلزم ثبوتالالزم على ذلك التقدير، وإمامة غير المعصوم مع فرض وجوب طاعته في كل

وقت وحال في كل أمر ونهي لو ثبت لثبت على تقدير حكمة الله تعالى معاستلزامها المنفصلة المانعة من الخلو كليا.

الثاني: هنا مقدمات:األولى: كل ذي سبب فال بد له من سبب تام يجب عنده المسبب.

الثاني: كل ما وجب لكونه لطفا في واجب ال يمكن أن يحصل ذلكالواجب إال به وإال لما وجب.

الثالثة: كل ما وجب علينا لكونه لطفا في تقريب المكلف غير المعصوممن الطاعة في واجب ال لغير ذلك لم يقم غيره مقامه في اللطفية في ذلك

الواجب وإال لم يتعين.الرابعة: اإلمام واجب علينا لكونه لطفا في تقريب المكلف غير المعصوم

من الطاعة وتبعيده عن المعصية إذا تقرر ذلك.فنقول: عند قدره اإلمام على حمل المكلف على الطاعة وتبعيده عن

المعصية وعلمه أما أن يقف السبب المرجح لفعل المتعقب (المستعقب) لهعلى شئ آخر أوال والثاني محال وإال لم يكن مقربا بل توقف على شئ آخر،وكان يجب عدم وجوبه يدل على عدمه، واألول يستلزم الوجوب عنده وإال

فأما أن ال يتوقف على شئ آخر فيكون ذو السبب ليس له سبب تام هذاخلف وكلما كان اإلمام غير المعصوم لم يجب الترجيح عند اجتماع هذه األشياء

(٢٥٨)

Page 259: Kitab Al-Alfain Arabic

وبطالن التالي يستلزم بطالن المقدم.فنقول: عند وجود اإلمام والتكليف وعلم المكلف وقدرة اإلمام على

حمل المكلف على الطاعة وردعه عن المعصية وعلم اإلمام وانتفاء المانع له إماأن يبقى رجحان وجود الفعل أو علته من المكلف في نفس األمر ومرجوحية

الترك فيه في نفس األمر موقوف على شئ آخر أوال، والثاني محال وإال لوجبذلك اآلخر لكونه لطفا ال يتم الفعل بدونه وكلما كان كذلك كان واجبا، لكن ال

يجب على الله تعالى شئ آخر خارج عن هذه األشياء وإن لم يتوقف فإما أنيجب الترجيح المتعقب المستعقب للفعل والترك عنده أم ال والثاني محال ألنه ال

سبب غير ما ذكرناه وإال كان موقوفا عليه، فإما أن يكون هذا هو السببالتام أو ال يكون له سبب تام، والثاني محال لما تقدم في األول فيتعين األول،وإذا كان كذلك وجب عصمة اإلمام لوجود اإلمامة، وقدرة اإلمام في صورةنفسه وإال لم يكن مكلفا فيتحقق السبب التام دائما فيتحقق المسبب ويمتنع

نقيضه وال نعني بالعصمة إال ذلك ال يقال اإلمامة لطف للغير وسبب فيصورة الغير وال في نفسه وإال لكان إماما لنفسه وقاهرا لنفسه، ألنا نقول األمروالنهي والقدرة والعلم في حق اإلمام كاف أوال فإن كان األول حصل السبب

التام وهو المطلوب، وإن كان الثاني فإما أن يكون الموقوف عليه حاصاللإلمام أوال، والثاني محال وإال لزم االخالل باللطف الواجب، واألول

يستلزم حصول السبب التام وأيضا فإن اإلمامة لطف عام بوجودها لإلماموبعمل اإلمام وحمله لغيره فاستغني بها من غيرها.

والثاني مستلزم الوجود واألول المقصود فلو كان االمام غير معصوملكان معصوما لتحقق ما يجب عنده األفعال، فيلزم المحال وهو اجتماع

النقيضين وتحصيل المطلوب أيضا.الثالث: اإلمامة لطف لكل غير معصوم في تحصيل الواجبات ومنع

المعاصي لتساوي الكل في علة االحتياج وعدم قيام غيرها مقامها وإال لم يجبعينا، وكلما كان اإلمام قادرا على حمل المكلف على الطاعة وإبعاده عنالمعصية عالما بذلك وجب تحقق ذلك، وإال فإما أن نجيب أو يبقى على

(٢٥٩)

Page 260: Kitab Al-Alfain Arabic

صرافة االمكان أو يترجح بالنسبة إلى الداعي والثاني محال وإال النتفتفائدته.

الرابع: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم أحد األمور األربعة، أما كونذي السبب ال سببا تاما له أو جعل غير ذي السبب سببا أو عدم إيجاب ما

يتوقف عليه الفعل من اللطف أو إيجاب أحد المتساويين في وجه الوجوب عينابال مرجح مانعة خلو والالزم بأقسامه باطل فينتفي الملزوم أما المالزمة فإنه ال

طريق للمكلف إلى تحصيل الحق والقرب من الطاعة والبعد عن المعصية إالاإلمام ألنه أما أن يكون طريقا أوال والثاني يستلزم جعل غير السبب سببا

واألول أما أن يقوم غيرها مقامها أوال، واألول يستلزم إيجاب أحد المتساويينفي وجه الوجوب عينا بال مرجح والثاني أما أن يتوقف بعدها على شئ آخر

أوال، واألول يستلزم عدم وجوب اللطف الذي يتوقف فعل الواجب عليه،والثاني أما أن يكون سببا تاما يتقرب المكلف معها ويعلم الحق أوال، والثانييستلزم كون ذي السبب ال سبب تاما له واألول يلزم أن يكون معصوما إذ ال

تكون إمامة غير معصوم سببا تاما ألنها مع طاعة المكلف وامتثاله ألوامره يمكنأن ال يقربه من الطاعة وأما بيان بطالن الالزم بأقسامه فظاهر.

الخامس: إمامة غير المعصوم مع طاعة المكلف لإلمام وامتثال أوامرهليس طريقا للجزم بالنجاة والتقريب والتبعيد، وال طريق غير اإلمامة لما تقدم

فيلزم أن ال يكون للمكلف طريق إلى معرفة نجاته وصحة أفعاله وهذا محال.السادس: نصب اإلمام والداللة عليه وطاعة المكلف له في جميع أوامره

وعدم مخالفته في شئ أصال جعله الشارع سببا تاما في التقريب والتبعيد،فلو لم يكن اإلمام معصوما ألمكن انفكاك التقريب والتبعيد منه، وكلما أمكن

انفكاك أثره عنه لم يكن سببا ذاتيا بل غايته أن يكون أكثريا.فنقول: كلما كان اإلمام غير معصوم كان الله تعالى قد جعل السبب

األكثري أو االتفاقي سببا ذاتيا لكن التالي باطل الشتماله على الضالل،فكذا المقدم.

(٢٦٠)

Page 261: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع: كل إمام فإن طاعة المكلفين له مع نصبه كافية في اللطفبالضرورة وال شئ من غير المعصوم طاعة المكلفين له مع نصبه بكاف في

اللطف باالمكان ينتج ال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة، وأماالصغرى فألنه لوال ذلك لكان الله تعالى مخال باللطف الذي يتوقف عليه

التكليف وهو محال، وأما الكبرى فألنه يمكن أن يدعو إلى المعصية وينهي عنالطاعة أو يهمل فيمكن أن ال يكون كافيا في اللطف.

الثامن: اإلمام غير المعصوم يمكن أن يخرج عن اللطف وال يقوم به فإنبقي إماما لم يحصل اللطف وكان قد أقيم ما ليس بلطف وال يحصل منه

اللطف مقامه وهو محال الشتماله على العبث أو الجهل المركب وإن لم يبقإماما، فإن لم ينصب غيره خال عن اللطف الواجب، وإن نصب إماما غيره

مع عدم داللة عليه وال تعريف المكلف ذلك ليستلزم تكليف ما ال يطاق، إذال معرف إلمامته إال هو أو كل األمة وذلك يؤدي إلى الهرج والمرج، والفتن

وهو عين ما لزم من المحال.التاسع: كلما كانت اإلمامة ثابتة في كل وقت كانت لطفا محتاجا إليها في

التكليف دائما، وكلما كان كذلك استحال أن يخلو عنها وقت لوجوبها على اللهتعالى أو على األمة على القولين فإهمالها خطأ، وكلما كان اإلمام غير معصوم

أمكن أن يخلو وقت ما عن اللطف إذ اللطف ال يتم بنصب اإلمام خاصة بلبدعائه على تقدير إطاعة المكلف له، وهذا يمكن أن يخل به غير المعصوم

واجتماع الممكنة المناقضة للضرورية معها محال.العاشر: كل ما جعله الله عز وجل سببا موصال للمكلف إلى غاية

مطلوبة له تعالى يتوقف حصولها عليه وإنما تحصل تلك الغاية منه ال من غيرهفال بد وأن يكون واجب التأدية إليها أو بطلب تلك الغاية التي ال تحصل إالمن ذلك السبب دائما من المكلف مع عدم حصولها منه دائما، إذ لو كان

حصولها منه دائما لكانت سببا ذاتيا إذ كل سبب يؤدي إلى مسببهدائما ذاتيا وكل سبب ذاتي يجب حصوله منه مع فرض عدمه، هذا

خلف والقرب والبعد سببه اإلمام مع طاعة المكلف له، فيكون واجبا عنه

(٢٦١)

Page 262: Kitab Al-Alfain Arabic

وكل من ليس بمعصوم ال يجب عنه.الحادي عشر: دائما أما أن يكون اإلمام معصوما، وأما أن يخرج

الواجب عن كونه واجبا حال كونه مشتمال على وجه يقتضي وجوبه أو يخرجالشرط عن كونه شرطا، إذ يلزم تكليف ما ال يطاق مانعة خلو ألنه إذا لم

يقرب المكلف من الطاعة بل نهاه عنها، فإما أن يبقى الفعل الذي هذااللطف شرط فيه واجبا أو ال يبقى فإن لم يبق ثبت األول، وإن بقي وخرج اللطف

عن كونه شرطا لزم الثاني، وإن بقي لزم التكليف بالمشروط وحال عدمالشرط وهو الثالث لكن التالي بأقسامه باطل فهكذا المقدم.

الثاني عشر: كلما كان اإلمام غير معصوم أمكن أن يكون الشرط معانداحال كونه شرطا، لكن التالي باطل قطعا، فكذا المقدم بيان الشرطية أنه

يمكن تبعيده المكلف عن المعصية حال كونه إماما شرطا في التكليف إذا لم يكنمعصوما

الثالث عشر: اإلمام إنما احتيج إليه ألجل عدم العصمة، فالمراد منهنفي هذا الخلل مع إطاعة المكلف له في جميع أحواله، وكلما كان كذلك كان

اإلمام معصوما إذ يستحيل أن يطلب نفي شئ ممن هو متحقق فيه.الرابع عشر: لطفية اإلمام إنما يتم بما يرغب المكلف به المكلف الطالب

للحق في اتباعه فيما يأمره به وينهاه عنه من األوامر والنواهي الشرعية، وإن اليصدر عن اإلمام ما ينفره عنه وصدور المعصية منه مما يعدم رغبة المكلف له

في اتباعه وينفره عنه فتستحيل عليه المعصية وإال النتفت فائدته.الخامس عشر: إذا ارتكب الداعي ضد ما يدعو إليه كان من أعظم

الدواعي إلى عدم طاعته، فلو ارتكب اإلمام معصية ما، انتفت فائدتهبالكلية.

السادس عشر: ال أعظم في النفرة عن اتباعه من معرفة، المكلف أنهمساو له في وجه الحاجة وأنه ال يتميز عنه بوجه فال فائدة فيه.

(٢٦٢)

Page 263: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع عشر: كلما كان اإلمام غير معصوما، فأما أن ال يجب اتباعه أويكون الله سبحانه قد طلب من المكلف أحد الضدين مع ثبوت علة الضد

اآلخر وعدم قدرة المكلف على إزالتها والتالي بقسيمه باطل فكذا المقدم، أماالمالزمة فألن اإلمام إذا لم يكن معصوما كان موجب النفرة عن اتباعه ثابتا ألنموجب النفرة مساواته في جواز الخطأ وطاعته ترجيح بال مرجح وعدم الوثوقبأقواله وأفعاله، وكلما كان موجب النفرة ثابتا فإن لم يجب طاعته ثبت القسم

األول وإن وجب طاعته وجب الرغبة فيها، لكن الرغبة والنفرة ضدان بمعنىالتنافي فيكون قد طلب أحد الضدين مع وجود علة الضد اآلخر وعدم تمكن

المكلف من إزالتها.الثامن عشر: ثبوت التكليف مع إمامة غير المعصوم مما ال يجتمعان،

واألول ثابت قطعا فينتفي الثاني بيان التنافي إن التكليف إنما هو بالممكن وهوموقوف على اللطف الذي هو اإلمام فإذا كان اإلمام غير معصوم فإما أن يثبت

أو ال يثبت، فإن كان الثاني قبح التكليف فاستحال منه تعالى وإن ثبتفالمكلف له نفرة عن اتباعه، فال يتبعه وإنما وجب اللطف ألنه ال يفعل حتى

يفقد هذا اللطف ومع هذا اللطف ال يفعل فال يكون لطفا فينتفي التكليفالنتفاء شرطه وأما ثبوت األول فظاهر.

التاسع عشر: كلما كان حصول األثر لم يبق له مما يتوقف عليهاالستعداد القابل كان الفاعل قد وجب من الجهة التي هو بها فاعل وإال بقي

وجوب الفاعل مع استعداد القابل وهو خالف التقدير وفاعل التقريب إلىالطاعة والتبعيد عن المعصية هو اإلمام من جهة أنه مصيب غير مخطئ، ومع

وجوده لم يبق إال استعداد المكلف للحصول واستعداده هو قبوله وامتثاله أوامراإلمام ونواهيه فيلزم وجوب الجهة التي هو بها فاعل له وهي عدم الخطأ

ومالزمة الطاعات وعدم مقاربة المعاصي وهذه هي العصمة.العشرون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم أحد األمرين أما كون

استعداد المحل مع إمكان جهة الفاعلية التي هي جملة ما يتوقف عليه األثر،

(٢٦٣)

Page 264: Kitab Al-Alfain Arabic

وأما كون اإلمام ليس تمام اللطف الذي يتوقف عليه التكليف والتالي بقسميهباطل، فالمقدم مثله أما المالزمة فألن اإلمام هو المقرب المبعد من جهة قوته

الكاملية بالفعل، فأما أن يكون إمكان فعل الطاعات واالنتهاء عن المعاصيكافيا مع امتثال المكلف، فيلزم األمر األول وإن لم يكف، فإذا كان اإلمام

غير معصوم لم يحصل منه إال االمكان فال يكون هو تمام اللطف الذي يتوقفعليه التكليف، وأما بطالن التالي فظاهر.

الحادي والعشرون: عدم عصمة اإلمام مع استحالة اجتماع المعلولمع عدمه علته مما ال يجتمعان والثاني ثابت فينتفي األول أما المنافاة فألنعدم عصمة اإلمام يستلزم االكتفاء بإمكان جهة الفاعلية بالفعل لما تقدم،

واالمكان بجامع السلب إذ المراد باالمكان االمكان الخاص هنا، وإذا جامعالسلب جامع المعلول، السلب، ألن ما جامع العلة جامع المعلول، فيلزم

ثبوت المعلول مع عدم علته، وأما ثبوت الثاني فظاهر.الثاني والعشرون: كلما كان اإلمام غير المعصوم كان الممكن واجبا،

والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة إن عدم عصمة اإلمام تستلزم االكتفاءباالمكان في جهة الفاعلية فيكون كافيا في الوجوب من جهة الفاعل وهو

واجب بالذات من حيث هي ال يمكن فرض نقيضه، فال يمكن فرض نقيضمعلوله مع الذات، وهذا هو الوجوب، ال يقال هذا وجوب بالنظر إلى

العلة، فال ينافي جواز فرض النقيض ال من هذه الجهة وال ينافي االمكان،ألنا نقول: يلزم منه أنه حال فرض االمكان يمتنع معه فرض النقيض من غير

التفات إلى شئ آخر فال يكون إمكانا بل وجوبا.الثالث والعشرون: لو كان اإلمام غير معصوم لكان معصوما ألنه إذا

استلزم عدم عصمة اإلمام االكتفاء من جهة الفاعلية باالمكان وجب به،فكان معصوما.

الرابع والعشرون: كلما كان اإلمام غير المعصوم فكلما كان المكلفمطيعا له في جميع أوامره ونواهيه يجب أن يكون معصوما، والتالي باطل

(٢٦٤)

Page 265: Kitab Al-Alfain Arabic

فالمقدم مثله بيان المالزمة أنه إذا كان االمكان كافيا في جهة الفاعلية، وهومع قبول المكلف كاف في تمام التأثير لزم وجوب األثر وهو القرب من

الطاعات والبعد عن المعاصي، فإذا حصل دائما امتنعت المعاصي ووجبتالطاعات لكن التالي باطل إلمكان أمره بالمعصية ونهيه عن الطاعة ال يقال إذانهى عن الطاعة وأمر بالمعصية وجب على المكلف االتباع من حيث امتثالاألمر والنهي ال من جهة الطاعة والمعصية، فالمكلف مطيع من حيث امتثاله

لألمر ال من جهة المعصية والطاعة، وإن كان اإلمام عاصيا، ألنا نقول:جهة حسن طاعة اإلمام هو كون المأمور به طاعة وكون المنهي عنه قبيحا ال

لذاته، فإن وجوب اتباع اإلمام إنما ألجل تعريفه وحمله على الطاعاتونهيه عن المعاصي، فهو تابع للمأمور به فال يمكن أن يكون المكلف بامتثاله

فاعال للحسن. واإلمام فاعال للقبيح فإذا انتفى وجه الحسن انتفى الحسن.الخامس والعشرون: كلما كان اإلمام غير معصوم فقد ال يكون عدم

العلة علة عدم المعلول، والتالي باطل مثله بيان المالزمة إن عدم عصمةاإلمام يستلزم االكتفاء بإمكان جهة الفاعلية الجامعة لعدم الفاعلية، فيكون

عدم العلة ليس علة للعدم، وأما بطالن التالي فظاهر في علم الكالم.السادس والعشرون: لو كان اإلمام غير معصوم لكان وجوب المعلول

مع إمكان العلة أو عدم اللطف الذي هو شرط في التكليف من جهة اللهتعالى أو من اإلمام مع طاعة المكلف اإلمام وامتثال جميع أوامره ونواهيه والتالي

باطل، فالمقدم مثله بيان المالزمة إن نصب إمام وحده غير كاف في اللطفبل مع دعاء اإلمام إلى الطاعة وبعده عن المعصية، فإما أن يكفي فيه

االمكان فيلزم وجوب المعلول مع إمكان العلة عند إطاعة المكلف له في جميعأوامره ونواهيه أو ال يكفي بل ال بد من األمر بالطاعة والنهي عن المعصية،

فمع طاعة اإلمام قد ال يحصل، فيكون اللطف قد انتفى من جهة اللهسبحانه وتعالى، ومن جهة اإلمام فال يزاح العلة للمكلف ويكون معذورا،

فيكون له الحجة.السابع والعشرون: ال بد في اللطف من نصب اإلمام طريق للمكلف

(٢٦٥)

Page 266: Kitab Al-Alfain Arabic

إلى معرفته وإلى العلم بأنه يأمر بالطاعة وال يخل به وينهي عن المعصية وال يخلبه وأنه ال يفعل ضد ذلك، فإما على سبيل الوجوب أو يكتفي فيه

باالمكان، والثاني يستلزم كون االمكان المتساوي الطرفين سببا للترجيحواالعتقاد بال سبب وتحسين الجهل وهو محال، فيتعين األول وهو العصمة.

الثامن والعشرون: مرجح أحد طرفي الممكن ال بد أن يكون ذلكالطرف واجبا له ألن المتساوي الطرفين بالنسبة إليه محال بأن يكون مرجحا

ألحدهما.التاسع والعشرون: كلما كان اإلمام غير معصوم كان قدرته على حمل

المكلف على الطاعة وترك المعصية مع تكليفه وإمكان تجربة الصحيح وارتكابهالطريق السوي هو المقرب للمكلف إلى الطاعة، والمبعد عن المعصية وهذا

بعينه متحقق في المكلف نفسه فيلزم أن يكون إيجابه عبثا، إذ ليس الفائدة فيإيجابه الحمل بالفعل وإال لزم أن ال يكون الكافر مكلفا بطاعة اإلمام وال

الباغي.الثالثون: الوجوب ال بد أن يكون أما لذات الشئ كالمعرفة أو لمصالح

ناشئة منه، واإلمامة من الثاني.فنقول: إما ال تحصل تلك المصالح إال منه أو تحصل تلك المصالح منه

ومن غيره بحيث يكون كل مصلحة تقتضي الوجوب يتساوى الفعالن فيتحصيلها واألول يوجب إيجابه عينا.

والثاني: أما أن يكون أحدهما مشتمال على مصلحة ال تقتضي الوجوببل تقتضي ترجيحه فيكون أفضل فيجب إيجابهما على التخيير وندبية االتيان

باألفضل وأما أن يكون أحدهم مشتمال على بعض المصالح المقتضية للوجوبدون بعض فال يوجب الثاني إال عند تعذر األول، هكذا ينبغي أن يفهم

الواجب المعين أو المخير والذي على البدل إذا تقرر ذلك.فنقول: الوجوه التي يقتضي وجوب نصب اإلمام ووجوب طاعته

متحققة في المكلف نفسه كما تقرر فجعله إماما عليه وإيجاب طاعته عليه عينا

(٢٦٦)

Page 267: Kitab Al-Alfain Arabic

مع مشاركته إياه في وجه الوجوب محال.الحادي والثالثون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم أن يخير الشارع بين

طاعته وطاعة أي مكلف كان، بحيث ال يجب طاعته عينا ألن قدرة اإلمامعلى حمل المكلف ليس شرطا مطلقا، بل لو أطاعه المكلف وكل واحد هذاالمعنى متحقق فيه فينتفي فائدة اإلمامة، ال يقال: ال يجب التخيير على تقدير

إمامة غير المعصوم للمانع وهو كون اإلمام يجب أن يكون معينا.ألنا نقول: ال نسلم أن المانع متحقق على تقدير تساوي اإلمام وغيره،

فإذا لزم خالف الصارف من أمر ال يقال إنه ال مانع، بل يستدل من ذلكعلى استحالة ذلك األمر.

الثاني والثالثون: إمامة غير المعصوم تستلزم ارتفاع الواقع فليس بواقعينتج إمامة غير المعصوم غير واقعة، أما الصغرى فألنها تستلزم أحد

األمرين، إما ترجيح أحد الفعلين المتساويين في المصالح الناشئة منهما المقتضيةللوجوب من غير مرجح أو تساوي اإلمام وغيره في وجوب الطاعة لما تقدموكالهما خالف الواقع وأما الكبرى فألن كلما استلزم ارتفاع الواقع لو كان

واقعا لزم اجتماع النقيضين وهو ظاهر.الثالث والثالثون: كلما يساوي الفعل وعدمه في منشأة الصالح التي

جعلت مقتضية للوجوب كان الفعل غير واجب قطعا، وإمامة غير المعصومللمكلف تساوي عدمها فيها لما تقدم، فيلزم أن ال تكون اإلمامة واجبة هذا

خلف.الرابع والثالثون: كلما كان الشئ وعدمه متساويين في المصالح

اللطيفة لم يجب الشئ ولم يحتج إليه فلو كان اإلمام غير معصوم لزم ذلك.الخامس والثالثون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم إيجاب الشئ مع

مساواة عدمه لوجوده في منشئية المصالح التي جعل الوجوب ألجلها معاشتماله على مفسدة ليست في عدمه والتالي باطل، فكذا المقدم بيان المالزمةإن المقتضى قدرة اإلمام لو أطاعه المكلف وتكليفه وعقله ورغبته في الثواب،

(٢٦٧)

Page 268: Kitab Al-Alfain Arabic

والمكلف مساو له في الجميع والمفسدة الالزمة من وجود اإلمام أنه يمكن إجبارهعلى المعصية وكذبه من غير علم المكلف فإنه لو أراد الطاعة لم يتحقق إجبار

نفسه على المعصية، وال يتحقق الكذب مع نفسه.السادس والثالثون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم إيجاب أحد الشيئين

المتساويين في منشئية المصالح مع كون أحدهما يحتاج إلى شرط أكثر دون اآلخروالتالي باطل، فالمقدم مثله بيان المالزمة إن قدرة اإلمام على التقريب والتبعيد

مشروطة بطاعة المكلف بخالف المكلف نفسه، وأما بطالن التالي فقد ظهر فيعلم الكالم.

السابع والثالثون: لو كان اإلمام غير معصوم لساوى المكلفين في وجهالحاجة لكن دفع حاجتهم موقوف على دفع حاجته إذ المحتاج في تحصيل شئ

ال يغني غيره في تحصيله إال بعد استغنائه وتحصيله فإن كانت إمامته دافعةلحاجته لزم العصمة إذ وجه الحاجة جواز الخطأ وإن لم تكن دافعة لحاجة

وتحقق احتياجه لم يدفع حاجة غيره فال يصلح لإلمامة.الثامن والثالثون: كلما كان اإلمام غير معصوم، فإما أن يكون فرض

معصيته وأمره بها ممكنا أو محاال، والثاني يستلزم المعصية، واألول يلزم فيفرض وقوعه محال، فلنفرض أنه وقع، فأما أن يكون كلما أطاعه المكلف في

جميع أوامره ونواهيه في جميع األوقات يكون ليس بمخطئ دائما، وأما أنيكون مخطئا في ذلك الوقت، واألول يستلزم كونه معصوما فيكون أولى

باالتباع، فإن اتباع المصيب دائما أولى من اتباع المخطئ في بعض األوقاتخصوصا إذا لم يعرف وقت خطأه، والثاني يستلزم أن ال يكون للمكلف

طريق إلى المقرب من الطاعة والمبعد عن المعصية إذ ذلك يكون موقوفا علىاإلمام وإال لم يجب نصبه وال طريق إال به لعدم وجوب سواه وهو في حال

أمره بالمعصية ال يكون مقربا وال هاديا فال يكون للمكلف طريق إلى ارتكابالصواب، فأما أن ال يكون مكلفا فيخرج عن التكليف فال يجب اإلمام في

ذلك الحكم ألنه إنما يجب للتكليف، فإذا انتفى، فال يجب اتباعه إذا،وهذه تكليف بما ال يطاق بعينه لعدم تعين االتباع وقت عدمه، وإن بقي

(٢٦٨)

Page 269: Kitab Al-Alfain Arabic

مكلفا كان تكليفا بما ال يطاق وهو محال.التاسع والثالثون: كلما كان اإلمام غير معصوم أمكن في كل تكليف أن

يكون قبيحا مع قدرة المكلف وعلمه ووجه وجوب الفعل ألن اإلمام إذا أخطأفيه وهو لطف في التكليف ال يحسن بدونه لطفيته باعتبار ذاته بل

بإصابته لكن التكليف الذي كلف الله تعالى به يستحيل أن يكون قبيحا.األربعون: إمامة غير المعصوم تستلزم شدة حاجة المكلف، وكل ما

استلزم شدة الحاجة استحال أن يحصل به الغنى، وكل ما استحال أن يحصلبه الغنى كان نصبه للغنى محاال بيان االستلزام إن المكلف محتاج إلى المقربوإلى من يحصل له اإلصابة وإلى رئيس يحفظه من جور غيره عليه ودفع الظلم

من القوي، فإذا كان اإلمام غير معصوم احتاج إلى معرف أنه إنما دعاه إلىالطاعة ودفع ظلمه، إن ظلمه فألن التكليف باتباع اإلمام زيادة في

التكليف، لكن معرفة صواب ذلك ال يصلح من اإلمام الحتماله الخطأ،فال بد من مقرب آخر.

الحادي واألربعون: اإلمامة زيادة تكليف لإلمام مع جواز خطأه وكونهغير معصوم، فحاجته إلى إمام أزيد من حاجة المكلف.

الثاني واألربعون:اإلمام إذا كان في التكليف المتعلق بنفسه يحتاج إلى

إمام ففي الذي يتعلق بغيره وبمصالح غيره أولى باالحتياج فيساوي غيره فيالتكليف المتعلق بالنفس، فيزيد في التكليف عنه بتولي مصالح غيره، فهو

إلى المقرب أحوج لزيادة تكليفه.الثالث واألربعون: كل مبدأ يخرج ما بالقوة إلى الفعل محال أن يكون

بالقوة بل ال بد وأن يكون بالفعل واإلمام مخرج للمكلف في قوته العملية منالقوة إلى الفعل في العمل، فال بد وأن يكون بالفعل بالنسبة إلى كل واحد

من الواجبات وهذا هو العصمة.الرابع واألربعون: كل مبدأ للكمال فإن كماله بالفعل، واإلمام مكمل

للمكلف من حيث عدم العصمة، فال بد وأن يكون كامال بالفعل

(٢٦٩)

Page 270: Kitab Al-Alfain Arabic

بالعصمة.الخامس واألربعون: غير المعصوم ناقص، فأراد الله سبحانه وتعالى

تكميله وكان ال يتكمل إال باإلمام، فنصب الله الذي جلت عظمته وتقدستأسماؤه اإلمام لتكميله، فال يمكن أن يكون ناقصا.

السادس واألربعون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم أن يكون أحدالمثلين علة في اآلخر، والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة إن غير المعصوم

قواهم العملية متساوية فقوة اإلمام متساوية لقوة المأموم مع أن قوة اإلمامعلة.

السابع واألربعون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم إمكان كون المعلولأقرب استعدادا إلى الوجود من العلة والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أن

العصمة والفجور طرفان وبينهما مراتب ال تتناهى فلو كان اإلمام غير معصوملزم أن يكون بعض المكلفين أقرب منه إلى الطاعة، ولو في بعض األزمان

لكن قوته العملية علة.الثامن واألربعون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم إمكان كون االمكان

البعيد عن الوجود علة في الفعل، والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة،أن اإلمام إنما احتيج إليه لكون المكلف غير معصوم، ويمكن له العصمة،

وفعل اإلمام بقوته العملية يقربه من طرف العصمة مهما أمكن بحيث يوصلهإليها إن أطاع المكلف فقد تكون بالنسبة إلى مأموم ما أقرب منها إلى اإلمام،

فيكون الممكن إال بعد من الوجود أقرب علة في الفعل، وهذا محال.التاسع واألربعون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم إما إمكان كون ما

بالذات بالغير أو إمكان الدور، والتالي بقسميه باطل، بالمقدم مثله بيانالمالزمة أن اإلمام مع باقي ما يتوقف عليه وجودها ال يخلو أما أن يكون علةفي إمكان الطاعة للمكلف أو في حصولها له بالفعل، واألول ملزوم لألول إذ

إمكان الطاعة له لذاته فلو كان معلوال للغير لكان ما بالذات معلوال بالغير،وهو األمر األول والثاني ملزوم للثاني، ألن المكلف إذ لم يعلمها إال من

(٢٧٠)

Page 271: Kitab Al-Alfain Arabic

اإلمام، ولم يفعله اإلمام ولم يدعه إليها فإن بقي التكليف لزم تكليف ما اليطاق، وإن لم يبق التكليف خرج عن التكليف فيخرج الدعاء عن الوجوب

والشرطية فيها، فيكون الوجوب متأخرا عن اإلعالم والدعاء واإلعالموالدعاء متأخران عن الوجوب، وهو األمر الثاني، وأما بطالن التالي بقسميه

فظاهر.الخمسون: اإلمام إنما يجب لكونه مقربا بالفعل وإال لم يتحقق وجوبطاعته بالنسبة إلى الكافر بل يجب لكون مقربا بالقوة ثم هذا له معنيان:أحدهما: إنه لو أطاعه المكلف أو تمكن من حمله على الطاعة وتوقف

فعلها على تقريبه ألمكن أن يكون مقربا.وثانيهما: إنه لو حصل استجماع الشرائط غير التقريب وما يتوقف عليهكاإلرادة المستعقبة للفعل مع توقف الفعل عليه لوجب أن يقرب، وليس

المراد األول وإال ألمكن نقيضه مع استجماع الشرائط قبل المكلف سوىالتقريب وما يتوقف عليه فيكون المكلف معذورا، واإلمام مهمال، فينتفي

فائدته بل المراد الثاني وإنما يكون كذلك لو كان معصوما إذ غير المعصوم يمكنأن ال يقرب.

الحادي والخمسون: الفعل موقوف على شرائط منها اإلمام وما يتعلق بهوهو قسمان منها ما هو من فعل المكلف كامتثال أوامره وطاعته والداعي،وغير ذلك، ومنها ما هو فعل الله عز وجل كنصب اإلمام أو من فعل اإلمام

كقبوله اإلمامة وتقريبه عند الحاجة ودعائه وحمله على الطاعة مع قدرته،فعدمه إنما يكون بعدم بعضها فإما أن يكون ذلك من فعل المكلف أو من فعله

تعالى أو من فعل اإلمام فعلى تقدير عدم األول بأن يكون قد أتى المكلفبجميع ما يرجع إليه غير تابع فعل اإلمام كإرادة الفعل فيكون ما هو تابع

لفعل اإلمام بحالة لو فعل اإلمام فعله لفعل المكلف ذلك ولو أمكن تحققالثاني لكان االخالل بالواجب بسبب اإلمام فال يكون مقربا إلى الطاعة حينئذمع قدرته وطاعة المكلف له، فال يكون إماما في تلك الصورة وهو محال أو

(٢٧١)

Page 272: Kitab Al-Alfain Arabic

يمتنع، فيلزم أن ال يعلم إمامته حتى يعلم امتناع ذلك وإنما يعلم امتناعذلك، مع العلم بوجوب كونه معصوما، وإنما تجب طاعته مع العلم بكونهإماما أو تمكن المكلف منه مع نصب طريق، والعلم ال بد فيه من المطابقةفتوقف إمكان العلم بإمامته على عصمته، وكذا إمامته، فإمامة غير المعصوم

محال.الثاني والخمسون: لو كان اإلمام غير معصوم لكان لطفا بوجوده وعدمه

والتالي باطل، فالمقدم مثله بيان المالزمة أن كل حكم لحق الممكن من حيثهو ممكن تساوي فيه وجوده وعدمه لتساوي الطرفين من جهة االمكان،

فاإلمام إنما وجب لكونه لطفا، فإما أن يكون كونه لطفا إلمكان تقريبه أولتقريبه بالفعل لو إطاعة المكلف أو تمكن من حمله أو تقريبه بالفعل ال مطلقاال باعتبار هذين الشرطين والثالث محال لما تقدم، واألول باطل وإال لتساوي

فيه وجوده وعدمه وتعين الثاني وإنما يكون كذلك لو كان معصوما.الثالث والخمسون: إما أن يكون اإلمام له لطف زائد علينا يقتضي

مرجوحية فعل الحرام أو االخالل بواجب أو ال، والثاني يستلزم مساواتهلباقي المكلفين في جواز فعل كل معصية، فيلزم جواز الكذب في التبليغ،

ويلزم ما ذكرنا من المحال واألول يستلزم عصمته، إذ اللطف الزائد يقتضيمنع الحرام من حيث هو حرام.

الرابع والخمسون: أحد األمرين الزم وهو إما كون التكليف والقدرةوالعلم في اإلمام كافيا في تقريب بحيث يؤثر ما يؤثر اإلمام المقرب لنا

من الطاعة والمبعد عن المعصية مع طاعتنا له أو مع قدرته وتمكنه من حملالمكلف على ذلك مع عدم إخالله بالتقريب والتبعيد في حال وال في شئ،

وأما أن يكون له لطف زائد غير خارج عنه يقتضي ذلك كاستحضاره ذكر اللهتعالى مع زيادة معرفته وبالجملة شئ من األلطاف يقتضي ذلك، وأما ماكان يلزم عصمته اإلمام وإنما قلنا: أن أحد األمرين الزم ألن المكلفينمتساوون في اللطف الذي هو شرط وقد بينا أن اإلمام لطف للرعية في

التكليف بحيث لو أطاعه المكلف أو تمكن منه قربه من التكليف الذي يتمكن

(٢٧٢)

Page 273: Kitab Al-Alfain Arabic

من حمله عليه، وحيث ليس لإلمام إمام فإما أن يكفي التكليف في حقاإلمام في ذلك أوال، فإن كان الثاني تعين اللطف الذي يفعل ذلك الفعل

وإال فعل التكليف ذلك والثاني متحقق وهو قدرة محل اللطف على حملالمكلف بالتكليف على فعله وإال لم يجب تكليفه، ومع ذلك يجب وقوع الفعل

وكذا في اللطف الذي في حق اإلمام أو التكليف، فيلزم عصمته.الخامس والخمسون: كل فعل من فاعل يستحيل عليه الخطأ والجهل،

فإن وجوده ينافي عدم غايته وإال كان عبثا، واإلمامة فعل من فاعل يستحيلعليه الخطأ ألنها إما من الله تعالى أو من كل األمة وكالهما يستحيل الخطأ

عليهما، والغاية من وجود اإلمامة هو كون المكلف بحيث لو أطاع اإلمام أوتمكن اإلمام من حمله لم يخل بشئ من الواجبات ولم يفعل شيئا من المحرمات

وإال لزم الترجيح بال مرجح أو انتفت فائدته والثاني متحقق في حق اإلمام فلولم يكن معصوما لزم انتفاء الغاية مع وجود الفعل ولكن قد قلنا باستحالة

اجتماعهما واإلمامة ثابتة فيلزم العصمة.السادس والخمسون: لو لم يكن اإلمام معصوما لكان لطفه أقل من

لطف رعيته ولزم التفاوت في اللطف المعتبر في التكليف لكن التالي باطلفالمقدم مثله بيان الشرطية إن اللطف الذي للمكلف هو عبارة عن اإلمام

بحالة لو تمكن اإلمام من حمل المكلف على فعل التكليف حصل من المكلفذلك ولم يخل بشئ من الواجبات فاإلمام إن ساوانا في االحتجاج إلى اللطف

لم يمكن له إمام بل كان لطفه من األلطاف النفسانية فإن فعل لطفنا واتحدالمحل وتحقق الشرط ألنه شرط التكليف إذن لزم العصمة لتحقق العلة

المستلزمة لتحقق المعلول وإن لم يفعل فعل لطفنا كان أنقص فيلزم تفاوتالمكلفين في اللطف المعتبر في التكليف وأما بطالن التالي فقد بين في علمالكالم وهو ظاهر فإن التفاوت في الشرط يستلزم تفاوتهم في المشروط فال

يكون الذي لطفه أنقص مكلفا لعدم الشرط.السابع والخمسون: لو لم يكن اإلمام معصوما لم يكن مكلفا لعدم

الشرط والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أنه إذا لم يكن معصوما لم يكن

(٢٧٣)

Page 274: Kitab Al-Alfain Arabic

له لطف كلطفنا وإال لكان معصوما لما تقدم وليس له إمام وإال تسلسلواستغنى بالثاني فكان لطفه أنقص من اللطف المشترط في التكليف فينتفي

التكليف، وأما بطالن التالي فألن غير المكلف ال يصلح لإلمامة قطعا.الثامن والخمسون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم أحد األمرين، إما

عدم عموم وجوب طاعته بالنسبة إلى المكلفين أو األحكام أو إمكان وجوباجتماع األمة على الخطأ والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أنه إذا أخطأوأمر األمة باتباعه فإما أن يجب أو ال، والثاني: إما أن يجب على الكل أو في

هذا الحكم وأياما كان لزم األمر األول واألول يستلزم األمر الثاني وأما بطالنهمافظاهر.

التاسع والخمسون: اإلمامة هي المقتضية للتقريب من الطاعة والتبعيدعن المعصية فهي مع قدرة اإلمام على حمل المكلف أو طاعته له مانعة من

المعصية والمانع من الشئ يستحيل اجتماعه معه.الستون: اإلمام حافظ للشرع لوجود حكم الله تعالى في كل واقعة لما

تبين في علم الكالم من وجود التكليف وعدم وفاء السنة والكتاب به فلوالحافظ للشروع لزم تأخر البيان عن وقت الحاجة فكل مسألة يقع فيها خالف

يجب أن يرجع فيها إليه ويعمل الكل بقوله ويجمعوا على صحته ويفتي بهالمجتهدون وكل من ليس بمعصوم ليس كذلك لمساواته المجتهدين فاإلمام

معصوم.الحادي والستون: قول اإلمام يجب على المجتهدين كافة الرجوع إليه

وترك ما دل االجتهاد عليه فلو لم يكن معصوما لم يكن كذلك.الثاني والستون: قول اإلمام أقوى من كل اجتهاد يفرض فيكون يقينا

فيكون مساويا لقول النبي صلى الله عليه وآله وال شئ من غير المعصوم،قوله مساو لقول النبي صلى الله عليه وآله في اليقين بمجرد قوله إجماعا فاإلمام

معصوم.الثالث والستون: كل من كان قوله حجة ففعله حجة إجماعا وكل من

(٢٧٤)

Page 275: Kitab Al-Alfain Arabic

كان قوله وفعله حجة كان معصوما، أما الصغرى فاجماعية ولتساوي القدرةوالمانع، وأما الكبرى فألن كل من كان قوله وفعله حجة دائما فإما أن يكون

التكليف بها في نفس األمر أوال واألول المطلوب - والثاني - إما أن يكون مكلفابضدها أوال والثاني محال إذ الثاني يستلزم عدم التكليف واألول يستلزمالتكليف بالضدين وقد بينا أن اإلمام قوله وفعله حجة فيكون معصوما.الرابع والستون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم أحد األمرين إما حسن

خلو المكلف عن التكليف أو األمر بالتبيين من غير مبين والتالي باطل فالمقدممثله بيان المالزمة قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) وإذا كان

اإلمام ليس معصوما جاز أن يفسق وجاز أن يعلم واحدا واحدا من المكلفينبفسقه لكنه هو المبين للمجمل واألحكام فإذا أخبر بخبر وجب عدم القبولوالتبيين وال مبين إال هو فإما أن يخلو المكلف في تلك الواقعة عن التكليف

فيلزم األول أو ال يخلو فيلزم الثاني.الخامس والستون: صدور الذنب موجب لعدم قبول قوله واإلمامة

موجبة لقبول قوله وإال انتفت فائدته وتنافي اللوازم يستلزم تنافي الملزوماتوثبوت أحد المتنافيين يوجب امتناع اآلخر حال ثبوته فيلزم امتناع الذنب ما

دامت اإلمامة.السادس والستون: اإلمام قوله حجة والشئ من الذنب قوله

حجة، أما الصغرى فألن اإلمامة مبنية على ذلك وإال لم ينتظم أمر الجهادوإال انتفت فائدة اإلمام وأما الكبرى فلآلية.

السابع والستون:كلما كان الذنب موجبا لعدم قبول قوله عندنا كان

الجزم بقوله مشروطا بالعلم بعدم الذنب فإن العلم بالمشروط مشروط بالعلمبالشرط فيلزم أن ال يجزم بقول اإلمام فينتفي فائدة نصبه.

الثامن والستون: قوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) جعلصدور الذنب موجبا لعدم قبول القول فإما الستلزامه الكذب أو لسقوط محلهأو لعدم رجحان صدقه حينئذ فإذا لم يكن معصوما أمكن صدور الملزوم منه

(٢٧٥)

Page 276: Kitab Al-Alfain Arabic

امكانا قريبا لوجود القدرة والداعي وهو الشهوة وعدم الوفاء الصارف بتمامالمانعية فيمكن الالزم حينئذ ومتى جوز المكلف عدم وجوب طاعته وتردد فيهاوجوزان يكون خالف الله تعالى في شئ بأن أمر بالمنهي عنه ونهي عن المأمور

به فإنه ال يحصل له داع إلى طاعته وتنتفي فائدته.التاسع والستون: فعل المعصية مناف لجواز قبول قوله وكل ما ينافي

جواز قبول قوله كان ممتنعا على اإلمام حين اإلمامة فيلزم امتناع المعصية عليه، أماالصغرى فلآلية وأما الكبرى فألنه لو جوز المكلف أن يصدر منه ما يمنع جواز

قبول قوله بحيث يكون قبول قوله منهيا عنه وال طريق إلى العلم بتمييز أحدالوقنين عن األخر فإنه يمنع ذلك عن طاعته فتنتفي فائدته.

السبعون: اإلمام مقرب من الطاعة ومبعد عن المعصية ما دام إمامابالضرورة لو أطاعه المكلف وصدور الذنب يستلزم تحريم قبول قوله فيكون

مبعدا عن الطاعة مقربا من المعصية لو أطاعه المكلف حين هو إمام فيلزمالتناقض وهو محال.

الحادي والسبعون: كلما كان دفع الضرر أولى من جلب النفع كاناإلمام معصوما لكن المقدم حق فالتالي مثله بيان المالزمة إن كلما كان دفع

الضرر أولى كان السبب المعارض فيه بين كونه سببا لجلب الضرر أو لجلبالنفع كان تركه أولى من فعله والمالزمة ظاهرة فلو كان اإلمام غير معصوم

لكان قبول قوله وطاعته مرددا بين كونه جلبا للنفع أو جلبا للضرر فيكون تركذلك أولى هذا خلف وأما حقبة المقدم فقد ثبت في علم الكالم.الثاني والسبعون: ال شئ من إمامة غير المعصوم بخال عن وجوه

المفاسد باالمكان وكل واجب خال عن وجوه المفاسد بالضرورة ينتج ال شئمن إمامة غير المعصوم بواجبة وهو المطلوب.

الثالث والسبعون: متى تعارض الشئ بين الوجوب والتحريم قدمالتحريم وال ريب أن غير المعصوم يحتمل في كل آن أن يفسق فيكون قبول

قوله وطاعته مترددا بين الوجوب والتحريم فيقدم التحريم فال يجوز قبول قوله

(٢٧٦)

Page 277: Kitab Al-Alfain Arabic

فتستحيل إمامته.الرابع والسبعون: الواجب ال يحتمل أن يكون حراما واتباع قول غير

المعصوم يحتمل أن يكون حراما فاتباع قوله واجب فال يمكن أن يكون اإلمامغير معصوم.

الخامس والستون: كل فاسق فهو غير مقبول قوله بمجرده بالضرورةلآلية والشرع كاشف وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا كل من يجب قبول

قوله بمجرده فليس بفاسق بالضرورة وكل من امتنع فسقه فهو معصوم واإلماميجب قبول قوله بمجرده.

السادس والسبعون: لو كان اإلمام غير معصوم احتمل أن يفسقفيجب عدم قبول قوله ومتى جوز المكلف ذلك كان المكلف إلى إمام آخر مبينلحالة فسقه أو عدم فسقه أحوج من إمام مبين له كل مجمل الخطاب واألحكام

فيكون إمامة غير المعصوم محوجة إلى إمام آخر.السابع والسبعون: إذا كان اإلمام غير معصوم كانت حاجة المكلفين

إلى إمام آخر أشد من عدمه ألن اإلمام غير معصوم يمكن أن يحمل المكلفعلى المعصية والعقل واألمر والنهي ال يكفي في التكليف بل ال بد من مقرب

مبعد فال بد من إمام آخر يأمن المكلف معه ذلك.الثامن والسبعون: كل إمام ليس اتباع غيره من رعيته أولى من اتباعه

بالضرورة ولما كان مناط قبول القول العدالة وكان لها طرفان الفجور والعصمةكانت قابلة لألقل واألكثر وكلما كانت العدالة والصالح أكثر كان أولى بقبول

القول فاإلمام إما أن يشترط فيه العدالة أو ال، والثاني محال الشتراطها فيالشاهد والراوي فكيف الحاكم المتصرف في أمور الدين كلها، واألول إما أن

يشترط فيه العدالة المطلقة البالغة العصمة وهو المطلوب وإما أن ال يشترطذلك فيمكن زيادة غيره عليه في الصالحية فيكون قبول قوله أولى وهو ينافي

المقدمة األولى.التاسع والسبعون: اإلمام تصرفه وقدرته في الغير فيزيد تكليفه فيصير

(٢٧٧)

Page 278: Kitab Al-Alfain Arabic

أحوج إلى إمام آخر من رعيته.الثمانون: الشريعة كما تحتاج إلى مقرر ومؤسس وهو النبي تحتاج إلى

حافظ ومقيم لها وهو اإلمام وعلة االحتياج إلى األول هو حسن التكليفوأهلية المكلف له وعدم الوحي إليه وإنما تنقطع الحاجة بمن يوحي إليه ليعرف

األحكام بالوحي وعلة الحاجة إلى الثاني هو تكليف المكلف وعدم عصمتهوعدم ضبطه األحكام وتعذر بقاء النبي دائما فإنما تنقطع الحاجة بمعصوم ضابط

فهما متساويان في اللطف المقرب المبعد فيتساويان في الوجوب.الحادي والثمانون: اإلمام قائم مقام النبي صلى الله عليه وآله في التبليغ

حفظ الشريعة وفي حمل المكلف عليها ودعائه إليها وإنما يفترقان في التبليغ عنالله تعالى وعن المخبر عنه والوحي وعدمه وكما اشترط في األول العصمة لما بين

في علم الكالم فكذا في الثاني.الثاني والثمانون، إذا كان اإلمام قائما مقام النبي عليه الصالة والسالم

في هذه األشياء فكما ال يحتمل فعل النبي صلى الله عليه وآله وقوله فيهماالنقيض فكذا اإلمام وإنما يكون كذلك إذا كان معصوما.

الثالث والثمانون: ال يحصل الغرض من اإلمام إال بشروط - منها - أنيأمن المكلف من خطأه في الحكم وكذبه في التبليغ ويجزم بامتناع تكليفه بغير

ما كلفه الله تعالى وال يمكن ذلك إال في المعصوم.الرابع والثمانون: إذا كان اإلمام قائما مقام النبي صلى الله عليه وآله

في تعريف األحكام وفي جمل المكلف عليها وفي محاربة الكفار وفي جميع ماأرسل به النبي إلى األمة سوى الوحي كان أمره كأمره وفعله كفعله ومخالفته

كمخالفته ولو لم يكن معصوما لم يكن كذلك.الخامس والثمانون: لما كان اإلمام قائما مقام النبي صلى الله عليه وآله في تبليغاألحكام وبيان الخطاب والحمل عليه لم يعتن باجتهاد أحد من المجتهدين مع

التمكن من اإلمام لوجوب متابعة قوله كالنبي صلى الله عليه وآله وإذا كان كذلكفيكون

قوله قطعي الصحة فال شئ من اإلمام بغير معصوم وال شئ من غير

(٢٧٨)

Page 279: Kitab Al-Alfain Arabic

المعصوم قوله قطعي الصحة.السادس والثمانون: اإلمام وساطة بين النبي صلى الله عليه وآله

واألمة كما أن النبي صلى الله عليه وآله وساطة بين الله تعالى واألمة فلو جاز الخطأعليها

ألمكن أن ال يكون وساطة في ذلك في وقت ما لكنه وساطة دائما فكيفيتحقق منه المعاصي.

السابع والثمانون: كل غير معصوم محتاج إلى هذه الوساطة لتساويهمفي علة الحاجة فلو كان اإلمام غير معصوم الحتاج إلى وساطة أخرى بل

احتياجه أشد.الثامن والثمانون: لما كان اإلمام هو الوساطة بين الله تعالى وكل غير

المعصومين لزم أن ال يكون منهم وإال لكان وساطة لنفسه.التاسع والثمانون: لو كان اإلمام هو الوساطة بين الله تعالى واألمة بعد

النبي عليهما السالم فال بد وأن يكون أكمل من الجميع فيما هو وساطة فيهلكنه وساطة في العلم باألحكام والعمل فيكون أكمل من الجميع واألكمل من

الكل وممن نفرض وجوده المشارك لهم في علة االحتياج إلى الوساطة وهو عدمالعصمة دائما ال بد وأن يكون معصوما وإال ألمكن كمالية أحد منهم عليه في

وقت هذا خلف.التسعون: اإلمام هو حجة الله تعالى على كل مكلف في كل حكم فال

يصدر منه ذنب الستحالة أن يجعل الله تعالى حجته على العباد فاعل الذنبفي ذلك الحكم حالة وهذا ظاهر ال يحتاج إلى برهان.

الحادي والتسعون: كل من يجوز خطأه يحتاج إلى هاد إما علما أو عمالأو كليهما وهو اإلمام ولما كان واحد في كل زمان كان هاديا للكل فال يمكن أن

يحتاج هو إلى هاد وإال لم يمكن هدايته لغيره إال بعد تحقيق هادية فال يكونقوله وفعله حجة حتى يكون له إمام آخر.

الثاني والتسعون: يستحيل من الله تعالى أن ينصب لألمة هاديا يحتاج

(٢٧٩)

Page 280: Kitab Al-Alfain Arabic

إلى هاد من غير أن يجعل له هاديا وهذا ظاهر وكل غير معصوم يحتاج إلى هادمن غيره ألنا نعني بالهادي هو المقرب إلى الطاعة والمبعد عن المعصية فلو لم

يتوقف عليه الفعل لم يكن واجبا فلو كان اإلمام غير معصوم وال إمام لهاستحال أن يجعله الله تعالى هاديا لألمة فكل إمام هاد.

الثالث والتسعون: حيث اإلمامة شرطها العدالة واإلمامة إمامة مطلقةال أعلى منها أصال غير النبوة فشرطها العدالة المطلقة التي منها ال أعلى منها وهي

العصمة.الرابع والتسعون: لما كان الفاسق ال يقبل أخباره في أدنى األمور

الجزئية فائدته فاألمور الكلية التي هي تقرير الشرايع بحيث تبقى إلى ما بعدهال يقبل فيها إال أخباره من يجزم قطعا بعدم جواز الفسق عليه وهو العصمة.

الخامس والتسعون: يستحيل من الله تعالى أن يأمرنا في تحصيل الهدايةباتباع من يمكن أن يضلها وال يهدينا مع وجود القدرة والداعي وانتفاء

الصارف والمانع الذي هو التكليف والعقل غير كاف لغير المعصوم وعلم اللهتعالى مطابق بعلم األشياء كما هي فإذا كان يمكن االضالل ال يعلم خالفهوإنما يعلم إمكان االضالل، ال يقال ال يلزم من هذا االمكان الوقوع فجازأن يعلم الله تعالى أن هذا ال يقع ألنا نقول: لكن المكلف يجوز ذلك فال

يحصل له داع إلى اتباعه إذ لم يأمن باتباع الهالك بل هو داع عظيم إلى تركامتثال قوله فتنتفي فائدته.

السادس والتسعون: أمر الله تعالى ونهيه وترغيبه في الثواب وترهيبهبحصول العقاب مع جزم المكلف جزما تاما بأن الله تعالى صادق الوعد فيلزم

الجزم بحصول النجاة بامتثاله والهداية باتباعه والضالل بعدمه المؤدي إلىاستحقاق العذاب قطعا ال يكفي في تحصيل داعي المكلف إلى الفعل وترغيبه

منه بل يحتاج إلى اإلمام وإال لما وجب لغير المعصوم فكيف يكفي في تحصيلطريق يجوز المكلف كونه سببا للهالك وكيف يجوز من الحكيم الذي حكمه ال

يتناهى أن يأمر من يعلم أنه ال يكفيه الطريق المؤدي إلى السالمة والصواب

(٢٨٠)

Page 281: Kitab Al-Alfain Arabic

دائما قطعا باتباع طريق في ذلك يمكن أن يكون طريقا إلى الهالك وإلى المبعدعن الطريق األول وليس هذا إال من النقص العام ويستحيل من الكامل

المطلق أن يصدر منه ذلك.السابع والتسعون: النتائج الضرورية إنما تحصل من القضايا الضرورية

لما ثبت في علم البرهان فلو لم يكن اإلمام معصوما لكان الله تعالى قد أمرناباستنتاج القضايا الضرورية من غيرها والتالي باطل ألنه إنما يتحقق من الجهل

والعبث فالمقدم مثله وبيان المالزمة أن اإلصابة في امتثال أوامر الله تعالىونواهيه واستحقاق الثواب والعقاب ضرورية يحصل ذلك من غير المعصوم

الذي ال يكون ضروريا منه ذلك إلمكان خالفه وهو االستنتاج الضروري منغيره وهو محال.

الثامن والتسعون: أمر اإلمام ونهيه اتباعه في تحصيل اإلصابة في امتثالأوامر الله تعالى ونواهيه وتحصيل استحقاق الثواب ومخالفته في استحقاقالعقاب ليس من باب االستقراء وال التمثيل ألنهما ليسا دليلين والله تعالىجعل اإلمام دليال وال من باب الخطابة الختصاصهما بالعوام وال من باب

الجدل ألنه ال طريق بعده وال من باب المغالطة وهو ظاهر فتعين أن يكونبرهانا فيجب أن يكون معصوما وإال الستنتج النتائج الضرورية من الممكنات

في البرهان وهذا محال قد ثبت في علم البرهان فيستحيل أن يجعل له الله تعالىطريقا وأن يأمر به.

التاسع والتسعون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم أن يكون الله تعالىقد جعل الطريق المقرب ما يستحيل أداؤه إلى المطلوب والتالي باطل فالمقدم

مثله بيان المالزمة أن المطلوب هو تحصيل اإلصابة في أوامر الله تعالى ونواهيهفهي ضرورية واإلمام غير المعصوم طريق من القضايا الممكنة ويستحيل

استنتاج الضروري من الممكن في البرهان وأما بطالن التالي فظاهر إذ جعلطريق إلى تحصيل شئ محال أن يحصل منه من الحكيم العالم محال.المائة: اإلمام أما أن يكون معصوما في التبليغ أوال والثاني يستلزم جواز

(٢٨١)

Page 282: Kitab Al-Alfain Arabic

االضالل والدعاء إلى المعاصي فال يبقى وثوق بقوله وال يحصل للمكلف وثوقبأنه لطف واألول يستلزم عصمته مطلقا ألنه كلما لم يكن معصوما في األفعال لميكن معصوما في األخبار لآلية تم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا

محمد وآله الطيبين الطاهرين والحمد لله رب العالمين.

