bayt_alshier_5

Upload: cmc-mags

Post on 03-Mar-2016

218 views

Category:

Documents


0 download

DESCRIPTION

bayt_alshier_5

TRANSCRIPT

Page 1: bayt_alshier_5
Page 2: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( تشرين األول/أكتوبر/2012

يود

سعامل

ن س

حة:

فيرو

ح

له ال

قرز

يل عد

ن فنا

ال

Page 3: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 3

رئيس التحرير

حبيب الصايغ

مدير التحرير

بشير البكر

سكرتري التحرير

عبد اهلل أبو بكر

التحريرجهاد هديب

رنا زيد

املدير الفني

فواز ناظم

االخراج والتنفيذناصر بخيت

املراسلونبيروت- فيديل سبيتي

الرباط- حكيم عنكرباريس- محمد المزديوي

القاهرة- حمزة قناويروما- حذام الودغيري

صنعاء- أحمد السالمي

الهيئة االستشاريةعلي جعفر العالق

عارف الخاجةنوري الجراح

سالم أبوجمهورحسن نجمي

علي الشعالي

ها هو العدد الخامس من مجلة »بيت الشعر« التي تصدر عن بيت الشعر يف

ابوظبي - نادي تراث اإلمارات. ومن دون ادعاء او شعور بالغرور الكاذب نستطيع

القول ان هذه املجلة بدأت تحلق عاليا واننا كسبنا الرهان الذي وضعناه نصب

اعيننا ونحن نعد الصدار هذه املطبوعة العربية املتخصصة بالشعر وجاملياته

وهوامشه. لقد احتلت »بيت الشعر« برسعة قياسية مكانها بني الدوريات املرموقة

عىل صعيد العامل العريب، وصارت منترشة يف اكرث من عرشة بلدان عربية واجنبية،

وبات لها جمهورها الذي ينتظرها يف نهاية كل شهر. وعلينا ان نعرتف ان هذه

االنطالقة الرسيعة ما كان لها ان تتحقق خالل أقل من نصف سنة لوال الدعم الذي

وفره لها سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة،

ونحن اذ نقدر حرصه الكبري عىل صدور هذه املجلة عىل نحو راق يف املضمون

والشكل، فإننا نثمن عاليا جو الحرية الذي توفره ارض االمارات العربية املتحدة

للثقافة واالبداع.فال ابداع بال حرية، وال ثقافة من دون رؤية حضارية انسانية

شاملة.

أردنا العدد الخامس متخصصا يف الشعرية العراقية التي تعترب مبثابة العمود

الفقري للشعرية العربية منذ القدم. ونحن اذ نعود اىل العراق ارض الشعر األوىل

فليس من باب الوقوف عىل االطالل او اجراء جردة زمنية تاريخية، وامنا لتلمس

الشعر فينا، طاملا ظلت القصيدة أبا عن جد مقياس حرارة روحنا اإلنسانية

ومستودع حكمتنا وسجل تاريخنا.

نقف يف هذا العدد عند الريادة العراقية بني زمنني. من السياب ونازك املالئكة

وعبد الوهاب البيايت، مرورا برسكون بولص وفاضل العزاوي وحسب الشيخ جعفر

حتى يومنا، ونستعيد طرح األسئلة القدمية الجديدة حول مشارف القصيدة العربية

ومآالتها يف زمن تراجعت فيه شعبية الشعر يف الفضاء العام، وصارت القصيدة

مقصية شيئا فشيئا اىل الهامش. إال ان من عالمات قوة الروح العربية ان شعرنا

العريب ما يزال بخري، ومل يقدم استقالته إىل التاريخ او يتجمد ويتوقف عن التطور

وطرح االسئلة وارتياد آفاق جديدة. ونذهب اىل العراق يك نفحص نبض الشعر

والشعرية بعد أن نعى الكثريون الشعر واعتربوا انه توقف عند مرحلة معينة، وان

القصيدة الراهنة تدور يف حلقة مفرغة تعيش عىل إرث االجداد واآلباء وغري قادرة

عىل صياغة برنامجها الجاميل الخاص.

قد تشيخ االفكار واالشياء ولكن القصيدة تظل امتالء الشعراء بطفولة الدهشة،

وبالقدرة عىل اعادة الظواهر العابرة اىل ينبوع السؤال، ليك تكون لنا بوصلة واحدة،

بوصلة لتوازن الروح واألحوال. وحني نقول ان الشعر العريب ال يراوح يف املكان بل

يواكب زمانه بجدارة، فإننا ننظر حولنا إىل الشعر يف العامل، وهنا ال يخامرنا شك

يف ان النتاج الشعري العريب خالل نصف قرن مىض يقف يف مكان مرموق، عىل

صعيد النوع والكم، واكرث من ذلك ليس هناك من هو منشغل اكرث من العرب بحال

الشعر

املحرر

»بيت الشعر« تحلق عاليا

بيت الشعر العدد )5( تشرين األول/أكتوبر/2012

تصدر كل أول شهر عن بيت الشعر يف أبوظبي

نادي تراث اإلمارات

Page 4: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 4

املواد املنشورة تعرب عن رأي اصحابها وال تعرب بالرضورة عن رأي املجلة حقوق نرش الصور واملوضوعات الخاصة محفوظة للمجلة

18 ظبية خميس .. صوت العزلة والهدأة25 نصوص: محمد بنيس، عمر شبانة، آدم فتحي، حسب الشيخ جعفر، خزعل

املاجدي، هاشم شفيق، دنيا ميخائيل، رنا جعفر ياسني، مؤيد الراوي، باسم املرعبي

صالح حسن السيالوي، عيل محمود خضري، نضال برقان، أمينة ذيبان

49 رأي الناقد.. قراءة يف نصوص العدد الرابع51 ملف.. الشعرية العراقية بين زمنين

- شعرية الريادة، القصيدة بني منفيني، القصيدة والحرب، الشعراء الجدد، الشعراء

والفنون، الشعراء واملؤسسات

80 نجاة مكي في باريس 85 نظريا.. صبحي حديدي

86 حوار.. محمد إبراهيم أبو سنة91حائط أبيض.. نوري الجراح

نجاة مكي بين اللون والكلمة

80

الغالف:- الفنان العراقي ضياء العزاوي

- لوغو بيت الشعر للفنانة الرا قبطان

عناوين املجلة

االدارة والتحرير:

االمارات العربية املتحدة-ابوظبي

هاتف: 97124916333+

[email protected] :امييل

أبوظبي لإلعالم-توزيع

الرقم املجاين : 8002220

لالتصال من الخارج

+97124145000

فاكس : 24145050 [email protected]

مسؤول التوزيع: زياد النجار

ww

w.p

oetry

hous

e-ad

.ae

130أحمد راشد ثاني

صبي تحت الضوء

Page 5: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 5

96102148106

86

92 درويش وبركات.. الفلسطيني والكردي .. منفى يف اللغة96 عارف الخاجة.. واقعية سحرية

102 أدونيس حين يترجل 106 سركون بولص في سان فرانسيسكو

111 مختارات.. قصائد ثيسار باييخو122 في الشعر.. نونو جوديتس، يوسف عبد العزيز، عبد الله أبو بكر

130 أحمد راشد ثاني: صبي تحت الضوء134 رأي الشاعر .. القصيدة والربيع العريب

137 فن الشعر وبعض حواش إضافية143 تحقيق: املرأة الشاعرة يف األردن

147 حاشية.. حسن نجمي148 حجازي .. قراءة فلكية

152 قصيد األسالف: ابن عريب156 تجارب.. فروغ فرخ زاد

160 مركز سلطان بن زايد.. الحنني محركا لإلبداع161 أخبار البيت.. كاظم جهاد يف أبوظبي

المحتويات

سعر النسخة 10 السعودية العربية اململكة - دراهم 10 املتحدة: العربية اإلمارات

رياالت - الكويت دينار واحد - سلطنة عامن 800 بيسة - قطر 10 رياالت

- جنيهات 5 - مرص ريال 200 اليمن - واحد دينار البحرين مملكة -

اململكة - لرية 100 سورية - لرية 5000 لبنان - جنيها 250 السودان

- ديناران فلسطني - دينار 2500 العراق - ديناران الهاشمية األردنية

الجمهورية - دنانري 4 الليبية الجامهريية - درهام 20 املغربية اململكة

التونسية ديناران - بريطانيا 3 جنيهات - سويرسا 7 فرنكات - دول االتحاد

األورويب 4 يورو - الواليات املتحدة األمريكية وكندا 5 دوالرات.

االشتراكاتلألفراد داخل دولة اإلمارات: 100 درهم/ لألفراد من خارج الدولة: 150

درهام - للمؤسسات داخل الدولة: 150 درهام/ للمؤسسات خارج الدولة

200درهم.

محمد ابراهيم أبو سنة

القصيدة حاولتالتمهيد للثورة

Page 6: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 6

كتاب العدد

1. سامح كعوش• شاعر وناقد من فلسطني، يقيم يف االمارات.

أصدر ست مجموعات شعرية من بينها

»صباحات النسكافيه« 2012 عن دار الغاوون

،وله يف النقد عدة كتب منها »سرية غيم يهذي/

قراءة يف التجربة الشعرية لحبيب الصايغ«.

2. فخري صالح• ناقد وكاتب من األردن. يعمل يف الصحافة

الثقافية املحلية والعربية. كام صدر له أكرث من

سبعة عرش كتابا يف النقد تراوحت بني التأليف

والرتجمة.

3.مرمي حيدري • شاعرة ومرتجمة بني العربية والفارسية

4. إبراهيم أحمد ملحم• ناقد وأكادميي، صدر له العديد من الكتب

النقدية من بينها: بطولة الشاعر العريب القديم:

العاذلة إطارا، وجامليات األنا يف الخطاب

الشعري.

5. مهند صالحات• قاص ومخرج أفالم وثائقية، يقيم يف

ستوكهومل.

6. عبد الرحيم الخصار• شاعر وكاتب من املغرب. صدرت له عدة

وفي الشعر

20- محمد بنيس

21- عمر شبانة

22- آدم فتحي

23- حسب الشيخ جعفر

24- خزعل املاجدي

25- هاشم شفيق

26- دنيا ميخائيل

27- رنا جعفر ياسني

28- مؤيد الراوي

29- باسم املرعبي

30- صالح حسن السيالوي

31- عيل محمود خضري

32- نضال برقان

33- أمينة ذيبان

دواوين من بينها: أخريا وصل الشتاء،

أنظر وأكتفي بالنظر، ونريان صديقة.

7. وليد السويريك• شاعر ومرتجم من فلسطني، صدر

له: »أجنحة بيضاء لليأس« ويف

الرتجمة »طردت اسمك من بايل«،

وأساتذة اليأس - النزعة العدمية يف

األدب األورويب«

8. أحمد مياين• شاعر و مرتجم من مرص يقيم

يف اسبانيا، صدر له أربعة دواوين

شعرية.

9. بريهان الرتك• شاعرة من األردن، متارس العمل

الصحفي.

10. ياسني الزبيدي• أستاذ جامعي من العراق يقيم يف

أبوظبي. درس كواكب املجموعة

الشمسية وتأثريها عىل شخصية

اإلنسان.

11. خلدون عبد اللطيف• شاعر وكاتب من األردن صدر له

ديوان »بني املنزلتني«

12. عامر أحمد الشقريي• كاتب وقاص من األردن، صدر له

»القصاصون عىل سجيتهم«.

13. يوسف عبد العزيز• شاعر من فلسطني من دواوينه:

حيفا تطري إىل الشقيف، نشيد الحجر،

وطن يف املخيم، دفاتر الغيم، وذئب

األربعني.

14. جعفر العقييل• قاص وشاعر وإعالمي من األردن.

صدر له عدة كتب من بينها: »للنار

طقوس وللرماد طقوس أخرى«،

»ضيوف ثقال الظل«، »ربيع يف

عامن«.

15. مازن معروف• شاعر ومرتجم من فلسطني يقيم يف

ايسلندا، صدر له الكامريا ال تلتقط

العصافري، ومالك عىل حبل الغسيل

16. حسام الرسايشاعر وصحايف عراقي يقيم يف بغداد،

صدر له وحده الرتاب يقهقه.

17. تحسني الخطيب• شاعر ومرتجم من فلسطني، صدر

له يف حقل الرتجمة: الجذور الثقافية

لإلسالموية األمريكية، والعامل ال ينتهي.

18. خالد بلقاسمناقد من املغرب، من بني ما صدر له

يف حقل النقد: أدونيس والخطاب

الصويف، الكتابة والتصوف عند ابن

عريب، والكتابة وإعادة الكتابة يف الشعر

املغريب املعارص.

19. هيا صالح• كاتبة من األردن صدر لها عدة

مؤلفات من بينها »رسد الحياة«.

20

1615103

17258

تخي

رص ب نا

ب:كتا

الت

طاطي

تخ

Page 7: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 7

إشهار غير تقليدي لبرنامج »كتاب وأدباء« أبوظبي

افتتح اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات - فرع أبوظبي، مبقره يف املرسح الوطني،

موسمه الثقايف الشهر املايض بأمسية احتفائية أريد لها أن تكون إعالنا غري تقليدي

عن الربنامج الخاص بفرع أبوظبي القادم.

هكذا، أخذت األمسية شكال متحررا من فكرة القاعة، حيث الجمهور يف مواجهة

املنرب. واألمسية التي ألقى فيها الشاعران حبيب الصايغ )رئيس مجلس إدارة

االتحاد( ومحمد املزروعي )رئيس الهيئة اإلدارية للفرع( أقيمت يف بهو املقر،

أي أنهام تحدثا للناس فيام الجميع وقوفا يحيطون باملتحدثني. هذه الفكرة غري

التقليدية كان وراءها هذان الشاعران.

ومن جهة أخرى فقد عرض يف البهو عمالن فنيان أحدهام ينتمي للفن الرتكيبي

أنجزته خلود الجابري ومي قوطرش واآلخر ينتمي للفن املفاهيمي أنجزه املخرج

السيناميئ نواف الجناحي والشاعر والتشكييل محمد املزروعي. وقد تخلل األمسية

عزف منفرد عىل القيثارة قدمه العازفان: باسم يونس وسعد الحديثي، كام جرى

طرح بعض من منشورات االتحاد وبعض املؤسسات الثقافية اإلماراتية مجانا لهذه

املناسبة.

ما أعلنه الشاعران للجمهور أن هذا العام سيكون عام الرواية اإلماراتية بحيث

سوف تنصب مجمل الفعاليات املقبلة حولها.

عكاظيون جدد في الطائفأقيمت الشهر املايض فعاليات الدورة السادسة لسوق عكاظ يف محافظة الطائف بالسعودية، التي شارك فيها عدد من األدباء واملثقفني من

داخل اململكة وخارجها. وقلد األمري خالد الفيصل الشاعرة السودانية روضة الحاج وشاح الجائزة وشهد السوق افتتاح »خيمة سوق عكاظ«

التي تضمنت عرض عمل مرسحي بعنوان: “العكاظيون الجدد” تجسد مشاهده واقع الشعر العريب الفصيح ما بني املايض والحارض، من خالل

حوار درامي يجمع شعراء سوق عكاظ قدميا وحديثا، ودار جدل يف الصحافة السعودية من حول شخصية الفائزة يف هذا العام، التي يعتربها

شعراء سودانيون ال متثل اللحظة الشعرية الراهنة يف بالدهم، ويرون انها شاعرة تعيش يف كنف املؤسسة الرسمية.

األمر ال يقترص عىل الشاعرة الفائزة، إمنا ينسحب أيضا عىل الربنامج الثقايف والئحة املدعوين العرب، التي خلت من أسامء بارزة عىل مستوى

الشعر.

بدءاأحمد اوالد الصغري التونيس الشاعر تعرض الرجل أوسعوا شبان. قبل من جسدي، العتداء مشارف عىل اآلن يقف الذي هو وشتام. رضبا الستني. رضب الشاعر عىل خلفية ترصيحات كان قد انتقد خاللها املامرسات واألفكار التي تهدف إىل تحويل الدولة من مدنية إىل ثيوقراطية. يبدو

أن الشهداء لن يعودوا مع فجر جديد.تويف الذي األشهر التشييل الشاعر نريودا، بابلو مع الواجهة إىل يعود ،1973 سبتمرب 23 يف اليأس اغتاله الثامنة والثالثني: هل ذكرى رحيله االستيالء يف بينوشيه نجاح بعد حقا، واالحباط،

عىل السلطة؟اإلصدارات عن األخبار رصد له يتاح من أيضا الحديثة يف الرتجمة سيجد أن مثة حركة يف النقل ليست أنها األساسية سمتها لكن العربية، إىل مؤسسية بل هي جهود أفراد أو مؤسسات صغرية يتبع الذي كلمة باستثناء مرشوع ناشئة حديثا، هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة وذلك لجهة أن

هناك »فعل« وفقا لخطة مدروسة.للمخيلة إثارة الكتب أكرث من واحدا أن غري والذي االسالمية« الدولة يف الخرب »صاحب هو أبا أن عن عابرة تكون تكاد إشارة فيه ترد توىل قد شهرة( األكرث العبايس )الشاعر متام وفرتة منطقة يف )مخرب( الحساس املنصب هذا حساسة؛ وذلك عندما فكر الخليفة العبايس بدحر الروم وحدثت موقعة عمورية. فهل نشأ الظرف الذي أحاط باملعركة بفعل فاعل أم انها حدثت

وفقا ملا تناقلته األخبار التاريخية الرسمية؟

التحرير

شعر وشعراء

Page 8: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 8

مظفر النواب .. بين الرفض والمرض

يقيض الشاعر العريب املعروف مظفر النواب )العراق( وقته، اآلن، بني مستشفى الجامعة

األمريكية يف بريوت وبيت صديقه الكاتب هاين مندس، بعدما أعياه

املرض بل األمراض التي تفتك بجسمه هو ابن الثامنني. مل يشأ هذا الشاعر املتمرد، الذي عرف

بقصائده أكرث مام عرف بدواوينه وكذلك بطريقته الخاصة بإلقاء

شعره، أن يلبي دعوة رئيس الحكومة العراقية نوري املاليك

للعودة إىل بغداد ليتم االعتناء به رسميا، ويخضع للعالج عىل نفقة الدولة. آثر النواب البقاء يف عهدة أصدقائه يف بريوت عىل رغم ضيق يده ويدهم، عىل أن ميد يده إىل

السلطة العراقية التي اختار أساسا أن يكون بعيدا عنها منذ أعوام

طويلة، متنعام بحريته يف الكتابة والعيش. ويعاين النواب اآلن مرض

الباركنسون وضعفا يف الكليتني إضافة إىل االلتهابات والتورم.

ويعاين أيضا صعوبة يف الكالم ما جعله يف حال من العزلة املرضية، ال يستقبل سوى أصدقائه املقربني

الذين يتولون عالجه.

سرد جديد يستكمل رواية سابقة

بعد صدور الجزء األول من روايته

»السامء شاغرة فوق اورشليم«

)2012( عن املؤسسة العربية

للدراسات والنرش )بريوت( يتبع

الشاعر سليم بركات )سوريا(، املقيم

يف السويد، روايته بجزء ثان يحمل

العنوان نفسه.

يقول الشاعر عن هذا الجزء

بحسب ما جاء يف مقدمة الكتاب:

»هذا هو الجزء الثاين واألخري ملحقا

بالرواية، جريا بوقائعها عىل سكة

الحملة الصليبية الثالثة، أعلنها

البابا غريغوري الثامن تعبئة، حتى

سقوط عكا يف يد الفرنجة. رسد

مييض، هنا، بسرية العسكري توران،

الذي أعد قلبه لريوي لعياله، يف

عودته إليهم، أخبار املعارك، فقادته

األقدار اىل أرض الفرنجة يف صور،

منفيا من خديعة تطارده بشبحها.

ومن صور تبدأ رحلته الثانية غريبا

بالحلم ذاته يف العودة اىل عياله

لريوي أكرث، هذه املرة، عن عامل

بتقاليد ال يعرفونها، عاشها هو

بال تصادم. رواية متشعبة الرسد،

بتفاصيل عن خطط للرغبات

املؤجلة، وخطط للثأر«.

الموسوعة الشعرية .. تحديث يتيح تواصال اجتماعيا

التي الشعرية، للموسوعة االلكرتوين املوقع عن أعلن

أبوظبي لهيئة التابعة الوطنية الكتب دار انجزتها

للسياحة والثقافة، خالل معرض أبوظبي الدويل للكتاب

يف دورته الـامضية ما أتاح لقرائها ومتابعيها التفاعل معه

عن طريق حساباتهم عىل موقعي التواصل االجتامعي

»فيس بوك« و»تويرت«.

دي« »يس عىل توضع السابق يف اإلصدارات وكانت

املوقع إطالق لكن عليها. التعديل ميكن ال ولهذا

اإللكرتوين، يتيح التعديل عرب التواصل مع القراء الذين

هناك تكون أن ميكن كام مالحظاتهم، إرسال ميكنهم

يحفز ما وهو شاعر، أو قصيدة عن املالحظات بعض

بالشعر، االختصاص أهل إىل الرجوع إىل املوقع إدارة

أرسلت التي املعلومات كانت إذا مام التأكد بهدف

صحيحة، وبالتايل يصار إىل تعديلها.

قد متنوعا، كتابا تحتوي عىل 265 مكتبة املوقع يضم

يتناول حياة الشاعر، أو امليزات الفنية لشعره، وكل ما

ميكن أن يعود بالفائدة عىل زوار املوسوعة.

وهناك أربع خانات يف خريطة املوقع: الرتاث، وقصيدة

اليوم، حيث من املمكن اختيار إحدى القصائد املوجودة

يف املوسوعة، وشاعر اليوم يتم فيه تسليط الضوء عىل

أحد الشعراء، ومقال الشهر ويكتبه الباحث أحمد محمد

والشعراء. الشعر قضايا فيه ويتناول )االمارات( عبيد

من العمودي الشعر يف كتب ما كل املوسوعة تضم

العرص الجاهيل، ولغاية العام 1950. ويبلغ عدد الشعراء

2773 شاعرا، وعدد القصائد املنشورة أكرث من 140 ألف

قصيدة، موزعة عىل 815120 بيتا شعريا«

شعر وشعراء

سليم بركاتمظفر النواب

Page 9: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 9

فلسطينية تفوز بجائزة »إتيل عدنان«

أعلنت جائزة »إتيل عدنان للكاتبات

املرسحيات« خالل مؤمتر الكاتبات

املرسحيات العامليات الذي اختتم

أعامله مؤخرا يف العاصمة السويدية

ستوكهومل، عن فوز الكاتبة الفلسطينية

الشابة »فالنتينا أبو عقصا« بجائزة

هذا العام عن مرسحيتها »أنا حرة«

لتميز عملها باإلبداع ولتناولها موضوعا

مبتكرا عالجته بلغة آرسة ومعالجة

عميقة، قل نظريها، لشخصيات

املرسحية. وقد تم اختيار مرسحية »أنا

حرة« من قبل لجنة تحكيم مشرتكة

تألفت من مبدعني وفنانني وكتاب

لبنانيني وسويديني هم: نضال األشقر

ومنى كنيعو وأسا رساشو ودانييال

كوملان وراوية مورا وميكائيل رانيل

وييل فيلر وديان بيمون. وقد تسلمت

الكاتبة الفلسطينية فالنتينا أبو عقصا

جائزتها باإلضافة إىل جائزة مالية تقدر

بخمسة آالف دوالر أمرييك مع فرصة

ترجمة مرسحيتها للغة اإلنجليزية. كام

سيقوم كل من »مرسح ريكستيرتن«

السويدي و«مرسح املدينة« اللبناين

باملشاركة يف إنتاج املرسحية وعرضها

يف كل من السويد ولبنان وعدد من

العواصم األوروبية األخرى.

والشتم للضرب يتعرض شاعر في تونس!

الصغري املعروف محمد التونيس الشاعر مؤخرا تعرض

وزارة دانته الذي األمر والشتم، للرضب أحمد أوالد

الثقافة وزير ان فيه قالت بيان عرب التونسية الثقافة

مهدي مربوك »بادر باالتصال باملعني باالمر لالطمئنان

عليه وشد أزره« ذلك بحسب خرب بثته وكالة اسوشيتيد

برس األمريكية.

للتجاوزات تواصال »يعد االعتداء أن الوزارة واعتربت

داعية تونس يف واملبدعني« املثقفني حق يف املقرتفة

»الجهات األمنية املختصة إىل االضطالع بدورها يف حامية

املبدعني ومحاسبة املعتدين إليقاف هذا النزيف«.

وذكرت بأن »حرية الرأي واالبداع من مكتسبات الثورة

التي ال ميكن املساس بها البتة«.

وما تعرض له الشاعر جاء عىل خلفية مشاركته يف برنامج

يف املتطرفني فيه انتقد الخاص »التونسية« بتلفزيون

تونس.

وعلق اوالد أحمد عىل ما تعرض له يف صفحته الشخصية

يف الفيسبوك »تلقيت نصيبي من الثقافة التي قال راشد

الغنويش ان السلفيني يبرشون بها«.

أكون ولن عليه االعتداء تم من أول »لست واضاف:

رشعية بأية اعرتف اعد مل اللحظة هذه منذ االخري.

ولن ينجو اي مدين أو عسكري، صامت عن مثل هذه

املامرسات، من قنابل الشعر وصواعق النرث«.

لجامعات نسبت اعتداءات األخرية الفرتة يف وتنامت

سلفية متشددة عىل مثقفني وعىل تظاهرات ثقافية يف

تونس، حيث تم منع فرقة موسيقية ايرانية من تقديم

الصوفية للموسيقى الدويل املهرجان اختتام يف عرض

والروحية بوالية القريوان بدعوى ان الفرقة »شيعية«!

مكسيكية من الهنود الحمر في عمان

تعترب الشاعرة آمرب باست، من أهم

األصوات التي تكرست يف حركة

الشعر املكسييك الحديث. هذه

الشاعرة وبحكم انتامئها إىل ثقافة

قبائل املايا شاعرة من الهنود الحمر.

تقيم الشاعرة باست يف مدينة

)تشياباس( املكسيكية، وتكتب

قصائدها باللغة اإلسبانية التي

تتقنها، كام أنها عملت عىل تعلم

لغة املايا )التسوتسيل(، واستطاعت

من خاللها االطالع عىل تلك

املناخات الشعرية الساحرة، التي

أشاعها الشعراء الهنود الحمر.

استضافها مؤخرا املركز الثقايف

العريب يف عامن، حيث قرأت

الشاعرة قصائدها وهي ترتدي

الثوب الفلسطيني املطرز، وحني

سألها الروايئ جامل ناجي مدير

املركز عن الرس الذي يكمن وراء

تلك املفاجأة قالت أمام الجمهور

إنها فخورة بالشعب الفلسطيني

الحضاري الذي سيحرر بالده ذات

يوم. وقالت أيضا: »إننا نتوارى

خلف الكتابة لنصد سطوة األمل«

وقد قامت برتجمة أشعارها الكاتبة

غدير أبو سنينة، وقدمها الشاعر

وليد السويريك.

فالنتينا أبو عقصاآمرب باست

أوالد أحمد

Page 10: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 10

قصيدة لتوفيق زياد تصير أوبرا عربية

استلهم املخرج مهدي الحسيني )مرص( القصيدة الدرامية »رسحان واملاسورة« للشاعر توفيق زياد، يف

صياغة غنائية كتبها عىل طريقة السيناريو السيناميئ؛ رغبة منه

يف االحتفاء بجوانب العمل كافة؛ ولتأكيد لحمته وسداه، إال أنها اتسمت بطالقة فنية، وجسارة يف التعبري املوسيقي، مستوحيا

مناخ األلحان الفلكلورية الشعبية الفلسطينية ورقصاتها وآالتها املوسيقية وأزيائها وقسامت األمكنة وأجوائها، دون التزام

بحرفيتها، وإن اقرتب من قوالبها ومادتها، يف تحويرات حرة تربز

آثارها الصوتية، وتوزيعاتها النغمية التي تشيعها حركة العزف

بفورانها األسلويب؛ محافظا عىل إيقاعها امليلودي املتوتر، وحيوية

هارمونيته، من خالل تقنيات القطع والرتديد والتنويع والتقابل

والتآلف والتزامن، عرب سياق

درامي يفيد من تجارب عاملية.وقد وجد مهدي الحسيني يف

أشعار زياد طاقات هائلة تحتفي بتعدد األصوات، فجمع بني

قصيدته وأشعار أخرى له أعانته عىل خلق مواقف درامية جديدة.

ترجمة41 شاعرا سعوديا »أصوات جديدة من السعودية«

كتاب صدر مؤخرا يف لندن عن دار

تاوريس، التي تعد من أفضل دور

النرش املتخصصة يف قضايا الرشق

األوسط. اشتملت هذه االنطولوجية

عىل قصائد لواحد وأربعني شاعرا

وشاعرة ينتمون إىل اتجاهات

مختلفة.

توضح هذه القصائد املختارة عىل

األقل يف ما يتعلق بهذا النوع األديب

أن اململكة العربية السعودية جزء

مهم من العامل املعارص. وميكن

العثور عىل الطابع املديني لهذه

القصائد يف املوضوعات التي

تتناولها القصائد من قلق وآمال

ومخاوف البرش يف العرص الحديث.

أما يف ما يتعلق باملوضوعات

والنربات فيغلب عىل الشعر

السعودي املعارص الطابع الحرضي،

حيث يرتك الصحراء والجنة

األسطورية بصورها مثل الكثبان

الرملية والجامل التي تتهادى

للشعراء التقليديني، ليهتموا هم

بالحياة يف املدن والبلدات الجديدة

املزدحمة واملختنقة ذات اإليقاع

الرسيع.

قصائد إماراتية إلى اإلنجليزية

أمني أمنية الدكتورة واملرتجمة والقاصة الناقدة قامت

اللغة إىل إماراتيا لعرشين شاعرا نصوص برتجمة )مرص(

اإلنجليزية، وذلك ضمن مرشوع لجامعة زايد، التي تعمل

بها الدكتورة أمنية أستاذة يف األدب اإلنجليزي املعارص.

إىل اإلماراتية الكتابات بعض نقل يف املرشوع يتمثل

النطاق يف للمهتمني اإلمارايت باألدب تعريفا اإلنجليزية،

التعليمي والثقايف األجنبي.

مراحل من والشاعرات الشعراء باختيار قامت وقد

وإبراهيم الصايغ، حبيب بينهم: من مختلفة، وتجارب

الهاشمي، وميسون صقر، وسعد جمعة، وأحمد راشد ثاين،

وثاين السويدي، وعبدالعزيز جاسم، ونجوم الغانم. وسوف

ينرش الكتاب يف املوسم التعليمي الحايل.

وما يجدر ذكره هنا، أن الدكتورة أمنية تعمل عىل تقديم

يف كاملة وأعامل مختارات ترجمة عرب العريب األدب

أردنية، قصصية مختارات منها: والرواية، والقصة الشعر

ورواية للكاتبة املرصية نوال السعداوي، وديوان إلبراهيم

الله، ومختارات من شعر محمود درويش، وترجمة نرص

مشرتكة مع الشاعر طاهر رياض لألعامل الكاملة للشاعرة

لها صدرت كام العربية، إىل »سافو« القدمية اإلغريقية

مجموعة قصصية “بعيدا عن الذاكرة”.

األخرى اللغات إىل اإلمارايت األدب ترجمة أن إىل يشار

أبوظبي هيئة قامت حيث األخرية، اآلونة يف نشطت

»قلم« سلسلة من بعض برتجمة والثقافة للسياحة

»األملانية« إىل اإلمارايت األدب نرش يف املتخصصة

وتنمية والشباب الثقافة وزارة تقوم كام و«األوردو«،

يقوم التي اإلنجليزية، غري إىل متفرقة املجتمع برتجامت

بها مرتجمون أجانب وعرب كمشاريع خاصة بهم

شعر وشعراء

توفيق زياد

أمنية أمني

Page 11: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 11

الشاعرة بالث في وثائق FBI

كشفت وثائق جديدة أطلقها

مكتب التحقيقات الفيدرالية

االمرييك )إف. يب. آي( الشهر

املايض عن العالقة األوديبية التي

عاشتها الشاعرة األمريكية سيلفيا

بالث مع والدها. هي التي ماتت

منتحرة شتاء العام 1963 عندما

كانت زوجة للشاعر الربيطاين تيد

هيوز، الذي أصبح بعد ذلك شاعر

البالط الربيطاين. ما تم كشفه جاء

يف التحقيقات مع أوتو بالث، والد

الشاعرة، املهاجر من النمسا إىل

أمريكا سنة 1900 ليصبح عاملا يف

الحرشات، وقد خصصت جامعة

انديانا األمريكية الشهر املايض مؤمترا

عن ظروف حياتها ال سيام عالقتها

بوالدها الذي كان يحيي هتلر يف

خلوته. ورغم أن والد سيلفيا بالث

قد مات سنة 1940 عندما كانت يف

الثامنة إال أن شخصيته قد تركت

أثرا واضحا يف ذاكرتها. كتبت سيلفيا

بالث يف قصيدتها »أيب« العام 1962:

»شعرت عىل الدوام بالخوف منك

.../ من عينيك اآلريتني / بزرقتهام

الحادة والساطعة« وهي القصيدة

ذاتها التي شنت فيها هجوما عىل

زوجها تيد هيوز أيضا.

هل مات نيرودا مقتوال؟

كتاب مؤلف أموروس، ماريو اإلسباين الصحايف كشف

»ظالل يف إيسال نيغرا، وفاة بابلو نريودا الغامضة«، عن

جائزة عىل الحاصل الشاعر أن تقول تقرير محتويات

1973 سبتمرب 23 يف تويف ،1971 عام لآلداب نوبل

إلصابته مبرض رسطان الربوستاتا.

أشار تقرير جديد اىل أن الشاعر بابلو نريودا، كان فعال

من الرغم عىل الرسطان، مبرض إصابته بسبب تويف

حيث وفاته، سبب حول تحوم كانت التي الشكوك

الديكتاتور انقالب عىل يوما 12 مرور بعد وقعت

مقالة يف كشف، أموروس وكان بينوشيت. أوغستو

عن ناسيون«، »ال اإللكرتونية الصحيفة يف نرشت له

ودراسة ترشيح يف خبري توقيع حمل تقرير مضمون

الجثث.

التقرير وحسب ما ذكره أموروس، فقد تم إعداد هذا

يدير الذي كاروزا، ماريو القايض طلب عىل بناءا

العام من يونيو يف بدأت التي القضائية التحقيقات

املايض، بعد شكوى تقدم بها الحزب الشيوعي التشييل،

حيث كان مؤلف »عرشون قصيدة حب وأغنية يائسة«

عضوا فيه. وكان الحزب قد اعتمد عىل ترصيحات سائق

الشاعر أن الذي أرص عىل أرايا، السابق مانويل نريودا

بينوشيت عن طريق يد عمالء نظام مات مقتوال عىل

يف عيادة يف يرقد كان عندما مميتة، بحقن تزويده

سانتياغو.