(٢٨٢)

Page 283: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة السابعةاألول: لو لم يكن اإلمام معصوما لكان إما أن يكون تكليفه أخف من

تكليفنا أو أثقل أو أكثر أو مساويا له واألول باطل لتساوينا في الواجبات وإنمايختلف بتوابع المرؤسية والرياسة وال ريب أن الثاني أكثر وأثقل وهو مساو لنا

في علة االحتياج إلى اللطف الذي هو شرط في التكليف وهو المقرب والمبعد إذعلة االحتياج هو جواز الخطأ فيلزم تساوي المكلفين في الشرط والتكليف أوالزيادة مع أن أحدهما قد فعل الله تعالى الشرط الراجع إليه إلى أحدهما دون

اآلخر وهذا محال.الثاني: يستحيل من الله تعالى أن يجعل مصلحة زيد بمفسدة غيره وإال

لزم الظلم وإذا كان اإلمام مساويا لنا في االحتياج إلى اللطف المقرب المبعد ولميجعل لإلمام لطفا إلمامته ورياسته علينا فإنه يكون قد جعل مصلحتنا بمفسدة

اإلمام وهو منعه من اللطف وهو محال.الثالث: إذا كان اللطف لزيد مثال من فعل الغير وهو ضرر للفاعل قبح

تكليف الفاعل به ألجل زيد وإال لزم الظلم وقد بان ذلك في علم الكالمفاإلمام إذا ساوانا في علة االحتياج وقبوله اإلمامة وقيامه بها منعه عن إمام آخر

يقربه مع احتياجه إليه فيلزم ضرورة بذلك اللطف غيره وهو محال.الرابع: لو كان اإلمام غير معصوم فإمامته إما أن تكون لطفا لنا خاصة

(٢٨٣)

Page 284: Kitab Al-Alfain Arabic

أو له خاصة أو لنا وله أوليس لنا وال له والرابع محال وإال لما وجبت واألولوالثاني محاالن وإال لكان تكليفنا بطاعته أو تكليفه بإمامتنا والقيام بها تكليفا

للغير للطف غيره وهو محال قد ثبت في علم الكالم فتعين الثالث فتساويفعلها فينا وفيه مع تمكنه من حمل المكلف على الطاعة وإبعاده عن المعصية أو

طاعة المكلفين له لكن فعلها فينا مع هذا الشرط هو التقريب من الطاعةبحيث ال يخل بواجب والبعد عن المعصية بحيث ال تقع وهو يوجب عصمته

وهو المطلوب.الخامس: لو لم يشترط صحة العمل في اإلمام لم يشترط فيه العلم ألن

العلم إنما يراد لصحة العمل فإذا لم يشترط صحة العمل لم يكن المراد ألجلهشرطا فيلزم كون اإلمام عاصيا جاهال فال فائدة في إمامته أصال والباتة إذ ال

يرشد إلى العلم وال إلى العمل فيجب كونه مجزوما بصحة عمله وليس كذلكإال المعصوم فيجب كونه معصوما.

السادس: القاضي الجاهل أولى بالعذر من العالم فلو لم يكن اإلماممعصوما لكانت إمامة الجاهل أولى من إمامة العالم ألنه بالعذر أولى.

السابع: األمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كل قضية مشروع وإنمايتحقق بأمر ومأمور واألمر ال بد أن يكون معينا شخصيا والمأمور هو غير

المعصوم فاألمر األصلي هو المعصوم وإال اتحد المضاف والمضاف إليه باعتبارواحد ومحال أن يكون كل واحد أمرا أصليا لآلخر وإال لزم وقوع الفتن

والهرج.الثامن: اإلمام هو اآلمر لكل غير المعصوم بالمعروف والناهي لهم عن

المنكر فلو كان غير معصوم لكان أما آمرا لنفسه أو ال يوجد له أمر مع مساواتهإياهم في علة الحاجة إليه هذا خلف.

التاسع: كل من ال آمر له بالمعروف وال ناهي له عن المنكر هو آمرللكل ال يصدر منه قبيح وال يخل بواجب وإال فإما أن ال يجب أمره ونهيه وهو

محال إذ علة الوجوب الصدور والترك أو يجب من غير من يجب عليه وهو محال

(٢٨٤)

Page 285: Kitab Al-Alfain Arabic

ألنا فرضنا أنه ال آمر له فهو المعصوم واإلمام ال آمر له ألنه إمام من رعيته وهويوجب سقوط وقعه وعدم القبول منه وأيضا فإن ذلك محال فإن السلطان التتمكن رعيته من أمره ونهيه فيكون الوجوب خاليا من الفائدة بالكلية وأما أن

يكون له إمام آخر وهو يوجب التسلسل.العاشر: قوة اإلمام العقلية قاهرة للقوى الشهوية الموجودة في زمانه كلهالو بسطت يده فمحال أن يقهرها قوة ما شهوية فيستحيل عليه المعصية.الحادي عشر: اإلمام مقتدى الكل ويجب عليهم االقتداء به ومتابعته في

أقواله وأفعاله جميعا فال بد وأن يكون عقله أكمل من الكل فلو عصى فيوقت لكان عقله أنقص في ذلك الوقت من المطيع وهو محال.

الثاني عشر: يقبح تقديم المفضول على الفاضل فيجب أن يكون لهالكمال الممكن لإلنسان األقصى في جانبي العلم والعمل فهو معصوم.

الثالث عشر: عدم عصمة اإلمام ملزومة إلمكان انتفاء الغاية منهالملزوم لصدق كلما كان اإلمام المتمكن حين إمامته الممكنة غير معصوم أمكن

أن يصدق ال شئ من الغاية منه ثابتة حين إمامته الممكنة لكن كلما كاناإلمام إماما متمكنا كانت الغاية منه ثابتة بالضرورة ما دام إماما متمكنا أما

صدق األولى فألن الغاية من اإلمام التقريب من الطاعة والتبعيد من المعصيةعن المعصية مع تمكنه فإذا لم يكن اإلمام معصوما أمكن عدم حصول هذه

الغاية وهو ظاهر وأما الثانية فألنه لو لم يجب حصول الغاية عند ثبوت اإلمامةلزم أحد األمرين أما إمكان العبث أو الجهل أو عدمهما حال ثبوتها باعتبار

ثبوتها وكالهما محال والمالزمة ظاهرة لكن صدق هاتين المقدمتين بجميعأقسامهما محال بالضرورة.

الرابع عشر: قوله تعالى: (إنك لمن المرسلين) (على صرطمستقيم) (تنزيل العزيز الرحيم) (لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم

غافلون) (لقد حق القول على أكثرهم) وجه االستدالل يتوقف علىمقدمات، األولى أن الغاية معلولة بوجودها وعلة بماهيتها كالجلوس على

(٢٨٥)

Page 286: Kitab Al-Alfain Arabic

السرير فإنه علة لفعل الصانع له ومعلول له - الثانية - إن جعل ما ليس بعلةعلة من الحكيم العالم به قبيح محال - الثالثة - إنه تعالى عالم بكل معلوم وهو

حكيم - الرابعة - الالم في قوله لتنذر الم الغاية وهو ظاهر إذا تقرر ذلكفنقول: جعل الله تعالى ذا الغاية المذكورة وهي اإلبذار أشياء، أحدها وجود

المنذر، وثانيها أنه مرسل، وثالثها أنه عليه السالم على صراط مستقيم،ورابعها أن ذلك الصراط المستقيم تنزيل العزيز الرحيم وكذا إرساله عليه

السالم فعرفنا إن االنذار موقوف على هذه األشياء أما توقفه على نصبه تعالىإياه رسوال فلترجيح وجوب طاعته من بين بني نوح ولدفع اعتراض المعترضين

فإن كالمهم مع المماثلة في عدم نصبه تعالى أوجه من المماثلة البشرية وأماتوقفه على كونه على صراط مستقيم فألنه لو كان طريقه غير صحيح في الكلكان اتباعه قبيحا فيتوجه الحجة للمكلفين على عدم اتباعه وإن كان في البعض

لم يكن كالمه وفعله وطريقه داال على الصواب ألنه أعم منه حينئذ وال داللةللعام على الخاص فيكون حجة المكلف في ترك اتباعه أظهر فتعين أن يكون

طريقه صوابا دائما وأما توقفه على كونه منزال من عند الله فبمعرفة صحة ما لميدركه العقل في األمور النقلية وانتفاء عذر المكلف بعدم إدراك عقله إياه في

األمور والنظرية التفصيلية إذا تقرر ذلك فشرط في اإلمام أيضا كونه بنصب اللهتعالى وبأنه على صراط مستقيم أي كون أمره ونهيه وإخباره وفعله وتركه صواباكونه من عند الله لمشاركة النبي اإلمام في الغاية وهي االنذار وحمل المكلفين

وإلزامهم بذلك ويكون الفارق أن النبي صلى الله عليه وآله يعلمه بالوحيوهذا يعلمه من النبي عليه السالم فدعاء النبي واإلمام إلى شئ واحد وهما

معا على صراط مستقيم وهو يرد من عند الله إلى النبي بالوحي وإلى اإلمامبإخبار النبي عليه السالم إياه وإنما يتحقق ذلك مع كون اإلمام معصوما.

الخامس عشر: إنه جعل في هذه اآلية إن بعد هذه األمور حق القولعليهم فمع االخالل بشئ منها ال يلزم ذلك فبعد موت النبي عليه السالم

وإن لم يوجد من له هذه الصفات أعني وجود المنذر وكونه بنصب الله تعالىوكونه على صراط مستقيم وأنه يرد من عند الله والفارق بينهما أن النبي رسول

(٢٨٦)

Page 287: Kitab Al-Alfain Arabic

من عند الله تعالى وهذا نائب عنه لكن يتحدان في الغاية والطريق لم يحقالقول، ال يقال: هذان الدليالن مبنيان على أن الغاية إذا تعقبت الجملرجعت إلى الكل وهو ممنوع ألنا نقول: قد بينا وجه تعلقها بالكل.

السادس عشر: لو تساوى اإلمام والمأموم في علة االحتياج إلى إمام لزمأحد األمرين إما خلو بعض المكلفين عن اللطف أو احتياج اإلمام إلى إمام

آخر ويلزم أيضا الترجيح من غير مرجح.السابع عشر: قوله تعالى: (صراط الذين أنعمت عليهم غير

المغضوب عليهم وال الضالين)، أثبت لهم أربعة أشياء، أحدها: كونطريقهم مستقيما، الثاني: إنه تعالى أنعم عليهم بهذا الطريق، الثالث:

كونهم غير مغضوب عليهم، والرابع: كونهم غير ضالين فنقول: أما أنيكون هذا الطريق مستقيما في جميع األحوال والتكاليف واألفعال واألقوال أو

في بعضها والثاني محال الشتراك الكل فسؤاله عبث فتعين األول وإنما يتمبعصمتهم بل هو صريح فيها وكذا نقول في نفي الغضب عليهم ونفي

ضاللهم وداللته على نفيهما عنهم دائما ظاهر واضح وإنما يتم بعصمتهم،فنقول: إما أن تكون هذه طريقة اإلمام أو تكون طريقة اإلمام غيرهما والثانيمحال ألنا مكلفون باتباع اإلمام واتباع طريقته ومن المحال أن يأمرنا بسؤال

الهداية إلى طريقة ويكلفنا اتباع غيرها فتعين األول فيكون معصوما.الثامن عشر: إما أن ال يكون شئ واحد من الناس معصوما أو يكون

كل الناس معصوما أو يكون البعض معصوما واألول باطل لقوله تعالى إنعبادي ليس لك عليهم سلطان إال من اتبعك من الغاوين وسلطان نكرة في

معرض النفي فيعم جميع وجوهه وكل آت بذنب فللشيطان عليه سلطان فيالجملة وهو ينافي النفي الكلي والثاني باطل باالجماع والثالث إما أن يكون ذلك

البعض هو اإلمام وحده أو مع غيره والثالث محال لقوله تعالى: أفمن يهديإلى الحق أن يتبع أمن ال يهدي إال أن يهدى فما لكم كيف تحكمون، وألناالحتياج إلى عصمة اإلمام أكثر من عصمة غيره ولتأثيرها فيه وفي غيره منالناس وعصمة غيره ال تؤثر إال فيه فيكون هو أولى بالعصمة واألول والثاني

(٢٨٧)

Page 288: Kitab Al-Alfain Arabic

هو مطلوبنا.التاسع عشر: عدالة اإلمام في كل وقت تفرض هي علة في تقريب

المكلف من فعل الواجب وترك المحرم فال بد وأن يكون الوجود أولى بها وقدبين في العالم األعلى أن األولوية ال تنفك عن الوجوب وذلك هو العصمة.

العشرون: العلة في الوجود يجب لها الوجود حال كونها علة وعدالةاإلمام في كل وقت تفرض وفي كل حال علة في عدالة المكلف فتجب لإلمام

والعدالة المذكورة هي العصمة، ال يقال: عدالة اإلمام علة معدة وهي اليجب أن تكون موجودة بل جاز أن تكون عدمية، ألنا نقول: العلل المعدة

إما بوجودها أو بعدمها كاألجزاء المفروضة في الحركة واألولى حال عليتها يجبلها الوجود وهو المطلوب وال يمكن أن تكون هذه معدة بعدمها ألن عدمها في

وقت ما ينافي لطف المكلفين في ذلك الوقت.الحادي والعشرون: إنما جعل اإلمام لتكميل القوة العملية والتكميل

إنما يحصل من الكامل الستحالة إفادة الناقص الكمال والتكميل المطلوبليس إلى مرتبة دون ما فوقها الختالف ذلك باختالف المكلفين بل الكمال

التمكن للنفس اإلنسانية وذلك هو العصمة.الثاني والعشرون: غير المعصوم ظالم باالمكان وال شئ من الظالم بإمام

بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة أما الصغرى فألنكل غير معصوم مذنب وهو ظاهر وكل مذنب ظالم ألن اآليات المصرحة بذلك

كثيرة في الكتاب العزيز وأما الكبرى فقوله تعالى: (ال ينال عهديالظالمين) والمراد بالعهد هنا اإلمامة لقوله تعالى: (إني جاعلك للناس

إماما قال ومن ذريتي قال ال ينال عهدي الظالمين) ووجوب مطابقة الجوابللسؤال واستحالة تأخير البيان عن وقت الحاجة يوجب ذلك وهذا ظاهر واللنفي الدائم والدائمة مستلزمة للضرورية كما بين في المنطق وهذا مبني على

مقدمات ثالث - أحدها - إن الممكنة الصغرى في الشكل األول تنتج بديهيةوقد بيناه في المنطق وعليه القدماء - وثانيتها - استلزم الدائمة الضرورية وقد

(٢٨٨)

Page 289: Kitab Al-Alfain Arabic

بيناه في العلم اإللهي الستحالة أن يكون االتفاقي دائما وأكثريا - وثالثتها - إنالنتيجة ضرورية وقد بان في المنطق أيضا.

الثالث والعشرون: لإلنسان حالتان دار الدنيا ودار اآلخرة واألولىسماها الله تعالى درا الغرور واللهو واللعب وفي مشاهدتنا أن البليات فيهاالحقة لألنبياء واألولياء وهي منقضية وقد أحكمها الله تعالى وأحكم خلق

بدن اإلنسان وجعل فيه من القوى المدركة والغاذية وما يتوقف عليه وجعل لهقوى العلوم وبمراتبها وفيه من العجائب ما يبهر عقل كل عاقل وال يعرف ذلك

إال من وقف على علم التشريح ثم خلق من المطعومات والمشموماتوالمركوبات والنبات والحيوان والمعادن وحركات الكواكب وتأثيراتها بالحروالبرد ما يدل بصريحة على تمام حكمة صانعة فتبارك الله أحسن الخالقين ثم

قال تعالى خلق لكم ما في األرض جميعا تكرمه لبني آدم فالعاقل إذا أمعنالنطر بصحيح الفكر واالعتبار يجد هذه الدار التي سماها لهوا ولعبا ودار

الغرور بهذه الحكمة ويكرم اإلنسان فيها بهذه الكرامة بهذه المنافع لم يهمل دارقراره وآخرته بأن ال ينصب إماما معصوما يحصل اليقين بقوله يحفظ الشرعويقيم نظام النوع ويهديه ويلزمه الطريق الذي يوصله إلى دار القرار بل يجعل

ذلك موكوال إلى الخلق وال يجعل فيهم معصوما ليختار أرباب العقول الضعيفةوالقوى الشهوية والغضبية والقوية بعقلهم من ال يحصل اليقين بقوله هو واليؤده بفعله إذ يجوز عليه الخطأ أو أكبر منه فال يحصل له طريق إلى اليقين

بحكم الله تعالى فكيف يمكن إحكام أمور اإلنسان في هذه الدار وإهمال أمورهفي تلك الدار مع أن هذه الدار ليست بمقصودة بالذات إنما المقصود تلك وهذا

ينافي الحكمة بالضرورة وما ينافي الحكمة بالضرورة ال يقول به من له أدنىفطنة تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

الرابع والعشرون: الدليل ال بد أن يمتنع معه نقيض المدول وإال لميكن دليال وحجة وقول اإلمام دليل وفعله دليل على الصواب فيمتنع عليه

نقيضه وال نعني بالعصمة إال ذلك.الخامس والعشرون:

خلق الله تعالى لإلنسان طرقا لمعرفة منافعه في

(٢٨٩)

Page 290: Kitab Al-Alfain Arabic

العالم الحسي الذي هو دار غرور وتلك الطرق يقينية كالحواس الظاهرةوالباطنة وال يجعل له إلى معرفة منافعه ومصالحه في دار اآلخرة طريقا مفيدالليقين وهذا ينافي الحكمة والطريق إلى معرفة أحوال اآلخرة وأحكام الشرع

األنبياء واألئمة عليهم السالم فإذا لم يجعلهم معصومين لم يجعل لآلخرة طريقامفيدا لليقين وهذا ينافي الحكمة.

السادس والعشرون: ال بد أن يكون المبطل والرافع أقوى من المبطلوالمرفوع الستحالة كونه أضعف واستلزام التساوي الترجيح بال مرجح والمنهي

عنه والممنوع منه هو ما تقتضيه القوى الشهوية والغضبية واللذة والغضب مناألمور الوجدانية والمحسوسة والمانع منهما هو قول اإلمام فإذا لم يكن معصوما

لم يفد قوله العلم وال الظن ألن إمكان الخطأ فيه ثابت وترجيح أحد طرفيالممكن ال لمرجح محال فيكون المانع والمبطل أضعف داللة من الممنوع والمبطل

فال يليق من الحكيم ذلك.السابع والعشرون: كل ما وجب بسبب وجه حاجة ما فإذا وجد فيه

اعتبار وجوده وعدم المانع يرتفع وجه الحاجة بالضرورة إذ لو لم يرتفع وجودهوجه الحاجة احتاج في دفعه إلى شئ آخر إذا تقرر ذلك فوجه الحاجة إلى

اإلمام جواز الخطأ على المكلف فإذا تمكن اإلمام وأطاعه المكلف وعلم بأفعالهأما أن يرتفع خطأ كل مكلف تحققت فيه الشرائط أوال والثاني يستلزم

التسلسل والتالي باطل فكذا المقدم بيان المالزمة أن اإلمام إذا لم يكن معصومايرتفع وجه الحاجة وهو جواز الخطأ وهو ضروري فإن جواز إهماله بل أمره

بالباطل متحقق فيحتاج إلى إمام آخر ويتسلسل.الثامن والعشرون: ما وجب لدفع وجه الحاجة ال يمكن أن يؤكد وجه

الحاجة ووجه الحاجة إلى اإلمام جواز الخطأ على المكلف فإذا لم يكن اإلماممعصوما جاز إلزامه للمكلف بالخطأ فيكون مؤكدا لوجه الحاجة فيمتنع كونه

إماما.التاسع والعشرون: إمامة غير المعصوم أولى بالرفع من عدم اإلمامة

(٢٩٠)

Page 291: Kitab Al-Alfain Arabic

لكن رفع الثاني واجب فاألول أولى بالوجوب أما األول فألن عدم اإلمامةيستلزم جواز الخطأ وأما إمامة غير المعصوم فجواز الخطأ ثابت مع جواز إلزاماإلمام به وتمكنه من التعدي على غيره والظلم وأنواع كثيرة من الفساد ال يقع

مع عدم اإلمام فكان رفع هذا أولى من رفع عدم اإلمام لكن رفع عدم اإلمامواجب لوجوب نصب اإلمام إما على الله تعالى عندنا أو على المكلفين عند

آخرين باالتفاق إال في شذ وهو من ال يقدح خالفه في االجماع على وجوبرفع عدم اإلمام بنصبه فيجب القول بعدم إمامة غير المعصوم وهو المطلوب.

الثالثون: كل ما يلزم مع عدم اإلمام من جواز الخطأ على المكلفين منالمحذور يلزم مع ثبوت اإلمام الغير المعصوم وزيادة محاذر أخرى ألن الالزممن جواز الخطأ على المكلفين من المحذور مع عدم اإلمام إذا كان اإلمام غيرمعصوم وال إمام له الزم أيضا ألنه مكلف جائز الخطأ وأما الزيادة فألنه زيادة

أقدار غير المعصوم وجواز حمله على الظلم وقتل األنفس كما وقع وشوهد ممنتقدم من الرؤساء كبني أمية لعنهم الله تعالى فإن الذي فعله يزيد لعنه الله

بالحسين وأوالده وما تظاهر يزيد به من شرب الخمور وخراب بيت الله الحرامومدينة رسول الله صلى الله عليه وآله فذلك لم يحصل من أحد من

الرعية وكل ما يحصل منه ما يحصل من شئ وزيادة ال يحسن من الحكيمالعالم به أن يجعله دافعا لمفسدة ذلك الشئ وهذا أمر ضروري فال يحسن من

الحكيم العالم عز وجل نصب إمام غير معصوم وال يحسن منه أيضا األمربنصبه على قول من يوجب اإلمامة على الناس بإيجاب الله تعالى ألن الضرورة

قاضية بأن من يطلب رفع شئ ال يأتي بما يحصل منه ذلك مع زيادة مفسدةتكون أولى بالرفع بل إنما يفعل ذلك الجاهل أو المحتاج أو العابث والكل

منتف في حق الله تعالى.الحادي والثالثون: جواز خطأ المكلف وظلمه لنفسه جهة حاجة

المكلف إلى إمام معصوم وخطأ على غيره أشد محذورا من خطأه على نفسهفكونه جهة حاجة أولى من كون اإلمام إياها وهذا الوجه في تمكن غير المعصوم

ورياسته أشد من كونه رعية فإمامة غير المعصوم تكون جهة حاجته إلى إمام

(٢٩١)

Page 292: Kitab Al-Alfain Arabic

آخر أولى وأشد من حاجة الرعية فإهمال األولى واألشد والنظر إلى المرجوح اليليق بالحكيم العالم بكل معلوم.

الثاني والثالثون: فائدة اإلمام في األشياء في األمور التي تتوقف علىاالجتماع كالحروب وإقامة الحدود والعقوبات الشرعية وغيرها وفيما يرجع إلىكل واحد من المكلفين في معاده ومعاشه وعباداته وفي ما يرجع إلى حفظ نظام

النوع وفائدته في ذلك كله الحمل على الحق والمنع من الباطل بالنسبة إلىالمجموع وإلى كل واحد من المكلفين بالنسبة إلى كل واحد من التكاليف

واألمور الشرعية في كل زمان وإنما يمكن ذلك لو امتنع عليه الخطأ في كلواحد واحد من األحكام الشرعية ألن المراد منه امتناع الخطأ في كل واحد

واحد على غيره فعليه أولى ويمتنع عليه الخطأ بالنسبة إلى كل واحد منالمكلفين وإال لخال واحد عن اللطف في كل زمان زمان وإال لخال زمان عن

اللطف وإنما يكون كذلك إذا كان اإلمام معصوما بالضرورة.الثالث والثالثون: إمامة غير المعصوم مستلزمة إلمكان اجتماع

النقيضين والالزم محال فكذا الملزوم بيان المالزمة إن غير المعصوم إذا أمربالخطأ وتوقع من مخالفته الفتنة كما إذا أمر بسفك الدماء المعصومة مثالفوجوب متابعته مع تحريم ذلك الفعل اجتماع النقيضين ووجوب مخالفته

مستلزم للفتنة مع تحريمها واستلزام نقض الغرض من اإلمام إذ المقصود منهنظام النوع وفي الفتنة اختالل النوع وذلك يستلزم اجتماع النقيضين وعدم

متابعته كذلك.الرابع والثالثون: وجوب طاعة اإلمام كوجوب طاعة النبي ووجوب

طاعة الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمرمنكم) وإنما تتماثل الطاعتان في الوجوب لو تماثل األمران لكن أمر الله تعالى

ال يمكن أن يكون خطأ فكذا أمر اإلمام وفعله وال نعني بالمعصوم إال ذلك.الخامس والثالثون: الواجب ال بد وأن يختص بصفة زائدة على حسنة

تقتضي وجوبه إذ إيجاب أحد المتساويين دون اآلخر ترجيح من غير مرجح ال

(٢٩٢)

Page 293: Kitab Al-Alfain Arabic

يليق بالحكيم فإيجاب اتباع اإلمام في أفعاله وأقواله ال بد وأن يكون بصفة فيهاوتلك هي كونها صوابا دائما وال نعني بالمعصوم إال ذلك.

السادس والثالثون: قوله تعالى: (إنك لمن المرسلين على صرطمستقيم) هذا يدل على عصمة النبي ألن معنى كونه على صراط مستقيم أنه

ال يجوز عليه الخطأ بل كل أفعاله صواب وإال لخرج عن االستقامة في وقت مالكن إنما يقال أنه على صراط مستقيم إن لو كان كذلك دائما وألنه ترغيب في

وجوب اتباعه وإعالم لألمة أن النبي عليه الصالة والسالم على صراطمستقيم فاتبعوه إلى ذلك الصراط ما دام هو نبي لكن النبوة له دائما وعلى كل

التقادير فكذا وجوب االتباع فيكون على صراط مستقيم دائما والقائم مقامهوخليفته داع إلى ما دعا إليه فينبغي أن يكون على ذلك الصراط الذي هو

عليه فيجب كونه معصوما.السابع والثالثون: قوله تعالى: (تنزيل العزيز الرحيم) هذا

ترغيب من وجهين، أحدهما: إنه قد حكم بأن ما يأتي به الرسول فهو تنزيلمن الله تعالى، وثانيهما: إن الذي نزله عزيز غني عالم وإنما نزله رحمة بكم

ألنه رحيم فيكون ما يأتي به رحمة من الله تعالى وال يعلم أنه كذلك إال بكونهمعصوما فالداعي إلى ما دعا إليه والقائم مقامه في كل األحوال واألفعال يجب

كونه كذلك.الثامن والثالثون: قوله تعالى: ((واضرب مثال لهم أصحاب القرية

إذ جاءها المرسلون) (إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا)اآلية وجه االستدالل يتوقف على مقدمات، أحدهما: إن رحمة الله تعالىمتساوية بل على أمة محمد عليه السالم أولى، الثانية: أمة محمد صلى الله

عليه وآله أشرف من ساير األمم لقوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجتللناس، الثالثة: إن لطف اإلمامة كلطف النبوة، إذا تقرر ذلك فنقول:

لطف الله تعالى في حق األمة الذين كذبوا وأنكروا الرسالة عليهم بعدالتكذيب وال لطف أعظم من طريق مفيد للعلم بطريق اآلخرة وتحصيل

السعادة األبدية والداللة على األحكام الشرعية وحفظها بمعصوم فهل يتلطف

(٢٩٣)

Page 294: Kitab Al-Alfain Arabic

الله بالكفار وال ينصب ألمة محمد صلى الله عليه وآله ومن بينهم يخبرهم ممنيفيد قوله اليقين وهم أشرف األمم وعناية الله تعالى بهم أتم ال يتصور.

التاسع والثالثون: تكرار االنذار ممن ال يفيد قوله اليقين ويجوز المكلفخطأه وكذبه بحيث يتساوى الثاني واألول في ذلك االحتمال وال يزيد العلم بهعما كان في األول ال يدفع حجة المكلف وال يفيد غير ما كان أوال فال فائدة

فيه وإنما يتحقق دفع الحجة واإلنذار بالتكرار لو ثبت امتناع الخطأ فثبت نصبالبرهان المفيد للعلم وكمال قوته فتنتفي حجتهم وهو المطلوب لكن اإلمام هو

قائم مقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث امتنع نبي آخر ألنه عليهالسالم خاتم النبيين فيجب عصمة اإلمام.

األربعون: المراد من النبي أو اإلمام الدعاء للمكلفين إلى امتثال أوامرالله تعالى ونواهيه فإما أن يكون المراد صورة الفعل ال غير أو االعتقاد أو الفعل

مع االعتقاد والنية واالختيار واألول يكفي فيه القهر بالسيف وأما الثاني فاليمكن بالسيف وال بالقهر بل بالبرهان واألدلة التي يسكن إليها العاقل ويحصلله العلم بها وهذا على قسمين إما عقلي أو نقلي واألول فعل النبي واإلمام وفيهالتنبيه واإلرشاد إلى المقدمات التي تركب البرهان منها وأما الثاني فال طريق له

إال قول النبي واإلمام إذا تقرر ذلك.فنقول: التكاليف الشرعية التي من النبي أو اإلمام لطف فيها منحصرة

في هذه األقسام وفعل النبي أو اإلمام في القسم األول والقسم األخير أكثر إذاعرفت ذلك.

فنقول: القسم األخير ال يحصل برهان فيه إال مع عصمته المبلغ له وهوالنبي أو اإلمام ألنه لوال عصمته لكان قوله ال يفيد العلم فال تسكن نفس

المكلف إليه لتجويزه الخطأ عليه فال يحصل االعتقاد المطلوب الذي ال يصحالفعل إال به من هذا اإلمام فال يحصل الغرض منه في هذا القسم والقسم

األول ال يوثق بأنه أمر بالصواب منه إال بعصمته فلو لم يكن اإلمام معصومالزم نقض الغرض منه.

(٢٩٤)

Page 295: Kitab Al-Alfain Arabic

الحادي واألربعون: اإلمام أفضل من كل رعية ألن تقديم المفضولقبيح والمساوي ترجيح من غير مرجح ما دام إماما لكنه إمام في كل زمان

بالنسبة إلى كل مكلف فلو جاز عليه الخطأ يلزم من فرض وقوعه على تقديرإمامته وأفضليته محال فإنه إذا فرض فيه الخطأ في زمان ما فأما أن يقع خطأ

كل المكلفين فيه فتجمع األمة على الخطأ هذا خلف فال بد وأن يكون مكلفما غير مخطئ بل هو مصيب في أقواله وأفعاله فيكون أفضل من اإلمام في

تلك الحال فيجتمع النقيضان هذا خلف.الثاني واألربعون: السبب للشئ يمتنع أن يكون سببا لضده واإلمام مع

تمكنه وبسط يده وحضور المكلف عنده وعلمه وامتثال المكلف أوامره سببلكون فعل المكلف صوابا وقربه من الطاعة وبعده عن المعصية فيمتنع حينئذ

أن يكون اإلمام مع هذه التقادير سببا في ضده وغير المعصوم يمكن أن يكونسببا في ضده فنقول ال شئ من اإلمام سببا في ضد ما ذكرناه بالضرورة

وكل غير معصوم يمكن أن يكون سببا في ضده ينتج ال شئ من اإلمام بغيرمعصوم بالضرورة وهو المطلوب.

الثالث واألربعون: دعاء اإلمام مفيد لليقين وال شئ من دعاء غيرالمعصوم بمفيد لليقين فال شئ من اإلمام بغير معصوم أما الصغرى فألندعاء اإلمام كدعاء الله تعالى وهو مفيد لليقين فكذا األول لقوله تعالى:

(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) فجعل طاعة الرسولوأولي األمر واحدة كطاعة الله تعالى وكل من كانت طاعته كطاعة النبي وطاعة

الله تعالى كان دعاؤه كدعائهما قطعا وأما الكبرى فظاهرة ألن قول غيرالمعصوم ال يفيد اليقين لتجويز الخطأ مع تجويز النقيض ال يحصل.

الرابع واألربعون: قوله تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونييحببكم الله) يلزم من ذلك أن كل من لم يتبع النبي صلى الله عليه وآله ال

يحب الله وال يحبه أي ال يكون مطيعا لله وال يكون عز وجل مثيبا لهواالتباع إنما يتحقق بالمتابعة في أقواله وأفعاله كلها إال ما نص على عدموجوب االتباع فيه وهذا إنما يتحقق مع العلم القطعي بكون أفعاله وأقواله

(٢٩٥)

Page 296: Kitab Al-Alfain Arabic

صوابا وإنما يكون ذلك في المعصوم فيجب عصمة النبي واإلمام قائم مقامهومساو له فيما يراد منه سوى الوحي فتجب عصمته.

الخامس واألربعون: اتباع اإلمام هو اتباع النبي فحكمهما واحد وإنمايتحقق بعصمة اإلمام.

السادس واألربعون: اإلمام يبطل دعاء إبليس ويمنع عن متابعتهبالضرورة وال شئ من غير المعصوم كذلك باالمكان ينتج ال شئ من اإلمام

بغير معصوم بالضرورة.السابع واألربعون: الله تعالى كلف في كل واقعة بحكم خاص

والكتاب والسنة ال يمكن استخراج كل األحكام منهما فأما أن يكلف الله تعالىكل مجتهد بما يؤديه اجتهاده إليه فال يكون له تعالى في واقعة حكم واحد

وهو خالف التقدير وأما أن يكلف استخراج ذلك الحكم من الكتاب والسنةمع عدم داللتهما إذ هما متنافيان والوقائع غير متناهية وهو تكليف ما ال يطاقوال نبي وال وحي بعد النبي عليه السالم فال بد من طريق يرجع المكلف إليه

وليس إال اإلمام فإن لم يكن معصوما لم يكن للمكلف دليل إلى العلم إالبذلك إذ قول غير المعصوم قد ال يفيد الظن ولو أفاده فقد ال يقنع المكلف به

خصوصا مع قوله تعالى: (واجتنبوا كثيرا من الظن) فبقي أن يكوناإلمام الحافظ للشرع يجب أن يكون معصوما.

الثامن واألربعون: إذا كان فعل صفة محل لغرض وغاية يصدر منذلك المحل عند فعل تلك الصفة فإما أن يعلم الفاعل أن ذلك المحل معفعل تلك الصفة فيه يصدر منه تلك الغاية أو يصدر منه ضد تلك الغاية أويتحقق نقيضها أو ال يعلم واحدا منهما والثالث محال على تعالى والثاني

بقسميه مناقض للغرض معدود من باب الخطأ ال يصدر من الحكيم فتعيناألول إذا تقرر ذلك.

فنقول: اإلمامة صفة من الله تعالى وتحقيقها في محل معين وهوالشخص المعين فعل من ال يجوز عليه الخطأ إما من الله تعالى وهو الحق عندنا

(٢٩٦)

Page 297: Kitab Al-Alfain Arabic

أو من أهل االجماع عند المخالف والغرض منها حمل المكلف على الحق وهدايتهإلى الطريق الصحيح والصراط القويم فمتى علم الله تعالى أن اإلمام يصدر

منه ضد ذلك في وقت ما كانت إمامته في ذلك الوقت مناقضة للغرض خطأ اليصدر من الله تعالى وال من أهل االجماع فتعين امتناع صدور ذلك منه فيوقت من األوقات فيكون معصوما، ال يقال هذا يدل على عصمته في التبليغ

ال مطلقا، ألنا نقول: متى جاز الخطأ ومخالفة الشرع في شئ جاز مطلقا بلالمعلوم قطعا أن من صدر منه خطأ يؤثران يتبعه غيره فيه لئال يكون أفضل

منه ويساويه في ذلك المقام.التاسع واألربعون: النبوة أصل لإلمامة واإلمامة فرعها واإلمام قائم

مقام النبي عليه الصالة والسالم في إمالء الدعوى ولطف اإلمامة أعم منلطف النبوة لقوله تعالى: إنما أنت منذر ولكل قوم هاد، ويشترط في اإلمام

ما يشترط في النبي ألجل جزم المكلف بصحة الدعوى لكن يشترك في النبيالعصمة فيشترك في اإلمام ذلك.

الخمسون: اإلمام هو هاد يجب اتباعه وكل من كان كذلك ال يحتاج إلىهاد فاإلمام ال يحتاج إلى هاد أما الصغرى فلما تقدم وأما الكبرى فلقوله

تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن ال يهدي إال أن يهدىفما لكم كيف تحكمون) فإذا ثبت أن اإلمام هاد ال يهدى امتنع عليه الخطأ

فثبت المطلوب.الحادي والخمسون: قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)

والهداية في القول واالعتقاد والفعل وال يتم ذلك إال بأربعة أشياء، األول أنيكون عالما بجميع ما جاء به النبي عليه الصالة والسالم وكل حكم لله تعالى

في كل واقعة للمكلفين وال يكفي الظن لقوله تعالى: (إن الظن ال يغني منالحق شيئا) وألن الهداية ال تكون إال بالعلم وتكون كل اعتقاداته برهانية،الثاني: قيامه بجميع األوامر والنواهي الشرعية بحيث ال يقع االخالل منه

بشئ منهاال عمدا وال سهوا وال تأويال وإال لم تتحقق الهداية المطلقة،الثالث: أن يكون مصيبا في جميع أقواله وآرائه وأوامره ونواهيه للمكلفين،

(٢٩٧)

Page 298: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابع: أن يكون المكلف جازما بذلك جزما يقينيا برهانيا بحيث تتم فائدتهوهي اتباع المكلف له في جميع ما يأمر وينهاه خصوصا في األشياء المبنية على

االحتياط التام وترجيح المعارضة مثال إذا دعاه إلى الجهاد وهو بذل نفسهوتعريضها للهالك مع قوله تعالى: (وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فإنه لو

لم يعلم علما جزما بحصول مرتبة الشهادة من امتثال قوله بأن يقتل ويقتل لميبذل نفسه للهالك وكذا في باقي األحكام وإنما يتم الثالثة األول مع العصمة

واألخير مع وجوب العصمة فدل على أن اإلمام يجب كونه معصوما وهوالمطلوب.

الثاني والخمسون: اإلمام هاد ال يهديه أحد في زمن وجوب اتباعه وهوزمان إمامته وكل من كان كذلك فهو يعلم األحكام يقينا ويمتنع منه فعل

القبيح واالخالل بالواجب أما الصغرى فأما إنه هاد لقوله تعالى: (إنما أنتمنذر ولكل قوم هاد) وأما إنه ال يهديه أحد في زمان إمامته فظاهر وإال لكاناتباع ذلك أولى من اتباعه لقوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبعأمن ال يهدي إال أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) فقد أنكر على اتباع

المهتدي دون الهادي ووبخ عليه وأما الكبرى فأما علمه باألحكام فألنه لوجهل شيئا منها الحتاج إلى هاد فيه ولو ظنه فالظن متفاوت فكان األقوى أولى

باالتباع والعلم فأما أن ال يحصل ألحد فيلزم عدم بيان الله تعالى حكماتكليفيا وهو محال أو يحصل بغيره فيكون هاديا له فيكون هو واجب االتباع

لكن هذا محال لقوله تعالى أحق أن يتبع وأما امتناع فعله للقبيح وتركهالواجب فظاهر وإال لوجب على الرعية االنكار عليه وأمره بالمعروف فيكون

هاديا له لكنه باطل باآلية.الثالث والخمسون: قول اإلمام وفعله وتركه وتقريره حجة لقوله تعالى:

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) وعطفالمفرد على معمول الفعل يقتضي تساويهما فيه والطاعة والواجبة للرسول هيمتابعة قوله وفعله وتركه وتقريره فيجب أن يكون اإلمام كذلك وألن المفهوممن الطاعة الكلية ذلك فإن غيرها طاعة جزئية وقوله وفعله وتقريره مقدم على

(٢٩٨)

Page 299: Kitab Al-Alfain Arabic

كل دليل ظني وعلى كل اجتهاد ألن المجتهد أما إذا حصل له ظن بسبب دليلعلى حكم يخالف حكم اإلمام فإن وجب اتباع اجتهاده فقد خالف اإلمام فلم

يثبت له حكم الطاعة الكلية وهو محال ومناقض للغرض وموجب إلفحاماإلمام فتعين اتباع غيره حكم اإلمام قوال أو فعال أو تقريرا فهو مقدم على كل

دليل ظني واجتهاد والمقدم على كل ظني ال يكون ظنيا قطعا بل علما ولو جوزناعليه الخطأ لكان ظنيا هذا خلف فيجب أن يكون معصوما.

الرابع والخمسون: اإلمام قوله من كل مراتب الظن وآخرمراتب الظن ما بعده العلم فيكون قول اإلمام مفيدا للعلم وقول غير المعصوم

ال يفيد العلم.الخامس والخمسون: كل قول أو فعل أو تقرير أو ترك من اإلمام سبيل

المؤمنين ومن خالف سبيل المؤمنين استحق الذم بالضرورة ينتج من خالفقول اإلمام أو فعله أو تركه أو تقريره استحق الذم بالضرورة أما المقدمة األولى

فلقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمرمنكم) فأوجب على المكلفين كافة اتباع اإلمام مطلقا وطاعته طاعة كلية

والطريق التي أوجب الله تعالى على كل المكلفين اتباعها وال يجوز مخالفتها هيسبيل المؤمنين بالضرورة، وأما المقدمة الثانية فلقوله تعالى: ومن يتبع غير

سبيل المؤمنين نوله ما تولى وهو نص عام إذا تقرر ذلك فنقول اإلمام كل منخالفه مستحق للذم قطعا بالضرورة وال شئ من غير المعصوم كل من خالفه

مستحق للذم قطعا بالضرورة إلمكان خطائه وأمره بمعصية فال يعصى مخالفتهوإال لزم أحد األمرين إما انقالب الحرام إلى الوجوب بأمر اإلمام أو اجتماعالنقيضين والالزم بقسميه باطل فالملزوم مثله أما المالزمة فظاهرة وأما بيان

بطالن الالزم أما األول فبإجماع المسلمين وأما الثاني بالضرورة ينتج ال شئ مناإلمام بغير معصوم وهو المطلوب.

السادس والخمسون: قول اإلمام مساو لإلجماع واإلجماع دليل قطعي.فنقول: اإلمام قوله دليال قطعي وال شئ من غير المعصوم قوله دليل

(٢٩٩)

Page 300: Kitab Al-Alfain Arabic

قطعي ألن غير المعصوم معناه جائز الخطأ عمدا فيحتمل قوله النقيض وكل مااحتمل النقيض فليس بقطعي فقول غير المعصوم ليس بقطعي أما مساواة قول

اإلمام لإلجماع فألن الكل أمروا باتباعه لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنواأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) أمر بإطاعة العامة لإلمام

وهي االتباع في أقواله كلها وأفعاله وإذا أمر الكل باتباعه في القول واالعتقادفيكون قوله مساويا لإلجماع وهو ظاهر وأما كون االجماع دليال قطعيا فلما بين

في األصول لقوله تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى).السابع والخمسون: أوامر اإلمام ونواهيه واختياراته وأفعاله وتروكه

وتقريراته هي الصراط المستقيم التي أشار إليها الله جل جالله في قوله:(اهدنا الصراط المستقيم) ألنه تعالى جعلها مساوية لطريقة النبي عليه

الصالة والسالم وألوامر الله تعالى ونواهيه ألنه ساوى بين وجوب اتباع اللهتعالى والنبي واتباع اإلمام وإخباراته لكن هذه صراط مستقيم قطعا فيكون

مساويها كذلك.الثامن والخمسون: أمر الله تعالى عباده وأرشدهم إلى سؤال الله تعالى

أن يهديهم إلى الصراط المستقيم فإما أن يكون هي طريقة اإلمام وطريقةاإلمام عليه السالم تؤدي إليها أوال هي وال تؤدي إليها والثالث باطل ألنه

يستحيل أن يأمر العباد بأن يسألوه الهداية إلى طريق ثم يأمرهم بسلوك غيرهاوال يؤدي إليها هذا مناقض للغرض فال يصدر من الحكيم تعالى مجده، ال

يقال: هذا يدل على عصمته في التبليغ ال على عصمته في غيره، ألنا نقول:يلزم أن يأمر اإلمام بما ال يفعل في الجملة لكن يلزم أن تكون طريقته غيرصراط مستقيم لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما ال تفعلون)(كبر مقتا عند الله لم تقولوا ما ال تفعلون)، ونحن قررنا إن طريقة اإلمام

صراط مستقيم.التاسع والخمسون: قوله تعالى (غير المغضوب عليهم وال

الضالين) نقول هؤالء إما أن ال يكون لهم وجود في الخارج أصال أو يكونوجودهم متحققا واألول محال الستحالة األمر بسؤال الهداية إلى طريق المعدوم

(٣٠٠)

Page 301: Kitab Al-Alfain Arabic

في الخارج وهو ضروري وإن كان لهم وجود فأما أن يكون اإلمام منهم أوالوالثاني محال الستحالة أمره تعالى عباده بأن يسألوه الهداية إلى طريقة قوم لميأمر عباده باتباع طريقة من ليس منهم واستحالة ذلك بديهي فتعين أن يكون

منهم وهؤالء هم المعصومون.الستون: قوله تعالى: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت

عليهم غير المغضوب عليهم وال الضالين) دلت هذه اآلية على أن هذهطريقة الهداية والمهتدي هو الذي على هذه الطريقة فاإلمام يهدي إليها ألنه

هاد لما بينا في قوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) واإلمام اليهديه غيره بعد النبي صلى الله عليه وآله لما بينا في قوله: (أفمن يهدي إلىالحق أحق أن يتبع أمن ال يهدي فما لكم كيف تحكمون) فيلزم أن يكون

اإلمام على هذه الطريقة وإال لكان له هاد آخر ألن قوال وفعال وأمراوإلزاما بحيث ال يخرج عن هذه الطريقة هو المعصوم بالضرورة.

الحادي والستون: وقوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبعأمن ال يهدي فما لكم كيف تحكمون) أمره باتباع ال يهديه غيره وحرم اتباع

من يهتدي بغيره دائما ويلزم أن يكون هذا الهادي الذي ال يهديه غيره معصومابالضرورة وهو غير النبي صلى الله عليه وآله لقوله تعالى: (إنما أنت منذر

ولكل قوم هاد) فإما أن يكون هذا الهادي اإلمام أو غيره فإن كان األول فهوالمطلوب وإن كان الثاني فاإلمام إن لم يكن معصوما كان زيادة الحتياجه إليه

ألن ذلك الهادي يجب اتباعه سواء قارنه أمر اإلمام أو فعله أو ال واإلمام وحدهبغير ذلك الهادي ال يتبع ألنه يهتدي بغيره ألن غير المعصوم يهتدي بغيره

فيكون اإلمام حشوا ال فائدة فيه فنصبه يكون عبثا هذا خلف وإن كان اإلماممعصوما فهو المطلوب.

الثاني والستون: اإلمام تجب طاعته في جميع أوامره ونواهيه دائما وتقريرهوتركه لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الرسول وأولي األمر

منكم) والعطف على معمول الفعل يقتضي المساواة فيه فامتنع أمره بمعصيتهوإال لم يجب اتباعه فيه ألنه حينئذ ال يهدي فيه إال أن يهدي مع صدق

(٣٠١)

Page 302: Kitab Al-Alfain Arabic

الدائمة الموجبة األولى فكان بفرض وقوع أمره بمعصيته يتم اجتماعالنقيضين ألن المطلقة السالبة تناقض الدائمة الموجبة واألولى صادقة إذا صدق

أحد النقيضين بالفعل امتنع صدق اآلخر وكان معصوما في التبليغ والحكمفيكون معصوما مطلقا إذ ال قائل بالفرق بل باالجماع على عدم الفرق وألن

العلة في فعل الواجبات واالمتناع عن المنهيات في اإلمام من األحكام هوالعلم بالله تعالى وعلمه وعقابه واستحصال ذلك في تلك الحال على المعصيةوهذه العلة مشتركة بين عدم اإلقدام على فعل المعصية وبين عدم اإلقدام على

األمر بها ومتى اشتركت علة الوجود اشتركت علة العدم ألنها عدم علةالوجود.

الثالث والستون: ال شئ من غير المعصوم يجب اتباعه في الجملة وكلإمام يجب اتباعه دائما لآلية ينتج من الشكل الثاني ال شئ من غير المعصوم

بإمام دائما وينعكس بالعكس المستوى إلى قولنا ال شئ من اإلمام بغيرمعصوم دائما وهو يناقض قولنا بعض اإلمام غير معصوم في الجملة لكن األولى

صادقة فتكذب الثانية ألنها نقيضها.الرابع والستون: قوله تعالى: (اتبعوا من ال يسئلكم أجرا وهم

مهتدون) الواو للحال هنا فكل من وجب اتباعه دائما فهذه الصفة فيه دائمةلكن اإلمام يجب اتباعه دائما لما تقدم من األدلة فتكون هذه الصفة فيه دائمة

وال نعني بالمعصوم إال المهتدي في جميع أقواله وأفعاله وتروكه وتقريراته.الخامس والستون: إذا ورد أمران أحدهما مطلق واآلخر مقيد بصفة

واتحد الحكم والموضوع أو كان المقيد أعم حمل المطلق على المقيد لما تقرر فياألصول فتقيد األمر بطاعة أولي األمر في قوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا

الرسول وأولي األمر منكم) بهذا الوصف وهو كونه مهتديا فإن وجب ثبوتهذا الوصف له فالمطلوب وإال علم بقوله دار وباجتهاد المكلف لزمه

إفحامه ألنه إذا أمر المكلف بأمر قال له المكلف ال أتبعك حتى أعلم أنك مهتدوال أعلم حتى اجتهد وأني ال اجتهد أو اجتهدت وأدى اجتهادي إلى خالفهذا الحكم فينقطع اإلمام وكذا إن لم يعلم فال بد من وجوب هذا الوصف له

(٣٠٢)

Page 303: Kitab Al-Alfain Arabic

وهو المطلوب ألنه معنى العصمة.السادس والستون: يثبت من هذه اآلية ومن قوله تعالى: (أطيعوا

الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) مقدمتان هما اإلمام يجب اتباعه دائماوكل من وجب اتباعه فهو مهتد ما دام يجب اتباعه ينتج اإلمام مهتد دائما وهو

المطلوب.السابع والستون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم اجتماع النقيضين

والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة إنه قد ثبت في المقدمتين المذكورتين فيالدليل السابق كل إمام مهتد دائما فلو كان اإلمام غير معصوم لصدق بعض

اإلمام ليس بمجتهد بالفعل والدائمة والمطلقة العامتان تتناقضان فيلزم اجتماعالنقيضين هذا خلف، ال يقال: المحال لزم من المجموع من حيث هو

مجموع ال من مقدمة واحدة هي أن اإلمام ليس بمعصوم في الجملة واستلزامالمجموع للمحال ال يلزم منه استلزام أحد أجزائه لذلك فإن كل واحد من

النقيضين قد يكون ممكنا والمجموع من حيث هو مجموع محاال، ألنا نقول:إذا كان أحد النقيضين صادقا بالفعل كان صدق اآلخر مستلزما الجتماع

النقيضين فيكون مستلزما للمحال فيكون محاال والتقدير صدق المقدمة األولىوهي قولنا اإلمام مهتد دائما.

الثامن والستون: علة وجوب االتباع كون المتبوع مهتديا وهو ظاهروفي هذه كالتصريح به ألن الوصف لو لم يكن علة في الحكم لم يحسن ذكره

ولو حسن ذكره وجب الحكم بكونه علة ولكن هنا كذلك فإن قوله تعالى:(اتبعوا من ال يسئلكم أجرا وهم مهتدون) لو لم يكن علة لم يحسن ذكره

لكنه حسن فيكون علة فإن انتفى عن أولي األمر وجب انتفاء وجوب اتباعهمألن عدم المعلول يجب عند عدم العلة فتكون هذه اآلية ناسخة أو مخصصةلقوله تعالى وأولي األمر منكم القتضاء هذه اآلية العموم لمساواة طاعته طاعة

الرسول صلى الله عليه وآله لكن ذلك باطل باالجماع.التاسع والستون: لو لم يكن هذا الوصف دائما لزم االجمال في وجوب

(٣٠٣)

Page 304: Kitab Al-Alfain Arabic

اتباع اإلمام ألنه يكون في حال وجوده ال في حال عدمه لكنه ليس بمعلوم لكلمن وجب عليه اتباع اإلمام فال يتم فائدة اإلمام.

السبعون: كون اإلمام غير معصوم يستلزم نقض الغرض من نصباإلمام وهو على الحكيم محال ألنه إنما يجب اتباعه حال كونه مهتديا وغير

المعصوم تنتفي فيه هذه الصفة في الجملة وألنه ال يجب اتباعه في المعصية فإنعلمت بقوله دار فكان اتباعه مستلزما للدور المحال فيكون محاال أو بقولالمجتهد يستلزم إفحامه وألنه يلزم أيضا وقوع الهرج والمرج واالختالف

والقصد من نصب اإلمام رفع ذلك.الحادي والسبعون: عصمة اإلمام أمر ممكن خال عن وجوه المفاسد

مشتمل على مصلحة تامة للمكلفين وإصالحهم والله عز وجل قادر على كلالممكنات فنقول يجب عصمة اإلمام لوجود القدرة الداعي وانتفاء الصارف

وهو ظاهر.الثاني والسبعون: خطأ اإلمام تقديرا يستلزم إمكان اجتماع النقيضين

لكن اجتماع النقيضين محال فيكون هذا التقدير مستلزما للمحال وكل تقديرمستلزم للمحال فهو محال فيكون هذا التقدير محاال أما استلزامه إلمكاناجتماع النقيضين فألن وجوب اتباع اإلمام عام في األشخاص واألزمان

واألوامر والنواهي فإذا أخطأ في أمره ونهيه فإن وجب اتباعه وجبت العصمةوهو يستلزم اجتماع النقيضين وإن لم يجب اتباعه في الجملة مع وجوب اتباعه

لزم اجتماع النقيضين وال معه يستلزم نقض الغرض من نصبه وهو يستلزماجتماع النقيضين أيضا وأما الثاني فظاهر.

الثالث والسبعون: قوله تعالى: (وال تتبعوا خطوات الشيطان)،تقدير االستدالل به يتوقف على مقدمتين - المقدمة األولى - إن تابع التابع في

ما هو تابع فيه تابع للمتبوع في ذلك الشئ - المقدمة الثانية - إن هذه اآليةعامة في األشخاص وفي األزمان وفي المنهي عنه وذلك باالجماع والمراد

بخطوات الشيطان المعاصي وترك الواجبات إذا تقرر هذا فنقول: غير

(٣٠٤)

Page 305: Kitab Al-Alfain Arabic

المعصوم بالفعل أي من أخل بواجب أو فعل معصية فهو متبع لشئ منخطوات الشيطان وال شئ ممن هو متبع لخطوات الشيطان يجب اتباعه ما دام

متبعا لذلك ينتج ال شئ من غير المعصوم بالفعل بواجب االتباع في الجملةوكل إمام يجب اتباعه دائما لما تقدم ينتج ال شئ من غير المعصوم بالفعل

بإمام دائما وينعكس بالعكس المستوي إلى قولنا ال شئ من اإلمام بغيرمعصوم بالفعل دائما ويستلزم قولنا كل إمام معصوم دائما ألن السالبة المعدولة

المحمول تستلزم الموجبة المحصلة عند وجود الموضوع والتقدير ثبوت اإلمام اليقال هذا الدليل على ثبوت عصمة اإلمام دائما والمدعي هو وجوب العصمة

والدائمة أعم من الضرورية لما ثبت في علم المنطق ألنا نقول الجواب منوجهين:

األول: قد ثبت في علم الكالم أن الدائمة تستلزم الضرورية ألنه قدثبت بالبرهان في علم الكالم أن االتفاقي ال يكون دائما وال أكثريا.

الثاني: إنا ال نعني بوجوب العصمة الوجوب الذاتي بل الوجوب بالغيروالعصمة من األغراض الممكنة وقد ثبت في علم الكالم أن الممكن ال يوجد

إال بعد وجود سببه وإال لزم الترجيح من غير مرجح وهو محال بالضرورة وإذادل الدليل على عصمة اإلمام دائما ثبت وجود سببها دائما وهو يستلزم وجود

المسبب دائما وهو المطلوب.الرابع والسبعون: وقوع الخطأ من اإلمام مستلزم للمحال وكل ما

استلزم المحال فهو محال فوقوع الخطأ من اإلمام محال أما الصغرى فألنه قدثبت بهذه اآلية الكريمة النهي عن اتباع من يقع منه الخطأ فيه وثبت بقوله

تعالى: (وأولي األمر منكم) وجوب اتباع اإلمام دائما فلو وقع منه الخطأ فيالجملة لزم اجتماع النقيضين ألنه يلزم كون الشئ الواحد في الوقت الواحد

عن المكلف الواحد مأمورا به ومنهيا عنه فدل هذا الدليل على وجوب العصمةبأي وجوب كان وهو مطلوبنا.

الخامس والسبعون: قوله تعالى: (يس) (والقرآن الحكيم) (إنكلمن المرسلين) (على صرط مستقيم) (تنزيل العزيز الرحيم))، تقرير

(٣٠٥)

Page 306: Kitab Al-Alfain Arabic

االستدالل به أن نقول: الطريق الذي يدعو النبي صلى الله عليه وآله إليهطريق مستقيم وهي طريق العصمة ألنها تكون صوابا بحيث ال يتخللها خطأ

وإال لم يكن صراطا مستقيما ويكون معلوما بحيث ال يتطرق إليه شكوالحتمال النقيض لقوله تعالى: (تنزيل العزيز الرحيم) وصف الطريق

المذكورة بأنها منزلة من عند الله تعالى لكن هذه الطريقة هي طريقة اإلمام ألنهالهادي إليها والنبي منذر بها فقد اشتركا في دعوة الخلق إليها والهداية والداللةعليها فتكون هي طريقة اإلمام ألنه الهادي أيضا فيصح وصف اإلمام بأنه على

صراط مستقيم فيكون معصوما.السادس والسبعون: دلت هذه اآلية المقدسة على أن النبي صلى الله

عليه وآله على صراط مستقيم فوجوب طاعته لكونه على هذا الطريق يوجباتباعه لذلك وطريق غير المعصوم ينافي ذلك في وقت ما وقوله تعالى:

(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم)، يدل على وجوب اتباعالنبي دائما واتباع اإلمام دائما فيكون قد كلف المكلف بالمتنافيين في حالة

واحدة في وقت واحد وهذا محال لما بين في علم الكالم من استحالة ذلك وهوظاهر.

السابع والسبعون: تساوي الحكمين في اللطفية بحيث يسد كل منهمامسد اآلخر ويقوم مقامه يدل على تساوي وجه اللطف المقتضي لوجوب

الحكم فيهما وأنه في كل واحد منهما مثله في اآلخر وقد بين الله سبحانه وتعالىفي هذه اآلية الشريفة وجه لطف نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله بقوله إنك

على صراط مستقيم وأشار إلى ذلك بقوله تعالى: (لتنذر قوما ما أنذرآباؤهم فهم غافلون)، واإلمامة قائمة مقام النبوة في اللطفية فيجب أن

تساويها في وجه اللطف ونبه عليه تعالى بقوله إنما أنت منذر ولكل قوم هاد،فيكون اإلمام على صراط مستقيم دائما كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله

وسلم.فنقول: اإلمام على صراط مستقيم دائما وهذا معنى العصمة.

(٣٠٦)

Page 307: Kitab Al-Alfain Arabic

الثامن والسبعون: النبوة لطف خاص واإلمامة لطف عام لقوله تعالى:(إنما أنت منذر ولكل قوم هاد)، وال شك أن االحتياج إلى الهداية دائم

بخالف االنذار وهي أولى لوجه اللطيفة وقد بين أن وجه لطف النبوة هيالعصمة فيكون أولى باإلمام.

التاسع والسبعون: أحد األمور األربعة الزم وهي إما وجوب مخالفةالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وقت ما أو وجوب مخالفة اإلمام فيوقت ما أو التكليف بما ال يطاق أو عصمة اإلمام والثالثة األول باطلة فتعين

الرابع وهو المطلوب بيان المالزمة إن طريقة البني صلى الله عليه وآله صواب دائما فلوكان اإلمام غير معصوم لكان على خطأ في وقت ما لكن يجب اتباع كل واحد

منهما دائما لقوله تعالى: (وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) فساويبينهما في وجوب الطاعة ففي ذلك الخطأ أما أن يجب اتباع النبي فيجب مخالفة

اإلمام في وقت ما وهو أحد األمور الثالثة ويجب اتباع اإلمام فيجب مخالفةالنبي في وقت ما وهو أحد األمور الثالثة أو يجب اتباعهما معا فيلزم تكليف ما

ال يطاق وهو األمر الثالث أو يكون اإلمام على صراط مستقيم وهو األمرالرابع إذا ال يغني بالعصمة إال ذلك وأما بيان استحالة الثالثة األول فظاهر.

الثمانون: قوله تعالى: (قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناسمن شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة

والناس) تقرير االستدالل به أن نقول وقوع الخطأ من اإلمام يستلزم أموراثالثة إما إفحامه أوامر الله تعالى للمكلف باالستعاذة منه باالستعاذة به من شئ

وأمره بذلك الشئ وباتباع ما أمر المكلف فيما استعاذ به منه أو التسلسل والالزمبأقسامه

باطل فالملزوم مثله أما المالزمة فألن الله تعالى أمر باتباع اإلمام فأما أن يكونهذا األمر عاما في أقواله وأفعاله أو ال فإن كان الثاني فيكون مأمورا باتباع

اإلمام فيما علم صوابه والعلم هاهنا باالجتهاد أو بقول إمام أو بقول إمامآخر فإن كان باالجتهاد فإذا قال له المكلف إن اجتهادي ما أداني

إلى اتباعك في هذا الحكم فال يجب علي اتباعك وإنما لك أن تأمرني بما يجبعلي فينقطع اإلمام فيلزم إفحامه وإن كان بقول اإلمام لزم الدور وهو إفحام

(٣٠٧)

Page 308: Kitab Al-Alfain Arabic

اإلمام أيضا وإن كان بقول إمام آخر لزم التسلسل في األئمة وإن كان األولفوقوع الخطأ منه يستلزم أمره تعالى باتباعه في الخطأ ألن عموم األمر باتباعه في

أقواله وأفعاله يستلزم ذلك لكن الله تعالى أمر باالستعاذة من شر من يخيلللمكلف الخطأ في الحكم الشرعي فيلزم أن يكون الله تعالى قد أمر بفعل ما

أمر باالستعاذة بالله تعالى ممن يأمر بالخطأ أو يرجح فعله عند المكلف بقول أوفعل أو أمر وأما استحالة الالزم بأقسامه فظاهر فاستحال وقوع الخطأ من اإلمام

وهو المطلوب.الحادي والثمانون: األمر باتباع الخطأ والتواعد بالعقاب على تركه من

القادر الصادق أشر من استمالة المكلف بمخيالت باطلة إلى فعل الخطأ لكنأمر الله تعالى باالستعاذة به تعالى من الثاني فمن األول أولى فيكون أمر باالستعاذة

من نفسه تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فاستحال وقوع الخطأ من اإلمام وهوالمطلوب.

الثاني والثمانون: المستعاذ به تعالى منه شر وما أمر الله تعالى به خيرخال من وجوه المفاسد ألنه شرط التكليف فال يكون شرا بوجه أصال فيكونخيرا من كل وجه فلو وقع من اإلمام الخطأ والمكلف مأمور باتباعه دائما لما

تقدم الجتمع الضدان في شئ واحد وهو كونه خيرا من كل وجه وشرا إمامن كل وجه أو من وجه في حالة واحدة وهو محال.

الثالث والثمانون: العقل السليم والذهن المستقيم يحيالن بديهة أنيأمر الله تعالى المكلف باالستعاذة به تعالى من شئ وهو قادر على ايعاذه منه

ثم يأمره به أمرا جزما ويحلل على القيم بالشرايع حربه ومقاتلته على تركفعله.

الرابع والثمانون: الخطأ في األحكام كفعل المعصية وترك الواجبوالحمل عليه والدعاء إليه داخل في أمر الله تعالى باالستعاذة به منه دائما في

جميع األقوال واألفعال والتروك لكن قد وجب اتباع اإلمام دائما فلو وقع الخطأمن اإلمام لزم اجتماع األمر والنهي في الشئ الواحد في وقت واحد وهذا

محال.

(٣٠٨)

Page 309: Kitab Al-Alfain Arabic

الخامس والثمانون: ال شئ مما يصدر من اإلمام بمستعاذ منه دائما وإاللكان اإلمام داخال في قوله تعالى: (من شر الوسواس) والعقل الصريح

يحكم بديهة بأن الله تعالى ال يأمر باتباع شخص ويجعله هاديا ثم يأمرنا بالتعوذمنه في وقت ما وكل خطأ يتعوذ منه دائما ينتج ال شئ مما يصدر من اإلمام

بخطأ دائما وهو المطلوب.السادس والثمانون: قوله تعالى: (ومن يتوكل على الله فهو حسبه)

واالستعاذة به توكل عليه وإنما يستعاذ به تعالى مما يخاف منه فقد أمر الله تعالىباالستعاذة به تعالى مما يخاف منه فقد أمر الله تعالى باالستعاذة ووعدنا أنهتعالى يكفي من ذلك فلو وقع من اإلمام الخطأ وأمرنا باتباعه دائما لكان الله

تعالى مخلفا لوعده تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.السابع والثمانون: للطف الله تعالى مراتب إحديها التوفيق وهو بخلق

القدرة واآلالت وثانيها الهداية بإيضاح البرهان ونصب األدلة وثالثها اإلفاضةوالحمل على األفعال الحميدة واألخالق المرضية وفائدة االستعاذة به تعالى

ووعده باإلجابة وإنما يكون في إحدى هذه المراتب واألمر باتباع من وقع منهالخطأ وعموم األمر في األوقات واألفعال ينافي هذه المراتب كلها فأحد األمرين

الزم إما عدم وجوب طاعة اإلمام في الجملة أو عدم اإلجابة في االستعاذة بهتعالى في الجملة وكالهما محال لصدق نقيضهما وهو وجوب اتباع اإلمام دائماوحصول اإلجابة في االستعاذة به تعالى مما استعاذ منه دائما ألنه تعالى قادر على

كل مقدور عالم بكل معلوم والفعل خال من المفاسد وإال لما أمر الله تعالىبطلبه منه فيوجد القدرة والداعي وينتفي الصارف فيجب الفعل به دائما.

الثامن والثمانون: لإلمام صفات إحداها أنه هاد لقوله تعالى إنما أنتمنذر ولكل قوم هاد، وثانيها أنه مفترض الطاعة وثالثها أنه ولي الناس كافةفلقوله تعالى: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا، وال داعي للمكلف إلىفعل مقتضي للقوة الشهوية والغضبية من المعاصي مع غلبة الشهوية ووجود

القدرة أعظم من فعل اإلمام المتصف بهذه الصفات بها مع بقائه على اإلمامةفإنه إذا رأى من هو بهذه المنزلة عند الله تعالى يفعل ذلك وهو باق على منزلته

(٣٠٩)

Page 310: Kitab Al-Alfain Arabic

كان داعيا عظيما للمكلف إلى فعل ذلك فيدخل في االستعاذة بالله تعالى منهفيكون من الشيطان واتباعه والعقل الصريح يمنع أن يكون نائب رسول الله

صلى الله عليه وآله والقائم مقامه قد أمرنا الله بالتعوذ منه.التاسع والثمانون: هنا مراتب خلق القدرة واآلالت والتكليف وثانيتها

حصول العلوم باألفعال ووجهها مثل الوجوب أو الندب أو التحريم وثالثهاالحمل عليها والمعاقبة على الفعل أو الترك في اآلخرة وفي الدنيا بحيث ال يلزماإلخبار وال االلجاء االستجبار إلى االلجاء فاإلمام ليس المرتبة األولى ألنه منفعل الله تعالى فالمراد إنما هو حصول المرتبتين األخيرتين بالنسبة إلى من فقدشيئا مما يتعلق بهما في كل وقت يمكن أن يحصل منه ذلك لبعض المكلفينالذي يمكن أن يفعل أو يترك أحدها وال يمكن تحصيل ذلك إال من المعصوم

وألنه لو جاز منه ترك شئ منها أو فقد شئ منها لوجب جعل إمام له وإاللخال بعض المكلفين عن شرط التكليف وهو محال.

التسعون: قوله تعالى: (هو الذي بعث في األمين رسوال منهم يتلواعليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) تقرير االستدالل به

يتوقف على مقدمات.إحديها: إنه تعالى أراد بالرسول محمدا صلى الله عليه وآله تزكية كل

واحد واحد وهو ظاهر.وثانيتها: أن المراد به التزكية المطلقة.

وثالثتها: أن المراد في اإلمام ذلك لقوله تعالى: (إنما أنت منذر ولكلقوم هاد) إذا تقرر ذلك فنقول: اإلمام مزاكي لغيره فال بد وأن يكون قد

حصل له التزكية المطلقة لقوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسونأنفسكم) أنكر الله سبحانه وتعالى اجتماع األمر بالشئ مع عدم فعله

واشتراكهما في وجه الوجوب والتزكية المطلقة هي العصمة.الحادي والتسعون: إن هذه اآلية تدل على أنه عليه السالم مكمل

لقوتي العمل والعلم فال بد وأن يكون كامال فيهما الكمال الذي يمكن حصوله

(٣١٠)

Page 311: Kitab Al-Alfain Arabic

للبشر واإلمام هاد إلى ذلك فال بد وأن يكون بهذه الصفة كماله الذي يقتضيعصمته وإال لكان ناقصا في القوة العملية والعلمية هذا خلف.

الثاني والتسعون: النبي صلى الله عليه وآله عام الدعوة لإلمام ولغيرهفال يخلو أما أن يكون قد كملت هذه الصفات األربع التي جاء النبي صلى اللهعليه وآله وسلم لتكميلها فيه أوال والثاني محال ألنه أما محال فال يكون مكلفابالبعض الستحالة التكليف بالمحال وأما ممكن فيجب حصوله ألن النبي فاعل

شديد الحرص واإلمام قابل وهو ظاهر واألول هو المطلوب وهو يستلزمالعصمة.

الثالث والتسعون: قد علم بهذه اآلية الكريمة أن النبي صلى الله عليهوآله وسلم إنما بعث لتكميله هذه الصفات األربع وأوجب الله تعالى طاعته

والتأسي به ليحصل للمطيع له عليه السالم في كل أوامره ونواهيه المتأسي بهكمال هذه الصفات فكل من أوجب طاعته كوجوب طاعة النبي ويكون أولىبالتصرف في األمة كالنبي فال يكون بد أن يكون المطيع له في أوامره ونواهيهالمتأسي به يحصل له هذه الغاية كما حصل من اتباع النبي وطاعته ألن مساواة

وجوب طاعة األمرين يستلزم اتحاد غايتهما وتساوي األمرين في األداء إلىالغاية فال بد أن يحصل كمال هذه الصفات في اإلمام قطعا وهو معنى

العصمة.الرابع والتسعون: قوله تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع

أمن ال يهدي إال أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) جعل الهادي هو الذييهدي وال يهدى فكل من لم يكمل هذه الصفات فيه وهي التزكية المطلقةوالعلم بالكتاب والعلم بالحكمة فهو يهدي واإلمام هو الهادي لقوله تعالى:

(ولكل قوم هاد) فتكون هذه الصفات كاملة في اإلمام وهي العصمة.الخامس والتسعون: قوله تعالى: (فمن تبع هداي فال خوف عليهم

والهم يحزنون) فنقول التابع لإلمام دائما هو تابع للهدى دائما ألن الله تعالىأمر بطاعته أمرا كليا عاما فهو كالمشرع أمره عام في األوقات والمكلفين فلم لم

(٣١١)

Page 312: Kitab Al-Alfain Arabic

يكن اإلمام معصوما لم يكن تابعه دائما تابعا للهدى دائما لكن التالي باطلفالمقدم مثله، ال يقال أحد األمرين الزم وهو إما عصمة المفتي وأمير الجيش

أو عدم وجوب اتباعهما وكالهما محال أما األول فاجماعي وأما الثاني فلوجوباتباع المفتي على المقلد واتباع أمير الجيش على الجيش وإال لم يتم الغرض،ألنا نقول: اتباع المفتي وأمير الجيش ليس بهاد وال لكل األشخاص وال في

أمور كلية كالتشريع بل في أمور جزئية خاصة وأما اإلمام فاتباعه في أمور كليةعام في األوقات والمكلفين فهي كالتشريع فافترقا فال يلزم أحد األمرين اللذين

ذكرتموهما.السادس والتسعون: قوله تعالى: (يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من

ال يسئلكم أجرا وهم مهتدون) تقرير االستدالل أن نقول علل وجوباالتباع بأنهم مهتدون وذكر ما يوجب انتفاء التهمة وهو سؤال األجر لكن

اإلمام مساو للنبي في وجوب االتباع فيلزم مساواته في العلة وهو الهداية فإنه لميعلل وجوب اتباع المرسلين إال بأنهم مهتدون فيطرد العلة في حق المعلول.

السابع والتسعون: العلة الغائية لوجوب االتباع حصول الهداية فيالمعاش والمال واتباع غير المعصوم قد يؤدي إلى ضد الهداية فيما فيه االتباع

وقد ال يؤدي إليها واتباع غير المعصوم يؤدي إليها دائما ما دام االتباع موجوداونصب إمام معصوم ممكن والله تعالى قادر على كل مقدور فال يحسن منالحكيم نصب غير المعصوم واألمر باتباعه طلبا للهداية مع مساواتها ضدها

وعدمها في نفس األمر وعند المكلف مع قدرته على المعصوم.الثامن والتسعون: قوله تعالى: (قال إبراهيم رب أرني كيف تحي

الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) وجه االستدالل إناطمئنان القلب أمر مطلوب في األمور الدينية الكلية وال ريب أن اإلمامة من

األمور الدينية الكلية ألن المكلف يقتل ويقتل ويأخذ األموال ويضرب الحدودويفعل العبادات ويصحح المعامالت بقوله وبأمره وإشاراته وهذه األمور

كلية وألن اإلمامة نيابة النبوة في كل األمور فيكون اطمئنان القلب فيها أمرامهما مطلوبا وال يحصل إال بعصمة اإلمام فيجب أن يكون اإلمام معصوما.

(٣١٢)

Page 313: Kitab Al-Alfain Arabic

التاسع والتسعون: الله تعالى لطيف بعباده رحيم في غاية اللطفوالرحمة واإلمام المعصوم طريق أمن للمكلف من الخوف واإلمام غير المعصوم

طريق خوف وهو ظاهر فال يناسب نصب اإلمام غير المعصوم لطف اللهورحمته بعباده وإرادته إسالمهم وهدايتهم والمناسب للطف والرحمة اإلمام

المعصوم فتعين نصبه.المائة: اإلمام مرشد دائما وال شئ من غير المعصوم بمرشد دائما فال

شئ من غير المعصوم بإمام.

(٣١٣)

Page 314: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة الثامنةاألول: قوله تعالى: (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون)،

والتقوى ركوب طريق الصواب واجتناب ما فيه شبهة أو يتوهم منه لزوممحظور، وبالجملة فالمتقون هم الذين ال يخلون بما يحتمل وجوبه وال يفعلونإال ما يعلمون أنه مباح ويجتنبون ما يحتمل تحريمه فعلم أن هذه درجة مطلوبة

لله تعالى من الناس كافة في جميع ما أمر به ونهى عنه ألن تخصيص بعضالناس أو بعض األحكام به ترجيح من غير مرجح وألنه مخالف لعموم اآليةونصب إمام معصوم في أقواله وأفعاله ونواهيه وأوامره عالم بمجمل اآلياتومتشابهها يقينا وعلومه الهامية من قبل العلوم الفطرية القياس طريق صالح

لذلك فيجب اتماما لغرضه إما هو أو ما يقوم مقامه والثاني منتف بالوجدانواإلجماع فتعين األول وهو المطلوب.

الثاني: قوله تعالى: في اآلية المتقدمة (يبين آياته) جمع مضاف فيعم لماتقرر في األصول إن الجمع المضاف للعموم وألن سياق اآلية يدل عليه فإن

المراد ببيان اآليات التقوى وال يتم إال بعموم البيان لما يحتاج المكلف إليه منالواجب ليأتي به والحرام ليجتنبه والمباح ليكون مخيرا فيه وال يتم إال مع

العموم، وقوله تعالى للناس جمع محلي بالم الجنس فيعم أيضا والمراد بالبيان ماال يحتمل غير المعنى بحيث يكون نصا صريحا وكان التقوى اجتناب المشتبه

وركوب طريق اليقين وال يحصل إال بالبيان المذكور، وال يمكن لكل الناس

(٣١٥)

Page 315: Kitab Al-Alfain Arabic

أخذ ذلك من القرآن وهو ظاهر ألن بعض داللته بالعموم وهو ظني والشتمالهعلى المجمل والمتشابه والسنة كذلك وليس للناس كلهم المطلوب منهم التقوى

علوم بذلك كله من طريق االلهام فال بد من ولي الله يعلم ذلك يقينا وال بدوأن يكون قوله متيقن الصحة وليس ذلك إال المعصوم فيجب القول به ألنه

لوال ذلك لزم أن يكون الله تعالى ناقضا لغرضه وهو محال.الثالث: قوله تعالى: (واتقوا الله لعلكم تفلحون) التقوى ال تتم

إال بمعرفة األحكام كما هي في نفس األمر والعمل بما به يعلم واالخالصواألول إما أن يحصل بالعقل أو بالنقل واألول عند أهل السنة ليس بطريق

صالح لشئ من األحكام الشرعية وعند العدلية ال يعلم منه كل األحكام بلالقليل منها فال بد من الثاني إما في الجميع على الرأي األول أو في األكثر على

الرأي الثاني وال بد وأن يكون ذلك النقل مما يفيد العلم اليقيني وال يحصللكثير من الناس من القرآن والسنة وهو ظاهر يتفق عليه فال بد من مبين

لذلك ولآليات المتشابهة ويكون عنده ظاهرها نصا وكذا السنة وال يكفي ذلكبل ال بد وأن يتيقن المكلف صحة قوله وفعله وذلك ال يتحقق إال من

المعصوم، والثاني وهو العمل بما يعمل اإلمام لطف فيه ألنه المقرب إلىالطاعة والمبعد عن المعصية فيتعين نصب اإلمام المعصوم وإال لزم نقض

الغرض فإن الحكيم إذا أراد شيئا فإن لم يفعل ما يتوقف عليه ذلك الشئ إذاكان من فعله خاصة مع قدرته وعلمه فإنه يكون ناقضا لغرضه ومناقضا

إلرادته تعالى عن ذلك علوا كبيرا، ال يقال: هذا كله مبني على أناإلمامة ال يقوم غيرها مقامها فيحتاج إلى بيان شاف ولم يبينوه، ألنا نقول:

انحصار الدليل الموصل في العقل والنقل وانتفاء الثاني في أكثر األحكام ممااتفق عليه الكل وانحصار النقلي في نص بين أو إمام أو إجماع إذ غير ذلك ال

يفيد اليقين معلوم ومما اتفق عليه الكل واألول ال يفي بكل األحكام فتعينالثاني وال يحصل العلم به إال إذا كان من معصوم وهو ظاهر.

الرابع: قوله تعالى: (واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون) أمروتهديد على الترك مقدمة إيجاب ما ال يطاق مع العلم بأنه ما ال يطاق قبيح

(٣١٦)

Page 316: Kitab Al-Alfain Arabic

عقال وكذا األمر به على سبيل الندب إباحته عبث والعبث من الحكيم العالم بهقبيح، مقدمة أخرى قوله تعالى: واتقوا الله إما على سبيل الوجوب أو الندبأو اإلباحة ال يخلو عن هذه األمور الثالثة، مقدمة أخرى هذه اآلية حكمها

ثابت بعد النبي عليه السالم إجماعا إذا تقرر ذلك.فنقول: أحد أمور ثالثة الزم إما األمر بما ال يطاق أو ثبوت اإلمام

المعصوم أو ثبوت ما يقوم مقامه ألنه قد ظهر فيما مر إن التقوى ال يحصل إالمع اإلمام المعصوم أو ما يقوم مقامه فلو أمر الله تعالى بالتقوى مع عدم إمام

معصوم أو ما يقوم مقامه لزم األمر بما ال يطاق فال بد من أحدهما لكن األولمحال الثالث ألنه إما أن يكون عقليا أو نقليا واألول منتف في أكثر األحكامفتعين الثاني وبعد النبي عليه السالم ال يعلم اليقين إال من اإلمام المعصوم لما

تقدم فتعين الثاني وهو نصب اإلمام المعصوم.الخامس: أمر الله تعالى بالتقوى وأمر بالطاعة أولي األمر وهو اإلمام

المعصوم فال يخلو إما أن يحصل التقوى من طاعة اإلمام أوال والثاني محال ألنهتعالى إذا أراد منا شيئا وكان هو المقصود منا ألن جميع ما أوجب أو حرم داخل

في التقوى ثم أمرنا بارتكاب طريقة ليست مقصودة لذاتها بل ألدائها إلى ذلكالمقصود وهو يصلح لألداء كان ذلك نقضا للغرض بل هو اضالل وهو محال

فتعين األول وهو أن التقوى تحصل من متابعة اإلمام وال يمكن إال إذا كانمعصوما وهو ظاهر وألن التقوى ال بد فيها من العلم اليقيني وال يحصل من

قول غير المعصوم قطعا فتعين أن يكون اإلمام معصوما وهو المطلوب.السادس: قوله تعالى: (فال تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو

مبين) (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فأعلموا أن الله عزيزحكيم))، اعلم أن الله تعالى مجده قد بين في هذه أمور األول النهي

عن اتباع خطوات الشيطان وهو عام في األصول والفروع إجماعا الصغائروالكبائر، وبالجملة فهذه تحذير عام لكل ما نهي عنه ترك ما أمر به والثاني أنهتحذير عن الزلل بعد مجئ البينات وهي مأخوذة من البيان وهو ما يفيد العلملمن نظر فيه وهذا من رحمة الله تعالى لعباده أنه ال يؤاخذ قبل مجئ البينات

(٣١٧)

Page 317: Kitab Al-Alfain Arabic

فال يقوم مقامه ما يفيد الظن وال تحذير في المظنون ألنه قبل مجئ البيناتوالتقدير إن التحذير بعده والثالث أنه مطابق للنهي عن اتباع الخطوات فكما

إن ذلك عام فهذا عام في ما دخل تحت التحذير وهو ظاهر والستحالةالترجيح من غير مرجح والرابع أن مجئ البينات ليس من المكلف بل النظر

فيها والطاعة لها واالنقياد إليها وسياق الكالم يدل عليه والخامس أنه يدل علىمجئ البينات وإال لم يكن فيه فائدة وهو ظاهر أيضا والبينة العامة وهي الداللة

المفيدة لليقين التي يمكن تحصيل العلم بها في كل األحكام هو اإلمام المعصومفي كل زمان ألنه إذا علم منه أنه يمتنع عليه الخطأ والصغائر والكبائر ومعلوم

صواب قوله وفعله وتركه حصل منه اليقين فيكون الله تعالى قد نصبهوالتقصير من المكلفين وهو مطلوب، ال يقال هذه األدلة كلها مبنية على أن

غير اإلمام ال يقوم مقامه وهو ممنوع ألنا نقول: الجواب من وجهين األول إنالبحث إنما هو في عصمة اإلمام فإذا كان اإلمام هو المؤدي لألحكام ال يقوم

غير عصمته مقامها ألن العلم بصحة أدائه وقوله إما أن يكون من العقل أوالنقل فإن كان العقل فإما بالضرورة أو بالنظر واألول لم يحصل في كل

الناس ألن التقدير خالفه فال بد من أحد اآلخرين والنظر ال بد فيه من مقدمةهي صدقه وإنما يعلم بعد العلم بعصمته وهو ظاهر، وأما النقل فإما أن

يكون منه أو من إمام آخر واألول يستلزم الدور، والثاني يستلزم التسلسل،الثاني أن المراد من اإلمام إعالم األحكام باليقين كما بينا واألمارة والقدم فياألمر والنهي وإقامة الحدود ونصب الوالة والقضاة والسعاة وغير ذلك وانفادالشرائع وكل ذلك نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبأمر الله ونصبه

وال يقوم بذلك قياما عاما في أمور الدين والدنيا على الوجه المذكور إال اإلمامألن كل من قام بهذه الصفات فهو اإلمام ودل على أن غيره ال يقوم مقامه فيه

وألن اإلعالم باألحكام إنما يقوم مقامه ما يفيد العلم وهو إما عقلي أو نقليواألول محال أما عند المخالفين فهو ظاهر ألنه ال مجال للعقل في األحكام

الشرعية خصوصا كل األحكام لكل الناس وأما عندنا فألنه خالف الواقعفإن البحث إنما هو على تقدير الخالف والثاني أما من غير اإلمام وهو مما ينفر

عن اإلمام ويناقض الغرض في اتباعه فإنه إذا كان اإلمام موجودا وقوله ال

(٣١٨)

Page 318: Kitab Al-Alfain Arabic

يفيد العلم وقول غيره حجة فيكون ذلك الغير أولى باإلمامة ويحصل لهالنقض عند الناس ولم يقم غير اإلمام مقامه في الجزء لم يقم مقامه في الكل

وهو ظاهر.السابع: اآلية المذكورة في الوجه األول وتدل على أنه تعالى لم يجعل ولم

يشرع ولم يوجب شيئا يضاده مجئ البينات ونصبها ولو كان اإلمام غير معصوملكان الله تعالى قد شرع ما يناقض البينات ألنه تعالى أمر باتباع اإلمام في

أفعاله وأقواله وتروكه فإن وقع منه الخطأ وال يعلم بل جوز المكلف عليه الخطأمع أمرنا باتباعه فهذا إضالل ال تصب بينات.

الثامن: األدلة النقلية الموجودة في الكتاب والسنة ال تفيد العلم بكلواحد واحد من األحكام في كل واقعة واقعة لكل شخص شخص إلى

انقراض العالم وهذا متفق عليه بين الكل والتقديران الخطاب عام وإن اللهعز وجل نصب البينات لكل المكلفين في األحكام والتقدير أنه لم يحصلاإلعالم لألحكام لكل مكلف بل حكم فإما أن يعلم من اإلمام أو غيره إذ

األحكام كلها عند األشاعرة نقلية واألكثر عند المعتزلة وهو ظاهر ولم يوجد مناألوامر والحكام ونصوص الكتاب والسنة إيجاب اتباع غير المعصوم اتباعا عامابل إيجاب اتباع اإلمام وقد تقدم في ذلك أدلة كثيرة فكيف يحصل البينات من

غيره ولم يذكره الله تعالى ومنه ال يحصل ويذكره ويأمر باتباعه هذا ضد البيناتوهو محال.

التاسع: قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمرمنكم) هذا يدل على أن أمر أولي األمر من البينات كما أن أمر الرسول من

البينات وهو ظاهر وإنما يكون من البينات إذا كان معصوما فإن غير المعصوم اليفيد قوله العلم فال يكون من البينات.

العاشر: ال شك أن المفسدة الناشية من جوز خطأ حالة الناس الرعيةأمر جزئي يتعلق بنفسه وقد يتعدى إلى بعض الناس وأما المفسدة الحاصلة من

خطأ اإلمام في األحكام واألفعال فساد كلي ألنه إنما نصب اإلمام لقوانين كلية

(٣١٩)

Page 319: Kitab Al-Alfain Arabic

فاستدراك المفسدة الجزئية بإمام وإهمال المفسدة الكلية مما ال يناسب حكمةالحكيم جل وعال فلو كان اإلمام غير معصوم لزم أن يكون له إمام آخر

وينتهي إلى المعصوم وهو المراد أوال ينتهي ويتسلسل هذا خلف.الحادي عشر: رأفة الله تعالى ورحمته عامة للعباد لقوله تعالى: (والله

رؤوف بالعباد) واتفق المسلمون على عمومه والعقل الصريح والحدسالصحيح يشهدان بذلك وقوله تعالى: (فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين

وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيهإال الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا) وجه االستدالل أن نقول

الله تعالى من على العالمين برأفته ورحمته ببعث النبيين بالكتاب وعلة البعثةالفاعلية اختالف الناس في التأويل في األحكام والغاية هو حصول الحق

وإزهاق الباطل والحاكم ليس الكتاب بل الرسول صلى الله عليه وآله وسلملقوله: (وما اختلف فيه إال الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات) فإذا

كان االختالف في نفس الكتاب وتأويله كان الحاكم هو الرسول فعلم من ذلكأن نعم الله تعالى وأعظمها إرسال الرسول لينذر ويبلغ إلى الناس ما أوحى

الله من الكتاب ثم يحكم بينهم بعد اختالفهم في تأويله وبعد النبي االختالففي التأويل أعظم فإن لم يكن من يقوم مقام النبي في كون قوله حجة وفيوجوب اتباعه وفي طريقته وفي عمله وإفادة قوله اليقين لزم حصول العلة

الفاعلية والغائية بدون الشئ مع القدرة والداعي وهو الرأفة بالعباد مع عدمالمعلول وهو محال فال بد من شخص بعد النبي يكون حاله ما ذكرنا وهذه

الخصال المذكورة ال تحصل إال بالمعصوم فوجب القول بعصمة اإلمام.الثاني عشر: قوله تعالى: (وما اختلف فيه إال الذين أوتوه من بعد

ما جاءتهم البينات بغيا بينهم) وجه االستدالل أن قوله تعالى وما اختلف فيهإال الذين أوتوه يدل على أن االختالف في التأويل ال التنزيل وقوله: (من

بعد ما جاءتهم البينات) ليس المراد حصوله لهم بالفعل بل المراد نصب مايصلح أن يفيد العلم في التأويل حتى يتحقق مجئ البينات وإن االختالفبعد ما يفيد العلم يكون بغيا وهو إما عقلي أو نقلي واألول ال يصلح عند

(٣٢٠)

Page 320: Kitab Al-Alfain Arabic

المخالفين مطلقا وأما عندنا فألنه ليس بعام في سائر األحكام والتأويالتفتعين الثاني والكتاب البحث في تأويله والسنة ليست شاملة لألحكام التي ال

تتناهى وألنها تحتاج إلى بيان تأويل لها فإن أكثرها مجمالت وعمومات ومجازاتواضمارات فليس إال المعصوم ألن قول غيره ال يكون بينة ويكون االختالف

بعده بغيا ألن البينة ما يفيد العلم اليقيني ولهذا جعل االختالف بعده بغيا.الثالث عشر: قوله تعالى: ((ومن الناس من يعجبك قوله وفي الحياة

الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) (وإذا تولى سعى فياألرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله ال يحب الفساد) (وإذا قيلله اتق الله أخذته العزة باإلثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد) (ومن الناس من

يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد) وجه االستدالل أنه بينفي هذه اآلية أشياء:

األول: إن إصالح الظاهر ظاهرا يعجب الناس حاله ويكون في نفساألمر في غاية فساد الباطن.

الثاني: أنه ال يصلح للوالية لقوله تعالى: (وإذا تولى سعى فياألرض ليفسد فيها) فهذا تحذير من الله عن تولية هذا الموصوف بهذه

الصفة.الثالث: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله) معناه إنه

في غاية صالح الباطن وأنه ال يصدر منه معصية ألن شراء النفس منالشهوات المهلكة واإلرادة المحرمة إنما يتحقق بترك الصغائر والكبائر وفعل

سائر الواجبات.الرابع: إن مثل هذا يصلح للوالية ألن ذكره عقيب النهي عن تولية

األول يدل على صحة تولية هذا.الخامس: إن ذلك ال يعلم من صالح الظاهر.

السادس: إن ذلك إنما يعلمه الله ويعلمه غيره بتعليمه إياه إذا تقرر

(٣٢١)

Page 321: Kitab Al-Alfain Arabic

ذلك.فنقول: هذه اآلية الكريمة المقدسة تدل على بطالن االختيار وعلى أن

الوالية من قبل الله تعالى ألنه تعالى بين أن مانع الوالية وهو األول قد ال يعلموأنه ال يجوز للنبي صلى الله عليه وآله أن يوليه إال بنص يوحى من الله

تعالى ألن الله تعالى قد بين أن المانع قد يوجد وال يعلمه النبي صلى الله عليهوآله وسلم وإنما يعلمه الله تعالى والشرط لذلك أال يعلمه إال الله عز وجل

وهو كونه من القسم الثاني وإذا لم يكن للنبي أن يولي بنص من الله عز وجللم يكن لغيره والذي يوليه الله تعالى ال يمكن أن يكون من القسم األول ويجب

أن يكون من القسم الثاني ويجب أن يعلم المكلفون بأنه ممتنع أن يكون منالقسم األول وأنه من القسم الثاني وذلك إنما يتحقق مع وجوب عصمة اإلمام

وهو المطلوب.الرابع عشر: القرآن الكريم مشحون بآي التحذير ووجوب التفكير في

أمور الدنيا وهو إصالح المعاش واآلخرة وهو إصالح أمر اآلخرة والمعاد إنماجاء بعدان نصب الله تعالى لكل مخاطب بذلك ما يفيده العلم إذا رجع إليه

سواء كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو بعده لقوله تعالى:((كذلك يبين الله لكم اآليات لعلكم تتفكرون) (في الدنيا واآلخرة))

وقوله تعالى: (ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلىالنار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم

يتذكرون)، بمعنى أنه عالم لجميع المكلفين في جميع األزمنة وهي جميعاألحكام إجماعا ألن ترجيح بعضها دون بعض ترجيح من غير مرجح وال

يختص ذلك باألصول ألن األحكام المتعلقة بأمور الدنيا ليست من األصولوهو إما عقلي أو نقلي واألول ال مجال له في األحكام عند أهل السنة وال يفيد

أكثر األحكام عند المعتزلة واإلمامية فهو الثاني والكتاب والسنة ال يفيداناليقين في كل األحكام لكل المكلفين وال يفيد ذلك إال قول المعصوم فتعين

وجود معصوم يفيد قوله اليقين ويجب على كافة المكلفين اتباعه فال يجوز أنيكون اإلمام غيره فاإلمام معصوم وهو المطلوب.

(٣٢٢)

Page 322: Kitab Al-Alfain Arabic

الخامس عشر: قوله تعالى: (أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بينالناس)، وجه االستدالل إنه تعالى أمر بثالثة أشياء األول البر الثاني

التقوى، الثالث االصالح بين الناس وتقديم األولين عليه يدل على أنه اليكون إال بطريق يفيد العلم أن البر والتقوى إنما يتحققان بالعدول عن

المظنون إلى المعلوم وهذا في األمور الكلية أولى بالثبوت بالقبول من األمورالجزئية وإن اإلمامة أمر كلي إذا تقرر ذلك فنقول نصب غير المعصوم يمكن أن

يكون فيه فساد بل الذي شوهد ووقع من خطأ غير المعصوم من الفساد ظاهروالبر والتقوى ينافيانه والعصمة ال يعلمها إال الله تعالى فدل على أن اإلمامة ال

تكون باالختيار وإنما يكون بعلم الله تعالى وال يجوز من الله تعالى نصب غيرالمعصوم فإنه يستحيل أن يحذر عباده من شئ ويفعله هو بهم هذا محال.

السادس عشر: قوله تعالى: (واذكروا نعمت الله عليكم وما أنزلعليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شئعليم) وجه االستدالل أن نقول إن الله أمر بالتقوى أمرا مطلقا غير مشروط

وال يتم إال بوجود اإلمام المعصوم وهو من فعل الله تعالى فتعين نصبه وإال لزمنقض الغرض وهو محال عليه تعالى وكل المقدمات بينة ال تحتاج إلى برهان إال

المقدمة الثانية وهي قولنا إن التقوى ال يتم إال بوجود إمام معصوم فإنها مقدمةاستداللية تحتاج إلى البيان فنقول بيانها موقوف على مقدمات، األولى: حقيقة

التقوى وقد ذكر العلماء لها رسوما فقال بعضهم هي االتيان بالعباداتواالحتراز عن المحذورات واختلف أهل هذا الرسم في أن اجتناب الصغائرهل هو داخل في التقوى أم ال فقال بعضهم يدخل كما تدخل الصغائر فيالوعيد وتندرج تحت التحذير وقال بعضهم ال يدخل وإال لم يستحق هذا

االسم إال المعصوم والحق األول ألن الوقاية فرط الصيانة عن المؤذي وقيل كلذنب مؤذ سواء كان صغيرا أو كبيرا وقيل هي الصيانة عن المؤذي وقيل كل

ذنب مؤذ سواء كان صغيرا أو كبيرا وقيل هي األخذ باألحوط فيفعل مايحتمل أن يكون واجبا ويترك ما يحتمل أن يكون حراما وهو مأخوذ مما ورد في

الحديث أنه قال صلى الله عليه وآله ال يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع

(٣٢٣)

Page 323: Kitab Al-Alfain Arabic

ما ال بأس به حذرا مما به البأس وقيل التقوى هي الخشية فكل ما ال يحصلمن تركه الخشية وجب فعله كل ما حصل من فعله الخشية اجتنب فخالصة

األقوال فيها راجعة إلى األول. الثانية: العبادات والدعوات كلها توقيفية،الثالثة: إن األمر بالتقوى ال يحسن إال بمقدمتين إحديهما أن يكون األمر عالما

بالسراير وما يشتمل عليه الضمائر وثانيهما أن يجعل للمكلف بالتقوى طريقيفيده العلم بكل ما هو حسن وقبيح وغير ذلك من األحكام وأشار سبحانهإلى المقدمة األولى بقوله عقيب األمر بالتقوى: (واعلموا أن الله بكل شئ

عليم) أشار إلى الثانية بقوله تعالى: (وما أنزل عليكم من الكتبوالحكمة يعظكم به) وال يتم الوعظ إال بالعلم إذا تقرر ذلك فنقول: قد

أمر الله تعالى بالتقوى وقد ثبتت المقدمة األولى في علم الكالم بالبراهينوالقرآن وهي علمه بكل معلوم فيجب تحقق المقدمة الثانية وهي جعل طريقللمكلف إلى معرفة كل األحكام باليقين وإال لزم نقض الغرض وهو إما عقلي

أو نقلي أو هما واألول محال إما على قول األشاعرة فظاهر وإما على قولنا فألنالعقل ال يستقل بأكثر األحكام فكيف بالكل، والثاني والثالث يعني أن بعضاألحكام يستفاد من العقل وبعضها يستفاد من النقل أو بعض مقدماته عقليةوبعضها نقلية غير المقدمات التي يستفاد منها صدق المنقول عنه ألنه من

األصول ال بد فيهما من المعصوم ألن الكتاب العزيز شرفه الله تعالى وما وجدمن السنة ال يتمكن كل أحد من المكلفين من تحصيل العلم بتخرج األحكاممنهما ضرورة فال بد من شخص يفيد قوله العلم وغير المعصوم ليس كذلك

فقد ثبت أن التقوى ال يتم إال بوجود إمام معصوم وليس من فعلنا ألنالعصمة غير معلومة لنا فهو من فعله تعالى بأن ينصبه ويدل عليه فلو خال

زمان منه مع عموم األمر بالتقوى بجميع المكلفين في جميع األزمنة لزم نقضالغرض في وقت ما وهو من الحكيم جل اسمه محال.

األول: إنها اجتناب الصغائر والكبائر في جميع األزمان واألحوال وال يتمإال بذكر الله تعالى واستحضار أمره ونهيه وااللتفات بكل سؤال الحق وهذا

مقام شريف.

(٣٢٤)

Page 324: Kitab Al-Alfain Arabic

الثاني: إن القرآن مشحون باألمر بالتقوى ومدح المتقين وهو ظاهر وإذاكانت أشرف المقامات وأهم المهمات فينبغي نصب من يتوقف عليه وهو

المعصوم في كل وقت فاالخالل به إهمال عظيم ألهم المهمات وهو ال يليقبالحكيم.

الثامن عشر: اإلمام يجب اتصافه بالتقوى الكلية وذلك يستلزم العصمةوالمقدمتان ظاهرتان.

التاسع عشر: ذكر الله تعالى المتقين في معرض المدح والمتقي في اللغةاسم فاعل من قولهم وقاه فاتقى والوقاية فرط الصيانة إذا عرفت ذلك فنقول

أما المتقي اتفق الكل على اجتناب الكبائر شرط في صدق هذا االسم والحقإن اجتناب الصغائر شرط أيضا ألنها تدخل في الوعيد لقول النبي صلى الله

عليه وآله وسلم: ال يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع ما ال بأس به حذرا ممابه البأس وقال تعالى في النحل: (أن أنذروا أنه ال إله إال أنا فاتقون)،

وقوله تعالى: (أفغير الله تتقون)، وفي المؤمن (أنا ربكم فاتقون)،هذا كله إشارة إلى فعل الطاعات وقوله تعالى: (وأتوا البيوت من أبوبها

واتقوا الله)، أي فال تعصوه وهذا يدل على نفي جميع المعاصي الصغائروالكبائر، قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وال شك أن األكرم

هو من فعل الطاعات الواجبات وترك كل المعاصي وهذا يدل على عصمةاإلمام ألن أكرم الناس عند الله تعالى بعد الرسول اإلمام وهو ظاهر وأكرمالناس هو أتقى الناس لآلية وأتقى الناس ليس إال المعصوم فيجب أن يكون

اإلمام هو المعصوم.العشرون: قال تعالى: (شهر رمضان الذين أنزل فيه القرآن هدى

للناس وبينت من الهدى والفرقان) وقال هنا هدى للمتقين وهذا يدل علىأن المتقين سبب هداية الناس وهم المعتبرون وباقي الناس ال اعتبار بهم فإما

أن يكون اإلمام من المتقين أو من غيرهم والثاني باطل ألن الحكيم ال يوجبعلى من به االعتبار وبه الهداية اتباع من ال اعتبار به وال يهتدي إال بذلكالغير فتعين أن يكون اإلمام من أعلى مراتب المتقين وهذا هو المعصوم.

(٣٢٥)

Page 325: Kitab Al-Alfain Arabic

الحادي والعشرون: وصف الله تعالى كتابه العزيز بأنه هدى للمتقينووصفه بأنه هدى للناس فال بد من امتياز المتقين عن الناس في ذلك بعد

اشتراكهم فيه فلنبين القدر المشترك بينهم والمميز فنقول الهدى في االعتقادوالقول والفعل وقوع ذلك كله على الوجه الصواب فهذا هو القدر المشترك

وأما المميز فأمور األول إن هداية المتقين تكون يقينا ال يحوم الشك حوله فيشئ من داللته ودل عليه بقوله: (وال ريب فيه) الثاني إن جميع المطالبالنظرية والعملية فيه مدرجة وقد دل عليه لقوله تعالى: (ال يغادر صغيرة

وال كبيرة إال أحصاها) وقوله تعالى: (وكل شئ أحصيناه في إمام مبين)الثالث إن داللته على هذه كلها يقينية ألن الداللة إما ظنية أو علمية ألنه ال بدفيها من ترجيح ألن الشك المحض ال داللة فيه فإما أن يكون الترجيح مانعا

من النقيض أوال والثاني الظن واألول إما أن يكون مطابقا أوال والثاني الجهلواألول إما أن يكون ثابتا أو ال واألول هو العلم والثاني هو اعتقاد المقلد للحقفوصف الله تعالى كتابه العزيز بأن داللته جازمة مطابقة ثابتة فيكون يقينية أما

األولى فلقوله تعالى: (ال ريب فيه) نكرة في معرض نفي فتعم، وأماالثانية فلقوله تعالى: (ال يأتيه البطل من بين يديه وال من خلفه تنزيل منحكيم حميد)، وأما الثالثة فلقوله تعالى ال يأتيه الباطل أيضا وأنه (هدىللمتقين) فتخصيصهم بهذا يدل على الثبات وعدم قبول التزلزل، الرابع

فعل الطاعات الواجبة التي أمر الله بها وترك جميع المعاصي التي نهى الله تعالىعنها وأشار إليه تعالى بقوله: (اتقوا الله حق تقاته)، إذا تقرر ذلك فنقول

هدى غير المتقين وقوع اعتقادهم على الوجه الصواب سواء كان ظنا أو تقليداأو يقينا ووقوع أقوالهم مطابقة في نفس األمر وقوع أفعالهم على الوجه الصواب

فأعلى مراتب هذا القسم بعد قسم المتقين من حصل له ذلك في كلاالعتقادات واألقوال واألفعال ثم يتلوه من حصل له في األكثر ومراتبه ال

تنحصر فالقسم األول وهم المتقون هم المعصومون ألنا ال نعني بالعصمة إالذلك وغيرهم.

يرجع إليهم ويهتدي بهم فاإلمام إما أن يكون من القسم األول أعني

(٣٢٦)

Page 326: Kitab Al-Alfain Arabic

المتقين أو من غيرهم والثاني محال ألن اإلمام تجب طاعته لطاعة الرسول لقولهتعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم)، ومحال من

الحكيم أن يأمر القسم األول باتباع وطاعة من هو من القسم الثاني وألناإلمام ذكره الله تعالى ثالث الله والرسول فيكون من القسم األول وهو منهذا القسم الثاني وهذا محال من الحكيم ومن قال بغير ذلك فهو ال يعرف

حكمة الله تعالى، واعترض فخر الدين الرازي على هذا الدليل بوجوه:األول: كون الشئ هدى ودليال ال يختلف لشخص دون شخص فكيف

جعل القرآن هدى للمتقين فقط وأيضا فالمتقي مهتد والمهتدي ال يهتدي ثانيا.الثاني: القرآن فيه مجمل ومتشابه وظاهر فكيف جعلتم كونه هدى

للمتقين بمعنى كون داللته يقينية ال يحوم الشك حولها خصوصا على قول منجعل الدالئل اللفظية ال تفيد اليقين.

الثالث: كل ما يتوقف كون القرآن حجة عليه ال يصح االستدالل بهعليه كمعرفة الصانع وصفاته فهذه اآلية مخصوصة، والجواب عن األول من

وجهين:األول: إنا قد ذكرناه في تقرير هذا الدليل إن هداية المتقين غير هداية

غيرهم فهو هدى للناس بمعنى وهدى للمتقين بمعنى والمغايرة بينهما مغايرة الكلللجزء أو العام للخاص ويجوز أن يكون التصديق بالنسبة إلى شخص يقينيا

وإلى آخر ظنيا فإن مساواة زوايا المثلث الثالث لقائمتين عند العالم باوقليدسيقينية وعند غيره غير يقينية.

الثاني: أن نقول كما أن القرآن هدى للمتقين وداللة لهم على وجودالصانع وعلى دينه وصدق رسوله فهو أيضا داللة للكافرين إال أنه تعالى ذكر

المؤمنين مدحا ليبين إنهم الذين اهتدوا وانتفعوا به كما قال تعالى: (إنما أنتمنذر من يخشاها) وقال تعالى: (إنما تنذر من اتبع الذكر) وقد كان عليه

السالم منذرا للكل ألجل إن هؤالء هم الذين انتفعوا بإنذاره واعلم أنبعض الفضالء فسر الهدى بالداللة الموصلة إلى المقصود فهو للمتقين بالفعل

(٣٢٧)

Page 327: Kitab Al-Alfain Arabic

ولغيرهم بالقوة فسماه في غيرهم هدى تسمية للشئ بما يمكن أن يؤل إليه،وعن الثاني إن التشابه واالجمال إنما هو الحتمال النقيض وهو من عدم العلم

اليقيني فأما من علم يقينا جزما بمراد الله تعالى من هذا اللفظ وهم المعصومونالذين هم المتقون بالحقيقة وغيرهم بالمجاز فإنهم يعلمون داللة اللفظ يقيناومراد الله تعالى منه فال يكون مجمال أو متشابها بالنسبة إليهم، وأنا أقول:

إن ذلك المجمل والمتشابه ال ينفك عن دليل يدل على ما هو المراد على اليقين وهوأما داللة العقل أو السمع فصار كله هدى وإنما قلنا إنه ال ينفك ألن الله تعالىقصد بخطابنا االفهام وإال لكان نقضا وهو على الحكيم محال فإما أن يجعل

على المراد من المجمل دليال عقليا أو نقليا أو يلهم تعالى المراد أوال فإنكان الثاني كان مكلفا بالمحال وناقضا للغرض فتعين األول وهو المطلوب وعدم

ظفر بعض العلماء به ال يدل على العدم في نفس األمر، وعن الثالث أنهيكفي في الهدى كونه هدى في بعض المطالب والقرآن في تعريفه الشرائعوتأكيدها في العقول. وأنا أقول: من تدبر القرآن العظيم حق تدبره وآجال

فكره الصحيح في معانيه ونظر بفطنة سليمة وقادرة في تركيبه وجده مشتمالعلى كل األدلة العقلية على إثبات الصانع وصفاته لست أقول إنه يستدل به

من حيث هو قول الله تعالى على ثبوت الصانع بل مقدمات األدلة الدالة علىثبوت الصانع وصفاته كلها مذكورة فيه بالفعل وفيه إشارة إلى تركيبها ونظم

األدلة منها فمن هذه الحيثية يصير دليال ال إنه من باب التقليد وتسليم إنهحجة بل باالستدالل العقلي بالمقدمات المذكورة فيه كقوله تعالى: (أفال

ينظرون إلى اإلبل كيف خلقت) (وإلى السماء كيف رفعت)) إلى آخر اآليةوهذا برهان آني وغير ذلك من اآليات وهو كثير.

الثاني والعشرون: اإليمان وأثره ال يتم إال باإلمام المعصوم فيجب أنيكون اإلمام المعصوم في كل زمان فيحتاج إلى بيان مقدمات، أحدهااإليمان، وثانيها ما أثره، وثالثها توقفه على إمام معصوم، ورابعها أنه إذا

كان كذلك وجب نصبه في كل زمان على الله تعالى، المقام األول اختلفأهل القبلة في مسمى اإليمان في عرف الشرع ويجمعهم فرق أربعة الفرقة

(٣٢٨)

Page 328: Kitab Al-Alfain Arabic

األولى الذين قالوا اإليمان اسم ألفعال القلوب والجوارح وإقرار باللسان وهمكثير من المعتزلة والزيدية وأهل الحديث أما المعتزلة فقالوا إن اإليمان إذا عدى

بالباء فالمراد به التصديق ولذلك فالن آمن بالله ورسوله ويكون المرادالتصديق إذ اإليمان بمعنى أداء الواجبات ال يمكن فيه هذه لتعدية وال يقال

فالن آمن بكذا إذا صلى وصام بل يقال فالن آمن لله كما يقال صام وصلى للهفاإليمان المعدي بالباء يجري على طريقة أهل اللغة وأما إذا ذكر غير معدي فقد

اتفقوا على أنه منقول من مسماه اللغوي الذي هو التصديق إلى معنى آخر ثماختلفوا فيه على وجوه إحداها إن اإليمان عبارة عن فعل كل الطاعات سواءكانت واجبة أو مندوبة أو من باب األقوال واألفعال أو االعتقادات وهو قول

واصل بن عطاء وأبي الهذيل والقاضي عبد الجبار ابن أحمد وثانيها إنه عبارة عنفعل الواجبات فقط دون فعل النوافل وهو قول علي بن هاشم وثالثها إن

اإليمان عند الله اجتناب كل الكبائر والمؤمن عند الناس من اجتنب كل ماورد فيه الوعيد قالوا ويحتمل أن يكون من الكبائر ما لم يرد فيه الوعيد فظهر

الفرق وهو قول النظام ومن أصحابه من قال شرط كونه مؤمنا عندنا وعند اللهاجتناب الكبائر كلها وأما أهل الحديث فذكروا وجهين األول إن المعرفة إيمان

كامل وهو األصل ثم بعد ذلك كل طاعة إيمان على حدة وهذه الطاعات اليكون شئ منها إيمانا إال إذا كانت مترتبة على األصل الذي هو المعرفة

وزعموا أن الجحود وإنكار القلب كفر ثم معصية بعده كفر على حدة ولميجعلوا شيئا من الطاعات إيمانا ما لم توجد المعرفة واإلقرار وال جعلوا شيئا منالمعاصي كفرا ما لم يوجد الجحود واإلنكار ألن الفرع ال يحصل بدون أصله

وهو قول عبد الله ابن سعيد بن كالب.الثاني: زعموا أن اإليمان اسم للطاعات كلها وهو إيمان واحد وجعلوا

الفرائض والنوافل كلها من جملة اإليمان ومن ترك شيئا من الفرائض فقدانتقض إيمانه ومن ترك النوافل لم ينتقض إيمانه ومنهم من قال اإليمان اسمللفرائض دون النوافل، الفرقة الثانية الذين قالوا اإليمان بالقلب واللسان معا

وهؤالء قد اختلفوا على مذاهب األول إن اإليمان إقرار باللسان ومعرفة

(٣٢٩)

Page 329: Kitab Al-Alfain Arabic

بالقلب وهو قول جمهور الفقهاء وأبي حنيفة ثم هؤالء اختلفوا في موضعينأحدهما في حقيقة هذه المعرفة فمنهم من فسرها باالعتقاد الجازم سواء كاناعتقادا تقليديا أو كان علما صادرا عن الدليل وهم الذين يحكمون أن المقلدمسلم ومنهم من فسرها بالعلم الصادر عن الدليل وهؤالء زعموا أن المقلد في

األصول ليس بمسلم، الموضع الثاني اختلفوا في العلم أن العلم المعتبر في تحققاإليمان علم بماذا فقال بعض المتكلمين هو العلم بذات الله تعالى وصفاته على

سبيل التمام والكمال وليس المراد العلم بالذات بالحقيقة بل بذاته،بالصفات ومعنى قولنا بالتمام أي كل صفاته ثم إن هؤالء لما كثر اختالفهم فيصفاته تعالى كفر كل طائفة منهم من عداه من الطوائف وقال جماعة من أهل

اإلنصاف المعتبر هو العلم بكل ما علم بالضرورة كونه من دين محمد صلى اللهعليه وآله وسلم، المذهب الثاني إن اإليمان هو التصديق بالقلب واللسان معاوهو قول بشر بن غياث المريسي وأبي الحسن األشعري والمختار من قول

اإلمامية، قال أبو الحسين األشعري: المراد من التصديق الكالم القائمبالنفس وقالت اإلمامية التصديق هو الحكم على شئ بشئ إيجابا أو سلبا،

المذهب الثالث مذهب طائفة من الصوفية إن اإليمان إقرار باللسان وإخالصبالقلب الفرقة الثالثة الذين قالوا اإليمان عبارة عن عمل القلب وهؤالء

اختلفوا على قولين:أحدهما: إن اإليمان هو عبارة عن معرفة الله تعالى بالقلب حتى أن من

عرف الله بقلبه ثم جحد بلسانه ومات قبل أن يقربه به فهو مؤمن كامل اإليمانوهو قول جهم بن صفوان أما معرفة الكتب والرسل واليوم اآلخر فقد زعم

أنها ليست داخلة في حد اإليمان هكذا نقل بعضهم عنه ونقل عنه الكعبي إناإليمان معرفة الله مع معرفة كل ما علم بالضرورة كونه من دين محمد صلى

الله عليه وآله وسلم.وثانيهما: إن اإليمان مجرد التصديق بالقلب وهو قول الحسين بن الفضل

البجلي، الفرقة الرابعة الذين قالوا اإليمان هو القرار باللسان فقط وهمفريقان:

(٣٣٠)

Page 330: Kitab Al-Alfain Arabic

األول: إن االقرار باللسان هو اإليمان فقط لكن شرط كونه إيمانا هوحصول المعرفة في القلب فالمعرفة شرط لكون االقرار باللسان إيمانا ال أنها

داخلة في مسمى اإليمان وهو قول غيالن بن مسلم الدمشقي والفضلالرياشي وإن كان الكعبي قد أنكر كونه قوال لغيالن.