الدكتور يقول الشاعر رفات فحص أهمية مدى وعن

يوفر أن ميكن الضحية لعظام تحليل إجراء »إن تابيا

العلمي التشخيص إجراءات تدعم رضورية معلومات

لرسطان الربوستاتا«

سيلفيا بالث

نريودا

أحمد زرزور في مهب الرحيلعىل نحو مباغت رحل مؤخرا يف

القاهرة الشاعر املرصي أحمد زرزور، بعد أن قطع دربا طويال من اآلالم بسبب مرض يف الكبد.

وبعد أن أصدر ديوان »خرافة مفتوحة« عن سلسلة ديوان

الشعر العريب بالهيئة املرصية العامة للكتاب.

يعترب أحمد زرزور واحدا من شعراء حقبة السبعينيات يف مرص،

لكنه يف الوقت الذي انتهبت فيه جامعتا أصوات و إضاءة

الشعريتان إىل مسار آخر، ظل زرزور خارج إطار الجامعات،

وإن كان قد عرب مرة عن رغباته القدمية يف االنضواء تحت لواء إحدى الجامعتني، إال أنه أكد يف الوقت نفسه، عىل أنه كان

مخدوعا بشكل كبري، وأن رفضه للمنهج املكلل بااليديولوجيا

للجامعتني كان رفضا موضوعيا يتعلق بقناعاته التامة بأن الشعر

ال ميكن أن يولد يف أحضان االيديولوجيا. أصدر زرزور

عددا من الدواوين: الدخول إىل مدائن النعاس، جنون الورد،

حرير الوحشة، هكذا ترتمل اإلمرباطوريات، رشيعة األعزل.

أحمد زرزور

Page 12: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 12

شعر حماد النعيمي .. موروثه وإنسانيته

الكتاب: الوطنية يف شعر حامد الخاطري النعيمي -

قراءة يف املوروث واإلنسان والوطن

املؤلف: موفق العاين )العراق(

النارش: دار الهالل - دمشق

عدد الصفحات: 242 صفحة من القطع املتوسط

النفري .. التأويل وحيويتهالكتاب: الصوفية والفراغ

املؤلف: خالد بلقاسم )املغرب(

النارش: املركز الثقايف العريب

عدد الصفحات: 310 من القطع املتوسط

موفق العاين شعر حامد الخاطري النعيمي

وعالقته باملوروث وفضائه الشعري، ثم مفهوم

الوطنية، ومل يغفل عن آراء النقاد يف شعر النعيمي، وأفرد العاين

قسام من قراءته لشعر هو الذي عدد فيه خصال ومناقب

املغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وهو

بعنوان »زايد: أصالة املنبت«، كام خصص الناقد أيضا قسام

لدراسة شعر النعيمي يف الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد

آل نهيان ويل عهد أبوظبي نائب القائد األعىل للقوات املسلحة.

وقرأ العاين: »خصال الزعامة التي أصبحت فخرا لألوطان وشموخ

القوايف وأصالة املنبت يف شخصية الشيخ محمد بن زايد، وتطرق

إىل ما جادت به قريحة الشاعر حامد الخاطري النعيمي يف

الوطن حيث حفل شعره بوصايا يف حب الوطن والتفصيل يف ما

غرسه زايد يف نرصة الوطن وحبه، وكان يف شعره متجليا ينسج

دررا من الكلامت يف عقد تزين صدر هذا الوطن«.

ويرى العاين أن حامد الخاطري النعيمي اتبع أسلوب الشعراء

األقدمني حيث األريحية التي وصفت بها قصائده بنية املجتمع

اإلمارايت، وعندما يصف الحكيم املؤسس الشيخ زايد بن سلطان

آل نهيان رحمه الله.

ويتطرق موفق العاين إىل عالقة شعر حامد الخاطري النعيمي

باملوروث وخاصة القصائد التي استل قوتها مام قرأه يف املوروث

الشعري اإلمارايت، حيث كان يقوم بجوالت ميدانية يف مدن

وبادية اإلمارات ليجمع أشعار الشعراء اإلماراتيني القدامى التي

مل تلتمس التدوين أو النرش. وتعترب هذه املهمة شاقة فعال، إال

أنها أعطت الشاعر النعيمي قدرة عىل بناء نص شعري متكامل،

كام يرى العاين.

يبقى القول أن حامد الخاطري النعيمي قد أصدر ديوانه

»ترانيم« يف العام 1994 يعد رسالته للدكتوراه يف موضوع

»قبائل الخليج العريب وأدبها الشعري يف مواجهة األطامع

األجنبية«

يسعى الباحث يف كتابه هذا إىل تفكيك أنطولوجي لكتاب »املواقف

واملخاطبات« للنفري، متأمال »الفراغ« بوصفه تجربة تنشد األقىص

وتسترشف املاوراء.

جاء يف مقدمة الكتاب: »يف ضوء الوعي برضورة تجديد التأويل

وبحيويته، تتبدى العالقة مع القديم بوصفها مسؤولية، يتعني عىل

القراءة االضطالع بها، بل إن مفهوم املسؤولية ال ميلك ، كام يرى

دريدا ، أي معنى خارج تجربة إرث من سبقنا«.

وتضيف املقدمة: »ليس الفراغ، عند الصوفية، مفهوما نظريا وال

تصورا ذهنيا، بل هو تجربة تنشد األقىص، مسترشقة املا وراء، ما وراء

كل يشء، ما وراء األحكام، و ماوراء الضدية املنتجة لحجب الثنائيات.

إنها منطقة بعيدة، فيها يتسنى للهوية الصوفية أن تتحقق من اآلخر

الذي به تتغذى وتتجدد«.

هكذا يرى املؤلف أن خطاب النفري ذو قابلية الستقبال أسئلة

جديدة من حيث بناء الكتابة. فهو خطاب مهيأ من هذا الوجه

لالنفصال عن ذاته، ومرشع عىل التجدد وتجديد األسئلة متى توجهت

القراءة إليه من أمكنة معرفية وفلسفية حديثة.

ويؤكد الباحث أن كتاب النفري، مثله مثل األعامل الكربى، ال ينطوي

عىل حقيقة يف ذاته، مستقلة عن قارئه إذ أن حقيقة الكتاب تتمثل يف

اآلفاق الجديدة التي تفتحها القراءة معه، ومن مثة فال وجود ملعنى

نهايئ ميكن القارئ أن ميسك به، »فاملعنى هنا ليس إال سريورة تحوله.

سريورة هي التأويل ذاته«. ومن هنا فكتاب النفري كتاب غامض، ليل

ال بارقة ضوء تنريه، حتى ليبدو، كام لو أن النفري كتبه لنفسه. مثة

مناطق قصية يف هذا الكتاب، مناطق متمنعة عىل الفهم، لكن هذه

املناطق بالذات هي التي تتيح للقراءة أن تكون. وقد أشار الصوفية

إىل أن الغموض أو املنع متى فتح باب الفهم عطاء يف ذاته. ويتوغل

الباحث يف الكتاب لييضء عىل ما تعتم من مصطلحاته ومفاهيمه.

ويتأن عىل وجه الخصوص عند مفاهيم »الطريق« و«السوى«

و«املكان والزمان« ليصل، مستعينا بتلك املفاهيم إىل العالقة القامئة

بني »الوقفة والفراغ«

شعر وشعراء

الوطنية

في شعر حماد النعيميقراءة في الموروث واإلنسان

والوطن

املؤلف

موفق العاين

تناول

Page 13: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 13

الشعر بوصفه معركة اجتماعية

الكتاب: يوتوبيا املدينة املثقفة

املؤلفة: خالدة سعيد )سوريا(

النارش دار الساقي - بريوت

عدد الصفحات : 328 من القطع املتزسط

أشجان وأحزان بن علي الوزيرالديوان: األعامل الشعرية

الشاعر: قاسم بن عيل الوزير )اليمن(

النارش: دار املناهل - صنعاء

عدد الصفحات: 400 صفحة من القطع املتوسط

هذا الكتاب النقدي - الرسدي واالستعادي الجديد أهدته الكاتبة

والناقدة العربية املعروفة خالدة سعيد إىل بريوت: »بريوت يف

األزمنة كلها.

إال أن كتابها يتناول بريوت يف حقبتها الذهبية. بريوت ما بعد

االستقالل وما قبل الحرب. ففي تلك الفرتة بني العهدين برزت يف

لبنان مؤسسات ثقافية طليعية أرادت أن تنهض به إىل مصاف

البلدان املثالية يف ثقافتها وفكرها ومعرفتها.

ومن هذه املنشآت اختارت الكاتبة أن تدرس خمس مؤسسات

رائدة يف لبنان رسمت يف مساراتها ما ينظر إليه اليوم عىل أنه

»مرشوع املدينة املثقفة« وهي: »الندوة اللبنانية«، »التجمع

الفريوزي- الرحباين«، »مجلة شعر«، »مجلة مواقف«، »دار الفن

يذهب الشاعر يف دواوينه الثالثة التي

يتألف منها الكتاب مذهب التلقائية يف

كتابته الشعر، فال تشعر وأنت تقرأ قصيدة

من قصائده يف أي موضوع كان، بأنه

يتكلف الصياغة أو التقاط املعنى، وإمنا

تراه ينساق مع سجيته مسرتسال كالنهر

الذي يجري يف واد منبسط

شديد االستواء، أو كأنه يكتب،

أو مبعنى آخر، ينقل شعره من

ألواح مرسومة أمامه بوضوح

خال من التعقيد والغموض.

واألدب«.

وتسلط الكاتبة اللبنانية، من أصل سوري، الضوء عىل األدوار املختلفة

التي لعبها املثقفون الكبار يف لبنان أمثال املطران جورج خرض

ومحمود درويش وغسان كنفاين وأنيس الحاج وغريهم. وتأيت دراستها

لهذه املؤسسات شاملة وعميقة لكونها عرفتها عن قرب ونشطت يف

إطارها وكانت شاهدة عىل تجارب ثقافية تعود إىل أسامء كبرية عىل

مدى خمسني عاما تقريبا.

إنه من ذلك النوع من الكتب التي تغري املرء بأكرث من قراءة وعىل

أكرث من صعيد. بحيث ميكن اعتباره تأريخا ملرحلة تأسيسية يف مسرية

الحداثة األدبية العربية، كام ميكن اعتباره شهادة من اسم عضوي

يف تلك املسرية، إذ يضع بني أيدينا محتوى سمعنا عنه أو وقفنا عىل

شذرات متفرقة منه ولكنه ال يرتك هذا املحتوى من دون تحليل أو

نقد أو مراجعة، فلسنا حيال مادة أرشيفية بل وقائع قيد القراءة

وإعادة النظر.

ويبدو صحيحا أن خالدة سعيد رغم حامستها تدرك أن ما تتحدث عنه

كان »يوتوبيا« بل مغامرة غري أن تلك املغامرة البريوتية الحاملة مل تنته

إىل فشل كامل. صحيح أنها مل تتمكن من رفع أعمدة »املدينة املثقفة«

غري أنها تركت أثرا ال ميحى يف الثقافة والفن العربيني، خصوصا يف

الشعر.

ولعل هذا يف رأي بعض النقد الصحيح

هو الشعر الحقيقي الذي يخلو مام

كان يشكو منه القدماء، وما يزال

يشكو منه املعارصون تحت عيبي

»التوعر والتعقيد«، وهذان العيبان ال

يرافقان الشاعر املوهوب بل الشاعر

املتصنع الذي يظل يكد ذهنه إىل أن

يصل إىل ما يعده معنى طريفا أو

جملة مثرية أو صورة بارعة. ولعل

أبرز ما مييز شعر قاسم الوزير ذلك

الحزن الشفيف العميق الذي يكسو

قصائده األقدم منها كتابة واألحدث،

ويف املقدمة التي كتبها

للديوان الدكتور راشد

املبارك إشارة تقول: »ان

أول ما يستوقف القارئ

يف قصائد الشاعر هو

طابع الحزن الذي يرسبله شعره ألنه إىل الحزن

صار ومن الحزن انبعث« وكأن الدكتور املبارك

تحاىش الحديث عن أسباب ذلك الحزن الذي

يعود إىل ما تجرعه الشاعر من مصاعب يف

طفولته وشبابه، وما عاناه من السجن والبعد

عن األهل والوطن، وكلها كافية لتجعل من

شعره دموعا تسيل عىل الورق بغزارة، وليس

يف ذلك عيب، بل العيب أن يكبت املبدع

مشاعره ويكابد الصمت وهو القادر عىل البوح

واإلفضاء.

وميكن القول يف هذا الصدد بأن قصائد الحزن

يف الشعر العريب هي أجمل ما ينطوي عليه

هذا الشعر من أشجان املبدعني وتأوهاتهم،

وما استوعبته حياتهم من وحشة الطريق

ومكابدة األحداث. إنه حزن يستحرض يف صوره

ومجازاته حزن اإلنسان إينام كان وحيثام

يكون.

Page 14: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 14

الكتاب: صاحب الخرب يف الدولة اإلسالمية

املؤلفان: د. محمد حسن النابودة )اإلمارات( ود.

محمد عبد القادر خريسات )األردن(

النارش: مركز زايد للرتاث والتاريخ

عدد الصفحات: 424 صفحة من القطع الكبري

يكون هذا الكتاب من أكرث الكتب غرابة وإثارة لإلدهاش،

فهو ال يتناول املنجز الشعري أليب متام، الذي عاش يف عهد

ذات الشهرية قصيدته الروم عىل انتصاراته عن وكتب املعتصم

املطلع: »السيف أصدق انباء من الكتب / يف حده الحد بني الجد

واللعب«، وليس أيضا عن وجهة نظره النقدية يف الشعر، صاحب

عبارة: لم ال تفهم ما يقال« ردا عىل: لم تقول ما ال يفهم«.

التنافس الطبيعي ويف ظل من كان “لقد ييل: ما الكتاب يرد يف

الشديد بني الخلفاء والعنارص التي سيطرت عىل الدولة العباسية

املتصارعة الفئات لتزويد مكانتها االستخبارية لألجهزة يبقى أن

والخارجية، ومن الداخلية الساحتني واملستجدات عىل باألحداث

اختيار يف وأكرث أكرث تتفنن أخذت العنارص هذه أن نجد هنا

والزراع والتجار والخدم النساء منهم فكان وتدريبهم، املخربين

أيضا ويلحظ واملعلمون. والصبيان والشحاذون والنساك والرعاة

أن هذه الفرتة متيزت بإسناد وظيفة صاحب الخرب إىل رجال لهم

بالعلم واملعرفة، ال سيام العاملني يف حقل الجغرافيا والتاريخ وكبار

الشعراء أمثال أيب متام”.

أبو متام )188 - 231 هـ / 803 - 845 م( هو حبيب بن أوس بن

حوران قرى )من بجاسم ولد البيان، أمراء أحد الطايئ، الحارث

بغداد إىل بالله« »املعتصم واستقدمه مرص إىل ورحل بسورية(

شعر وشعراء

فأجازه وقدمه عىل شعراء وقته فأقام يف العراق ثم ويل بريد

طويال، أسمر، كان بها. تويف حتى سنتني يتم فلم املوصل

فصيحا، حلو الكالم، فيه متتمة يسرية، يحفظ أربعة عرش ألف

أرجوزة من أراجيز العرب غري القصائد واملقاطيع. ويف أخبار

أيب متام »الصويل«للصويل: »أنه كان أجش الصوت يصطحب

الخلفاء يدي بني شعره فينشد الصوت حسن له راوية

واألمراء«، هكذا يوصف الرجل يف النقد العريب القديم أو يف

املدريس منه عىل األقل.

عليه، يطلق ما تحديدا هو الخرب فصاحب وباختصار قبال

عهد ويف بالخرب، يأيت الذي باملخرب هذه أيامنا ويف عربيا

تدريب إىل تحتاج مهنة الخرب صاحب أصبح العباسيني

ومامرسة يك تصل إىل االحرتاف يف الوصول إىل مصادر الخرب

عىل الخرب يكون صاحب أن لزاما كان بالتايل عنها، والنقل

يف الحقيقية شخصيته تذويب عىل ومقدرة واطالع معرفة

نقل يف عمله عىل تعينه أخرى شخصية وارتداء املجتمع

أرسار العامة إىل الدولة، حيث كانت الفئات املستهدفة لدى

الدولة هي الفئات املارقة من زنادقة ومشعيل فنت وحرائق

يف واحدة من أهم امرباطوريتني كانتا تحكامن العامل القديم

آنذاك، فضال عن أن الجواسيس كانوا من هذه الفئة أيضا.

يرد يف الكتاب أن مهمة صاحب الربيد كانت وطيدة الصلة

يف مخابرات، مبدير تشبيهه ميكن نحو عىل الخرب، بصاحب

بتصفية يقوم الذي االستخبارايت املسؤول أو الراهن، عرصنا

نتائجها كلها التقارير وتصنيفها وتبويبها ثم استخالص هذه

للخليفة. فإذا كان هذا األمر صحيحا أو معموال به يف عرص

أبا متام، وهو مسيحي كام املعتصم، وهذا هو األرجح، فإن

هو معروف، قد عمل مبرتبة مدير مخابرات منطقة املوصل

يف عهد ذلك الرجل الذي استقدمه، هو تحديدا من مرص ثم

أوكل إليه هذه املهمة.

هل كان أبو تمام مخبرا؟

هو كتاب نقدي يسعى املرتجم من خالل تقدميه بالعربية إىل:

»املساهمة يف تطوير املامرسة النقدية يف العامل العريب، التي مازالت

متلكئة رغم كل الجهود املبذولة من طرف النقاد والباحثني واملرتجمني

العرب«. ولعل ذلك حسب قوله، يعود إىل “قلة الرتجمة بالقياس

إىل ما يرتجم يف الغرب، واألمر هنا ال يتعلق بعدد الكتب النقدية أو

املرتجمة يف كل سنة وحسب، وإمنا أيضا اشكالية عدم االطالع عىل

منجز املدارس والتيارات النقدية التي تظهر يف الغرب، بحيث ال يصلنا

منهج جديد أو مقاربة جديدة إال بعد اإلعالن عن موتهام أو يف حني

هام يف الطريق إىل ذلك. ويعدد املؤلف من مثل ذلك »التاريخانية

مواكبة متأخرةالكتاب: شعرية الرواية

املؤلف: فانسون جوف )فرنسا(

املرتجم: لحسن أحاممة )املغرب(

النارش: دار التكوين

عدد الصفحات: 269 صفحة من القطع

املتوسط

رمبا

Page 15: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 15

غري أن املثري للغرابة والفضول هو اختيار املعتصم له ليشغل هذا

املوقع الذي كانت مهامته األخرى خفية متاما عىل سائر اآلخرين

الخليفة مجلس يف يلتئمون كانوا ممن العرص ذلك مثقفي من

العبايس من شعراء ونقاد. ترى هل كان أبو متام عىل علم مسبق

يعلم كان هل املوقع؟ هذا سيشغل بأنه بغداد إىل عودته قبل

مبا ينبغي عليه القيام به من مهام؟ وما هي طبيعة هذه العالقة

الرسية بني الرجلني؟ ثم هل يكون هو من أوصل إليه رصخة تلك

يف يرتدد صداها دوي زال ما التي »وامعتصامه« العربية: املرأة

أرجاء التاريخ العريب واالسالمي إىل اآلن؟ فيكتب أبو متام قصيدته

بأنها ستجعل من املعتصم، وهل كان عىل ثقة الشهرية يف مديح

الخليفة رجال خالدا يف التاريخ بوصفه حاكام شجاعا وشهام ونبيال،

الروم يف معركة فتح عمورية حتى غدا يف نظرنا، نحن أهل هزم

هذا الزمان أكرث الخلفاء العباسيني هيبة، كام وصفته كتب التاريخ

الرسمي القديم أيضا؟.

الكتاب ال يجيب عن أي من هذه األسئلة، لكن األكيد أن أبا متام

قد شغل ذلك املوقع ورمبا يكون هو الذي قام بنقل الرصخة إىل

كانت أنها أم بالفعل؟ الرصخة تلك وقعت هل لكن املعتصم،

»فربكة« استخبارية لتربير فتح عمورية؟ خاصة وأن نوايا املعتصم

منجمني ذلك قبل الرجل استقدم لقد واضحة. كانت ذلك حيال

أنبأوه بأن يف األنجم طالع نحس ونصحوه بإرجاء الفتح إىل وقت

آخر، فريد أبو متام بعد ذلك النرص عىل الروم ويف مطلع قصيدته:

»السيف أصدق انباء من الكتب«.

رواية يصوغ أن له ألمكن العنان ملخيلته املرء أطلق لو رمبا

سينامئية تتكئ عىل »رسية« تاريخية هذه العالقة بني رجيل دولة

أحدهام يرتدي إهاب شاعر يف الظاهر، غري أنه رجل مخابرات من

طراز رفيع أيضا، أما اآلخر فهو رأس السلطة الذي ينترص للشاعر يف

مجلسه ويستضيفه بعيدا عن أعني اآلخرين يف غرف أبوابها خفية،

إن فتحت قد ال يخرج منها من دخل.

الجديدة، والنقد املاركيس الجديد، والنقد اإليكولوجي، وغريها من

املناهج األكرث حداثة، علام بأن هناك بعضا من النقاد العرب الذي

لفتوا االنتباه إليها، لكنها مل تلق مزيدا من االهتامم املطلوب. فهل

يعود األمر إىل تحفظ الباحث العريب إىل حني إثبات مصداقيتها،

أم إىل غياب اسرتاتيجية تسمح بهذه املواكبة؟ أم إىل غياب سياسة

ثقافية تويل هذا األمر ما يستحقه من عناية؟” ويتابع املرتجم:

“لسنا من ذلك نبخس قيمة الفعل النقدي والرتجمي يف عاملنا

العريب، وإمنا نتوخى التشديد عىل ترسيع وترية هذه املواكبة”.

علي سفر .. الموت شغفا الديوان: طفل املدينة

الشاعر: عيل سفر )سوريا(

النارش: دار أزمنة للنرش والتوزيع

عدد الصفحات: 118 صفحة من القطع املتوسط

النص الذي يفتتح فيه سفر ديوانه يظهر متسكه يف فن

الرسد ويجنح للقصة أو السرية ليقول ما يعتقد ان القصيدة

رمبا لن تفلح يف قوله، ويعرتف بصعوبتها عىل الغالف

الخلفي للديوان حني يقول: »أيتها القصائد املدالة.. عىل

أغصان من شغف وموت.. كم هو صعب قطافك.. وكم

أنت جارحة ومرة..«.

الشاعر يف مقدمة مجموعته يؤكد أنها »رضورة البد منها«،

وبعنوان »الطريق إىل املدرسة« يرسد سفر قصة تكونه

من سلسلة حاالت عىل صعيد املكان ـ يف تغري مكان

مدرسته وتغري الطريق إليها- وعىل صعيد األشخاص ـ يف

موت أبيه- فيظهر ممسكا بالرسد ليس فقط عىل صعيد

عنوان املجموعة أو مقدمة ديوانه بل بعنوان القصائد أيضا

فيعنون مرة بـ»الحكاية« أو »رس العتبة«، ومرة بـ»فاصيل

محذوفة« و»هوامش«.

أصبح سفر مشغوفا بفكرة املوت منذ فقدانه والده وهو

ابن املدرسة االبتدائية وابن املدرسة الحياة، فصارت الجبال

لديه جبال املوت، وتنكس األشجار رؤوسها كناية العزاء،

وحتى جسده مل يعد، قلبا ينبض حياة أو رئتني تستنشقان

هواء رطبا، بل بات حالة مؤقتة معرضة للفقد يف »الهباء«

أو »يف محطة قطار«، ومل يعد يرى جسده غري »محموال

عىل سجادة الفقد«.

صدر لعيل سفر سابقا: بالغه املكان 1994، صمت 1999،

يستودع اإلياب 2000، اصطياد الجملة الضالة 2004

Page 16: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 16

مخيلة شعريةمجهولة المصدر

الكتاب: خزانة الشعر السنسكريتي

الشاعر: مجموعة مؤلفني

املرتجم: عبد الوهاب أبو زيد )السعودية(، مراجعة:

تحسني الخطيب )فلسطني(

النارش: مرشوع كلمة للرتجمة – هيئة السياحة والثقافة/

أبو ظبي 2012

عدد الصفحات: 444 من القطع املتوسط

الراميانة .. ترجمة بروح نهضوية

الكتاب: الراميانة - ملحمة معربة شعرا

املؤلف: الشاعر الهندي فاملييك

املرتجم: وديع البستاين

النارش: كلمة - هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة

عدد الصفحات: 560 صفحة من القطع املتوسط

ترقى ترجمة الشعر السنسكريتي الكالسييك إىل االنجليزية إىل

أكرث من مائتي عام، عندما أنجز أحد املرتجمني املرتبطني برشكة

الهند الرشقية مقتطفات شعرية تتناول إحدى األساطري الشعبية

الهندية مجهولة املؤلف ثم نرشها يف لندن لتعاد ترجمتها يف عدد

من اللغات األوروبية الحية، وبالتايل لتستقر يف املخيلة الشعرية

األوروبية بعدما أعيد ترجمة تلك األشعار كاملة تقريبا وقد

أصبحت واحدة من مرجعيات ومصادر إلهام تلك املخيلة، أي بعد

أن تأثر بها الكثري من الشعراء األوروبيني البارزين، وتحديدا شعراء

تلك املرحلة الشعرية الرومانسية التي شملت خارطة الشعر

األورويب بأكمله خاصة مع ترجمة العملني الكالسيكيني الرائعني:

الرامايانا واملهابهاراتا اللتني عرفتا ترجامت عديدة يف مجمل

الثقافات األوروبية، وبناء عىل ما توفرتا عليه من طاقة تخييلية

عالية وأسئلة متس الوجود اإلنساين لجهة ارتباط الدين باملنطق

الفلسفي واملنطق الشعري فضال عن ارتفاع مستوى الرسد والحوار

فيهام فقد انتقل أثرهام إىل السينام واملرسح والرواية.

وعرب هذه الفرتة التاريخية الطويلة من ترجمة الشعر الكالسييك

السنسكريتي إىل االنجليزية وسواها فقد تشكل تاريخ ترجمي

له من املريدين واملتتبعني الذين لفتوا االنتباه إىل أن خزانة

بالفعل تضم هذا الشعر الكالسييك باتت موجودة اآلن يف املكتبة

األوروبية، وتحديدا يف اللغة االنجليزية التي أخذ منها هذا الكتاب

حامال يف عنوانه اسم املكتبة والشعر.

هذا الكتاب هو أنطولوجيا، كام أنه نتاج صنيع فعل أنطولوجي

دؤوب سواء يف لغته األصلية أم يف اللغة املنقول إليها وتغطي

فرتة متتد قرابة 3000 عام وتضم شعراء مجهولني من أزمنة بعيدة

وآخرين حديثني وتأثر بها شعراء من ثقافات مختلفة من العامل

من بينهم من حازوا جائزة نوبل مثل أوكتافيو باث الذي تأثر

عميقا بالنصوص الهندية الكالسيكية وأعاد صياغة بعض أساطريها

يف مقاربة شعرية راهنة وتتصل مبجتمعات أمريكا الجنوبية، وذلك

هي ملحمة شعرية هندية مغرقة يف القدم ومكتوبة باللغة

السنسكريتية، وتنتمي إىل املوروث الهندي املقدس وتنتسب

إىل الشاعر الهندي فاملييك الذي يظهر يف امللحمة بوصفه

احدى شخصياتها، معتقدا أن القصيدة هي من إنشاء عدد

من الشعراء واملنشدين، لتكون يف النهاية بأبياتها التي تبلغ

24 ألفا، من صناعة العقل الجمعي الهندي وتعبريا عن

مخيال تلك األمة ومعتقداتها.

هذه الرتجمة هي صيغة عربية نادرة أنجزها الشاعر وديع

البستاين، فعرب »الراميانة« شعرا موزونا ومقفى، جاعال

إياها يف ما يقارب أربعة آالف بيت. وكان البستاين وضع

اللمسات األخرية عىل مخطوطته يف العرشين من آب عام

1953 ولكنه عوض أن يدفع بها إىل املطبعة خبأها يف

أدراجه فرقدت طوال تلك األعوام، ولعل اكتشاف مخطوطة

»الراميانة« املعربة، ونرشها بعد أكرث من نصف قرن عىل

تعريبها، يعدان حدثا أدبيا وثقافيا معارصا، وإن بدت

صيغتها نهضوية الروح نظرا إىل »هوية« معربها الشعرية

وانتامئه إىل املدرسة الكالسيكية الجديدة

شعر وشعراء

بالطبع فضال عن شعراء هنود وأوروبيني أما عربيا فلم تصل

كرس من هذا الكتاب إال متأخرا.

مثة غنى شعري ينطوي عليه الكتاب لجهة عالقة النصوص

باألشكال وطبيعة استخدامها يف الحياة الهندية التقليدية

القدمية: الرتانيم والتعابري الصوفية والحوارات والرسديات

امللحمية والقصائد الرتاجيدية واإليروتيكية باإلضافة إىل شعر

البالط والشعر التعبدي الفلسفي

Page 17: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 17

فعاليات مقهى بغداد الثقايف يف العاصمة السويدية

ستوكهومل يف الثامن والعرشين من شهر أب املايض،

بأمسية شعرية شاركت فيها شاعرات من فلسطني والسويد، يف إطار

مهرجان ثقايف يحمل العنوان: »األجساد الوحيدة ال تقوى عىل الكتابة«

وأقامه املقهى بدعم من املعهد السويدي واألكادميية السويدية.

وقالت مسؤولة املهرجان خلود الصغري للبيت: »إن دورة املهرجان لهذا

العام انقسمت إىل ثالثة أجزاء: يستضيف األول منه شعراء مكسيكيني

والثاين شعراء من الصني، أما األخري فاستضاف شاعرات فلسطينيات«.

وفيام يتصل بعنوان املهرجان »األجساد الوحيدة ال تقوى عىل الكتابة«،

الفلسطينية الشاعرة قصائد إحدى من جاء »اقتباسه أن أوضحت

سمية السويس«.

ندوة االفتتاحالسويديني، الكتاب رابطة يف التي جرت املهرجان فعاليات أوىل ويف

بأمسية شعرية بعنوان: »الشعر الفلسطيني املعارص« تحدثت الشاعرة

الفلسطينية مايا أبو الحيات عن الشعر الفلسطيني والرمز يف الشعر

فالشعر التفعيلة إىل الكالسيكية من تطوره ومراحل الفلسطيني

الحدايث، طارحة أمثلة لعدد من الشاعرات والشعراء الفلسطينيني من

أمثال أيب سلمى، محمود درويش، سميح القاسم، غسان زقطان، مازن

معروف وآخرين، كام شاركت يف الندوة الشاعرة الفلسطينية القادمة

من قطاع غزة سمية السويس، ودار بعد الندوة حوارات مطولة باللغة

اإلنجليزية، كام أدار الندوة الشاعرتان والناقدتان األدبيتان السويديتان

»أثينا فاروقزاد« و »يني تيوين دال«.

أمسية الخلق واملقاومةأيضا، عقدت ندوة بعنوان »الخلق واملقاومة« تحدثت فيها الشاعرات:

الندوة وخلصت الحيات، أبو ومايا تكروري، وباسمة عزايزة، أسامء

إىل أن األدب الفلسطيني والشعر الذي يعترب جزء منه، ال ميكن فصله

عن الواقع الفلسطيني اليومي املعاش هناك، وأدارت الندوة الشاعرة

تسجييل فيلم عرض أيضا الجلسة وخالل بوريال« »إيدا السويدية

للفنانة السويدية لينا سلندر عن فلسطني تناول موضوعة املقاومة

وتم عرضه عىل عدة مراحل، وجرى بعد عرض الفيلم مناقشة مطولة

ثم ومن الفلسطيني، الشعب لدى املقاومة أدوات تطور حول

مناقشة دور أدب املقاومة من ناحية ودور الفن واألدب يف التحفيز

والتحريض عىل فعل املقاومة اليومي، ليؤكد الفيلم عن أن املقاومة

فعل مرشوع يؤكد حق اإلنسان يف الحياة الكرمية عىل أرضه.

أيضا مبنى ABF يف ستوكهومل أب، عقدت يف الثالثني من شهر يف

والشاعرة أنيورو« »يوهانس السويدي الشاعر بني ما حوارية

والحقيقة( الصور يف )غزة بعنوان السويس سمية الفلسطينية

وناقشت الحوارية كيف يتناول األدب قطاع غزة مقارنة مبا هو يف

الحقيقة، كام ناقشت أيضا كتاب »حضارة بدون قوارب« ليوهانس

أنيورو وكذلك كتاب سمية السويس »شبكة غزة« املرتجم مؤخرا للغة

السويدية.

يف الثقايف بغداد مقهى فعاليات استكملت سبتمرب من األول ويف

مرسح مدينة أوبساال السويدية بأمسية شعرية فلسطينية سويدية

سمية طه، داليا وفلسطينيات: سويديات شاعرات فيها شاركت

وآن تكروري، وباسمة عزايزة، وأسامء الحيات، أبو مايا السويس،

القصائد هال سرتوم، وحنا نوردنهوك، وحنا هالغرين، ومتت قراءة

املغنية موسيقى القراءات رافق كام والعربية، السويدية باللغتني

السويدية »فريدة سبونغ« التي غنت باللغتني الربتغالية والسويدية،

ثم انتقلت األمسية ذاتها إىل ستوكهومل يف مبنى البيت الثقايف وسط

العاصمة ثم إىل ماملو وإىل يوتوبوري وهام ثاين أكرب مدينتني، وتلت

تحت الشعر تناولت حوارات املدن هذه يف الشعرية القراءات

االحتالل، وناقشت حول الشعر الفلسطيني املعارص ومراحل تطوره

مع تطور القضية الفلسطينية

مهند صالحات - ستوكهومل

»األجساد الوحيدة ال تقوى على الكتابة«

الشعر يجمع بين سويديات وفلسطينيات في ستوكهولم

انطلقت

Page 18: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 18

شعر وشعراء

ظبية خميس

صوت العزلة والهدأة

واحدة من معانيها ميكن القول إن الحداثة يف

الشعر، واألدب إجامال، هي كتابة الذات منزهة

عن الغرض، أي املجانية يف رسد الذات شعريا، باملعنى

اإليجايب لكلمة مجانية. كان الغرض الشعري يف النقد

الكالسييك العريب وموروثه واحدا من القوانني الصارمة

للقول الشعري الذي ينبغي عىل الشاعر أن يلتزم به

ليكتمل قوس القصيدة من كل جوانبها.