الثاني: إن اإليمان مجرد االقرار باللسان من غير شرط آخر وهو قولالكرامية وزعموا أن المنافق مؤمن الظاهر كافر السريرة فثبت له حكم المؤمنين

في الدنيا وحكم الكافرين في اآلخرة فهذا مجموع أقوال الناس في مسمىاإليمان في عرف الشرع والذي نذهب إليه إن اإليمان عبارة عن التصديقبالقلب واإلقرار باللسان ونعني بالتصديق الحكم الذهني بالثبوت واالنتفاءالجازم المطابق الثابت وهو المستند إلى الدليل الصحيح في مادته وصورتهواإلقرار باللسان المطابق لذلك وذلك التصديق هو العلم التصديقي بوجود

الله تعالى وصفاته اإليجابية والسلبية التي يجب معرفتها على المكلف كالتوحيدوبالنبوة وثبوتها لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وبصفاته من

العصمة والمعجزة وبإمامة األئمة االثني عشر وبعصمتهم وبقاء اإلمام صاحبالزمان عليه السالم إلى انقراض المكلفين وقد بين ذلك في علم الكالم إذاتقرر هذا فنقول قد يحصل من هذه األقوال والمذاهب انحصار الناس في

قولين:أحدهما: قول من شرط العمل جزء من اإليمان.

وثانيهما: من ال يجعله جزءا من اإليمان فعلى المذهب األول ال بد وأنيكون جزء اإليمان هو العمل الصالح الصحيح وال بد وأن يجعل الله تعالىطريقا إلى العلم اليقيني بصحته فأما أن يكون من طريق اإلخبار أوال والثاني

ال يعم كاإللهام عادة واألول ال بد وأن يكون معلوم الصدق واإلجماع والتواترنادران فتعين إخبار المعصوم وحيث تطرق الموت إلى النبي صلى الله عليه وآله

وسلم وال نبي غيره وجب اإلمام المعصوم إذ غيره خالف االجماع فقد ثبتاحتياج المؤمن في إيمانه على هذا القول إلى اإلمام المعصوم والقول الثاني قول

من ال يشرط العمل في اإليمان فنقول أثر اإليمان العمل والعمل المطلوب منه

(٣٣١)

Page 331: Kitab Al-Alfain Arabic

للشارع الصحيح اليقيني لقوله تعالى: (إن الظن ال يغني من الحق شيئا)،وذلك العمل الصحيح اليقيني إنما يحصل من المعصوم بالتقرير الذي ذكرناهفقد ثبت أن المعصوم ال بد منه إما في اإليمان أو في أثره فيجب القول به.

الثالث والعشرون: قوله تعالى: ما يريد الله ليجعل عليكم من حرجولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون، هذه اآلية تدل

على عصمة اإلمام ووجه االستدالل يتوقف على مقدمات األولى إذا كلفالله تعالى بشئ فإما أن يكلفه بعين ذلك أو به إن أداه اجتهاده إليه وإن لم

يؤد اجتهاده إليه فما يؤدي اجتهاده إليه ويقوم ما يؤدي اجتهاده إليه مقام ماكلف به والثاني قول من قال كل مجتهد مصيب وقد أبطلناه في األصول فتعين

األول الثانية ال بد للمكلف من طريق إلى إصابة الحكم المعين الذي حكمالله تعالى به في الواقعة ألنه لواله لزم تكليف ما ال يطاق فال أقل من لزومالحرج وقد نفاه الله تعالى بهذه اآلية، الثالثة الظن اعتقاد راجح يجوز معهالنقيض وإذا جاز معه النقيض يكون أعم من المطلوب وإذا كان أعم فاليصلح أن يكون طريقا موصال إلى المطلوب ألن العام ال يستلزم الخاص

فجعل ما هو أعم طريقا إلى إصابة األخص ال أقل من أن يكون حرجاعظيما، الرابعة الطريق إلى العلم إما الضرورة أو النظر، والنظر ينحصر في

قسمين قول المعصوم وغيره ولألول شرائط أحدها أن يكون واجب العصمةوثانيها أن يجعل تعالى دليال للمكلف يوصله إلى معرفة عصمته وثالثها أن

يعلم الله تعالى المعصوم تلك األحكام التي حكم بها الله تعالى يقينا، ورابعهاأن يؤدي المعصوم ما علمه الله تعالى من األحكام، وخامسها أن يقبل

المكلف منه وأن يأتمر بأمره وينتهي بنهيه ويتبعه في أقواله وأفعاله إذا تقررذلك.

فنقول: قد ثبت في علم األصول إن لله تعالى في كل واقعة حكما واحداوقد ثبت من هذه اآلية أنه ال بد من طريق للمكلف إلى العلم بذلك الحكميجعله الله تعالى وينصبه وذلك الدليل قد بينا أنه إما المعصوم أو غيره مثل

االلهام والتواتر واإلجماع والله تعالى قادر على أن يفعل ذلك لكن الثاني لم

(٣٣٢)

Page 332: Kitab Al-Alfain Arabic

يتحقق في كل مكلف في كل واقعة من أول بعثة األنبياء إلى آخره فهو خالفجرى العادة فتعين األول وإال لكان الله تعالى مخال بالواجب وناقضا لغرضه

تعالى عن ذلك علوا كبيرا فتعين المعصوم فنقول تخصيصه ببعض األزمانوببعض المكلفين ترجيح بال مرجح فال بد في كل زمان من معصوم واجب

العصمة يكون قوله سندا لألحكام الشرعية ودليال برهانيا قاطعا عليها يفيدالعلم وذلك هو اإلمام وهو المطلوب وطريق آخر في االستدالل بهذه اآلية وهو

إن تمام النعمة قد يكون في الدين وقد يكون في الدنيا وفيهما المقصود ففيالدنيا بخلق األشياء الضرورية لإلنسان المنتفع بها وبيان وجه االنتفاع بها

وكيفية تملكها وكيفية نقلها للمعامالت والمعارضات وفي اآلخرة باألعمالالصالحات واجتناب المحرمات وإقامة العادات وذلك ال يتم إال بمعرفة

األحكام الشرعية وطرق التكاليف العقلية وال يحصل ذلك إال من المعصومفيجب نصبه وطريق آخر، اعلم أن طهارة النفس إنما هي تزكية الظاهر

باستعمال الشرايع الحقة واالنقياد ألوامر الله تعالى ونواهيه على حسب ما هيفي نفس األمر وتخلية السر عن األخالق الذميمة وفائدة هذه الطهارة إن النفس

تستعد ألن يفيض الله عليها بكرمه، ومنه وجود الصور القدسية فتتحلىبالكماالت النفسانية وذلك إنما يتم بإرسال المعصوم إذ الدالئل اللفظية ال

تفي بذلك وال مدخل للعقل في ترجيح كثير من األحكام الشرعية فال بد مناإلمام المعصوم وطريق آخر من جملة إرادة التطهير إقامة الحدود والتعزيراتواألمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعل ذلك مفوضا إلى غير المعصوم ال

يؤدي إلى التطهير ألن فعله أعم من السبب فال يمكن أن يكون سببا فال بدوأن يكون معصوما وطريق آخر ال رجس أعظم من الخطأ في األحكام

وخصوصا المتعلقة بالعبادات وال طهارة أعظم من الصيانة من الخطأ في شئمن األحكام أصال والباتة والصيانة إنما تكون بالمعصوم وطريق آخر امتثال أمر

الله تعالى وأمر النبي وأمر اإلمام طريق التطهير وهو ظاهر لقوله تعالى:(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) جعل أمر اإلمام ثالث

أمر الله تعالى فلو لم يكن معصوما لجاز منه الخطأ في حكمه فال يكون امتثالأمره مطهر أو ال يصلح أن يجعل في ثالث مرتبة أمر الله وأمر الرسول بل هو

(٣٣٣)

Page 333: Kitab Al-Alfain Arabic

مساو من حيث الصواب وإنما يتأخر بالشرف والذات والمراد إنما هو من حيثالصواب وهو المطلوب وطريق آخر قد بين أن اإلمام وأمره ونهيه وإرشاده من

مبادئ التطهير بل هو بالعلة القريبة أشبه فال بد وأن يكون مطهرا من سائرالرجس والخطأ وسائر الذنوب والعيوب والسهو والنسيان وهذا هو العصمة

ألن تطهيره أولى من تطهير واحد ال يكون مبدأ ولكن إرادة التطهير في غيرهبالسوية ويجمعهم في اللفظ فيكون التطهير له أولى ولم يحتج اإلمام إلى إمام

وإال لزم التسلسل فال بد وأن يكون معصوما وطريق آخر ال نعمة أعظم مننصب إمام معصوم حافظ للشرع فيه الشرائط المذكورة فإن تخلف الحكمفلعدم قبول المكلف وهو من المكلف ال من الله تعالى ويريد أن يتم نعمته

علينا ويهمل مثل هذه النعمة هذا محال.الرابع والعشرون: قوله تعالى: ((قد جاءكم من الله نور وكتب

مبين) (يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السالم ويخرجهم من الظلمات إلىالنور بإذنه ويهديهم إلى صرط مستقيم)، هذه اآلية تدل على أنه تعالى

نصب أدلة يقينية في الكتاب يهدي بها من اتبع رضوانه واتبع سبل السالمهي الطرق التي يستفاد منها أحكام الله تعالى باليقين وإذ لم يمكن من الكتاب

للمجتهدين فهي للمعصومين فأما أن تختص بالنبي صلى الله عليه وآلهفيحصل اللطف للمكلفين في زمانه خاصة وهو ترجيح بال مرجح وأما أن ال

يختص بالنبي صلى الله عليه وآله بل تكون مشتركة بينه وبين اإلمام فالبد في كل زمان من إمام معصوم يعرف سبل السالم وتلك الطرق اليقينية

وتكون آيات الكتاب بالنسبة إليه نورا ألنه ال شئ في الهداية مثل النور فإنهيفيد األبصار اليقيني الذي ال يقبل الشك فلهذا شبه طرق الكتاب وذلك ال

يمكن إال للمعصوم الذي نفسه قدسية يكون العلوم بالنسبة إليها من قبيلفطرية القياس وهذا هو الحق.

الخامس والعشرون: قوله تعالى: (ويهديهم إلى صرط مستقيم)يدل على أن المراد أنه تعالى أراد الهداية إلى أمره ونهيه ومن ليس بمعصوم ال

يمكن فيه ذلك فكما كان في النبي ينبغي في كل زمان كذلك يكون اإلمام

(٣٣٤)

Page 334: Kitab Al-Alfain Arabic

معصوما وهو المطلوب وهذا قريب وهذا من البديهي.السادس والعشرون: قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول

واحذروا فإن توليتم فاعلموا إنما على رسولنا البالغ المبين) تقرير االستداللمن هذه اآلية وجوه:

أحدها: إنه تعالى أمر بالحذر عن مخالفة األمر وعدم االتيان بما أمر اللهتعالى به حكمه تعالى في األحكام التكليفية واحد كما تقرر في األصول ومتى لم

يوجد معصوم في كل زمان يفيد قوله العلم بحكم الله تعالى يقينا فالخوفحاصل وال يندفع بدونه أو بخلق علوم ضرورية بالصواب ولم يحصل الثاني

ألنا نبحث على هذا التقدير فال بد من األول.ثانيها: طريق دفع الخوف ال بد فيه من خمسة أمور أحدها ما يتعلق

بالله تعالى وهو نصب المؤدي والمبلغ وهو الرسول عليه السالم وحيثفناء البشر من الحكم المحتوم وعدم تناهي الوقائع معلوم وعدم وفاء

عقول سائر المكلفين باستخراج كل األحكام الشرعية من الكتاب العزيزوالسنة على سبيل اليقين بال شك وال ريب أمر واقع ال نزاع فيه والمنازع

مكابر واإلجماع قليل ومسائله معدودة والتواتر كذلك ومن جعل شخص قائممقام النبي في حفظ الشرع والعصمة عالم باألحكام باليقين ويخبر عن علم ال

يقبل الشك طريق صالح إلى دفع الخوف ومعرفة أحكام الله تعالى وإذا لميحصل غيره من الطريق تعين هو باليقين، وثانيهما نصب دليل دال على نبوةالنبي وعلى إمامة اإلمام، وثالثها إبالغ النبي وسعيه في االبالغ ورابعها خلق

فهم وذهن وآالت حسية للمكلفين ألجل التوصل إلى فهم األحكام وانتصاباإلمام لتعريف األحكام أن سأله المكلفون ودعائهم إليها إن أمن على نفسهوخامسها امتثال المكلفين ألمر اإلمام والسعي في تفهيم األحكام واألموراألربعة المتقدمة من الله تعالى فلو لم يفعلها الله تعالى لكان حصول األمن

للمكلف متعسرا بل متعذرا واألمر بالحذر يستلزم األمر بالسعي إلى ما يؤمنالمكلف واالجتهاد في دفع الخوف وهو ظاهر فلو لم يجعل الطريق الذي من

فعله وال يتمكن المكلف منه لكان تكليفا بالمحال تعالى الله عن ذلك علوا

(٣٣٥)

Page 335: Kitab Al-Alfain Arabic

كبيرا فيجب نصبه والخامس من فعل المكلف فاالهمال اآلن من فعل المكلفينفيجب نصب اإلمام المعصوم الثالث في القرآن المحكم والمتشابه والنص

والظاهر والمؤول فحصول الداللة اليقينية منه في كل األحكام للمجتهد محالفمن السنة أولى ومع كون الحكم واحد أو إهمال النقيض وعدم قيام غير

الحكم مقامه في مطلوب الشارع وفيما ينشأ منه ومن المصالح وفي تركه المفاسدال يحصل إال من إصابة حكم الله تعالى وال يحصل إال مع علم يقيني وطريقه

أما قول واجب العصمة الذي يستحيل عليه السهو والنسيان والخطأ فيالتأويل مطلقا أو غيره وهذه قسمة حقيقية ال تنقلب والثاني لم يوجد وهو ظاهر

فلوال وجود األول لزم أن يكون الله تعالى ناقضا لغرضه وهو محال بالضرورةتعالى الله عن ذلك فتعين وجود إمام معصوم في كل وقت.

السابع والعشرون: قوله تعالى: (إنما على رسولنا البالغ المبين) وإنمايكون البالغ مبينا لو جعل فيه طريقا إلى العلم ولم يجعل طريقا غير المعصوم

فتعين عليه النص على إمام معصوم.الثامن والعشرون: قوله تعالى: (إني جاعل في األرض خليفة) بدأ

الله تعالى بالخليفة قبل الخليقة واالبتداء من الحكيم إنما هو باألهم فدل علىأن الخليفة أهم فال بد وأن يكون الخليفة أكمل من كل الخلق في القوةالعملية والعلمية وأشرفهم ومن يكون كذلك وليس ذلك إال المعصوم.

التاسع والعشرون: فائدة الخليفة تكميل قوى العلم والعمل لسائرالخالئق وتكميل كل مستعد على قدر استعداده ولما كانت مراتب الناس في

االستعداد متفاوتة في الكمال والنقصان وجب أن يكون المكمل الموصل كلمستعد إلى أقصى نهاية كماله كامال في القوتين العملية والعلمية أصال في

الكمال إلى أقصى نهاية الكمال البشري وال يتحقق ذلك مع غير العصمة فوجب أنيكون معصوما وهذا المعنى الموجب مشترك في كل خليفة لله تعالى في أرضه فيجب

عمومالحكم لعموم العلة وهذا مقتضي الحكمة اإللهية والخليفة كما يقال على النبي

صلى الله عليه وآله يقال على اإلمام عليه السالم وألن النبي ال يعم فيكل عصر وهو ظاهر فلو اختص ذلك بالنبي الختص باللطف بعض األمة

(٣٣٦)

Page 336: Kitab Al-Alfain Arabic

لكن رحمة الله عامة شاملة للكل وعنايته في حق أهل كل عصر وجب اإلمام.الثالثون: إنما سمى الخليفة خليفة ألنه يحكم في الخلق بحكم الله

تعالى ويحملهم على أمره ونهيه فهو خليفة الله تعالى وهذا قول ابن مسعود وابنعباس والسدي وأكد ذلك قوله تعالى: (إنا جعلناك خليفة في األرضفاحكم بين الناس بالحق)، وفائدته ال تحصل إال مع العصمة فوجب

عصمته أما األولى فألن خلق الشهوات والنفرات في الطبايع البشرية منمكمالت التكليف بحيث يحصل الثواب التام بامتثال األوامر واالنزجار عن

النواهي وإليه أشار بقوله تعالى: ونهي النفس عن الهوى، ومن الناس منيستصغر الكمال وحصوله في تحصيل مقتضى الشهوة وال يبالي بحفظ ظاهر

نظام النوع ذلك فوجب في الحكمة وضع الخليفة ليقوي القوة العقليةويساعدها على القوة الشهوية والغضبية ويحمل الناس على المعروف ويزجرهم

عن المنكر ويردع القوي عن الضعيف وهذه عناية من الله تعالى ال تختصبأحد بل تعم الخالئق في جميع األصقاع والبالد واألزمان ولجميع األشخاص

فالمطلوب منه عصمة غيره لو تمكن من الكل فكيف ال يكون هو معصوما والوجه لحاجة المكلف إليه إال جواز الخطأ عليه فلو جاز عليه الخطأ الحتاج إلى

خليفة آخر ودار أو تسلسل وهو محال ألن من به صالح كل وجه وفساده يجبأن يكون عاريا عن كل وجوه المفاسد وألن المراد منه زجر الكل عن كل

معصية في كل عصر وفي كل وقت واألمر بالطاعات كذلك فال بد وأن يكونمعصوما وهو ظاهر، وأما المقدمة الثانية فألنه إذا لم يكن معصوما انتفت

فائدته وفعل الحكيم إذا كان لغرض وتوقف الغرض على شرط من فعله ولميفعله ال شك أنه يكون ناقضا لغرضه وهو مضاد لحكمته وأيضا الخليفة أمينمخلوف على األديان والدماء واألموال فلو جاز عليه الخطأ والخيانة امتنع من

الحكيم جعله أمينا وأمرنا باتباعه وهو ظاهر وهذه األدلة مستفادة من كالمالشيخ محمد بن بابويه من اإلمامية رحمه الله تعالى.

الحادي والثالثون: علي عليه السالم أفضل من المالئكة والمالئكةمعصومون واألفضل من المعصوم معصوم فعلي عليه السالم معصوم، أما

(٣٣٧)

Page 337: Kitab Al-Alfain Arabic

المقدمة األولى فلقوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيموآل عمران على العالمين) والعالمون هم ما سوى الله تعالى وعلي عليه

السالم من آل إبراهيم والمصطفى أفضل من المصطفى منه وألن النبي محمداصلى الله عليه وآله أفضل من المالئكة ونفس النبي وعلي واحدة في

الكمال فيكون علي عليه السالم أفضل من المالئكة أما أفضلية النبي صلى اللهعليه وآله وسلم فلما بين في علم الكالم ونشير هنا إلى دليل ينبه على ذلك.

فنقول: إنه عليه السالم أفضل من آدم وآدم أفضل من المالئكة فالنبيأفضل من المالئكة، أما المقدمة األولى فإجماعية وأما المقدمة الثانية فألن الله

تعالى أمر المالئكة بالسجود آلدم والمسجود له أفضل من الساجد وهو ضروريوأما اتحاد نفس علي ونفس النبي بمعنى اتحادهما في الكماالت فبقوله تعالى:

(وأنفسنا وأنفسكم) واإلجماع على أن المراد بقوله أنفسنا علي عليه السالموأما المقدمة الثانية وهي أن المالئكة معصومون فلوجوه:األول: قوله تعالى: (ال يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما

يؤمرون).الثاني: قوله تعالى: (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون)

يتناول جميع فعل المأمورات وترك المنهيات ألن النهي عن الشئ يستلزم األمربتركه.

فإن قيل: ما الدليل على قوله ويفعلون ما يؤمرون يفيد العموم؟قلنا: ال شئ من المأمورات إال ويصح استثنائه منه واالستثناء يخرج

من الكالم ما لواله لدخل على ما بيناه في أصول الفقه وألنه صفة مدح فلوالالعموم لشاركوا من عداهم في ذلك فلم يكن الختصاصهم بصفة المدح

فائدة.الثالث: قوله تعالى: ((بل عباد مكرمون) (ال يسبقونه بالقول وهم

بأمره يعلمون)) صريح في براءتهم عن المعاصي وكونهم في كل األمورتابعين لألمر اإللهي والوحي.

(٣٣٨)

Page 338: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابع: إنه تعالى حكى عنهم طعنوا في البشر بالمعصية ولو كانواعصاة لما حسن منهم ذلك الطعن.

الخامس: إنه تعالى حكي عنهم أنهم يسبحون الليل والنهار وال يفترونومن كانوا كذلك امتنع صدور المعصية منهم وأما المقدمة الثالثة وهي أناألفضل من المعصوم معصوم فظاهرة وقد نبه الله تعالى عليها بقوله تعالى:(إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وإذا ثبت أن عليا عليه السالم معصوم وجب

أن يكون كل إمام معصوما إذ ال قائل بالفرق.اعتراض: إن المقدمة الثانية قدح فيها جماعة من الحشوية وتكلموا فيها

بالمنع والنقض والمعارضة أما المانع فال نسلم عصمة المالئكة وما ذكرتموه مناألدلة أما أوال فإنه مختص بمالئكة النار وباقي األدلة يمنع عمومه في كل

المالئكة وأما النقض فبقصة هاروت وماروت فإنهما ملكان وقد وجد منهماالذنب وإال لما عاقبهما الله تعالى حيث خيرهما بين عذاب الدنيا واآلخرة

فاختارا عذاب الدنيا عاجال فجعلهما ببابل منكوسين في بئر إلى يوم القيامةوهما يعلمان الناس السحر ويدعوان إليه وال يراهما أحد إال من ذهب إلىذلك ليعلم السحر وأما المعارضة فبوجوه األول قوله تعالى حكاية عنهم:(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس

لك) فهذا يدل على أنهم اعترضوا على الله تعالى وذلك من أعظم الذنوبوألن طعنهم على بني آدم بالفساد غيبة والغيبة ذنب وألنهم إما أن يكونوا قد

علموا ذلك بالوحي أو باالستنباط واألول ينفي فائدة إعادته عليه تعالى والثانييستلزم القدح في الغير بالظن وال يجوز الثاني قوله تعالى: (وما جعلنا

أصحاب النار إال مالئكة). فدل هذا على أن المالئكة معذبون ألن أصحابالنار إنما يكون من يعذب فيها كما قال الله تعالى: (أولئك أصحاب النار هم

فيها خالدون) الثالث إن إبليس كان من المالئكة المقربين ثم عصى وكفروذلك يدل على صدور المعصية من جنس المالئكة هذه خالصة كالم الحشوية

والجواب منه أما المنع فهو باطل ألنا استدللنا على عصمة المالئكة والقرآنمشحون به والعقل دل على أنهم خير محض حتى ذهب بعضهم أنهم خير

(٣٣٩)

Page 339: Kitab Al-Alfain Arabic

محض وال قدرة على الشر والفساد وألنهم ال شهوة لهم وال حاجة وعالمونبقبح القبيح فال يفعلونه النتفاء داعي الحاجة والجهل وأما قولهم في األول إنهمختص بمالئكة النار قلنا ممنوع بل هو عام لصحة االستثناء سلمنا لكن يتم

مطلوبنا به فإنا قد بينا أنه أفضل من كل المالئكة فدخل المعصومون منهم وتمالدليل وعن منع عموم باقي اآليات فنقول إنه باطل التفاق الكل على العمومولصحة االستثناء لكل فرد من أفراد المالئكة وما ذكرناه من تمام االستدالل

سواء كان للعموم أو للخصوص، والجواب عن النقض بوجوه:األول: قرأ الحسن الملكين بكسر الالم وهو مروي عن الضحاك وابنعباس ثم اختلف هؤالء فقال الحسن: كانا عجلين اقليين ببابل يعلمون

الناس السحر وقيل كانا رجلين صالحين من الملوك فيرد على هذه القراءة تفسيرقوله أنزل فقال بعضهم بمعنى قدر قالت الجبرية من القضاء والقدر وقال

بعضهم القضاء عبارة عن وجود جميع الموجودات في العالم العقلي مجتمعةومجملة على سبيل االبداع والقدر عبارة عن وجودها في موادها الخارجية أو

بعد حصول شرائطها متصلة واحد بعد واحد قال الله تعالى: (وإن منشئ إال عندنا خزائنه وما ننزله إال بقدر) والجواهر العقلية توجد في القضاء

والقدرة مرة واحدة باعتبارين والجسمانية وما معها موجودة فيهما مرتين واحتجمن قرأ بكسر الالم بوجوه أحدها أنه ال يليق بالمالئكة تعليم السحر وثانيها

كيف يجوز إنزال الملكين مع قوله: (ولو أنزلنا ملكا لقضي األمر ثم الينظرون) وثالثها لو أنزل لكان أما أن يجعلهما في صورة رجلين أوال فإن كان

األول مع أنهما ليسا برجلين لكان ذلك تخييال وتلبيسا وذلك غير جايز ولو جازذلك فلم ال يجوز أن يكون كل واحد من الناس الذين نشاهدهم ال يكون في

الحقيقة انسانا بل ملكا من المالئكة وإن كان الثاني فهو باطل لقوله تعالى:(ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجال). وفي هذه الوجوه كالم يليق بعلم الكالم

ذكرناه في النهاية فال نطول بذكره هنا.الثاني: أن قوله: (وما أنزل على الملكين) موضعه جر عطفا على

ملك سليمان وتقديره ما تتلوا الشياطين اقرأ على ملك سليمان وعلى ما أنزل

(٣٤٠)

Page 340: Kitab Al-Alfain Arabic

على الملكين وهذا هو قول أبي مسلم وتفسيره قال كما أن الشياطين نسبواالسحر إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرأ عنه وكذلك نسبوا ما

أنزل على الملكين في أن المنزل عليهما سحر وهو مبرأ عن السحر ألن المنزلعليهما كان هو الشرع والدين والدعاء إلى الخير واحتج عليه بأن السحر لوكان نازال عليهما لكان منزله هو الله تعالى وذلك غير جايز ألن السحر كفر

وعيب وال يليق بالله تعالى إنزال ذلك وألن قوله ولكن الشياطين كفروايعلمون الناس السحر يدل على أن تعليم السحر كفر، فلو ثبت في المالئكة

أنهم يعلمون السحر لربهم الكفر وذلك باطل وألنه كما ال يجوز على األنبياء أنيبعثوا بتعليم السحر كذا ال يجوز في المالئكة بطريق األولى وألن السحر ال

يضاف إال إلى الكفرة والفسقة والشياطين المردة فكيف يضاف إلى الله تعالى مانهى عنه ويتوعد عليه بالعتاب وهل السحر إال الباطل المموه وقد أبطله الله

تعالى في عدة مواضع كما قال الله تعالى في قصة موسى عليه السالم (إن اللهسيبطله).

الثالث: أن يكون ما بمعنى الجحد ويكون معطوفا على قوله وما كفرسليمان كأنه قال لم يكفر سليمان ولم ينزل على الملكين السحر ألن السحرة

كانت تضيف السحر إلى سليمان وتزعم أنه مما أنزل على الملكين ببابل هاروتوماروت فرد الله عليهم في القولين وقوله وما يعلمان من أحد جحد أيضا أي

ال يعلمان أحدا بل ينهيان عنهما أشد النهي وأما قوله تعالى حتى يقوال إنما نحنفتنة أي ابتالء وامتحان فال تكفر وهو كقولك ما أمرت فالنا بكذا حتى قلت

له ال تفعل ونهيته أو حتى قلت له إن فعلت كذا نالك كذا ومعناه ما أمرتهحتى حذرته عنه.

الرابع: إن إنزال السحر لتعليم صفته ألنه منهي عنه والنهي عن الشئيستلزم معرفته على تعليم السحر وجعله كفرا لقوله تعالى ولكن الشياطين

الستحالة تكليف الله تعالى شخصا بأن يجتنب شيئا مجهوال مطلقا ألنه يكونتكليفا بالمحال فإن النهي عن الشئ يستلزم العلم به، ال يقال: إنه تعالى

ذم الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ألنا نقول الشياطين علموا الناس

(٣٤١)

Page 341: Kitab Al-Alfain Arabic

ليعملوا به ويفسدوا في األرض فلذلك ذمهم الله تعالى.الخامس: السحر لفظ مشترك بين معنيين أحدهما ما دق ولطف وتعجبمنه العقول واألذهان بقوله إن من البيان لسحرا، ثانيهما ما يذم فاعله وهو

كل أمر يخفي سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداعوإذا أطلق ولم يقيد أفاد ذم فاعله تعالى وسحروا أعين الناس - يعني موهوا

عليهم - فالمنزل على الملكين جاز أن يكون من القسم األول وهو اختيار بعضاألصوليين.

السادس: إنه تعالى أنزل علم السحر ابتالء من الله للناس من تعلمهوعمل به كان كافرا ومن تعلمه لئال يعمل به ويجتنبه ويحترز منه وليتوقاه ولئال

يغتر به كان مؤمنا كما قيل عرفت الشر ال للشر لكن لتوقيه كما ابتلى الله تعالىقوم طالوت بالنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني، وهذاالوجه هو اختيار المعتزلة، والجواب عن المعارضة أما عن األول فبمنع إنهمأرادوا االعتراض عليه تعالى بل طلبا لتعلم الشرفي خلق بني آدم مع صدورالشرور منهم ألن الحكيم إذا علم باشتمال فعل على مفسدة ال يصدر منه

ذلك الفعل إال لحكمة عظيمة ومصلحة تامة تستحقر في الحكمة تلك المفاسدبالنسبة إلى وجود المصالح فأراد المالئكة بسؤالهم أن يعلمهم الله تعالى بتلك

الحكمة وأيضا فإن إيراد االعتراض لمعرفة الجواب وحل وجه اإلشكالوالشبهة ليس بقبيح وال يشتمل على إنكار وأيضا فإن سؤالهم كان وال يشتملعلى إنكار وأيضا فإن سؤالهم كان على وجه المبالغة في إعظام الله تعالى فإن

العبد المخلص لشدة حبه لمواله يكره أن يكون له عبد يعصيه ولم يذكروا ذلكعن بني آدم غيبة لهم بل لما كان محل اإلشكال في خلق بني آدم إقدامهم على

الفساد وسفك الدماء ومن أراد إيراد السؤال وجب أن يتعرض لمحلاإلشكال ال لغيره فلهذا السبب ذكروا من صفات بني آدم هاتين الصفتين قولهإما أن يكون قد علموا ذلك بالوحي أو باالستنباط قلنا جاز أن يكون الوحي

وجاز أن يكون بااللهام وإعارته عليه تعالى على سبيل االستفادة كما قررنا فالمحذور وعن الثاني أن قوله تعالى: (وما جعلنا أصحاب النار إال مالئكة) ال

(٣٤٢)

Page 342: Kitab Al-Alfain Arabic

يدل ذلك على أنهم معذبون بها بل يريد به خزنة النار والمنصرفين في الناروالمدبرين ألمرها وعن الثالث ال نسلم أن إبليس كان من المالئكة ألنه تعالى

أخبر عنه في موضع آخر إنه كان من الجن.الثاني والثالثون: اإلمام أفضل من أنبياء بني إسرائيل أو مساو لهم

وأنبياء بني إسرائيل أفضل من المالئكة فاإلمام أفضل من المالئكة بطبقتينوالمالئكة قد وصفهم الله تعالى ومدحهم بصفات:

إحديها: إنهم ال يعلمون إال بالنص لقوله تعالى: (ال علم لنا إال ماعلمتنا)، وقال: ال يسبقونه بالقول.

وثانيها: إنهم ال يعلمون شيئا إال بأمره تعالى لقولهم وهم بأمره يعملونوهذه الصفة في العرف العام إنما تستعمل في كل من فعله بأمره تعالى وال

يهمل من أمره شيئا.وثالثها: إنهم ال يعصون الله ما أمرهم كما قال تعالى هذه صفات

العصمة فهم معصومون فيكون األفضل من المعصوم معصوما فأنبياء بنيإسرائيل معصومون فاإلمام أولى بالعصمة ألنه أفضل من األفضل من المعصوم

أو مساو له أما المقدمة األولى فلقوله عليه السالم: علماء أمتي كأنبياء بنيإسرائيل واإلمام أفضل من كل العلماء أو مساو لهم فهو أفضل من أنبياء بنيإسرائيل أو مساو لهم وأما المقدمة الثانية فلقوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم

ونوحا) اآلية والعالم كل ما سوى الله تعالى وذلك ألن اشتقاقه من العلموكل ما كان علما على الله ودليال عليه فهو عالم وال شك أن كل محدث فهو

دليل على الله تعالى محدث فهو عالم فقوله إن الله اصطفى اآلية معناه إنهتعالى اصطفاهم على كل المخلوقات وال شك أن المالئكة من المخلوقات فهذه

اآلية الكريمة تقتضي إنه تعالى اصطفى هؤالء األنبياء على المالئكة، وأماالمقدمة الثالثة فلما بينا، وأما المقدمة الرابعة فضرورية واعترض اإلمام فخر

الدين الرازي على المقدمة الثانية بأن الكلية منقوضة بقوله تعالى: (يبنيإسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وإني فضلتكم على العالمين) فإنه

(٣٤٣)

Page 343: Kitab Al-Alfain Arabic

ال يلزم أن يكونوا أفضل من المالئكة ومن محمد صلى الله عليه وآله فكذا هناوأيضا قال الله تعالى في حق مريم عليها السالم: (إن الله اصطفاك وطهرك

واصطفاك على نساء العالمين) ولم يلزم كونها أفضل من فاطمة عليها السالمفكذا هنا والجزئية ال تنتج كبرى في الشكل األول.والجواب: إن هذا اإلشكال مدفوع ألن قوله تعالى:

(وإني فضلتكم على العالمين) خطاب لألنبياء الموجودين في ذلك الزمانوحين ما كانوا موجودين لم يكن محمد صلى الله عليه وآله موجودا في ذلك

الزمان ولما لم يكن موجودا لم يكن من العالمين ألن المعدوم لم يكن من العالمينوإذا كان كذلك لم يلزم من اصطفاء الله تعالى إياهم على العالمين في ذلك

الوقت أن يكونوا أفضل من محمد صلى الله عليه وآله فأما جبرائيل عليهالسالم فإنه كان موجودا حين قال الله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحاوآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) فيلزم أن يكون قد اصطفى هؤالءعلى جبرائيل وأيضا فهب أن تلك اآلية قد دخلها التخصيص لقيام الداللة

وهاهنا ال دليل يوجب ترك الظاهر فوجب اجراؤه على الظاهر في العموم وقدعرفت من ذلك الجواب عن االلزام بأن مريم قد اصطفاها الله على نساء

العالمين ولم تكن أفضل من فاطمة عليها السالم فإن فاطمة عليها السالم لمتكن موجودة في ذلك الزمان وتمام التقرير كما مر.

الثالث والثالثون: قوله تعالى: (وما أرسلناك إال رحمة للعالمين)وهذه العبارة تدل لغة على الحصر ونصب إمام قائم مقام النبي صلى الله عليهوآله بعد لطف ورحمة بل هو أعظم من بيان التكاليف الجزئية والمندوبات

والمكروهات األقلية ألنه أمر كلي فإخالله به ينافي الرحمة فيجب عليه نصباإلمام ودعوة المكلفين إلى طاعته وتحذيرهم من معصيته وألن أمره قائم ودعوة

المكلفين إلى طاعته وتحذيرهم من معصيته وألن أمره قائم مقام أمر النبيصلى الله عليه وآله فهو أفضل من كل األمة فيجب أن يكون معصوما ألن تسليم األمة

كلهم أمرهم ونهيهم وفعلهم وتركهم إلى شخص واحد غير معصوم ينافيالرحمة فهو معصوم فاإلمام معصوم.

(٣٤٤)

Page 344: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابع والثالثون: هذه اآلية تدل على شدة اهتمامه برحمة األمةوعدم نصب إمام معصوم يناقض هذا الغرض فيكون محاال من الحكيم.

الخامس والثالثون: هذه اآلية تدل على عصمة النبي صلى الله عليهوآله ألن عدم عصمة من إرساله ينحصر في الرحمة ينافي هذا الغرض فيكون

محاال.السادس والثالثون: اإلمام قائم مقام النبي صلى الله عليه وآله فيما

أرسل فيه فيكون معصوما وإال لناقض الغرض فما في هذه اآلية تدل على أنهعليه السالم أفضل من العالمين والمالئكة من العالمين فيكون محمد صلى الله عليه وآله

أفضل منهم وعلي نفس النبي لقوله تعالى: (وأنفسنا وأنفسكم) واالتفاقعلى أنه المراد به علي عليه السالم فهو أفضل من المالئكة والمالئكة معصومون

واألفضل من المعصوم معصوم فعلي عليه السالم معصوم وكلما كان عليمعصوما كان اإلمام مطلقا معصوما ألنه ال قائل بالفرق فكل إمام معصوم وهو

المطلوب.السابع الثالثون: المالئكة معصومون لقوله تعالى: (ال يسبقونه

بالقول وهم بأمره يعملون) وعلي عليه السالم أفضل من المالئكة لما تقدمفيكون علي " ع " معصوما ألن األفضل من المعصوم معصوم بالضرورة.

الثامن والثالثون: الله تعالى خلق المالئكة عقوال بال شهوة وخلقللبهايم شهوات بال عقل وخلق اإلنسان وجمع فيه بين األمرين فصار اآلدمي

بسبب العقل فوق البهيمة بدرجات ال حد لها وصار بسبب الشهوة دونالمالئكة ثم وجدنا اآلدمي إذا غلب هواه عقله حتى يعمل بهواه دون عقلهيصير دون البهيمة كما قال الله عز وجل: (أولئك كاألنعام بل هم أضل)فلذلك صار مصيرهم إلى النار دون البهائم فيجب أنه إذا غلب عقله هواه

حتى صار ال يعمل بهوي نفسه شيئا بل يعمل بهوي عقله أما أن يكون فوقالمالئكة أو مساويا لهم اعتبارا ألحد الطرفين باآلخر إذا تقرر ذلك فنقول: إذا

أراد الله بأوامره ونواهيه وخلق العقول ليخرج اإلنسان من مرتبة

(٣٤٥)

Page 345: Kitab Al-Alfain Arabic

حضيض مرتبة البهائم والدواب إلى أوج مرتبة المالئكة ونصب األنبياء واألئمةإلرشادهم ودعائهم إلى ذلك بتبليغ األنبياء وحمل الناس على االمتثال فال بدوأن يكون األنبياء في مرتبة ما يدعون الناس إليه وكذا األئمة ألنهم قائمونمقام األنبياء في جميع ما (في جميع مراده) يأمر فال بد وأن يكون األنبياء

واألئمة معصومين وإال لناقض الغرض ولم يتحقق ذلك المطلوب هو ظاهر المحالة.

التاسع والثالثون: قوله تعالى في سورة يونس: (إليه مرجعكم جميعاوعد الله حقا إنه يبدؤا الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات

بالقسط) أي بالعدل وهو متعلق بيجزي والمعنى ليجزيهم بقسطه أو يوفيهمأجورهم بقسطهم وبما أقسطوا وعدوا ولم يظلموا حين آمنوا وعملوا الصالحات

ألن الشرك ظلم لقوله تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم) والعصاة ظالمأنفسهم وهذا أوجه لمقابلة قوله بما كانوا يكفرون فنقول هذه اآلية تدل علىوجوب نصب إمام معصوم وأنه ال يخلو زمان فيه مكلفون غير معصومين منه

وتقريره يتوقف على مقدمات:األولى: إنه جعل عناية خلق الخلق وإعادتهم أن يجزي الذين آمنوا

وعملوا الصالحات بالقسط أي بالعدل.الثانية: إن الغاية في كل فعل أعظم وأشرف من ذي الغاية وهو مبرهن

في علم اإللهي بل قريب من البين.الثالثة: بدؤ الخلق وإعادته أمرعظيم فيكون إيصالهم إلى جزائهم من

الثواب على فعلهم أعظم ومن مقدمات هذا االكرام والمفضال العظام نصباإلمام المعصوم الذي يفيد قوله العلم يتمكن المكلف من عمل الصالحات

يقينا ويخرج عن الشك وألنه ذكر الجزاء على أمرين أحدهما اإليمان وهو منفعل القوة النظرية والثاني عمل الصالحات وهو من فعل القوة العملية

واإلنسان يحتاج فيهما إلى موصل له إليهما ففي طرف القوة النظرية الفعليةالقضايا البديهية والضرورية المحتاجة إلى الحواس الظاهرة والباطنة فوهبه الله

(٣٤٦)

Page 346: Kitab Al-Alfain Arabic

تعالى ذلك ولو اختل شئ من ذلك بحيث فقد علما موصال ذلك المفقود إليهلعذر من جهل ذلك وفقد ذلك العلم ولم يحسن عقابه عليه وفي النقلية

والعملية إلى موقف بالوحي المبين المفيد لليقين وإلى نائب ذلك الموقف لتطرقالموت إليه يحفظ شرعه ويحمل الناس عليه ويكون قوله مقطوعا معلوما منه

عدم الخطأ بل يتيقن منه الصواب في كل وقت فكلما عذر المكلف في القوةالنظرية بفقد مفيد للعلم يعذر في القوة العملية بفقد من يفيد قوله العلم

وذلك هو اإلمام المعصوم ألن غيره يجوز المكلف خطأه فال طريق له إلىاليقين.

األربعون: إذا كان الحكيم قد خلق وكلفهم وأعادهم ألجلجزائهم على اإليمان وعمل الصالحات ولم ينصب لهم معصوما يفيد قوله اليقين

نقض غرضه ونقض الغرض باطل.الحادي واألربعون: قوله تعالى: (أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر

الناس) االنذار يقتضي وضع الله تعالى في األحكام جميعا ألنه تعالى يعلم ماكان وما يكون إلى انقراض العالم فال بد في كل واقعة أن ينصب حكما فأوجب

على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم االنذار للمكلفين بجميع األحكاموذلك يحتاج وال يتم فائدته إال بإمام معصوم في كل زمان لوجوه أحدها: إناإلمام لطف في التكليف وهو االنذار وهو من فعله تعالى واللطف في التكليفالواجب واجب وهذا على رأي المعتزلة وثانيها إن عقولنا ال تستقل باستخراج

جميع األحكام الواقعة في كل زمان من الكتاب العزيز والسنة وهو ظاهرلالختالف الواقع وألن أكثر النظر فيها الستخراج األحكام يفيد الظن فال بد

وأن يكون من جملة من ينذره النبي صلى الله عليه وآله شخص ذو نفسقدسية وقوة الهامية يعلمه النبي صلى الله عليه وآله طريقا باستخراج األحكام من

الكتابوالسنة يقينا ويقرر عنده قوانين كلية تفيده العلم القطعي بتفصيل األحكام

ويكون حافظا لذلك وليس ذلك إال المعصوم، وثالثها إن غاية االنذار العملوالمؤدي إلى الغاية منهم كما أن سبب االنذار منهم والمؤدي إليه الحامل عليه

فإن القوى الشهوية تعارض القوى العقلية في أكثر الناس والحامل عليه هو

(٣٤٧)

Page 347: Kitab Al-Alfain Arabic

اإلمام وال بد وأن يكون معصوما وإال لنقض الغرض لجواز أن ال يحمل عليهبل على ضده وقد وقع في رياسة غير المعصومين فمن ادعوا اإلمامة كمعاوية

وقائع شنيعة وقضايا فظيعة وأشياء باطلة وحرف الشرع كثيرا وابتدع بدائعذكرها عنه أبو يوسف وغيره من الجمهور، ورابعها إن الفعل إذا كان له غاية

وتلك الغاية تتوقف على أمر غالبا حتى يحصل وكان ذلك الفعل من فعلالفاعل لذلك الفعل الذي هو ذو الغاية فإن لم يفعل كان ذلك بعيدا من

الحكمة وال ريب أن االنذار غايته الفعل وهو يتوقف على حامل للمكلفين غيرالمعصومين على صحيح االعتقاد وحكم الله تعالى وغير المعصوم ال يعلم منه

ذلك فال بد من نصب إمام معصوم فاستحال أن ال يفعله الله تعالى:الثاني واألربعون: اإلمام فيه خصال:

أحدها: إنه يعلم األحكام ال يأخذها بالظن واالجتهاد لقوله تعالى:(ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي األمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه

منهم).وثانيها: إنه يفيد قوله مبدأ للحكم الشرعي أي كاشف يفيد الجزم

المطابق الثابت بصحته ألن المكلف ال بد له من طريق إلى العلم ألنه ال بد لهمن طريق يفيده الحكم الشرعي فإما أن يفيد الظن أو العلم واألول ال ينفي

الخوف الحاصل من االختالف أو الحاصل معه وإنما وجبت عليه المعرفة وامتثالالتكاليف لدفع الخوف على ما ثبت علم الكالم فال يجوز أن ينشأ الخوف

من نفس التكليف.وثالثها: إنه ال يمكن عليه السهو والنسيان والغلط إذ جاز شئ من

ذلك لما حصل للمكلف الطمأنينة بقوله وهذه الخصال إنما تحصل في المعصومفال بد وأن يكون اإلمام معصوما دائما.

الثالث واألربعون: إمامة غير المعصوم تستلزم الخوف على المكلفودفعه واجب ورفع الالزم يستلزم رفع الملزوم فيجب رفع إمامة غير المعصوم

فلو كان غير معصوم إماما لزم اجتماع النقيضين وهو محال.

(٣٤٨)

Page 348: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابع واألربعون: يجب على األمة اتباع قول اإلمام وفعله وال يجوزألحد منهم الخالف عليه فهو أفضل كل األمة دائما فيكون معصوما وإال لجازعصيانه في وقت وطاعة غيره فيه فيكون أفضل من اإلمام في ذلك الوقت وهو

خالف التقدير.الخامس واألربعون: قوله تعالى: (يس) (والقرآن الحكيم) (إنك

لمن المرسلين) (على صرط مستقيم) (تنزيل العزيز الرحيم)) حكم فيهذه اآلية بأحكام ثالثة إن طريقة النبي صراط مستقيم فال يكون الحق إال في

دينه وجعله يقينا ألنه قال تنزيل العزيز الرحيم ولو كان اإلمام غير معصوملجاز أن يزل عن الصراط فنزل نحن وال بقي اليقين بصحته فيجب عصمة

اإلمام وألنه لو جاز شئ من ذلك عليه لما حصل للمكلف الطمأنينة بقوله.السادس واألربعون: اإلمام قائم مقام النبي (ص) ولهذا سمي

خليفة رسول الله والنبي بشير ونذير فاإلمام يكون أيضا بشرا ونذيرا وإنما يتمفائدته مع العلم بصواب قوله وفعله وال يتم ذلك إال مع العصمة.

السابع واألربعون: اإلمام حجة الله في أرضه على جميع من عداه منعباده في كل زمان وبالنسبة إلى كل حكم من أحكام الشرع فمحال أن

يخطئ في حكم أو زمان ويصيب غيره وإال لكان قول المخطئ الخطأ حجةعلى المصيب وهو محال والمقدمات ظاهرة. أما المقدمة األولى فقوله تعالى:

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم)، فهذاأولي األمر هو اإلمام ألنه إما أن يكون هو النبي أو غيره واألول يلزم التكرار

بال فائدة والثاني إما أن يكون هو اإلمام أو غيره أو هما واألخيران باطالنفتعين األول أما الثاني فالستحالة أن ينصب إماما نائبا عن النبي وخليفته له

ويوجب عليه وعلى األمة طاعة غيره وأما الثالث فهو باطل الستحالة مساواةاإلمام غيره وإلمكان االختالف فيجتمع النقيضان وهو محال فتعين األول

وباقي المقدمات ظاهرةالثامن واألربعون: اإلمام خليفة في األرض وكل خليفة إنما المقصود

(٣٤٩)

Page 349: Kitab Al-Alfain Arabic

من نصبه الحكم بالحق في كل واقعة وحكم وفعل واجتناب الباطل والهوىدائما في أقواله وأفعاله وتروكه وأحكامه لقوله تعالى: (يا داود إنا جعلناك

خليفة في األرض فاحكم بين الناس بالحق) وهو عام في الكل وإنما يحصلذلك في المعصوم.

التاسع واألربعون: ردع المذنبين بإقامة الحدود والتعزيزات حسنمطلوب للشارع وليس بعض الذنوب أولى من بعض بذلك وكذا الزمان

والمكلفون كذلك فتعين نصب مقيم للحدود والتعزير على كل مذنب في كلوقت على كل عاقل فال بد وأن يكون المقيم منزها عن سائر الذنوب كلها وإال

التحد المقيم والمقام عليه وذلك هو المعصوم.الخمسون: اإلمام عليه السالم نائب النبي صلى الله عليه وآله وخليفته وقائممقامه فيما جاء به النبي من دعوة األمة وهو ظاهر والنبي إنما جاء ليتلو على

األمة آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم لقوله تعالى هو الذي بعثفي األميين رسوال منهم اآلية والمراد من التزكية المطلقة ال من ذنب دون ذنب

فإن لم يكن هو كذلك لم يتأت منه تزكية منه غيره ألن من ليس يزكى كيف يزكيغيره، ال يقال: فإذن ال يحصل فائدة اإلمام، ألنا نقول: إنما سعى اإلمام

للتزكية المطلقة فإن لم يحصل فالمانع من جهة المكلف ال من غيره.الحادي والخمسون: اإلمام قائم مقام النبي عليهما السالم يجب أن ال

يقول على الله إال الحق لقوله تعالى حقيق على أن ال أقول على الله إال الحقفيجب أن يكون اإلمام كذلك وال يعلم ذلك إال من المعصوم فيجب عصمة

اإلمام ليعلم المكلف أنه بهذه الحال ليطمئن قلبه.الثاني والخمسون: اإلمام عليه السالم لطف حسن للمكلفين وهذه

مقررة والعلة فيه جواز الخطأ على المكلفين فجواز الخطأ على اإلمام يستلزمالمحال وكل ما استلزم المحال فهو محال.

أما المقدمة األولى: فظاهرة فإنه قد وقع االجماع على نصب اإلمامورأينا خلو بلد من رئيس يوجب اضطراره وفساده.

(٣٥٠)

Page 350: Kitab Al-Alfain Arabic

وأما المقدمة الثانية: فظاهرة أيضا فلو جاز عليه الخطأ لتحققت فيهوجوه الحاجة فكان يلزم المحذور من عدم نصب إمام له ومن نصب إمام له

ألنه إن لم يجز عليه الخطأ فهو كاف فال حاجة إلى غيره فال يكون من فرضإماما إماما هذا خلف وإن جاء عليه الخطأ تحققت وجوه الحاجة فيه فإن كان

إمامة األول فهو عين الفساد لوقوع االختالف ويستحيل أن يكون كل واحدمنهما رئيسا حاكما على اآلخر تجب طاعته عليه وال فساد أعظم من ذلك وإنكان غيره نقلنا الكالم إليه وتسلسل ووقع الخطأ واالختالف فجواز الخطأ على

اإلمام يستلزم المحال وكلما استلزم المحال فهو محال فجواز الخطأ على اإلماممحال.

الثالث والخمسون: لو لم يكن اإلمام معصوما لزم إمكان إيجاب اتباعالمخطئ على المصيب وترك الصواب والرجوع إلى الخطأ والتالي باطل إجماعا

فالمقدم مثله بيان المالزمة يتوقف على مقدمات:األولى: إن المصيب في األحكام واحد وقد بين في األصول.

الثانية: إن جميع األمة معصوم من الخطأ في القول والفعل وقد تبين فياألصول أيضا.

الثالثة: أنه يجب على مجموع األمة بعد عصر البني غير اإلمام اتباعاإلمام ألن قوله مساو لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفعله لفعله

لقوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي األمر منهم لعلمه الذينيستنبطونه منهم) فأما أن يكون على سبيل الجمع أوال واألول محال ألن معحصول النبي ال حاجة إلى اإلمام، والثاني أما أن يكون قول كل واحد حجةمن غير اشتراط قول اآلخر أو قول واحد مشروط بقول اآلخر دون العكس

والثاني محال ألن المشروط إما قول النبي وهو محال بالضرورة أو قول اإلمامفمع نص النبي ال اعتبار بقول اإلمام وال حاجة إليه فتعين األول فساوى

النبي في وجوب االتباع.الرابعة: إن اآليات الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وآله

(٣٥١)

Page 351: Kitab Al-Alfain Arabic

ومساواته إياه عامة لكل األمة وهو إجماع من المسلمين إذا عرفت ذلك فنقول:إذا وجب على كل األمة اتباع اإلمام في قوله وفعله فلو لم يكن معصوما جاز

الخطأ عليه وإذا جاز عليه الخطأ في حكم وجاز إصابة واحد من األمة في ذلكالحكم وجب عليه اتباع اإلمام للمقدمات المذكورة فيلزم المحال المذكور وأما

استحالة الثاني فظاهرة ال تحتاج إلى بيان.الرابع والخمسون: المطلوب من إرسال النبي صلى الله عليه وآله

واإلمام أشياء األول هو الهداية إلى الطريق المستقيم الذي هو الحق وسؤالالعباد الذي علمهم الله إياه هو الهداية إلى صراط الذين أنعمت عليهم غيرالمغضوب عليهم وال الضالين وهذا يدل على أنه واحد، الثاني حمل األمةعليه، الثالث منعهم عن ركوب غيره بأن سمع المكلف عمل ذلك معه في

كل األحكام واألفعال واألوامر والنواهي وال يتأتي ذلك إال من المعصوم يعلماألحكام الشرعية والفرعية عن أدلتها التفصيلية يقينا وهو ظاهر.

الخامس والخمسون: اإلمام تجب طاعته على الكل وال يجب عليه طاعةأحد فنفسه أكمل من الكل وعلمه أعظم من الكل وزهده أعظم من زهد

الكل وتقواه أقوى من تقوى الكل فيكون معصوما وهو المطلوب.السادس والخمسون: ال يقيم الحد من الله قبله حد واإلمام هو المقيم

للحد على كل محدود فال يكون لله قبله حد فيكون معصوما وهو المطلوب أماالصغرى فلقوله تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) والخبر

واإلجماع وأما الكبرى فظاهرة.السابع والخمسون: قوله تعالى: (هو الذي بعث في األمين رسوال)

إلى قوله يتلو عليهم آياته إشارة إلى إبالغ الشرائع وتهذيب الظاهر باستعمالهاوقوله ويزكيهم إشارة إلى تطهير الباطن من األخالق الذميمة وجميع المناقض

وقوله ويعلمهم الكتاب إشارة إلى اآليات الحاصلة بعد ذلك من دقائقالكتاب العزيز وحقائقه وقوله والحكمة إشارة إلى الحكمة النظرية فال بد وأن

يكون النبي كامال في هذه الصفات كما ال يمكن لإلنسان وال نعني

(٣٥٢)

Page 352: Kitab Al-Alfain Arabic

بالعصمة إال ذلك واإلمام قائم مقام النبي عليه السالم في جميع ذلك فهوكذلك وهو المطلوب.

الثامن والخمسون: اإلمام عليه السالم واجب الطاعة كالنبي لقولهتعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله) اآلية ووجوب طاعة النبي عام في

المأمور والمأمور به فيجب أن يكون وجوب طاعة اإلمام عاما كذلك وإذاعرفت ذلك فنقول: فلو لم يكن اإلمام معصوما لزم أحد األمرين وهو إما

إمكان أمره تعالى لواحد في وقت واحد بالضدين وهو تكليف ما ال يطاق أونقض الغرض في نصب اإلمام والالزم بقسميه باطل فالملزوم مثله بيان المالزمة

لو لم يكن معصوما جاز أن يأمر المكلف بضد ما أمر النبي صلى الله عليه وآله فإما أنيجب كل منهما وهو اجتماع الضدين أو ال يجب واحد منهما وهو خالف التقدير

أو ال يجب اتباع اإلمام إال إذا عرف موافقته للنبي فإذا قال المكلف ال يجبعلي اتباعك حتى أعرف موافقة أمرك ألمر النبي وال أعلمه ينقطع اإلمام

ويفحم وهو نقض الغرض وألن غير المجتهد ال يتمكن من العلم فإما أن اليكون أمره باالتباع مشروطا بالعلم بموافقة أمر اإلمام ألمر النبي أو يكون فإن

كان األول لزم إمكان اجتماع الضدين وإن كان الثاني لزم أما وجوباالجتهاد على كل العالم في األحكام الجزئية الشرعية وهو خالف الحق على ما

تقرر في األصول أو تقديم قول مجتهد آخر على قول اإلمام وهو خالف المقدمةالقائلة بعموم اتباعه وهو محال فال بد من أن يتقرر الستحالة مخالفته للنبيصلى الله عليه وآله وذلك إنما هو بالقول بوجوب عصمته وهو المطلوب.

التاسع والخمسون: رد األحكام في العلم إلى النبي واإلمام يبحث كلما اشتبه على األمة وفي العمل هو الذي يحملهم عليه فال بد وأن يكون

معصوما في القول والفعل ألن المطلوب من الرد إليه حمله على الحق فلو جازصدور غير الحق منه لكان مثل واحد من األمة فال ترجيح في الرد إليه وألنه

جاز أن يحمل على الخطأ.الستون: قوله تعالى: (وإذ آتينا موسى الكتب والفرقان لعلكم

تهتدون) عرفنا بهذه اآلية وبما يشابهها من اآليات أن غرض الله تعالى من

(٣٥٣)

Page 353: Kitab Al-Alfain Arabic

إرسال الرسل والخطاب على لسان الرسول ووضع الكتاب واآليات هدايةاألمة إلى الحق وكل ما يتوقف عليه الهداية فإما أن يفعله الله تعالى بالمكلف أو

يكلفه به إن أمكن المكلف اآليتان به ونفس إرسال الرسل ونصب الكتبدون أن يكون المبلغ معصوما يعلم من وجوب عصمته أنه ال يؤدي عن اللهتعالى إال ما أمره بأدائه وال يفعل إال الصواب وال يترك إال ما يجوز تركه لم

يكن قوله وفعله وتركه وتقديره هداية قطعا لتجويز المكلف عليه الخطأ فيكونقبول قوله مشتمال على ضرر مظنون والعصمة ال يمكن تكليف المكلفين

قبول قول المبلغ بها فجيب أن يفعلها الله تعالى واإلمام قائم مقامه في الدعوةإلى الحق وفي حمل الخلق عليه فيجب أن يكون حاله كحاله فيجب أن يكون

اإلمام معصوما وهو المطلوب.الحادي والستون: عصمة اإلمام أهم من شرع الحدود في الغرض

المطلوب في شرع الحدود وشرع الحدود واجب فعصمة اإلمام واجبة أما األولىفألن الغرض في المطلوب في شرع الحدود ردع المفسدة وحمل الناس على فعل

الواجبات وترك المحرمات كلها وال يتم ذلك إال بحافظ للشرع ومقيم للحدودفالغاية المطلوبة من نصب الحدود ال تحصل إال بحافظ الشرع المقيم وذلك هو

اإلمام فاإلمام أدخل في الغاية وهو العلة القريبة لحصولها فكان أهم وكونه غيرمعصوم مؤد إلى عدم الوثوق بحصول الغاية منه بل يجوز أن يحصل منه

ضدها فيناقض الغرض من نصب الحدود فكانت نسبته أهم لنا فإنها نقيضالغاية منه ومع تمكنه وطاعة المكلف لم يجب حصول الغاية وفي الحقيقة العلة

المحصلة للغاية هي العصمة وأما المقدمة الثانية فلما ثبت في علم الكالم منوجوب نصب الحدود وهو المطلوب.