إذا كان هذا املعنى للحداثة يقارب الصواب، فإن تجربة

الشاعرة ظبية خميس هي تجربة حداثية صافية. يف

السبعينيات من القرن املايض، أي يف مرحلة مبكرة من

تجربتها الشعرية، يلحظ املرء يف شعر ظبية خميس أن

»الذات«، مبا هي عليه من مكونات نفسية أنثوية وثقافية

ومعرفية ومتفاعلة مع العامل واملحيط من حولها، هي ما

ميكن أن يوصف بأنه مركز هذه الشعرية عىل األقل، إن

مل يكن مصدرها أيضا. ما يعني أن ظبية خميس، رغم أنها

نشأت وتربت ذائقتها يف مجتمع ذي ثقافة شفوية تسطو

عىل إنتاج املعرفة والقيم الشعريتني، قد أسست لحداثتها

الخاصة بوصفها شاعرة. رمبا يفرس هذا األمر حضورها

يف »مجتمعات« شعرية وثقافية عربية متتاز بأن الثقافة

الشفوية فيه أقل سطوة وحضورا.

هكذا تكون ظبية خميس بحد ذاتها، بوصفها حصيلة

شعرية وثقافية وإنسانية، نوعا من التمرد الهادئ واألصيل

واملرن عىل مجمل القيم الشعرية يف مجتمع ال زال يقوم

بإنتاج نسبة كبرية من ثقافته شفويا. لنتأمل هنا هذه

االقتطاعة من قصيدة معروفة للشاعرة »شجرة التني«:

جاء السد إىل الباب / فكرسته. / بعد ذلك دخلت السيول

/ سيال ، سيال / خلفت الندوب وراءها / اجرتحت الطوب

والصخور / أخذت معها كائنات وبرش / وتركت وراءها

الكثري من الوحل والطني.

أليست »الذات« الشاعرة هنا هي التي ترى العامل؟

أليست »ذاتا« تصدر من موقف العزلة والهامش؟

أيضا أال تشري هذه االقتطاعة إىل أن الشخص السارد يف

القصيدة هو مثقف أيضا ولديه وجهة نظر يف العامل من

حوله وما يجري فيه؟

إذا كانت اإلجابة بنعم، وهي كذلك بالتأكيد من وجهة

نظر كاتب هذه السطور، فإن ما جلبته حداثة ظبية

خميس الشعرية هو املبادرة والتأسيس لوعي قرايئ، ال

شفوي، للشعر يف اإلمارات يف مرحلة مبكرة من حداثته

ترقى إىل منتصف السبعينيات من القرن املايض أو

أواخرها عىل األكرث. أي أن ظبية خميس، ورمبا عىل

نحو نادر عربيا، هي حصيلة وعيها وموقفها الشعري

واإلنساين من املعرفة والعامل، يلحظ املرء هذا األمر يف

سريتها الشعرية، مثة 17 ديوانا شعريا حتى اآلن وعدد

من الرتجامت النافرة عن االنجليزية لشعراء هامشيني

من العامل ومن أمكنته الضيقة والحميمة وقصص ورواية

»الحياة كام هي« أشبه بسريد ذاتية تقولها من وراء قناع

»مهرة بنت عبيد«، وذلك فضال عن انشغال »ثقايف«

بالسياسة، كل هذه التجربة املتفردة التي خاضتها ظبية

خميس هي التي جعلت منها ما هي عليه اآلن هكذا، ما

يعني أن التمرد ها هنا ليس رغبة يف التمرد بل هو نتاج

وعي خاص وفردي بالشعر ودوره يف املجتمع مثلام يف

الحراك الثقايف بأقىص درجات جديته.

تقول ظبية حميس: »صفقت للنادل يك يجيء / وبدال

منه / جاء قطيع من األسود / يبحث عن رسب من

الظباء. / ال تحتمل / املسألة كثريا من / النقاش / بني

أن تختار أن تكون / القاتل أو املقتول«.

يف

Page 19: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 19

الكتاب: نحو األبد

الشاعرة: ظبية خميس )اإلمارات(

النارش: اتحاد كتاب وأدباء اإلمارات

عدد الصفحات: 130 من القطع

املتوسط

ال يتوغل شعر ظبية يف الغموض، بل إنه عىل العكس من

ذلك يذهب إىل املعنى مبارشة غري أن »الحالة« الشعرية

التي يرتكها عىل قارئه يف أفق التلقي هي التي من

املمكن أن تتقلب عىل أوجه التأويل، أي أن خلو الشعر

من الغرض - املجانية - هو الذي يصنع هذه الحالة

الحداثية بامتياز. يبدو هذا األمر واحدا من االسرتاتيجيات

التي أنتجها الوعي الشعري لظبية خميس، الذي بدوره

يخترب الوعي القرايئ أيضا، وهو وعي مدرب وال يخلو

من »املكر« يف الحالني معا: يف الكتابة ويف اختبار وعي

القارئ.

وال ينأى شعر ظبية خميس، إجامال، عن الهاميش والعابر،

بل واملتداول أيضا، لكن هذا االقرتاب تقوم الشاعر

بتوظيفه ليصبح حالة تأملية يف املصائر الفردية البرشية

ومآالتها: »أجهل ما أصبو إليه / أحالمي ساذجة وبسيطة

/ معقدة ومركبة / وأتخىل عنها مثل فراشة / كل ما

المست النار – تحرتق«.

ومن يقرأ كتاب ظبية األخري »نحو األبد«، الصادر ضمن

مرشوع مشرتك للنرش جمع وزارة الثقافة والشباب

والتنمية املجتمعية واتحاد كتاب أدباء اإلمارات، يدرك

أن مصادر ظبية الشعرية، أو املؤثرات التي هبت عىل

تجربتها، هي ليست من صنيع ثقافتها العربية واالسالمية

وكذلك الغربية الحديثة فحسب إمنا الثقافات املجاورة

للقوس الثقايف والحضاري العريب واالسالمي، وخاصة

الهندية لجهة ذلك املنحى التأميل الصويف القديم الذي

يطبع مبيسمه الكثري من قصائد الديوان املقتضبة

والقصرية: »أرسق حيايت من مويت / أرسق حريتي من

بركان جالدي / مهزومة، وخائفة / مثل ورق خريف

سقطت ولحقتها / شجرة بكامل مثارها التي ماتت /

عليها«.

ورمبا تكون لكتابة أغلب قصائد »نحو األبد« يف الهند

وكربيات مدنها مثل دلهي ومومباي داللة عىل ذلك،

لكن ظبية هنا تستفيد من تقنيات القول الشعري مثلام

تستفيد من املشهد والفضاء من حولها، ورمبا تصرب كثريا

يك تجرتعه وتهضمه ثم ليخرج يف آخر األمر من صوتها

الفردي الخاص، ومن تجرتها الحياتية املخيضة وليست

املتخيلة، وعرب مخيلتها الشعرية التي تقتصد بالنرث: »قل

للغريب يف جوف أرضه / متوت بني غدين وبني زمنني

/ وتأكلك األرض، وال تأكلها. / أودعت الخزائن أرساري

/ وأوسدت جثامين التابوت / وحني ختم الصمت عىل

شفاهي املطبقة / ذهب الرس األكرب معي / تاركا لهم

أهداب خيوط تذوب / بني الدهور وبني كلامتهم. / إن يف

مويت، موتهم / وإن يدفنوين باألمس / ال يدفنون يف مويت،

موتهم«.

صوت ظبية خميس »غريب«، أي هو شعر ميلء

باإلحساس والغربة والعزلة وامليل إىل الصمت والهدأة،

إىل حد أن هذا اإلحساس ينتقل إىل قارئ شعرها، فيجعله

يشعر باإلحساس ذاته، لكنه أيضا صوت دافئ رغم هذا

الربد الذي يشعر به املرء أثناء حضوره يف أفق واحد

للتلقي مع النص: »أتراها األمكنة / تلك التي نتوق

لالنعتاق منها / التي تتخذ طعام ما / يف حلوقنا فيام

بعد / عندما نتذكرها / األمكنة تصنع أشواقنا، تكشف

خبايانا / تعرفنا عىل من نحن بقرسيتنا / املفاجئة، /

وميولنا التي مل نعرتف بها، / انتامءنا املحدد لألشياء،

واألماكن، / واألصدقاء. / بضاعتنا القدمية التي ردت لنا

عرب الرحيل«

جهاد هديب

Page 20: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 20

شعر وشعراء

عبد اهلل بشر

آالم تخلق شخوصا ومدناالكتاب: يف ذمة العشق

الشاعر: عبد الله برش )اإلمارات(

النارش: دارمرييت - القاهرة

عدد الصفحات: 56 من القطع املتوسط

امتداد أكرث من ثالثني عاما كان الشاعر عبد

ال يف النرش، ورمبا يف الكتابة أيضا. الله برش مق

هكذا صدر الكتاب األول للشاعر، أخريا، وأيضا بهذا القدر

من الصفحات كام لو أنها إطاللته الخجولة أو اليائسة

باألحرى بحسب ما تشري إليه الكلامت التي أودعها يف

منت قصائده بالنرث هذه.

مل يقدم عبدالله برش نفسه يوما عىل اعتبار أنه شاعر،

حتى بني أصدقائه ظل الرجل قليل الكالم عن الشعر لكنه

كان يصغي للقصائد ويتقن قراءتها بعني أخرى؛ هي عني

ثالثة بالتأكيد: »يا كل آالمي / أحسست / بيديك تتلمسني

/ تشكلني / رغبة بأشيائك«.

كتب عبد الله برش قصائده القليلة املنشورة يف الكتاب

عىل امتداد مدن عربية كثرية: أبوظبي والعني وعامن

وصنعاء والرباط والقاهرة، مثلام الهند وتايلند أيضا، إمنا

عرب مسافات زمنية متباعدة، مبعنى أن تلك التقلبات عىل

أوجه املدن هي أيضا تقلبات عىل أوجه التأويل، بحيث

يشعر املرء بتلك التحوالت والتبدالت يف املعاين والدالالت

أقرب إىل أن تكون وشاية باليشء واألمر ذاته الذي يطرأ

عىل الشخص السارد يف القصيدة - أي الشاعر ذاته.

يشعر قارئ هذه اإلضاممة القليلة من القصائد أن الشاعر

نتاج تجربة مخيضة يتجىل فيها االحساس بالزمان واملكان

معا، مثلام أنها أيضا »قراءة« خاصة لشخوص بأعينهم هم

غالبا قد وشموا ذاكرة الشاعر بأثر ما يف مرحلة ما من

تجربة الشاعر يف الحياة بكل تفاصيلها اإلنسانية. هكذا

من املمكن أن تتجاور األسامء وتلتقي يف قصيدة واحدة

لييش كل منها بيشء خاص به أو بفهم شعري يجعل من

هذه الشخوص، املتحدث عنها يف القصيدة، متجاورة

ومتقاربة. هكذا يجتمع الشهيد عبد الله كاسني مع ناظم

حكمت وعيل أبو الريش وحمدة خميس والشيخ وآمال

بشريي وحصة عبد الله والشهيد أبو عيل مصطفى الذي

يقول فيه: تفسريك لـ»طري األبابيل / ذخريتنا / ورمادك /

يوقظنا / لن نهزم«.

بل ومع عبد الله برش ذاته، فاألمر هنا ليس فكرة فحسب

إمنا هو مزيج الفكرة واإلحساس معا، ونتاج النغامس

حقيقي يف آالم هذه الشخوص إىل حد أن املرء يحسب

أنها هي عبد الله برش ذاته مبا هو عليه من تكوين

نفيس ووجداين ومعريف، يقول الشاعر يف ذلك املقطع من

القصيدة الذي يحمل العنوان: »عبد الله برش«:

»النجوم… / يف مدينتك تتساقط / كل يوم / أنت البحر/

فليرشبون..«.

غري أن اللغة هنا، بوصفها جملة بنى تركيبية ونحوية،

متقشفة، واملعجم اللغوي لعبد الله برش يف قصائده

محدودة كام لو أنه يف كل مدينة ويف شخص يتحدث

عن أي منهام يعيد تأويل نفسه مبا هي عليه من خيبة

وخذالن ورغبة مريرة يف االبتعاد والنأي. أيضا، ال عالمة

ترقيم واحدة يف »يف ذمة العشق«؛ ال نقطة أو فاصلة،

لذلك ينبغي عىل املرء أن يتوقف بعد قراءة كل سطر. ما

يعني أن املرء قد يدرك أمام هذه القصائد أن كتابة عبد

الله برش ال تشبه إال عبد الله برش ذاته بكل ما فيه من

خياالت وذائقة وتجربة وموقف من العامل ومام يحيط

به سواء أكان شيئا حيا أم جامدا، غري أن لكل يشء هنا

تاريخا ما خاصا به، ال يقال عىل ذمة الشخص السارد يف

القصيدة بل يقال »يف ذمة العشق« فحسب

بيت الشعر

عىل

Page 21: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 21

عفا مايكل ويفر

أن تبدأ الكتابة كما للتوالكتاب: كام الريح

الشاعر: عفا مايكل ويفر )الواليات املتحدة(

النارش: هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة - مرشوع كلمة

املرتجم: وصال العالق »العراق«

عدد الصفحات: 135 من القطع املتوسط

مختارات شعرية من منجز الشاعر

األمرييك األفريقي عفا مايكل ويفر

اجتهدت من خالله املرتجمة وصال العالق أن تقدم

لقارئه بالعربية ما ميثل هذا الصنيع الشعري، خاصة وأن

الشاعر غري معروف عربيا حتى عىل مستوى النخبة، عىل

الرغم من مامرساته السياسية ومواقفه »الشعرية« وغري

الشعرية.

بدءا، وبحسب املختارات، فإن »سرية« هذا الشاعر هي

سرية »الذات« الساردة يف القصيدة التي تقول الكثري من

اإلشارات واللمحات واالقتطاعات يف اإليجاز والكثافة يف

القول بل ويف تعال ليس عىل العابر بل عىل تلك التجارب

اإلنسانية املخيضة التي يجعل منها أصحابها مالحم

بطولية.

غري أن القارئ يلمس أيضا مقدرة هذا الشاعر عىل

تحويل سريته بكل مضامينها الثقافية واإلنسانية إىل حالة

من التفرد بكل ما تحمل البساطة من تعقيد، إمنا بروح

شعرية ال تنأى كثريا عن املجموع، لكنها تعيد التأمل يف

ذاتها الحقيقية فتغدو هذه »الذات« جانبا يسريا من

حياة ثقافية وإنسانية مؤملة خاضها سود أمريكا خالل

القرن العرشين تحديدا، وذلك من دون مواقف مسبقة

أو ضغائن أو كراهيات متوارثة، وبقدر رفيع من التأمل:

»فـي أماكـن مظلمــة أريـد لهـا أن تفتقـر إىل األمان، / مثة

وحوش علمتني الخوف، / لذا ينتابني الرعب من املرايا /

حتى هذه اللحظة«.

إنها تأمالت تذهب إىل ما وراء ما جرى وتحاول أن تجرد

الروح الفردية للتجربة اإلنسانية إىل خطوطها األوىل، عىل

نحو ما كان يفعل االنطباعيون الفرنسيون أواخر القرن

التاسع عرش، وذلك بابتعاد عن الخطاب الكيل الجاميل

والسيايس، وبالتايل الرتاجيدي للجامعة، غري أن خطاب الشاعر

هنا هو خطاب الفرد، إذ يشعر بهزميته الخاصة أمام قدرية

القدر وكل ما ال راد له: »حني نالمس / خيبة الحياة، / يفيق

القدر/ من قيلولته ساعة الظهرية«.

هو ليس بخطاب عدمي باملعنى املتعارف علية بل إنه مزيج

اليأس بنوع من العتاب اإلنساين الذي يرفعه الفرد إىل خالقه

يف لحظات عرس وشدة. وتنتمي هذه القصيدة إىل أخريات

الدواوين التي كتبها »عفا مايكل ويفر«، ويف املقابل، ويف

الفرتة ذاتها وعىل النقيض من ذلك متاما، يكتب الشاعر هذه

القصيدة الجديرة بالحفظ عن ظهر قلب: »خلق الخوف / عىل

هيئة نقاب أزيل / من الدخان / ليعمي ويضلل / عيونا مبرصة«.

كانت هذه مقاطع تأملية من دواوين عفا مايكل ويفر

األخرية، غري أن من املالحظ لقارئ »كام الريح« أن خيط

التأمل الشعري بنزعته اإلنسانية كان قد بدأ مبكرا يف تجربته،

إمنا متأثرة بعدد من شعراء ثالثينيات القرن املايض وتحديدا

ما يعرف بشعراء هارمل ويقول: »اطلعت عىل تاريخ الشعراء

األمريكان من أصل أفريقي باعتبارهم قدويت األوىل. وقمت

بتحديد لغتي الشعرية لتجمع بني أسلوب النجستون هيوز

وجويند ولينربكس الحرضيني من جهة، وبني أسلوب ستريلنج

براون املفعم بالصور والتشبيهات الجنوبية من جهة أخرى«.

رمبا، من هنا نجد الكثري من األسامء من أصحاب العبقريات

»السوداء« التي ظهرت يف القرن العرشين ترد يف القصائد من

شعراء وشاعرات ومغني جاز وتفاصيل أخرى تخص الحياة

اليومية يف معيشة سود أمريكا يف أحيائهم الفقرية، غري أن

واحدة من أجمل القصائد يف تلك املرحلة هي »يشء رائع

وبكل بساطة«، عن النجستون هيوز وآرنا بونتمبس

بيت الشعر

الكتاب

Page 22: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 22

شعر وشعراء

عبد الله أبو شميس إىل النربة الخافتة يف

التجربة العربية الشعرية املعارصة، إىل ما

هو يومي ونرثي، واعرتايف، ومتطامن، وغري نبوي يف هذه

التجربة. ولهذا فإن ما هو ظاهر من تأثريات وتناصات يف

مجموعته الشعرية »الخطأ« ال ينتمي مثال إىل شعر محمود

درويش ذي النربة املقاومة وامللحمية العالية، بل إىل ما هو

شخيص ووجودي وحواري يف تجربة درويش؛ إىل األسئلة

الحائرة التي ال تجد لها أجوبة يف شعره، أي إىل شعره األخري

بدءا من »ملاذا تركت الحصان وحيدا«، مرورا بالـ»جدارية«،

وانتهاء مبجموعتيه خفيضتي النربة، القريبتني يف تعبريهام

من عوامل النرث: »حالة حصار« »2002«، و»ال تعتذر عام

فعلت« »2004«.

قريبا من هذا العامل األخري، الذي عمل محمود درويش عىل

تكريسه خالل السنوات العرشين األخرية من عمره، ينسج

عبد الله أبو شميس عامله الشعري، ويعمل عىل تغريب

النربة الدرويشية الخافتة التي تبدو يف خلفية قصائده،

بحيث يكون درويش حارضا يف شكل قصائده األخرية

وهندستها، غائبا يف موضوعاته ورؤيته للعامل.

يتأرجح شعر عبد الله أبو شميس، ككل شعر شاب، بني

النربة الرومانسية الحاملة، واللغة الفردية املنطوية عىل

ذاتها، والباحثة عن تفسري لوجودها يف عامل باهظ خانق،

من جهة، والتعبري الشعري ذي النربة املحايدة الذي ال نعرث

فيه عىل أي متجيد للذات الشعرية، أو تفخيم لدور الشاعر

يف هذا العامل. تغلب النربة األوىل عىل القصائد املكتوبة يف

سن مبكرة، يف العرشين أو ما قبلها أو بعدها بقليل، حيث

تسعى الذات الشعرية إىل التعبري عن أحزانها وإخفاقها يف

فهم موضعها من هذا العامل:

»ملاذا نحطم / ما جبلته يدانا؟ / وندعوه يف رسنا »خطأ« /

أين كان كالنا / عندما مل يكن خطأ؟ / وحني نحطمه / ما الذي

سوف ينقذنا من رؤانا؟ / نحن أخطاؤنا / نحن أخطاؤنا.. /

والصواب سوانا«.

تفيض بنا هذه الرغبة يف التخلص من حالة التقمص،

ومتاهي الذات مع املقروء، أو املريئ، أو كل ما يشكل آخر،

إىل رؤية للعامل تنظف الطبيعة من اللغة التي تسجنها يف

شبكتها العنكبوتية، يف فائضها الذي يشكل حجابا للطبيعة

والذات واآلخرين. وهذا نقض للرؤية الرومانسية للعامل رغم

أن اللغة الشعرية هنا تنتمي إىل القاموس الرومانيس. يف

قصيدة »يف الصباح« محاولة الستعادة الطبيعة من براثن

اللغة، للعودة بها إىل نقائها األصيل »املوهوم«. وهذه رؤية

رومانسية متأصلة لدى تيار واسع وجذري يف الرومانسية

بأطيافها جميعا، حيث يسعى الشاعر إىل معانقة الطبيعة

العذراء التي مل متسسها لغة: »يف الصباح / يكون الهواء نقيا

من الفائض اللغوي، / تضيق ثياب العبارة / ثم تضيق... / إىل

أن تصري العبارة / ذبذبة / دومنا كلامت«.

وينجح عبد الله أبو شميس يف كتابة هذا النوع من الشعر

الذي يقيم معادال موضوعيا لعواطف الشاعر ومشاعره

الجوانية، بتعبري يت. إس. إليوت، عندما يقتبس من إليوت

مبدال حزيرانه بنيسان إليوت نفسه. إن التناص الذي يقيمه

الشاعر يف قصيدة »حزيران حزيران«، التي متزج بني حزيران

االنقسام الفلسطيني وحزيران الهزمية العربية عام 1967،

مع قصيدة إليوت الشهرية »األرض اليباب«، هو محاولة

للتواصل مع الحداثة الشعرية يف انعطافة واضحة يتخىل

فيها الشاعر عن رؤيته الرومانسية للعامل: »حزيران

»أقىس الشهور« / أىت حامال يف يديه / رصاصا لحرب األخوة /

رزنامة من شواهد / ووردا كثريا ألجل القبور«

فخري صالح

عبد اهلل أبو شميس

بين الرومانسية والحداثة الكتاب: الخطأ

الشاعر: عبد الله أبو شميس )األردن(

النارش: مؤسسة عبد املحسن القطان واألهلية للنرش

عدد الصفحات: 79 من القطع املتوسط

يصغي

Page 23: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 23

حياة الخياري

اقتياد العبارة باتجاه المجازالكتاب: حوار القرآن والشعر عند أحمد الشهاوي

املؤلف: د.حياة الخياري )تونس(

النارش: الدار املرصية اللبنانية للكتاب، 2012

عدد الصفحات: 200 من القطع املتوسط

الباحثة أدبيات الشاعر املرصي أحمد الشهاوي

مجسا لحوار القرآين والشعري، نظرا إىل كثافة

الحضور القرآين يف هذه النصوص، إىل جانب ما واجهته من

جدل عقائدي ونقدي، كثريا منه جانب املعايري املوضوعية ومل

يراع الخصوصية الرمزية املميزة للكتابة األدبية عند الشهاوي،

وهي التي يشرتك فيها مع غريه من مبدعني يعدون النص

القرآين من ضمن املشرتك الثقايف الذي ال يجوز أن تحتكره

جامعة أو طائفة.

الباحثة إذ تؤكد عىل أن حوار القرآين والشعري ليس أمرا

طارئا عىل األدب العريب قدميا وحديثا، وإمنا ميتد إىل زمن

نزول الوحي وبدايات تفسري النص القرآين، فإنها تلفت إىل

أهمية التمييز بني مقومني يف ماهية القرآن: العقائدي،

واللغوي؛ ففي حني أن املاهية العقائدية مرتوكة للفقهاء

واملفرسين، فإن املاهية اللغوية تشكل مساحة مطروحة

لالستثامر اإلبداعي كتابة وقراءة، باستنادها إىل ثراء املعجم

القرآين وتنوع مجازاته، وانطالقا مام توفره املعطيات اإلنشائية

يف النص القرآين من أريحية للتوالد الداليل، »كلام انزاحت

العبارة عن القرآن، واقتيدت باتجاه الشعر«، بحسب الخياري.

لذلك فإن هذه الدراسة ال تتناول مكونات »النص« إال بقدر

قابليتها للتطويع األديب ضمن ظاهرة »التناص« القامئة أصال

عىل مراعاة »املتناص«، والذي ميثل وفق »جرار جينيت« ليس

يف النص ذاته، بل يف عمليات التواصل الكامنة يف رشوط إنتاج

النص ورشوط تلقيه.. ما يجعل املقصد الفني يتقدم عىل

املقصد الداليل، وهذا ما يدفع الباحثة إىل القول إن الغاية من

دراستها هي محاول إنتاج »ممكن« القراءات، وليس تأويل

»كائن« النصوص.

تسوق الباحثة من االستشهادات مام جاء به أبو زيد القريش

وأبو سالم الجمحي وسواهام لتوضح أن متثل املجاز القرآين

مل يتم مبعزل عن معيار حارض بديهة عند املفرسين والبالغيني

القدامى، هو املجاز الشعري، ما يدل عىل أن املعجم القرآين مل

يكن مكتفيا بذاته، بل إن لغة القرآن مل تفهم مبعزل عن غريها

من لغات العرب.

وبالبناء عىل قول الغزايل »يشبه أن يكون كل تأويل رصفا

للفظ عن الحقيقة إىل املجاز، وكذلك تخصيص العموم يرد

اللفظ عن الحقيقة إىل املجاز«، فإن أي عملية تأويل للمقال

القرآين بالعودة إىل املقام الشعري تتم بالتساوق مع عدول عن

»الحقيقة«، واقتياد العبارة باتجاه »املجاز«.

ويف تتبعها ألسس الحوار القرآين والشعري يف أدبيات الشهاوي،

ترى الخياري أن الشعر املعارص يحتاج إىل مامرسة لغوية

هي أشبه بعملية »انزياح عن االنزياح«، بأن يوظف األلفاظ

والرتاكيب القرآنية، مع مفارقة ما علق بها من دالالت ألغراض

فنية إنشائية تطوف يف فضاء رمزي. يقول الشهاوي:

»أكرب من وردة/ أكرب من حجر أزرق/ وأدفأ من ثلج شمس /

أكرب من خاتم نادر/ وأعىل من سورة خاصمتها السامء/ بيوتها لغة

تعطلت املعاجم عن فك شفرة رسها«.

تدرس الخياري يف فصل مستقل اسرتاتيجية التناص مع الحرف

القرآين )تفتيق املخلوق من املعطى(. فانطالقا من أن اللغة

هي الرافد املشرتك بني الديني واألديب، يستقي الحرف الشعري

طاقته اإلنجازية مام ترسب يف الذاكرة الثقافية من سلطة

الكلمة املقدسة، لينفتح حوار النصوص عىل مرصاعيه بني

إنجازات الحرف القرآين وإنجازات الحرف الشعري. وتدرس

الخياري »ملفوظني إنجازيني« احتفى بهام الشهاوي، هام:

»كن« الذي يجسد فعل الخلق(، و«حآء« )ويجسد فعل اإلحياء

والبعث(

جعفر العقييل

تنتقي

Page 24: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 24

شعر وشعراء

هذه الدراسة النفاذ إىل متثيالت األب يف

القصيدة العربية الحديثة عىل اختالف توجهاتها

وانتامءاتها الفكرية والفنية، وهي بذلك ال تفرق بني قصيدة

حديثة أو حداثية أو حتى تقليدية كتبت يف العرص الحديث.

يقرأ الباحث متثيالت األب يف القصيدة يف نحو مائة نص شعري

لسبعة وعرشين شاعرا، الفتا إىل قلة حضور األب يف الشعر العريب

الحديث بصورة عامة، وظهوره بشكل محدود عند بعض الشعراء،

وتجليه وسطوعه يف نصوص بعضهم اآلخر.

يتتبع الباحث رؤية الشاعر العريب إلشكالية األب املتداخلة يف

عالقاتها ويف أبعادها النفسية واالجتامعية والسياسية وامتداداتها

السلطوية التي تتجىل يف سطوة التقليد وهيمنة التاريخ، فالشعر

كام هو معلوم من أكرث الفنون التعبريية قربا من الذاتية وقدرة

عىل تكثيف العامل، ما يجعله ميدانا خصبا لقراءة العامل الذي

يضطرب يف ذات الشاعر ويتجىل يف القصيدة.

يركز الزغول عىل تحليل نصوص يف الجوانب التي يتمثل فيها

األب، وذلك دون مراجعة أو قراءات أو نقود سابقة كام يوضح

يف املقدمة. بذلك اعتمد دواوين الشعراء مصادر أساسية، والقرآن

الكريم والكتاب املقدس مصدرين رضوريني لتقيص تناصات

الشعراء معهام، إىل جانب دراسات أخرى .

يذهب الباحث يف الفصل األول إىل تقيص تعبريات الشعراء

الحديثني عن فقد األب و يقدم قراءة لنصوص ترى األب املفتقد

يف إطار صورة القرية الضائعة، وتربط بني املكان واألب يف تعبريها

عن إحساس الشاعر بالفقد قبل أن ينطلق من فكرة إحياء األب

املفتقد يف االبن واستمراره عربه، وهي التي تجلت بشكل خاص

عند أحمد شوقي. عالوة عىل ذلك تناول الباحث القصائد التي

قدمت األب عرب رؤية متس األسطورة وتتامهى معها ضمن

املرجعية الخاصة بكل منها.

ويحاول يف الفصل الثاين تحليل معاناة االبن من سلطة األب

التقليدي، ومحاوالته التمرد عليها، باحثا عرب مناذج شعرية

متعددة، يف موقف الشاعر من سلطة التاريخ الراسخة يف

مجتمعاتنا. ويف هذا املضامر، تؤكد الرؤى الشعرية التي تعرب عن

سلطة األب التقليدي أي مدى بلغه تأثري هذه السلطة.

أما تلك الرؤى التي رنت إىل األب التاريخي فهي توضح هيمنته

وامتداداته املؤثرة يف الحارض، حتى كأن حارض العريب يعيش يف

التاريخ، أو أن التاريخ يستمر عربه يف الحارض.

يتوقف الباحث طويال يف فصل منفرد عند الشعر الفلسطيني،

مختارا ثالثة مناذج أساسية من هذا الشعر الغني بتمثالت األب،

منطلقا من قناعة ترى أن هذه النامذج تخترص مناذج كثرية

أخرى تدور يف فلكها أو تكررها. ويف هذا السياق يقرأ الباحث

عرب القصيدة، صورة محمد القييس الثابتة لألب الشهيد، ورؤية

عز الدين املنارصة املتميزة لألب يف سبيل الدفاع عن الهوية

الثقافية والتاريخية لفلسطني، وتجربة محمود درويش التي

تتوهج بتمثالت األب، وتتجدد عرب تاريخ الرصاع مع االحتالل،

حتى لتكاد تكتب جميع فصوله شعريا.

وهو يخلص يف هذا املضامر إىل أن تأثري األب يف الشعر

الفلسطيني كان محاولة ملواجهة »قدر خانق يحارص واقع

اإلنسان ويحاول نفي وجوده من املكان«، إذ ارتبط متثيل

األب الشهيد بالتصميم عىل البقاء واالعتزاز بالتضحية يف سبيل

التمسك باألمل )القييس(. أما متثيل األب الفالح املتمسك بحقه

يف أرضه، واملتصل باألب القديم »كنعان« فارتبط باإلميان بأهمية

العودة إىل األرض وكتابة تاريخها الحق )املنارصة(، وهو ما يقارب

ما جاء يف متثيل األب الالجئ أو الثائر عند درويش

هيا صالح

سلطان الزغول

سلطة األب في النص الشعري الكتاب: متثيالت األب يف الشعر العريب الحديث

املؤلف: سلطان الزغول )األردن(

النارش: عامل الكتب الحديث، 2012

عدد الصفحات: 300 من القطع الكبري

تحاول

Page 25: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 25

نصوص

شريء ب

عالن

فناال

محمد بنيسعمر شبانةآدم فتحي

حسب الشيخ جعفرخزعل الماجدي

هاشم شفيقدنيا ميخائيل

رنا جعفر ياسينمؤيد الراوي

باسم المرعبيصالح حسن السيالوي

علي محمود خضيرنضال برقانأمينة ذيبان

Page 26: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 26

محمد بنيس

فخـاريات

دخـانيف الفخارين )أقصد فاس( يشء ما

يبدأ

سفح عىل طريق الرشق

ينبـثق

الدخان وهـو يلطخ السامء

بالغسـلني هنا

جزيرة

ال تعرف هل

صورتها يف داخلك

أو

خارجكجهل يتكـرث

كام لو لم يكن قط أجلسك عند

عتبـته

عىل طريق الرشق )ما معنى

الرشق؟(

تنظر إىل الدخان

من

بعيد كتلةثابتة تقـتلع أفـقا

من جذوره

تتدفق املقابر نحو الطريق

ثم العني

تبحث عن حدقة أوسع

عن أزرق

يف جزيرة كربت مساحتها بأمر ما

تعجز عن مالحظته

من دون جدوى

دخان كيف يل أن

أقيس

ما جئت إليه

بياض املقابر عند أقدام

د شـوق ال يكف عن التـرد

كن من أزرق

إىل أزرق

رمية العـني تهدي لك املجهول

ما تــراه

هنا أترك العني

ترسح

بني قطع من الطني أشكالها تتكرر يوما

بعد يوم

ألواح

مربعات مصفوفة

يف

سطوح تستقبلها الشمس

كام تستقبل دالية

من وراءالذي يجلس واضعا

بني يديه أطباقا تفيض بالصمت

طني يتخمر

تلك أجفان ملا سيصري تحت برص

الفخاري

قوسا يكتمل ثم يبدأدامئا

ذاكرة الرشق مهـددة عىل

مستقـبل األشكال

صفوف من الرمادي

لون

سيكسوها بعد أيام بالصفاء

عىل اللسان

مديح ألهل املكان

قـــبالتك

ضع جسدك قربهتنفس عميقا

حتى ال يبقى منك غري الصمت

ها هو الفخاري بانتظام

يحرك القدم

يك يدور سطح آلة

خشبية

ورثها عن أجداد ال تغادر وجوههم

املكان

قطعة من الطني

تنفرج

شيئا فشيئا تستوي

فوق أسطوانة بحركة اليدين

دائرة الغموض تنمو

دورة بعد دورة

ـرور إنك يف حرضة الس

نصوص

Page 27: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 27

ترشب من منبـع ما يحـرك أعضاءك

دورة الالنهاية بطيئة

منذ مرات عاجز أنا

عن عدها

أنظر إليه صانعا شـكال

من هنا وليس من هنا

جسدي غبار

ذراتهتنقسم إىل نعم وال

وأنا أسأل

هل

غبت عنه

ساحـــــر

ثم النار يف فـرن ألجل ما أنشأت

حركة اليديـن من مربعات ومن

أشكال آنـية هنا الفخار ينضج

عساليـج لهذا اللهب تزداد ارتفاعا

يف دوار الفـرن يقف عامل يروض

النريان ساحر انبثـاقات رسيعة حتى

يتلهـب الفخار يف ملح من البرص

يفـرغ النار يف غور كأمنا رعـد تهيأ

من جبال تحيط باملدينـة يأيت

هــر والوجــــه بني الظ

اق يرتنم الزو

بأقوال يتعذر سمعها

بني األصابع فرشاة منقوعة

يف محلول من املعادن

ماء

ال يبني اللون

زخرف

تراقب كيف يد توزع بانتباه

أضالع شكل هنديس

يعود قاعدة

الزوايا تضبط

اق ما تسري نحوه يد الزو

نشوة التناسب

لحن ال تغادره األصابع رقة

الفرشاة

تتبع ما يحيط به الوفاء

سيبدو الوجه مرآة

ليشء ال نراه

شكل

بني الظهر والوجه

امتالء

يضم الفراغ تحت إبطيه

فراغ

يكتب الالمعنى

جســـدذاك ما يظل مجهوال

ماء

عىل برشة آنية

أو مربعات من الفخار

شكل لهذا اللون يف لحظة عمياء

بعدها نريان تستعيد

أرسار

ما يتبدل )هناك من

أقىص الحرارة( واقفا عىل حد

الالوجود ـ الوجود

خبيء الفرن

بني املاء اللون الفخار النار

قيل معجـزة

قيل سحر

قيل مواد بدورها

تبحث عن جسد سيخرج من املاء

بعد قليل

انبــثاق

من رشفته يطل أزرق

انبثاق

ألشكال يستضيفها بياض الطالء

موسيقى

تحس يف األعضاء دبيبها

حون األطباق الجبانات يصفون الص

فوق طاولة

)انـظر

إىل نهر من

الخطوط يجري(

هنا

يرتفع األزرق

باتجاه العني

يصعد

محموال عىل بياض

الفنان قاسم عثامن

Page 28: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 28

ما ييضء

ما يلمع ما يتألأل

ما يحتدم عند النظر

إىل

زخارف كلها زرقاء

يتضاعف الاليشء يف اليشء

متسك يدك عن الحركة

لسانك يعىص

عني تلبس املحال

تحت دالية

أزرق سيـد من نفسـه

يتلقى الضوء

لعبـــــة

طريقة تتوارى عن العـني

عندما التـزاويق

فوق وجه الصحن تتجىل معلقة

يف مشهد

تشتـد نبضاته

أمام من ينظر بدون

كلامت

ال تظهر يف التـزاويق

غري التـزاويق

أقل من سؤال هذا الذي يشغل

الناظر

إىل لعبة الزوايا مرة تدنو

مرةترتك تحت النظر شيئا

يضيع

يف النهار

أزرق رصيح دائرة قلب دائرةللبياض يسلم خطا

كوفيا

هو اسم املدينة يتوقد فاس

اق بني أصابع الزو

خطوط تلتف أغصان

تسيل ببطء

شهوة

موسيقى من البعيد األبعد

عتمة

ترتاكم فوق جلد

الحروف

هامـــش

صحن

بقدم صغرية

يرقص يف هواء هو البياض

نجمة

ملا سيصبح مركزا منه

التامثل

طور يولد بني الس

أخوة الرضاع

كذلك األزرق

يثبت كلامت السامء

من جديد

لكن

الهامش مقام

العني

)سامء الكلامت تهجر املركز(

تنكرس السطور خلف

زاوية من

الكلامت

دوائر صغرية

منعرجات

إكليل تفتحت براعمه

يف

الضوء

وصيــــة

وليكن ما تشاء

مـاء فـي هواء

هواء يحضن اسرتاحة املاء

حكمة أزرق

يسبح

امتداد املاء يف أفق هو البحر

ال تكتب سوى

الذي شاهدت عن

قرب

لك العني الطفـها بقطر

من رسيرة

ما تشاهد ليلة

أزرق

فوق آنية من الفخار

هناك

هنا

ينشـر الزليج سكينة طافت

باملكان أنصت

إىل األزرق يرتنم فراغ

تحت قبة

يصفوشعاعيا

مل

يغادر األنفاس

أزرق فـــــاس

بأي من هناك ستنظر إىل األزرق

طافحا يالزم الصحن أشعة تزاويق

نباتات هبت رياح عليك حرارة هي

اتقاد ما مل تكن تدرك تكوينه

أزرق

معدن الكوبلت

نصوص

Page 29: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 29

قدامة أبعد من نهر النيل حافية

القدمني جاءت إىل فاس إنك ال

تدري من أين غصن يف أغصان

يضيع سلم عىل أزرق الصني خالصا

وأنت أيتها املوسيقى انهمري فوق

أرض هي العطش البياض الهواء

ال تعول

عىل مقارنة

أزرق

يزهو

قاشان

سلطانباد

األرض الزرقاء

الربتـغال

لكنه

أزرق فـاس

مشاهــدة

ما دمت تشاهد

يف

مرسح

أزرق واقفا قرب العني

صفا من األزرق

أو

فرشـة الزليج

يف األزرق ألألة

خرير

نغـم

لك األزرق

أوسع

من مساحته

أبعد

مع العني األنفاس

يف صحراء عطشها أقوى من األمل

من اليأس

كذلك العني تشاهد األبيض يتحرك

فوق قطعة

كتابـك القادم

الذي لن متـأله الكلمـات

لسعـــة

زاهيا يظل األزرق

رافعا قدميه إىل هـواء

يضحك

اتبع تدفق األزرق

تخومه املتقابلة بأضالع تتضاعفخطه الكويف

يف أثناء حركة أبديـة

حتى

تلسعنك رقصة مجنون

سيكون أنت

جسد يطفـو جسدك

فوق أسـوار فاس

يدخل يف نشوة به التبست

ال جرار هناك

ال أقداح

دواة

أزرق الداوة ضوء

يعيش بني أصابعك حالام

ترتك ألجلهسطح املكتب فارغا

إال من دفرت يحيط بهاويته الصمت

أزرق يرتنح

من غري نأمة أزرق الدواة

ترشب العني أشكالهليال صباحا

بعد ظهرية غسقا

يرقص

تحت ظل دوحة هي الالمعـنى

فخاريون من قبل صنعوا

دواة

ثم دواة

ثم أخريات

بينهـن فرق ما بني يد ويد

عني وعني

هذه الدواة

أنظر إىل قواريرها الثالثة

يوم القلم

كان فوق صلصال اللوح

يخط كلامت كأنها مذعورة يف

وحدتها

عند كل نظرة

أشـربه وأسـقـيه

أزرق الدواة

الفنان قاسم عثامن

Page 30: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 30

عمر شبانة

عن نهايات بيت

-1-

بيته يذهب يف درب قصري للهالك

بيته صورته من أول العمر

إىل آخر شباك وباب يف الحياة

-2-

صورة البيت حلم تنقل

ما بني طفل يطري

وكهل يقاوم صمت اإلضاءة

يف غرفة النوم،

حلم يطري به حلمه كالفراشة يف وهج النار يوما

ويوما يرى يرتجل عن حلمه

سائرا يف طريق املوات

صورة البيت وهم مىض

منذ أول أيامه يف حروب النهاية

منذ الطفولة كانت له

غرفا تتنفس روح النبي األخري

وقرآنه

والجدار نوافذ مفتوحة للصبايا

ومرشعة للهواء الفسيح

-3-

بيته صوت من الضوء

الذي يسطع بني الذكريات

-4- بيته شب عرشين عاما

مىض يف متاهتهوتكرس فيه زجاج منامته الهش

هبت عليه الرياح

وخاض حروبا إىل حلمه املستحيل

-5-

يف الثالثني من عمر أزهاره

بات بيت الفتى جسدا حائرا

م جدرانه وخزائنه تتهش

م يف الحوض واألواين التي تتكو

حتى تشيخ

ق الجدار الذي يتشق

كهل يسري إىل حتفه

بيته هو أوراقه ودفاتره

يف الخزانة أو فوق طاولة األكل

أو يف الرسير

وبني الكرايس هناك كتاب يعود إىل

أصله

ورقا.. شجرا مائال الصفرار الكهول

كتاب الهوى حيث أوفيد ما بني

مسخ وعشق

كتاب الحنني إىل وطن

وكتاب فنون مهيض الحروف بعزلته

والغبار

كتاب املنازل بني املنايف وغربتها

والرسير الذي ظل يحتضن الحب

عرشين عاما وصار مالذا لبعض

قصائد لوركا وأشعار درويش آخر

أيامه.. بيته قمر ل وزر منازله صامتا يتحم

ومنازله من نجوم طفيلية

ترضع الضوء من دمه

ونجوم منازله انترثت

يف فضاء العواصم

آدم فتحي

غذاء األمل

بعد أن احرتق أخي يف الساحة العامة كفكفت دموعي.

التضحية مصباح وسكني. وعىل اليد الناجية أن تجرح

العتمة مبا اشتعل، يك ال يذهب الحريق هدرا.

سأظل أميش ويف يدي النار. كلام حككت قدمي باألرض

سمعت غناء الرمل، خفتت الضجة الحيوانية املنبعثة

من تحت األقنعة والكاممات، املعششة يف املسام مثل

الصمغ.

العتمة ال تنهار بسهولة. إنها تزداد قوة كلام وقعت

أرضا، كأنها ترضع أنهارا ماكرة ال ترى بالعني املجردة.

وعليك أن تلقي بها دامئا إىل حيث ال جذور.

مثة أيضا كائنات كثرية يجلبها الضوء. بعوض. ذباب.

أرساب من الحرشات السامة.

أقول لها هذا حريقي وليس كعكة، لكنها ال تبايل. ال

ترتك املغارات إال إىل وليمة.

لذلك تعلمت أن ال أتوقف عن امليش. لن أضع من يدي

هذه النار حتى إمتام املهمة.

نصوص

Page 31: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 31

-6-

يف حقيبته كان قرآنه

وأناشيده الخالدات..

ته: دعاءات جد

يف الرحيل بعودته

يف السجون سطوعا لثورته

يف املساجد نجام لشلته

يف طفولته

قمرا فاتنا كان..

كانت له نجمة للسهول

وأخرى لعزلته

نجمة الطفل

كانت تقاتل يف السهل حينا

وحينا عىل حافة الورد يف عني أنثى

فيخرس خيط طفولته

ويضيع الفتى

يترشد بني الخنادق

واملنزل املتدثر باملوت يف الصلوات

ويغرق يف ضوء صورته

ويضيع الفتى بني شمس املجاهد

)ذاك الذي ال يجاهد( يوماونجم الفدايئ يوما

ة النهر ويسطع ضوء الفدايئ يف ضف

يسطع أيلول باملوت والليل

يسطع موت الفتى بني إخوته

-7-

يف الثالثني عاد الفتى ساحرا

سحرته ليايل قصيدته

يف الثالثني عاد إىل التيه

والتيه صحراء متتد ما بني رشق

وغرب

يسري إىل روحه يف الخفاء ويف صمته

ويسري إىل صوته

أي صوت يقود خطاه

فيميض إىل ليل حريته

ليله الذئبة الهمجية

تقضم أيامه ساعة.. ساعة

ليله ملك يرتبع يف بيته

ليله ملك قاتل

يرتبع يف عرش غربته

ومىض العمر

يف األربعني غدا العمر

ثرثرة عن بداياته

وانقىض زمن من هباء وثرثرة

عن برودة أيامه

وثقوبات جعبته

هو ذا

منذ خمسني تأكله ذئبة الوهم

ترسق أحالمه

غري أن الفتى الكهل

مييض إىل حربه

د صورته ليجد

م ويعود إىل بيته املتهد

بية مثقلو الجيوب وكذلك إخويت النساء والرجال والص

بهواتفهم وحواسيبهم املحمولة.

حتى الخروب وشجر الدفىل لن يتوقف عن امليش ومن

حوله النخل والزيتون والربتقال وشجر الدفىل.

عىل كل أن مييش مبا يف يده من الحريق. وأن يلقم

اآلخر أحالمه مثل طائرة ترضع أختها يف الجو.

وال يخيفنا أن نرى العتمة تتمطى. لن يخيفنا حتى أن

نشعر أحيانا بيشء من اليأس.

قدر الضوء أن يجلب دامئا البعوض. وملاذا الخوف ما

دام األمل نفسه يحتاج إىل يأس يغذيه.

الفنانة سامية حلبي

ىسملو

رص ا نا

انفن

ال

Page 32: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 32

حسب الشيخ جعفر

التنقـالت

-1-

أوىص سليامن الحكيم عىل البساط،

فطار بامللك البساط

فرأى الربية كالنامل تدب دبا أو

تساط

يعلو عىل أكتافها هرم،

وتعنو تحت أرجلها الجبال

وتحوك أيديها أليديها السالسل

والحبال

فبىك وقال:)لم العلو وما أنا

يف النمل إال منلة ؟

فإىل الرثى بنا يابساط!(

-2-

أنا خيط مسبحة، وحبايت انفرطن،

فجمعيها يافتاة

خرزا يقي الصبيان صفرة نظرة

ـرا ودبيب أفعى وتعث

وتخريي الزاهي لجيدك،

وانرثي منها الفتات

ذهبا بأيدي )الالعبني( الخائبني،

تصببوا عرقا،

وما أنا يافتاة

منهم، لعل آلخر غريي بها كسبا

ونفعا!

-3-

ـها الرضا أنا جئت حان )الريم( أسأل

ساعا،

وتأخذ ما تشاء!

وشغلت عنها بالكؤوس أعبها،

وتعب من كييس ومني!

واحدودب الضوء األخري وأطفأوه

واغلقوا،

وأنا أمني

عيني... واستعىش البصيص البله،

واغتنموا العشاء

وخال الخليون الكوادن باملنى

وخال املتيم بالتمني!

-4-

قد زل )ذو القرنني( يوما، يف

الطريق،

بعظم بغل فأستشاط وأرعدا

ودعا اليه بكل بغال، وأنذر أن

يطيح

: ملن هو البغل برؤوسهم إن مل يدل

النطيح!

فتشاوروا وتحاوروا،

فبدا فتى منهم وقال فأسعدا:

)هو بغل بغاليك طرا،

فأعف أو فأبدأ برأيس يا مطيح!(

-5-

صنعاء تحت ثلوجها الصيفية

الخفرات

تصحو أو تنام

مني السالم!

أرخى املقيل عىل الصحاب )األيك(

فأقرتح الصحاب...

فأذا انثنت )أمة العليم( وأنزلت

يدها النقاب

فعيل من أردانها أرج، ومن فمها

ابتسام

-6-

ألقيت للملك الحديدي املصفح يف

الكنيسه

قرشا فرن القرش يف املبنى،

ويف الطرقات،

والتطمت به ملء املقاهي

)الطاس(

تقرعها أكف الضاربني

وعىل خوان املرشب القاين استدار

فدار دورته الكبيسه!

فسللت منه رنينه الخاوي،

أتوج بالتامعته امللوك الغاربني

وعىل خوان املرشب القاين

تدق به أكف الشاربني!

بعيدا تتوامض الذرى

وهكذا أوشكت قصتي أن تنتهي

قبل أن تبدأ، غري أنها قد تبدأ،

أحيانا، من جديد، بنظرة من هنا أو

نظرة من هناك.

اىل أنيس الحاج

أنا مثلك كنت الصبي الغرير

أتلمس منها ارتكاض الضفائر

محلولة ، مرسله

و)الرسولة ( فالحة مثله

يف املراقص مبتلة، طامث

يف الهزيع األخري!

اىل شاريل شابلن

ضحكا أسودا

كنت تضحك، فاألرض تضحك

ضحك ابتهاج مرير..

نصوص

Page 33: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 33

أي كلب شديد، رضير

قد يؤرق بالصيحة )املنتدى(؟

اىل بتهوفن

أفقر الفقراء عىل األرض كنت

ـتك الحائله بحل

وهي )قطر الندى(

إمنا الربق اليتخري غري الذرى الطائله

)عاصفا، مرعدا(!

اىل موزارت

ضاحكا ضحكة الطفل أم ساخرا؟

يف ابتياعك عبء الطامطم؟

و)الداعره(

تتخبط الهثة، سادره..

أو مل تلق محتطبا آخرا؟

اىل بلند الحيدري

تحت آخر سلم قبو ظريف

)مرقص باسم بغداد يف املغرب(

قد أصادف وجهك مقرتحا

أو مطيف..

نافضا )غربة الخطو( عن ثوبك

املرتب!

اىل أيب الفتح الخيام

الرصارص، ياشيخ، تغدو، تروح

غري آبهة يل مغاظا، عىل كأسه

حانيا..

كل ما قلت رغوة شمبانيا

قد تطري بنا برهة

ويطاح بها من أعايل الرصوح!

خزعل املاجدي

الرقصة األخيرة لصانع األساطير

كان من الصعب استدراج حيايت إىل

هذا املغطس

فقد كانت ناحلة وصفراء

وال حدود لشقوقها

لن أمنع رحالت السيوف إىل

أعامقي

لكني سأرقبها وهي تغور هناك

رمادية مثل الخريف

حيث التيار الواهن يالحقها

م ألواحا منسية وحيث العمر يكو

باتجاه السامء،

هناك.. هناك

حيث تدور النسور

ويرتفع صوت النحيب

انظري حلقات شعرك السوداء

وهي تنزل عىل

رقبتك وصدرك مثل الخواتم

وأعرف أن طريقي الوحيد هو هذا

هنا.. حاولت أن افهم الربيع أكرث

وتهت يف دخان عطرك

هنا شممت الكحول وملست الندى

العودة إىل فراشك

والنوم بني أعمدتك

أغلقت رايس

وعرثت عىل حلمي الشاسع

لكني لن أرقد يف سالم

فرحالت السيوف ما زالت طائشة

يف أعامقي

والنسور.. النسور

هناك تدور يف األعايل.

* * *

الرمل املهجور

حيث كانت آثار أقدامك

وشكل جسدك الساخن

كام يف عني الحوت

حيث شهوات الصلصال

كام الجنون يدفعنا مع التنني نحو

املوت

املعاين ال تتواصل فينا

تلك أيامنا املهملة يف الرمال مثل

آثار قدميك

فاض يب حنني إليك

وفاض معي العطر األسود وغالالت

الربيع

يدسع

ل ن آ

س ح

كرشا

ل: صي

تف

Page 34: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 34

ماذا يكون عيل أن أتقيه

الجامل أم الخمر منتقال يف عروق

األغاين

غبار عىل وحديت

لكنها تخدعني بالذكريات

زهرة يف يدي تتذكر

وقريب نهر

ال مراكب فيه لكنه محمل

باألخشاب القدمية

ماذا يكون عيل أن أتقي

حدقة الذئب تالحقني

وأنا يف رشود وحزن

حيث آثار قدميكوحيث جسدك يتالطم يف

ومتوت البذور ويجف النبيذ يف

الكؤوس

وحيث ينطفيء الحجر

هنا أسفل اللوح أو عىل النهر

أو يف حدقة الذئب

وهناك يف أعامقي

مازالت السيوف تغطس

والنسور تدور يف األعايل

* * *

طائر النيزك يرضب قلبي

ويقتحم عربتي

الثريان تجر قوافل اآللهة يف السامء

وزبد املوج يدهن عنقي

تومض العالمة الصفراء

والرشقات النارية

والفضة المعة عىل فخذيك

مرت عرب شغايف

وفصلني عنها خريف أحزاين

لكنها تحشدت بالكحول وفاتت

من خالياي إىل املاء

اردت العودة

وحاولت ..لكني مل استطع استعادة

نجم الشامل

ملاذا كان عيل أن أقف وحيدا هنا

يف صحرايئ

واألشجار تسعى بعضها لبعض

نجوم ناعمة تنزع يف أعامقي مثل

الحصف

محاولة الصعود إىل عيني

أحيانا يف الليل تيضء قليال

ثم تغطس يف مياه األعامق

والبكاء يتسع بينام أحدق يف السامء

وارى السيوف نازلة منها نحو

أعامقي

والنسور.. النسور

هناك تدور يف األعايل.

وهم الزمني مذ قرأت األلواح

ومذ تفرست يف اسطوانات املعابد

وتهجست بأناميل نقوش التوابيت

واألرضحة

حدثتني الخرافة هكذا

حدثتني ومل متل مني

عرفت أن حيايت لدغتها األفعى التي

هبط

من فمها الكالم املقدس

الطبول تغوص يف الوحل

بينام صانع األساطري يرقص رقصته

األخرية

جعلت الروح هواء

وتهجيت بصعوبة كالم األيام

ال أحد رعى حزين.. سوى امرأة مل

أرها

هناك يف مالذ مضطرب

وهي تقف وسط العاصفة مثل

إلهة باسلة

ال تخاف

قلبها الندي من ذهب ومرمر

ترد به الظالم

الصناديق مملوءة

وأنا ملقى عىل الرصيف

أهذي بأغنية حبي

نصوصيد

سعل

ن آس

حكر

شال:

صيتف

Page 35: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 35

الوحشة ليست هكذا..

حتى النفي وحتى املوت ليس

هكذا

كل بريق يف زاويتي خبا

وقصبتان مرتفعتان حويلوأنا أدور راقصا

بينام الناي ينحرس شيئا فشيئا

والطبول غاصت كلها يف الوحول

وأساطري تبددت يف دخان املدينة

فتحت النافذة وشممت زهرة حبي

الوحيد

وكدت أنام

الخرز تناثر حويل

وغزا شعري الفجر

وكانت يداي مخضبتني يف النهر

بينام سيوف تتساقط يف أعامقي

وهناك.. هناك

نسور تدور يف األعايل.

* * *

كل ما كان للنهر يعود إليه بعد

الجفاف

حني أصبحت يداي مأوى ألغصان

الشجر

حتى نوافذي مل تعد

الرتاينيم رسعان ما شتمتها رائحة

املدينة

وعىل الضفاف تحترض األسامكوتزداد حركة القواقع بطئا

وهناك حيث هرع الجميع إىل

قبورهم

بقيت وحيدا أرقص

وأصنع أساطريي من الطني

لكنها تنفرط يف يدي

ذهب كل ما يعود إىل النهر

ومل يكن هناك رفيف

سوى بقايا الناي القديم وعيون

الذئاب

حيث الدخول يف النوم العميق

زائغ العينني من خمر أو هياج أو

نسيان

حيث أقف يف مدينة أشباح

وأوقظ بلطف جمري القديم

وآلهتي املنسية

لكنها ال تجيب

نامت قبيل يف الشقوق وتحت

الرتاب

ومل ينفع إخراجها من ذلك الصقيع

حرارة العامل أختفت

ونضبت األرواح

اختفت من الحب األغاين

والكابوس الذي سقط يف املدينة

ما زال مثل لص يتجول

الناس مثل القش يرتنحون أو

يتكومون

جاءوا عرب الخوف

ومتددوا يف شقوق

ركضوا إىل هاويتهم بعيدا مع القمر

وأنا.. أنا أيضا مل تعد له ساقان

قويتان للرقص

رغم أن يف صناديقي الكثري من

العكازات

لكني عىل وشك أن أدفع بها إىل

املاء

فقد كانت رحلة متعبة

ومل يعد ضهري يقوى عىل حمل كل

هذه الصناديق

أما أعامقي فكانت تتلىض بالسيوف

والنسور هناك

هناك تدور يف األعايل.

* * *

أنهض بساليل

وأنتبه إىل الشعلة اآلفلة التي بقيت

يف الشموع

ذئاب كثرية مرت قريب

وأحجار كرثة سقطت عند أقدامياألغاين السوداء كثرية أيضا

وهي تنطلق مع صباح كل يوم

وتظهر كام بقع يف السامء

جلست عىل الحجر مع األغاين

ومل يعد بأمكاين الرقص

إنتظر النهر أن أقوم

انتظرت مني األشجار والطيور

ليست بعيدة

كنت أتوق لغابتي

وأفتش املغاور

نامت أغنيايت الكثرية

ومل يعد لها سوى الصدى والغبار

فتحت صندوقي وطري أحالمي مثل

عصافري جائعة

سقطت يف النهر اليباب

طلبت منها أن تعود إيل

لكنها مل تعد

ال عزاء يلكل يوم يف )كركدريل( أجلس وحيدا

وأتنفس

وال لون لساقييوكام أجعل من الدموع غصونا

كنت أرتفع مثل زقورة

ألرى من فوق

جذوري كيف تتلىض بالسيوف

والنسور هناك ..هناك

تدور يف األعايل

Page 36: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 36

هاشم شفيق

مملحة وسط زجاجة بللور

يرقد هذا امللح

ويهدأ . . .

أذكر غاندي

قد حارب بامللح

بأرض من ملح

كان يفاوض -

هل ميكننا اآلن

محاربة األعداء مبلح

وامللح مبملحة قدامي يرقد ،

سأحركه ألرش به البيض

املسلوق،

أحركه ألرش به قلبي

وأملح بعض األحوال

فالكالسيوم األبيض

يوجد يف الريح

ويف البحر

ويف قدح الكريستال .

المنشار يف حي شعبي

مثة نجار

كنت أختلف اليه –

ألجلب كرسا من خشب

لشتاء يرقد تحت مفاصل عائلتي ،كنت صغريا

وأحب صدى املنشار

الذاهب يف األخشاب

أحب نشارته الذهبية . . .

أما اآلن

حليف الظل أنا

حليف الشجرات

لهذا أحمل غابات فوق الظهر

ألرشب منها يف الرس

جامل الشجرة.

كوز عادة أجتيل

يف الصباح صحونا

فناجني بن

كؤوس نبيذ وشاي

بعيدا عن النخل واملرتبيات

جلوت سنيني وصمتي

جلوت القذى والنوايا ،

فبني كؤيس

وبني صحني

وبني غد

ثم أمس

وحيدا مضيت اىل املنزوى

لكيام أرمم نفيس

ككوز فخار

تصدع يف الشمس .

علبة العلبة سوداء

من املخمل

تخفي يف الطيات

محابس شذر

وأساور من عاج ،

األقراص الجافة من بودرة

وزجاجة عطر تخفي

أصغر من بنرص

هي صغرى

لكني حني أبرصها

أتخيلها

ترقد فيها غابات

ولبوؤات

أحيانا أبرص

صمت بحريه.

قنديل البحر علم يف ساقي

عالمات

جرحني القنديل

لهذا أتساءل :

من أين تجيء لهذا الشفاف

العدوانية ؟

ها هو ذا

هالته مرهفة العرق يبني إذا

مثل عروق التني

هل هو ورقات من ضوء سقطت

يف البحر

رماها قنديل يف املاء

لتجرح

وتشاكس طيش السباحني ؟

اليعاسيب تطري اليعاسيب

هامئة يف العراء

مجاميع يف الضوء ترسي

لتحيا حياة عىل األرض

واحدة حسب

كالكائنات حياة

ليوم

نصوص

Page 37: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 37

ليومني

لكنها رغم هذي السويعات يف

العيش

تحيا

تطري

وتنجب فوق رسير الهواء .

قوس قزح لدي قويس قزح

أخبئه يف رسيري

منذ الطفولة

ومنذ لقيته

يف الصباحات

جنب البساتني

متكئا

ناحال وصغريا

فويق سياج

لذلك

ال زال قرب وسادي

معي يف الرسير ينام

يشع

ييضء ويحرسني

من ليايل النكال

ليايل الشتاء الطويل .

مرساةيف سفني إنحدرت

باحثا عن السالم

وراء املحيطات ،

أتنقل بني املرافئ

عيل أجد املراد . . .

شابا كنت

ذا طاقية

ومنظار

ومرساة . . .

مر دهر

ومل أجد املرتىض

يف كل مرفأ

وخان عىل الطريق ،

لم الق حتى من يلقي عيل السالم ،

شبت

وعميت من التحديق

يف الشموس واألصائل ،

ترى هل أنا عوليس

تهت يف متاهات من املاء ،

ألقي مبرسايت

ولكن

ليس هنالك غري بياض املياه ،

أين األرض إذا ؟

مازلت أرمي مبرسايت

حاملا بالنبت واليابسة .

المفتاحهو كرسة رس

أو رشيحة من سؤال ،

سؤاله يكون غالبا عن القفل

بينام رسه يكمن يف الباب ،

يتقدمنا حني ندخل

وحني نهم بالخروج

هو نزيل الجيوب الدائم ،

نصطحبه دامئا معنا ،

نتحسسه أحيانا ،

مرات

نتفحص أسنانه

ونواجذه

لنتأكد من سالمتها ،

نخاف عليه من الضياع

ألنه فلذة منزلنا

الفنانة سعاد العطار

Page 38: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 38

دنيا ميخائيل

في المتحف

يف املتحف

إالهة سومرية صغرية

تقف خلف الزجاح

ويداها اىل أعىل

تلمس السامء.

يف زياريت الثانية

تكرب اآللهة

متيل قليال

ويداها اىل أسفل

تشري اىل األرض.

يف زياريت الثالثة

تتمدد أفقيا

ويداها اىل الجانبني

تتهيأ للنوم.

يف زياريت األخرية

تغلق عينيها

ويداها عىل صدرها

تخبيء رسا.

قمر منيساىل ساندرا أوكونور

عنده قصة طويلة

عندها قصة طويلة

تفاصيل

وأحداث

وشخوص.

اليشء من ذلك يهم

ليديهام املتشابكتني

يف هذه اللحظة

يف هذا املكان

املخصص للنسيان.

يف مكان آخر،

قبل غمزيت عينيهام،

تناثر ورق الشجر

مثانني مرة

بينام الريح

كنست األسامء

واملواعيد

واملالحظات...

رنا جعفر ياسني

أغويك.. وأقصدني

بعد أن قضمت الحرب أقدامها

وأسدلت نهديها يف وجه الجوع

ت السامء غيومها بعد أن عض

يك ال متطر كلام نشف أديم البكاء

بعد أن غادرت اىل القيامة

ومل أجد شواء للقلب

فقط فراغ أبيض ال يدنس إال بالقبل والجسد األوحد.

بعد أن تجسدت لن أنطفئ

سأعود لفتح األبدية

أتعاىل

.. تأويل ال أكرث

. وإىل مجمرة أعظم إبهارا ألتم

تعال..

من يوصد الجنة ماذا يفتح يف رؤياه؟!

بنكهة دعابة ال تشيخ

قل هو املاء اشتهاء

. والهواء بال ترو

قل هي النار ابتالع , والرتاب بال اصطبار

ينا السكوت؟! ... فبأي معجزة يصري الكون كونا لو توخ

أوقد القلق

وباحرتاس, أالمس األبجدية بحاسة جديدة

أخترب تقواها

د, كارسة االرتجاف بحرف الصرب. إذ تتهج

املاء إبن السؤال

ن ال يتاميل حينام أداهمه بتفاصيل مل تتلو

هو مستوحش كندبة

كتبوا به نواح الرتاب الفاصل بني الحياة وما بعد الحياة.

واقفة..

نصوص

Page 39: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 39

ـها ذابت يف النهر كل

وهو يجري تحت أقدامهام.

عنده قصة طويلة

عندها قصة طويلةاليحيك لها شيئاالتحيك له شيئا

نصف قمر يطل عىل املكان

الأحد يدري أين نصفه اآلخر.

الطائرةالطائرة القادمة من بغداد

تحمل جنودا أمريكيني

ترتفع فوق

فوق

فوق القمر املنعكس

عىل مياه دجلة

فوق غيوم مكدسة كالجثث

فوق قيثارة قدمية

فوق صدورهم امللطومة

فوق أناس مخطوفني

فوق خرائب تنمو مع األطفال

فوق طوابري طويلة يف دائرة

الجوازات

فوق صندوق بندورا املفتوح

الطائرة بركابها املنهكني

ستحط عىل بعد ستة آالف ميل

من اصبع مبتور يف الرمل

ح كفي نحو شمس ال تفرت أرس

تضاؤل وانخداع.. ال أكرتث به

االندالع فقط

ما التحليق إال بجرعة تليق

وتنهش قليال

ر, أقصد األعايل لبصم الغيوم. أتبخ

املاء وريث نفسه

والهواء حفيد األجساد

م منه. كل ينطق مبا يتضخ

يف الطريق إىل الضوء..

طاعون مستاء

أدفنه يف بالونات محجوبة

وأمسح رفات ما مل يتحقق عن تضاريس الهواء

أصقل زفري أصدقايئ ليلمع عليه رحيق الحياة

أغسل املاء باملاء

أرقيه بقصيدة

وبصالة يتيم أرضعته العصافري زقزقتها

ه بدهشة مخلوطة مبا مل يتشوه أرش

أحمل النار عىل كفي

وأعجنها بالصهيل

ال ترتعد النار من نارها

د أوردتها وال تنطفىء بهدوء متس

الرتاب قد يتأن قليال

ك. باحثا عن زاد ال يتفك

أخترب الرؤيا

من غري عناء, وبوضوح رشس جدا.

سواي ال أحد يستطيع مطاردة الشمس

أفال أستحق كونا يل؟

الفنان جواد سليم

Page 40: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 40

مؤيد الراوي

ساللم

شخص ما، يف سقيفته العالية،

يختبئ،

يظنها قمرة قبطان سفينة مبحرة،

والسواحل ميد اليد إليها فتبتعد

وتبتعد

كالزمن الذي اشرتاه ثم ضاع.

يحيص وينضد فيها، عبثا، أعوامه

امليتة،

فتغطي وجهه غاممة.

ال يبرص،

ال يريد أن يبرص.

رسعان ما ينزل سلام،

من طوابقه العليا،

درجة

درجة

حامال جثة زمنه.

فر يف برئ عميق، حيثام يطأ ح

ويهبط مخدرا نحو كهفه،

ينزل

وينزل

مثقال مبتاعه.

يصادف يف العتمة نفسه ـميسها ويصعد خفافا

يتقدمه وهج نور يزيد من عامه.

ـ أعرفك؟

ـ كال

ـ لكنني التقيتك؟

ـ رمبا،

يف ظلمتك،

أنا أصعد السلم

وأنت تنزله،

غري معني بالصعود.

شخص ما؛

كائن مضمد بالقامش، ثقيل الحركة،

ال يحفر يف قلبه، ويتوخى أن ال

ميس قلب اآلخرين،

ينزع إىل الهدنة مثقال بأحجاره

غري مكرتث بالصعود أو بالنزول؛

خلد يحفر مختبئا من الوهج،

درجات سلمه مزدحمة به. يغلق

صندوق سنواته

عىل رس يقتات عليه، ويلعب.

يصعد

وينزل

غري مبرص، عرب الرواق، تلك السامء

حينام يرتقي،

ويف هبوطه، كلام المس القاع،

ق يف األرض حفرة. يعم

رسيره الحفرة

للمخبأ

األخري

شخصان

عن أحداث أمس

يقرأ العجوز يف املقهى ـ

، مرآته وأنا، الجالس يف الركن القيص

العكرة،

أدخل دخان رأسه؛ كغيمة

فوق أكواخ القرية، من نار الحطب.

ال أعنيه وال تعنيه اليقظة يف

الظهرية،

ال يكرر القرية بل يوصلها، يف سامء

مزدحمة بالصور.

القرية عىل النهر تتشمس

يف بالد بعيدة، كل منا يف صحوه ويف

النوم يراها

مرتبة مهجورة، كالبها سائبة.

ما نلمسه هنا تبغنا والقهوة

السوداء فوق املنضدة،

أراه يرتشف وميتعض. أرتشف القاع

املر وأحيص األيام.

ها هي مكنسة الزمن

مته يف مقهى، عىل كريس، خلف كو

لوح الزجاج :

وأنا توأمه املنيس أستنسخ املايض.

متر بنا الـرؤى ـ طريقنا املغلق ـ

فطورنا الصباحي

مغمس بالهذيان.