الثاني والستون: قوله تعالى: ((وجاء من أقصا المدينة رجل يسعىقال يقوم اتبعوا المرسلين) (اتبعوا من ال يسئلكم أجرا وهم مهتدون)) هذه

اآلية تدل على وجوب عصمة النبي واإلمام عليهما السالم وتقريرها أن نقولعلة وجوب االتباع عدم سؤال األجر وكون المتبع مهديا وإنما يجب االتباعحالة االهتداء ألن الواو للحال وإنما يعلم كونه مهديا بالعصمة ألنها الضابط

(٣٥٤)

Page 354: Kitab Al-Alfain Arabic

الكلي في السالمة عن الضالل واإلمام متبع فتجب عصمته.الثالث والستون: اإلمام هاد بالضرورة وال شئ من الهادي بغاو

بالضرورة ما دام هاديا ينتج ال شئ من اإلمام بغاو بالضرورة على قولالقدماء ودائما على قول المتأخرين أما الصغرى فلقوله تعالى: (وجعلناهم

أئمة يهدون بأمرنا) أما الثانية فظاهرة وإذا ثبت أن اإلمام ليس بغاو فهومعصوم لقوله تعالى: (إن عبادي ليس لك عليهم سلطن إال من اتبعك منالغاوين) فكل من اتبع الشيطان فهو غاو وبحكم هذه اآلية الحصر ثابتبين الغاوين وبين المخلصين الذين ليس عليهم له سلطان ولقوله تعالى:

((ألغوينهم أجمعين) (إال عبادك منهم المخلصين)).الرابع والستون: اإلمام مقيم للدين ومهد لقواعده وداع إليه بالضرورة

وال شئ من غير المعصوم كذلك باالمكان ينتج ال شئ من اإلمام بغيرمعصوم بالضرورة أما الصغرى فظاهرة ألن المراد من نصب اإلمام ضبط

أحوال الدين وحفظ الشرع والدعاء إليه وبالجملة نيابة النبي بالتبليغ والتمهيدوأما الكبرى فظاهرة.

الخامس والستون: اإلمام رئيس مطلق ال رئيس في زمانه أعلى مرتبةمنه فال بد من بيان شرائط هذه الرياسة وغايتها فال بد من أن تبين الغاية أوال

حتى يعرف الشرائط بطريق البرهان اآلني فنقول: غاية اإلمام تكميل كلواحد من الناس بقدر استعداد ذلك الشخص الذي يروم كماله فتارة يخاطب

الناس بالمحكم من الخطاب وتارة بالمتشابه وفي المعقوالت تارة بالبرهان وتارةبالخطابة وتارة بالجدل فيرشد الناس كال على قدر بصيرته ويرتب كل قوم في

مرتبتهم التي تليق بهم الرئيس في موضعه ومرتبته والمرؤوس في مرتبتهويراعي جانبي الحق والعدل فيهم ويكمل قواهم العلمية والعملية ويكسرقواهم الغضبية والشهوانية والوهمية ويقوي القوى العقلية في جانبي العلم

والعمل على الوجه األصوب وغايته رفع الخطأ عن العالمين إن أطاعوه وهذاالرئيس له شروط أربعة:

(٣٥٥)

Page 355: Kitab Al-Alfain Arabic

األول: أن تكون له الحكمة في الغاية القصوى في جانبي العلموالعمل.

الثاني: أن يكون له الفضل التام الذي يؤدي إلى الغاية المطلوبة فيالدين والدنيا من العلم والعمل وإرشاد الناس وغير ذلك من أنواع الفضائل

بحيث ال يكون أحد أفضل منه ال في العلم وال في العمل ألن الغاية المطلوبةمن اإلمام هو حمل المكلفين على فعل الطاعة وترك المعصية فال يتم إال بطاعةالمكلف وال يتم ذلك إال بأن يعلم المكلف أن فيه من صفات الكمال ما ليس

لغيره ليحصل له ترجيح في نفسه وال يتم إال بصفة العلم والعمل.الثالث: أن تكون له قوة البرهان ألهله وجودة االقناع ألهله ومهارة

الجدل ألهله ألن ذلك من شرائط التكميل.الرابع: أن يكون له في نفسه قوة الجهاد إن تبعه المكلفون وأن يتبع في

جميع ذلك للنص اإللهي وسنة النبي صلى الله عليه وآله وأن يستنبط بما هومصرح به ما ليس بمصرح به ما يرجحه على طريق الحجة عقال أو شرعا فال

بد أن يكون عارفا بدقايق النص اإللهي وسنة النبي صلى الله عليه وآلهودالالتها التي هي حجة في الشرع بحيث ال يخرج عن طريق النبي والكاملهو الذي يعرف سنن األنبياء المتقدمين بحيث لورد اليهود إذا ترافعوا إليه إلىملتهم علم مطابقة ما يحكم به حاكمهم لملته وعدم مطابقته وإلى هذا أشار

علي عليه السالم بقوله: (والله لو كسرت لي الوسادة لحكمت بين أهلالتوراة وبتوراتهم وبين أهل اإلنجيل بإنجيلهم إلى آخر الحديث واختلفوا في

اشتراط وذلك كله ال يتم بجميع أجزائه وشرايطه إال في المعصوم العالمبجميع ما ذكرناه العامل في جميع األحوال بما هو وغيره من المكلفين مكلف به

وهو المطلوب.السادس والستون: قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) أي

أعطيناهم أسباب الكرامة وقال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)والتقوى إنما يتم بالعدول عن الشك إلى اليقين واتباع غير المعصوم ليس

(٣٥٦)

Page 356: Kitab Al-Alfain Arabic

كذلك فال بد وأن يجعل الله تعالى إماما معصوما يرجع إليه في األحكامواألقوال واألفعال يفيد قوله وفعله اليقين فيحصل التقوى باليقين وكيف يتصور

من الله تعالى أن يعطي عباده أسباب الكرامة في الدنيا وال يعطيهم في اآلخرة ثمكيف يعطيهم الكرامة في اآلخرة وال يعطيهم أعظم األسباب والطرق إلى

التقوى وهو اإلمام المعصوم وهو قادر عليه.السابع والستون: غير المعصوم إذا علم من يحتاج إلى إمام وما وجه

الحاجة إلى اإلمام وفي ما يحتاج إلى اإلمام فيه علم أن اإلمام يجب أن يكونمعصوما أما أوال فنقول المكلفون غير اإلمام والنبي على قسمين أحدهما:

المعصومون فأما أن يكونوا ممن يجب عليه الجهاد أوال واألول يحتاج إليه فياجتماع الناس والتقدم في الحروب فإن الجهاد ال يتم إال بجامع للناس وقاهر

لهم على ذلك وهو المتقدم يكون أولي باألمر والنهي وإن لم يجب عليه الجهاديحتاج إليه في نظام النوع ال يتم إال بالرئيس وقد يحتاج إليه في نقل بعض

األحكام وإمامة غيره تستلزم كون اإلمام معصوما لما يأتي والستحالة تقديمالمفضول على الفاضل فيما يحتاج إلى الفضل فيه وما وجه الحاجة فيه المفضولية

ألنه يضاد حكمة الحكيم وثانيها غير المعصوم فيحتاج إلى اإلمام في أمور:األول: كونه لطفا في فعل الواجبات واجتناب القبائح وارتفاع الفساد

ألن من ال يغلب عقله على قوته الوهمية وقواه الشهوانية والغضبية ونفسهاألمارة فعل الواجبات عنده يستلزم التعب العاجل واالمتناع عن القبائح

يستلزم فوات لذات حسية ووهمية والتقدير أن المقتضي لهذه اللذات غالبعلى قوته العقلية والفساد رفعه يقتضيه القوة العقلية وموجبة القوة الغضبية

والتقدير أنها غالبة على العقلية في كثير من الناس وهو الواقع في نفس األمرفاإلمام يقوي القوة العقلية ويقهر القوى الوهمية والشهوية والغضبية وإذا لم

يكن اإلمام معصوما ثبت فيه وجه الحاجة إلى إمام آخرا ويلزم التسلسلواالنتهاء إلى معصوم.

الثاني: انتظام أمر الخلق وقهر المفسدين على الوجه األكمل وإنما يحصلذلك بالمعصوم.

(٣٥٧)

Page 357: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث: حفظ الشرع من الزيادة والنقصان ويكون من قرب الناقلينفمتى وقع منهم ما هو جايز عليهم من األعراض عن النقل بين ذلك وكان قوله

الحجة فيه وبيان مجملها وكشف محتملها وإيضاح األغراض الملتبسة فيها علىالوجه اليقيني األكمل وإنما يحصل من المعصوم وهو ظاهر.

الرابع: اإلمام هو المفزع في المسائل التي وقع الخالف فيها بين المسلمينوأئمة الفقهاء المحققين ليبين ما وجه الترجيح في األدلة الشرعية التي هي

كالمتكافئة وبيانه واضح مما تقدم.الخامس: غلبة الشهوة على أكثر المكلفين وذلك يوجب تشتت شملهم

وتفرق جمعهم واإلمام يرفع ذلك فال بد أن تكون صفات اإلمام تنافي الصفةالتي اقتضت ذلك في غيره ولكن المقتضي في غيره عدم العصمة فتكون صفةاإلمام العصمة وألن المقتضي في غير المعصوم ذلك هو غلبة القوى الشهوية

والوهمية والغضبية ومغلوبية القوى العقلية فإذا صارت صفة اإلمام هذهالصفة كانت القوة العقلية فيه كاملة غالبة للكل وهي المقتضية لعدم االخالل

بالطاعات وعدم االتيان بالمقبحات وهذا من باب البرهان اآلني واللمي.الثامن والستون: السهو جائز على الناقلين لألخبار النبوية في صورة ال

يحصل فيها االجماع وال التواتر وقد سد باب االستدالل على المكلف ألنه قديغفل بعضهم عن اآلثار الدالة على حكم شرعي فلم يكن للمكلف طريق

إلى االستدالل فتنقطع الحجة به فال بد من حافظ للشرع ولألخبار عن سهوالناقلين ويكون منه الحجة لو فقدت الحجة من غيره وهو اإلمام وال بد وأن

يكون معصوما وإال لزم المحذور ألنه لو جاز عليه السهو كما جاز على غيرهثبت المحذور وهو سد باب الحجة على المكلفين: ال يقال هذا مبني علىنفي حجية القياس واالستحسان أما على تقديرهما فال، ألنا نقول: قد بينابطالن القياس واالستحسان في الكتب األصولية سلمنا لكنه جاز أن يكون

هذا السهو في األسباب والكفارات والحدود وال يجوز القياس وال االستحسانفيهما وهذا الدليل ذكره المرتضى رحمه الله، قال قاضي القضاة عبد الجبار بنأحمد يقال لهم أتعلمون كون اإلمام حجة باضطرار ونقضهم ال يؤثر في ذلك

(٣٥٨)

Page 358: Kitab Al-Alfain Arabic

فإن قالوا نعم قيل لهم فجوزوا في سائر أمور الدين أن يعلموه باضطرار واليقدح النقض فيه وإن قالوا باالستدالل قيل لهم فنقضهم يمنعهم من المقام بماكلفوه من االستدالل على كونه حجة فإن قالوا نعم لزمت الحجة الحاجة إلىإمام آخر ال إلى نهاية فيلزم التسلسل مع أنهم ال يؤثرون كما ال يؤثر الواحدفال بد من القول بأنه يمكنهم معرفة الحجة والقيام بتصرفه من غير حجة بيناإلمام قيل لهم فجوزوا مثل ذلك في ساير ما كلفوا به وإن كان النقض قائما

أجاب المرتضى بأن كالمه هذا مبني على مقدمات:األولى: أنه فرض خالف الواقع إن في النصوص اإللهية واألخبار

النبوية ما هو متشابه وما هو مجمل وما هو مشترك وما يعجز عقول المكلفينبالعلم به يقينا وإن كثيرا من األدلة اللفظية ال يفيد العلم فمع وقوع ذلك في

الواقع فرض نقيضة وهو علم كل واحد واحد من المكلفين جميع أحكام الدينباضطرار يكون محاال ونحن إنما ادعينا حاجة المكلفين الذين ال يعلمون بعض

أحكام الدين باضطرار وعلى تقدير ثبت المجمل والمشترك وغير ذلك منالنصوص تحتاج إلى بيان هذا التقدير واقع في الواقع وكلما لزم الواقع فهو

واقع وهو مطلوبنا واعتراضه ال يقدح فيها.الثانية: ثبوت أحد األمرين وهو أما استلزام العلم بالبعض بالضرورة

للعلم بالكل بالضرورة وأما أن إمكان الشئ قائم مقام وجوده الفعلي فيالفعل والتأثير وبيان ذلك بدليله هذا يسد باب الحاجة إلى اإلمام في العلم

باألحكام في الجملة ولو ببعضها على تقدير كون العلم ببعضها باضطرار وإنمايتم ذلك أن لو استلزم العلم بالبعض باضطراره العلم بالكل بالفعل

باضطرار أو كون إمكان السبب قائما مقام الفعل فإن الذي يسد باب الحاجةفي العلم إلى اإلمام كون المكلفين عالمين بجميع أحكام الدين باضطرار بالفعلوهو قد بين االمكان فإن ادعى كون االمكان قائما مقام الفعل فهو األمر الثانيوإال لم يحصل مطلوبه فإن االمكان مع فرض وقوع النقيض المحوج إلى اإلمام

ال يسد باب الحاجة وبطالن األمرين ظاهر فدليله هذا غير تام.الثالثة: انحصار وجه الحاجة إلى اإلمام في العلم أو استلزام االستغناء

(٣٥٩)

Page 359: Kitab Al-Alfain Arabic

به عنه في العلم لالستغناء عنه مطلقا وكالهما باطل.الرابعة: العلم بكون اإلمام حجة مساو للعلم بتمايز األحكام الشرعية

وهو ممنوع لجواز كون العلم بكون اإلمام حجة أظهر فإن النتايج التي منمقدمات يقينية أشد علما وأكبر من مقدمات غير يقينية والتحقيق أن العلم

بكون اإلمام حجة من قبيل فطرية القياس.التاسعة والستون: قوله تعالى: (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم

على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون) وجه االستدالل أن اللهتعالى إنما أرسل الرسل لينذروا المكلفين ليحصل للمكلف التقوى والتقوى

اجتناب ما فيه شبهة واألخذ باليقين وال يحصل إال من المعصوم فتجب عصمةالرسل ونصب اإلمام ليقوم مقام الرسل عليهم السالم في إنذار الخاليق

وتحصل للمكلف به الغاية القصوى التي هي التقوى وإنما يتم ذلك بالعصمةفيجب عصمة اإلمام.

السبعون: قوله تعالى ولعلكم ترحمون الرحمة الموعودة في مقابلة االنذارليست بتفضل والرحمة الموعودة هنا هي عدم العذاب بوجه من الوجوه وإنما

يتم أن لو علم من المبلغ حجته وأنه معصوم في النقل والفعل وحجية قولهوإنما يتم ذلك من المعصوم واإلمام قائم مقامه فيه، اعترض أبو علي الجبائي

بأن اإلمامية جوزوا أن يكون اإلمام مغلوبا بالجوارح وممنوعا باألعداء بلالواقع عندهم ذلك فإن كان الغرض منه نفس وجود إمام في الزمان وإن لم

يبلغ ولم يقم باألمور وصح ذلك فجاز أن يكون القائم بذلك جبرائيل أوبعض المالئكة المقربين في السماء ويستغني عن وجوده في األرض ألن المعنى

الذي يطلب اإلمام ألجله عندكم يقتضي ظهوره وإذا لم يظهر كان وجودهكعدمه وكان كونه في الزمان بمنزلة كون جبرئيل في السماء، أجاب عنه السيدالمرتضى رحمه الله بأن الغرض ال يتم بوجود اإلمام خاصة بل مع وجوده بأمره

ونهيه وتصرفه وتمكنه من إقامة الحدود والجهاد ألن بهذه األمور يكون لطفا ألنهبهذه األمور يكون المكلف أقرب إلى الطاعة وأبعد من المعصية لكن الظلمة

منعوا مما هو الغرض فاللوم فيه عليهم والله تعالى المطالب لهم ولما كان الغرض

(٣٦٠)

Page 360: Kitab Al-Alfain Arabic

ال يتم إال بوجود اإلمام أوجده الله تعالى وجعله بحيث لو شاء المكلفون أنيصلوا إليه وينتفعوا به لوصلوا وانتفعوا به بأن يعدلوا عن ما يوجب خوفه

وتقيته فيقع منه الظهور الذي أوجبه الله تعالى عليه مع التمكن ولما كان المانعمن تصرفه وأمره ونهيه غير مانع من وجوده لم يجب من حيث امتنع عليه

التصرف بفعل الظلمة أن يعذبه الله تعالى أو ال يوجده في األصل ألنه لو فعلذلك لكان هو المانع للمكلفين لطفهم ولم يكن للظلمة فيه فعل أصال ولكانوا

إنما أوتوا في فسادهم وارتفاع صالحهم من جهته ألنهم غير متمكنين مع عدماإلمام من الوصول إلى ما فيه لطفهم ومصلحتهم فجميع ما ذكرناه يفرق بينوجود اإلمام مع االستتار وبين عدمه وبما تقدم أيضا يفرق بينه وبين جبرئيل

ألن اإلمام إذا كان موجودا مستترا كانت الحجة لله تعالى على المكلفين به ثابتةألنهم قادرون على أفعال تقتضي ظهوره ووصولهم من جهته إلى منافعهمومصالحهم وكل هذا غير حاصل في جبرئيل فالمعارض به ظاهر الغلط

وأقول: التحقيق في هذه المسألة أن اإلمام المعصوم لطف للمكلفين وال يتمإال بأمور نصب الله إياه بأن يوجده وينص عليه هو أو النبي أو إمام آخر وقبولهاإلمامة وقيامه بالدعوة وطاعة المكلفين له واألوالن من فعله تعالى والثالث من

فعل اإلمام والرابع ال يجوز أن يستند إليه تعالى ألنه ال ينافي التكليف بل هومستند إلى المكلفين فعدم إيجاده يقتضي حجة المكلف على الله تعالى وكذا مع

عدم نصب دليل عليه أو عدم قبول اإلمام يكون منع اللطف منه وهو يقدحفيه وفي عصمته فتعين الرابع فالمكلف هو المانع وأما مع عدم عصمته فحملهعلى الفساد مساو في االمكان لحمله على الصالح فال يكون لطفا وال قطعا

بحجة المكلف على الله تعالى:الحادي والسبعون: اإلمام فيه مصلحة تقتضي وجوب نصبه قطعا أما

عندهم فبالشرع وأما عند القائلين بوجوبها عقال فبالعقل.فنقول: المصلحة الحاصلة من اإلمام إما أن يكون حصولها من المعصوم

أرجح من لحصولها من غيره أو مساويا لحصولها من غيره أو حصولها من غيرهأولى من حصولها منه والكل باطل إال األول أما بطالن ما عدا األول

(٣٦١)

Page 361: Kitab Al-Alfain Arabic

فبالضرورة فيكون في اللطفية أقرب مع قدرة القادر عليه فال يجوز غيره منالحكيم ألن الحكمة تقتضي ذلك فالقدرة موجودة والداعي ثابت والصارف

منتف فتعين نصب اإلمام المعصوم.الثاني والسبعون: إنما يتم فائدة نصب اإلمام إذا كان قوله وفعله حجة

فنقول: إما أن يفيد قوله العلم أو الظن أو ال يفيد قوله واحدا منهما والثالثينفي فائدة اإلمام والثاني نهى الله تعالى عن اتباعه لقوله تعالى: (أن يتبعون

إال الظن وأن الظن ال يغني من الحق شيئا) ذكره على سبيل الذم فتنتفيفائدته أيضا فتعين األول فنقول: ال شئ من غير المعصوم يفيد قوله أو فعله

العلم بالضرورة وكل إمام يفيد قوله أو فعله العلم ينتج ال شئ من غيرالمعصوم بإمام بالضرورة من الشكل الثاني وهو المطلوب.

الثالث والسبعون: دائما أما أن يكون اإلمام معصوما أو ال يندفع وجهالحاجة إلى اإلمام به مانعة خلو والثاني باطل منتف باألول ثابت فنحتاج هنا

إلى مقدمتين إحديهما بيان صدق مانعة الخلو وتقريره أن وجه الحاجة إنما هوجواز الخطأ على المكلفين وجواز السهو وإهمال الناقلين وإهمال حدود الله تعالى

فإذا لم يكن معصوما تحقق في اإلمام وجه الحاجة فلم يندفع وجه الحاجة العنه وال عن غيرة وأما بيان بطالن الثاني وانتفاؤه فالستلزامه االحتياج إلى إمام

آخر فإن كان معصوما كان هو اإلمام واألول غير محتاج إليه وإن لم يكنمعصوما احتاج إلى إمام آخر والتسلسل باطل.

الرابع والسبعون: أحد األمرين الزم وهو إما عصمة اإلمام أو جوازاحتياج المكلفين إلى إمام مع عصمتهم والثاني باطل فتعين األول فهنا مقدمتان

إحديهما لزوم أحد األمرين والثانية بطالن الثاني.أما المقدمة األولى: فنقول إما أن يكون علة وجوب اإلمامة ارتفاع

العصمة عن المكلفين وجواز فعل القبيح منهم ووقوع السهو عليهم والضابطفي ذلك كله عدم العصمة أو يكون العلة غير ذلك فإن كان الثاني لم يمتنع أنيثبت حاجتهم إلى اإلمام مع عصمة كل واحد منهم ألن العلة إذا لم تكن عدم

(٣٦٢)

Page 362: Kitab Al-Alfain Arabic

العصمة لم يكن لفقدها تأثير وجاز أن يثبت الحاجة بثبوت مقتضيها أال يرىأن المتحرك لما لم يكن العلة في كونه متحركا سواه جاز أن يكون متحركا مع

عدم سواه فثبت األمر الثاني وهو جواز احتياج المكلفين إلى اإلمام مع جوازعصمة كل واحد منهم وإن كان األول وجب عصمته ألنه إذا كان وجه الحاجةهو إمكان الخطأ وجب في سد باب الحاجة ما يمنع من جواز الخطأ وال يمكنإال من المعصوم وقبول المكلفين منه والثاني من المكلفين واألول من الله تعالىفلو لم يكن اإلمام معصوما لبقيت الحجة للمكلف على الله تعالى وهو محال.

وأما المقدمة الثانية: وهو بطالن جواز احتياج المكلفين إلى اإلمام مععصمتهم فألنه لو جاز ذلك لجاز أن يحتاج األنبياء إلى األئمة والدعاة مع

ثبوت عصمتهم والقطع على أنهم ال يفعلون شيئا من القبائح وال يخلون بشئمن الواجبات وهو معلوم الفساد بالضرورة وهذا الدليل ذكره المرتضى

اعترض عليه بعضهم بأنه لو كان عصمة اإلمام مع قبول المكلفين دافعا لوجهالحاجة لم تستقر حاجة المكلفين إلى اإلمام لجواز وقوع عصمتهم حينئذ لوجود

الفاعل والقابل وانتفاء الصارف فثبتت العصمة فتنتفي حاجتهم إلى اإلمامفجاز عدمه وأجاب بأن العصمة باإلمام ال تنفي الحاجة إليه وإنما ينفيها ثبوت

العصمة لغيره بغيره ال يقال: هذا يعني على أن الباقي محتاج إلى المؤثر وقدثبت بطالنه في علم الكالم، ألنا نقول: الجواب عنه من وجهين:

األول: إن الحق هو احتياج الباقي إلى المؤثر وما ذكرتموه قد ثبت بطالنهفي علم الكالم.

الثاني: هذا ليس من باب الباقي بل هو من باب الحادث ألن سهواتالمكلفين وغضبهم وشهواتهم وفعل القبائح متجدد في كل وقت وكل حال

فوجه الحاجة متجدد في الحقيقة في كل وقت.الخامس والسبعون: علة الحاجة إلى اإلمام المقتضية لوجوب نصبه هي

علة الحاجة إلى عصمته المقتضية لوجوبها لكن وجوب نصبه ثابت فثبتت علتهوثبت معلولها اآلخر وهو وجوب عصمته فهاهنا مقدمات.

(٣٦٣)

Page 363: Kitab Al-Alfain Arabic

المقدمة األولى: بيان اتحاد العلة وتقريره أن علة الحاجة إليه المقتضيةلوجوب نصبه هو كونه لطفا في ارتفاع القبيح وفعل الواجب وقد ثبت أن فعل

القبيح واالخالل بالواجب ال يكونان إال ممن ليس بمعصوم فقد ثبت أن علةالحاجة هي ارتفاع العصمة وجواز فعل القبيح فالباقي لجهة الحاجة هو عصمة

اإلمام وإال بقيت الحاجة إلى إمام فال ينفي اإلمام وجه الحاجة وننقل الكالمإلى الثاني ويتسلسل.

المقدمة الثانية: إن وجوب نصبه ثابت وذلك ألنا نبحث على هذاالتقدير.

المقدمة الثالثة: أنه إذا ثبت وجوب نصبه ثبتت علته وهو ظاهر ألنثبوت المعلول يستلزم ثبوت العلة.

المقدمة الرابعة: إنه إذا ثبتت العلة ثبت معلولها اآلخر وهو وجوبالعصمة وهو ظاهر.

السادس والسبعون: ال شئ من اإلمام بداع إلى النار بالضرورة وكلغير معصوم داع إلى النار باالمكان ينتج ال شئ من اإلمام بغير معصوم

بالضرورة فهاهنا مقدمات:المقدمة األولى: بيان الصغرى وتقريره أنه لو جوز المكلف أنه يدعو إلى

النار لوجب االحتراز عنه وعن قوله ألنه يحصل له الخوف منه ودفع الخوفواجب فكان يجب االحتراز عنه وهو نفي فائدة اإلمام.

المقدمة الثانية: بيان الكبرى وهي ظاهر فإن غير المعصوم يجوز عليهالخطأ والسهو.

وأما المقدمة الثالثة: فإنتاجه فال شئ من قول اإلمام وفعله بمحتملللخطأ.

وأما المقدمة الرابعة: فكون النتيجة ضرورية وقد بينا البرهان عليهما فيالمنطق.

(٣٦٤)

Page 364: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع والسبعون: قول اإلمام وفعله مبدأ من جملة المبادئ كقول النبيصلى الله عليه وآله وفعله وال شئ من المبادئ التي يستفاد منها األحكام

بمحتمل للخطأ ويلزمه كل إمام قوله وفعله ال يحتمل الخطأ وكل غير معصومقوله وفعله يحتمل الخطأ ينتج من الشكل الثاني ال شئ من اإلمام بغير

معصوم بالضرورة ألن الشكل الثاني إذا كانت إحدى مقدمتيه ضرورية تكونالنتيجة ضرورية فها هنا مقدمات:

المقدمة األولى: أن قول اإلمام وفعله من جملة المبادي لألحكام الشرعيةوهو ظاهر لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول

وأولي األمر منكم)، فجعل الله تعالى طاعة اإلمام كطاعة الله تعالى وطاعةرسوله.

المقدمة الثانية: إنه ال شئ من المبادي لألحكام الشرعية التي كلفالله تعالى العمل بها بمحتمل للغلط ألنا ال نعني بالصواب إال ما وافق أمر الله

جل ذكره.المقدمة الثالثة: إن كل غير معصوم قوله وفعله محتمل للخطأ ألنه إذاكان ليس بمعلوم بالضرورة وال دليل قطعي عليه احتمل الخطأ قطعا.

المقدمة الرابعة: أنه ينتج ضرورية ألن الصغرى وهي قولنا كل إمامقوله وفعله ال يحتمل الخطأ في قوة قولنا كل إمام قوله وفعله ليس بخطأبالضرورة والشكل الثاني إذا كانت إحدى مقدمتيه ضرورية تكون نتيجته

ضرورية.الثامن والسبعون: اإلمام ركن من أركان الدين ألن قوله مبدأ من

المبادي وهو الحافظ للشرع والعامل به والذي يلزم العمل به فإذا كان معصوماكان الدين كامال وإن لم يكن معصوما لم يكن الدين كامال، لكن قال الله

تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم) فدل على ثبوت إمام معصومبالضرورة.

التاسع والسبعون: كلما كان اإلمام بالنص كان معصوما لكن المقدم

(٣٦٥)

Page 365: Kitab Al-Alfain Arabic

حق فالتالي مثله أما المالزمة فتفويض النبي الخلق كافة إلى من يجوز عليهالخطأ وعقله في كثير من األوقات مغلوب بشهوته وقوته الغضبية والنص عليهوأمر الخاليق باتباعه وإقامته مقامه بعد وفاته وال يكون مجبورا بنظر من هو

مهاب عنده وأكبر منه إغراء بالقبيح وهو من النبي صلى الله عليه وآله ال يجوزوألنه ترجيح من غير مرجح لتساوي اإلمام والمأموم في وجه الحاجة وألنه عبث

النتفاء الفائدة منه وهو سد خلل المكلف وهو جواز الخطأ وأما بيان حقيقةالمقدم فألن النبي صلى الله عليه وآله لم يخرج من الدنيا حتى صار أمر الدينكامال قال الله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي واإلمامة

أعظم أركان الدين وهذا يقتضي أن أمر اإلمامة قد تم قبل وفاته واألحكامالتي قد ثبتت في زمانه عليه الصالة والسالم قد نص عليها قطعا خصوصا

في ما هو أعظم أركان الدين.الثمانون: اإلمامة في اللغة عبارة عن الشخص الذي يؤتم به ويقتدي

كالرداء اسم لما يرتدي به واللحاف اسم لما يلتحف به إذا ثبت ذلك فنقول لوجاز الذنب على اإلمام فحال اإلقدام على الذنب إما أن يقتدي به أو ال

يقتدي به فإن كان األول كان الله قد أمر بالذنب وأنه غير جائز وإن كان الثانيخرج اإلمام عن كونه إماما ألن المأموم إذا رأى ما علم حسنه فعله وإذا رأى

ما علم قبحه لم يفعله فحينئذ ال يكون متبعا وال مقتديا به بل يكون متبعاللدليل وذلك يقدح في كونه إماما فثبت أن الخطأ على اإلمام غير جائز.الحادي والثمانون: لو جاز الذنب على اإلمام لزم أحد محاالت خمسة

أما عدم وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو توقف فعله على المحال أوالدور أو اجتماع النقيضين أو استلزام وجود المعلول بدون علته والالزم

بأقسامه باطل فالملزوم مثله بيان المالزمة أن الممكن ال يلزم من فرض وقوعهمحال فلو جوزنا وقوع الخطأ من اإلمام فبتقدير إقدامه على سفك الدماء

واستباحة الفروج وأنواع الظلم إما أن يجب على الرعية منعه من هذه األفعالأو ال يجب فإن لم يجب لزم األمر األول وهو عدم وجوب األمر بالمعروف

والنهي عن المنكر وإن وجب فإما أن يجب على مجموع األمة منعه عن ذلك أو

(٣٦٦)

Page 366: Kitab Al-Alfain Arabic

على آحاد األمة واألول يستلزم توقف األمر بالمعروف والنهي عن المنكر علىإطباق األمة الموجودين في الشرق والغرب على الفعل الواحد وهو محال فيلزماألمر الثاني وهو توقف فعله على المحال وألن المشاهد المعلوم إنا نرى الملك

العظيم إذا أقدم على فعل قبيح فكل واحد من آحاد الرعية عامة تخاف مناالنكار إظهاره عليه أن يصير غيره موافقا لذلك الملك العظيم في ذلك الفعل

القبيح وحينئذ يأخذون هذا الواحد الذي أظهر االنكار عليه ويقتلونه وإذاكان هذا الخوف حاصال لكل واحد من آحاد الرعية امتنع اجتماعهم على منع

ذلك الملك عن ذلك الفعل والقسم الثاني وهو أن يجب على كل واحد منآحاد الرعية إظهار االنكار على الملك العظيم فنقول المقصود من نصب اإلمامأن يؤدب كل واحد من الرعية فلو وجب على كل واحد من الرعية أن يؤدب

اإلمام لزم الدور فإن هذا إنما ينزجر عن معصيته بسبب ذلك وذلك ينزجربسبب هذا وهو دور باطل وإن وجب متابعته لزم اجتماع المعصية والوجوب

في فعل واحد وهو اجتماع النقيضين وهو األمر الرابع وألنه يلزم أن يكوننصب اإلمام مستلزما لتكثر الفواحش والفتن ونهب األموال وتعطيل الشرايعكما حصل في زمن معاوية ويزيد لعنة الله تعالى عليهما وهو األمر الخامس.

الثاني والثمانون: رياسة غير المعصوم في الدين والدنيا جالبة لخوفالمكلف ودفع الخوف واجب ينتج رياسة غير المعصوم دفعه واجب وال شئمن اإلمام دفع رياسته بواجب فال شئ من غير المعصوم بإمام والصغرى بينة

والكبرى في الكالم مبنية والكبرى السالبة بديهية وهو المطلوب.الثالث والثمانون: كل من ثبتت له اإلمامة تحصل منه الغاية المقصودة

من ثبوت اإلمام وال شئ من غير المعصوم يحصل منه الغاية المقصودة منثبوت اإلمام باالمكان ينتج ال شئ ممن تثبت له اإلمامة بغير معصوم

بالضرورة ويلزمها كل من تثبت له اإلمامة معصوم بالضرورة فهنا مقدماتأربع كلها ثابتة.

المقدمة األولى: الصغرى وبرهانه أن كل فعل صدر من عالم يفعلهمختار حكيم فله غاية في فعله وكذا كلما أوجبه الشارع فله غاية واإلمامة عندنا

(٣٦٧)

Page 367: Kitab Al-Alfain Arabic

من فعل الله تعالى ومن نص النبي فال بد لها من غاية وعند العامة تجببالشرع فلها غاية وإال كان فعلها وإيجابها عبثا وهو محال، ال يقال: أفعال

الله تعالى لو كانت معللة باألغراض لزم استكماله بها والالزم باطل فكذاالملزوم، ألنا نقول: نمنع إن كل من فعل لغرض فهو مستكمل به بل العلم

الضروري حاصل بأن من فعل ال لغرض وال لغاية كان عابثا في فعله وحكمبسفهه.

المقدمة الثانية: الكبرى وبرهانها الغاية في اإلمام كونه لطفا يقربالمكلفين من الطاعة ويبعدهم عن المعاصي إن قبلوا منه وأطاعوا له وسمعوا

قوله وامتثلوا أمره ونهيه وحفظ الشرع والرواة عن السهو وإقامة الحدود وسدباب الخطأ وتمكن المكلف من العلم بالمسائل االجتهادية إن أراده وحفظ نظامالنوع وردع الفساد وإصالح العباد وغير المعصوم يتوقع منه إمكان أضداد هذه

وهذا ظاهر ضروري ال نزاع فيه.المقدمة الثالثة: النتيجة فلما بينا في كتبنا المنطقية كنهج العرفان واألسرار

وتحير األبحاث أن اقتران الضرورية بالممكنة في الشكل الثاني ينتج ضرورية.المقدمة الرابعة: لزوم الالزم عن النتيجة ال شك في أن النتيجة سالبة

معدولة المحمول وهي تستلزم الموجبة المحصلة عند وجود الموضوع واإلمامةثابتة عندنا وعندهم ولما بينا في كتبنا الكالمية وسيأتي هنا أن الزمان ال يخلو

عن إمام.الرابع والثمانون: إنما يأمر الله بطاعة واحد في كل أوامره ونواهيه

ويوجبه على كل من عداه إذا علم الله تعالى أن جميع أوامره ونواهيه موافقةألمره تعالى ونهيه ومطابقتها ألمر الشارع وإنما يجب اتباعه لذلك إذا علم أنه في

فعله وتركه موافق ألوامر الشارع ونواهيه وهو اإلمام وقد أمر الله تعالى بطاعتهوهذا األمر عام في أشياء:

األول: في المكلفين أي في كل من عدا اإلمام بعد النبي عليه السالم.الثاني في األزمان أي في كل األزمنة.

(٣٦٨)

Page 368: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث: في األوامر والنواهي أي في كل ما يأمر به وينهي عنه.الرابع: األمر مغلق على كل من وصف باإلمامة ومحال أن يطلق الله

تعالى أمره بطاعة شخص البشر بهذه العمومات األربعة إال ويعلم منه تعالىأنه مصيب في جميع أقواله وأفعاله وأنه غير مخطئ فيها ألن العقل الصريحوالذهن الصحيح والبديهة السليمة والفطنة المستقيمة يدل على أن الحكيم

العالم باألشياء كلها القادر المختار الغني عن جميع األشياء ال يأمر عباده ورعيتهكافة باتباع شخص وامتثال أوامره ونواهيه ويعلم أنه قد يخالف غرضه ومراده

من العباد في شئ أصال، وال نعني بالعصمة إال ذلك.الخامس والثمانون: عصمة النبي لطف في جميع أحواله التي هي

ألطاف للمكلفين والوجوه المطلوبة منه قطعا ويشاركه اإلمام في ذلك ألنه نائبةوقائم مقامه فيلزم منه أن يكون عصمة اإلمام لطفا في جميع أحواله التي هي

ألطاف للمكلفين والوجوه المطلوبة منه فيجب عصمته.السادس والثمانون: كل غير معصوم مانع من ألطاف اإلمام باالمكان

وال شئ من اإلمام بمانع من ألطاف اإلمام بالضرورة ينتج ال شئ من غيرالمعصوم بإمام بالضرورة والصغرى بينة والكبرى مبرهنة ألن اإلمام إنما ينصب

أللطاف بالضرورة، فمحال أن يكون هو مانعا منها بالضرورة، ال يقال: النسلم أن النتيجة ضرورية وقد بين في المنطق، ألنا نقول: قد برهن عليها في

المنطق سلمنا لكن كون النتيجة دائمة مما ال شك فيه وبه يتم المطلوب.السابع والثمانون: وجه الحاجة مباين لوجه االستغناء ألنهما متضادان

ضرورة ووجه الحاجة إلى اإلمام لما استقرينا الصفات التي ذكروها في وجهالحاجة إلى اإلمام رأيناها جميعها راجعة إلى شئ واحد وهو جواز الخطأ ألن

قولهم يحتاج إليه في إقامة الحدود وأصلها فعل أحد الذنوب وفي أمارة الجهادويبني على الكفر أو البغي وذلك من الكبائر العظام وهو في الذنوب وفي

الخصومات والحكومات وأحدهما على ذنب فوجوه الحاجة إلى اإلمام كلهاراجعة إلى جواز الخطأ والمنافي له العصمة وهو وجه دفع الحاجة فلو لم يكن

(٣٦٩)

Page 369: Kitab Al-Alfain Arabic

معصوما لم يحصل وجه الدفع الحاجة فكان نصبه غير محصل للفائدة فيكونعبثا.

الثامن والثمانون: إمامة غير المعصوم تعطل بعض الشرع وتنافي الحقباالمكان وال شئ من اإلمامة الصحيحة بمعطلة لشئ من األحكام الشرعية

ومنافية للحق بالضرورة، ينتج ال شئ من إمامة غير المعصوم بإمامةصحيحة بالضرورة وهو المطلوب والمقدمتان معلومتان بالبديهة.

التاسع والثمانون: إمامة غير معصوم تنافي الغرض النبوة باالمكان والشئ من اإلمامة الصحيحة المعتبرة شرعا بمتنافية لغرض النبوة في شئ من

األوقات بالضرورة، ينتج ال شئ من إمامة غير المعصوم بصحيحة والمعتبرة شرعا، أما الصغرى فألن غرض النبوة إرشاد الخلق وحملهم على الحقووقوع أفعالهم على نهج الشرع المطهر وأن ال يخالفوا الشرع وغير المعصوم

يمكن أن يحملهم على خالفه ويسفك الدماء وينهب األموال ويحبط نظام العالموقد جرب ذلك في تقدم غير المعصومين وادعائهم الرياسة واإلمامة، وأما

الكبرى فألن اإلمام لتأكيد الشريعة وتقرير جميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآلهوإلزام الشرايع لألمة وألنه مقام النبي في جميع األحكام، وأما النتيجة

فقد ثبتت في المنطق وما عليها من االعتراض والجواب المذكور فيما تقدموتحقيقه وتنقيحه في المنطق.

التسعون: سبيل اإلمام هو سبيل كل المؤمنين والثاني هو حق دائمافكذلك األول وكل من كان سبيله حقا دائما فهو معصوم ألن السبيل هوالطريق ويطلق أيضا على أحوال اإلنسان كلها أعني أفعاله وأقواله وتروكه

وجميع ما يتعلق به فإذا كانت كلها حقا كان ذلك اإلنسان معصوما وإنما قلناإن الطريق يطلق على ذلك ألن المشهور في العرف ذلك حتى أنه بلغ إلى

الحقيقة العرفية أو أغلب من اللغوية وإنما قلنا إن سبيله سبيل كل المؤمنين ألنكل عدا اإلمام يجب عليه اتباع اإلمام وال يجوز له مخالفته وإنما قلنا إن سبيل المؤمنين

لقوله تعالى: (ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) فهذا تحذير وتحديدلمن عدل عن سبيل المؤمنين.

(٣٧٠)

Page 370: Kitab Al-Alfain Arabic

الحادي والتسعون: ال بد في اإلمامة من مجموع أمرين أحدهما ثبوتي وهونفوذ حكمه على غيره أعني كل من سواه شرعا ووجوب انقياد الكل إلى أوامره

ونواهيه والثاني عدمي وهو عدم نفوذ حكم شخص غيره عليه شرعا وكلواحد من الوصفين يحتاج إلى العصمة فالمجموع يحتاج إلى العصمة أيضا.

أما األول: فألن نفوذ حكمه على كل من عداه إنما وجب شرعا ألجلإرشاد الخاليق وحملهم على الشرع المطهر وتنفيذ األوامر والنواهي وإنما يتم

وثوق المكلف بحصول الغاية منه إن لو جزم بأنه ال يأمر إال بالصواب والينهي إال بما يوافق الكتاب وال يفعل شيئا ينافي المشروع وال يجزم بذلك إال

بالجزم بعصمته واستحالة المعاصي على حوزته.وأما الثاني: فألن عدم نفوذ حكم غيره عليه واستقالله بالرياسة العامة

في الدنيا مع عدم العصمة قد أمكن أن يحمله على التغلب وطاعة الشهويةوالغضبية بل هو الواقع في أكثر األحكام وذلك يخل بقائدة اإلمامة فيتعين أن

يكون معصوما.الثاني والتسعون: قوله تعالى ((إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات

وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) (مثل الفريقينكاألعمى واألصم والبصير والسميع هل يستويان مثال أفال تذكرون) هذهاآلية تدل على أن اإلمام معصوم وتقديره أن نقول حصر العالم في فريقين

أحدهما الذين اتصفوا بصفات ثالث أحدها اإليمان ثانيها عمل الصالحاتثالثها االخبات إلى ربهم والصالحات عام في جميع الصالحات لوجهين:

أحدهما: إنه جمع محلى بالم الجنس وقد ثبت في أصول الفقه أنهللعموم.

وثانيهما: إن قوله أصحاب الجنة واألصل في االطالق الحقيقةوالصاحب إنما يصدق على المالك أو المستحق أو المتولي

والثالث: غير مراد أجمع فتعين أحد األولين وقوله أولئك أصحاب الجنة

(٣٧١)

Page 371: Kitab Al-Alfain Arabic

يفيد الحصر بالعرف العام فإن الرابطة محذوفة وهي قولنا هم أصحاب الجنةوالحكم إذا رتب على الوصف دل على علية الحكم واألصل في العلة أن تكونذاتية وأن ال يتأخر معلولها عنها فيلزم استحقاقهم من عملهم دائما فنقول ال بد

في هؤالء من معصوم وإال لم يستحقوا الجنة في وقت ما والسالبة المطلقة الكليةتضاد الدائمة الموجبة الكلية والضدان ال يجتمعان واألولى صادقة فتكذب

الثانية فهم معصومون ألن عمل كل الصالحات يوجب العصمة فاإلمام إما أنيكون في القسم األول أو الثاني والثاني محال ألنها صفة وألن من هو أعمىوأصم ال يصلح للهداية وال إصالح الفاسد واإلمام هاد مصلح للفاسد فتعين

األول فيكون معصوما، ال يقال: االعتراض عليه من وجوه:األول: إنها دالة على عصمة المجموع من حيث هو مجموع فإن المجموع

جاز أنهم هم الذين لم يخلوا بشئ من الطاعات وليس يدل على أن كل واحدواحد كذلك.

الثاني: إن داللة ترتب الحكم على الوصف على العلية داللة مفهوموداللة المفهوم ضعيفة وهذا المطلوب أمر عظيم مطلوب مهم فال يصح

االستدالل فيه بالظني.الثالث: إن المقابلة بين العمى والبصر والسمع والصمم مقابلة العدم

والملكة وهما ال يقسمان النقيضين فال يدل على الحصر.الرابع: إن قوله الذين آمنوا وباقي الصفات وأحوالهم مهملة وقوله

السميع والبصير واألعمى واألصم مهملتان أيضا والمهملة في قوة الجزئية فاليتناقضان.

الخامس: إنه ذكر هؤالء في مقابلة ((ومن أظلم ممن افترى على اللهكذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول األشهاد هؤالء الذين كذبوا على ربهم

أال لعنة الله على الظالمين) (الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاوهم باآلخرة هم كافرون) (ال جرم أنهم في اآلخرة هم األخسرون) وال

شك أنه ال حصر في الترديد بين الكافرين وبين المعصومين فال يلزم أن يكون

(٣٧٢)

Page 372: Kitab Al-Alfain Arabic

اإلمام من أحدهما وإنما يلزم ذلك لو كان الترديد حاصرا وهو ممنوع.ألنا نقول: الجواب عن األول إن الحكم المعلق على صفة أين وجدت

الصفة وجد هذا معلق على صفة فأين وجدت وجد وال يشترط فيه االجماعواالفتراق.

وعن الثاني: إن الوصف إذا لم يكن في ذكره فائدة إال التعليل به وجبالتعليل به وهو هنا كذلك وإال لخال عن الفائدة هذا خلف.

وعن الثالث: إن مع وجود الموضوع وقبوله يبقى التقابل بين العدموالملكة مساويا للتقابل بين النقيضين في هذه الصورة.

وعن الرابع: إن المراد هنا الكلية باالجماع.وعن الخامس: إنه تعالى ذكر حكم الفريقين معلقا بوصفين عامين وهما

يقتسمان النقيضين فدل على الحصر بيان ذلك أنه تعالى قال: (مثلالفريقين كاألعمى واألصم والبصير والسميع هل يستويان مثال أفال

تذكرون) واألعمى هو الضال وهو يصدق بآحاد الذنوب واألصم بالنسبةإلى بعض الذنوب صادق في الجملة أيضا ألنها مطلقة عامة والسميع

يقابله والبصير هو الذي يقابله هو الذي ال يعرض له عمى االضالل فهو يقابلهولوجود الموضوع وقبوله الملكة يقتسمان النقيضين في تلك الحال.

الثالث والتسعون: استدل األصوليون على عصمته بقوله تعالى:(ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى) إن حرم ترك اتباع سبيلهم في

شئ ما يستلزم وجوب اتباع سبيلهم في كل األشياء والسبيل هو أقوالهموأفعالهم وتروكهم فيلزم أن يكون ذلك كله حقا ألنه لو لم يكن حقا لم يوجب

الله عز وعال اتباعه وتوعده على تركه بالنار والعذاب وال نعني بالعصمة إالذلك إذا تقرر ذلك فنقول: الله أمر جميع المكلفين النبي وغيره بطاعته وأمر

من عدا النبي بطاعة النبي عليه السالم وأمر من عدا اإلمام بطاعة اإلمام ثمجعل طاعة اإلمام مساوية لكل واحدة من الطاعتين لقوله عز وجل:

(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) فعطف أولي األمر على

(٣٧٣)

Page 373: Kitab Al-Alfain Arabic

الرسول وصيغة الطاعة لهما واحدة وهذا صريح في تساوي وجوب طاعتهمافيجب اتباع اإلمام على األمة كافة فيلزم أن يكون سبيله حقا أي أقواله

وأفعاله وتروكه كل واحد منها حقا وال نعني بالعصمة إال ذلك.الرابع والتسعون: دلت هذه اآلية وآية وجوب طاعة اإلمام ومساواتها

لطاعة النبي صلى الله عليه وآله على أن األصل في فعلهم أمر اإلمام وفعلهوتركه أو نهيه أو إباحته أو استباحته فداللة ذلك على عصمة اإلمام أولى

وأجدر.الخامس والتسعون: الله تعالى حكم في كتابه العزيز بأنه يخرج المؤمن

من كل الظلمات إلى النور وال يتم إال بعصمة اإلمام وعدم خلو الزمان منإمام معصوم فوجب ذلك ألن وعد الله تعالى في حكم الواقع ألنه يجب وقوعهويستحيل خلفه بمقدمتين أما المقدمة األولى فألن لفظ الظلمات عام ألنه اسم

جنس معرف بالالم فيعم لما تحقق في األصول. وأما المقدمة الثانية فتتوقفعلى مقدمات األولى أن الجهل ظلم وهو ظاهر الثانية الحكم بخالف ما أنزل

الله تعالى ظلم وكذا إذا لم يحكم بما أنزل الله لقوله تعالى: (ومن لم يحكم بماأنزل الله فأولئك هم الظالمون) الثالثة عدم إصابة حكم الله في األحكام

ظلمة ألنه جهل الرابعة التحير والخوف وتجويز الخطأ أيضا ظلمة وهو ظاهر إذاعرفت ذلك فقول لو لم يكن اإلمام معصوما لجاز حمل الناس على الخطأ ولميكن لهم طريق إلى العلم بحكم الله تعالى في الوقائع الشرعية فإنها ال تنضبط

فال يمكن الخالص من ذلك إال بنصب إمام معصوم فلو لم ينصب إمامامعصوما لزم خالف الوعد من الله تعالى وخالف الوعد من الله تعالى محال

فعدم نصب إمام معصوم محال وهو المطلوب.السادس والتسعون: قوله تعالى: (وال تركنوا إلى الذين ظلموا

فتمسكم النار) واإلمام يجب الركون إليه في أحكامه وأوامره ونواهيه فيأعظم األشياء كالدماء والحروب وكلما لم يحكم اإلمام بما أنزل الله كان ظالما لما

تقدم من النص اإللهي في القرآن العظيم وهنا مقدمتان عقليتان أحدهما إندفع الخوف واجب عقال وهي مقدمة مسلمة ألن دفع الضرر المظنون واجب

(٣٧٤)

Page 374: Kitab Al-Alfain Arabic

الثانية إن التجري والعمل بقول غير المعصوم وال يستند باآلخرة إليه في الدماءوالحروب وإتالف األموال وفي الفروج مخوف ألن غير المعصوم فيه شيئانأحدهما أنه ال يعلم الحكم في الواقعة يقينا فجاز أن ال يحكم بما أنزل الله

فيدخل تحت قوله ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ويدخلاالعتماد على قوله في قوله: (وال تركنوا إلى الذين ظلموا) فيحصل

الخوف للمكلفين من اعتماد أقواله وأفعاله وامتثال أوامره ونواهيه وهي مقدمةوجدانية فيجب االحتراز عنه فيلزم من وجوب اتباعه وامتثال أوامره ونواهيه

وجوب ترك اتباعه وترك امتثال أوامره ونواهيه فيلزم التكليف بالنقيضين وهومحال ظاهر االستحالة وهو المطلوب ال يقال، هذا وارد في المفتي ألنا نقول:

يندفع خلله مع وجود اإلمام المعصوم وأما مع عدم عصمة اإلمام فال يمكنانسداد هذا الباب.

السابع والتسعون: قوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهمبظلم أولئك لهم األمن وهم مهتدون) فنقول كل ذنب ظلم لقوله تعالى:

(ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) والمراد بالحدود هنا األوامر والنواهيبإجماع األمة وليس المراد الكل بل كل واحد بانفراده ظلم بإجماع األمة وقولهتعالى ولم يلبسوا إيمانهم بظلم قوله بظلم نكرة في معرض النفي فيكون للعموم

فيلزم أال يصدر مع إيمانهم منهم ذنب وهذا معنى العصمة وال شك أن النبيصلى الله عليه وآله له هاتان المرتبتان ألنه داع للناس إلى األولى أعني تحصيل

األولى والثانية منها بل أي واحد كان منها وهي عامة في كل أمر ونهي بمعنى أنتعدي كل واحد به نفي الظلم والذنوب فيكون معصوما واإلمام قائم مقامه

ألن طاعته مساوية لطاعة النبي فيكون داعيا إلى المرتبتين فال بد من تحققهمافيه فيكون اإلمام معصوما.

الثامن والتسعون: األمن والهداية بحصول هاتين المرتبتين كما ذكر فيهذه اآلية واإلمام طريق إليهما ألنه هاد وبه يحصل األمن للمكلف وغير

المعصوم ليس كذلك بالضرورة ولحصول الخوف من امتثال أوامره ونواهيهوخصوصا فيما بني على االحتياط التام كالدماء والفروج فإن غير المعصوم يجوز

(٣٧٥)

Page 375: Kitab Al-Alfain Arabic

المكلف فيه شيئين أحدهما الخطأ والثاني تعمده للخطأ بغلبة القوة الشهويةوالسبعية فال بد وأن يكون اإلمام معصوما وهو المطلوب.

التاسع والتسعون: قوله تعالى: ((وهديناهم إلى صراط مستقيم)(ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده) المطلوب الغاية من نصباإلمام الهداية وهو ظاهر ولمساواة طاعته لطاعة النبي وكونه قائما مقامه

والصراط المستقيم هو العصمة فهو داع للخلق إلى هذه المرتبة ويحصل منطاعته وإال لم يأمر بها الله تعالى فال يكون إال معصوما وهو المطلوب.

المائة: قوله تعالى: (إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شئ قل منأنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس) ثم قال تعالى:

(وهذا كتاب أنزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر أم القرى ومنحولها والذين يؤمنون باآلخرة يؤمنون به وهم على صالتهم يحافظون) وجهاالستدالل أن القرآن الكريم ناسخ للتوراة والناسخ أكمل من المنسوخ فيلزمأن يكون نورا وهدى للناس ولفظ النور هنا مجاز والمراد به واضح الداللة

بحيث تكون يقينية ال تقبل الشك ثم أكد بقوله هدى للناس وهو عام في أهلكل عصر ثم أثبت كونه هدى للناس فال بد من ثبوت مهتد بالفعل ألن كل

موضوع القضية الموجبة يجلب الحكم فيها على ما صدق عليه عنوان الموضوعبالفعل وكونه هدى بالفعل يستلزم ثبوت مهتد بالفعل وال يصدق أن فالنامهتد إال مع كونه مهتديا في جميع أفعاله ألن قولنا فالن ضل مطلقة عامة

يستعمل في تكذيبها فالن مهتد وبالعكس عرفا وهي مساوية لنقيضها فتكونفي قوة سالبة كلية عرفا فقد ثبت أن في كل عصر ال بد من له صفتان أحدهما

أن له علما بدالالت القرآن يقينا علما ضروريا من قبيل فطري القياس والثانيةأنه مهتد بالفعل دائما في جميع أفعاله وهو المعصوم.

(٣٧٦)

Page 376: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة التاسعةاألول: قوله تعالى: (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون

عليكم آياتي فمن أتقى وأصلح فال خوف عليهم والهم يحزنون) وجهاالستدالل أن هذه اآلية عامة في كل عصر واإلمام ال بد أن يحمل الناس

عليها إن امتثلوا أمره وتابعوا فعله فال بد وأن تكون فيه هذه الصفة فال بد فيكل عصر من إمام متصف بهذه الصفة وهو المعصوم ألن قوله فال خوف

عليهم والهم يحزنون عام ألن النكرة المنفية للعموم وهو جواب لقوله تعالى:(فمن اتقى وأصلح) وكل غير معصوم يخاف ويحزن لقوله تعالى:

(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) (ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره))،وقوله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من

سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوفبالعباد)، فدل على أن من ذكرناه معصوم.

الثاني: قوله تعالى: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات ال نكلف نفساإال وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) وجه االستدالل أن الله

سبحانه وتعالى نصب اإلمام لحمل الناس على هذه المرتبة فال بد وأن تكونفيه والصالحات جمع محلي بالالم فيفيد العموم فاإليمان وعمل الصالحات يشتمل

على ترك المعاصي ألنه حكم بأنهم أصحاب الجنة المستحقون لها فال يتم إالبترك المعاصي فاإلمام معصوم وهو المطلوب.