صخب الناس والناس خلف الزجاج

أشباح :

عشاق، و بائع الورد، عازف

املوسيقى يجمع النقود.

يف الباحة أمام األرسة التي جاءت

يتطاير تاج البرية بالريح الجنوبية،

ويف هذا الشامل

بخار فمك يتقدم،

يدخل الربد شظايا زجاج يف العظام.

مصاب بعنة الكالم تومئ باليد

الثقيلة

مثل شحاذ يستعطي النقود.

خلف الزجاج، تلك العائلة، نظنها

سعيدة

برفقة كلبها األسود؛ يجول ويجول

ويلطع البالط،

يشمشم تحت األقدام الفتات.

يبحث عن املودة.

نصوص

Page 41: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 41

رمبا هو كلبه األسود ) عقد صداقة

بينهام (

أىت من تلك القرية البعيدة عىل

النهر

ال ليرشب القهوة بل ليشمشم

األثر.

إستدر أيها الكلب لرنى البقعة

البيضاء تحت عنقك .

جئت الهثا باحثا تعلن الضياع

وتبحث،

تحمل عىل صدرك السحابة البيضاء؛يف سواد فروتك غيمتنا، ونحن نشك

يف الصحيفة؛ ال خرب عن مهاجر، أو

عن سفينة جنحت.

اخرج من بني أقدام العائلة معلنا

سوادك،ارفع فكك املستدق

بوجه السامء.

اطلق عواءك

لتمطر الغيمة فيكتمل

هذا السواد

وهم المكان

البيت الذي تسكنه اآلن

كهف تفوح منه رائحة الثوم

ويكتيس فيه هيكلك بالكلس

وبالوسخ.

الريح آتية إليه، وبها نرش لزج

لصيق بردائها البايل،

واملاء عطن تغرفه، يكرث فيه ما

تحمله الرأس من فقاعات.

هذا ما قلته يل أنت،

وداري ال تركن إليها القطا

أو تناديني فيها األصوات

فتموت الروح

هكذا طردنا

من األماكن :

من البيت الذي كان صفحة من

الوهج

وظالال بخفقة األمهات.

أبعدنا مع النهر يف مجراه العميق

ليعود مرة أخرى

إىل الصخرة

مصلوبا لدى النبع بالوقوف.

نرى الريح تخنق يف البرئ

فال متس الشجر وقت الظهرية،

وحني ندير األشياء ـ أدارتها يد

الشيطان ـ

تأيت بالرمال متأل أكفنا.

) نحن املالئكة املمنوعني من

الرحمة (

يحجب النور عنا،

تسقط وجوهنا

مثلومة بالزمن الحارض املنيس

عتيقة بوشم األماكن،

وقد أقصينا عنها

مرة

وإىل

األبد

الفنان شاكر حسن آل سعيد

Page 42: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 42

نصوص

باسم املرعبي

كنت في أصل الوردة

صورتك املنطبعة يف خلد األنهار

تحملها أمانة من جيل اىل جيل

ليس من غبار قادر عىل محوها

أوضباب

ومامن نهر رشبت منه اال وعدل

عن اإلندثار

مل تكوين قطرة الندى عىل صفحة

مرآة الوردة،

يندهش ملرآها طفل تنقصه

الكلامت،

أنت كنت يف أصل الوردة

ويف أصل قطرة الندى،

الشجرة تجتمع كلها منعكسة يف

قطرة

الطبيعة تأخذ الدرس منك،

من تاجك

ومن قدميك املرسومتني كحليتني

صغريتني

أفكر يف ابتكار أرض تفكر بقدميك،

بضوئكبكل هذا الذهب املصكوك نعاسا

بكل هذا السحاب املتساقط من

كالمك

.........

أنت من ساللة األنهار

من ساللة املطر

تحت ظل نجمةأكتبك تحت ظل نجمة

أكتبك ضوع زهرة برية،وأترشد هبوبا

مطاردا طائر الرساب

ال أفق يحد ضياعي،

أتعلل بكل رسالة امنحى عنوانها

ألخرتع عناوين ترتنح يف الجهات.

،،،

اللغة كاغد تحت املطر

نجم وراء كثبان الغيم

سهم يف عاصفة، يلتمس اسمك،

تطلقه يد سكرى

،،،

ماسة يلتمع صوتك

يدور يف مساره، مثل كوكب

يدنو ويبتعد كومض تفرقه الريح

ترتصده يدي

أريق له الوقت أضحية

فام تعود الصحراء تقاس بالرساب

أو العطش

أو البحار التي ال متوج بها سوى

الظالل.

صالدة

ترضب الكلامت قلبها الصلد وترتد

حتى لكأين أسمع لها رنينا!

مثل كوكب شارد

اريدك، هكذا، بدون التفكر مبا

مىض

أو مبا سيأيت

أريدك

مجردة، من االسم

من الذكريات،

من أرق الشمس

وآثار القمر

أريدك

وردة نافرة يف أرض مرشدة األفق،

قصيدة تتضح سطورها يف مرآة

مغمدة.

.......

شمسك عىل مرآيت

و صورتك ماثلة عند كل باب

يقودين اىل نفيس

ها أنت تضيئني ثانية

مثل كوكب شارد ال قرار له

إنكار

ال مرايا يف يدي،مل أعد عرافا

مل أعد قادرا عىل قراءة السحاب

ومل تعد تستهوين مخاطبة النجوم

،

نثار الزجاج عىل أهدايب

واللغة أخذت تذوي يف يدي

كباقة رمل

تفصيل: خوان مريو

Page 43: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 43

صالح حسن السيالوي

تراشق روحين

لعبتي معك تراشق روحني

بعناوين قصائد مهجرة

وقمصان متصوفة .

هذه سحابة طيفك

تحوم عىل مجامر الخيال

هذه فوانيس األرواح املعلقة بثياب

نورك

األرواح املتهاوية

من دندنة القمر مع نفسه

هذا صوتك ، أعرف حفيف عنبه

فلامذا تسرتين فصاحة قلبك

عن شغاف منابري

ملاذا تستلذين بعتمة كلامتك

وهذه أريض

تختنق بدخان ظنونها

وبياض أدعيتي

يتعرث بظلامت يتعرق يف جوفها

الربق حتى ينطفئ ,

أسمع ارتباكة الخرضة... أدرك منوها

وعىل مقابض أبوابك املقفلة

يتربعم بنفسجي ... وأنت منشغلة

ال متسع لعيوين ، إال الدمع

وال حنني بني النبضات، إال التلفت

هــــــــــــا انا أجوب بساتني أساي

مبشاعل ذاكريت .

أحرقي الظلامت ببهجة نوري

ها أنا أدق مسامري نبيض عىل

البياض

علقي ثياب كلامتك ،

لتجف من موج الخرس.

هذا قلبي

محشور حد االختناق

بني مجرتني

حيث ال أنبياء فيها

وال شياطني ليهربوا منها

وال دخان لرؤوس الزعامء

هذا قلبي

يرسد عن الظلمة نثيث مكائدها ,

عن الحزن

يعرص عيون األيام , ويكرس أعوادها

يقول عن األحالم

املكسوة بانتباهة الغزالن

وغفلة الصياد عن ضمريه.

هذه أصابع أسئلتي،

تغرس دهشتها بني ظنونك،

تلمس سامء مكسورة يف القلب

وتبتل بدموع أحالمك املعلقة .

مسافة نبي عن صالته

أقرتب من ابتهاج روحك بحضورها

محتفال بالتشابه بني روحينا

بني الظنون ظنا

بني اليقينات يقينا شهوة بني رعد

و سحاب .

بسم العامل وجوهره

تلبسني روحي ثياب البهجة

تغرسني روحك

تصفعني اليباس بأغصان األنوثة

عىل بعد بحر تهتز بوصلتي

أما جسدك ،

فمتحف بصرييت ومنجم مرويايت ،

ال زال مرتعشا عىل رسير الذاكرة

هناك

يف منابري نار أرسارك

ويف مواعيدي دخان حكاياتك

وهذا قلبي ،

نثار من زجاج الفرح املهشم ،

فال تسريي حافية

وارفعي كاس الكلامت

وأنت ترشبينني

خوان مريو

Page 44: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 44

عيل محمود خضري

النفس ال تسمع اال نفسها

الليل الضاغط عىل البيوت والحارات

يوشك أن يطبق عىل األنفاس.

الليل هذه الليلة يغلق مسامات الهواء

عىل الهواء.

يسد الوقت أن مييض.

يسد باب الزمن.

كلام صحت بنفيس: أنصتي..

أدركت أن سلطاين كاذب،

وأن النفس ال تسمع إال نفسها.

من أنا يف هذا الليل أيتها النفس

الجاحدة؟

أين أماليك من الكالم الرهيف الذي

وزعته عىل اآلخرين فام أعطوين إال

صمتهم؟

أين رصاخي يف مراياهم التي أعلقها

عىل جدران روحي؟

إنني اآلن أقيم يف ساقية واحدة

مير فيها أشباح من مروا عىل حيايت

فأفسدوها

ال أريد منهم سوى أن يرتكوين.

ال الحياة صديقتي

وهي ليست بصديقة لهم بالرضورة.

أعرف هذا وأحفظه عن أمل.

أقول لهم اتركوين لكني ال أقول،

إنني أهذي مع نفيس ومرآتها فقط،

حسبي أن املرآة تفيض اىل نافذة يف

بيت الجارة بابنتيها الجميلتني كوجه

رغد.

حسبي أنني أجلس يف ساقيتي وحيدا

أنوء بثقيل وإين ال أكلف أحدا شيئا

وإين لو فررت إىل مويت سأكون مطمئنا

وهادئا.

حسبي أين ال أكلم أحدا فاثقل عليه

بروحي.

شارد يف لحظتي،

مستغرق الذكرى مبن مروا

مستغرق بالنسيان

إنني هنا خفيف إال من روحي.

من أنا يف هذا اللحظة الواحدة التي

تكرر نفسها آآلف املرات،

كيف اجتمعت بكل أشياء بيتي هذه:

الكرايس والرشاشف وشقوق الحيطان

وأسالك الكهرباء ولوحة دايل املزيفة

والطابعة الليزرية واملدفأة؟

كيف اجتمعت بالشارع الذي يضيق

عىل ناسه كلام قبض الوقت بياقة

النشوة؟

كيف اشتمل عيل هؤالء ومن أين

عوا حويل؟ جاؤوا وتجم

إنني ال أريد أحدا يف لحظتي الخاصة

هذه،

أريد جسدي وروحي ساملني من شظية

املايض،

هل أطلب الكثري؟

اقية أقلب جمرات املوىت أجلس يف الس

الذين ذهبوا بعيدا،

بعيدا خلف البرص،

أستعيد صورا التقطتها لهم يبدون فيها

راضني ومبتسمني عىل الدوام،

أعدد ثقوب قلبي التي صنعوها لحظة

رحيلهم،

أقول لنفيس: لن نكلف اآلخرين ثقبا

واحدا أيتها النفس،

لكن النفس ال تسمع إال نفسها.

أقلب بيدي جمرات األحياء الذين

يبدون وكأنهم أحياء وقريبون لدرجة

أن بإمكانك ملسهم إن شئت،

لكننا نتجاهل بعضنا دون شعور،

نذهب بعيدا عن بعضنا،

نتيه بألعاب الحياة الصغرية،

ننىس،

ننام،

فإن تقابلنا فكالمنا األذى وأفعالنا األمل

وإال فنحن نساؤن ونيام،

أقلب جمرات األحياء واملوىت وأقول

لنفيس:

هذا مقعدك من الناس

فأشتميل عىل الصمت

واتريك الباب مواربا لهم

واتريك الشبابيك مفتوحة للندم.

أعرف أن سلطاين كاذب

وأن النفس ال تسمع اال نفسها

وأن كالمي الرهيف قد ينساه من

مروا عىل حيايت فأفسدوها لكني ال

أريد منهم يف هذه اللحظة التي تكرر

نفسها اآلف املرات

سوى أن يرتكوين

ال أريد منهم سوى أن يرتكوين

نصوص

Page 45: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 45

نضال برقان

صور عائلية )1(

خمس بنات

وصبي يف وسط الصورة

يف الطرف األمين كاملعتاد روال

وأنا ـ كاملعتاد كذلك ـ يف الطرف

األيرس

كان هناك إطار

وجوار الصورة مثة نافذة مرشعة

ورياح تخفق كاملعتاد بجانبها

الصورة كانت ثابتة

الصورة ـ كاملعتاد كذلك ـ ما زالت..

***

)هبة وهند وعالء الدين وسعاد

وكرمل وسلسبيل وروال ونضال(

تلك قصيديت الوحيدة

التي كتبتها يف دفرت العائلة

دون وزن

أو استعارة

أو مجاز.

***

ال يشء وحيد يف بيت روال

هي أخت الشباك

صديقة فنجان القهوة

عمة آنية الفخار بجنب الباب

وخالة بروازي »الله« و«محمد«

والصبرية والسجادة والطبلية

كل يجمعه بروال صلة دم

وقرابة روح.

***

استيقظ صبحا

أميش بني غيوم الصمت املتلبد يف

أركان البيت

األوالد نيام يف جنات الخفة

جنب الشباك الصبرية ال باس عليها

وروال ما أن ترتك طرف صالة حتى

متسك باألخرى

وأنا ال أمسك إال خيط الحرية

مثة وزن يتكرس

مثة إيقاع يتنفس

مثة قافية يف األثناء

وذئب مجاز يبحث عن دمه بدمي

هي رائحة الظلم

يا أبتي كيف أناديك بغري فم؟

صور عائلية )2(

أعود إىل البيت

يركض نحوي الصغار

كعادتهم؛ فرحني ومندهشني

بال سبب، هكذا كل يوم

أعود ويندهشون.

***

أعود إىل البيت

تلمح وجهي )روال(

وهي موغلة يف تسابيحها

والصالة عىل األنبياء جميعا

أقول: »السالم عليكم«

ترد بإمياءة

ثم متيض، كعادتها، للصالة.

***

أعود إىل البيت

كل النوافذ مرشعة

والهواء.. كأن ال هواء

فأصعد للسطح

»أيضا، هنا ال هواء وال غريه« قلت

»ليس هنا غرينا« قلت

لكنها مل تقل أي يشء

فقط متتمت بدعاء

وراحت تصيل

Page 46: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 46

نصوص

امينه ذيبان

زهرة الدم

حرشجة القلب

نذكر فيها

ومنها

هدوء التتار

نذكر فيه

رس ما يعرفون

بال جهة

تتامدى

عىل الغيم

أو يف مجاهل

هذا الربيع

املطل

عىل كل هم

وجرم

وكل الذي يعشق الناس

يا أمل املقل

املريضة

ضوء

وإنسان عني

يبرص أو ال يرى يف البصرية

أوهام من نهب الغرباء

ونبيك بغري فضيلة

أصالح هذا لعيل

أغري نور الرساج

وأكتب ما ال أرى

يف نهاري

أو كل عمري نهار

بريق من سلة

أو من متاهات رسد

وقمم

ال ترتاءى

وأجد كل الحديث

اليك يسري

وأشتاق يف غربتي

لوعة من هدوء

أو من سبات عميق

و ما يعرف الغري

غري رجوع

املسافر

من جنة الخلد

إال الجحيم

وال يقظة يف سطور املحبني

هذا يكون

ونبيك

وينترص الرعب فينا

عىل كل هذا

ويف كل هذا

وهذا

وهذا

وهذا

حزمة النوق

انتصار السبات

غيمة من رحى

أو من رصاع

ليتنا نتوضأ

من نهر آدم

أو من صقيع التهامة

أو من سبات

الرحيق

يا ضياعي

حدثوا

عن فراق املامت

حدثوا

الفنان مصعب الريس

Page 47: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 47

عن سبات الرياحني

حدثوا

من وداع الرؤى

أو رؤى ال ترى

غرينا

أو أرى

بعضها يف قامماتنا

املستفيقة

حدثوا عن نهار

حدثوا

عن مواعيد

غري التى تعرف الريح

أوتعرف األرض

أو تعرف اللغة

التى ال متر

عىل أمهات املدائن

يف عرص من يتهادن

يف منتهى األرض

يف آخر النوح

أو أول البدء

يف الدوحة األولية

من عامل الغرباء

او يف مساء تفتت

بالصولجان

و باالنكسار

و بالرنجسية

يا وعد

يا بعد

يا ملتقى

ال تقاوم شهيق

املساء

وكىل إنتصار

عىل االبتداء

البعيد

كام يف املدارس

ال يقرأ الدرس

إال املعلم

إال املعلم

إال النشيد

صباح

عىل ما أرى

ال أرى

مرة واحدة

بل غري هذا

وأهوي

عىل عرش

آدم

والكل فية عناء وصبغة

وكل يطارد

أرواحنا باملرسة

وكىل أناضل

يف جولة بائسة

و بعض إنتصار

وكيل هزائم

من رأيس املتعرج باللوعة

األولية

اىل ما يعرف الناس

من بائعني

ومن قامتني

ومن قوائم

من هجروا األرض

أو طرزونا بنور البقاء

البعيد

زهرة أخرىدمع حواء عىل ذاكريت

أتهجى

من ميلك قديسة دريب

Page 48: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 48

يف البعد أرى الدمع توارى

كقصيدة ليل منسية

يف القرب أرى

وجعا يتهادى أو نحو من ذاكرة

اخرى

أين تقف اللحظة

يا جالد الدنيا

أو تقف اللحظة

بني من ميتلك الجرأة

والدم والالدمع

والالدم والالدم شهرة

بني إنجييل وبعيض

أقف اليوم

وال أملك قداسة شعر أبيض

او أحمر

كاللون كالفستق كاألشجار

حني تجن أوقايت

بال تفضيل لييل

يف املتاهة

يف القرب أغني

يف البعد أغني

وبني اللحظة الدموية األخرى

أصفي جرح قلب يسرتيح

أو أرى بعيض تقطع كاملالية

والسكاكني دليل املتعبني

يا صاليت

نصوص

إغفري

إن تجرأت عىل الدم ىك أنىس

القتيل

وال أدثر جرحة بالكافور

املبجل

يف الصالة اآلدمية

ثم ماذا؟

يقف الجالد

أطول من يقيني

يقف الجالد بني الروح والدرب

الطويل

يقف الجالد أو تقف التى ال

تشتهيني

سيدي إين تجرأت عىل الزهر البعيد

إين تجرأت عىل الزهر املتقن

والحب املطرز بالبكاء

و بالعويل

إن أرى يف صمت من ال يعرف

اللحظة

إال يف السهاد

تجرأت أصيل قرب آدم

أودعوا قلبى الوسادة

أودعوا ذاكرة األمس الكتاب

تجرأ البعض علينا

ثم قرأنا صفحة التاريخ

صفحة التاريخ

يا تاريخ دمعي

أنصت اليوم لبعيض

وأرى بعيض تساقط

يا رسيري ال تبح بالدمع

أو باللهفة األخرى

عليك عىل الوسادة

بعض صمت من قليل الدرب

يا ذكرى لقاء

أنت يف اآلخرة الوجع املدن

املقرب

أنت يف األخرى التى أرغب

يف صمت السامء

يا قبور األرض ال تبك

عىل املوىت

فان املوت بعض من رسير األرض

أو بعض الوسادة

يا صالة اآلخرة

كل من يعشق يفنى

كل من يفنى ميوت

كل بوحي وإنتظاري

أن أكون ال أكون

ال أكون

إنها السجدة يف مويت

ويف قلب القصيدة

إنهم بعض من الجشع

املسمى بالتتار

إنني يف زهرة الدم

أو زهرة األرض

أو زهرة الجرح املورد كل يوم

وال أكون ال أكون

أنثى

أو زهرة للموت أو للحب أو

لالموت

قرب التعرية

الفنانة منى الخاجة

Page 49: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 49

رأي الناقد

حضور للغة المجازوعودة التاريخ وصوت الشكوى

قراءة في نصوص العدد الرابع من »بيت الشعر«

كما هو معتاد تقدم مجلة "بيت الشعر" في هذه المساحة رأيا نقديا انطباعيا عن أجواء النصوص الشعرية التي تنشرها المجلة لتشمل أسماء شعرية عربية من معظم الدول العربية، وتحرص على تنوعها من حيث

الشكل والموضوع

محمد جبر الحربينص بعنوان »يطري الحامم«، وهو نص يحيلنا إىل قصيدة

درويش التي يشكل الحامم فيها رمزية للسالم الذي كلام

اقرتب عاد وابتعد من جديد.

يبث الشاعر شكواه وتعبه لدرويش الذي سلم عباءته

)الشعرية( ملن جاء بعده، وال زالت القضية هي القضية. وال

يزال الحامم )السالم( يخاتل أحالمنا فيقرتب موهام ثم يفل

طائرا.

طالل سالمنص بعنوان »غفوة التعب« كلامت فيها شكوى وتوجع،

وخطاب للتعب الذي يأىب أن يغفو ولو قليال يف روح الشاعر.

كام يتميز مبوسيقاه وإيقاعه املرتفع.

عبد الرحيم الخصارنص بعنوان »الساحر« هذا ساحر

من نوع مختلف، يروم ليغري

بسحره شكل العامل املأساوي فها

هو وبعصا الساحر يحول خوذة

الجندي ألصيص نباتات والبنادق

أللعاب لألطفال، أما حقل األلغام

فيصري حقل دوايل... سريفع هو

وكائناته أصواتهم بالغناء ويف حال

مل يسمعهم أحد فسيلملم عصاه

وقبعته ويسحب الستار ويغادر..

حازم العظمةنص بعنوان »أوليمبيا« املدينة اإلغريقية التي تحوي معبد

زيوس وغريه من املعابد اإلغريقية، والنص مدبج باقتباس من

الشاعر اليوناين الجميل ريتسوس، شاعر الحرية والجامل..

نص ذو حساسية مختلفة، عىل قرصه حافل باإلشارات

التاريخية والجغرافية واألدبية، والتي تجعل من قراءتها

مغامرة حافلة بالجامل، والتشويق، والسفر عىل منت الكلامت

إىل أماكن جديدة.

محمد زينو شوماننصان قصريان بعنوان »رس النخيل« و »حوار الثوب الواحد«

حافالن باللغة املجازية التي تثري الخيال فال يعود السؤال

ماذا يقول الشاعر وإمنا كيف يقول!

بيان الصفدييف نص بعنوان »مقطوع من شجرتك«

يخاطب الكاتب الشجرة التي انقطع عنها،

وهو يف البعد يتشوق إليها، ويحرك الحنني

كلامته، قد تكون الشجرة هي الوطن أو

األرض أو الهوية أو األم... كل ذلك يصح

وأكرث...

عماد جبار يف نص بعنوان »ذبول ما« كلامت مثقلة

باألمل، وبطقوس البكاء التي أثارتها تلك

نهى األفغاني

Page 50: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 50

الغائبة / الحارضة.. تفاصيلها الصغرية ال زالت تستفز بكاء

الشاعر وكلامته.. ويف املقطوعة الثانية »محطات للذبول«

تحفل الجمل الشعرية مبفردة الندم الذي يكيس كل ما حول

الشاعر بثوب مظلم..

لؤي أحمدقصيدة بعنوان »الطني« مثقلة بحكمة السنني، ومرارة الحياة،

والعمر الذي مر رسيعا وال يزال القلب يحاول أن يفهم، وال

يسعف الشاعر إال طفولة شعر لطاملا بحث الشاعر عن مالذ

سواه، فلم يجد سوى الهم.. وتدور الدائرة ويعود الطني إىل

طينه.. وتقفل القصيدة بتلك الرصخة القدمية الحديثة »ليت

الفتى حجر!«..

ضيف حمزة ضيفيف نص مهدى إىل الشاعر السوري فرج بريقدار وهو الشاعر

الذي عان من ظلم السجون وكانت كلامته تصل عرب

القضبان إىل العامل. هذا اإلهداء يشكل عتبة مهمة للولوج إىل

هذا النص املثقل بوطأة السجون التي ال تنام، وتبقى محلقة

فوق الشاعر.. نص حافل باملوت باملقابر، بالحزن، واألرض

املصطفة عىل جثته، حتى ينوء بها ويرصخ طالبا أن يسقطوا

األرض عنه..

عبود الجابريمجموعة نصوص قصرية بعنوان »ألبوم صور شخصية« ..

نصوص كل منها بحجم قبضة اليد وبحد سكني جديدة..

حافلة مبرارة األيام وحكمة السنني املريرة... مشاهد صورية

متنوعة تقود الخيال صوب جهات استثنائية ال تتأىت ألي

شاعر كان..

فوزي باكيرنص موغل يف الرؤية الثاقبة بعنوان »رؤى«.. وهو مجزأ إىل

نصوص قصرية كل منها يشكل مشهدا »رؤيويا« تتناوشه

الظلمة والنور معا.. أما العجيب أن مثة أشياء يراها املبرصون

وأشياء ال يراها سوى الرضيرين..

مهند السبتي يف نص بعنوان »الفرصة ذات العطر« يتوقف الشاعر عند حد

تلك اللحظة التي تفصل األشياء عن انتهائها واحرتاقها باحثا

لها عن فرصة عطرة قبل أن تحرتق األشياء.. ولكنه يتساءل إن

كانت هذه الفرصة ليست األخرية..

أشرف جمعةيف نص بعنوان »قمر حارض ويغيب« يخاطب األشياء فيام

حوله الليل والقمر، والنجوم، والسامء، والربيع، بردى، النيل..

كل ذلك يعرض لقلب املحب، ألحالمه الدامئة البحث.. يطري

بال أجنحة إىل قمر حارض ويغيب..

عالء أبو عوادقصيدة بعنوان »رجاء« فيها يشء من الصوفية، يشء من

التوق إىل تلك النائية التي صدح الشاعر باسمها يف شعره

ونغمه كأنها الحب الذي يغريه، لعلها الفكرة أو املحبوبة أو

اللغة أو اآلمال القريبة البعيدة، أو كل ذلك..

محمد العدينيمجموعة نصوص قصرية متنوعة بعناوين منفصلة ترتاوح ما

بني الصور املتخيلة والحكم املوغلة واملفارقات العميقة..

غمكين مرادنص بعنوان »أنامل روح تدرب الحياة« حديث عن الروح

الرقيقة املليئة بالجامل، باأللوان، بإيحاءاتها الجاملية، ولكن

وتريتها الجاملية تسري بصورة متوازية مع عامل موغل بالبشاعة

واألمل وهذا ما يشكل املفارقة يف جسد النص..

محمد اليوسفيكأن الشاعر يحيك قصة الثورات، كيف تبدأ؟ ما الذي يحدث؟

كيف تتمثل يف شعر الشاعر ونغمة املغني، وفكر املفكر..

ثم تسري الثورة لتصل إىل الذروة ليأيت األسياد فيقرشوا الثورة

ويحوروها ويبدلوها.. ثم يعيدون كتابة التاريخ

رأي الناقد

Page 51: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 51

ملف

الشعرية العراقيةبين زمنين

الملف: حسام السراي )بغداد(

جغرافيا الشعر في العراق خضراء وشاسعة، اتسعت عبر الزمن لتكون حاضنة للشعر العربي وأبرز رموزه، بعد أن شكلت بوصلة لمعظم شعراء العربية الذين تتبعوها وتأثروا بها ونهلوا من تاريخها. وليس من قبيل المبالغة القول إن الشعر العراقي هو الذي نهض بالقصيدة العربية وتوجها بالمعرفة والثقافة وأوصلها إلى

مناطق شعرية وابداعية بعيدة وجديدة.إن الحديث عن الشعر العراقي ال يمكن أن يتم تناوله في موضوع واحد، أو من خالل حادثة واحدة، فهو غني بالتحوالت واألحداث الكبرى التي تهم الشاعر الفرد كما تهم المجتمع الشعري العربي عموما، ولذلك كان الحديث هنا يذهب بعيدا في اتجاهات كثيرة فمن الريادة إلى المنفى، ثم إلى شكل القصيدة وطريقها

وصوال إلى مفارقاتها وهمومها المتراكمة.

الفنان ضياء العزاوي

Page 52: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 52

سهيل نجم

للشعرية العراقية نكهة خاصة وعالمات فارقة

فرتة األربعينيات والخمسينيات، ورمبا ما بعدهام، منحت

الشعر العراقي ميزة خاصة نتيجة ملا أنجزه شعراء تلك

الحقبة يف الريادة بخلق أسلوب وشكل ومضامني جديدة

مل يألفها الشعر العريب عىل طول تاريخه العريق. فكان

املربع املايس لبدر شاكر السياب ونازك املالئكة وعبد

الوهاب البيايت وبلند الحيدري قد قاد األجيال العربية إىل

مفتتح جديد يف اكتشاف أمنوذج »الشعر الحر«، لكون

العراق كان وال يزال ميثل حاضنة ثقافية مرتكزة يف الشعر

أكرث من غريه، مثلام متيزت مرص بكونها حاضنة مرتكزة

للنرث والرسد العربيني منذ بداية القرن العرشين. وقد

دخلت يف ذلك عوامل تاريخية واجتامعية وسياسية عزز

نضجها واحتدامها الحاجة إىل أمناط جديدة ومتمردة

للتعبري الشعري تتناسب والتطور الحاصل يف الوعي

االجتامعي والسيايس والثقايف بعد االحتكاك اإلبداعي

بالثقافة العاملية.

هذه الريادة يف بنية الشعر العريب عززها الشعراء

العراقيون الذين جاؤوا يف فرتة الستينيات ليكملوا املرحلة

التالية من حداثة الشعر العريب برفقة شعراء عرب كرث

بالطبع، لكن شعراء الستينيات العراقيني ختموا تجربتهم

الشعرية بإخالص واضح للمرحلة الستينية املميزة يف

في العصر الحديث كان الشعر العربي على موعد مع بروز ثالثة رواد عراقيين السياب ونازك المالئكة وعلى الكالسيكية، القصيدة لجدران التجديدية االختراقات توالت ذلك وبعد البياتي، وعبدالوهاب

أيدي قائمة طويلة من الشعراء الذين أثبتوا حضورهم ورسخوا مكانتهم في المشهد العربي.اليوم وفي ظل ما يشهده العراق كيف ينظر الشعراء العراقيون لمكانتهم في خريطة الشعر العربي، وما

الفضاء الذي تشغله قصائدهم؟

ملف

الفنان جواد سليم

شعرية الريادة

Page 53: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 53

العامل أجمع فكانوا سباقني إىل تطوير أدواتهم الشعرية

ومتيزهم الفردي. فهكذا أنجزت تجارب فاضل العزاوي

ورسكون بولص وسامي مهدي وفوزي كريم وعيل جعفر

العالق، وآخرين من جيلهم، دورها يف تحريك عجلة

الشعر العريب إىل فضاءات رحبة ليس فقط يف بنية

القصيدة العربية بل حتى يف تلقيها وأسلوب دراستها

وفهمها الذي مل يعد سهال، وصارت تحتاج إىل قارئ نبيه

ومستنري عليه أن يعرف كيف تتجىل له جاملياتها وصورها

وعواملها، وقد أسهم يف ذلك الشعراء العراقيون بفعالية

أساسية شهد لها النقد العريب.

الشعر العريب منذ السبعينيات وحتى اليوم ميثـل املرحلة

الثالثة يف تطور الحداثة يف الشعر العريب عموما. وصار

التنافس كبريا وصعبا بني الشعراء يف أغلب البلدان

العربية مبسعى إثبات متيز كل واحد منهم، وعرض قدراته

اإلبداعية الخاصة يف خلق النص الشعري الحديث

والجديد، ثم إن انتشار التعليم العايل يف غالبية الدول

العربية وتوفـر وسائل االتصال ويرسها السيام بعد انتشار

شبكة اإلنرتنت دفع إىل الكشف عن مواهب شعرية يف

كل مكان من العامل العريب، مل يكن لها أن تزدهر لوال

تالقحها مع التجارب العربية يف العراق، وغريه من البلدان

التي أسست نفسها شعريا من قبل برسوخ بناء عىل

ظروفها املوضوعية والذاتية.

وأطلب من القارئ العريب اليوم أن يالحظ مثة نكهة

شعرية تظل خاصة يف كتابة الشعر العراقي، تستمد

فرادتها من البنية االجتامعية العراقية املتامهية يف

الشعر وتعاطيه كتابة وتلقيا. مبعنى آخر، يبقى الشعر

هو الفاكهة الفكرية التي يتداولها املثقفون العراقيون،

ومن هنا فإنني أعتقد أن مثة عالمات فارقة تجعل

من هذا الفن التعبريي يف املقام األول من مقامات

الثقافة العراقية، ولها تأثريها ومكانتها الخاصة يف بنية

الشعر العريب، عىل الرغم من طغيان شكل قصيدة النرث

وفضاءاتها املعروفة يف جل الكتابات الشعرية العربية

الراهنة يف كل مكان، تقريبا، من البلدان العربية«.

سهيل نجم، شاعر ومرتجم مواليد بغداد 1956، عضو االتحاد العام

لألدباء والكتاب يف العراق، نائب رئيس »بيت الشعر العراقي«

ـة »بيت« الفصلية الصادرة عنه، وهو أيضا ونائب رئيس تحرير مجل

ـة »املجلة األدبية العراقية« التي تصدر باالنكليزية. يدير تحرير مجل

صدر له ثالثة دواوين: »فض العبارة« بريوت – عام 1994، »نجارك

أيها الضوء« دمشق – 2002، »ال جنة خارج النافذة« بغداد 2008-،.

شعرية الريادة

الريادة في الشعر العربي عززها شعراء

الستينيات في العراق وأكملوا المرحلة التالية من حداثة الشعر العربي

برفقة شعراء عرب كثر

هاتف الجنايبسهيل نجم

Page 54: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 54

هاتف الجنايب

العراقيون حملوا لواء التجديد من غري الالئق أن نسبغ عىل أنفسنا، نحن معرش الشعراء،

صفات تعظيم وتبجيل وامتيازات عىل حساب اآلخرين،

لكننا سنجايف الحقائق والوقائع إن قلنا: إن الشعر العراقي

مل يقد جحافل الشعراء عرب تاريخ األدب العريب. يكاد

أن يكون الشعر العراقي حارضا بامتياز يف كافة األزمنة.

فهو الذي قاد بعد الشعراء األوائل يف فرتة ما قبل اإلسالم

حركات التجديد أسلوبا ولغة وإيقاعا وتخيال. وعليه

فنحن امتداد شئنا أم أبينا لتلك املوجات واملحاوالت بكل

رصاعاتها وإرهاصاتها ومناكفاتها وعواقبها التي كانت

تتطلـع إىل أمام ساعية لطرح الدم الفاسد جانبا وضخ

دماء جديدة يف جسد الشعر العريب.

إذن فمكانة الشعر العراقي كانت وما تزال تكمن يف

تنوع تجربته، يف وثوبيته، حيويته، استرشافه لروح عرصه

وانهامكه يف طرح األسئلة. الشعر العراقي اليوم، برغم ما

أصاب العراق من دمار عرب العقود األربعة األخرية إال أنه

أكرث فنون القول قابلية عىل تسنم مكانة طائر الفينيق.