(٣٧٧)

Page 377: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث: قوله تعالى: ((وقالوا الحمد لله الذي هدنا لهذا وما كنا لنهتديلوال أن هدنا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم) (الجنة

أورثتموها بما كنتم تعلمون)) وجه االستدالل أن الهداية هداية الحق ال يتمإال بالمعصوم فقد ثبت الملزوم بهذه اآلية فثبت الالزم فيكون اإلمام الذي هو

هاد ومعصوما وهو المطلوب.الرابع: قوله تعالى: ((ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم وهدى

ورحمة لقوم يؤمنون) (هل ينظرون إال تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذيننسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق) إلى قوله تعالى: (قد خسرواأنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) وجه االستدالل أنه تعالى فصل

الكتاب إلى أحكامه على علم فنفي الظن فيلزم أن تكون جزئيات أحكامهمعلومة وأكد ذلك بقوله هدى وإنما يكون بالعلم فإما أن يكون في كل زمان أو

في زمن واحد ال غير والثاني محال لعدم اختصاص لطفه تعالى بقوم دون قومفال بد يكون اإلمام عالما بذلك ومهتديا في كل األمور فهو المعصوم وهو

المطلوب.الخامس: قوله تعالى: (نبؤني بعلم إن كنتم صادقين) الشرط إذا

تأخر كان في الحقيقة متقدما وما قبله التالي يقرره إن كنتم صادقين فنبئونيبعلم شرط في صدق المنبئ عن الله تعالى باألحكام أن يكون خبره عن علم

ألن إن للشرط وألن الحكم إذا علق بوصف يصلح للعلية دل على العليةفيصدق كل صادق في أنبائه عن الله تعالى فانباؤه عن علم وينعكس بعكس

النقيض كل من ليس انباؤه عن علم فليس بصادق إذا تقرر ذلك فنقولاإلمام صادق في كل أنبائه عن الله تعالى وكل صادق في انبائه فانباؤه بعلم

ينتج أن اإلمام في انبائه عن الله عز وجل بعلم فقد حصل معنا مقدمتان:أحدهما: إن كل إمام يخبر فهو صادق في كل ما يخبر به عن الله تعالى في

األحكام الشرعية.ثانيهما: إن كل إمام فهو عالم بكل األحكام علما ال ظنا إذا ثبت ذلك

(٣٧٨)

Page 378: Kitab Al-Alfain Arabic

فنقول إنما يحصل الجزم بها بين المقدمتين مع العلم بعصمة اإلمام عليه السالمفقد بطل قول من يقول باجتهاد اإلمام في األحكام وجواز خطأه في االجتهاد

وبظن صدقه.السادس: قوله تعالى: (ولكن الله حبب إليكم األيمن وزينه في

قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون) وجهاالستدالل بهذه اآلية من وجوه األول إن هذه اآلية فيها مراتب خمس مع

كمالها تحصل صفة الرشد التي ال يتصف بها األمر كملت فيه هذه المرتبةاألولى اإليمان المرتبة الثانية أن يكون مزينا في قلوبهم بمعنى أن يكون لهم علم

اليقين وعين اليقين وإليهما أشار إبراهيم عليه السالم في سؤاله: (رب أرنيكيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) وال يرد أن

المعقول أقوى من المحسوس فكيف يؤكد المعقول بالمحسوس ألن علمه منقبيل فطري القياس ثم أراد إدراكه حيا فاألول في اإليمان حصل له العلم،

والثاني االدراك الحسي فيكون قد أدركه عقال وحسا ثم سلمنا لكنه سأل عنالكيفية المحسوسة ثم أراد الله تعالى أن ينفي عن إبراهيم اعتقاد المبطلين إنه

كان شاكا في ذلك والله علم أنه ال يشك لكن أراد بالسؤال نفي وهم المبطلينالشاكين في كمال األنبياء فأظهر فائدة سؤال إبراهيم عليه السالم بقولهتعالى: أولم تؤمن وجواب إبراهيم فهنالك يعني ضاللة كل من شك في

شئ، المرتبة الثالثة نفي الكفر والتبرئ منه واعتقاد بطالنه باعتقاد علماليقين وعين اليقين كاإليمان، المرتبة الرابعة نفي الفسوق، المرتبة الخامسة

نفي العصيان وهو عام ألن نفي الماهية ال يتم إال بنفي جميع جزئياتها فإذا كانالراشد من كملت هذه المراتب فيه بإرسال النبي ونصب اإلمام الذي هو نائبه

وقائم مقامه إلرشاد الخالئق وحملهم على هذه المراتب كلها فال بد وأن يكونالنبي واإلمام راشدين حتى تتم دعوتهما وال يحتاجان إلى غيرهما وال ينقطعحاجة من ليس فيه هذه الصفات إال بمن تكمل هذه الصفات فيه وإال لزم لهتسلسل الحاجة وعلى تقدير التسلسل ال ينقطع الحاجة وهذا معنى العصمة

بالضرورة فيكون اإلمام معصوما.

(٣٧٩)

Page 379: Kitab Al-Alfain Arabic

الثاني: هذه المراتب هي الحق وهي الهواية الخالصة وهي المرتبة التيقال الله تعالى: (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم) وحاجة الناس إلى اإلمام ليهديهم

ويحملهم عليها وبه وبامتثال أوامره ونواهيه واتباع أقواله وأفعاله تنقطعحاجتهم ويحصل لهم االستغناء فلو لم يكن فيه هذه الصفات المذكورة مجتمعة

لم تنقطع الحاجة.الثالث: قوله تعالى: (أولئك هم الراشدون) يدل على انحصار

الراشد في هؤالء ألنها صيغة الحصر وخصوصا مع التأكيد فغير هؤالء ليسوابراشدين فاإلمام إما رشاد أوليس براشد والثاني محال ألنه ال شئ ممن ليس

بمراشد مرشد مطلقا بالضرورة وكل إمام مرشد مطلقا بالضرورة ينتج ال شئممن ليس براشد مطلقا بإمام بالضرورة فتعين القسم األول وهو أن يكون

اإلمام من هؤالء فهو معصوم لما تقرر وهو المطلوب.السابع: اتباع اإلمام موجب لمحبة الله تعالى بالضرورة وال شئ من

المذنب اتباعه موجب لمحبة الله تعالى فال شئ من اإلمام بمذنب بالضرورة أماالصغرى فلمساواة اتباع اإلمام التباع النبي لقوله تعالى: (أطيعوا اللهوأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم)، فجعل طاعة اإلمام وطاعة النبي

متساويتين واتباع النبي موجب لمحبة الله تعالى لقوله تعالى: (فاتبعونييحببكم الله) فكذا اتباع اإلمام وأما الكبرى فلقوله تعالى إن الله ال يحب

المعتدين والمذنب معتد بالضرورة.الثامن: كل إمام مصلح بالضرورة ألنه غاية إمامته لقوله تعالى:

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) والجمعالمضاف للعموم وال شئ من غير المعصوم بمصلح باالمكان، وهو بديهي فالشئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة لما بين في المنطق وهو يستلزم كل إمام

معصوم بالضرورة لوجود الموضوع وهو المطلوب.التاسع: قوله تعالى: (والله ال يهدي القوم الفاسقين) وجه

االستدالل أن نقول اإلمام هاد لكل من هو إمام له بالضرورة وكل هاد يهديهالله بالضرورة ينتج اإلمام يهديه الله بالضرورة فنجعلها صغرى لقولنا ال شئ

(٣٨٠)

Page 380: Kitab Al-Alfain Arabic

من الفاسق يهديه الله لآلية المذكورة ينتج ال شئ من اإلمام بفاسق بالضرورةوكل غير معصوم فاسق باالمكان ينتج ال شئ من اإلمام غير معصوم

بالضرورة وهو يستلزم قولنا كل إمام معصوم بالضرورة لوجود الموضوع وهوالمطلوب فهنا مقدمات:

األولى: اإلمام هاد لكل من هو إمام له لقوله تعالى: (وجعلناهم أئمةيهدون بأمرنا) فاإلمام هو هادي المأموم إلى الحق.

الثانية: كل هاد يهديه الله بالضرورة لقوله تعالى: (ومن يهد الله فهوالمهتدي) والتفاق األمة عليه أما األشاعرة فظاهر وأما المعتزلة فألن العقل

واالستعداد من فعل الله تعالى.الثالثة: أن المراد من قوله تعالى: (القوم الفاسقين) إما كل واحد أو

الكل وعلى التقديرين فالمطلوب حاصل أما على األول فظاهر وأما على الثانيفألن الفسق ليس بهداية فالفاسق حال فسقه غير مهتد بالضرورة.

الرابعة: إن كل غير معصوم فاسق باالمكان وهو ظاهر إذ العصمة هيبامتناع الذنب والفسق بإمكانه.

العاشر: قوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين)اآلية، وجه االستدالل أن القوة الشهوية مرجحة الرتكاب الشهوات ثم هي

محبوبة زين للناس حبها فقد حصل ترجيح من هذه الوجوه الثالثة وذلكيوجب لمن ضعف عقله مقاومة هذه المرجحات وهم أكثر الخلق على ما

نشاهده وذلك يوجب ارتكاب المحرمات وعدم االلتفات إلى الشرع فال بد منرادع فكل غير معصوم فيه هذا باالمكان وألن القوى متفاوتة غير منضبطةفالرادع هو الرئيس وال بد أن يمتنع منه هذه األشياء وإال لساوى غيره بل

يكون الرياسة له معينة وتمكنه وعدم ممانعة غيره فإن غيره ال يقواه فوجب أنيحكم بامتناع ذلك منه حتى يكون الناس له أطوع وال نعني بالمعصوم إال ذلك

وهو المطلوب.الحادي عشر: قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض

(٣٨١)

Page 381: Kitab Al-Alfain Arabic

يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصالة ويؤتون الزكاةويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) وجه

االستدالل يحتاج إلى مقدمات:أحدها: إن لله تعالى في كل واقعة حكما واحدا وهو الحق وأنه ال يختلف

باختالف االجتهاد.الثانية: هذه اآلية عامة في األزمان والمكلفين وهو ظاهر والمكلف به من

األفعال والتروك أما األوامر من جهة المعروف والنواهي من جهة المنكر ثم أكدبإقامة الصالة وإيتاء الزكاة لشدة االهتمام بهما وأكد الجميع وعمومه بقوله

ويطيعون الله ورسوله.الثالثة: إن اختالف اآلراء وتضاد الشهوات واستهانة الجهال الشريعة

يقتضي اختالل نظام النوع إذا تقرر ذلك فنقول اآلية تقتضي أنه ال بد مننصب رئيس واحد يأمر الكل وينهاهم ويحملهم على ذلك وإال لزم وقوع أحد

األمرين أما وقوع الهرج والمرج واختالل نظام النوع إذ كل واحد يقول إنأمري هو المعروف ونهيي هو المنكر ألن كل واقعة مهمة فيها حكم وليس كل

األحكام معلومة للكل وجعل االجتهاد من أي من اتفق مناطا يؤدي لي وقوعالفتن واختالل نظام النوع ونقض الغرض من التكليف وأما زوال التكليف أو

عمومه في أحد ما ذكرنا وهو باطل باالجماع وال بد أن يكون ذلك الرئيس اليجوز عليه الخطأ وأن يعمل منكرا أو يترك معروفا وإال الحتاج إلى إمام آخر

وتسلسل ووقع الهرج واختالل نظام النوع وال بد منه في كل زمان ألنتخصيص بعض الناس في بعض األوقات بالمعصوم دون بعض ترجيح من غير

مرجح وذلك هو اإلمام فظهر أن اإلمام معصوم ويجب في كل زمان.الثاني عشر: قوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده

يدخله نارا خلدا فيها وله عذاب مهين) وجه االستدالل أن نقول كل غيرمعصوم يمكن أن يكون بهذه الصفة وال شئ من اإلمام بهذه الصفة بالضرورة

وينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة ألن اإلمام مركون إليه

(٣٨٢)

Page 382: Kitab Al-Alfain Arabic

بالضرورة ومن هذه الصفة ظالم بالضرورة وال شئ من الظالم بمركون إليهلقوله تعالى: (وال تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار).

الثالث عشر: قوله تعالى: (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحيناإليهم فعل الخيرات وأقام الصالة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عبدين). هذا يدل

على أن األئمة لهم صفات أحدها إن الله تعالى وصفهم بقوله وجعلناهم أئمةوثانيها أنهم يهدون بأمر الله من هم أئمة لهم وثالثها إن الهداية بأمر الله أي اليأمرون إال بأمر الله وال ينهون إال عما نهى الله عنه وال يفتون إال بما حكم اللهورابعها أنهم يفعلون الخيرات وأقام الصالة وإيتاء الزكاة ووصفهم بالعبادة هو

عام في الخيرات والصلوات في كل األوقات وكذا الزكاة والعبادات كلها.الرابع عشر: قوله تعالى: (إن الله ال يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة

يضعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما).الخامس عشر: قوله تعالى: (وال تجدل عن الذين يختانون أنفسهم)

اآلية وجه االستدالل أن كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئمن اإلمام يمكن أن يكون كذلك بالضرورة وإال لم يحصل الوثوق بقوله وال

يحصل الطمأنينة واألمان بتبعيته ولجواز أن تفيد هذه الصفات المذمومة فيكونتبعيته سببا في الخوف ودفع الخوف واجب فترك تبعيته واجب فتنتفي فائدة

إمامته وتنتج ال شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب.السادس عشر: قوله تعالى: ((إذ يبيتون ما ال يرضى من القول

وكان الله بما يعملون محيطا) (ها أنتم هؤالء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمنيجدل الله عنهم يوم القيمة أم من يكون عليهم وكيال) وجه االستدالل أن

كل غير معصوم كذلك باالمكان وال شئ من اإلمام كذلك بالضرورة ينتجال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.

السابع عشر: قوله تعالى: (وأما الذين استنكفوا واستكبروافيعذبهم عذابا أليما وال يجدون لهم من دون الله وليا وال نصيرا) وجه

االستدالل أن نقول كل غير معصوم يمكن أن يكون له هذه الصفات وال

(٣٨٣)

Page 383: Kitab Al-Alfain Arabic

شئ من اإلمام له هذه الصفات بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصومبإمام بالضرورة وهو المطلوب.

الثامن عشر: قوله تعالى: (يا أيها الناس قد جاءكم برهن من ربكموأنزلنا إليكم نورا مبينا) وجه االستدالل أن هذه إشارة إلى القرآن وفيه

متشابه ومجاز فال بد أن يكون له مبين داللته معه يقينية وهو في غير المعصوممحال فثبت المعصوم.

التاسع عشر: قوله تعالى: (ما يريد الله ليجعل عليكم في الدينمن حرج) وجه االستدالل أن نقول أمرنا الله تعالى بالتقوى وهي االجتناب عنجميع المحرمات واألخذ بما يؤدي إلى الطاعة واجتناب المعصية يقينا وكلماعرض في شئ شبهة تحريم يجتنبه مع اشتمال القرآن على المجمل والمؤول

ومع كون اإلمام الدال لنا على المراد من التنزيل والتأويل غير معصوم ووجوبطاعته علينا حرج عظيم لعدم حصول اليقين بقوله فال يحصل لنا التقوى

والحرج منفي فالزم كون اإلمام غير معصوم وهو الحرج العظيم منفي ونفيالالزم يستلزم نفي الملزوم.

العشرون: قوله تعالى: (ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكملعلكم تشكرون) وجه االستدالل أن تطهير المكلفين من فعل القبايح

والمحرمات ال يتم إال بإمام معصوم يفيد قوله اليقين وإتمام النعمة بحصولالنجاة يقينا في اآلخرة بفعل جميع الطاعات الواجبة وإظهارها للمكلف يقينا ال

يتم إال بإمام معصوم يفيد قوله اليقين ويعلم من فعله وتركه يقين الصحةذلك فيجب أن ينصب إمام معصوما في كل زمان وإال لكان ناقضا غرضه وهو

محال تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.الحادي والعشرون: قوله تعالى: (فبما نقضهم ميثاقهم لعنهم وجعلنا

قلوبهم قسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به) وجهاالستدالل أن نقول كل غير معصوم يمكن له هذه الصفات وال شئ من

اإلمام له هذه الصفات فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

(٣٨٤)

Page 384: Kitab Al-Alfain Arabic

الثاني والعشرون: قوله تعالى: (يا أيها الرسول ال يحزنك الذينيسارعون في الكفر) إلى قوله: (فاحذروا) وجه االستدالل أن كل غير

معصوم يمكن له هذه الصفات وال شئ من اإلمام له هذه الصفات بالضرورةفال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة والمقدمتان ظاهرتان.

الثالث والعشرون: قوله تعالى: (ومن يرد الله فتنته) إلى قولهللسحت اآلية وجه االستدالل أن نقول كل غير معصوم يمكن أن يكون له

هذه الصفات وال شئ من اإلمام له هذه الصفات بالضرورة ينتج ال شئمن غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الرابع والعشرون: قوله تعالى: (ولو شاء الله لجعلكم أمة وحدة)إلى قوله (يختلفون) وجه االستدالل أنه تعالى امتحن عباده بما آتاهم ليثيبمن صبر على االمتحان والتزم بالحق وذلك ال يتم إال بإمام معصوم لما تقدمتقريره غير مرة فيستحيل خلو الزمان عن إمام معصوم. وأيضا أمر الله عبادهبأن يستبقوا إلى الخيرات وال يلتفتوا إلى الشبهات وال إلى معارضات الحق

ومخلفاته وال يتم مع اشتمال النص على المتشابه إال بمن يفيد قوله اليقين ويبينمتشابهات النص بحيث ال يكون للمختلفين على الله حجة إذ المكلف إذا

خوطب بالمتشابه ولم يحصل له ما يفيده اليقين حتى ظن خالف الحق لعدموقوفه على قرينة أو قصور عقله عن تحصيل يقين مع عدم ذلك وال مفسر

للمتشابه يفيد قوله اليقين يكون حجة ظاهرة فألجل ذلك وجب إمام معصوميعلم المتشابه والظاهر والمؤول يقينا ويعلمه المكلفين ويدلهم ذلك عليه وهو

المطلوب.الخامس والعشرون: قوله تعالى: (وال تعتدوا إن الله ال يحب

المعتدين) وجه االستدالل أن نقول كل إمام محبوب لله تعالى بالضرورة فإنطاعته مساوية لطاعة الرسول لقوله تعالى: (وأولي األمر منكم) فكل من

لم يطع اإلمام لم يطع الرسول وكل من أطاع الرسول أطاع اإلمام وبالعكسكليا وكل من أطاع الرسول أحبه الله لقوله تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله)

وال شئ من المعتدين يحبه الله بالضرورة ألن الجمع المحلي بالالم يفيد العموم

(٣٨٥)

Page 385: Kitab Al-Alfain Arabic

وصفات الله السلبية واجبة كاإليجابية فال شئ من اإلمام بمعتد بالضرورةفنقول كل غير معصوم معتد باالمكان وال شئ من اإلمام بمعتد بالضرورة

ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.السادس والعشرون: قوله تعالى: (والله ال يهدي القوم الفاسقين)

وجه االستدالل أن نقول كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ مناإلمام يمكن أن يكون كذلك بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام،أما الصغرى فظاهرة وأما الكبرى فألن اإلمام هاد بالضرورة وكل هاد مهتد

بالضرورة وال شئ ممن لم يهده الله بمهتد لقوله تعالى ومن يهد الله فهوالمهتدي، ودخول األلف والالم بعد هو في الموجبة يدل على انحصار المحمول

في الموضوع فغيره ليس بمهتد وإال لم يحصل الحصر هذا خالف.السابع والعشرون: قوله تعالى: (ومن أظلم ممن أفترى على الله

كذبا) وجه االستدالل أن كل غير معصوم يمكن له هذه الصفة وال شئ مناإلمام له هذه الصفة بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة

وهو المطلوب.الثامن والعشرون: قوله تعالى (ولكن أكثرهم يجهلون) كل غير

معصوم يمكن له هذه الصفة وال شئ من اإلمام له هذه الصفة بالضرورة ألنهإنما نصب لدفع هذه الصفة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام وهو

المطلوب.التاسع والعشرون: قوله تعالى: (يوحي بعضهم إلى بعض زخرف

القول غرورا) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفة وال شئ من اإلمام لههذه الصفة بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام.

الثالثون: قوله تعالى: (وإن تطع) اآلية وجه االستدالل أن نقولكل غير معصوم له هذه الصفات باالمكان وال شئ من اإلمام له هذه

الصفات بالضرورة وإال لكان ترك نصبه لطفا ونصبه إضالال فال شئ من

(٣٨٦)

Page 386: Kitab Al-Alfain Arabic

غير المعصوم بإمام بالضرورة.الحادي والثالثون: قوله تعالى: (وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير

علم) كل غير معصوم له هذه الصفة باالمكان وال شئ من اإلمام له هذهالصفة بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم له هذه الصفة باالمكان وال

شئ من اإلمام له هذه الصفة بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمامبالضرورة.

الثاني والثالثون: قوله تعالى: (إن ربك هو أعلم من يضل عنسبيله وهو أعلم بالمهتدين) كل غير معصوم له هذه الصفة باالمكان وال

شئ من اإلمام له هذه الصفة بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمامبالضرورة.

الثالث والثالثون: قوله تعالى: (إن الذين يكسبون اإلثم سيجزونبما كانوا يقترفون) كل غير معصوم له هذه الصفة باالمكان وال شئ مناإلمام له هذه الصفة بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الرابع والثالثون: قوله تعالى: (سيصيب الذين أجرموا صغار عندالله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون) كل غير معصوم يمكن هل هذه الصفة

بالضرورة وال شئ من اإلمام له هذه الصفة بالضرورة ينتج ال شئ من غيرالمعصوم بإمام بالضرورة وهو المطلوب.

الخامس والثالثون: قوله تعالى: (إنه ال يفلح الظالمون) كل غيرمعصوم له هذه الصفة باالمكان وال شئ من اإلمام المعصوم له هذه الصفةباالمكان وال شئ من اإلمام المعصوم له هذه الصفة بالضرورة ينتج ال شئ

من غير المعصوم بإمام بالضرورة.السادس والثالثون: قوله تعالى: (إن يتبعون إال الظن وإن هم إال

يخرصون) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمامالمعصوم كذلك بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

(٣٨٧)

Page 387: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع والثالثون: قوله تعالى: (وال تقربوا الفواحش ما ظهر منهاوما بطن وال تقتلوا النفس التي حرم الله إال بالحق ذلكم وصكم به لعلكمتعقلون) كل غير معصوم يمكن أن يفعل ذلك كله فعلى تقدير وقوع هذا

الممكن ال يكون عاقال وكل غير معصوم يمكن أن يكون متصفا بفعل هذهوبعدم العقل وال شئ من اإلمام متصف بشئ من هذه وبعدم العقل

بالضرورة إذ اإلمام إنما نصب ليمنع المكلف من هذه المؤاخذة عليها فيستحيلاتصافه بها بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثامن والثالثون: قوله تعالى: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربىوبعهد الله أوفوا ذلكم وصكم به لعلكم تذكرون) كل إمام له هذه

الصفات الضرورية وال شئ من اإلمام غير معصوم ويستلزم كل إمام معصوملوجود الموضوع.

التاسع والثالثون: قوله تعالى: (فمن أظلم ممن كذب بآيات اللهوصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا

يصدفون) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمام كذلكبالضرورة وهو المطلوب.

األربعون: قوله تعالى: (قل إنني هدني ربي إلى صراط مستقيم ديناقيما) المراد الهداية إلى الصراط المستقيم من األقوال واألفعال والتروك وهذاهو العصمة واإلمام قائم مقام النبي عليه السالم فيكون له هذه الصفات ليتم

المراد منه.الحادي واألربعون: قوله تعالى: (ومن خفت موازينه فأولئك الذين

خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون) كل غير معصوم يمكن له هذهالصفة بالضرورة وال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثاني واألربعون: كل غير معصوم غاو باالمكان وال شئ من اإلمامبغا وبالضرورة ألنه نصب لدفع الغواية فال شئ من غير المعصوم بإمام

بالضرورة.

(٣٨٨)

Page 388: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث واألربعون: قوله تعالى: (يا بني آدم ال يفتننكم الشيطان كماأخرج أبويكم من الجنة) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفة وال شئ مناإلمام له هذه الصفة بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الرابع واألربعون: قوله تعالى: (لمن تبعك منهم ألمألن جهنممنكم أجمعين) كل غير معصوم كذلك باالمكان وال شئ من اإلمام كذلك

بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.الخامس واألربعون: قوله تعالى: (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من

دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك والشئ من المعصوم كذلك بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام

بالضرورة.السادس واألربعون: قوله تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر

منها وما بطن واإلثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطناوأن تقولوا على الله ما ال تعلمون) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفات

وال شئ من اإلمام يمكن له هذه الصفات بالضرورة فال شئ من غيرالمعصوم بإمام بالضرورة.

السابع واألربعون: كل غير معصوم ال يعلم كل جزئيات األحكام بليحصل بعضها باالجتهاد المفيد للظن وكل إمام يعلم كل جزئيات األحكام

بالضرورة وإال لكان قائال في بعضها على الله ما ال يعلم فيدخل تحت الذم فاليجوز اتباعه هو مخل بفائدة اإلمام فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثامن واألربعون: قوله تعالى: (أن لعنة الله على الظالمين) كل غيرمعصوم يمكن له هذه الصفة وال شئ من اإلمام له هذه الصفة بالضرورة فال

شئ من غير اإلمام بمعصوم بالضرورة.التاسع واألربعون: قوله تعالى: (إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم

ألولهم ربنا هؤالء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ولكن

(٣٨٩)

Page 389: Kitab Al-Alfain Arabic

ال تعلمون) كل غير معصوم له هذه الصفات باالمكان وال شئ من اإلمامله هذه الصفات بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الخمسون: لم يغفر الله للمقلدين المخطئين ألنه لم يقبل عذرهم حيثقالوا ربنا هؤالء أضلونا وال شك في أن المقلد إنما يقلد لشبهة أوجبت اعتقاده

لصالحية التقليد وكل غير معصوم يحتمل فيه ذلك فال بد وأن يكون اإلماممعصوما حتى يحصل اليقين ممن يقبل قوله ويعمل به.

الحادي والخمسون: قوله تعالى: (فمن أظلم ممن افترى على اللهكذبا) كل غير معصوم له هذه الصفة باالمكان وال شئ من اإلمام له هذه

الصفة بالضرورة وينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.الثاني والخمسون: قوله تعالى: (وال يدخلون الجنة حتى يلج الجمل

في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) كل غير معصوم يمكن له ذلك والشئ من اإلمام له ذلك بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام

بالضرورة.الثالث والخمسون: قوله تعالى: (قالوا ربنا ال تجعلنا مع القوم

الظالمين) وجه االستدالل أن كل مأموم تابع لإلمام في أقواله وأفعاله وتروكهال يتبرأ من أن يجعله الله معه في اآلخرة بالضرورة ويتبرأ من أن يجعله مع

الظالم بهذه اآلية فال يكون اإلمام ظالما بالضرورة وكل غير معصوم فهو ظالمباالمكان فاإلمام ليس غير معصوم والموضوع موجود فاإلمام معصوم.

الرابع والخمسون: قوله تعالى: (وال تفسدوا في األرض بعدإصالحها) كل غير معصوم له هذه الصفة باالمكان وال شئ من اإلمام له

هذه الصفة بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.الخامس والخمسون: قوله تعالى: (وال تقعدوا بكل صراط

توعدون) اآلية كل غير معصوم كذلك باالمكان وال شئ من اإلمام كذلكبالضرورة فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة.

(٣٩٠)

Page 390: Kitab Al-Alfain Arabic

السادس والخمسون: قوله تعالى: (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوالفتحنا عليهم بركت من السماء واألرض) التقوى ال تتم إال بإمام معصوم

كما تقدم تقريره غير مرة والمعصوم ليس من فعل المكلفين بل من فعل اللهتعالى يفعل لطفا بالمعصوم وما يعلمه إال الله تعالى وال يتمكن الرعية من فعلهوال من العلم به فلو لم يفعل الله تعالى ما يصير المعصوم به معصوما وينصبهوينص عليه لكان تحريضه على ذلك ينزل منزلة العبث وكان ناقضا لغرضه

تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.السابع والخمسون: قوله تعالى: (وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس

بما كانوا يفسقون) كل غير معصوم يمكن له هذه الصفات وال شئ مناإلمام يمكن له ذلك بالضرورة ألن اإلمام إنما نصب لدفع ذلك فلو أمكن منه

ذلك لم يأمن المكلف من امتثال أمره من حصوله في ذلك فال يجزم بدفعهلذلك وال يمكن إال بالعصمة فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الثامن والخمسون: قوله تعالى: (من يضلل الله فال هادي له) وجهاالستدالل يتوقف على مقدمات:

المقدمة األولى: إن عدم المعلول لعدم علته فعدم العلة هي علةالعدم.

المقدمة الثانية: إن الوهم هو سبب الضالل ألنه هو الذي يعارضالعقل في كثير من المقدمات وغلبة الشهوات وسببها البعيد القوة الشهوانية

فخلق الله تعالى العقل للمكلف بحيث يتمكن المكلف من إبطال قضاياالوهم الباطلة ومقتضى الشهوات والقوى الغضبية قد نراها في كثير من الناسيقهر عقله ويذعن لها أكثر وأعظم وإذا قايسنا المطيع لقواه الشهوية والغضبيةوالوهمية المرجح لها على القوة العقلية إلى مرجح القوة العقلية وجدنا األولأكثر من الثاني بأضعاف مضاعفة وكل ذلك سبب عدم العصمة فلو لم يوجد

رئيس معصوم يردع المطيع لقوته الشهوية ويلزم كل مكلف في كل وقت بالحقلزم الضالل.

(٣٩١)

Page 391: Kitab Al-Alfain Arabic

المقدمة الثالثة: إن هاد نكرة دخل النفي عليها فيلزم عمومها فينتفيكل هاد.

المقدمة الرابعة: قوله يضلل نكرة في معرض إثبات فال تقم فيلزم إنهتعالى إن أضل مطلقا لم يكن له هاد ال نبي وال إمام وال غيره.

المقدمة الخامسة: قد بينا أن المعصوم من فعله تعالى وهو سبب ركوبطريق الصواب والصحة فلو لم يوجده الله تعالى كان الله تعالى سببا لعدمالمعصوم وعدم المعصوم هو سبب الضالل فيلزم أن يكون الله تعالى سببا

للضالل تعالى الله وتقدس عن ذلك وإذا تقرر ذلك فنقول لو لم يكن المعصومموجودا في كل زمان وعصر بحيث ال يخلو وقت منه لزم ضالل المكلفين

لتحقق علة ضاللهم ويكون المضل هو الله تعالى فيلزم أن يكون لهم هاد فيلزمانتفاء فائدة البعثة وإمامة غير المعصوم ويلزم أن ال يكون غير المعصوم إماما

فتبطل إمامة غير المعصوم وهو المطلوب.التاسع والخمسون: عدم عصمة اإلمام ملزوم للمحال وكل ما هو

ملزوم للمحال فهو محال فعدم عصمة اإلمام محال أما بيان المالزمة فألنا قدبينا في الدليل المتقدم أنه متى خال الزمان من المعصوم بحيث لم يكن معصومأصال لزم صدور ذنب من كل واحد من المكلفين فيكون ضاال وقد أضله الله

تعالى تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ومتى أضله لم يهده الله لصدق ال شئمن هاد له لما تقدم من عموم نفي فما له (فال هادي له) من هاد فلو هداهالله في كل وقت لكان له هاد والموجبة الجزئية تناقض السالبة الكلية وقد

صدقت السالبة الكلية فتكذب الموجبة الجزئية فال يهتدي بالنبي وال إمام يهديهفتنتفي فائدة البعثة وفائدة نصب اإلمام وهذا محال وأما استحالة كل ما

استلزم المحال فظاهر.الستون: كلما انتفى المعصوم انتفى اإلمام مطلقا ونفي اإلمام مطلقا ال

يجوز فنفي المعصوم ال يجوز أما المالزمة فألنا قد بينا فيما تقدم أن نفي المعصوميستلزم إضالل الله تعالى لمن يعمل ذنبا فإن لم يوجد من يعمل ذنبا أصال ثبت

(٣٩٢)

Page 392: Kitab Al-Alfain Arabic

المعصوم وهو المطلوب وإن وجد فالله تعالى قد أضله فينتفي عنه كل هاد له لماتقدم من عموم قوله فما له من هاد في زمان من األزمنة بل ينتفي عنه دائما ألن

له نكرة ورد عليه النفي وكل نكرة ورد عليها النفي فهي للعموم فتعم فياألزمان واألشخاص، وأما استحالة الالزم فلما بينا من وجوب نصب اإلمامأما عندنا فعقال وأما عند أهل السنة فشرعا وبالجملة فقد تقدم البرهان على

استحالته.الحادي والستون: قوله تعالى: (هو الذي بعث في األمين رسوال

منهم) اآلية وجه االستدالل أن المراد من بعث الرسل التبليغ وإليه أشاربقوله تعالى: (يتلوا عليهم آياته ويزكيهم) بتطهير الظاهر بامتثال األوامر

الشرعية والنواهي السمعية والحكمة الخلقية بحيث ال يخل بواجب وال يفعلقبيحا ثم بتزكية الباطن من األخالق الذميمة وتكميل قواهم النظرية بالعلم

إلى أن يوصلهم إلى العقل المستفاد فإن امتنع من بعضهم ذلك فاالمتناع منالمكلف إما من عدم استعداده أو من تفريطه إماما يرجع إلى فعل الواجبات

وترك القبائح كلها فكل ما لم يتمكن المكلف منه فليس بمكلف به وكل ما هومكلف به فامتناعه عنه واإلمام قائم مقام النبي ونائب منابه في ذلك كله فال

بد أن يكون فيه هذه الصفات كلها حتى يمكنه أن يؤثر في غير ذلك وذلك هوالمعصوم ألنا ال نعني بالعصمة إال ذلك.

الثاني والستون: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ال تخونوا اللهوالرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) كل غير معصوم يمكن له هذه

الصفات وال شئ من اإلمام له هذه الصفات بالضرورة فال شئ من غيرالمعصوم بإمام بالضرورة.

الثالث والستون: قوله تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وماكان الله معذبهم وهم يستغفرون) وجه االستدالل من وجوه أحدها إنه

تعالى نفى تعذيبهم والنبي فيهم كرامة للنبي عليه السالم فيكون النبي أكرممن أمته كلهم عند الله وقال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، فيكون

النبي أتقى كل األمة وكل األمة معصومة واألتقى من المعصوم معصوم فيكون

(٣٩٣)

Page 393: Kitab Al-Alfain Arabic

النبي معصوما واإلمام قائم مقام النبي ألن طاعته مساوية لطاعته كما يشهد بهقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر

منكم) سوى بين الطاعتين ولهذا قال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعواالرسول) كرر األمر بالطاعة حيث طاعة النبي وأولي األمر تابعة لطاعة الله

تعالى ثم عطف أولي األمر على الرسول وجعل الطاعة واحدة فينبغي أن يكونلإلمام هذه الكرامة التي للنبي عليه السالم وإال لزم تخصيص بعض األمة

اللطف الحاصل من النبي دون بعض وهو ترجيح من غير مرجح وهو باطلوإذا كان لإلمام هذه المرتبة وهي نفي العذاب ما دام اإلمام في أمته فيكون

أكرم من كل أمته عند الله تعالى فيكون أتقى الكل وله التقاء المطلق واليتحقق ذلك إال بالعصمة، وثانيها إن الذنب موجب للعذاب ووجود النبي

في أمته علة إلسقاطه ألنه مساو لالستغفار كما ذكر الله تعالى في إسقاطهواالستغفار موجب له ألن التوبة موجبة إلسقاط العقاب كما بينا في علم

الكالم فكذا مساوية ووجود اإلمام مساو لوجود النبي فيلزم أن يكون وجوداإلمام فيهم مسقطا للتعذيب فيستحيل من اإلمام وجود الذنب كرعيته

بالبديهة وثالثها قوله تعالى: (وأنت فيهم) وليس المراد مجرد الوجود فيعصرهم لتحقق ذلك في حق الكفار بل المراد وأنتم فيهم مطاع األمر والنهيوهم متابعون لك في الفعل والترك محتجون بكل حالة من أحواله ال يخالفونه

في شئ أصال والباتة وال ينفردون بأمر دون أمره ويسلمون إليه في كلأمورهم ويحكمونه تحكيما مطلقا ويرضون بكل ما يحكم به عليهم فإذا امتنع

منه الذنب ارتفع موجب العقاب مطلقا فانتفى التعذيب الستحالة صدورالتعذيب منه تعالى بغير ذنب لما تقرر في علم الكالم فال يتم ذلك إال بعصمة

النبي واإلمام مساو للنبي في جميع ما عدا الوساطة ألن النبي يخبر عن اللهتعالى ال بوساطة أحد من البشر واإلمام يخبر عن الله تعالى بوساطة النبي فهو

سيد البشر فيكون معصوما، ورابعها أن الناس ينقسمون باالعتبار إلى أقسامخمسة:

األول: ما النبي فيهم وهم الذين يأخذون أحكامهم كلها عن النبيصلى الله عليه وآله ويرضون بحكمه ويسلمون إليه في كل أمورهم وال

(٣٩٤)

Page 394: Kitab Al-Alfain Arabic

يعصون الله ما أمرهم به وال فيما نهاهم عنه.الثاني: ما يهملون بعض الفروع مع حفظ األصول وهم يستغفرون أي

يتوبون توبة صحيحة.الثالث: ما يمتثلون البعض ويهملون البعض وال يستغفرون.

الرابع: ما يهملون كل الفروع وال يستغفرون.الخامس: المخالفون لإليمان واألوالن ال يعذبهما الله واألخير مخلدون في

النار والثالث والرابع إن حصل عفو من الله تعالى لكرمه العام وجوده الذي اليتناهى إما ابتداء أو بشفاعة النبي أو أحد األئمة ومصدرها الكرم لقوله

تعالى: (من ذا الذي يشفع عنده إال بإذنه) وقوله: (وال يشفعون إاللمن ارتضى) فالكل لكرمه تعالى وإال عذبوا بقدر ما يستحقون على ذنوبهم

ثم ادخلوا الجنة بعد ذلك بسبب إيمانهم ألن كل مؤمن يجب له الجنة بإيمانهلكن يعذب المؤمن المستحق للعذاب قبل أن يدخل الجنة ثم يدخل الجنة

أخيرا فاإلمام عليه السالم مساو للنبي في حصول الغاية في المراتب كلها فالبد وأن يكون معصوما حتى تتم الغاية به واعترض بأن هذه القضية شخصية

فال يتعدى حكمها إلى غير موضعها وبأنه تعالى علق نفي التعذيب إما بطريقالتعليل أو بطريق العالمة على أحد أمرين كونه عليه السالم فيهم

واستغفارهم فال مدخل لإلمام فيهم وبأن هذه اآلية تدل على نقيض مطلوبكمألنه تعالى نفى العذاب بكون النبي عليه السالم وباستغفارهم فال حاجة إلى

اإلمام وبأن قوله تعالى وما كان الله ليعذبهم بعد قوله تعالى وإذ قالوا اللهم إنكان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء وائتنا بعذاب

أليم، فمن الله تعالى على نبيه بنفي تعذيبهم بما ذكروا حيث هو عليه السالمفي البلد الذي هم فيه ألن الله تعالى لما كان ينزل العذاب على األمم السالفة

كان يأمر من كان بينهم من األنبياء بالخروج من ذلك البلد أو الحالة آلة تحويهاكالسفينة فإكراما لمحمد عليه السالم لم ينزل عليهم فالضمير في قوله وأنت

فيهم عائد إلى الكفار الذين تقدم قولهم أمطر علينا والجواب عن األول مسلم

(٣٩٥)

Page 395: Kitab Al-Alfain Arabic

إنها شخصية ولم نقس على النبي اإلمام بل (قلنا) على النبي لما اتحدت الغايةفي بعثة النبي عليه السالم مع الغاية لإلمام في معظم أجزائها وعموم نفع

ذلك في األزمان بل ال يتم غاية البعثة إال بنصب اإلمام وكانت الغايةالمقصودة من النبي واإلمام وهي المشتركة بينهما ال تتم إال بالعصمة فكل من

حصلت تلك الغاية منه وجب فيه العصمة وشاركه فيما ذكرنا من التكريموالتعظيم واإلقامة مقامه ومنه يظهر الجواب عن الثاني فإن نفي التعذيب مع

وجوده عليه السالم فيهم إما إظهار الكرامة بحيث ينقاد الخلق لطاعته أوألجل امتثال أوامره ونواهيه كما قررنا أوال يشاركه اإلمام على كل واحد من

التقديرين فيه ألن طاعته مطلوبة كطاعته بل طاعة ال تحتاج إلى المبالغة فيالترغيب فيها والتحذير من مخالفته بقدر ما يحتاج طاعته بل طاعة اإلمام

تحتاج أكثر وأيضا نقول: ولما بينا مساواة اإلمام للنبي في أكثر الغاية المطلوبةمنه وهو علة هذا التعليق وإنما يقوم مقامه مع عدمه لم يحتج إلى ذكره بل ذكرالنبي كاف عنه وعن الثالث بأنه يستلزم نفي الحاجة إلى اإلمام في حال وجود

النبي عليه السالم أما بعد وفاته عليه السالم فيحتاج إلى اإلمام ألنه هو القائممقامه واللطف عام لكل األزمان واألشخاص ألنه تعالى عام الفيض والجود

والكالم ال يخص عنايته تعالى بأمة دون أمة وال بأهل عصر دون عصر وعنالرابع نمنع عود الضمير إلى الكفار القائلين ألنه عليه السالم خارج عنهم

وإضمار البلد على خالف األصل كما تقرر في األصول وإن سلمنا لم يقدح فيمطلوبنا بل هو أدل عليه ومطلوبنا أولى بالحكم من قولكم ألنه تعالى إذا منع

العذاب عن الكفار بسبب وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بلدهمفالمؤمنون الذين هم الصحابة أولى بذلك ألن النبي عليه السالم فيهم حقيقة

وفي بلدهم فيشارك اإلمام في هذا الحكم لمشاركته إياه في الغاية المطلوبة ونقولبالجملة كل ما دل على عصمة النبي عليه السالم دل على عصمة اإلمام من

غير فرق.الرابع والستون: قوله تعالى: (إن الله ال يحب الخائنين) كل غير

معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمام كذلك بالضرورة فال شئ

(٣٩٦)

Page 396: Kitab Al-Alfain Arabic

من غير المعصوم بإمام بالضرورة.الخامس والستون: قوله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين

الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) وجه االستدالل أنه تعالىحكيم رحمته وسعت كل شئ فيستحيل عليه ما ينافي الحكمة ونقض الغرض

ينافي الحكمة دائما إذا تقرر ذلك فنقول أرسل رسوله بالهدى ليهدي الخلق وهوبإعالمهم وتبليغ األوامر والنواهي واإلرشاد وما يحل وما يحرم على المكلفين

ويحملهم عليه وردع من يجانبه (ويجاوزه) فال بد وأن يكلفهم الله تعالى باتباعالنبي وقبول أوامره ونواهيه والحكمة والرحمة تقتضيان نصب نائب للنبي صلىالله عليه وآله وسلم يفعل كفعله ويقوم مقامه فيما ذكرناه من الله تعالى وإال لم

يتم الغرض من بعثة النبي ألن رحمته ال تختص بأهل عصر دون عصر فإن لميكن ذلك النائب معصوما جاز منه صدور ضد الغاية وإذا جوز المكلف ذلكلم يحصل له الطمأنينة بأنه يهديه إلى الهدى ودين الحق وال يحصل له اليقينبقوله ألن كلما أمكن النقيض لم يكون االعتقاد جازما فال يحصل العلم وهو

نقض الغرض وهو على الله تعالى محال.السادس والستون: قوله تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق

لتحكم بين الناس بما أراك الله وال تكن للخائنين خصيما) وجه االستدالل أننقول اإلمام قائم مقام النبي في ذلك فلو لم يكن معصوما لم يحصل للمكلفين

االعتماد عليه ألن قوله ال يفيد إال الظن والظن ال يغني من الحق شيئا ولميحصل الغرض بل جاز أن يحصل منه ضد الغرض مما ذكر الله تعالى وهو

الحكم بين الناس كما أراه الله وهو محال على الحكيم فيجب كونه معصوما وهوالمطلوب.

السابع والستون: قوله تعالى: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)وجه االستدالل أنه تعالى أراد من المكلفين الطريقة التي هي أقوم وهي

الصواب الذي ال يحتمل غيره وال يعلم ذلك إال بتوقف النبي صلى الله عليهوآله وسلم أو من يقوم مقامه وغير المعصوم ال يحصل منه ذلك فيجب أن

يكون القائم مقام النبي عليه السالم معصوما وهو المطلوب.

(٣٩٧)

Page 397: Kitab Al-Alfain Arabic

الثامن والستون: قوله تعالى: (فبشر عباد الذين يستمعون القولفيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا األلباب) وجه

االستدالل أن كثيرا من آيات القرآن واألحاديث مجملة وقد اختلف اآلراء فياألحسن منها اختالفا عظيما وليس تقليد أحد من المجتهدين أولى من العكس

والجمع بين الكل محال والترك يستلزم العقاب فال بد من شخص يفيد قولهاليقين في كل زمان بحيث يأخذ أهل ذلك الزمان من قوله وال يفيد اليقين إال

قول المعصوم فيجب ثبوت المعصوم.التاسع والستون: قوله تعالى: (وما للظالمين من أنصار) المراد ما

يستحقون األنصار وما يأمر الله بنصرتهم فنقول كل غير معصوم بالفعل ظالموكل ظالم ال ناصر له بالتفسير المذكور فكل غير معصوم ال ناصر له بالتفسير

المذكور وكل إمام له ناصر بالتفسير المذكور فكل غير معصوم ليس بإمامبالضرورة.

السبعون: قال الله تعالى: (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهموأوذوا في سبيلي وقتلوا وقتلوا ألكفرن عنهم سيئاتهم وألدخلنهم جنات تجري

من تحتها األنهار) وجه االستدالل أن الخبر (الجزاء) المذكور على كل هذهالجملة وعلى كل واحدة منها بإجماع المسلمين والجهاد في زمان النبي وفي كل

وقت وزمان فيه كفار أو بغاة أو خوارج أو جهاد على غير ذلك بإجماع المسلمينواإلمام قائم مقام النبي عليهما السالم في ذلك فينقطع وقت التكليف بالجهاد

وفيه القتال والقتل من الطرفين فيتحقق مع تحققه الجزاء المذكور وتعريضاإلنسان لنفسه للقتل وقتله غيره ال يجوز أن يكون بمجرد نظره وأمره وإال لوقع

الهرج في العالم فثبوت ذلك يستلزم ثبوت اإلمام وإن لم يكن معصوما لم يحصلالغرض من التكليف بذلك ألن قول غير المعصوم يحتمل الصواب والخطأفترجيح أحدهما ترجيح من غير مرجح وال يكفي الظن هنا وال يجوز أن

يعرض نفسه وغيره للقتل إال ممن يفيد قوله اليقين وهو المعصوم فال بد فيالعمل لهذه اآلية من المعصوم وتعطيلها ال يجوز فثبت المعصوم.

الحادي والسبعون: قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي

(٣٩٨)

Page 398: Kitab Al-Alfain Arabic

خلقكم من نفس وحدة وخلق منها زوجها) اآلية وجه االستدالل أنالتقوى هي بعدم إهمال أوامره ونواهيه على سبيل االحتياط المحصل لليقين

وذلك ال يحصل إال من معصوم قوله يفيد اليقين وهو يعلم باألحكام يقينا فيكل زمان فيجب ثبوت المعصوم في كل زمان والنبي محمد صلى الله عليه وآله

وسلم خاتم النبيين وال نبي بعده فتعين اإلمام المعصوم وهو المطلوب.الثاني والسبعون: قوله تعالى: (ومن يعص الله ورسوله ويتعد

حدوده يدخله نارا خلدا فيها وله عذاب مهين).وجه االستدالل أن نقول تبعية غير المعصوم يمكن أن يؤدي إلى هذه

األشياء وتبعية اإلمام ال تؤدي إلى شئ من هذه األشياء بالضرورة وإال لزمأحد أمور ثالثة: إما نقض الغرض من نصب اإلمام أو إفحام اإلمام أو قبحالتكليف بتبعيته والكل محال أما المالزمة فألن الله تعالى إما أن ال يكلف

المكلفين بامتثال شئ من أوامره وال نواهيه فيلزم األول هو ظاهر أو يلزمهمبامتثالها في الكل وهو غير معصوم ويمكن أن يأمر بالقبيح وسفك دماء من اليستحق كما شوهد وعلم من حكم غير المعصومين وادعائهم اإلمامة وتكليف

الله تعالى المكلف باتباع مثل هذا ويمكن أن يكون أمره بمعصية الله تعالى وتركواجب أو سفك دم حرمه الله تعالى ويجب االحتراز عن الضرر المظنون هذاينافي التقوى فيكون قد أمر الله تعالى بالتقوى وبما ينافي التقوى وهذا قبيحألنه تكليف بما ال يطاق ألنه جمع بين الضدين فيلزم األمر الثالث وإن كان

تكليفه (أو يكلفه) باتباع ما يعلم صوابه ال ما ال يعلمه صوابا ليحصلالتقوى فيلزم إفحام اإلمام ألنه إذا قال للمكلف اتبعني يقول له ال أتبعك

حتى أعرف صواب فعلك (قولك) وأمرك وأني ال أعلمه وال طريق إلى علمهفي كثير من األحكام إال من قولك لوقوع االجمال في القرآن والسنة فيلزم الدور

فينقطع اإلمام ويفحم وهو محال.الثالث والسبعون: قوله تعالى: (يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن

الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم) وجه االستدالل أنه قررالله تعالى هنا مقدمتين:

(٣٩٩)

Page 399: Kitab Al-Alfain Arabic

أحدهما: إنه تعالى عليم بكل معلوم.والثانية: إنه تعالى حكيم إذا تقرر فنقول هنا مقدمات.

األولى: جعل ما ليس بسبب سببا غلط ال يصدر من الحكيم.الثانية: ما يفيد الظن ال يمكن أن يجعل سببا للعلم وإال لكان قد جعل

ما ليس بسبب سببا.الثالث: إذا أراد الله تعالى شيئا وكان ذلك الشئ موقوفا على أسباب

منه تعالى فإن لم يوجدها كان ناقضا لغرضه وهو على الحكيم محال قطعا إذاتقرر ذلك فاعلم أن النبيين إنما يكون بالعلم وهو فيما نحن بصدده كسبي وفي

الشرعيات أكثره نقلي ومجمالت القرآن وظواهره ومجمالت السنة وظواهرها اليحصل العلم منها فإن لم يجعل الله تعالى إلى العلم الكسبي غيرها فإن جعلها

سببا للعلم لزم أحد األمرين أما عدم علمه تعالى بأنه ال يصلح للسببية وهوباطل:

بالمقدمة األولى: التي قررها الله تعالى من أنه تعالى علم بكل معلوموأما أنه فعل ما ليس بسبب سببا مع علمه بذلك وهو محال.

للمقدمة الثانية: التي قررها الله تعالى من أنه حكيم والحكيم يستحيلذلك منه وإن لم يجعل سببا موضحا فذلك استحالة.

للمقدمة الثالثة: فال بد من سبب آخر ثم نقول أمر بطاعة الرسولوأولي األمر ولم يجعل غيرهما ومن الرسول يحصل األصل لمن في زمانه فيكون

في غير زمانه يحصل من أولي األمر إذ لم يجعل سببا غيرهما اتفاقا وقول غيرالمعصوم وفعله ال يحصل منهما العلم فلو كان النبي واإلمام غير معصومين أو

أحدهما غير معصوم لزم أحد األمرين إما جعل ما ليس سببا أو عدم جعلسبب وكالهما قد مر استحالته فيجب أن يكون اإلمام معصوما وهو

المطلوب.الرابع والسبعون: إن اإلمام مقيم للحدود واألحكام العامة كاألمر

(٤٠٠)

Page 400: Kitab Al-Alfain Arabic

بالمعروف والنهي عن المنكر منوطة بقوله وأمره وال يجوز مخالفته فيها وكل منكان كذلك فهو يجب أن يكون معصوما، أما الصغرى فإجماعية والستحالةجعلها مفوضة بغير الرئيس العام أما الثانية فألنها أمور كلية يتعلق بها الدماء

وإراقتها وانتظام الدعوى والكل مبني على االحتياط التام ال يجوز أن يجعل إلىغير المعصوم فإنه قد شوهد خبط غير المعصوم فيها وإجراؤها منه على غيرسنن الشرع ثم المكلف الذي يبذل نفسه للجهاد والقتل إن لم يتيقن الثواب

في فعله حصل له خوف فال يجوز له اإلقدام فيبطل ذلك كله وألن نظام النوععلى الوجه األليق وعلى سنن الشرع ال يحصل من غير المعصوم غالبا بل

حصوله من غير المعصوم محال فيجب أن يكون اإلمام معصوما وهو المطلوب.الخامس والسبعون: لو لم يجب أن يكون اإلمام معصوما لم يجب اإلمام

والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أنه إنما يجب اإلمام ألن المأموم غيرمعصوم فيجوز عليه الخطأ فلو كان اإلمام غير معصوم لجاز عليه الخطأ فإذا لميكن اإلمام معصوما جاز خلو التكليف مع عدم عصمة المكلف من اإلمام كما

في اإلمام نفسه فال يجب لغيره وإال لزم الترجيح من غير مرجح.السادس والسبعون: لو لم يجب أن يكون اإلمام معصوما المتنع نصب

اإلمام والتالي باطل فالمقدم مثله بيان المالزمة أنه إذا كان جواز خطأ المكلفعلى نفسه يوجب نصب اإلمام فعدم عصمة اإلمام يقتضي امتناع تحكيمه

وامتناع إيجاب طاعته لجواز خطيئته وإراقة الدماء منه ألنه زيادة في األقدار فلولم يجب أن يكون اإلمام معصوما لوجب عدم نصبه ويمتنع األمر بامتثال أوامره

مطلقا فيجتمع الضدان ويخرج اإلمام عن فائدته.السابع والسبعون: قوله تعالى: (إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وال

تسئل عن أصحاب الجحيم) أقول وجه االستدالل أن جميع ما جاء به النبي صلى اللهعليه وآله وسلم هو الحق وال يوصل إلى الحق إال العلم لقوله تعالى: (إنالظن ال يغني من الحق شيئا) وقول غير المعصوم ال يفيد العلم بل الظن

وداللة الظاهر ال تفيد إال الظن فلو لم يكن اإلمام معصوما لم يكن لنا طريقإلى الوصول إلى ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وهو ينافي فائدة

(٤٠١)

Page 401: Kitab Al-Alfain Arabic

البعثة.الثامن والسبعون: اإلمام قائم مقام النبي صلى الله عليه وآله

خليفته والغاية المراد من النبي بعده تحصل من اإلمام فال بد وأن يكون قدنصب الله اإلمام بالحق بشيرا ونذيرا عن النبي كما أن النبي مبشر ومنذر عن

الله تعالى فكما أن النبي صلى الله عليه وآله جميع ما يقوله ويأمر بهوينهي عنه حق فكذا اإلمام وغير المعصوم ليس كذلك فيستحيل أن يكون

اإلمام غير المعصوم.التاسع والسبعون: قال الله تعالى: (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي

جاءك من العلم ما لك من الله من ولي وال نصير) وجه االستدالل أن نقولهذه في تقدير شرطيته استثنى نقيض تاليها تقديرها كلما اتبعت أهواءهم من

بعد ما جاءك من العلم لم يكن لك من الله من ولي وال نصير لكن التالي محالألن لك من الله وليا ونصيرا وإال النتفت فائدة البعثة وهذا بعينه وارد في حق

اإلمام ألن علة نفي الولي والنصير اتباع أهوائهم بعد ما جاء من العلمواإلمام عنده علم النبي وال لم يصلح له أن يقوم مقامه وال أن يأمر الله تعالى

بطاعته كطاعة الله ورسوله وكلما وجدت العلة وجد المعلول فتصدق مقدماتكل إمام له من الله ولي ونصير بالضرورة وإال النتفت فائدة نصبه وجعله إماما وال

شئ من غير المعصوم له ولي ونصير من الله باالمكان ينتج ال شئ من اإلمامبغير معصوم ويستلزم قولنا كل إمام معصوم ألن السالبة المعدولة تستلزم

الموجبة المحصلة عند وجود الموضوع.الثمانون: قوله تعالى: (واتقوا يوما ال تجزي نفس عن نفس شيئا وال

يقبل منه شفعة وال يؤخذ منها عدل وال هم ينصرون) أقول: وجهاالستدالل أن هذا األمر لكل العالمين ومطلوب من كل المكلفين وإن كان في

معرض الخطاب لبني إسرائيل لكن اتفق الكل على عموم خطابه لكل األمموأنهم مكلفون بذلك إذا تقرر ذلك فنقول غاية تكليف األمة ودعوة النبي

ونصب اإلمام عليهما السالم لهذه المرتبة وال يتم هذه المرتبة إال باالتيان بجميعما أمر الله تعالى به واالحتراز عن جميع ما نهى عنه والنبي واإلمام عليهما

(٤٠٢)

Page 402: Kitab Al-Alfain Arabic

السالم يدعوان الناس إلى هذه المرتبة وتحصيلها لهم إن قبلوا وحملهم عليها إنتمكنا منه فال بد وأن يكون النبي واإلمام عليهما السالم كذلك وإال لناقض الله

الغرض في نصبه.نصبهم: ونقض الغرض على الله تعالى محال فيجب عصمة النبي

واإلمام (األنبياء واألئمة عليهم السالم خ. ل) ويستحيل عليهم خالفهذه المرتبة بشئ من الوجوه أو في شئ من األشياء وإال لعذر التابع لهم في

ذلك والعاصي لهم ويكون له الحجة في أنهم غير معصومين وهو غير الغرضوخالف نفي الحجة عن المكلفين فال بد من عصمتهم وهو المطلوب.الحادي والثمانون: كل غير معصوم بالفعل يصدر منه ذنب بالضرورة

وكل من صدر منه ذنب ظالم بالفعل واآليات دالة عليه ينتج كل غير معصومبالفعل ظالم بالفعل وكل ظالم بالفعل ليس بإمام دائما لقوله تعالى: (إنيجاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال ال ينال عهدي الظالمين) وقال

إيجاب جزئي ألنه نكرة فال يعم األوقات فنقيضها سالبة كلية ومراد الله تعالىإثبات النقيض ألن إبراهيم طلب جعل إمام في ذريته وهو جزئي وألن النكرة

إذا دخل عليها النفي صارت للعموم وقد بين في علم األصول والعموم فياألوقات هو الدوام والمراد بالعهد اإلمامة وإال لم يحسن ذكره في الجواب وال

يشترط في الدائمة الموجبة دوام صدق عنوان موضعها على ذات الموضوع فظهرمن ذلك أن كل من صدر منه ذنب فهو ليس بإمام دائما وتنعكس بعكس

النقيض إلى قولنا كل إمام ال يصدر منه ذنب دائما وال نعني بالمعصوم إال ذلكوهذا هو المطلوب وأيضا فإن النتيجة وهي قولنا كل غير معصوم بالفعل ليس

بإمام دائما صادقة للزومها لمقدمتين حقيتين وصورة صحيحة حقة وما لزم عنالحق فهو حق فهذه النتيجة حق، فنقول أحد األمرين الزم إما نفي اإلمام

دائما أو كون كل إمام معصوم ألنه لو ثبت إمام وهو غير معصوم لنال عهد اللهتعالى ظالما وهو مناف لآلية لعمومها األوقات ألن نال نكرة وكل ظالم ألن قوله

تعالى الظالمين جمع معرف بالالم فهو يعم لما تقرر في األصول وثبوت منافياآلية محال ألن الكذب عليه تعالى بالضرورة فثبت األمرين لكن األول

(٤٠٣)

Page 403: Kitab Al-Alfain Arabic

منتف بالضرورة لثبوت اإلمام بإجماع األمة ولوقوعه بالضرورة فتعين الثانيوكيف ال ويستحيل اجتماع جزئي مانعة الخلو على الكذب ال يقال هذا

الدليل مبني على أن المراد بقوله تعالى ال ينال عهدي الظالمين السلب العام السلب العموم وحده والخطاب محتمل لهما فترجيحكم لما ذكرتم ترجيح بال

مرجح ألنا نقول مطلوب إبراهيم عليه السالم في قوله ومن ذريتي الموجبةالجزئية بالضرورة فإنه لم يطلب إن كل ذريته يكونون أئمة وقوله صريح في

ذلك ال يحتاج إلى البيان فنفاها عن كل من ثبت له هذا الوصف فكانإبراهيم طلب اإلمامة لبعض ذريته وأطلق وكان شرط اإلمامة انتفاء هذا

الوصف ألنه يعاندها فنفى الله له (لها) عمن ثبت له هذا الوصف بأنه اليصلح ونقيض الموجبة الجزئية السالبة الكلية أعني عموم السلب ال سلب

العموم.الثاني والثمانون: قال الله تعالى: (وال تتبعوا خطوات الشيطان إنه

لكم عدو مبين) اآلية، وجه االستدالل أنه حرم اتباع الشيطان بنهيه عنه ثمعلل النهي بأنه يأمر بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما ال تعلمون فيجب

على المكلفين االحتراز عمن يأمر بذلك مطلقا لوجود العلة وعدم طاعتهواتباعه وغير المعصوم يمكن أن يأمر بذلك والممكن متساوي الطرفين وال

ترجيح وإن فرضنا حصول ترجيح فال يحصل علم به بل إن فرض ظنفيمكن عند المكلفين أن يطابق ويمكن أن ال يطابق فيحصل للمكلف من

اتباعه خوف ودفع الخوف الضرر واجب لما تقرر في الكالم فال يجوز اتباعهفتنتفي فائدة اإلمام وألن اتباعه حينئذ ظني فهو قول على الله ما ال يعلمون

ألن الظن يستلزم احتمال النقيض والعلم الجزم ال يحتمله وتنافي اللوازم يدلعلى تنافي الملزومات وقد نهي الله عنه فيكون اتباعه مستلزما للنهي عنه وكل ما

استلزم النهي فهو منهي عنه فيكون اتباعه منهيا عنه فلو أمر به لزم تكليف ما اليطاق وإذا نهى عن اتباع اإلمام فأي فائدة فيه بل يمتنع نصبه بالمعنى الذييراد من اإلمام وهو أن يكون واجب االتباع ويحرم عصيانه وتكون طاعته

مساوية لطاعة النبي عليه السالم في وجوب االتباع وهذا كله محال.