ولعلـه يجمع دور طائرين يف آن واحد: العنقاء والفينيق.

كلـام كبا العراق سياسيا واقتصاديا الح الشعر وصاح

. كانت العرب تعتقد الشعراء: ال رجعة، إىل األمام رس

بوجود نجم يدعى »حارس السامء« األمر الذي يذكرين

بدور الشعر العراقي يف خريطة الشعر العريب. لهذا فال

أظن أن الشعراء العراقيني قد تركوا موقع الطليعة يف

الشعر العريب.

ويبدو يل أن الشعراء العراقيني قد ظلموا كثريا من قبل

النقد العريب.

ال تقوم لشاعر قامئة يف عرصنا الحديث بالشعر وحده

من دون أن يحفر وينقب ويشكل ثقافيا... سيبقى الشعر

العراقي وشعراؤه يلونون خريطة الشعر العريب حتى

إشعار آخر، طاملا أن أرواحهم هي التي تنشد وتغني.

عىل الصعيد الشخيص ما تزال تدق باب الذاكرة مقولة

الكاتب الربازييل »ماتشادو دو آسيز«: »فاألرض مل تتوقف

بعد عن الدوران ألن عددا من قصائد الشعر مل تظهر

بعد«.

هاتف الجنايب، مواليد العراق 1952، يحمل دكتوراه يف املرسح

املقارن – جامعة وارسو 1983، يقيم يف وارسو منذ سبعينيات القرن

املايض، صدر له يف الشعر: »القارات املتوحشة«، و»غبار الغزال«،

ملف

مكانة الشعر العراقي كانت وما تزال تكمن في تنوع تجربته، في وثوبيته،

حيويته، استشرافه لروح عصره وانهماكه في

طرح األسئلة

مداح

ر ظه

مان

فنال

Page 55: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 55

و»فراديس أيائل وعساكر«، و»رغبة بني غيمتني«، و»موعد مع شفرة

السكني«، له كتب أخرى يف النقد والرتجمة، منها: »كتاب الرشق،

أشعار محطمة، األسئلة وحواشيها – مختارات شعرية باإلنجليزية،

ظهرية عربية – مختارات شعرية بالفرنسية، املرسح العريب: جذوره،

تاريخه وتجاربه الطليعية«.

سلامن داود محمد

سطوع مثير للجدل دهور سومر وبابل وأكاد وسواها، متوجة بقصائد

الشاعرة »انخيدوانا« ابنة امللك رسجون األكدي والشاعر

»كبتي ـ ايالين ـ مردوخ دابيبي« والشاعر »ورد كوال«

األديب واملعزم اآلشوري و»ساكيل ـ كينم ـ أوبيب«

الشاعر والعراف، ولكن شاعر قصيدة النرث العراقية

الجديدة »اآلن« مل تأخذه قدسية األصول هذه وفصلها إىل

حيث جوائز املؤسسات املعنية بالتحقق من أصالة النسل،

وصحة الساللة وأسبقية الفعل الشعري واالعتياش عىل

غنائم املرتبة األوىل يف هذا املضامر، بل إن أوىل أفاعيله

تجسدت إبان خروجه عىل »التابو«، ثم السعي قدما

نحو براري التجديد واإلضافة والتخليق من دون االكرتاث

برتسانة امليليشيات الداعية إىل الحفاظ عىل »قداسة

النمط واملوروث« املتصلة عادة بـ »سيطرات التفتيش

الثقافية« املراهنة والداعية هي األخرى إىل اإللزام بتمثـل

منط معني يف الكتابة الشعرية من دون سواه، وإال

سيضبط شعراء قصيدة النرث بجرمية »التشابه« املارقة!!

وقد غاب عن حصافة أولئك وهؤالء تلك البديهية القائلة:

»إن كل قصيدة هي جنس أديب مستقل بذاته« بحسب

تعبري »فريد ريش شليغل«، ذلك أن قصيدة النرث العراقية

التي تحررت من إطار هويتها الشخصية من غري املساس

بينابيعها الراسخة بالقدم أصبحت اليوم مرتامية كالهواء

يف أرايض العاملني وسامواتهم بقوة ذخريتها الجاملية

ومعداتها املعرفية، ومل يكن سطوعها املثري للجدل

والشتائم والتصفيات األسلوبية إال خصيصة من خصائصها

الجمة.

سلامن داود محمد، شاعر عراقي يدون يف سريته الذاتية: ولد يف

بغداد وسيموت فيها، صدر له يف الشعر: غيوم أرضية 1995، عالمتي

الفارقة 1996، ازدهارات املفعول به 2007، له مخطوطات أخرى

يف السرية والشعر، ترجمت قصائده إىل االنجليزية، والفرنسية،

واإلسبانية، واألملانية.

سيضبط شعراء قصيدة النثر بجريمة »التشابه« المارقة!! وقد غاب عن حصافة أولئك وهؤالء

تلك البديهية القائلة: »إن كل قصيدة هي جنس

أدبي مستقل بذاته«

أحمد عبد الحسنيسلامن داود محمد

شعرية الريادة

Page 56: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 56

أحمد عبدالحسني

وهم مركزية العراق ولبنان يعيش الشاعر يف بغداد، كام يف بريوت، هاجسا غامضا

مؤداه أن مدينته مدينة شعر بامتياز، قيل هذا رصاحة

مرات، ومداورة مرات أكرث، وبدا كام لو أن الشعر

ينتظر بتلقائية من عراقيني ولبنانيني أكرث من سواهم.

أتذكر مقاال لشاعر لبناين شاب قال إن الشعر ـ بالنسبة

له ـ يأيت من باءات ثالثة: باريس وبريوت وبغداد.

قلام توقـف أحد مليا ليتفحص هذه املقولة ويتأملها،

رمبا ألن العالمات الدالة عىل صدقها وفرية: القصيدة

الكالسيكية املحدثة يقف بدوي الجبل والجواهري

وسعيد عقل ممثلني لها بجدارة، ثورة قصيدة التفعيلة

ذات طابع عراقي ال يخفى، يكفي أن ثالثة راحلني

يتبارون لآلن عىل تأريخها هم السياب والبيايت ونازك

املالئكة، أما قصيدة النرث التي قيل إن أول من كتبها

الرصايف، ورمبا روفائيل بطي، كانت الحقا مختومة

بختم شعراء لبنانيني، أنيس الحاج ويوسف الخال ثم

شوقي أيب شقرا وأجيال تبعتهم كرست هذا الشكل

الكتايب.

إىل أي حد كانت هذه املقولة »مكانة الشعر يف

هذين البلدين استثنائية« داعية إىل تكوين ما ميكن أن

نسميه مركزا شعريا، لكرثة ما لقناها أنفسنا جيال فجيال

إىل أن أضحينا نتعاطى وإياها بتلقائية وثوقية؟

رمبا كان للجهد النقدي مدخل يف تكريس هذه املركزية،

فالنقد الشعري العريب كسول، حط رحاله يف لحظات

منتقاة بعناية. منتقاة ألنها أسهل وتلبي دواعي كسل

الناقد، لحظة الرواد مثال قيل فيها أكرث مام يجب، وبولغ

يف تهويل مثارها، ومل تحظ بناقد مشكك يفهرس نتاجات

هؤالء الرواد. فبقيت لحظة الرواد مقدسة ال متس، وهي

لحظة عراقية.

مثلها مثل لحظة مجلـة شعر التي حظيت ببهرجة

إعالمية ال تنتهي إال لتبدأ، وهي لحظة لبنانية بالتأكيد.

الغريب أين أحدس أن شعراء عربا كثريين تساملوا هم

أيضا عىل هذه املقولة، إنهم مثلنا ينتظرون شعرا مميزا

يأيت به بريد بغداد أو بريوت. أقرأ لشعراء مرصيني

وسوريني ومغاربة ومينيني وخليجيني وأجد أن املركز ذو

الطبيعة النفسية مل يعد شغاال يف داخيل، ال أشعر أين ابن

مركز شعري، وال أظن أن بغداد اليوم وال بريوت قادرة

عىل امليض بحمل هذا االستيهام لزمن آت.

أحمد عبدالحسني، شاعر عراقي من مواليد بغداد عام 1966،

غادر العراق 1990، أصدر ديوانه األول »عقائد موجعة« 1999عن

دار ألواح يف إسبانيا، والثاين »جنة عدم« عن دار الساقي أواخر

2007، كام أصدر بعدها باالشرتاك مع ناطق عزيز كتاب »عمدين

بنبيذ األمواج« عن اتحاد الكتاب يف دمشق وهو ترجمة لشعر

اإليرانية فروغ فرخ زاد، أقام يف كندا العام 2000، عاد إىل العراق

2005، حاصل عىل جائزة ديب الثانية يف الشعر 2007، رئيس سابق

لبيت الشعر العراقي يف دورته األوىل للعام -2009 2012

ال أشعر أني ابن مركز شعري، وال أظن أن بغداد

اليوم وال بيروت قادرة على المضي بحمل هذا

االستيهام لزمن آت

ملف

Page 57: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 57

القصيدة بين منفيين تقسيم تعسفي

أم واقع فني؟

تتجاوز حدود الجغرافيا وال تقف عند الذين غادروا وطنهم، لتشمل »المنفى الشعري العراقي« ظاهرة كذلك من نفى نفسه على أرضه واختار عزلته الخاصة. حال كهذا بدأ يتشكل منذ ستينيات القرن الماضي وكان المثقفين، من كامل التصفيات ضد جيل مع حملة السبعينيات في تعمق ثم ومن أساس، بشكل

الشعراء في طليعة أولئك المستهدفين.للشعراء تاريخية انطولوجيا العراقي.. الشعري »المنفى أخيرا كنانة ناصر د.علي الشاعر إصدار ولعل العراقيين في المنفى«، بمنزلة وثيقة تؤكد شساعة هذه الظاهرة وضرورة مراجعتها ومعاينة نتاجها فنيا،

مثلما بقيت الكثير من القصائد بنبرتها االحتجاجية والمتمردة، مكتوبة بين منفيين »هنا« و»هناك«.»إنما أتمدد في حديقة وأتامل نفسي نطالع مثال مقطعا للشاعر المغترب صالح فائق من قصيدته »أيام«: 2- موتى كانوا ينقبون عن إنه، اآلن، شاهد صامت لما رآه. »1- رجل تعب من األسفار / في ثالثة مقاطع: اآلثار/مرئيون في شقة مزدحمة/أذهب نحوهم، فأفاجأ بعازف كمان. 3- عائلة مشردة تفكك الضوء األبيض

وانعكاساته على أنقاض/قرى، تفكك راية منصوبة في قبو قديم..«.من »أرض السواد«، وهو الذي عاش ومات في وفي مقطع ثان للشاعر الراحل رعد عبدالقادر »1953- 2003« األبد/التقل إلى بيتك باب واذهب/أغلق صغيرة حقيبة السفر/خذ أقاصي إلى سفر بعيد/ »سفر العراق: وداعا....../ ليس ثمة أمل لكلكامش/ ال أمل لك بمصير مشابه لمصير عوليس/ اترك خلف ظهرك كل اإللياذات/

اترك شهرزاد تقص حكاياتها المرة…«.ومن هذين األنموذجين نستدل بأن الشعور بالنفي نفسه حاضر بقوة برغم االختالف بين المنفى الفلبيني

بالنسبة لفائق ونظيره العراقي المتعلق بعبدالقادر.أدناه شعراء عراقيون داخل العراق وخارجه في أخذ ورد بشأن هذه الظاهرة الثقافية العراقية.

ارعط

الاد

سعة

نانلف

ا

Page 58: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 58

ملف

محمد مظلوم

شعر المنفى المكاني والثقافي بعد خروجي من العراق يف خريف العام 1991 بقليل،

كتبت آنذاك مقالة بعنوان »ثقافة أم ثقافتان« بعد أن

واجهت فور مواجهة »املنفى« صورة منطية لتوصيف

أدب الداخل العراقي حينها بأنه أدب فايش، ألنه مكتوب

د حيث ال حرية للكاتب يف تدوين ما تحت سقف محد

يرى ويريد. اليوم، وبعد أكرث من عرشين عاما عىل تلك

لت املقالة، وبعد زالزل كربى طحنت البالد والعباد وتبد

خريطة املنفى، وتداخلت الخطوط بني ثنائية الداخل/

الخارج أجد نفيس أمام السؤال ذاته، وكأن كل تلك

الزالزل والنكبات مل تقو عىل هدم تلك الحدود األزلية

كأزلية النور والظلمة.

مفهوم املنفى نفسه قد تغري بعد ذلك الوقت، وتحديدا

بعد االحتالل، فقد تعزز باملزيد من األسامء املهمة

يف الثقافة العراقية، كام أنه مل يعد أيديولوجيا، بل إن

الداخل أو الوطن املزعوم أضحى منفى آخر، منفى

مفتوحا ألولئك املنفيني القدامى وهؤالء الجدد معا، مل

يعد املنفى مكانيا إذن، بل أصبح نفيا مزدوجا مكانيا

وثقافيا، هذه املرة ليس بفعل الفاشية التي انهارت،

وإمنا بفعل عقلية اإلقصاء واإللغاء وشيوع منوذج املثقف

القطيعي املستسلم واملهادن، مثقف الطاعة والهبات

وعدم القدرة عىل العصيان.

سه املنفيون منذ تلك املنايف األسطورية األدب الخالد أس

ألوفيد ودانتي وصوال إىل منايف الشعراء الكبار من إرث

االشرتاكية يف القرن العرشين كربودسيك وميووش.كام أننا

نعرف أن هناك دوال شيدها املنفيون من منوذج األندلس،

إىل فكرة أمريكا، فهل يستعىص عىل الشعراء منهم تشييد

ثقافة جديدة وحركة شعرية ذات خصائص واضحة؟.

سه الشعراء العراقيون املنفيون يف القرن العامل اآلخر أس

العرشين وما بعده، منذ سكان األرضحة البعيدة كعبد

لقد أضحى المنفى خيارا، ولم يعد مجرد

اضطرار، المثقف الحقيقي عبر العصور هو

المثقف المنفي، ألنه يحمل شعار العصيان

الدائم، ويهرب باستمرار من بيوت الطاعة

ينيثا

حالح

صن

فناال

Page 59: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 59

القصيدة العراقية بين منفيين

املحسن الكاظمي وصوال إىل الجواهري والبيايت وبلند

الحيدري ورسكون بولص، وليس انتهاء بسعدي يوسف

ومظفر النواب وهم يطيحون بآخر األوهام للفكرة

الرومانسية عن »الوطن«. هذه رموز الشعر العراقي

يف قرن كامل، متوت كلها يف املنايف أو تكاد، لقد أضحى

املنفى خيارا، ومل يعد مجرد اضطرار، املثقف الحقيقي

عرب العصور هو املثقف املنفي، ألنه يحمل شعار العصيان

الدائم، ويهرب باستمرار من بيوت الطاعة، والشاعر هو

املجسد لصورة ذلك املثقف وأشعاره هي سريته وشعاره.

حركة الشعر العراقي األصيلة تتمثل بشعر املنفى فقط،

وأعيد التأكيد هنا أن املقصود باملنفى ليس املكاين فقط،

وإمنا املنفى الذهني، وهذا املفهوم ينطبق عىل منفى

الداخل، ومن هنا كذلك حاولت يف كتايب النقدي عن

الشعر العراقي »حطب إبراهيم« ترسيخ مفهوم »الجيل

البدوي« لتوصيف أولئك الشعراء املنشقني دامئا عن سياق

الثقافة السائدة، ذلك أن منوذج »الجيل البدوي« غيـر

متوافق، ليس مع محيطه املؤسسايت فحسب، بل ومع

تراث الدولة، ووصايا أجداده وآبائه من األجيال السابقة،

كام يبدو »البدوي« أفصح قرين لفكرة التمرد، ونشدان

ية، تحت وطأة الحروب اإلقليمية والنـزاعات املحلية الحر

ونزعة الهويات الضيقة.

محمد مظلوم، شاعر عراقي ولد يف بغداد عام 1963، حاصل

عىل بكالوريوس من كلية الرشيعة – جامعة بغداد، غادر العراق

إىل سوريا حيث يقيم منذ عام 1991، نرش أوىل قصائده عام 1978

وكانت قصيدة غزلية من الشعر العمودي. أسهم مع الشاعر

السوري أحمد سليامن وعدد آخر من األدباء العرب يف إصدار مجلة

كراس لإلبداع املغاير يف بريوت 1994.أعامله: غري منصوص عليه ـ

ارتكابات، املتأخر ـ عابرا بني مرايا الشبهات، محمد والذين معه،

النائم وسريته، مسة شعراء عراقيني »مختارات مع آخرين«، عبد

الوهاب البيايت ـ كتاب املختارات »مقدمة يف تجربته ومنتخبات من

أشعاره ـ دار الكنوز األدبية ـ بريوت«، أندلس لبغداد، ربيع الجرناالت

ونريوز الحالجني، اسكندر الربابرة، عراق الكولونيالية الجديدة، الفنت

البغدادية ـ فقهاء املارينـز وأهل الشقاق، حطب ابراهيم أو الجيل

البدوي، كتاب بازي النسوان، كتاب فاطمة، أصحاب الواحدة ـــ

اليتيامت واملشهورات واملنسيات من الشعر العريب.

...................................................................................

باسم األنصار

الشعر شأن فردي الشعر نشيد روحي فردي أكرث مام هو جمعي، والشاعر

يقيم عالقته مع الشعر مثلام يقيم املتعبد الوحيد يف

محرابه عالقته مع الوجود أو مع خالقه. وأرى ان الشعر

العراقي دائم املثابرة والحامس يف البحث عن ماهو جديد

وحديث، ولكن أبناء الحركة الشعرية العراقية ليسوا عىل

نفس املستوى من حيث القيمة الفنية وذلك الختالف

وتفاوت املثابرة بني شاعر وآخر. مثلام أن الشعراء يف

الداخل ليسوا بنفس روحية الشعراء يف الخارج، واملواهب

الشعرية طبعا موجودة يف داخل العراق اآلن، ولكن

اليشء الذي يحزنني حقا هو أن هذه املواهب ال متلك

باسم األنصارمحمد مظلوم

Page 60: bayt_alshier_5

60

منافذ كثرية للتواصل مع الشعر العاملي أو مع الثقافة

العاملية بشكل عام. الشعراء يف الداخل ولألسف يعيشون

ظروفا قاهرة تشوش عىل موهبة وذهنية أي أنسان يف

العامل وليس عليهم فقط. ومع ذلك تقرأ لهذا الشاعر أو

ذاك قصائد جميلة وعميقة تدل عىل مستوى التحدي

الكبري الذي ميلكه شعراء الداخل إزاء املوت والضياع.

مل تكن الجغرافيا عائقا بوجه التالقح الثقايف والشعري.

لدينا مثال عىل ذلك، الشعر الفرنيس منذ بودلري تأثر

كثريا بالشاعر األمرييك إدغار أالن بو. والحركة الرومانسية

والسوريالية وغريهام من املدارس والحركات الفنية

والشعرية انتقلت إىل كل أنحاء العامل من دون صعوبة.

هذا إذا كان ما نقصده مبفهوم الحركة. أما إذا قصدنا شيئا

آخر كأن تأثر الشعر العراقي يف الداخل مبثيله الذي يف

الخارج أو العكس، فاإلجابة عىل ذلك هي طبعا. فالشعراء

العراقيون عىل الرغم من اختالف ظروفهم الحياتية

واليومية إال انهم بقوا ميتلكون الكثري من الهموم املشرتكة،

والتأثري فيام بينهم وارد وبقوة لهذا السبب بفعل توفر

ظروف مالمئة لالطالع عىل منجز بعضهم بعضا سواء عرب

النت أو عرب وسائل االعالم املختلفة.

وأشري إىل حجم الفائدة املتأتية من طبيعة عالقات

الشاعر املغرتب مع أفراد املجتمع الغريب عىل جميع

مستوياتها وأشكالها، إذ تجعله يتفهم ملاذا ظهرت حركات

فنية وشعرية وحتى فلسفات جديدة مثل الدادائية

والسوريالية والبنيوية والتفكيكية.. الخ يف املجتمع الغريب.

الشعراء يف الداخل يفتقدون هذا اليشء لألسف وهذا

ليس ذنبهم طبعا وإمنا ذنب ظروفهم الصعبة. ولكن

السؤال املهم هنا، هو كم من شعراء الخارج استطاع أن

يستثمر فرصة تواجده العظيمة يف الغرب؟ إجابتي هي

قليل، بل وقليل جدا. أمل أقل إن الشعر هو قضية فردية.

باسم األنصار، شاعر وكاتب عراقي مقيم يف الدمنارك، صدر

له: »رجل الصفصاف، نحيا وميوت الوطن، ترانيم ابن آدم«، شارك

يف تأسيس مجموعة سومر الثقافية التي قدمت الكثري من األمايس

الفنية واألدبية املختلفة يف الدمنارك عام 2000، أحد الفائزين

مبسابقة »بريوت 39« 2009.

...................................................................................

حسن السلامن

فارق فني هناك اعتبارات متثيل املشهد الشعري العراقي بشكل

عام، والتي تثار ما أن تطرح قضية شعر الداخل والخارج

العراقي وهل هناك تفاعل وتعالق، أو تنافر واختالف

بني الفريقني، ويف رأيي هناك ثالث قضايا أساسية تطفو

من معمعة هذا الجدل. وهي»طبيعة التعبري الشعري،

والرؤية الشعرية للوقائع واألحداث، واملوسوعة املعرفية

أو البعد الثقايف للشعر العراقي«.

عىل مستوى التعبري الشعري للقضايا املختلفة، دامئا

وبالرضورة، يجري التمثيل الشعري عرب آليات انزياحية

الشعراء العراقيون على الرغم من اختالف ظروفهم الحياتية واليومية إال انهم

بقوا يمتلكون الكثير من الهموم المشتركة، والتأثير فيما بينهم وارد

ملف

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012

Page 61: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 61

عالية الدرجة من دون غلو أو تطرف تجنبا للسقوط

يف براثن التقريرية واملبارشة والشعاراتية وبالتايل فقدان

القيمة. وهذا ما يشرتك به شعر الداخل والخارج، أو

الشعر مبجمله وباملحصلة ال يوجد اختالف. أما عىل

مستوى الرؤية الشعرية، فإننا نعتقد بان شعراء الخارج

يتميزون عن شعراء الداخل بالرؤية عن كثب، أو الرؤية

من الخلف بسبب بعدهم عن املوقع الجغرايف الحقيقي

لألحداث، مام يجعل رؤيتهم أكرث روية، وعقالنية،

ووضوحا، وهدوءا، خالفا للقسم األعظم من شعراء

الداخل الذي تكون رؤيتهم فيه رؤية محايثة لوجودهم

يف قلب األحداث، األمر الذي يجعل الكثري من تجارب

الداخل، تجارب يغلب عليها االنفعال والعجالة والتشنج،

وقد يصل األمر، ونظرا لفداحة الواقع العراقي مبآسيه

وكوارثه الخرافية، إىل سقوط الكثري من شعر الداخل يف

التعمية والفوىض والتفكك واالنكفاء عرب مونولوجات

شعرية يف غاية العدمية والعبث، وهو ما يجعل نتاجهم

الشعري فاقدا للقيمة.

هذا ال يعني عدم وجود تجارب شعرية من الخارج

تنحى ذات املنحى العدمي تحت ضغط طبيعة امليول

والتصورات الفكرية للشاعر، إذ أن ما أوردناه لالستشهاد

بشكل عام.

أما املوسوعة املعرفية أو البعد الثقايف، فتعد، أو يعد،

قاسام مشرتكا بني شعراء الداخل والخارج من خالل

التزود من نفس املصادر، سواء كانت معرفية / شعرية، أم

حياتية، فمعظم شعراء الخارج قد خاضوا جنبا إىل جنب

شعراء الداخل التجارب نفسها، ومروا بذات الظروف،

وكذا األمر بالنسبة للتأثر بالحداثة الشعرية وتحوالتها،

وكذلك التجارب الشعرية العراقية املعروفة األمر الذي

يجعل التفاعل والتقارب بني الفريقني طبيعيا. ومام تقدم

نلحظ أن الفارق بني شعر الداخل والخارج هو فارق

فني بالدرجة األساس، ألننا مهام قلنا عن تأثري الغربة

واالبتعاد بحق شعراء الخارج، تبقى الثقافة مبعناها

األوسع واألعمق هي املهيمنة.

حسن السلامن، شاعر وناقد عراقي، ولد عام 1963 / ميسان،

صدر له: أنفاق، عىل األرض مبارشة، حاصل عىل عىل عدة جوائز.

شعراء الخارج يتميزون عن شعراء الداخل

بالرؤية عن كثب، أو الرؤية من الخلف بسبب

بعدهم عن الموقع الجغرافي الحقيقي

لألحداث

القصيدة العراقية بين منفيين

عيل سعدونحسن السلامن

Page 62: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 62

عيل سعدون

معايير فارغة ال ميكن للشعر العراقي، وهو القامة املهمة والشاخصة

يف الشعر العريب، أن يخضع لتقسيامت من قبيل »داخل

وخارج«، إنه ببساطة شديدة يخضع ملعايري الشعرية

الحقة، تلك التي تخلخل حواسك وتعبث بدورتك

الدموية. والشعر أسمى من أن نأخذه حتف أنفه

كخروف لتقسيامت الوهم السائد، تلك التي تخضع

بطبيعة الحال إىل مزاج سيايس بالدرجة األوىل، فيام يجدر

بنا، أن نقرأ الشعر مبزاج فني محض.

أهمية الشعر العراقي تأيت من تواشج ظواهره الشعرية،

مع تحوالته السياسية واالجتامعية.... وما نقوله هنا،

سينطبق عىل ظواهر عربية أخرى كالشعر الفلسطيني

عىل سبيل املثال، ورمبا غريه أيضا.

وألفت االنتباه إىل الخصوصية التي نقول بها »هنا«

بأنها تكمن يف قبضته املحكمة عىل الجانب الفني، أي

صناعة الظاهرة وفق محددات فنية، األمر الذي تفتقده

معظم التجارب العربية، التي يغلب انفعالها الشعري

مع الحيايت، حد التقريرية واملبارشة، يساعدهام يف ذلك،

الشكل الشعري »التقليدي« والشائع يف خريطة الشعر

العريب.

إن قصيدة النرث عىل سبيل املثال، مل تتبلور بشكل حقيقي،

ومل تستند إىل الشعرية وفق التنظريات املعارصة، إال

يف ظواهر الشعر العراقي، منذ مثانينيات القرن املايض،

وإن ما يكتب منها »بقصد الشعر« يف التجارب العربية

املعارصة، يكاد يكون »نرثا بامتياز«..، وإن ما يقع بني

أيدينا من قصائد النرث املرصية، واملغاربية، وغريها، مثال

حي وشاخص عىل ما نقول به »هنا« .

وأرى عدم إمكانية تقسيم الشعر العراقي إىل داخل

وخارج، إنها تقسيامت تخص الجغرافيا، والشعر ليس

جغرافيا بطبيعة الحال، وإن ما كتبه يوسف الصائغ،

وسعدي يوسف، وفوزي كريم، يكاد ينطلق من ذات

املنطلقات التي ينطلق منها عبدالزهرة زيك ورعد زامل

ويحيى البطاط وغريهم، مع الفروقات الفنية واألسلوبية

التي متيز أداء كل منهم.. وما أعنيه باملنطلق املتقارب

»هنا« هو الهم الوجودي والكوين يف جدل الحياة العراقية

نفسها.

إن األداء الشعري لظواهر الشعر العراقي، تتفوق عىل

التقسيامت الواهية واالجرتاحات غري املنطقية، والتي ال

تخص جوهر الشعر، ذلك إن الشعر جوهر وباطن، ال

يستند للمظاهر الخارجية التي نقحمه فيها عىل الدوام..،

كام وأظن أنه من صنع عدد من الواهمني الذين تصوروا

بعد عودتهم إىل العراق عقب زوال الديكتاتورية، إنهم

»نجوم« مبجرد أنهم كتبوا أشياء باردة، خارج محرقة

»الداخل«، وأن أيا منهم ينظر له اآلن »أعني بعد

العودة« عىل أنه قامة مهمة، استنادا ملعايري فارغة

يوسمونها بـ »الداخل والخارج«.

ويف هذا الصدد أشري إىل تجربة زاهر الجيزاين، انظر

التواتر والتصاعد فيها، ما كتبه يف الداخل يتفوق عىل

ما كتبه يف الخارج، وأيضا مثة أشياء كتبها الجيزاين يف

السنوات األخرية، تكاد تتفوق عىل تجربته املهمة يف

»األب يف مسائه الشخيص«.

عيل سعدون، شاعر وناقد عراقي، ولد عام 1968 /ميسان، صدر

له: الغياب العايل، اصغاء للمنفى، جدل النص التسعيني. نرش العديد

من النصوص والدراسات يف الدوريات العراقية والعربية، قيد الطبع:

مجموعته الشعرية الثالثة »غروب ال عالقة له بالشمس«، كتابه

النقدي »مراجعات يف النقد العراقي«

ملف

أرى عدم إمكانية تقسيم الشعر العراقي

إلى داخل وخارج، إنها تقسيمات تخص

الجغرافيا، والشعر ليس جغرافيا بطبيعة الحال

Page 63: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 63

القصيدة والحرب ردة عمودية

فالعراقيون الذين امتدت آثار الحرب في العراق إلى الشعر الذي بات سالحا تعبويا من أسلحة المعركة. كانوا سباقين إلى الحداثة والتجريب وجدوا أنفسهم وقد عادوا إلى تقليدية فرضتها الشروط السياسية

وثقافة الموت والخنادق. في التحقيق التالي محاولة لتلمس اآلثار التي تركتها تحوالت الحرب على فنية القصيدة العراقية التي وصلت إلى مرحلة ريادية في النص والتنظير، وقطعت مع الماضي قبل أن تعود من جديد إلى الكالسيكية.

Page 64: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 64

ملف

باسم املرعبيتجارب فردية تدأب على االختالف

والقطيعة

1ال ميكن النظر إىل موضوعة كبرية كهذه تتعلـق بواحد

من أكرث مالمح الثقافة العراقية عمقا وأثرا أال وهو

الشعر مبعزل عن عوامل كثرية، اجتامعيا وسياسيا، كالتي

شهدت انطالقة ما عرف بـ »حركة الشعر الحر« نهاية

األربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن العرشين

عىل يد السياب وبلند والبيايت. إن الرتاجع املشار إليه يف

السؤال مل يكن تراجعا باملعنى الشائع بقدر ما كان طغيانا

للثقافة الرسمية التي نحت

جانبا الفاعلية التي عرف

بها الشاعر العراقي يف

التجريب والتجديد، لكن

هذه الثقافة املحافظة

بطبيعتها، شأنها شأن كل

ما هو رسمي، مل تقدر

عىل إلغاء خصيصة الشاعر

العراقي، كام أنه ليس

بالرضورة ربط العودة إىل

العمودي كملمح مالزم

لهذا النكوص، إذ إن

الشكل العمودي للقصيدة كان موجودا عىل الدوام وهو

قد يخفت يف فرتة ويعلو يف أخرى كام يف فرتة الحرب

العراقية اإليرانية مثلام يالحظ السؤال. لكن املسألة

ليست هنا أيضا فبقدر ما »انتعش« العمود بحكم حاجة

املاكنة الدعائية للنظام وقتئذ لهذا النوع »التعبوي«

»التحشيدي« من »الشعر« كام يحدث يف الحروب عادة،

فإن الثامنينيات العراقية كانت مرحلة فاصلة لصالح

الحداثة الشعرية العراقية إذ شهدت نوعا من القطيعة

مع اإلرث الشعري لثالث حقب ـ إذا جاز لنا هذا

التحقيب ـ وهي الخمسينيات والستينيات والسبعينيات،

فتجد يف كثري من النامذج النرثية التي كتبت تحت

عناوين قصيدة النرث أو النص املفتوح أو الكتابة الجديدة

مفارقة للمنجز السابق بشكل أو آخر، مع مالحظة أنني

مل أرد هنا التحقيب الجييل

ـ نسبة إىل جيل ـ كام هو

دارج يف العراق، بل اعتمدت

التحقيب النيص، إذ من

الرضورة تأشري أن أهم منجز

شعراء السبعينيات يف العراق

قد تحقق يف الثامنينيات، عكس

شعراء الثامنينيات الذين قدموا

مقرتحاتهم الكتابية الناجزة يف

حقبتهم ذاتها وهو يشء تجدر

معاينته ودراسته، يف حد ذاته.

الثمانينيات العراقية كانت مرحلة فاصلة لصالح الحداثة الشعرية العراقية إذ شهدت نوعا من القطيعة مع اإلرث الشعري لثالث حقب وهي الخمسينيات والستينيات

والسبعينيات

Page 65: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 65

القصيدة والحرب

2ال تحسب املسألة يف الشعر أو الكتابة عموما مبجرد

الرغبة يف النزوع إىل اتجاه ما بقدر ما يتحقق ذلك عىل

الورق فعال. وطاملا أن الحديث عن الشعر العراقي،

تحديدا، أرى أن جملة املتغريات القاسية التي خضت

الحياة العراقية برمتها منذ التسعينيات ـ كمرحلة فاصلة

ـ وحتى اليوم ال ميكن إال أن يكون لها آثارها الشائهة عىل

كل يشء، وعلينا أن ال نغايل كثريا ونعزل »الشاعر« عن ما

يدور حوله. فإذا كانت األرض تهتز تحت قدميه كيف به

أن يحسن التفكري السوي!

خالصة القول إن هناك تراجعا يف أهمية املتحقق

الشعري، للسنوات األخرية، فال مغامرات كربى وال تجريب

عميق. الشك أن هناك تجارب فردية تدأب عىل االختالف

والقطيعة لكنها مل تشكل بعد ظاهرة. وشخصيا مل أكن

إال متفائال عىل الدوام بالشعر العراقي وبالوعود التي

يختزنها لكن علينا أن نخلف هذه السنوات العجاف

بعيدا وراءنا يك تتبني لنا السنابل التي ننتظر.

وإال ال أريد أن أبدو متشامئا كالجواهري الذي قرر يف

لحظة يأس أو ارشاق: »إن شعرنا متخلف ألنه أداة أمة

متخلـفة، إذ من املستحيل أن ينفصل الشعر ويطفر

ويتقدم وحده، إنه مشدود للعربة كلـها. العوامل التي

يتعرض لها العريب تنعكس جميعها عىل الشعر فتخنقه«.

حتى لو اختلفنا مع رؤية الجواهري هذه لكن علينا

تأملها بعمق.