(٤٠٤)

Page 404: Kitab Al-Alfain Arabic

الثالث والثمانون: كيف يجوزان يخلق الله تعالى في المكلف شهواتداعية ومن يأمره بالسوء والفحشاء والقول على الله ما ال يعلم ثم يوجب عليه

االحتراز من ذلك وال ينصب إماما ينهاه عن ذلك فيكون أمر هذا اإلمام قدكلف الله بطاعته ويعلم المكلف أن هذا اإلمام ال يخطئ بحيث يكون أمره

بمثل هذا ينافي رحمة الله ورأفته بالمكلفين وقد نطق القرآن بأنه رؤوف رحيم فيعدة مواضع صدق الله العظيم وإنما يحصل العلم من المعصوم فتعين نصب

اإلمام المعصوم وهو مطلوبنا.الرابع والثمانون: عدم عصمة اإلمام مستلزم للمحال وكلما هو مستلزم

للمحال فهو محال، فعدم عصمة اإلمام محال، إمام المالزمة فألنه إذا أمراإلمام فامتثال المكلف أمره ونهيه قول على الله بما ال يعلم، ألنه إذا كان

اإلمام غير معصوم لم يفد قوله العلم ألنه لو كلف العلم بقول غير المعصوموهو أن أفاد الظن فكلف بالمحال التكليف بالمحال محال، والقول على الله بما

ال يعلم منهي عنه فيلزم من اتباعه عصيان الله ومن عدم امتثاله عصيان اللهوإال النتفت فائدة اإلمامة وكيف ينصب إماما ويكون اتباعه حراما وهذا محال

تعالى الله عن ذلك ووجوب اتباعه فيما يعلم المكلف صحته يستلزم إفحاماإلمام وهو مناف للغاية منه والكل محال ووجوب اتباعه وتحريمه يستلزم الجمع بين

الضدين وهو محال بالضرورة فيجب عصمة اإلمام فقد ثبت استلزام عدمعصمة اإلمام المحال فيلزم أحد األمرين إما أن ينصب إماما أو يستلزم المحال

واألول باطل لما بينا من وجوب نصب اإلمام وألنه خالف الواقع واستحالةالثاني ظاهر.

الخامس والثمانون: لو كان اإلمام غير معصوم لزم اجتماع النقيضينوالالزم باطل فالملزوم مثله بيان المالزمة أن اإلمام دائما يجب اتباعه في أوامره

ونواهيه وأفعاله وأقواله وتروكه فيما لم يعلم عدم وجوبه واعتقاد ما علم فيهذلك وغير المعصوم بالفعل ال يجب اتباعه في بعض ذلك بالفعل في الجملة

والدائمة الموجبة الكلية مع السالبة الجزئية المطلقة العامة تتناقضان أماالصغرى فألنه تعالى قرن بطاعته وطاعة رسوله وساوى بينهما في قوله:

(٤٠٥)

Page 405: Kitab Al-Alfain Arabic

(يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم)والعطف يقتضي المساواة في الحكم المتقدم والرسول تجب طاعته في ذلك كلهفكذلك اإلمام ثم يتحقق المساواة وألنه لوال المساواة لكان هذا األمر مجمال لميرد بيانه، والخطاب بالمجمل من غير بيان ال في وقت صدوره وال في مستقبلهيستلزم العبث أو تكليف ما ال يطاق وهما على الله محاالن، وأما الكبرى فألن

غير المعصوم بالفعل يستلزم كونه متبعا لخطوات الشيطان في الجملة فيجبترك اتباعه في ذلك وإال لزم اتباع خطوات الشيطان ألن التابع للتابع فيما يتبع

فيه المتبوع تابع لذلك المتبوع في ذلك الشئ والنهي عن اتباع خطواتالشيطان يتناول اتباع من اتبعه فيها فيصدق الموجبة الكلية الدائمة مع السالبة

الجزئية الفعلية مع الوحدات الثمان فيجتمع النقيضان وهو المطلوب وأمااستحالته فضرورية.

السادس والثمانون: قوله تعالى: (كذلك يبين الله آياته للناس لعلهميتقون) وجه االستدالل أن نقول أحد األمرين الزم إما عصمة اإلمام أو

ثبوت حجة المكلفين على الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا، مانعة خلو عناديةدائمة موجبة لكن الثاني منتف فثبت األول بيان المالزمة إن الله تعالى أمر

بالتقوى في عدة مواضع في كتابه العزيز الذي ال يأتيه الباطل من بين يديه والمن خلفه وبالجملة في هذه اآلية داللة صريحة على طلب التقوى منهم ثم جعل

فعل التقوى متأخرا عن بيان اآليات ومنوط به ومع وجود المتشابه والمجملوالظاهر فال بد من معصوم النتفاء البيان في النص في كل زمان يبين للناس في

القرآن والسنة فال يحصل البيان يقينا بذلك وغير المعصوم من طريق االلهامللناس كافة أو خلق العلوم الضرورية فيهم لم يوجد وجعل في واحد أو طائفة

ال يحصل اليقين بقولهم إال مع عصمتهم وهذا ليس بمختص بوقت دون وقتأو أرض أو عصر دون عصر بل هو عام لكل عصر فيه المكلفون والظن منهي

عن اتباعه في القرآن المجيد فلوال وجود المعصوم المبين لآليات الذي يحصلبقوله اليقين لم يحصل ما نيط به التقوى وجعله هو عبارة عن إزاحة العلة وكان

للمكلف يوم القيامة أن يقول أمرتني بالتقوى وجعلت التقوى منوطة بالبيان

(٤٠٦)

Page 406: Kitab Al-Alfain Arabic

ونهيتني عن اتباع الظن ولم تجعل لي طريقا إلى البيان فثبت حجته وأما بطالنالتالي فإنه تعالى قال لئال يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.السابع والثمانون: قوله تعالى: (وال تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل

وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أمول الناس باإلثم وأنتم تعلمون)،نبأ الله عز وجل في هذه اآلية عن شيئين:

أحدهما: إن علم المكلف بالتحريم والوجوب ال يكفي عن صرفه عنالحرام وفعله بالواجبات.

وثانيهما: الفساد الالزم في الحكام الذين ليسوا بمعصومين هو شيئان:أحدهما: إنهم ال يرتدع بهم المكلفون فال مدخل لهم في اللطف وال يتم

اللطف بقولهم كما تقدم.وثانيهما: أنهم يساعدون على الظلم وفعل المحرمات فيحصل منهم ضد

اللطف من اإلمام فيكون ترك المكلف على العلة الطبيعية خيرا من نصب إمامغير معصوم وهذا التقدير كاف في وجوب عصمة اإلمام.

الثامن والثمانون: قال تعالى: (إن الله ال يحب المعتدين) أقول:الحاكم غير المعصوم معتد بالفعل وكل معتد بالفعل ال يحبه الله تعالى ينتج

الحاكم غير المعصوم ال يحبه الله وكل من ال يحبه الله فهو غير متبع للنبي صلىالله عليه وآله وسلم لقوله تعالى: (فاتبعوني يحببكم الله) جعل اتباعه

موجبا لمحبة الله وإال لم يتم التحريض على اتباعه ولزم نقض الغرض من بعثتهوينعكس بعكس النقيض ويلزمه كل من ال يحبه الله فهو غير متبع للنبي ألننفي الالزم يستلزم نفي الملزوم وهما ينتجان الحاكم غير المعصوم غير متبعللنبي عليه السالم في الجملة بل يخالفه بالفعل وكل من اتبع غير متبع النبي

في الجملة بل هو مخالف له بالفعل في الجملة فهو غير متبع للنبي في الجملة بلمخالف للنبي في الجملة فيكون اتباع غير المعصوم قبيحا في الجملة وكل ما اليعلمه المكلف فاتباعه فيه يحتمله ذلك فيجب االحتراز عنه واإلمام ال يجوز أن

يكون كذلك وإال النتفت فائدته ولزم إفحامه وكل ذلك نقض الغرض وهو

(٤٠٧)

Page 407: Kitab Al-Alfain Arabic

على الله تعالى محال فيستحيل أن يكون اإلمام غير معصوم.التاسع والثمانون: قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى ال تكون فتنة

ويكون الدين كله لله)، أقول هذه اآلية تدل على شيئين:األول: أنه يجب القتال الرتفاع الفتنة واإلجماع واقع على عموم هذا

الخطاب في زمن النبي صلى الله عليه وآله واإلمام بعده على المكلفينكافة وال يمكن إال بوجود رئيس قائم مقام النبي والغرض من القتال

المأمور به نفي الفتنة وكون اإلمام الذي هو أمر بالقتال ويجب على المكلفينطاعة غير معصوم قد يوجب الفتنة فمحال أن يكون اإلمام غير معصوم وإال

لم يجب اتباعه.الثاني: أن يكون الدين كله لله أي ال يبقى كافر وال مشرك وال مخالفللحق وذلك لم يقع في زمان النبي صلى الله عليه وآله والصحابة وال بد

من وقوعه وإال لم يحسن جعله غاية للتكليف ألنه إذا كان ممتنع الحصول أوكان دائم السلب ال يحصل جعله غاية لألفعال المكلف بها وال بد وأن يكون

األمر بهذا القتال والرئيس فيه القائم مقام النبي صلى الله عليه وآله هوالمعصوم وإال لزم الفتنة ألنه غيره يقع من قتاله الفتنة فيستحيل من الحكيم أنيجعل غايته نفي الفتنة ألنه من باب جعل غير السبب مكانه وهو من األغالط

وذلك هو اإلمام المهدي صلوات الله عليه النتفاء هذه التقسيمات في غيرهإجماعا وهذه اآلية تدل على عصمة اإلمام وعلى وجوده وظهوره وظهور صاحب

الزمان صلوات الله عليه.التسعون: ال شئ من اإلمام يباح االعتداء عليه بالضرورة وإال النتفت

فائدة نصبه ووقع الهرج والمرج واختل نظام النوع وكل غير معصوم يباحالعدوان عليه في الجملة ألنه ظالم في الجملة وكل ظالم يباح العدوان عليه لقوله

تعالى: (فال عدوان إال على الظالمين) وهو عام باالجماع ينتج دائما ال شئمن اإلمام بغير معصوم بالفعل وهو المطلوب.

الحادي والتسعون: اإلمام متبع أمر الله تعالى فطاعته كطاعة النبي عليه

(٤٠٨)

Page 408: Kitab Al-Alfain Arabic

السالم في قوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم) فيكونأمره وفعله ونهيه وتقريره حجة فال بد أن يكون صحة ذلك معلوما منه

للمكلف وإال لثبت الحجة للمكلف ولم يكن نصبه إزاحة لعلته لقوله تعالىومن الناس من يعجبك قوله اآلية فغير اإلمام يمكن أن يكون كذلك وظاهرحاله ومقاله وفعاله ال يدل على نفي ذلك بنص اآلية المذكورة ومتابعته مثل

هذا ضرر مظنون فيجب االحتراز عنه ألن رفع الخوف واجب عقال وهو ينافيوجوب اتباعه مطلقا من غير قانون مفيد لمعرفة فنفي ذلك عنه لينتفي الضررالمظنون من اتباعه وليس ذلك إال العصمة وهو ظاهر فيجب أن يكون اإلمام

معصوما وهو المطلوب.الثاني والتسعون: قوله تعالى: ((وإذا تولى في األرض ليفسد

فيها ويهلك الحرث والنسل والله ال يحب الفساد) (وإذا قيل له اتق اللهأخذته العزة باإلثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد)) أقول يستحيل من الحكيم

أن يقرن طاعة شخص بطاعته وطاعة رسوله ويمكنه تمكينا تاما ويوجب على كل منسواه في زمانه اتباعه ويمكن فيه هذه األحوال ألنه تعالى ذكرها في معرض

االحتراز عنه وتقوية يده يوجب المماثلة له في ذلك وغير المعصوم يمكن فيههذه األحوال فيستحيل أن يكلف الله تعالى باتباعه ويقرن طاعته بطاعته

فيستحيل أن يكون إماما فيجب عصمة اإلمام وهو المطلوب.الثالث والتسعون: قال الله تعالى: (والله رؤوف بالعباد) وجه

االستدالل أن يقال رأفته تعالى يستحيل أن يجعل الرئيس المطاع كطاعة النبيمن يمكن فيه هذه األحوال المتقدمة التي ذكرها الله تعالى وغير المعصوم يمكن

فيه ذلك وليس للمكلف طريق إلى معرفة انتفائه باليقين فرأفته تعالى بعبادهتوجب أن ال يكون اإلمام غير معصوم وهذا هو المطلوب.

الرابع والتسعون: قوله تعالى: (فإن زللتم من بعد ما جاءتكمالبينات فاعملوا أن الله عزيز حكيم) ذكر تعالى في هذه اآلية وجه إزاحة علة

المكلفين وحجتهم وأنهم ال عذر لهم بعد مجئ البينات فدل على ثبوتعذرهم وعدم توجه االلزام عليهم مع مجئ البينات إليهم وإمامة غير المعصوم

(٤٠٩)

Page 409: Kitab Al-Alfain Arabic

بنفي البينات إلجمال كثير من اآليات وكثير من اآليات والسنة داللته بالظاهرال بالنص ومع ذلك يكون المبين الذي هو اإلمام فإنه القائم مقام النبي

صلى الله عليه وآله في البيان وغيره يحتمل خطاؤه بمعنى الجهل المركب وذلك نفيمجئ

البينات فيكون إثباتا لعلة المكلف وحجته ال إزاحة علته وهذا المحال نشأ منعدم البينات في ظواهر اآليات ومجملها وكذا في السنة ومن عدم عصمة اإلمامواألول ثابت فيلزم نفي الثاني وإال لكان الله تعالى ناقضا لغرضه وهو محال من

الحكيم ونفي عدم عصمة اإلمام مستلزم لعصمته لوجود الموضوع هنا وهوالمطلوب.

الخامس والتسعون: قال الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهوخير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم ال تعلمون)وجه االستدالل أن معرفتهم لذلك لطف لهم لوجود الداعي إلى الشر وهو

المحبة وانتفاء الصارف وهو علم كونه شرا ووجود الصارف عن الخير وهوانتفاء الداعي وهو العلم ألنه حكم بأن الله يعلم وأنتم ال تعلمون فال بد من

شيئين:أحدهما: من يعلم ذلك ليعلمهم ذلك.

وثانيهما: من يمنعهم مما يضرهم ويحثهم على ما ينفعهم ألن ذلك لطفواللطف على الله تعالى واجب فإن لم يكن معصوما كان مساويا لهم في الحاجةوهو محال ألنه يلزم إقامة غير السبب بل قد يكون سبب ضده مقامه وهو محالفتعين أن يكون معصوما وهذا حكم عام في كل زمان ومحال أن يخلوا زمان من

اللطف وإال لزم الترجيح بال مرجح وال يمكن ذلك في النبي لكونه خاتماألنبياء ولم يعمر فتعين أن يكون اإلمام ألنه القائم مقامه فاإلمام معصوم فال

يخلوا منه زمان وهو المطلوب.السادس والتسعون: قال الله تعالى: (ومن يتعد حدود الله فأولئك

هم الظالمون) وجه االستدالل أن كل فاعل لذنب فهو متعد لحد من حدودالله وكل متعد لحد من حدود الله فهو ظالم ينتج كل فاعل ذنب ظالم أما

(٤١٠)

Page 410: Kitab Al-Alfain Arabic

الصغرى فضرورية وأما الكبرى فلآلية ثم نقول كل فاعل ذنب ظالم والشئ من الظالم يجوز الركون إليه لقوله تعالى: (وال تركنوا إلى الذين ظلموا

فتمسكم النار) ينتج ال شئ من فاعل الذنب يجوز الركون إليه وكل إماميجوز الركون إليه وهذه مقدمة ضرورية ألن فائدة اإلمام ذلك فإنه تعالى

أوجب طاعته كطاعة الله وطاعة الرسول وهما عامتان فيحب أن يكون طاعةاإلمام عامة وجوبا وال معنى للركون إال ذلك بل هو الركون الكلي والمنفي

الجزئي على سبيل التحريم وبينهما منافاة كلية ذاتية وهو مطلوبنا.ال يقال: الموضوع: في اآلية كل واحد واحد ممن يتعدى كل حدود الله

ألن لفظة حدود جمع وهو مضاف والجمع المضاف للعموم والموضوع فيكبرى القياس األول المتعدي لحد من حدود الله وفرق متعدي الكل

ومتعدي حد واحد فال تدل اآلية عليه فيتوجه منع الكبرى ومبني دليلكمعليها.

ألنا نقول: المراد في اآلية بالحدود الجنس فمن تعدى حدا واحدا تناولهالحكم وهذا باالجماع وألن العلة هو الوصف وهو تعدي حكم الله تعالى

والعلة موجودة في الواحد ووجود العلة يستلزم وجود المعلول.السابع والتسعون: وألن الله ذكر عقيب قوله: (فال جناح عليهما فيما

افتدت به تلك حدود الله) فتلك حدود الله حكم للمفرد وهو جنس خاصفمن ثم جاز وصف المفرد بالجمع من حيث إنه جنس خاص وفاعل الذنبجنس خاص أيضا وصح وصفه بها فدل على أن الحدود جنس وليس الحكم

مختصا بالكل من حيث هو كل وألنه تعالى أراد أن يبين حكم االفتداء فلو لميكن المراد من الحدود الجنس بل المراد الكل من حيث هو كل لكان من قبلجعل ما ليس بدليل دليال ولكان ذكر القياس غير متحد الوسط وهو ممتنع على

الحكيم.الثامن والتسعون: قوله تعالى: (من يعمل سوءا يجز به) إلى قوله

(ال يظلمون نقيرا) غاية نصب اإلمام كونه لطفا للمكلفين في تحصيل

(٤١١)

Page 411: Kitab Al-Alfain Arabic

هاتين المرتبتين:أحدهما: أن يجتنب جميع المعاصي.

وثانيهما: أن يفعل جميع الطاعات وال يقم ذلك إال بالمعصوم ألنه لو لميكن اإلمام معصوما لساوى غيره فال يندفع حاجة المكلف به ألن وجه الحاجةعدم العصمة فإذا تحققت في اإلمام لم يصلح لدفع الحاجة وألنه لو كفى غير

المعصوم لم يحتج إلى إمام لمساواة المكلف اإلمام والستلزامه الترجيح بالمرجح.

التاسع والتسعون: هذه اآلية المذكورة في الوجه المقدم بال فصل دلتعلى أن من فعل سوء يجز به ومن فعل طاعة أثيب عليها فال يخلو أما أن

يتوقف على إعالم المكلف الفعل وصفته أوال والثاني محال وإال لزم تكليفالغافل واألول أما أن يكون العلم بديهيا أو كسبيا واألول منتف بالضرورة

فتعين الثاني فأما أن يكون عقليا أو نقليا واألول منتف عند أهل السنةوالجماعة وعندنا يوجد في بعض األحكام وهو ما علم بالضرورة وهو نادر جدا

وليس من الفقه والثاني أما أن يكفي فيه الظن أوال واألول باطل ألنه تعالى ذمالمتبع للظن في مواضع ولقوله تعالى إن الظن ال يغني من الحق شيئا، وألنه لو

اكتفى بالظن، لكان ذلك الظن أما ممن كلف باالجتهاد ويلزم منه الحرجالعظيم في تكليف جميع المكلفين باالجتهاد في األحكام الجزئية الفرعية وهومحال وينفي بقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج وألنه يلزم إفحام

اإلمام ألنه إذا أمر المكلف بشئ يقول ال يجب على امتثال قولك من إال إذا أدىاجتهادي إليه وإن اجتهادي لم يؤد إليه فيلزم إفحام اإلمام من كل من أراداإلمام إلزامه بشئ ينفي وهو فائدة اإلمامة وألنه يلزم أن يكون كل مجتهد

مصيبا وهو باطل لما بين في األصول وأما من غيره وهو ترجيح بال مرجح معتساويهما وألن الحجة للمكلف ثابتة حينئذ فتعين الثاني وهو أن يكون الطريق

المؤدي إلى األحكام يفيد العلم وهو إما أن يكون بوجود من علم وجوبعصمته بحيث يمكن أن يستفاد منه األحكام يقينا أو غيره والثاني منتف

لإلجماع على أن مثل هذا لم يوجد فلو لم يكن األول موجودا النتفى الطريق

(٤١٢)

Page 412: Kitab Al-Alfain Arabic

المفيد للعلم وهو باطل لما قلنا وهو المطلوب وهذا هو مذهب اإلمامية فإنهميقولون األحكام مستفادة من النبي عليه السالم والصالة ألنه المبلغ للقرآن

والمفسر له والمبين لحكمه ومتشابهه والسنة يعلم منه يقينا وبالجملة ما دام النبيموجودا يتمكن المكلف من الوصول إلى العلم فإذا مات النبي صلى الله عليه وآله وجد

بعده إمام واجب العصمة يفيد قوله العلم وهكذا كل إمام يفوت يوجد بعدهآخر واجب العصمة إلى انتهاء الدنيا فدائما يحصل العلم باألحكام للمكلفين

وهذا طريق إذا جرد اإلنسان ذهنه وفكره عن العناد وجرد طرفي المطلوب عمايعرض بسببه الغلط فإنه يعلم صحة هذا الطريق وفساد غيره وإن الحكيم

الكامل ال يصدر منه إال الكمال وإن هذا هو الطريق األكمل والدين األقومالذي ال يعتريه شك.

ال يقال: الحاجة إلى اإلمام منتفية بقوله لئال يكون للناس على اللهحجة بعد الرسل فلو لم يكف الرسول عن اإلمام لكان للناس حجة على اللهبانتفائه مع وجود الرسول لكنه نفي الحجة مع ثبوت الرسول وهذا يدل على

أنه تمام ما يتوقف عليه التكليف أي ال يتوقف على شئ آخر بعده فأقلمراتبه أن يكون هو الجزء األخير فال يكون اإلمام شرطا في شئ وألن دليلكم

هذا يلزم منه أحد أمور ثالثة إما ارتفاع التكليف مع عدم ظهور اإلمامللمكلفين أو إخالله تعالى باللطف ويلزم منه نقض غرضه أو بطالن هذا

الدليل على تقدير صحته وهو يستلزم اجتماع النقيضين والالزم بأقسامه باطلفالملزوم مثله والمالزمة وبطالن التالي طاهران فيبطل دليلكم.

ألنا نقول: أما الجواب عن األول في اآلية اضمار تقديره لئال يكونللناس على الله حجة بعد الرسل وتشريعهم األحكام وبيانهم الحالل من

الحرام ونصب األدلة والبراهين وجميع ما يحتاج إليه المكلفون في علمهموعملهم ألنه لوال ذلك لم يكن في نصب الرسول فائدة وألن مجرد وجودالرسول بال نصب األدلة وتشريع األحكام ال ينفي الحجة قطعا وفي جملة

األدلة ووجوه االرشاد للعباد نصب اإلمام وفي األحكام وجوب طاعته وبيانهعليه السالم ذلك بنص جلي وعن الثاني يمنع المالزمة ألن الواجب عليه تعالى

(٤١٣)

Page 413: Kitab Al-Alfain Arabic

نصب اإلمام والداللة عليه وإيجاب طاعته وعلى اإلمام القبول وعلى المكلفينطاعة اإلمام ونصرته والجهاد معه وذلك ليس من فعله تعالى على سبيل

االجبار لهم ألنه ينافي التكليف فالمكلفون تبعوا أنفسهم كما أن المكلف يعصيبترك الواجب من الصالة والصيام.

ال يقال: إن غيبة اإلمام ليست من كل المكلفين بل من بعضهم فذلكالبعض اآلخر أما أن ينفي مكلف أوال والثاني ينفي التكليف عمن لم يكن له

مدخل في منع اإلمام وإال أوجب غيبته وهو محال إجماعا واألول أما أن يكلفبالعلم وهو باطل وإال لزم تكليف ما ال يطاق فبقي أن يكفي الظن فيم ال

يكفي ابتداء ألنا نقول االكتفاء بالظن هنا رخصة وهو طريق ناقص ال يفعلهالله ابتداء من تقصير المكلفين والمعارضة بقتل األنبياء وال خالص من هذه

المعارضة.المائة: قوله تعالى: (هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصال) اعلم أن

تفصيل الكتاب لم يعلمه بالحقيقة والتحقيق في كل األحكام إال المعصوم ألنمجمالته كثيرة واالجتهاد ال يفيد إال الظن وال يحصل اليقين في داللته على كل

حكم إال المعصوم ألنه العالم بما يراد بالمجمل منه حقيقة واعلم أنالحكم المفصل هو بمنزلة كبرى الدليل الدال على حكم كلي وأمور واقعة

والصغرى شخصيتها فيكون كليا وهذه جزئية.

(٤١٤)

Page 414: Kitab Al-Alfain Arabic

المائة العاشرةاألول: قال الله تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أال

تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسنا وال تقتلوا أوالدكم من إمالق نحن نرزقكموإياهم وال تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) اعلم أن الفواحش علمال يعلم تفصيلها بالتحقيق إال بالمعصوم الختالف األمة وليس ترجيح قول

بعض المجتهدين أولى من العكس والترجيح بال مرجح محال.الثاني: قوله تعالى: (وال تقتلوا النفس التي حرم الله إال بالحق)

أقول المراد هنا بالحق الحق المعلوم يقينا فعلى هذا الحدود والقصاصات ال تجوزإال باالستظهار التام وهو مبني قول اإلمام فإن الحدود إليه والقصاص هو

الذي يأمر به فإن لم يكن معصوما لم يحصل االحتياط والعلم بقوله فدل علىإن اإلمام يجب أن يكون معصوما.

الثالث: قوله تعالى: (ذلكم وصكم به لعلكم تعقلون) أقول هذاتأكيد لما سبق فيجب في ذلك االحتياط وإنما يتم بالمعصوم.

الرابع: قال الله تعالى: (وال تقربوا مال اليتيم إال بالتي هي أحسنحتى يبلغ أشده) أقول هذا نهي عن إثبات اليد على مال اليتيم ثم استثني إالبالتي هي أحسن فهذا االستثناء لإلمام ال لغيره وال يجوز لغيره التصرف فيه

(٤١٥)

Page 415: Kitab Al-Alfain Arabic

فغير المعصوم ال يؤمن عليه وال يعلم وجه األحسن وال والية له عليه لمساواتهغيره لو لم يكن معصوما فال بد من إمام معصوم وهو المراد.

الخامس: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ال تكونوا كالذين كفرواوقالوا إلخوانهم إذا ضربوا في األرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا

وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) كل غير معصوم يمكن أن يكونكذلك وال شئ من اإلمام يمكن أن يكون كذلك بالضرورة.

السادس: قوله تعالى: (ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة منالله ورحمة خير مما يجمعون) أقول ذكر ذلك مدحا لمن يقتل في سبيل الله أويموت في سبيل الله وهذا المدح ال يختص بأهل زمان النبي بل هي عامة لكلاألزمان التي فيها إمام فإن هذا لطف عظيم في حق المكلف فال يختص بأهلزمان دون زمان وأيضا االجماع من المسلمين على عمومها لألزمان التي فيهاإمام وذلك اإلمام هو اآلمر بالقتال الذي إذا قتل فيه المؤمن كان في سبيل الله

وال يتحقق ذلك إال مع عصمة اإلمام فإن غير المعصوم ال يؤمن على سفكالدماء وال على قتل النفس.

ال يقال: هذا مع غيبة اإلمام ال يحصل وال مع كف يده.ألنا نقول: الغيبة وكف يد اإلمام إنما هو من المكلفين ال من الله تعالى

فهم منعوا أنفسهم من اللطف.السابع: قوله تعالى: (ولوال فضل الله عليكم ورحمته التبعتم الشيطان

إال قليال) أقول هذا يدل على عصمة اإلمام من وجهين:أحدهما: اتباع الشيطان مطلقا ولو في شئ ما محذور ويكرهه الله ومراد

الله تعالى أن ال يتبع الشيطان البتة في شئ من األشياء ألن اتبعتم نكرة وهيفي معرض النفي للعموم واإلمام منصوب للدعاء إلى الله تعالى في جميع مايريده وحمل الناس عليه بحيث ال يخل المكلف بشئ منه أصال والباتة إن

أطاع المكلف اإلمام ولو لم يكن اإلمام متصفا بهذه الصفة لكان إيجاب طاعتهعلى المكلف مع مساواته إياه ترجيحا بغير مرجح وكان إيجاب طاعته له

(٤١٦)

Page 416: Kitab Al-Alfain Arabic

ليحصل ما لم يفعله بنفسه لغيره من الحكيم محال.وثانيهما: إن لوال يدل على امتناع الشئ لوجود غيره وفضل الله تعالى

هو المانع للمكلفين من اتباع الشيطان فأما بإمام معصوم أو بغيره والثاني لميوجد فدل على األول، ال يقال جاز أن يكون الفضل بالتكليف وخلق العقل

والداللة على القبيح ليحترز عنه وعلى الواجب ليفعله وذلك كاف ألن حصولذلك مشروط باتباع المكلف وطاعته لآلمر فال يحتاج إلى توسط اإلمام ألناإلمام ال يكرهه وإال لنا في التكليف فإن سمع أوامر الله تعالى وأطاع حصل

مقصوده وإال فكما ال يسمع لله ال يسمع لإلمام.ألنا نقول: في اإلمام فوائد إحداها إعالم المكلفين المجمل والمتشابه

وثانيهما الحكم بينهم فيما اختلفوا فيه لقوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسولوإلى أولي األمر)، ويجب عليهم االتباع، وثالثها الجهاد والقتال وإقامة

الحدود فإنها من أعظم الروادع ورابعها األمر بالمعروف والنهي عن المنكروالمعاقبة عليه من غير لزوم إكراه لتجويز المكلف عدم علم اإلمام وال يتصور

ذلك في حق الله تعالى فقد ظهر أن ال يتم ذلك إال بإمام معصوم وألن غيرالمعصوم من الطرف لم يجعله الله تعالى ألنه التقدير لآلية المتقدمة فقد علم أنه

ال بد من إمام.الثامن: قوله تعالى: (والله أركسهم بما كسبوا) كل غير معصوم

يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمام كذلك بالضرورة ينتج ال شئ منغير المعصوم بإمام بالضرورة أو دائما وعلى كل واحد من التقديرين فالمطلوب

حاصل.التاسع: قوله تعالى: (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيال) المراد قوله

يضلل الله عدم خلق الهدى أو عدم إعطاء لطف زائد على ما هو شرطالمكلف (التكليف) إذا عرفت ذلك فنقول: وجه االستدالل أن كل غير

معصوم كذلك بالفعل وال شئ من اإلمام كذلك بالضرورة فال شئ من غيرالمعصوم بإمام بالضرورة.

(٤١٧)

Page 417: Kitab Al-Alfain Arabic

ال يقال قوله تعالى: (ومن يضلل الله) إلى آخره هذه شرطيةوالشرطية ال تستلزم وقوع الطرفين كقوله تعالى: (لو كان فيهما آلهة إال اللهلفسدنا) مع عدم وقوع أحدهما وذلك ألن المقصود نفس المالزمة والمقدم

والتالي حال كونهما جزئي المتصلة ليسا بقضيتين بال تعريضهما الوقوع وعدمهإال باستثناء ولم يذكر وأيضا المقدم هو ومن يضلل الله وغير المعصوم ال يلزم أن

يكون بإضالل الله ومطلق االضالل أعم من إضالل الله تعالى واستلزامالخاص ألمر ال يستلزم استلزام العام إياه.

ألنا نقول: الجواب عن األول إن المحذور الضالل وهو ممكن الوقوعفمن غير واجب العصمة هو باالمكان ومن غير المعصوم بالفعل واقع في

الجملة منه بالفعل وأما صدور االضالل من الله تعالى عند اإلمامية والمعتزلةفمحال وأما عند أهل السنة فجائز واقع ألن كل واقع فاعله الله تعالى عندهمفلو كان اإلمام غير معصوم بالفعل كان الضالل فيه موجودا فعند أهل السنة

إنه منه تعالى فيكون المقدم واقعا وأما المعتزلة فالضالل هو المحذور سواء كانمن الله تعالى أو من غيره فإنه هو المستلزم للتالي وهو الجواب عن الثاني فإن

المستلزم للتالي هو الضالل فإن الضال ليس على طريق الصواب في ضاللهفإذا كان اإلمام ضاال في شئ ما عرف منه أن عقله ونفسه ال يقتضي ركوب

طريق الصواب ألن كلما جاز مجامعة النقيضين فإنه ال يصح أن يقتضيأحدهما بذاته بل بأمر زائد فإذا لم يعلم حصوله له لم يعلم ارتكابه لطريق

الصواب وإذا جوز المكلف ذلك لم يبق له وثوق وقد ذكر هذا البحث مراراوهو بديهي.

العاشر: قال الله تعالى: (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فلهأجره عند ربه وال خوف عليهم وال هم يحزنون) ال شئ من غير

المعصوم كذلك بالفعل وكل إمام فهو كذلك بالضرورة فال شئ منغير المعصوم بإمام بالضرورة عند قوم ودائما عند آخرين وهو المطلوب، أماالصغرى فألن نفي الخوف والحزن يقتضي العموم في األفراد واألزمان ألنه

نكرة في معرض النفي وقد ثبت في أصول عمومه وإنما يكون عاما لو لم يخل

(٤١٨)

Page 418: Kitab Al-Alfain Arabic

بواجب وال فعل محرما وإال لكان عليه خوف ألنه يستحق العقاب األخرويفكل من عليه عقاب فعليه خوف وهذا معلوم عند كل عاقل بالضرورة إذا

رجع عقله وعرف الله تعالى وعرف استحقاق العقاب على فعله فإنه يخافضرورة.

الحادي عشر: قوله تعالى: (إذ تبرأ الذين اتبعوا) اآلية، أقول كلغير معصوم متبع يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمام الذي أوجب الله

تعالى طاعته كذلك بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم المتبع بإمامبالضرورة على قول أو دائما على قول فالمطلوب حاصل على كل تقدير.

الثاني عشر: اتباع الضال في ضاللة يحصل منه العذاب األخرويللمتبع وإن كان المتبع جاهال بحال المتبع لهذه اآلية وكل من يحصل العقاب

باتباعه ال يحصل النجاة باتباعه في كل أوامره ونواهيه واإلمام الذي افترضالله طاعته يحصل النجاة باتباعه في كل أوامره ونواهيه فاإلمام الذي افترضالله طاعته ال يكون ضاال في شئ من أوامره ونواهيه وال في أفعاله وإخباراته

وتروكه وإال لم يحصل الوثوق بحصول النجاة باتباعه وذلك هو المعصوم فيلزمأن يكون اإلمام معصوما.

الثالث عشر: قال الله تعالى: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فيالسماوات واألرض طوعا وكرها وإليه يرجعون) وجه االستدالل أن هذه

اآلية الشريفة الكريمة دلت على ذم كل من أبتغي غير دين الله في حكم منأحكامه أي حكم كان فكل من خالف حكما من أحكام دين الله فقد ابتغى

غير دين الله في ذلك الحكم وكل من أبتغي غير دين الله في أي شئ كان فهومذموم مستحق للعذاب واإلمام إنما أوجبه الله ليعرف المكلف دين الله ليتبعهويأبى اتباع غير دين الله في شئ ما ومخالفة دين الله مطلقا ويحصل له اتباعأحكام دين الله التي افترضها على عباده وقررها لهم وإنما يحصل ذلك بكون

اإلمام معصوما فيشترط في اإلمام العصمة وإنما يحصل للمكلف الوثوقواألمن من الخوف باتباعه وخصوصا فيما بناه الله تعالى على االحتياط التام

كالفروج والدماء بوجوب عصمة اإلمام فيجب أن يكون اإلمام معصوما وإنما

(٤١٩)

Page 419: Kitab Al-Alfain Arabic

يعلم عصمته من النص فقد دلت بهذه األشياء على مطالب خمسة:أحدها: إن اإلمام معصوم.

وثانيها: إنه واجب العصمة.وثالثها: أنه ال يكون اإلمام إال بنص إلهي على لسان النبي الصادق

عليه السالم أو على لسان اإلمام المنصوص عليه.ورابعها: إنه يستحيل أن يجعل الله تعالى االختيار في نصب اإلمامة إلىاألمة وقد تقرر في علم الكالم استحالة أمر الله تعالى باتباع من ال يأمنالمكلف من إضالله فيكون اإلمام معصوما واتباعه يوجب تعين السالمة

بالضرورة فمخالفة بين الضالل وهذا هو مطلوبنا.وخامسها: إن كل زمان ال بد فيه من إمام معصوم وإال لجاز اتباع

بعض المكلفين غير دين الله في بعض األحكام وقد بين الكالم استحالتهلوجوب اللطف.

الرابع عشر: قال الله تعالى: (يأهل الكتب لم تصدون عن سبيلالله) وجه االستدالل أن هذا توعد وذم لكل من يصد عن سبيل الله وتحذير

عن اتباعه وكل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك فاتباعه ضرر مظنون ألنهيحصل الخوف من اتباعه وال ضرر أعظم من الخوف وكل ما فيه ضرر مظنون

ال يجب اتباعه فال يجب اتباع اإلمام فينتفي فائدة إمامته.الخامس عشر: قوله تعالى: (يبغونها عوجا) كل غير معصوم ال

يؤمن اتباعه ذلك وكل إمام يؤمن اتباعه ذلك وإال لكان نصبه مفسدة فالشئ من غير المعصوم بإمام دائما.

السادس عشر: غير المعصوم يمكن أن يقرب المكلف الذي يتبعه إلىذلك وال شئ من اإلمام يمكن أن يقرب المكلف الذي يتبعه إلى ذلك الضرر

فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.السابع عشر: قوله تعالى: (وما الله بغافل عما تعملون) تحذير من

(٤٢٠)

Page 420: Kitab Al-Alfain Arabic

عمل القبيح فال بد للمكلف من نصب إمام يمنعه من ارتكاب الخطايا والخطأفي االعتقاد وذلك هو المعصوم وكيف يمكن أن يفرض الله تعالى طاعة منيمكن أن يأمرنا بالفعل القبيح ثم يحذرنا من فعله وأكثر من ادعى فيه اإلمامة

ومن نصب نفسه هذا المنصب وتقمص بهذا االسم أمر بالقبيح كمعاوية ويزيدواتباعهما لعنهم الله لعنا وبيال فإنهم أظهروا الفساد وأفسدوا اعتقاد كثير من

العباد وسفكوا الدماء التي حرم الله وعصوا وأمروا بعصيان من أمر الله بطاعتهوخربوا الكعبة وحرقوا منبر النبي صلى الله عليه وآله وقدحوا في اإلسالم

لعنهم الله ومحبيهم ومن ال يرضى بلعنتهم إلى يوم القيامة.الثامن وعشر: هذه الصيغة تستعمل في عرف العرب في األمر بالتحفظ

عن السهو والنسيان والغفلة في األقوال واألفعال بأنه يقال للعبد ال تفعلفسيدك غير غافل عن أفعالك وأحوالك فاتباع اإلمام الذي أمر الله بطاعته

وأوجب اتباعه وهو طريق األمن ذلك وإال النتفت فائدة نصبه وإنما يحصلاألمن بذلك إذا كان ذلك ممتنعا على اإلمام وهذا هو واجب العصمة الذي ال

يجوز عليه الخطأ والنسيان والسهو وهو المطلوب.التاسع عشر: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله

شهداء بالقسط) ال يمكن ذلك إال بإمام معصوم لوجود المجمل والظاهروالمتشابه في الكتاب والسنة وال يحصل الجزم بالقيام بالقسط لله إال مع علمها

يقينا وكل من عدا العصوم ال يحصل منه األمن واليقين بقوله واتباعه وإرشادهفال بد من إمام معصوم يعلم منه ذلك.

العشرون: قال الله تعالى: (وال يجرمنكم شنئان قوم على أالتعدلوا) اآلية غير المعصوم يخاف منه حرمان العدل واإلمام ال يخاف منه

حرمان العدل ألنه منصوب للعدل فلو لم يقض منه حرمان العدل لما حسننصبه وال جاز إيجاب طاعته على المكلفين مطلقا فوجب أن يكون اإلمام

معصوما.الحادي والعشرون: قال الله تعالى: (إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا

(٤٢١)

Page 421: Kitab Al-Alfain Arabic

الله إن الله خبير بما تعملون) هذا أمر بالعدل المطلق والتقي في كل األشياءوهذه هي العصمة واإلمام هاد إليها بأقواله وأفعاله وأوامره ونواهيه فيكون

معصوما.الثاني والعشرون: قال الله تعالى: (قد جاءكم من الله نور وكتب

مبين) يلزم من ذلك أن يستفاد منه العلم بجميع األحكام يقينا فاإلمامالمأمور باتباعه يعلم ذلك يقينا وغير المعصوم ال يعلم ذلك يقينا إجماعا فاإلمام

يجب أن يكون معصوما.الثالث والعشرون: قوله تعالى: (يهدي به الله من اتبع رضوانه)

اآلية، لما قال الله تعالى نور وكتاب مبين ذكر هنا عقيبه غايات.األول: بيان ما فيه رضوانه تعالى وهو فعل الطاعات بامتثال األوامر

والنواهي.الثاني: إن من اتبع رضوان الله هداه به إلى سبل السالم والجمع

المضاف للعموم وإنما يتحقق بإصابة الصواب في جميع األحكام العقليةوالشرعية والعلوم التصورية والتصديقية.

الثالث: أنه يخرجهم من الظلمات إلى النور والظلمات جمع معرفبالم الجنس فيكون للعموم فيلزم أن يخرجهم من كل ظلمة وكل جهل وكل

فعل قبيح وترك واجب ظلمة فيلزم أن يخرجهم من ذلك كله.الرابع: أنه يهديهم إلى صراط مستقيم أي في جميع األمور ألنه تأكيد

لكل فيلزم عمومه ووقوعه وال يتحقق ذلك إال في المعصوم والنبي واإلماميدعوان الناس ويرشدانهم إلى كل هذه المراتب والغايات المذكورة فلزم

عصمتها وهو المطلوب.الرابع والعشرون: قوله تعالى: (يأهل الكتب قد جاءكم رسولنا

يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير وال نذير فقدجاءكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير) وجه االستدالل أن وجه الحاجة

(٤٢٢)

Page 422: Kitab Al-Alfain Arabic

إلى اإلمام كوجه الحاجة إلى النبي فإنهم ال يحتاجون إلى مبلغ للشرع يحتاجونإلى حافظ للشرع وإلى كاشف لمعانيه مفهم مراد الشارع منه وملزم به وقائمباألمور الشرعية المهمة الصادرة عن رئيس وتبع الباقي له فال يخلو الزمان عن

إمام وال بد أن يكون معصوما وإال لم يحصل منه هذه الفوائد.الخامس والعشرون: قوله تعالى: (وال تشتروا بآياتي ثمنا قليال وإياي

فاتقون) كل من خالف نص الكتاب في شئ ما فقد اشترى بآية من آياتالله ثمنا قليال وهو محذور عنه وعن اتباعه فغير المعصوم بالفعل كذلك فاليوثق بقوله وال بأمره وال بفعله وغير واجب العصمة يمكن فيه ذلك فينافي

الوثوق به فينافي الغرض واإلمام واجب حصول الغرض منه إذا أطاعه المكلفمن فعله ألنا بينا ثبوت فعل المكلف وقدرته واختياره.

السادس والعشرون: قال الله تعالى: (وال تلبسوا الحق بالباطلوتكتموا الحق وأنتم تعلمون) أقول ال بد في اإلمام من نفي ذلك عنه

بالضرورة وغير المعصوم ليس كذلك وألن اإلمام لنفي هذه الصفة بالضرورةفال يمكن أن يكون فيه.

السابع والعشرون: قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسونأنفسكم وأنتم تتلون الكتب أفال تعقلون) هذه غاية من غايات نصب

اإلمام ألن مراد الله تعالى من بعثة األنبياء ونصب األوصياء تزكية األمة عنسائر المحرمات واألفعال القبيحة ومن جملتها هذه الصفة التي هي رذيلة فلو لم

يكن معصوما الحتاج إلى من يزكيه ولم يحصل منه ذلك في األغلب وألنهيستلزم الترجيح من غير مرجح إذ هو والمأمور متساويان في ذلك.

الثامن والعشرون: وقال الله تعالى: (وإذ أخذنا ميثاقكم إلى قوله عماتعملون) اعلم أن اإلمام يدعو األمة إلى خالف ذلك ويمنعهم ويردعهم عن

ذلك وغير المعصوم يمكن أن يفعل هو ذلك ويقرب الناس إلى ذلك فال يوثقبه وال يأمن به أن يكون سببا في زيادة العذاب وأن يكون عاقب المكلف أشد

العقاب إال مع العلم بوجوب عصمته فيجب أن يكون معصوما.

(٤٢٣)

Page 423: Kitab Al-Alfain Arabic

التاسع والعشرون: غير المعصوم يمكن أن يكون من أهل النار واإلمامليس من أهل النار بالضرورة فغير المعصوم ليس بإمام بالضرورة أو دائما على

اختالف الرأيين والمقدمتان ظاهرتان.الثالثون: قوله تعالى: (وال تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) اعلم أن

التهلكة على قسمين تهلكة في الدنيا وتهلكة في اآلخرة وكالهما حذر عنه والثانيأصعب وأشد محذورا وآكد من األول ويجب االحتراز من ذلك وإذا خاف من

ذلك وجب االحتراز بترك المخوف والعمل بقول غير المعصوم في الحدودوالجهاد والقتال يتضمن المحذور والخوف من الوقوع في التهلكة واألضرار.

الحادي والثالثون: قال الله تعالى: (قول معروف ومغفرة خير منصدقة يتبعها أذى والله غني حليم) وجه االستدالل أن يقال: اإلمام يدعو

إلى هاتين المرتبتين فيلزم أن يعلم المكلف إن كلما يدعو إليه اإلمام من األقوالقول معروف وكل ما يدعو إليه من األفعال هو سبب المغفرة من الله تعالى ألنه

لو لم يعلم المكلف ذلك لما أمن من صدور ذلك منه فلم ينبعث إلى متابعتهوحصل له النفور منه وألنه يحصل له الخوف من متابعته عند تجويزه أنه يأمرهبما يؤدي إلى التهلكة وإلى المحرمات واالحتراز عن الخوف واجب فتعين أن

يكون اإلمام معصوما وهو المطلوب.الثاني والثالثون: اإلمام مكلف في أقواله وأفعاله البدنية واعتقاداته

القلبية بالصواب وأن ال يخرج عن الصواب في شئ من ذلك وذلك ال يتمإال بمرشد يحصل العلم بقوله وال يختص بزمان بل بكل زمان وذلك هو

المعصوم ألن غيره ال يوثق بقوله وال تتم الفائدة.الثالث والثالثون: اإلمام عليه السالم على الصراط المستقيم وهو صراط

الذين أنعم الله عليهم وهو غير المغضوب عليهم وغير الضالين بوجه في شئأصال ألن الله تعالى أمرنا بطاعته كطاعة النبي عليه الصالة والسالم وأمرنا

باتباعه وإال لم يكن في نصبه فائدة والله عز وجل أرشدنا (إلى) أن نطلب منهونسأل الهداية إلى الصراط المستقيم وهو الطريق الذي ذكرناه ثم أمرنا بطاعته

(٤٢٤)

Page 424: Kitab Al-Alfain Arabic

فلو لم يكن هو الطريق المشار إليه استحال من الحكيم ذلك ألنه لو أرشدنا إلىالدعاء بالهداية إلى ذلك الطريق ثم أمرنا بطاعة شخص ليس على تلك

الطريقة كان هذا مناقضة ونقض الغرض عليه تعالى محال تعالى الله عن ذلكعلوا كبيرا والطريقة المذكورة هي العصمة فاإلمام معصوم.

الرابع والثالثون: أحد األمرين الزم وهو إما كونه معصوما أو نقضالغرض والثاني على الله تعالى محال فتعين األول، أما المالزمة وهي في الحقيقة

مانعة خلو فألن الله تعالى أمرنا بسؤال الهداية إلى طريقة المعصوم وهيالطريقة المذكورة فيكون قد أراد أن نرتكب تلك الطريقة ثم أمرنا بطاعة

اإلمام واتباعه فأما أن يكون اإلمام على تلك الطريقة أوال والثاني يستلزم الثانيوهو نقض الغرض واألول يستلزم األول فثبت المالزمة وأما بطالن الثاني فألنه

تعالى حكيم ونقض الغرض ينافي الحكمة.الخامس والثالثون: قال الله تعالى: (في قلوبهم مرض فزادهم الله

مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) غير المعصوم يمكن أن يكونكذلك وال شئ من اإلمام يمكن أن يكون كذلك بالضرورة فال شئ من غير

المعصوم بإمام بالضرورة.السادس والثالثون: قوله تعالى: (وإذا قيل لهم ال تفسدوا في

األرض قالوا إنما نحن مصلحون) (أال أنهم هم المفسدون ولكن اليشعرون) إنما يثق المكلف بأمر اإلمام ونهيه وبطاعته وأدائه إلى الطريق

الصحيح إذا علم انتفاء ما ذكر في هذه اآلية عنه وإنما يعلم ذلك بوجوبعصمته والعلم به فيجب أن يكون اإلمام معصوما وهو المطلوب.

السابع والثالثون: قوله تعالى: (واتقوا يوما ال تجزي نفس عننفس شيئا وال يقبل منها شفعة وال يؤخذ منها عدل وال هم ينصرون) وجه

االستدالل أن هذه اآلية عامة ألهل كل زمان وال يتم إال بوجود معصوم يفيدقوله العلم وذلك يستلزم عصمة اإلمام ألنه المأمور باتباعه ألنه إما أن يخلووقت عن إمام معصوم يفيد قوله وفعله العلم أوال واألول ينافي الغرض في

(٤٢٥)

Page 425: Kitab Al-Alfain Arabic

هذه اآلية في الجملة وهو محال والثاني إما أن يكون اإلمام هو معصوم أو غيرهوالثاني ينافي حكمة الله تعالى فيكون محاال واألول هو المطلوب.الثامن والثالثون: قال الله تعالى: (وال تتخذوا آيات الله هزوا) كل

غير معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمام يمكن أن يكون كذلكبالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب.

التاسع والثالثون: قال الله تعالى: (والله مع الصابرين) الصابر علىمدافعة وممانعة القوة الشهوية والغضبية هو الصابر وذلك هو المعصوم فالمعصوم

موجود فإما أن يكون هو اإلمام أو غيره والثاني محال فتعين األول وهوالمطلوب.

األربعون: قال الله تعالى: (من آمن بالله واليوم اآلخر وعمل صلحافلهم أجرهم عند ربهم وال خوف عليهم والهم يحزنون) وجه االستدالل

أنه تعالى بعث النبي ونصب اإلمام عليهما السالم لهداية الخلق إلى هذهالطريقة ونفي الخوف والحزن مطلقا وإنما يكون بالعصمة فالله تعالى دعا الكل

إليها والداعي هو النبي واإلمام عليهما السالم فلو لم يكونا معصومين لميصلحا لحمل األمة على ذلك ولو لم يكونا واجبي العصمة لم يحصل للمكلف

وثوق بذلك.الحادي واألربعون: قوله تعالى: (ال إكراه في الدين قد تبين الرشد

من الغي) فإما في كل األحكام أو في بعضها والثاني يستلزم المحال منوجهين:

أحدهما: الترجيح بال مرجح فإن بيان بعض التكاليف دون الباقيترجيح بال مرجح.

وثانيهما: أنه يستلزم التكليف بما ال يطاق فثبت إكراه في الدين ألنهعين تكليف ما ال يطاق لكن ثبوت إكراه في الدين محال لقوله تعالى ال إكراه

في الدين وهو نكرة منفية فتكون للعموم فظهر أن الله تعالى بين الصواب فيكل األحكام وفي القرآن مجمالت وتأويالت وكذا األحاديث ال تفي ببيان

(٤٢٦)

Page 426: Kitab Al-Alfain Arabic

األحكام فبينها اإلمام فلو كان غير معصوم لم يكن قوله بيانا.الثاني واألربعون: إنه تعالى حكيم وحكمته بالغة في الغاية وعالم بكل المعلومات

وهو الغني المطلق بوجه ال يتصور فيه الحاجة وال يمكن أن يقع في أقوالهوأفعاله ما ال يناسب الحكمة وإيجاب طاعة غير المعصوم في جميع أوامره

ونواهيه ينافي الحكمة واإلمام تجب طاعته في جميع أوامره ونواهيه فمحال أنيكون غير معصوم.

الثالث واألربعون: قال الله تعالى (يؤتي الحكمة من يشاء ومنيؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) الحكمة علم باألشياء كما هي من جهة

التصور والتصديق وإيقاع األفعال على ما ينبغي وترك ما ال ينبغي أصال والباتةفأما أن يكون اإلمام حكيما أوال والثاني محال والحكيم هو المعصوم على ما

بيناه.الرابع واألربعون: قال الله تعالى: (إال الذين ظلموا منهم فال تخشوهم

واخشوني) وجه االستدالل أن هذه اآلية دلت على النهي عن الخشية منالظالم واألمر بخشية الله وهما متضادان فنقول غير المعصوم ال يخشى منه دائما

ألن ال يخشى نكرة والنكرة المنفية للعموم ولك إمام يخشى منه دائما ينتج الشئ من غير المعصوم بإمام وهو المطلوب.

الخامس واألربعون: ال شئ ممن يجب طاعته غير مخشي منه شرعابالضرورة وكل غير معصوم مخشي منه شرعا بالضرورة فال شئ ممن يجب

طاعته غير معصوم بالضرورة ثم نقول كل إمام يجب طاعته وال شئ ممنيجب طاعته بغير معصوم بالضرورة ينتج ال شئ من اإلمام بغير المعصوم

بالضرورة وهو ينتج كل إمام معصوم بالضرورة ألن السالبة المعدولة تستلزمالموجبة المحصلة عند وجود الموضوع لكن اإلمام موجود فاإلمام يجب أن يكون

معصوما وهو المطلوب.السادس واألربعون: قال الله تعالى: (كما أرسلنا فيكم رسوال منكم

يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا

(٤٢٧)

Page 427: Kitab Al-Alfain Arabic

تعلمون وجه االستدالل أن أقصى غايات البعثة تزكية األمة من الذنوبباستعمال الشرائع الحقة والمراد من كل الذنوب إذا إطاعة المكلف وال ريب

أن اإلمام نائبه فلو لم يكن له هذه المراتب لم يحسن أن ينصب ألجل حمل األمةعليها إذ وثوقهم به ال يتم ويسقط محله من القلوب.