باسم املرعبي، تولد الديوانية- العراق، بدأ النرش أواسط

السبعينيات، درس املرسح يف أكادميية الفنون الجميلة/ بغداد،

كتب للمرسح وقد قدم أول عمل له عام 1982 وهو »بريوت

تغادرها النجوم« عن الحرب األهلية اللبنانية. صدرت مجموعته

األوىل »العاطل عن الوردة« التي نالت جائزة يوسف الخال للشعر

عام 1988 يف لندن، غادر العراق عام 1991 إىل سوريا ومن ثم

إىل لبنان حيث عمل يف الصحافة الثقافية كام يف مجلة »الناقد«

وملحق »النهار«. ترجمت بعض قصائده إىل االنجليزية والسويدية

والفارسية. صدر له: »العاطل عن الوردة« عام 1988، )3 مجموعات

يف كتاب واحد هي »العاطل عن الوردة« و»كلامت ثم كلامت«

و»صورة األرض«( عام 1997، »األرض املرة« »بريوت« 1997 ،

و»سامء بطائر واحد« 1999. يقيم يف السويد منذ عام 1994، كام

صدر له العام 2011 كتاب »سطور عىل الجذور.. قراءات ومواقف«

عن دار نيبور للنرش

...................................................................................

عيل حسن الفوازسيرة الحداثة في بيئة الطوارئ

مفهوم الحداثة الشعرية تجاوز منطقة الرتاجع أو نزع

األسلحة، وأصبح أسئلة صادمة تقف إزاء إشكاالت قيمية

وإجرائية أكرث تعقيدا، رمبا هي املسؤولة عن املظاهر التي

توسم املشهد الشعري بالنكوص أو إتاحة املجال لصعود

أشكال من »الثقافات« التقليدية!!

طبعا ألن مفهوم الحداثة إزاء هذا التوصيف ليس

عاريا، أو إنه الكائن الذي يصنع املعجزات، إنه جزء من

معطيات وجودية أكرث ضغطا وشموال، كام إنه جزء

من عالئق تسهم يف تأصيل -هذا املفهوم- داخل فاعلية

عيل الفوازباسم املرعبي

Page 66: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 66

ملف

نسق الوجود واملعنى.. الحداثة العربية والعراقية بشكل

خاص وجدت نفسها أمام مجموعة من التحديات الكربى،

بدءا من تحدي السلطة املركزية وأوهامها األيديولوجية،

وتحديات الحروب الطويلة ألكرث من ثالثني سنة وهو

زمن غرائبي جدا، فضال عن تحديات الهوية واإلشباع

واملكان والجسد والحوار والحرية. كل هذه أسهمت يف

وضع الحداثة عند الحافة، خاصة وإن البيئة العراقية

تحولت يف هذا السياق إىل بيئة طوارئ، تتعاطى مع قيم

الحداثة كمفهوم ملتبس، وغامض ومن دون »أسواق

ثقافية« وحتى من دون »بيئات تعليمية وتداولية« وهو

ما أسبغ عىل منظور التحديث نزوعا مجردا للمغامرة

التي ظل ميارس استيهاماتها شعراء ونقـاد ومغامرون

خارج أسوار املدينة والجامعة والسوق.. وأحسب ان

ظاهرة صعود قصيدة العمود أو حتى بعض االتجاهات

الواقعية جدا يرتبط بطبيعة املهيمنات الرصاعية التي

كانت تفرتض مواجهاتها عىل املراكز الفاعلة/مراكز القوة

والسلطة واأليديولوجيا باتجاه خلق مضادات تعيد تصنيع

الحداثة يف ضوء منظور التاريخ والقوة واملقدس. ولعلـي

أجد يف املنفى العراقي هامشا ساحرا ومفارقا- رغم عدم

وضوح مالمحه- لصناعة أشكال تعويضية لفكرة الحداثة

املطرودة واملشكوك بنواياها وطبيعة خطابها ومرجعياتها.

اللحظة العراقية املعارصة مابعد 2003 مضطربة كثريا،

أو رمبا هي تشبه الصدمة، صدمة النقائض، حيث

االحتالل يقرتن بالحرية، أيديولوجية املركز تتشظى إىل

أيديولوجيات غري منضبطة، املقدس يخرج من علبه

القدمية إىل الشارع العمومي، وأعتقد أن التجريب وسط

هذه املفارقات بات األقرب إىل لعبة جمع النقائض،

والرغبة يف ترميم العقل واللغة واملكان، وإن بات نوعا

من الهروب العمومي إىل األمام، وهذا الهروب ليس

بالرضورة ذهابا إىل الجحيم؛ ألن الشاعر العراقي برغم كل

سرية الوجع والطرد والقسوة التي رافقته منذ عقود ظل

مسكونا باستعارته الكربى، تلك التي متنحه رغبة حميمة

ودافقة لنزع األغطية الثقيلة ومعطف األب الفرويدي

وتعرية العامل عرب تعرية اللغة. إذ تكون اللغة هنا هي

الشهوة والجسد والخطاب، مثلام هي املنطقة القلقة أو

رمبا هي رساط النار املفتوح عىل العامل املشوش والضاج

من حولنا، حيث الشعراء يصنعون غوايتهم الكربى.

عيل حسن الفواز، ولد يف بغداد، يكتب الشعر والنقد، أصدر

الكتب التالية يف الشعر: »فصول التأويل«، »مرايا لسيدة املطر«،

»مداهامت متأخرة«، »ألوان باسلة«، »وجه ضالع يف املرايا«، ويف

النقد: »العائلة الشعرية العراقية«، »الشعرية العراقية أسئلة

ومقرتبات«، »مرايث املكان العراقي يف الرسد«، »أنطولوجيا شعراء

البرصة- كتاب يف األنطولوجيا الشعرية«، »فنطازيا الدولة«- كتاب

يف الفكر السيايس، »إشكاالت الدولة الوطنية من التاريخ إىل نسق

الحداثة«- كتاب يف الفكر السيايس

ظاهرة صعود قصيدة العمود أو حتى بعض االتجاهات

الواقعية جدا ترتبط بطبيعة المهيمنات الصراعية التي

كانت تفترض مواجهاتها على المراكز الفاعلة/مراكز القوة

والسلطة واإليديولوجيا

Page 67: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 67

...................................................................................

أديب كامل الدينكتابة بأسلوب النجارة

الشعراء اآلن عىل ثالثة أنواع: شاعر حقيقي، وشاعر ناظم،

وشاعر رديء! الشاعر الحقيقي معروف فليس من سبب

لتوصيفه. لكن الشاعر الناظم قد يجهله الكثريون. إنه من

»ينجر« القصائد ليس فقط عىل بحور الشعر املعروفة بل

عىل »قوالب« قصائد معروفة لشعراء قدماء أو محدثني.

وهذا ينطبق عىل الشعر العمودي يف األغلب وعىل بعض

من شعر التفعيلة حيث ظهر اآلن من »ينجر« قصائد

تفعيلة أيضا!

وبالعودة إىل موضوع السؤال والقصائد العمودية التي

كتبت لتمجد الحرب وما درجة تأثريها عىل املشهد

عموما، فإن الشعر ليس نجارة عىل االطالق! الشعر

موقف من العامل: موقف روحي وفلسفي وأخالقي.

والذين يطوعون الشعر لخدمة أغراض التكسب والجاه

ال يستطيعون أن يكتبوا شعرا متميزا البتة مهام امتلكوا

من قدرة التقليد. ذلك أن التقليد يبقى تقليدا ولن يصبح

إبداعا مهام نفخ فيه!

وهكذا فإن »الكتابة بأسلوب النجارة« ال تتيح للشاعر

بالطبع سوى كتابة قصائد مهلهلة تشكو فقرها الشديد

وهزالها األكيد رغم متاسكها الظاهري الكاذب.

وإذا كانت قصيدة النرث قد فتحت أبوابا عظيمة لإلبداع

كام هو معروف، فإنها يف الوقت ذاته فتحت الباب

عىل مرصاعيه – وبخاصة يف زمن اإلنرتنت- لنرش مئات

الخواطر الفجة التي يسميها أصحابها »قصيدة نرث« يوميا

عىل املواقع اإللكرتونية العامة والخاصة.

لكن املسألة ليست إنرتنتية خالصة وال خاصة بقصيدة

النرث لوحدها بالطبع. إذ يجب أن نعرتف بأن هناك أزمة

يف الحصول عىل الشعر املتفوق املبدع وهي أزمة ليست

جديدة. ألن الكثري من الشعراء والشاعرات يف بلداننا

العربية- باختالف أساليبهم الشعرية: عمودية أو تفعيلية

أو قصيدة نرث- يفتقدون إىل الفهم الدقيق ملسألة بنية

القصيدة، وملسألة النمو العضوي يف القصيدة، ومسألة

االقتصاد يف اللغة، ومسألة القاموس الشخيص للشاعر،

ال ميلكون تجارب روحية أو إنسانية ذات شأن أو عمق.

وتجد جملهم الشعرية وصورهم الفنية مليئة بالتغميض

والرتهل والتقعري والهذيان الالمجدي حتى تحولت

قصائدهم إىل مايشبه ركاب عربة القطار الذين ال يعرف

بعضهم بعضا، وال يجمعهم أي جامع سوى العربة!

الشعر، كام أراه، هو اكتشاف الحياة يف ومضة نادرة

وبأقل عدد من الكلامت. ولذا سيكون الشعر الحقيقي

والعميق نادرا عىل الدوام. والغلبة يف الظهور، عىل األكرث،

للنامذج غري األصيلة، للنامذج التي تعوزها الومضة

النادرة يف اكتشاف الحياة أو تعوزها قدرة الشاعر عىل

تجسيد هذه الومضة بشكل عميق ومبتكر دومنا تعقيد

أو تغميض. وبالتغميض أعني الغموض املفتعل وليس

األصيل.

عمر الجفالأديب كامل الدين

القصيدة والحرب

Page 68: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 68

ملف

إن معادلة اإلبداع يف الشعر صعبة حقـا، وتتطلـب من

الشاعر خربة حياتية وثقافية ولغوية وشعرية، مع مران

مستمر، وإميان حقيقي بالشعر ودوره اإلنساين الخالق،

مع الحرص الصادق عىل عدم ابتذال الشعر بأي شكل من

األشكال.

أديب كامل الدين، شاعر، ومرتجم، وصحايف، مواليد 1953

– بابل – العراق، بكالوريوس اقتصاد - كلية اإلدارة واالقتصاد -

جامعة بغداد 1976، بكالوريوس أدب انجليزي – كلية اللغات

– جامعة بغداد 1999، دبلوم الرتجمة الفورية - املعهد التقني

لوالية جنوب أسرتاليا - أدياليد - أسرتاليا 2005، أصدر املجاميع

الشعرية اآلتية: »تفاصيل«، »ديوان عريب«، »جيم«، »نون«، »أخبار

املعنى«، »النقطة«، »حاء«، »ما قبل الحرف.. ما بعد النقطة«،

»شجرة الحروف«، »أبوة« Fatherhood – »باإلنجليزية«، »أربعون

Quaranta - »قصيدة عن الحرف« ، »أربعون قصيدة عن الحرف

poesie sulla lettera »باإليطالية: ترجمة أسامء غريب«، »أقول

»– Something Wrong الحرف وأعني أصابعي«، »مثة خطأ

»باإلنجليزية«

عمر الجفالمريدو قصائد تعيد نفسها

ال أعتقد مطلقا إن هناك ردة يف الحداثة الشعرية يف

العراق، لطاملا كانت القصيدة العمودية تسري مبوازاة

قصيدة النرث، لكن األخرية تتفوق لتنوعها ولعدم ركونها

إىل ثابت، عىل العكس من القصيدة العمودية التي مهام

حاولت أن تتزوق فهي تبقى يف شكلها ذاته ما يجعلها

تعيد نفسها.

يف العراق، الرصاع دائم بني هذين الشكلني الشعريني،

اليوم الشكل العمودي له مريدوه بدءا من األحزاب

السياسية وليس انتهاء باملحافل الدينية ألنه يشجع عىل

التصفيق ملوسيقاه، لكن مبقابل هذا، تشهد قصيدة النرث

تطورا الفتا وهي ملتزمة بثقافة رصينة.

هل تعتقد أن النزوع إىل الحداثة والتجريب اليوم لدى

الشاعر العراقي بات أقوى من السابق أم أقل؟

هذا السؤال يحمل معنى مزدوجا، لجهة أن التجريب

عىل يد األجيال السابقة

يف العراق أخذنا إىل تخوم

الهلوسة، ما خلف لدى

جيلنا ركاما من الكالم

الذي يبحث عن معنى!.

أما التجريب اليوم فهو

ملتزم بالحدود التي تتيح

للنص التخلص من األبوية

واالنفتاح عىل مديات أوسع

داخل نطاق الشعر، وداخل

فهمه وليس خارجه.

عمر الجفال، ولد يف بغداد

عام 1988، غادر إىل دمشق العام

2000 وبقي فيها حتى العام 2011، فاز بجائزة دار التكوين 2009،

صدر له عن الجائزة نفسها ديوانه األول »خيانات السيدة حياة«،

عر العراقي ببغداد العام كام فائز بجائزة اليونسكو وبيت الش

الرسومات : شاكر حسن آل سعيد 2012

الشكل العمودي له مريدوه ألنه يشجع

على التصفيق لموسيقاه، لكن

بمقابل هذا، تشهد قصيدة النثر تطورا

الفتا

Page 69: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 69

الشعراء الجددطريق النشر الصعب

هل من حركة شعرية جديدة يمكن تلمس وجودها بعد حدث االجتياح األميركي للعراق عام 2003؟ وإذا كانت الصحافة الثقافية تعتبر الجيل الجديد، جيل »ما بعد التغيير«، أو جيل »القطيعة مع األيديولوجيا«، فما دور النقد في تقييم النتاج« وماذا بشأن النشر وصعوبات الطباعة، وتعامل دور النشر المحلية والعربية

مع ممثلي هذا الجيل من الشعراء الجدد؟؟.أجوبة هذه األسئلة على لسان ناقدين، وكتبي وباحث يتحدث عن العالقة عموما مع الكتاب الشعري في

العراق ومستوى تلقيه االجتماعي

بشري حاجمجيل يفكر بالمتلقي وال تفكر به

دور النشرال ميكنني تقديم رؤية عن حال شعرنا اليوم، يف العراق،

من دون االنطالق من إيجابيات ما بعد 9 نيسان 2003.

لعل أهمها عىل صعيد الشعر، حرصا هنا، هي، عندي

ـ يف األقل، إيجابية موت »القطبية الثنائية«: السياسية

عموما/ األيديولوجية خصوصا. إذ، منذ تسعة أعوام،

مل يعد مثة: تقدميو الخمسينيات ورجعيوها/ أمميو

الستينيات وقوميوها/ شيوعيو السبعينيات وبعثيوها/

مستقلو الثامنينيات وحزبيوها/ منفيو التسعينيات

وسلطويوها. أي أن شعراء تلك العقود، ممن ظلـوا

حارضين حياتيا وإبداعيا، توفروا عىل انفتاحات »سياسية/

أيديولوجية« عديدة من دون ذلك االستقطاب »السيايس/

األيديولوجي« الوحيد.

ثم أن هذا التوفر االنفتاحي، املتحرر، الذي نسف ذاك

التخندق االنغالقي، املتقيد، جعل واقعنا الشعري، ذا

األرضية الخصبة تأريخيا وفنيا، يشهد واحدة من أهم

مراحله املعارصة. إنها هذه املرحلة الحالية، الحارضة، التي

وصفتها باملرحلة الذهبية، مرارا وتكرارا، لكونها تتزامن

مع حرية محسوسة وملموسة عىل الصعيد السيايس. ولقد

قلت قبل أعوام إن شعراءنا مدعوون ملواكبتها بحرية

ابداعية، سوسيوثقافية، ال تقل محسوسية وملموسية.

وهذا، فعال انشغاليا واشتغاليا معا، بحيث متخضت عنهم،

تحصيل حاصل للمنتج املنجز بهم، حركة شعرية فاعلة يف

الثيمة والبناء والتكنيك والجاملية.

انلو

عجرب

ن فنا

ال

Page 70: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 70

ملف

وليس من أي ريب لدي، يف أن ساحتنا النقدية، سيام

جناحها النيص الداخيل العمقي، قد ازدادت فاعليتها

ــ بفاعلية هذه الحركة الشعرية ــ هي األخرى. حيث

باتت، حقـا، تتمتع بحرية ثقافية، معرفية وفكرية،

حلـت لها إشكاليات »املمنوع« و»املقموع« و»املسكوت

عنه«، التي كانت أخطر اإلشكاليات، يف تناوالتها ملنجزات

شعرائنا. فراحت هذه التناوالت، من ثم، تشتغل بإجرائية،

بحثية ودرسية، عىل منجزاتهم، كلـها، من دون أية حاجة

للتورية واملواربة.

عليه ميكنني القول، يف صدد معايريه النقدية الحقة

لتقييم نتاجنا الشعري الفذ، إن اشتغاال إجرائيا كهذا،

ال تورية فيه وال مواربة، إمنا تحرر من العقدة املزمنة

األكرب: »األيقونية«. بهذا التحرر، الذي تخلله ابتعاد عن

»اإلخوانيات«، شمل هذا االشتغال اإلجرايئ حتى شعراء

الجيل األخري، الحايل، ممن ظهروا، عىل مستوى النرش،

خالل العقد األول لقرننا الحارض. أنا شخصيا، مثال ليس

حرصا، كنت، بحكم متابعتي لشعريتنا املعارصة، قد

انتبهت ـ تنظريا وتطبيقا منذ عام 2005 ـ لهؤالء الشعراء.

مثة، بحسب انتباهي هذا، انفتاح فذ عىل متلقيهم،

اعتيادييه واستثنائييه سواء بسواء، يحاولون، مفرديا أو

مثنويا أو جمعيا، أن يصلوا إليه، اليوم قبل الغد، باعتباره

»رضورة«. من أهم سامت هذه الرضورة لديهم، بل هي

أهمها لدي، أنهم يكتبون قصيدتهم شعريا، إيحائيا ال

إخباريا، قبل كتابتها عموديا أو تفعيليا أو نرثيا. ففيها،

يف القصيدة هذه، ال حدود ـ حيث الحدود وهمية غالبا

ـ لشعريتهم، االيحائية ليست اإلخبارية، التي يرومونها

أساسا. وهي، لذلك، متواترة يف نصوصهم، جلها، برصف

النظر عن عموديتها أو تفعيليتها أو نرثيتها. إنها األقىص

املمكن لإلنزياح، إذن، وبه أمكن، لهم، أن يستعيدوا

الكثري، جدا، مام فقدته قصائد »العمود/ التفعيلة/ النرث«،

من شعرياتها، عرب األجيال السابقة لجيلهم »الجوكر«.

هذه االستعادة، الرضورية، ما كانت، أصال، لتتأىت لهم،

وبهم، لوال أنهم، انشغاال واشتغاال، إمنا يكتبون نصوصهم،

عمودية/ تفعيلية/ نرثية، و»عينهم« عىل »الشعرية« دون

»التجنيسية«. ذلك يعني أن أي واحد منهم، وإن بدرجات

متفاوتة، قد تفهم، وال يزال، ما يريده الشعر، يف القصيدة،

وهذا املعنى متجل يف »دواوينهم: الوحيدة »و/ أو«

األخرية« حتى اآلن.

بيد أن أغلبية هذه الدواوين، وحيدة »و/ أو« أخرية، مل

تصدر لهم بيرس وسهولة وانسيابية و»أريحية«. يكفي،

دليال لذلك، أنها استنزفت جيوبهم، وهي »فقرية« يف

مجملها، ألنهم أصدروها عىل حساباتهم الخاصة يف

»بريوت/ دمشق/ عامن/ القاهرة« خصوصا. لكونهم، وما

زالوا، بني »حجري رحى«: دور نرش عراقية غري موزعة،

طابعة فقط، ال تحقق طموحهم يف االنتشار »حتى خارج

العاصمة بغداد!«.. ودور نرش عربية موزعة، قد تحقق

طموحا كهذا، لكن تعاملها معهم »تجاري«، أكرث مام

هو »إبداعي«، وهنا عرسه وصعوبته تجاههم. ويبدو،

يل، أنهم فضلوا، وال يزالون، ثاين الحجرين هذين، عىل

أولهام، ألنه األمنت، الفوقي، وإن ثقل عليهم. ما يضطرهم

لهذا التفضيل، إضافة إىل ذلك، كونهم غري محظوظني

مع »املؤسسة الرسمية«. لذا أقرتح عىل »دار الشؤون

الثقافية العامة«، التي أقصدها هنا، أن تعيد »سلسلة

كتابات جديدة«، تحديدا، يك تصدر دواوين أوىل ألهمهم،

كريم حنشأحمد الظفرييبشري حاجم

Page 71: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 71

الشعراء الجدد

يف األقل، من خاللها. فهذه السلسلة، التي ألغتها »وزارة

الثقافة« عند بدايات العقد الثامنيني ـ نتيجة لسبب

معروف قبالة جميع املعنيني، كانت عامال جليا يف بروز

العديد من شعراء الجيل السبعيني. وأظن أن يف إعادتها

اآلن »أضعف اإلميان« بشعر الجيل األخري، جيل ما بعد

»التغيري«، إن كانت هذه »الدار« مؤمنة به حقا!.

بشري حاجم، ناقد عراقي ولد يف بغداد 1968، صدر له: »زمن

الحيك.. زمن القص«، »النسق النيص والنسق املتني يف الحركتني

املتضافرتني للقصيدة«.

...................................................................................

أحمد الظفرييشعراء بذهنية عالية ونقد متأخر

عاشت الحالة الشعرية يف العراق أطوارا عديدة، تبعا

للوضع السيايس واالقتصادي واالجتامعي الذي يعيشه

البلد، والشعر العراقي مابعد 2003 مر بحالة انتعاش

–حسبام أعتقد- وذلك بعد االنفتاح اإلعالمي وزيادة

االختالط مع الشعر يف البلدان األخرى من جهة، ومن

جهة أخرى فإن انفتاح أسواق الكتب واإلنرتنت أمام

القراء أعطى مجاال آخر لالطالع واإلفادة من تجارب

اآلخرين، فضال عن أن التجارب التي مر بها الشاعر

العراقي ازدادت بعد عام 2003 بسبب االضطرابات التي

عاشتها البالد.

الشعر العراقي بعد عام 2003، شعر واقعي جديد،

اتجه اتجاها معرفيا عىل الرغم من عشوائيته املستكينة

تحت فراسة املصطلحات الحديثة التي دخلت إلينا سواء

باالستعامل أو كونها دخيلة عىل لغتنا العربية.

إن جيل الشعراء الذي ظهر بعد 2003 ميثـل حالة

إبداعية جديدة واعتقد أنه جيل ثري باإلبداع السيام بعد

ترسيخ أسامئهم عىل الصعيد العريب، فكثري منهم حصد

جوائز شعرية عربية وبعضهم اآلخر –أعتقد- أنه يستحق

األفضل، وقد متيز نتاجهم بذهنية عالية ورؤية دقيقة

للحدث اليومي هذا عىل الصعيد العام.

أما عىل الصعيد األجنايس للكتابة فهناك حالة من

االتباعية عند بعض الشعراء الذين ميثلون حالة جديدة

من »قصيدة الشعر«، علام أن هؤالء الشعراء يتميز كل

منهم بصوت مستقل إضافة إىل كون بعضهم يرشع

باالنفتاح عىل األعامل املرسحية الشعرية.

وهناك النوع الثاين من الشعراء وهم شعراء قصيدة

النرث والذين يظهرون عىل الساحة الثقافية بصورة أوسع

بكونهم أكرث نتاجا وقربا من املتلقني الشباب، وهؤالء

الشعراء أيضا بعضهم يعد مواصال لجيل قصيدة النرث

العراقي األول الذي ظهر يف ستينيات القرن املايض،

وبعضهم يحاول الخروج عن قصيدة النرث السائدة من

خالل االنفتاح عىل النص املفتوح واستخدام اليومي

والسائد يف نصوصه، فضال عن إيجاد لغة تكاد تقرتب من

اللغة الدارجة من خالل استخدام ألفاظ األدوات واألشياء

املتداولة يوميا.

أما عىل صعيد النقد فيبقى النقد متأخرا عن الحالة

الشعرية وذلك بسبب الكثافة يف اإلنتاج األديب مقابل قلة

القراءات النقدية، وأنا ال أعتقد أن السبب هو تكاسل

النقاد بل قلـة أعدادهم مقابل أعداد األدباء، ناهيك عن

كرثة النصوص الرسدية التي أصبحت توازي النصوص

الشعرية بعددها وهذا يضيف زخام جديدا عىل النقاد.

إن الحالة النقدية بصورة عامة تعتمد أحيانا عىل

انلو

عجرب

ن فنا

ال

Page 72: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 72

ملف

املجامالت واإلخوانيات ورمبا السبب يعود إىل صعوبة

مالحقة النقاد لكافة النتاجات األدبية الجديدة، ولذلك

يعتمد الناقد يف عمله عىل ما تصله من نتاجات أدبية

عن طريق األصدقاء أو املعارف أو ما يوزع يف املهرجانات

والتي تعد الحلقة األهم يف التوزيع للمطبوعات األدبية،

وهذا يجرنا للحديث عن أزمة الطباعة والتوزيع لدى

الشاعر العراقي، فهو يضطر للطباعة عىل حسابه الخاص

والتوزيع بإمكاناته الخاصة أيضا وهنا نكون أمام اشكالية

تحدثنا عنها أكرث من مرة يف الصحف حول دور وزارة

الثقافة يف تبني اإلصدارات األدبية وتوزيعها توزيعا يليق

باملنتج، كذلك تخصيص جزء من ريع املباع لألديب يعطى

كحافز له عىل إبداعه، كذلك العمل عىل إصدار قانون

امللكية الفكرية والذي يعد عامال رئيسا يف الحفاظ عىل

املنتج األديب من الرسقة.

أحمد الظفريي، دكتوراه أدب عريب »نقد حديث«. صدر له:

»سيمياء الخطاب الشعري«، »فضاء الكون الشعري-من التشكيل

إىل التأويل- مستويات التجربة عند محمد مردان« تأليف: عدد من

الباحثني. يف البحوث له: »قراءة نقدية يف شعر شريكو بيكه س«.

...................................................................................

كريم حنشكتب تتآكل في شارع الرشيد

تبقى ثقافة امليديا وما تقدمه للناس أحد أسباب انحسار

الكتاب الشعري، والفضائيات، واملذياع، وعرشات الصحف

واملجالت، واملهرجانات يف عرص فوىض الدميوقراطية،

تلك أهم سموم االنقسام والتخلف، وكلام توغلنا يف

أسواق الكتب ببغداد وبقية املدن يف الوسط والجنوب

وما يتداوله الناس نجد عرص الفرتة املظلمة بهيئة القرن

الحادي والعرشين ماثلة يف توجهات الناس، فكتب

الشعراء الشعبيني وشعراء القريظ ومهرجاناتهم وما تبثه

القنوات الطائفية أحد أهم البدائل إلزاحة ما هو جاد

ومنطقي يف الشعرية العراقية الجديدة.

بعض الشعراء اليوم ما زال يف تواصل مع النتاج الشعري

لبورخس، وسعدي يوسف، وأدونيس، ومحمود درويش،

وسليم بركات، وتوماس ترانسرتومر، تلك فئة شعرية

أسرية التاريخ العام ال ميكن نسخ تجربتها وتعميمها، وال

سيام أن جل الشعراء يعيشون يف عامل املرض الرنجيس ال

متلؤه فسحة ملكوت ريلكه عندما يجسد حالة املجتمع

وهو يعيش يف دوامة الفقر، وفكتور هيجو مل يكن شاعرا

فقط باملعنى الغنايئ والغني الرائع للكلمة، وإمنا كان

مفكرا وسياسيا ومنخرطا يف هموم عرصه وقضاياه.

الشعر قيمة إنسانية عليا، لذا انفرد شعراء يك يصبحوا

قادة للضمري والفكر اإلنساين، يذكر هاشم صالح يف ضوء

دراسته للناقد الفرنيس بول بينيشو أن »الدور الكبري الذي

لعبه المارتني وفيكتور هيغو وألفرد دو موسيه وسواهم

يف التاريخ الفرنيس املعارص، فقد حلـوا محل الكهنة

املسيحيني يف نظر الجمهور املثقف وقدموا للناس الغذاء

الروحي بعد انحسار املسيحية والكهنة التقليديني من

مطارنة وخوارنة«.

هذا يعني أن الشعر أخذ ميثل مكانة املقدس يف وعي

األوروبيني بدال من الدين الذي فقد مصداقيته بعد الثورة

الفرنسية وسقوط النظام القديم.

ما بال بعض شعرائنا عندما ينرشون الديوان تلو الديوان

وكأن التجربة اكتملت بالتصالح املفرط للذات عن طريق

استقبال شاعر من الغربة وكأن نريودا حرض بسيف اللهب

ومذكراته التي ألهمت ماركيز يف »مائة عام من العزلة«،

وهذا هو الحضور الفاعل للشعر يف أوروبا وأمريكا

الالتينية.

أمام تعايل الذات لدى الكثري من شعرائنا املعارصين،

وباألخص عندما نجد أعاملهم السبعينية وهي تتآكل

يف شارع الرشيد حرصا من دون أن يقلـبها أحد مجاميع

نبيل ياسني، وفوزي كريم، وكاظم جهاد، وهاشم شفيق،

فضال عن شعراء مرحلة القادسية وما بعدها، فحدث مبا

تراه عيناك من اختالط أوراق الوعي والجهل معا.

كريم حنش، باحث وكتبي، صاحب مكتبة الحنش يف شارع املتنبي

ببغداد، رئيس التجمع الثقايف يف شارع املتنبي، رئيس تحرير مجلة

»فكر حر« الصادرة عن التجمع نفسه، طالب دراسات عليا يف كلية

اآلداب- جامعة بغداد

Page 73: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 73

الشعر والفنونتكامل أم تنافس ؟

رغم تنوع وغنى المشهد الثقافي العراقي في التشكيل والمسرح والقصة والرواية ظلت الصدارة للشعر. والسؤال اليوم هل بقي الشعر في هذا المقام العالي، وهل تطور أكثر أم على العكس تراجع لصالح إبداعات أخرى أخذت تظهر الى السطح ويبرز معها جيل صاعد من المبدعين يرسخون حضورهم؟.سؤال يجيب

عنه ثالثة من شعراء العراق

عبدالخالق كيطاننسف المقوالت التقليدية

»نعم هنالك »فورة« يف بعض األنشطة اإلبداعية العراقية.. وهناك

طموح مرشوع يف السينام والتلفزيون.. ويف الرواية.. ولكن ملاذا

نعتقد أن ذلك يؤثر عىل حال الشعر؟«، هذا ما يؤرشه الشاعر

والناقد املرسحي عبدالخالق كيطان، موضحا عقب استفهامه

بالقول: »ما يحصل يف املشهد الشعري العراقي منذ عقد من

الزمان ال عالقة له بتلك الفورة. إال أن مشكلته بنيوية، سببها جيل

من الشعراء أرادوا التشطيب عىل تجربة أكرث من نصف قرن من

الحداثة الشعرية والنكوص بالتجربة إىل ما يسمونه محاولة اإلصالح

والتطوير من داخل بنية الشعر العمودي، وهذا، بالنسبة يل عىل

األقل، ذروة اللعب والحمق«.

وال ينىس كيطان »دور املؤسسات الثقافية خالل العقد األخري،

النظام السابق وما بعده، وهي مؤسسات حريصة، عىل ما يبدو،

عىل تقديم األمنوذج التقليدي يف الشعر؛ ألنه األنسب إىل مداركها

الثقافية، ففسحت املجال عرب بواباتها الكربى للتجارب النكوصية

إياها، ما أدى إىل انخراط رهط كبري من الشباب يف هذا املرشوع«.

إشارته األخرية يراها السبب األوحد ملا يشهده الشعر اليوم من

تراجع؛ كون »الشباب األقدر عىل حمل راية املغايرة واملغامرة، وإذا

ما نحينا تجاربهم فسنصل إىل تكريس منوذج قار وتقليدي«.

غري إنه يلمح اىل »ازدهار فنون الكتابة باللغة املحكية يف العراق

اليوم.. مثلام تزدهر فنون أخرى. وهنا يبدو البحث عن مصادر

متويل قصة لوحده. فالشعر الشعبي، واملشاريع السينامئية، جالبة

للامل، بينام الشعر الذي نتحدث عنه يفقر صاحبه. هكذا نرى

انيط

كق

خال ال

بدع

بذيا

ء فا

صي

يدسع

االس

يا

Page 74: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 74

ملف

انخراط عدد كبري من الشباب يف مشاريع مجدية ماديا،

خاصة مع انتشار املحطـات الفضائية، ودخول منظامت

املجتمع املدين يف وقت ترتاجع فيه املجالت الثقافية

املعنية باإلبداع الجديد، وال تستطيع الصحف مكافأة

الشعراء إال مببالغ مضحكة«.

ويف النهاية اليجد تغريا يف »وظيفة الشعر«، ويرى أن

»محنة الشعر ليست عراقية فقط«، بل هي محنة عاملية

تداخلت يف صنعها عوامل شتى، قد ال تبتعد كثريا عن

العوامل املحلية العراقية. وبالرغم من هذه الصورة

املأزومة التي يقدمها يف بعدها العام، إال أنه يعتقد »أننا

مقبلون خالل هذا العقد من السنوات عىل تجربة جديدة

يف الشعرية العراقية قد تستطيع صياغة حداثتها ونسف

املقوالت التقليدية التي تتحكم ظاهريا وشكليا اليوم

باملشهد الشعري العراقي«.

عبدالخالق كيطان: متخصص يف النقد والتأليف املرسحي، صدر

له يف الشعر»نازحون«، »صعاليك بغداد«، »االنتظار يف ماريون«،

»واحد ومثانون«. عضو يف الهيئة اإلدارية، لبيت الشعر العراقي عام

2009، وأسس صيف عام 2011 جمعية »بغداد الفتاة«، وكتب بيانها

التأسييس. والجمعية تضم نخبة مميزة من املثقفني العراقيني يف شتى

الحقول املعرفية.

...................................................................................

صفاء ذياباكتشاف جماليات العالم وقبحه»هل كانت الصدارة للشعر يف العراق خالل العقود

املاضية؟! كرثة الشعر وانتشاره عىل نطاق واسع ال يعني

تسيده، مع وجود أشكال وفنون إبداعية موازية«، يبدأ

الشاعر صفاء ذياب حديثه بتساؤل يختلف عام أورده

زميله كيطان. ويعتقد أنه عرب النظر إىل »منجز الثقافة

العراقية منذ أربعينيات القرن املايض وحتى اآلن نستطيع

أن نتلمس إبداعا كبريا يف النقد والرواية والفوتوغراف

والتشكيل واملرسح. ففي الوقت الذي اشتهر فيه السياب

ونصوصه الجديدة ونازك املالئكة والبيايت وغريهم يف

الشعر، هناك عبد امللك نوري وغائب طعمة فرمان وفؤاد

التكريل يف الرواية والقصة القصرية. فيام برز عيل الوردي

كباحث يف علم االجتامع وطه باقر يف السومريات، وبرز

أيضا ناظم رمزي يف الفوتوغراف من جهة وجواد سليم

وغريه كثريون يف الفنون التشكيلية«.