السابع واألربعون: قال الله تعالى: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا منالبينات والهدى من بعد ما بينه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهمالالعنون) وجه االستدالل أن غير المعصوم يمكن فيه هذه الصفة فال يأمن

المكلف من إباحة لعنته له واإلمام يمتنع أن يكون كذلك فغير المعصوم يمتنعأن يكون إماما.

الثامن واألربعون: غير المعصوم يمكن أن يحصل منه ضد الغاية مناإلمامة ألن الغاية منها إظهار األحكام التي أنزلها الله تعالى وغير المعصوم يمكن

أن يكتم ما أنزل الله من األحكام وكلما هو ال يجزم بنفيه فال يعلم أنه إماموإنما يعلم ذلك بالعصمة فيجب أن يكون اإلمام معصوما.

التاسع واألربعون: نسبة إظهار ما أنزل الله غير المعصوم نسبة االمكانونسبته إلى اإلمام نسبة الوجوب من المعصوم غير إمام قطعا.

الخمسون: قال الله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ماتشبه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وال يعلم تأويله إال الله والراسخون في

العلم) وجه االستدالل أن الغلط في التأويل ضالل محذور ومحذر عنه فيغاية التحذير وكل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك واإلمام ليس كذلك

بالضرورة فغير المعصوم غير إمام بالضرورة واإلمام ثابت لوجوب اإلمامةفاإلمام معصوم.

الحادي والخمسون: قال الله تعالى: وغرهم في دينهم ما كانوايفترون) ال شئ من اإلمام كذلك بالضرورة وكل غير معصوم يمكن أن

يكون كذلك فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة ويستلزم كل إماممعصوم بالضرورة لوجود الموضوع.

(٤٢٨)

Page 428: Kitab Al-Alfain Arabic

الثاني والخمسون: اتباع النبي صلى الله عليه وآله واجب لقوله تعالى:(إن كنتم تحبون الله فاتبعوني) لكن المقدم ثابت إجماعا ولنص القرآن

فالتالي ثابت وفائدة اإلمام بطريق إرشاد المكلفين إلى اتباع النبي بحيث يحصلمحبة الله وحمله على ذلك وال يتم إال بعصمة اإلمام ألن غير المعصوم يمكن أن

يبعد عنه.الثالث والخمسون: قال الله تعالى: (قل أطيعوا الله والرسول)

واإلمام إنما هو ليحصل للمكلف طاعة الله والرسول وال يحصل إال مع كونهمعصوما فيجب العصمة.

الرابع والخمسون: ذم الله تعالى االختالف في كتابه العزيز في مواضعمتعددة والحق ليس بمذموم قطعا بالضرورة وألنه تعالى أمر به وباعتقاد ومدحهفالختالف يشتمل على باطل وإال لم يكن مذموما والخطاب الوارد في الكتاب

كثير منه متشابه وظاهر في كثير من األحكام وال يحصل من هذه الصيغ إالالظن وهو مختلف باختالف الناظرين فلو لم يكن هناك من يعلم قطعا منه أنهيعلم المراد من هذه ويحصل اليقين بقوله وفعله لزم أن يدعو الله المكلف إلى

فعل ما ال يقدر عليه وهو محال ألنه عبث وذلك الذي يحصل العلم بقولهوفعله هو المعصوم وهو المطلوب.

الخامس والخمسون: قال الله تعالى: (فإن الله عليم بالمفسدين) غيرالمعصوم يمكن أن يكون من المفسدين ويمكن أن يقصد إفساد اعتقاد وفعل من

يقلدوه واإلمام ال يمكن أن يكون كذلك فغير المعصوم يمتنع أن يكون إماماوهو المطلوب.

السادس والخمسون: قوله تعالى: (فنجعل لعنة الله علىالكاذبين). كل غير معصوم يمكن أن يكون من الكاذبين وال شئ من اإلمام

يمكن أن يكون من الكاذبين بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمامبالضرورة.

السابع والخمسون: قال تعالى: (فلم تحاجون فيما ليس لكم به

(٤٢٩)

Page 429: Kitab Al-Alfain Arabic

علم كل ما هو حجة يجوز المحاجة به وال شئ مما ليس بمعلوم يجوزالمحاجة به أما الصغرى فضرورية وأما الكبرى فلآلية المتقدمة وينتج ال شئ

مما هو حجة ليس بمعلوم ويلزمه كل ما هو حجة فهو معلوم لوجود الموضوعومعنا قضية صادقة وهي قولنا ال شئ من غير المعصوم خبره من حيث إنه

منه معلوم وكذا فعله من حيث إنه منه ال من جهة أخرى فإذا جعلناه صغرىلقولنا كل ما هو حجة فهو معلوم بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم

فعله وقوله حجة من حيث هو قوله وفعله من هذه الجهة واإلمام قوله وفعلهمن حيث هو قوله وفعله حجة ألنه بمجرد قوله وفعله يجب اتباعه فيلزم أن

يفيد قوله العلم وإال لم يكن حجة لما تقرر فيجب أن يكون معصوما.الثامن والخمسون: قال تعالى: (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك

من العلم) دلت هذه اآلية على أن الحجة إنما هي بالمعلوم وقوله غير المعصومغير معلوم وال فعله فال يصلح للمحاجة والحجة واإلمام قوله حجة وبه يحاج

فيجب أن يكون معصوما.التاسع والخمسون: قوله تعالى: (فال تكونن من الممترين) كل غير

معصوم يمكن أن يكون من الممترين وال شئ من اإلمام يمكن أن يكون منالممترين بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة وينعكس

بالمستوى إلى قولنا ال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة أو دائما ويلزمهكل إمام معصوم بالضرورة لوجود الموضوع وهو المطلوب.

الستون: قوله تعالى: (ويقولون هو من عند الله وما هو من عندالله) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمام يمكن أن

يكون كذلك بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمام فكل إمام معصوم لماتقدم.

الحادي والستون: قال تعالى: (إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذاصراط مستقيم) اإلمام طريقه هو الطريق الذي أمر الله تعالى باتباعه وذلك

الطريق الذي أمر الله باتباعه صراط مستقيم وال شئ من غير المعصوم

(٤٣٠)

Page 430: Kitab Al-Alfain Arabic

بالفعل على الصراط المستقيم فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالفعل قلنا والبد من وجوب عصمته وإال لم يأمن المكلف وألنه يستحيل أن يكون غير

معصوم بالفعل وهذا هو معنى واجب العصمة.الثاني والستون: كل إمام اتباعه هداية بالضرورة وال شئ من غير

المعصوم اتباعه هداية باالمكان فال شئ من اإلمام بغير معصوم وهوالمطلوب.

الثالث والستون: قال الله تعالى: (ويقولون على الله الكذب وهميعلمون) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمام يمكن

أن يكون كذلك بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة فالشئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة فيلزم منه كل إمام معصوم بالضرورة

وهو المطلوب.الرابع والستون: قوله تعالى: (قل يأهل الكتب لم تصدون عن سبيل

الله من آمن وتبغونها عوجا وأنتم شهداء وما الله بغافل عما تعملون) أقولهذه اآلية في معرض التوبيخ والتهديد والذم على أشياء األول الصد عن سبيلالله أي الطريقة المؤدية إلى رضاء الله والنجاة وذلك بامتثال األوامر والنواهيواستعمال الطاعات الثاني صد المؤمن الثالث قوله يبغونها عوجا أي يريدون

أن يكون السبيل أي الطريق وهو الشريعة واعتماد غير الحق اعوجاجا عنالشريعة إذا عرفت ذلك فنقول غير المعصوم يمكن أن يصدر منه ذلك وال

شئ من اإلمام يمكن منه ذلك بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإماموينعكس إلى قولنا ال شئ من اإلمام بغير معصوم ويلزمه كل إمام معصوم

لوجود الموضوع وهو المطلوب.الخامس والستون: قوله تعالى: (وما جعله الله إال بشرى لكم لتطمئنقلوبكم به) وجه االستدالل أنه علم من هذا أن طمأنينة القلب مطلوبة

خصوصا في األحكام الشرعية واألوامر السمعية والتكاليف العقلية وال يحصلإال باإلمام المعصوم ونقض الغرض على الله تعالى محال.

(٤٣١)

Page 431: Kitab Al-Alfain Arabic

السادس والستون: (وال تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أنيحمدوا بما لم يفعلوا فال تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم) كل

غير معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمام يمكن أن يكون كذلكبالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة أو دائما وهو

المطلوب.السابع والستون: قوله تعالى: (والذين هاجروا وأخرجوا من

ديرهم وأوذوا في سبيلي وقتلوا وقوتلوا ألكفرن عنهم سيئاتهم وألدخلنهمجنات تجري من تحتها األنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب) وجه

االستدالل أن هذه األشياء لها غاية واحدة اشتركت فيها وهو كون ذلك فيسبيل الله ويترتب عليها الجزاء وهو قوله ألكفرن إلى آخره فإذا دعا اإلمام

المكلفين إلى قتال فيلزم هذه اللوازم وإنما يعلم أن دعاءه إلى قتال هذه غايتهويترتب عليه الجزاء المذكور إذا علم أنه معصوم وإال لم يوثق به وال يحصل

الطمأنينة به وكالهما مطلوب خصوصا في هذه األشياء.الثامن والستون: قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا

ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) اإلمام يدعو لمكلفين إلى هذه المراتبويحتاج إلى إتمام الغرض بحصول ذلك للمكلفين بألطاف تقرب المكلف إلى

ذلك وذلك بالمعصوم وهو المطلوب.التاسع والستون: قال تعالى: (وال تتبدلوا الخبيث بالطيب) كل

إمام متبوع مطلقا وال شئ ممن يبدل الخبيث بالطيب بمتبوع مطلقا وكل غيرمعصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلمام يمكن أن يكون كذلك

بالضرورة ينتج ال شئ من اإلمام غير معصوم ويلزم كل إمام معصومبالضرورة لوجود الموضوع.

السبعون: قال الله تعالى: (والذان يأتينها منكم فآذوهما فإن تاباوأصلحا فأعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما) اآلية أقول هذا حكم عام

لكل من يصدر عنه ذلك فإذا كان كذلك فالمخاطب بإيذائهما واإلعراض عنهمابالتوبة واالصالح هو المعصوم وكل غير معصوم يمكن فيه ذلك فإذا كان

(٤٣٢)

Page 432: Kitab Al-Alfain Arabic

اإلمام غير معصوم فإن سقط هذا التكليف عنه لم يكن الخطاب عاما وهوباطل بالضرورة وإن كان مكلفا به فالمؤدي له والمقيم الحد عليه ال بد أن

يكون غيره فأما أن يكون معصوما أوال واألول يكون المعصوم أولى باإلمامةمنه، والثاني يسقط محله من القلوب ويستلزم الهرج والمرج والفتن وتعطيل

حدود الله وذلك كله يناقض الغرض من نصب اإلمام ويندفع كل هذهالمحذورات بكون اإلمام معصوما.

الحادي والسبعون: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ال تأكلوا)اآلية أقول اإلمام إنما وضع إلرشاد الخلق إلى معرفة الحق والباطل، الباطلليجتنبوه والحق ليرتكبوه فإذا لم يكن معصوما أمكن أن يرغبهم (يرشدهم)

إلى ضد ذلك ويحملهم على ذلك وال يطمئن المكلف والطمأنينة مطلوبة ولهذاذكر الله في مواطن (مواضع) كثيرة منها هذه وكما ذكرها الله تعالى حكاية عن

إبراهيم عليه السالم.الثاني والسبعون: قال الله تعالى: (ويريد الذين يتبعون الشهوات أن

تميلوا ميال عظيما) وجه االستدالل من وجهين:أحدهما: إن غير المعصوم يتبع الشهوات وكل من يتبع الشهوات يميل

ميال عظيما ألن قوله الذين يقتضي العموم ألنه جمع معرف بالم الجنس وكلمن يميل ميال عظيما ال يتبع فغير المعصوم ال يتبع واإلمام يتبع فغير المعصوم

ليس بإمام بالضرورة وهو المطلوب.وثانيهما: أن اإلمام نصب حتى ال يمكن المكلف أن يتبع الشهوات ويميل

عن الحق وال يمكن ذلك إال باطمئنان المكلف أنه ال يدعوه إلى الميل وال يكونله وقع عند المكلف إذا لم يمل هو فإن من أمر بمعروف ولم يفعله فهو مذموم

وقد أشار إليه الله في كتابه العزيز بقوله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسونأنفسكم) وإنما يطمئن المكلف ويثق قلبه إذا كان اإلمام معصوما وهو

المطلوب.الثالث والسبعون: قال الله تعالى: (وال تقتلوا أنفسكم) إلى قوله

(٤٣٣)

Page 433: Kitab Al-Alfain Arabic

(يسيرا) وجه االستدالل أن اإلمام يدعو إلى الجهاد وفيه القتال من الطرفينفيعرض نفسه لقتلها وألن يقتل غيره فمتى كان اإلمام غير معصوم جاز أن

يكون دعاؤه إلى القتل ظلما كما هو مشاهد ومتواتر فيكون ذلك عدوانا وظلماوتعرضا ألن يصلى نارا وهذا من أعظم العذاب في ترك الجهاد ويلزم من عدم

عصمة اإلمام عدم وجوب الجهاد لتوقفه على أمره فإذا جاز منه الخطأ وأنيكون ظالما امتنع قتل المكلف والحاصل أنه يلزم منه إفحام اإلمام عند الدعاء

إلى الجهاد وهو باطل فعدم عصمته باطل.الرابع والسبعون: قال الله تعالى: (إن الله ال يحب من كان مختاال

فخورا) وجه االستدالل أن اإلمام يجب أن يدعو إلى ذلك بالضرورة والشئ من غير المعصوم يدعو إلى ذلك باالمكان ينتج ال شئ من اإلمام بغير

معصوم ويلزمه كل إمام معصوم لوجود الموضوع وهو المطلوب.الخامس والسبعون: قال تعالى: (الذين يبخلون ويأمرون الناس

بالبخل) هذه صفة ذكرت في معرض الذم فتكون صفة نقض قد حذر اللهتعالى عنها واإلمام إنما نصب لتكميل المكلف وحمله على األخالق الحميدة وإنما

يأمر المكلف أنه ال يعلمه ذلك وال يأمره إذا علم وجوب عصمته وألنه إنمايطمئن قلب المكلف إذا علم امتناع هذه الصفة على اإلمام وإنما يعلم امتناعها

بعصمته فدل على وجوب عصمته.السادس والسبعون: قال الله تعالى: (ويكتمون ما آتاهم الله من

فضله) وجه االستدالل أن كتمان العلم هو المقصود األقصى من ذلكبحيث إن النبي صلى الله عليه وآله واإلمام إنما جعال لتبيين العلم العملي

فكان من عظيم المراد هنا والمقصود من اإلعالم تكميل المكلف في قوتهالعملية فلو لم يكن اإلمام معصوما لم يتم هذا الغرض والتقرير ما مر غير مرة

والقياس من الشكل الثاني.السابع والسبعون: قال الله تعالى: (والذين ينفقون أموالهم رئاء

الناس) هذه صفة ذم ونصب اإلمام ليطهر المكلف عنها فال بد أن يكون

(٤٣٤)

Page 434: Kitab Al-Alfain Arabic

اإلمام مطهرا عنها وال يعلم المكلف يقينا طهارة اإلمام منها إال مع الجزمبوجوب عصمته وهو المطلوب.

الثامن والسبعون: قال الله تعالى: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا منالكتب يشترون الضاللة) هذه صفة ذم واإلمام نصب لتطهير المكلف منها

فتستحيل عليه بالضرورة وكل غير معصوم ال تستحيل عليه فاإلمام ليس بغيرمعصوم فهو معصوم.

التاسع والسبعون: قال الله تعالى: (ومن يكن الشيطان له قرينافساء قرينا) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك وال شئ من اإلماميمكن أن يكون كذلك بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام

بالضرورة أو دائما على اختالف الرأيين وينعكس إلى قولنا ال شئ من اإلمامبغير معصوم بالضرورة أو دائما على اختالف الرأيين ويلزم كل إمام معصوم

بالضرورة لوجود الموضوع.الثمانون: قال الله تعالى: (إن الله ال يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة

يضعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) أقول كون اإلمام غير معصوم ينافيهذه اآلية من وجوه:

أحدها: أنه يدل على نفي ماهية الظلم وهو يستلزم نفي جميع جزئياتهوهي صفة مدح فتكون واجبة له تعالى ويستحيل ضده عليه ولو كان اإلمام

غير معصوم لزم تكليف ما ال يطاق ألنه ال يجوز أن يأمره بمعصيته والمكلفمأمور بطاعته في كل أوامره ونواهيه فيكون قد أمره بالمعصية لكنه تعالى نهى

عن المعصية فيكون مأمورا بفعل ومنهيا وهو تكليف ما ال يطاق وتكليف ما اليطاق ظلم فيكون الظلم ممكنا منه وقد بينا استحالته فيلزم اجتماع االمكان

واالستحالة وهو تناقض.وثانيها: أنه يدل على لطفه بالمكلف وتلطفه به وحكمه عليه فكيف اليجعل للمكلف طريقا مفيدا للعلم باألحكام وهو اإلمام المعصوم وهو

المطلوب.

(٤٣٥)

Page 435: Kitab Al-Alfain Arabic

وثالثها: لطفه هذا وحثه على فعل الحسنات وتحريضها عليها يدل علىأنه تعالى جعل طريقا مفيدا للعلم بالحسنات بحيث ال يقبل الشك وذلك هو

المعصوم ال غير.الحادي والثمانون: قال الله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا األمانات

إلى أهلها) هذه صفة مدح يدعو اإلمام إليها وينهي عن ضدها وغير المعصوميمكن أن يدعو إلى ضدها وال يدعو إليها واإلمام يستحيل أن يدعو إلى ضدها

ويجب أن يدعو إليها وهذا يدل على وجوب كون اإلمام معصوما وهوالمطلوب.

الثاني والثمانون: قال الله تعالى: (وإذا حكمتم بين الناس أنتحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا) اآلية، غير

المعصوم يمكن أن ال يحكم بذلك وكل إمام يحكم بذلك بالضرورة ينتج الشئ من غير المعصوم بإمام وهو يستلزم عصمة اإلمام كما مر غير مرة وهو

المطلوب.الثالث والثمانون: قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله

والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم اآلخر) وجه االستدالل أن الرد إلىالله والرسول وقبول أمرهما ونهيهما وخبرهما يرفع النازع واإلمام قائم مقام

الرسول عليهما السالم فالرد إليه رد إلى الله والرسول ألن الرد إلى الرسول ردإلى الله تعالى ومع عدم عصمة اإلمام ال يرفع التنازع فال يقوم مقام الرسول

وألن هذه اآلية تدل على عصمة النبي وعصمة النبي تستلزم عصمة اإلمامألنه قائم مقامه وهو المطلوب والرد إلى الظواهر من الكتاب والسنة ال يرفع

التنازع.الرابع والثمانون: قوله تعالى: (ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا

أيديكم وأقيموا الصالة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهميخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية) اآلية خشية الناس كخشية الله أو

أشد خشية طريقة مذمومة واإلمام يبعد عنها المكلفين ويقربهم إلى ضدها وغير

(٤٣٦)

Page 436: Kitab Al-Alfain Arabic

المعصوم يمكن أن ال يفعل ذلك وال يدعو إلى ذلك بل يمكن أن يكون فيه هذهالصفة وال شئ من اإلمام كذلك بالضرورة فغير المعصوم ال يصلح لإلمامة.

الخامس والثمانون: قوله تعالى: (فال وربك ال يؤمنون حتىيحكموك فيما شجر بينهم ثم ال يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا

تسليما) جعل نهاية عدم إيمانهم تحكيم الرسول والتسليم إليه ثم أكد بقولهتسليما فما لم يفعلوا ذلك أو أخلوا بتحكيمه والتسليم إليه في واقعة ما مما شجر

بينهم لم يكونوا مؤمنين فيلزم من ذلك عصمة الرسول ألنه لو جاز عليه الخطأوالسهو والنسيان لجاز أن يحكم بخالف الحق فأما أن يكونوا مكلفين به أوال

واألول يستلزم أن يكون هو الصواب ألنا ال نعني بالصواب إال ما كلفوا بهفال يكون خطأ هذا خلف مع أنه يستلزم المطلوب والثاني يناقض التحكيم

والتسليم الكلي والرضا بحكمه وهو باطل بما تقدم فتعين أن يكون معصوماوحكم النبي وحكم اإلمام متساويان لقوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا

الرسول وأولي األمر منكم) فوجب أن يكون اإلمام معصوما وهوالمطلوب.

السادس والثمانون: قوله تعالى: (والله ال يهدي القوم الفاسقين)وجه االستدالل أن نقول ال شئ من غير المعصوم بهاد لكل من استهداه فيجميع األحكام باالطالق وكل إمام هاد لكل من استهداه في جميع األحكام

ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام دائما، أما الصغرى فألن غير المعصوموجوبا فاسق باالمكان وال شئ من اإلمام بفاسق بالضرورة ينتج ال شئ من

غير المعصوم وجوبا بإمام بالضرورة أو دائما أما الصغرى فضرورية وأماالكبرى فألن اإلمام هاد بالضرورة وال شئ من الفاسق بهاد بالضرورة فال

شئ من اإلمام بفاسق بالضرورة، أما الصغرى فضرورية ألن اإلمام إنمانصب لذلك وأما الكبرى فألن كل هاد فهو مهتد بالضرورة وكل مهتد فهو

يهديه الله تعالى بالضرورة لقوله تعالى: (ومن يهد الله فهو المهتدي)وهذه صيغة حصر المحمول في الموضوع ويلزمه كل من ال يهديه الله تعالى

فليس بهاد فنجعله كبرى لقولنا الفاسق ال يهديه الله وكل من ال يهديه الله

(٤٣٧)

Page 437: Kitab Al-Alfain Arabic

فليس بهاد بالضرورة فالفاسق ليس بهاد بالضرورة لجعله كبرى لقولنا كل إمامهاد بالضرورة وال شئ من الفاسق بهاد بالضرورة ينتج ال شئ من اإلمام

بفاسق بالضرورة وهو المطلوب.السابع والثمانون: فائدة نصب اإلمام هداية الفاسق وردعه باللسان

واليد وإقامة الحدود وإذا تقرر ذلك فنقول لو لم يكن اإلمام معصوما لزم أحداألمرين إما إمكان العبث أو إمكان االغراء بالجهل عليه تعالى والالزم بقسميه

باطل فالملزوم مثله بيان المالزمة أنه إذا كان اإلمام غير معصوم أمكن أن يكونفاسقا فأما أن يجعل له إمام آخر أوال واألول يستلزم إمكان العبث عليه تعالىألن إمامه إذا فعل جميع المطلوب من اإلمام كان األول عبثا وإال لزم االغراء

بالجهل وأما بطالن التالي فظاهر.ال يقال: إنما يلزم ذلك عليه تعالى لو كان الناصب لإلمام هو الله تعالى

ال باختيار األمة وهو ممنوع ولو سلم لكم هذا المطلوب ثم مطلوبكم لكنه أولالمسألة.

ألنا نقول: الجواب عنه بوجوه األول إنا بينا أن اإلمام ال يمكن أنينصبه إال الله تعالى واالختيار باطل وقد مضى ذلك، الثاني أنه يلزم من

نصبه العبث أو االغراء بالجهل وكالهما قبيح وكل ما لزم منه القبيح فهو قبيحفيكون نصب اإلمام قبيحا والقبيح خطأ ال يجوز اتباعه فال يجوز االقرار

باإلمام وال اتباعه وهو خالف االجماع، الثالث يكون نسبة المفسدة الحاصلةوالقبيح الحاصل من اإلمام والمصلحة الحاصلة منه ممكنين متساويين فيستحيل

ترجيح أحدهما بال مرجح وإال لزم ترجيح الممكن المتساوي الطرفين ال لمرجحفال يجوز نصبه، الرابع على التنزل لو سلمنا أنه على االختيار يلزم المحال

أيضا ألنه أما أن يعرفه االجماع أوال فإن كان األول استحال منهم العبث أواالغراء بالجهل ألنه باطل وإجماع األمة على الباطل أو على ما يلزم منه تحققالباطل محال وإن لم يعرفه االجماع لزم نقض الغرض في وضعه إذ لو لم يعرفه

االجماع لجاز من بعض الناس ويلزم منه وقوع االختالف والهرج والمرجواختالل النوع فيلزم إخالل ما وقع منه هذا خلف وألنه يلزم من وجوب

(٤٣٨)

Page 438: Kitab Al-Alfain Arabic

اتباع اإلمامين لو افترقت األمة فرقتين مضادتين على شخصين متساويينمتفاوتي األقوال واآلراء لزوم اجتماع الضدين وترجيح أحدهما ترجيح بال

مرجح وعدم وجوب أحدهما مع عدم غيرهما إخالء الزمان من إمام وخرقاالجماع والكل باطل.

الثامن والثمانون: قوله تعالى: (إن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه)اآلية، وجه االستدالل أنه جعل طريق الصواب والنجاة في جميع األحكامالشرعية والعقلية واحدا مستقيما وذكر أن في االختالف ضالال عن ذلكالطريق وحذر منه ألن قوله فتفرق بكم عن سبيله في معرض التحذير من

اتباع غير ذلك الطريق المستقيم وذلك يحتاج إلى تحصيله علما وعمال واليحصل إال من النبي وبعده من اإلمام المعصوم فيجب أن يكون اإلمام

معصوما.التاسع والثمانون: قوله تعالى في هذه اآلية: (لعلكم تتقون) فيه

أشياء:األول: تحريض تام على التقوى.

الثاني: داللة على أنها إنما تحصل من هذا الطريق المستقيم المعلومبالضرورة.

الثالث: إن التقوى هي االحتراز عن جميع ما يخالف هذا الطريقويحصل العلم بالمباحات. والواجبات والمنهيات وبالجملة بالصواب في كل باب

واالحتراز عما يظن أنه ضالل وال يتم ذلك إال من النبي أو اإلمام المعصومفيجب المعصوم.

التسعون: قوله تعالى: (ثم آتينا موسى الكتب تماما على الذيأحسن وتفصيال لكل شئ وهدى ورحمة) اآلية، وجه االستدالل أن نقول

القرآن الكريم أكمل من التوراة وهي قد فصلت كل شئ من األحكاموطريق الصواب وهدى للعباد ورحمة لهم في المعاش والمعاد ورحمة للذين

خوطبوا بها وكلفوا فيجب أن يكون القرآن كذلك وأزيد وال يعلم ذلك في كل

(٤٣٩)

Page 439: Kitab Al-Alfain Arabic

حكم منه بالنص إال من طريق العلم وهو النبي أو اإلمام المعصومبالضرورة فيجب اإلمام المعصوم فيمتنع أن يكون اإلمام غير معصوم.الحادي والتسعون: قال الله تعالى: (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه

واتقوا لعلكم ترحمون) وجه االستدالل أنه حصر الرحمة في اتباع هذاالكتاب فيلزم أن ينحصر فيه الصواب فال يؤخذ األحكام إال منه أو من سنة

النبي صلى الله عليه وآله وكل ما فيها وقد نطق القرآن بوجوب اتباعه وال يجوزذلك ويجب التقوى فيجب تحصيل العلم فيه وال يعلم إال بالنبي أو اإلمام

فإنهما المبينان لألحكام يقينا فيجب النبي أو اإلمام المعصوم وهو المطلوب.الثاني والتسعون: قوله تعالى في هذه اآلية: (واتقوا لعلكم ترحمون)

أمر بالتقوى عقيب األمر باتباع هذا الكتاب فهو تحريض على عدم تجويز اتباعغيره وال يمكن ذلك إال بالمعصوم وليس إال النبي أو اإلمام.الثالث والتسعون: قوله تعالى (قل إنني هداني ربي إلى صراط

مستقيم دينا قيما) وجه االستدالل أنه ذكر الطريق الذي جعله وأهداه وأوحاهالله إليه وهو الذي يهدي إليه األمة وهو مستقيم ال عوج فيه فهو واحد وال

تناقض في أحكامه وال اختالف واإلمام إنما جعل ليهدي الناس إليها ويحملهمعليها ويلزمهم بها وال يتم ذلك إال من المعصوم فيجب عصمة اإلمام.

الرابع والتسعون: قوله تعالى: (ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بماكنتم فيه تختلفون) وجه االستدالل أنه حذر عن االختالف وال يندفع إال

باإلمام المعصوم فيجب.الخامس والتسعون: قوله تعالى: (قال أخرج منها مذموما مدحورا

لمن تبعك منهم ألمألن جهنم منكم أجمعين) وجه االستدالل أن إرسال النبيونصب اإلمام يحصل به االجتناب عن اتباع الشيطان في كل األحوال وفي كل

األقوال واألفعال والتروك وذلك ال يمكن إال مع عصمة النبي واإلمامفتجب.

السادس والتسعون: قوله تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم

(٤٤٠)

Page 440: Kitab Al-Alfain Arabic

وال تتبعوا من دونه أولياء) اآلية، وجه االستدالل أنه أمر باتباع ما أنزلالله ونهي عن اتباع غير ما أنزل الله وذلك عام في كل األحكام وفي كل

األشخاص والنبي إنما أرسل لتبليغ ذلك الذي أنزل الله ويجب في الحكمةإرساله وإال لزم تكليف الغافل وهو محال ودعاء الناس إليه وحملهم على العمل

به وبعد النبي نصب اإلمام لذلك وإنما يتوفر الدواعي إلى اتباعه إذا علم منهذلك وإنما يحصل لهم العلم إذا كان معصوما فال تتم فائدته إال بعصمته

فتجب وإال لزم العبث بنصبه والفرق بين اإلمام والنبي أن النبي مبلغ عن اللهتعالى واإلمام مبلغ عن النبي.

السابع والتسعون: قوله تعالى: (والوزن يومئذ الحق) اآلية، وجهاالستدالل أن الحق ما نطق به الكتاب العزيز لما تقدم مرارا وإن الذي يوزنويثبت من األعمال الحق فيلزم أن يكون الموزون هو العمل الذي حكم به

القرآن الكريم وإنما يعلم ذلك من إمام معصوم وهو ظاهر فيجب وهوالمطلوب.

الثامن والتسعون: كل غير معصوم قد يتبع الشيطان وال شئ ممن يتبعالشيطان بإمام بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام أما الصغرىفألنه لو لم يتبع الشيطان في وقت ما أصال كان معصوما وقد فرض غير

معصوم هذا خلف وأما الكبرى فلقوله تعالى قال أخرج منها مذموما مدحورالمن تبعك منهم ألمألن جهنم منكم أجمعين دل هذا الخطاب العظيم والنص

الكريم على أن من يتبع الشيطان مطلقا سواء كان دائما أو في وقت واحد فيعمل واحد يستحق دخول جهنم ومن يستحق دخول جهنم بعمل ال يجوز أن

يتبع في كل عمله وقوله وفعله وإال لكان إماما من أئمة النار فيهلك باتباعهوال يمكن أن يتبع أصال وإال فال فائدة في نصبه أو في البعض منه فيلزم منه

محاالن أحدهما إفحامه والثاني يلزم عدم اتباعه مطلقا بل فيما يعلم صوابه إمامن اجتهاده أو من غيره فال فائدة في نصبه.

التاسع والتسعون: قوله تعالى: (ورحمتي وسعت كل شئ فسأكتبهاللذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول

(٤٤١)

Page 441: Kitab Al-Alfain Arabic

النبي األمي) اآلية وجه االستدالل أن الرحمة أوجبها الله تعالى للذين يتقونوغير المعصوم بالفعل ال يجب وال يوجب الله له الرحمة ألنه فاعل الذنب فهو

مستحق للعقاب فال تجب رحمته فال شئ من غير المعصوم بمتق اإلمام إنمانصب للدعوة إلى التقوى والحمل عليها فال يمكن أن يكون متق فال يمكن أن

يكون غير معصوم.المائة: المتقون هم المتبعون للنبي األمي بحكم هذه اآلية فإنه تعالى

عرفهم بذلك والمعرف مساو للمعرف فيكون المتقي والمتبع للرسول في كلأقواله وأفعاله وتروكه متساويين وهو ظاهر ضروري وغير المعصوم غير متبعللرسول كذلك واإلمام إنما نصب لهداية الناس إلى اتباع الرسول في جميعأقواله وأفعاله وتروكه وأن ال يخرجوا بفعل لهم وال ترك وال قول عن شريعة

النبي بما ينافيها وحملهم على ذلك ومن غير المعصوم ال يتصور ذلك فال شئمن غير المعصوم بإمام.

(٤٤٢)

Page 442: Kitab Al-Alfain Arabic

بسم الله الرحمن الرحيمالدليل األول: بعد األلف من األلف الثانية من األدلة الدالة على

وجوب عصمة اإلمام عليه السالم قال الله تعالى: (يأمرهم بالمعروفوينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم

إصرهم واألغالل التي كانت عليهم) اآلية، وجه االستدالل أنه لما بينوجوب اتباع النبي وأن التقوى والنجاة ال تحصل إال باتباعه بين بعده بالفصل أنه ماذا يصنع بهم الرسول الذي أمروا باتباعه حتى يحصل له ذلك

المقام وهو التقوى ووجوب الرحمة فذكر مراتب.األولى: أنه يأمرهم بالمعروف وهو كل فعل حسن له وصف زائد على

حسنه عرف فاعلة ذلك أو دل عليه وذلك يستلزم شيئين أحدهما إعالمهمبالمعروف، وثانيهما أمرهم به وحملهم عليه وهو يشتمل كل الواجبات يعلمهم

بها وجوبا ويأمرهم بها وجوبا عليه وعليهم وجوب الفعل وكل المندوباتيعلمهم بها وجوبا عليه ويأمرهم بها على سبيل أمر ندب ليكون (فيكون)

فعلها عليهم مندوبا ويدخل في ذلك ترك المكروهات فإنه راجح فجاز إطالقالمعروف عليه.

الثانية: النهي عن المنكر بأن ينهاهم عن كل المنكرات وهو يشتمل علىشيئين أحدهما إعالمه إياهم بذلك، وثانيهما نهيهم عنها وردعهم عنها

وجوبا.الثالثة: يحل لهم الطيبات وهذه إشارة إلى اإلذن في المباحات وهو يشتمل

(٤٤٣)

Page 443: Kitab Al-Alfain Arabic

على شيئين أحدهما إعالمهم به، وثانيهما إباحته لهم.الرابعة: إعالمهم بالخبائث كالسموم والنبات وما يحرم عليهم من

المآكل والمشارب والمالبس الخبيثة.الخامسة: أن يضع عنهم إصرهم واألغالل ومعناه أن يخرجهم من

المناقض واألخالق الذميمة والقوى الشهوية والغضبية إلى القوى الروحانيةواإلمام يفعل ذلك باألمة بعد النبي فال بد أن يكون بمنزلته في ذلك ويفعل

فعله فال بد وأن يكون قد حصلت له هذه المراتب من النبي وإال لكان مساوياللرعية في احتياجه إلى مكمل يعمل معه ذلك فترجيحه عليهم ترجيح بال

مرجح فليس حصول ذلك لهم منه وال من حصوله من أنفسهم فيكونمعصوما وغير المعصوم ال يحصل منه ذلك وإال كان معصوما فإنا ال نعني

بالمعصوم إال من هو على هذه الطريقة فيجب عصمة اإلمام وهو المطلوب.الثاني: قال الله تعالى: (فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا

النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) وجه االستدالل أن اإلمام إنمانصب لدعاء األمة إلى هذه األشياء إلى اتباع النور الذي أنزل معه فال يكون

فيه اختالف ألنه طريق واحد وغير المعصوم ال يصح منه ذلك وال يعلمحصوله فتنتفي فائدة نصب اإلمام فيجب عصمته.

الثالث: قوله تعالى: (وكتبنا له في األلواح من كل شئ موعظةتفصيال لكل شئ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها سأوريكم دارالفاسقين) وجه االستدالل أن القرآن أعظم من التوراة فيلزم أن يكون فيهكل شئ مفصال والسنة واإلجماع بيان له وتفصيل األحكام والنبي أرسل

إلبالغه وبيانه وحمل الناس على العمل به وتعليمهم إياه وال يحصل االعتمادالتام إال مع عصمته فيلزم أن يكون معصوما واإلمام قائم مقامه في ذلك

ويحصل منه بعد النبي من هو بعد النبي ما حصل من النبي لمن هو في زمانهفال يحصل الوثوق به إال مع عصمته وعلمه بكل الشرائع وإال لم يتم فائدته.

الرابع: قال الله تعالى: (قل اتبع ما يوحى إلي) اآلية دل ذلك على

(٤٤٤)

Page 444: Kitab Al-Alfain Arabic

أن النبي إنما يتبع الوحي اإللهي وال يجوز له غير ذلك ألن (إنما) للحصروالناس مخاطبون بذلك وأنه إنما يأمر الناس ويهديهم إلى ما أوحاه الله تعالى من

األحكام ال غير وإليه أشار بقوله: (هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمةلقوم يؤمنون) واإلمام قائم مقام النبي صلى الله عليه وآله في ذلك وال يجوز أن يتبع

الناس إال لنص من النبي أو اإلمام عليهما السالم فيما فيه إجمال وما هو نصصريح وسلم يبلغه ويحمل الناس عليه وال يشارك باجتهاد مجتهد وال برأي والغيره فال بد وأن يوثق به ويحصل اليقين أنه ال يخلي شيئا منه وال يأمر بغيره وال

يحصل ذلك إال بعد العلم بأنه معصوم فكذا اإلمام فيجب عصمته فإنه لوالعصمته لم يحصل للمكلف الوثوق به وال العلم بقوله فيعذر في عدم اتباعه

لداللة القرآن في عدة مواضع إنه تعالى ال يعذب العاصي إال بعد إعالمهبالبينات والبراهين.

الخامس: قوله تعالى: (قل إنما أتبع ما يوحى إلي) اآلية، ذكرذلك حجة عليهم على وجوب اتباعه ألنه إنما يتبع ما يوحى إليه من ربه وفيه

بصائر من الله وهدى ورحمة وذلك موقوف على أنه ال يصدر منه ضد ذلك واليتم إال بعصمته وهذا بعينه قائم في اإلمام ألنه قائم مقامه فيجب عصمته.

السادس: قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله والتولوا عنه وأنتم تسمعون) نهى عن التولي مع السماع والمراد به سماعهم لما

يفيدهم العلم وال يحصل ذلك إال مع عصمته ألن خبر الفاسق نهى الله عناتباعه بمجرد سماعه لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ

فتبينوا) فكل من أمكن أن يكون فاسقا ال يحصل من خبره العلم فيكونمنهيا عن التولي عنه فال فائدة في نصبه واإلمام قائم مقام النبي فيما هو ألجله

فيجب عصمته ليحصل العلم به بقوله فيحرم التولي عنه وإال لم يحرم.السابع: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ال تخونوا الله والرسول

وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) إنما جعل الخيانة مع العلم فال بد وأنينصب طريقا إلى العلم وذلك الطريق هو النبي فيكون قوله يفيد العلم وإنما

يكون بعصمته فيجب عصمته ليتم فائدة بعثته وكذا اإلمام ألنه نصب

(٤٤٥)

Page 445: Kitab Al-Alfain Arabic

ليحصل منه ما يحصل من النبي.الثامن: قال الله تعالى: (وقتلوهم حتى ال تكون فتنة ويكون الدين

كله لله فإن انتهوا فإن الله بما تعملون بصير) وجه االستدالل أنه تعالى طلبمن عباده أن ال تكون فتنة في جميع األزمان ألن قوله حتى ال تكون فتنة دل

على أن المراد في كل األوقات فنقول أحد أمور ثالثة الزم أما أن ال يكون إماموأما أن يكون اإلمام بنصب الله ونص الرسول أو يكون فتنة فإن الضرورةقاضية بأنه إذا نصب اإلمام غير الله تعالى بل يكون مفوضا إلى الخلق معاختالف دواعيهم وآرائهم وأهوائهم وال يتفقون على إمام واحد تقع الفتنة

وعدم اإلمام تقع منه الفتنة فيجب أن يكون بنصب الله تعالى فأما أن يكونمعصوما أو ال والثاني باطل ألن نصب غير المعصوم تختلف فيه اآلراء وال

يحصل الوثوق بقوله وألنه يمكن لزوم االغراء بالجهل من نصبه وهو من اللهتعالى محال وإمكان المحال محال فمحال أن يكون غير معصوم وهو المطلوب.

التاسع: كل غير معصوم مخالفة معذور وال شئ من اإلمام مخالفةمعذور بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة أو دائما أما

الصغرى فألن غير المعصوم قوله غير مفيد للعلم لجواز الخطأ وتعمد الكذبعليه وكل من كان كذلك فقوله غير مفيد للعلم والمقدمتان بديهيتان وكل منقوله ال يفيد العلم فمخالفة معذور ألن الله تعالى ال يعاقب من لم يعلم الحكملقوله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كالم الله

ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم ال يعلمون) علل عدم معاقبتهم وقتلهم بعدمعلمهم وطلبهم للعلم بما يفيده وهو كالم الله تعالى واإلمام إذا كان غير معصوم

فكالمه ال يفيد العلم وال هو مظنته وأما الكبرى فالنفتاء فائدة نصبه حينئذ.العاشر: غير المعصوم بالفعل ظالم بالفعل وال شئ من الظالم بالفعل

بهاد بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بهاد بالضرورة، أما الصغرى فألنالقرآن الكريم نطق في عدة مواضع أن مرتكب الذنب ظالم لنفسه فإن كان

الذنب بظلم الغير فال كالم في أنه ظالم قطعا للغير ولنفسه وأما الكبرى فلقولهتعالى والله ال يهدي القوم الظالمين ومن لم يهده الله ال يصلح أن يجعله الله

(٤٤٦)

Page 446: Kitab Al-Alfain Arabic

هاديا بالضرورة فثبت قولنا ال شئ من غير المعصوم بهاد بالضرورة فثبت قولناال شئ من غير المعصوم بهاد بالضرورة فنجعلها صغرى لقولنا كل إمام هاديا

بالضرورة فثبت قولنا ال شئ من غير المعصوم بهاد بالضرورة فنجعلهاصغرى لقولنا كل إمام هاد بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بهاد

بالضرورة هذا غير المعصوم بالفعل، وأما غير واجب العصمة أي غير معصومباالمكان الخاص.

فنقول: كل غير معصوم باالمكان ظالم باالمكان وال شئ من اإلمامبظالم بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم باالمكان بإمام بالضرورة

فيجب عصمة اإلمام والصغرى بديهية والكبرى بمقتضى اآلية فإن كل إماميهديه الله بالضرورة ألن نصب الله تعالى إماما للهداية وليس بمهتد يلزم منه

أحد األمرين وهو إما الجهل واالغراء به أو نقض الغرض والالزم بقسميهباطل وبالجملة فجعل من هو غير مهتد هاديا قبيح بالضرورة.

الحادي عشر: الله جلت عظمته وتقدست أسماؤه مع اإلمام بالضرورةفال شئ من غير المعصوم الله معه باالمكان فال شئ من اإلمام بغير معصوم

فيلزم أن يكون اإلمام معصوما لوجود الموضوع أما الصغرى فألن اإلمام متقبالضرورة ألنه يدعو الناس إلى التقوى ويحملهم عليها ويحرضهم على مالزمتها

ومن لم يكن متقيا ال يصلح لذلك قطعا فاإلمام متق وكل متق معه الله تعالىلقوله تعالى: (إن الله مع المتقين) وأما الكبرى فظاهرة أن معنى كونه معه

نصرته إياه ورضاه عنه وهدايته إياه وكتبه النجاة له.الثاني عشر: قال الله تعالى: (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء

بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصالة ويؤتون الزكاةويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) اإلمام يدعوالناس إلى األفعال ويعلمهم إياها ويلزمهم بها في كل األزمان وكل األحكام

وفي كل الوقائع فهذه فائدة نصيب اإلمام فأما أن يكون هو كذلك أوال والثانيمحال ألن نصبه ينافي الحكمة وألن الطباع مجبولة على أن الشخص يجب أنيكون أكمل من غيره مع االمكان فلو لم يكن اإلمام بهذه الصفات لما أحبها

(٤٤٧)

Page 447: Kitab Al-Alfain Arabic

لغيره وبالجملة فهذا ظاهر فنقول: كل إمام متصف بهذه الصفات بالضرورةوال شئ من غير المعصوم متصف بهذه الصفات باالمكان فال شئ من

اإلمام غير معصوم وهو المطلوب والصغرى قد بيناها هنا على أنها من بابفطري القياس والكبرى ظاهرة ألن كل من لم يكن واجب العصمة يمكن أن

ال يجتمع فيه هذه الصفات في كل األوقات في كل األحكام في كل الوقائع بليحكم في بعض األوقات ببعضها أو في بعض األحكام أو في بعض الوقائع

وهذا ضروري.الثالث عشر: قال الله تعالى: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري

من تحتها األنهار خالدين فيها ومسكن طيبة في جنات عدن رضوان من الله أكبرذلك هو الفوز العظيم) وجه االستدالل أن الله تعالى بين أوال المؤمنين

وصفاتهم وأفعالهم ثم بين غاياتهم الحاصلة من أفعالهم واإلمام يدعو الناسويلزمهم بتلك األفعال ليوصلهم إلى تلك الغايات فكل إمام يفعل كل ذلك

ويأمر به ويرشد إليه في كل األوقات في كل األحكام بالضرورة وإال النتفتالغاية من نصبه وال شئ من غير المعصوم يفعل بعض ذلك باالمكان ينتج ال

شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة وهو المطلوب.الرابع عشر: قال الله تعالى: (فإن الله ال يرضى عن القوم

الفاسقين) كل إمام الله يرضى عنه بالضرورة وال شئ من الفاسق يرضىالله عنه ما دام فاسقا ينتج ال شئ من اإلمام بفاسق بالضرورة أما الصغرى

فألن اإلمام يرشد الناس إلى ما يرضي الله عنهم به ويحصل مرتبة الرضا وكلمن ليس له هذه المرتبة ال يحسن من الحكيم نصبه لدعاء الناس إلى طريقة

الرضوان وباتباعه يحصل لهم هذه المرتبة قطعا فال يمكن أن ينصب الله تعالىمن لم يرض الله عنه لفسقه ليحصل لغيره من اتباعه رضوان الله وألن اإلمام

إما هاد دائما أو مضل دائما أو يضل في وقت وهاد في وقت أو مضل في بعضاألوقات وهاد في بعض األوقات والثاني محال وإال الستحال نصبه، والثالثمحال ألنه يعذر المكلف في ترك اتباعه ألن كل وقت يفرض فإنه ال يأمن إاليكون مضال فيه، والرابع أيضا محال وأال لخال وقت عن اللطف وهو محال

(٤٤٨)

Page 448: Kitab Al-Alfain Arabic

فتعين األول وأما الكبرى فلهذه اآلية فنجعل هذه النتيجة كبرى لقولنا كل غيرمعصوم فاسق باالمكان هكذا كل غير واجب العصمة فاسق باالمكان وال

شئ من اإلمام بفاسق بالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمامبالضرورة وهو المطلوب.

الخامس عشر: قال الله تعالى: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباأو كذب بآياته إنه ال يفلح الظالمون) كل غير معصوم يمكن أن يكون كذلك

وال شئ من اإلمام يكون كذلك بالضرورة فال شئ من غير المعصوم بإمامبالضرورة وهو المطلوب والمقدمتان ظاهرتان.

السادس عشر: كل غير معصوم يمكن أن يكون منافقا وال شئ مناإلمام بمنافق بالضرورة أما الصغرى فظاهرة ألن اللفظ والفعل (العقل) ال

يدالن على نفي المنافقة قطعا بل ظنا لقوله تعالى: (ومن حولكم مناألعراب منفقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ال تعلمهم نحن نعلمهم

سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) فإذا كان النبي عليه السالم اليعلمهم وإنما يعلمهم الله ال غير مع إقرارهم عند النبي صلى الله عليه وآله

باالسالم فيكف يعلمهم غيره وأما الكبرى فظاهرة.السابع عشر: قال الله تعالى: (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء

نفسي إن اتبع إال ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم)دلت هذه العبارة على انحصار قوله وفعله وتركه وتقريره فيما يوحي الله إليهوذلك واجب في األحكام الشرعية قطعا واإلمام عليه السالم يجب أن يكونكذلك ألنه قائم مقامه وألنه تعالى ساوى بين طاعته وطاعة الرسول وطاعة

اإلمام في قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي األمر منكم)فتنتفي الفائدة من نصبه وغير المعصوم ال يعلم منه ذلك والظن ال يقوم مقامه

والقرآن دال على ذلك.الثامن عشر: اإلمام تبع للوحي كالنبي بالضرورة وال شئ من غير

المعصوم كذلك باالمكان فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة.

(٤٤٩)

Page 449: Kitab Al-Alfain Arabic

التاسع عشر: قال الله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكمورسوله والمؤمنون) المراد بقوله والمؤمنون بعض المؤمنين فال بد وأن يكون

نظر هذا البعض مساويا لنظر الرسول فيكون معصوما ألن غير المعصوم اليساوي نظره لنظر النبي عليه السالم فهذا البعض إما أن يكون هو اإلمام أو

غيره والثاني محال ألن اإلمام أعلى مرتبة من الكل فتعين أن يكون هو اإلماموهو المطلوب.

العشرون: قال الله تعالى: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لماظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا) اعلم أن هذه اآلية تدل

على أن االهالك للفاسقين بذنوبهم إنما هو بعد أن تجيئهم البينات - أي األمورالمفيدة للعلم والرسل إنما يركبون الحجة بعد تبليغ ما يفيد العلم وهذا عام في

كل األزمان وإال لمنعت بعض األمة من اللطف هذا خلف ومع عدم إماممعصوم ال يحصل ما يفيد العلم ألن ظواهر القرآن واألحاديث ال تفيد العلم

فال بد من إمام معصوم في كل األوقات وهو المطلوب.الحادي والعشرون: قال الله تعالى: (والله يدعو إلى دار السالم

ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) اعلم أن دعاء الله بالوحي إلى النبيويهديه والنبي يفيد اإلمام ويعلمه ويهديه إلى صراط مستقيم واإلمام يهدياألمة إلى صراط مستقيم وغير المعصوم ال يعلم أنه يدعو إلى ذلك فيحصل

نقض الغرض من نصبه فيستحيل أن يكون اإلمام غير معصوم هذا خلف.الثاني والعشرون: قوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وال

يرهق وجوههم قتر وال ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون) كل إمامداع إلى ذلك بالضرورة وال شئ من غير المعصوم بداع إلى ذلك باالمكان

فال شئ من اإلمام بغير معصوم وهو المطلوب.الثالث والعشرون: إنما يجب اتباع اإلمام إذا علم أنه يدعو إلى ذلك

وال شئ من غير المعصوم يعلم منه أنه يدعو إلى ذلك فال يصلح أن يكوناإلمام غير معصوم.

(٤٥٠)

Page 450: Kitab Al-Alfain Arabic

الرابع والعشرون: قال الله تعالى: (فإن الله ال يرضى عن القومالفاسقين) إنما نصب اإلمام ليرشد الناس إلى رضاء الله تعالى عنهم وإلى

األعمال التي تقتضي ذلك وإنما يتم ذلك باتباعه وكونه على تلك الصفة ألناتباعه في قوله وفعله وتركه وتقريره كالنبي عليه السالم إذا تقرر ذلك فنقول

كل غير معصوم ال يرضى الله عنه باالمكان وكل إمام يرضى الله عنهبالضرورة ينتج ال شئ من غير المعصوم بإمام بالضرورة.

الخامس والعشرون: قال الله تعالى: (ومن األعراب من يؤمن باللهواليوم اآلخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول إال إنها قربة

لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم) اإلمام يدعو إلى ذلك ليصلالمكلف الذي يطيعه ويتبع أمره ونهيه وفعله وتركه إلى هذه المرتبة فاإلمام يدعو

إلى هذه المرتبة بالضرورة وال شئ من غير المعصوم يدعو إلى هذه المرتبةباالمكان فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة، أما الصغرى فألن

هذه فائدة نصب اإلمام فإن الله تعالى رغب العباد إلى هذه المرتبة وذكر ذلكترغيبا للعباد إليه واإلمام مكمل لألمة بحسب قبول استعدادهم للكمال فلو لم

يدع إلى هذه المرتبة انتفت الفائدة من نصبه وأما الكبرى فظاهرة.السادس والعشرون: قال الله تعالى: (والسابقون األولون من

المهاجرين واألنصار والذين اتبعوهم بأحسن رضي الله عنهم ورضوا عنهوأعد لهم جنات تجري من تحتها األنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم)

هذه صفة كمال والله تعالى ذكرها للترغيب إليها واإلمام يحمل العباد عليهاويبينها لهم وكل إمام يدعو إلى هذه المرتبة بالضرورة وال شئ من غير المعصوم

يدعو إلى هذه باالمكان فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة وهوالمطلوب.

السابع والعشرون: قال الله تعالى: (وممن حولكم من األعرابمنفقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ال تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم

مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) اإلمام يحذر الناس عن هذه الطريقة

(٤٥١)

Page 451: Kitab Al-Alfain Arabic

ويمنعهم عنها ويعرفهم ما فيها من المحذور ويؤدبهم لو ارتكبوا بعضها وإالالنتفت فائدة نصبه، فنقول اإلمام يمنع ذلك لمن يطيعه ويردعهم عنها

بالضرورة وال شئ من غير المعصوم يفعل ذلك باالمكان فال شئ من اإلمامغير المعصوم يفعل ذلك باالمكان فال شئ من اإلمام غير معصوم

بالضرورة.الثامن والعشرون: ال شئ من اإلمام يدعو إلى شئ من هذه الطريقة

ألن هذه الطريقة موصوفة بالقبح بالضرورة وكل غير معصوم داع إلى شئمنها باالمكان ينتج ال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة.التاسع والعشرون: قال الله تعالى: (وآخرون اعترفوا بذنوبهم

خلطوا عمال صلحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفوررحيم) اإلمام يميز لرعيته بين األشياء القبيحة من هذه الطريقة واألشياء

الحسنة فيدعو الرعية إلى األشياء الحسنة من هذه الطريقة بالضرورة وال شئمن غير المعصوم يعمل ذلك باالمكان فال شئ من اإلمام غير معصوم

بالضرورة.الثالثون: قال الله تعالى: (وآخرون مرجون ألمر الله إما يعذبهم

وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم) اإلمام عليه السالم نصب ليعرفهم مايحترزون به من العذاب وما يحصلون به التوبة وطريق النجاة بالضرورة والشئ من غير المعصوم يفعل ذلك باالمكان فال شئ من اإلمام بغير معصوم

بالضرورة.الحادي والثالثون: اإلمام ال يدعو إلى ما يعذبهم وال يحذرهم عن

الطريق الصواب وال يعد لهم عنه بالضرورة وال يشبهها عليهم بالضرورة وكلغير معصوم يفعل ذلك باالمكان فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة

وهو المطلوب.الثاني والثالثون: قال الله تعالى: (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا

وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن

(٤٥٢)

Page 452: Kitab Al-Alfain Arabic

إن أردنا إال الحسنى والله يشهد أنهم لكاذبون ال تقم فيه أبدا) ال شئ مناإلمام كذلك بالضرورة وكل غير معصوم كذلك باالمكان فال شئ من اإلمام

بغير معصوم بالضرورة وهو المطلوب.الثالث والثالثون: ال شئ من اإلمام يدعو الناس إلى ذلك بالضرورة

وكل غير معصوم يمكن أن يدعو الناس إلى ذلك فال شئ من غير اإلمامبمعصوم بالضرورة.

الرابع والثالثون: قال الله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنينأنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداعليه حقا في التوراة واإلنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا

ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) وجه االستدالل أنه ال بدمن شخص يقاتلون معه على الحق فهو إما النبي صلى الله عليه وآله خاصة أو

النبي ومن يقوم مقامه عند وفاته واألول محال ألنه يستلزم انقطاع هذه الفضيلةبعده وهو محال ألن الله تعالى لطفه عام وهذا أعظم الشرائف والفضائل فاليسد باب هذا اللطف فتعين الثاني وهو اإلمام ألنا ال نعني باإلمام إال ذلك،فنقول كل إمام يدعو إلى ذلك ويعرفهم هذا الطريق بالضرورة وال شئ من

غير المعصوم يدعو إلى ذلك باالمكان فال شئ من اإلمام غير معصومبالضرورة.

الخامس والثالثون: ال شئ من اإلمام يضاد فعله أو قوله أو نهيه أوامرهبالضرورة وكل غير معصوم يضاد فعله أو قوله أو نهيه أوامره ذلك بالضرورة

فال شئ من اإلمام غير معصوم بالضرورة.السادس والثالثون: قال الله تعالى: (التائبون العابدون الحامدون

السائحون الراكعون الساجدون اآلمرون بالمعروف والناهون عن المنكروالحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) كل إمام كذلك بالضرورة وال شئمن غير المعصوم كذلك باالمكان فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة

وهو المطلوب.

(٤٥٣)

Page 453: Kitab Al-Alfain Arabic

السابع والثالثون: كل إمام يرشد ويدعو إلى ذلك بالضرورة وال شئ منغير المعصوم يرشد ويدعو إلى ذلك بالضرورة فال شئ من اإلمام غير معصوم

بالضرورة.الثامن والثالثون: قال الله تعالى: (وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم

صدق عند ربهم).اإلمام يرشد الناس إلى ضرورتهم من هؤالء ويدعوهم إلى ذلك ويحملهمعليه بالضرورة ألنه مكمل لمن اتبعه وال شئ من غير المعصوم يفعل ذلك

باالمكان فال شئ من اإلمام بغير معصوم بالضرورة وهو المطلوب.فهذا آخر ما أردنا إيراده في هذا الكتاب، من األدلة الدالة على وجوب

عصمة اإلمام عليه السالم وهي ألف وثمانية وثالثون دليال وهو بعض األدلةفإن األدلة على ذلك ال تحصى وهي براهين قاطعة، لكن اقتصرنا على ألفدليل لقصور الهمم عن التطويل، وذلك في غرة رمضان المبارك سنة اثنتي

عشر وسبعمائة.

(٤٥٤)