ووفقا للواقع القائم اآلن، يضيف عىل ذلك: »ما نالحظه

اليوم من ظهور جيل جديد يف الرؤى والتقنيات

واألساليب أكد أن الثقافة العراقية ليست ثقافة شعرية

فقط. التقنيات الجديدة منحت الباحثني عن الجامل آفاقا

واسعة، فمع ظهور الكامريا الديجيتال برز جيل جديد من

الفنانني الفوتوغرافيني، فضال عن اهتامم كبري من الشعراء

والكتاب أنفسهم بالفنون البرصية.. وهذا االهتامم ليس

جديدا عىل األدباء، إال أن صعوبة استخدام الكامريا

القدمية جعلتها حكرا عىل الفوتوغرافيني املحرتفني،

وهذا األمر ينطبق عىل الفنون السينامئية أيضا. املوهبة

واالنحياز للجامل بأشكاله املتعددة وطرائقه كان موجودا،

إال أن صعوبة استخدام التقنيات الكالسيكية كان السبب

الرئيس النحسارها بأسامء قليلة«.

مقاربة الشعر إزاء الفنون عىل صعيد األسامء الفاعلة يف

كل مشهد، يعلـق عليها ذياب بأنه »ومع صعود أسامء

شابة عىل الساحة الشعرية العراقية، مثل عيل محمود

خضري وميثم الحريب وصفاء خلف وعمر الجفال وغريهم

الكثري، ظهر جيل من السينامئيني ال يقل أهمية وموهبة

عن الشعراء، مثل عدي رشيد ومحمد الدراجي ومالك

عبد عيل«.

غري أن هذا الشاعر الذي له اطالالت يف مجال

الفوتوغراف، يفرس الحاجة العامة إىل فنون ثانية غري

القصيدة وأجوائها، فيقول: »اإلشكالية التي تواجه

املكتوب بشكل عام، من شعر وقصة ورواية ونقد، ظهور

وسائل االتصال الحديثة، وبروز الصورة؛ مبستوياتها

املختلفة؛ جعل من املكتوب شأنا ثانويا يف الثقافة

الشعبية العراقية والعاملية عىل العموم، وهذا ما جعل

الشعر كفن ال يكفي الكتشاف العامل بجاملياته وقبحه«.

صفاء ذياب، مواليد 1975، صدر له يف الشعر: »ال توقظ

الوقت«، »قلق«، »وال أحد غريي«، »سامء يابسة«، »ثلج أبيض

بضفرية سوداء«.

Page 75: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 75

الشعر والفنون

ياس السعيديخليط في زمن واحد

الشاعر ياس السعيدي، يبدو رأيه أكرث اختالفا عن زميليه،

لجهة اعتقاده إن »ما بني الشعر والفنون األخرى عالقة

تكامل ال تنافس، إذ إننا ال نجد مجتمعا يتقدم فيه وعي

التلقي للسينام مثال يف حني يرتاجع وعي تلقي الشعر أو

الرسم، لكن موضوع السؤال يدور حول الجهد الشعري ال

عن تلقيه، وهنا ال بد من االشارة إىل أن كواكب كل هذه

الفنون تدور يف مجرة واحدة، وبالتايل انتعاش أي جزء

منها سيؤثر إيجابا عىل بقية األجزاء، فمثال الشاعر الجيد

ميثـل بيئة صالحة لنمو نبتات الفنون األخرى فتجده عارفا

ملعظم مبدعي بلده يف الرسم والسينام والفوتوغراف

ومتابعا لجل أنشطتهم، والشعر بدوره سيكون قابال

للحياة يف بيئة تنشط فيها مثل هذه الفنون«.

السعيدي ينوه إىل أن »الشعر يف العراق تطور كثريا يف

الفرتة األخرية وواكب تطور تلك الفنون إذا مل نقل إنه

اجتازها مبراحل، يكفي أن تعرف أن بلدا مثل العراق

كانت تحدث فيه عرشات االنفجارات يوميا، لكنه يف

ذات اليوم يقدم عدة نشاطات شعرية، أضف إىل ذلك

املهرجانات الشعرية العديدة وامللتقيات الكثرية، وما

يحققه الشاعر العراقي من تأثري عريب وعاملي«.

وأمام صعود أطياف جديدة من املبدعني يف السينام

والفوتوغراف والرسم، فال يظن أن »الشعر العراقي مل

يعدم صعود مثل هذه األجيال فجيل التسعينيني مثال

مازال حارضا ويف أوج عطائه، وظهر جيل ما بعد 2003

وحقق ما حقق، ثم جاء جيل ما بعد املحنة، وغري هذه

األجيال من األسامء الفردية التي حققت الكثري، وكل

هذا الخليط الرائع مازال يعمل يف زمن واحد هو زمن

الشعرية العراقية اآلين«.

ويدعو السعيدي إىل القيام بإحصائية بسيطة للمجاميع

الشعرية الجيدة -ويرص معها عىل كلمة »جيدة«- التي

صدرت بعد 2003؛ »ألذهلنا العدد وهذا أمر طبيعي يف

بلد تخلـص من سلطة الرقيب، وهو ميتلك أصال طينة

إبداعية يف فطرته«.

ياس السعيدي، من مواليد 1982، صدر له يف الشعر »تضاريس

من جغرافيا الروح« صدرت عن دائرة الثقافة »دروب«، »أكرث من

قمر لليلة واحدة«، »شاعر الحرية«

رصيلنا

ع اراف

ن فنا

ال

Page 76: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 76

ملف

الشعر والمؤسساتغابة المرايا

النتاج الشعري العراقي متواصل من جيل إلى جيل وأرض العراق حبلى بالشعر الذي يظل صاحب المكانة هناك من يحمل الراية دائما. األولى لدى العراقيين مهما استجد من تغيرات وتحوالت سياسية وثقافية. والسؤال هل المؤسسات من جميعات ونواد ودور نشر ومطبوعات راعية للزخم الشعري، أم أنها تعاني

من مصاعب؟

عمر الرسايمشاريع بتطلعات جديدة

لعل املتتبع لحركة اإلبداع الشعري يف جانبه التنظيمي

يستطيع أن مييز وجود رعاية منقطعة النظري يف جانب

االهتامم بالشعر من خالل املؤسسات واملجالت، فجل

املؤسسات الثقافية العراقية يهيمن عليها االهتامم

الشعري، فال نرى مؤسسة ثقافية إال وقد حصل الشعر

فيها عىل ما يزيد عن نصف اهتاممها.

ويف العراق بعد عام 2003 نالحظ بزوغ مؤسسة

متخصصة يف الشعر أال وهي نادي الشعر العراقي الذي

تأسس عام 2005، حيث أسهم يف إدارة امللف الشعري

من مهرجانات ومطبوعات عىل قدر ما يستطيعه من

ميزانية مالية، فضال عن خلق روح التواصل بني الشعراء

وتفعيل الحراك النقدي للشعر من خالل إقامة الجلسات

التخصصية املتواكبة وطباعة اإلصدارات الشعرية من

مجاميع مشرتكة وفردية وإقامة احتفاليات التوقيع لها

واملذاكرة النقدية بشأنها. ولنادي الشعر أندية مرتابطة

معه عن طريق إشاعة الروح الشعرية يف املحافظات

العراقية، حيث نرى وجود نادي الشعر يف البرصة ويف

بابل ويف ذي قار ونينوى وكركوك وأغلب املحافظات

التي تسعى للتخصص يف إدارة امللف الشعري وقيادة

مهرجانات شعرية مهمة يف العراق، مثل مهرجان

املربد والجواهري والحبويب وأيب متام واملتنبي وغريها..

ونالحظ وجود مؤسسة ثانية وهي بيت الشعر العراقي

التي اتخذت مجاال خاصا لها منطلقا من رؤية للشعر

من خالل القصيدة وعرب الخطى التي برز وجودها يف

إقامة الجلسات املتخصصة أيضا، ومن خالل إصدار

مطبوع ثقايف وهو مجلة »بيت« التي حملت تطلـعات

وتنظريات ورؤى القامئني عىل هذه املؤسسة. ويف محافظة

البرصة، وتواصال مع مجموعة من أدباء العراق يف بغداد

واملحافظات األخرى نرى وجود مجلة متخصصة يف الشعر

أيضا، بل وتحديدا يف مجال محدد منه أال وهو قصيدة

النرث، حيث هناك مجلة اسمها »نرث« يقوم عليها مجموعة

من األدباء الشباب الذين كثفوا مرشوعات إصداراتهم

وتنظرياتهم يف هذه املجلة. واالهتامم بالشعر مل يتوقف

عند مؤسسة أو مجلة بل تعدى ذلك عراقيا ليتصل مع

الجانب املريئ حيث العديد من الربامج التلفزيونية

واألفالم الوثائقية التي تتخذ من الشعر وحده مجاال

الشتغالها وهو ما رفع نسبة االهتامم والجامهريية للحركة

الشعرية العراقية. وال تنفك الحركة الشعرية متواكبة مع

املؤسسات التي تحمل نبض الشعر يف إشاعة روحه من

خالل التواصل أو من خالل املطبوعات املشار إليها.

عمر الرساي، شاعر ولد يف بغداد عام 1980، أسس مع مجموعة

من زمالئه نادي الشعر يف اتحاد األدباء وترأس دورتيه الثانية

والسادسة، صدر له: »ساعة يف زمن واقف«، »ضفائر سلم األحزان«،

»سامؤك قمحي«، »طواويس ماء« – ألبوم شعري.

Page 77: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 77

الشعر والمؤسسات

أحمد عزاويعائق الدعم المادي

توقع املثقف العراقي بعد عام 2003 أن يكون املشهد

الشعري أكرث رحابة وسعة وغنى، ال سيام بعد االنفتاح

النسبي الذي شهدته القطاعات اإلعالمية والثقافية،

وكان للصفحات الثقافية دور ابتدايئ يف نرش الشعر

العراقي الجديد، يف الوقت الذي أدت فيه االتحادات

الفرعية واالتحاد العام لألدباء يف العراق دورا محدودا

سببه عدم إمكانية هذه املراكز عىل رسم اسرتاتيجية

تواكب التغيري، أو وقوعها بيد »مثقفني« تابعني ألحزاب

معادية للتوجهات الثقافية الحديثة، أو وقوعها رهينة

فقر التمويل املايل، إذ عىل الرغم من كفاح بعض الجهات

الثقافية املستقلة للبقاء خارج حدود التأثريات الحزبية

والتنظيمية وتوجيهاتها، فإنها مل تستكمل مشاريعها

الثقافية، وهنا أود اإلشارة إىل املنتديات الثقافية املستقلة

يف العراق وعددها خمسة منتديات هي: منتدى سوق

الشيوخ ومنتدى الشطرة ومنتدى اإلسكندرية ومنتدى

الفلوجة ومنتدى سامراء الثقايف، وهي منتديات مستقلة

حاولت قدر املستطاع أن تدعم النتاجات الشعرية لكنها

واجهت نقص التمويل كعائق واقعي يف إصدار منشورات

كثرية، يف مقابل حصول املؤسسات الثقافية الحكومية

التي تسمى البيوت الثقافية يف املحافظات وبعض

قصور الثقافة عىل التمويل الكايف من قبل وزارة الثقافة،

لكنها مل تقدم إال مساهامت محدودة جدا، ألن القامئني

عليها –بأغلبيتهم- ليسوا مثقفني بل إداريني ال عالقة

لهم بالثقافة، وهو ما يطرح أكرث من تساؤل عىل مقاصد

الوزارة بهذا الصدد، بقي أن نشري إىل دور االتحاد العام

لألدباء والكتاب يف العراق يف إقامة الجلسات الشعرية

وطباعة املجموعات الشعرية عىل نحو ما وبحدود

إمكانيات االتحاد الذي يبدو أنه حاول أن ينأى بنفسه

قدر اإلمكان عن التأثريات الحزبية والسياسية يف توجهاته

األدبية، لذا فقد جوبه أيضا بحجب الدعم وقلـته، وهو

مع هذا، أسهم يف صياغة املشهد الشعري عىل نحو ما،

فضال عن مواكبته ملساهامت الشعراء يف املهرجانات التي

يقيمها.

وال ننىس يف هذا السياق أن نذكر بعض الجهود املهمة

لبعض التجمعات الثقافية والتوجهات الخاصة من مثل

مرشوع بيت الشعر العراقي الذي أرشف عليه نخبة من

الشعراء العراقيني، ومرشوع »البديل الثقايف« الذي أرشف

عليه الشاعر جامل جاسم أمني مع نخبة من مثقفي

محافظة ميسان، وجريدة »تكست« يف البرصة.

أحمد عزاوي، مواليد سامراء 1977، الرئيس الحايل للمنتدى

الثقايف يف سامراء.صدر له يف الشعر: »الحياة… بعني بيضاء«، »عن

الودائع وغيوم الذكريات«. ويف النقد: »سحر النص«، باالشرتاك مع

مجموعة من النقاد العراقيني، »سيمياء النص الشعري، باالشرتاك مع

مجموعة من النقاد العراقيني. كام صدر له كتاب »بناء الشخصية يف

الرواية«.

يعيب

ل لص

فين

فناال

Page 78: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 78

ملف

مروان عادل حمزةكيانات ومطبوعات للتكفير

تنفست قصباتنا الثقافية بعد التغيري الذي حصل يف

البلد صعداءها لكن عن طريق رئات ليست لها وغري

حاملة لهمها! وإمنا هي رئات ألحزاب متنفذة ولتيارات

دينية متفرقة ولتجمعات إثنية وعرقية وما إىل ذلك مام

كان لها اليد العليا فأنشأت تبعا لذلك مؤسسات تشتغل

لثقافة الجهة املمولة والتي ينتمي إليها الذين أوكلت

لهم مسؤولية إدارتها، وأصدرت مجالت ومطبوعات تروج

لفكرها غري معنية بأفكار غريها إال من حيث تكذيبها أو

حتى تكفريها!! ولو أحصينا لزاد العد إىل حد التوهم بأن

ذلك يوحي بعافية الثقافة وهذا غري صحيح متاما إال إذا

استثنينا من أكداس ما ذكرت القلة القليلة التي عملت

جهدها لتأسيس كيان مثقف أو إصدار مطبوع معترب.

وبشأن السؤال هل أنشئت مؤسسات ومجالت مكرسة

للشعر، مل ولن أستطيع التحدث عن كونها حققت أم ال

مام يدور يف العقل املثقف، فيبدو واستنادا إىل الواقع انها

مازالت بعيدة وبعيدة جدا!!

اآلن لكل جهة مؤسسة، ولكل مؤسسة مجلة أو جريدة،

ولكل مجلة أو جريدة سياسة لها محدداتها وأهدافها

التي تضيق وتضيق إىل حد أنها تبدو وكأنها مجرد تفسري

لعنوان جهتها املمولة، ونحن نعرف أن تفسري التمويل

يف الفكر العريب عامة هو القوامة واملرجعية التي الحياد

عنها إال عن طريق خيانتها.

يف مجالت تصدر عن لجان تحضريية ملهرجانات تحت

مانشيتات عريضة، توحي لك بأنها بعيدة عن كل هذا،

تتلبسك الخيبة مع كل صفحة تقلبها فتجد هذا البؤس

قد لبس لك ثوبا يشف عن بؤسه بكل وضوح وجاء

ليخدع شخصا مثلك مازالت كريات ثقافته البيضاء تدافع

عن بياضها ضد هذا الكم الهائل من السواد.

يف مؤسسات مبثل هذا التوجه، ويف مجالت بهذا الشكل

الذي تبدو فيه وكأنها مل تصدر إال لتقول ملموليها اطمئنوا

إن أموالكم هذه مصارفها وإن الجمهور اآلن يتقاتل يف

سبيل الحصول عىل تلك املجالت !! لن تفعل شيئا يذكر

يف طريق الحلم الكبري.

اليستثنى من ذلك إال بعض املجالت التي كانت فعال

تنتمي إىل ركب املجالت الثقافية املعروفة برصانتها

ومهنيتها وال أريد أن أذكر اسام لها وال اسام لغريها مام

تحدثت عنه، لكن فعال املتتبع ملا ينرش سيميز الجيد

برسعة.

وإن استثنيت بعض املجالت فإين ال أستثني أية مؤسسة!!!

مازلنا نفتقر إىل ذلك فعال.

مروان عادل حمزة، شاعر من بغداد رئيس نادي الشعر للدورة

الثالثة 2007، له مجموعة شعرية »تراتيل طيور محنطة«، التي فاز

عنها بجائزة ديوان رشق غرب باملرتبة األوىل.

...................................................................................

عيل محمود خضريفعاليات لبعضهم بعضا

تحرض يف ظل الحديث عن مؤسسات ومجالت متخصصة

بالشعر يف العراق أسئلة وشجون بارقة وحادة، أسئلة

تعنى بتأمل فعالياتها يف املشهد الشعري من جانب

وفاعليتها من جانب آخر يف ظل تراجع شعبية الشعر

بني القراء والتزايد املطرد ألعداد الكتاب، وشجون تعنى

بالتفاصيل املهنية التي أعتقد إن أغلب مؤسساتنا

يرسا

المر

ع

ويعزا

د حم

أ

Page 79: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 79

ومجالتنا تفتقدها.

إن مؤسسة متخصصة بالشعر ال ميكن لها أن تقدم رؤيا

فاعلة للعناية مبشهد مهم وشاسع كالشعر العراقي إال

إذا كانت مستقلة، غري حكومية، تحتكم عىل مشاريع

مخطط لها بدقة، محظوظة بهيئة تأسيسية واستشارية

عىل قدر عال من املهنية والخربة ونكران الذات! ماذا ظل

يف النهاية؟ ظل متويل مادي رصني يغطي عملية إنتاج

الفعاليات واملهرجانات واإلصدارات والجوائز وأزعم أنها

املهمة األصعب.

تعاين أغلب الجمعيات وال أقول »املؤسسات« الخاصة

بالشعر العراقي من طغيان األعراف النقابية عىل نوعية

ما يقدم من شعر، يضطر القامئون عىل اإلدارة إىل

تقديم الجميع واالحتفاء بالجميع متاشيا مع الطبيعة

»الربوتوكولية« لهكذا مؤسسات، وهذا، ويالألسف، يأيت

دامئا عىل حساب رصانة ما يقدم، طغيان هامش العالقة

الشخصية عىل ثوابت إنتاج مرشوع يعود بالنفع إىل

الشعر كفن أدى إىل عزلة مضاعفة للشعر وعزوف أغلب

الكتاب املضيئني عن مسارحها ومنصاتها.

املجالت الشعرية مفقودة، سوى مجلة »بيت« الفصلية

الخاصة ببيت الشعر العراقي والتي أصدرت لآلن عددين

فقط خالل سنتني وعددها الثالث يف الطريق، ولنا أن

نتخيل حجم الصعوبات التي تواجه هكذا مشاريع

متحمسة، إذ تتلكأ مواعيد اإلصدار بسبب قلة الدعم

تارة وعدم تفرغ كادر التحرير لعمل املجلة تارة أخرى إذ

يضطر أغلبهم -إن مل يكن كلـهم- للعمل يف الصحافة لسد

احتياجاتهم، صعوبات مثل تلك ال تقترص عىل العراق

فقط، الشعر واآلداب تعاين انحسار الغطاء املادي بسبب

الطبيعة »االستهالكية« للعامل الذي نعيشه، وانهيار رغبة

الشعراء يف مواجهة الفرتة الحرجة التي يعيشها الشعر يف

هذه املرحلة، كام حدث مع مجلة عريقة مثل »الحركة

الشعرية« الفرنسية التي توقفت مؤخرا، مل يجد الشاعر

هرني دويل الذي عمل فيها لـ60 سنة سببا لتوقفها فقال

»ال يوجد سبب خاص. ليس هناك سبب مايل، ماليتنا

ممتازة. ليس مثة من سبب إيديولوجي، ليس هناك رصاع

يف لجنة اإلدارة. فقط يبدو يل أنه، عىل وجه التحديد، يف

هذه الظروف، حان الوقت للتوقف بعد أكرث من ستني

سنة من املنشورات واألنشطة«.

بالنهاية، إذا مل متتلك املؤسسة العراقية مرشوعا كامال

مخططا له عىل مدى بعيد يحتوي عىل رؤى تعيد

تأثري الشعر يف الثقافة العراقية من خالل تقديم برامج

تزيد من إقبال القراء وتضع الشعر الجيد يف متناول

أكرب عدد من املنابر اإلعالمية الفعالة وتؤسس لجهد

بحثي متخصص يقدم دراسات شاملة وعميقة باإلضافة

إىل مواصلة جهود حث نظام التعليم يف العراق عىل

زيادة حصة الشعر الحديث من التدريس يف الجامعات

واملدارس األولية، إذا مل يحدث هذا، ستبقى املؤسسات

بعيدة عن التأثري الحقيقي الذي يصنع التغيري وستقترص

عىل االحتفاالت التي يحرضها الشعراء لبعضهم بعضا!

عيل محمود خضري، شاعر من مواليد بغداد 1983، أسس

وآخرون نادي الشعر يف البرصة عام 2007، صدر له »الحامل

يستيقظ«، فاز باملركز الثاين يف جائزة اليونسكو وبيت الشعر العراقي

ببغداد 2012

زةحم

ل اد

عان

روم

رض خ

ودحم

ميل

ع

الشعر والمؤسسات

Page 80: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 80

نجاة مكي في باريساللون والكلمة يصوغان مخيلة

لإلبداع اإلنسانيالتشكيلية اإلماراتية نجاة مكي تخوض تجربة جديدة مع الشاعر الفرنسي بول هنري ليرسون، هي كناية عن حوار إبداعي بين الصورة المكتوبة شعرا تقابلها الصورة المرئية. وقد سبق أن جربت الفنانة هذا اللقاء

في كتاب »مدارج الدائرة« مع الشاعر حكيم عنكر

أبوظبي- بيت الشعر

األمر عندما أثارت العديد من لوحات الفنانة

التشكيلية اإلماراتية نجاة ميك فضول الكثريين

من متابعي الفن التشكييل يف باريس، التي ما تزال

تحتفظ مبوقعها منذ قرنني بوصفها إحدى أهم العواصم

الفنية يف العرص الحديث. كان ذلك عندما عرضت إحدى

صاالت العرض الباريسية لوحات مليك من بني تجاربها

األخرية التي هي امتداد لتجربتها عرب التي ترقى إىل

النصف األول من مثانينيات القرن املايض.

واألرجح أن تلك األلوان الشاعرية والصافية، تحديدا

األصفر واألحمر والربتقايل فاألزرق، والتي هي ألوان

رشقية - إماراتية نابعة من تجربة تفاعل الفنانة مع بيئتها

ومحيطها كانت هي السبب وراء هذا الفضول الذي

تلقت به أوساط متابعي الفن التشكييل الباريسيني تجربة

نجاة ميك خاصة وأنها مشغولة بتقنيات رسم من يراها

يدرك أنها نتاج خربة وتعايش مع اللون والشكل ما مينحها

حداثتها الخاصة وخصوصيتها التي متيز أسلوبية الفنانة

عن سواها من أقرانها.

ما مل يكن يعرفه الفرنسيون أن املخيلة الفنية لنجاة ميك

هي األكرث تفاعال مع املخيلة الشعرية. ليس األمر هنا

يتعلق بشعرية لونية ذات صلة بالشكل واملضمون مثلام

هو متعارف عليه يف الفن التشكييل ونقده بل اإلشارة هنا

إىل مقدرة نجاة ميك عىل خلق معادل موضوعي برصي

للقصيدة التي تقرأها أو هو، مبعنى ما، تأويل برصي

للقصيدة. وقد قامت الفنانة نجاة ميك بذلك أكرث من مرة

عندما قدمت مجموعة من األعامل املشرتكة سواء مع

قصائد مع شعراء إماراتيني حداثيني أو مع شعراء عرب،

وتحديدا تجربتها الفنية والشعرية املشرتكة مع الشاعر

حكيم عنكر من املغرب يف كتابهام: »مدارج الدائرة«

الصادر عن دائرة الثقافة واإلعالم عام 2007، حيث سعى

كل منهام إىل خلق تعبريه البرصي الخاص للدائرة، وفقا

للمفهوم الصويف عن الدائرة وذلك ضمن املخيلة الواسعة

للتأويل الصويف الذي منح كال منهام مساحة واسعة من

الحرية التي أفضت بهام إىل االلتقاء يف سياق إبداعي كان

كل منهام محفزا لآلخر: الصورة املكتوبة شعرا - تقابلها

الصورة املرئية، وال تجاورها وليست رشحا أو تفسريا لها

بل خلقا ابداعيا موازيا.

وألن اإلبداع يتجاوز الجغرافيا مثلام يتجاوز األوهام

اإليديولوجية، فقد التقت نجاة ميك هناك يف باريس مع

الشاعر الفرنيس بول هرني لريسون الذي يوصف بأنه

شعر وتشكيل

بدأ

Page 81: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 81

الشاعر الفرنيس األكرث قربا إىل التفاعل مع الحضارات

األخرى، خاصة غري الغربية، وولدت فكرة املرشوع بينهام

هناك، ذلك أنها تقيم يف هذه األثناء يف مدينة الفنون

الجميلة العاملية يف باريس.

لقاء مخيلتنيغري أن األمر هنا مختلف جدا عن التجربة السابقة، ذلك

أن املخيلة التي قامت عليها التجربة السابقة، أي »مدارج

الدائرة« هي وليدة التقاء بني فنانني ينتميان إىل الثقافة

ذاتها وأقاما مرشوعهام املشرتك عىل مخيلة صوفية تنتمي

بعمق إىل الرتاث الحضاري والثقايف للمنطقة العربية

برمتها.

هنا، يف هذه التجربة الباريسية بالنسبة لنجاة ميك، مثة

التقاء بني مخيلتني تنتميان إىل عاملني مختلفني: امرأة من

الرشق، هي رسامة عربية، وأول فنانة إماراتية تحصل عىل

منحة حكومية الستكامل دراستها يف كلية الفنون الجميلة

بالقاهرة لتعود من هناك وقد أنهت درجة الدكتوراة،

قادمة من التقاء الرمل باملاء حيث صفاء الضوء والظل

وذاكرة لون »شاعرية« ميكن تلمسها يف مراحل مختلفة

من تجربة نجاة ميك، فتلعب هذه الذاكرة دورا بارزا يف

صنيعها اإلبداعي وتفاعلها مع العامل واملحيط والبيئة من

حولها، خاصة ذاكرة الطفولة. ويف املقابل، هناك رجل من

الغرب، هو شاعر يحمل درجة دكتوراة دولة يف املرسح

وسبق أن أسس »فرقة الشعر« املرسحية ملدينة فوجري

الفرنسية و»يتفق أغلب النقاد عىل التأكيد بأن اهتامم

الشاعر هو عبارة عن تساؤل متواصل عن معنى البعد

األسايس لإلنسان«.

ما يعني أن الفكرة األساسية هنا، هي الخروج من الذاكرة

التجربة الباريسية بالنسبة لنجاة مكي، هي التقاء

بين مخيلتين تنتميان إلى عالمين مختلفين: هي رسامة عربية من الشرق وهو شاعر فرنسي من

الغرب

نجاة مكي

Page 82: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 82

االسترشاقية التي تحمل تصورا مسبقا عن املرأة العربية،

والرشقية عموما، يوازي هذا الخروج خروج آخر عن

ذاكرة االستعامر ليجري االلتقاء بني املخيلتني عىل نحو

فردي متاما ويف أفق إبداعي ملمحه األسايس أنه أفق

إنساين وشمويل يلجأ للتعبري عن ذاته بأدوات تخييلية

يف مجالني مختلفني: اللون والكلمة، الصورة املكتوبة -

والصورة املرئية، ليكون هذا الجدل بالتايل تعبريا عن

مزاجني فرديني مختلفني ومتغايرين يطرحان سؤال اإلبداع

اإلنساين الذي بدأ بالفعل مع الصورة املرئية الرمزية

ليصبح كلمة يف ما بعد يف سياق تطور التجربة اإلنسانية.

تأويل يف التعددتنتمي أعامل الفنانة نجاة ميك يف تجربتها هذه إىل ما

ميكن وصفه بأنه امتداد وتطوير وحفر، وهذا ما مييز

تجربة نجاة ميك عموما، يف تجربتها السابقة يف معرض

»إيقاعات ملونة« التي قدمها متحف الشارقة للفن

املعارص العام املايض ضمن فعالية سنوية باتت تقليدا

تشكيليا يحمل العنوان: »عالمة فارقة«، حيث عنوان

معرضها هذا يحمل داللته الخاصة أيضا بالنسبة لتجربتها

الباريسية وغري الباريسية مع الشعر.

يف هذا الصدد ميكن القول: إن من الصعب عىل الناظر

إىل أعامل نجاة ميك يف »إيقاعات ملونة« أن يدرك متاما

ما مييزها عن سواها من األعامل: أهو التكوين؟ بنشأته

وتاريخ تواجده يف لوحة ميك ومن ثم تطوراته؟ أم هو

اللون واستخداماته الخاصة وفقا ملراحل متتالية قد ترصد

تطور اللون وإيقاعاته يف اللوحة إجامال؟ أم هي ثيمة

بعينها تعيد الفنانة إنتاجها بأشكال فنية مختلفة عرب

تجربتها؟ أم هو كل ذلك معا.

واقع األمر، أنه ما من إجابة من املمكن أن يطمنئ إليها

املرء عن كل هذه األسئلة من خالل تجربة جاملية

واحدة أو أكرث يف »إيقاعات ملونة«، إمنا يحتاج املرء إىل

أن يكون متأمال يف ذاته أوال يك يدرك ما تثريه أعامل ميك

من مشاعر وأفكار وأحاسيس حولها وصوال إىل تأويل

ممكن وليس إىل حقيقة مطلقة تجاه هذه األعامل، تأويل

يقبل القسمة عىل التعدد وال يلجأ إىل اإلفراط بديال عن

شعر وتشكيل

Page 83: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 83

التحليل الذي قد ال يبدأ من املعرفة بل رمبا من الحدس.

يف أحد األعامل الفارقة يف »إيقاعات ملونة« وحملت

العنوان: »تكوين« وجرى تنفيذها عىل السطح التصويري

باألكريليك كسائر أعامل املعرض، هناك الكثري من اإلغواء

الذي متتلكه اللوحة يف إعادة النظر إليها ألكرث من مرة. يف

الخلفية توجد كتلة لونية مستطيلة تبدأ من أسفل اللوحة

إىل أعالها هي من األزرق أساسا بتدرجات مختلفة متيل

باتجاه األخرض ثم األسود كام أن هناك اقتطاعات لونية

عىل السطح باألبيض واألحمر ثم لطخات من األبيض

واألسود والفريوزي تكرس جميعا من حدة االستطالة مثلام

تكرس الحضور الطاغي لألزرق، وإىل األعىل إىل اليمني

يلحظ املرء وجود اقتطاعة مائلة من ما كأنه سور من

اللب أو نافذة صغرية مغلقة كام توجد أيضا اقتطاعة

شبيهة أوسع مساحة إىل أسفل اللوحة وميينها، وإىل

جوارها إىل أسفل اللوحة من اليمني فتوجد خطوط من

األزرق الذي يغلب عليها األسود عىل كتلة سوداء توحي

مبا أنه باب ضيق أو نافذة ضيقة تشبه تلك التي يف زنزانة

سجن أو بوابة ملا هو خلفها ويثري الرعب كام ال ميكن

تخيله.

إىل هذا الحد من التوصيف يبدو العمل تجريديا حيث

الكتل اللونية مركزها األزرق وتبدو األلوان األخرى كام

لو أنها قد تعينت عىل السطح التصويري إلبراز هذه

الكتلة، خاصة األسود، فضال عن أسباب جاملية موازية،

فيام األزرق ال يخلق ذلك التناغم أو »اإليقاع امللون«،

بحسب تسمية املعرض، فحسب بل أيضا بني الكتل عىل

السطح التصويري. ما يعني أن املعنى هنا هو متعة اللون

غالبا، أي تثقيف البرص بدرجة موازية، لكن يشعر الناظر

إىل العمل يف مرحلته املتخيلة هذه بالضيق بسبب تلك

االستطاالت التي قد توحي يف أحد أوجه التأويل بالسور

العايل الذي ال يستطيع الفرد تجاوزه أو تخطيه عىل الرغم

من املخيلة.

ذاكرة وحلمغري أن نجاة ميك ال تضيف الكثري إىل ذلك، إذ تنبت

من خلفية اللوحة إىل األسفل منها ووسطها تقريبا ثالث

شخصيات نسائية ناحالت وطويالت وبال مالمح وأيديهن

إىل الخلف كام لو أنها أياد مقيدة. هذه الشخصيات

النسائية الثالث تبدو جميعا أعىل من بوابة الزنزانة أو ما

يوحي بها إىل يسارهن، لكن رغم أن قاماتهن تبدو أنها ما

تزال تتطاول إال أن الكتل اللونية بارتفاعها من األسفل إىل

األعىل هي أبلغ طوال منهن.

يف الوقت ذاته يبدو مزاج العمل هادئا جدا، فال ملمس

خشنا عىل السطح التصويري وما من رضبات فرشاة

قاسية أو منفعلة بل يبدو أن كل يشء قد حدث هكذا

كام هو عليه.

لكن يف هذه اللحظة أيضا يختلف العمل عن مرحلته

التجريدية األوىل ليصري عمال تجريديا تعبرييا باألساس

بقدر من السوريالية التي تأيت رمبا بسبب عالقة الشخوص

النسائية بوصفها عنرصا تشكيليا ببقية العنارص األخرى

من العمل. هكذا يصري مركز العمل متمثال بتلك النسوة

الثالث بحالتهن تلك.

هنا يتعمق إحساس املرء بالضيق وتبدو املرأة، بداللة

النسوة الثالث، وكأنهن يعشن يف هذا الحيز املكاين الضيق

الذي تتناصفه العتمة والضوء. مع ذلك فرد الفعل الوحيد

هو االستطالة التي تبدو فعال عبثيا أمام االرتفاع الهائل

بجدار الخلفية. ترى هل ينظرن إىل الناظر إىل السطح

التصويري يف محنتهن الرؤيوية التشكيلية هذه أم هن

قد استدرن بظهورهن ألنهن عىل وشك أن يتالشني يف

الجدار؟ كام فعل األملاين هريمان هيسة يف إحدى رواياته

إذ رسمت إحدى شخصياته قطارا عىل جدران السجن

المعنى لدى نجاة مكي متعة اللون غالبا، أي تثقيف

البصر بدرجة موازية، لكن يشعر الناظر إلى العمل

بالضيق بسبب االستطاالت التي توحي بالسور العالي

نجاة مكي

Page 84: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 84

شعر وتشكيل

فاستقلته ومضت.

وهنا أيضا، فام يخطر عىل بال املرء هو أن أحد امتيازات

الصنيع التشكييل لدى نجاة ميك يتمثل يف مقدرتها عىل

صهر الذاكرة بالحلم يف مرجل فني ذي درجة حرارة

منخفضة إذ أن االنصهار العميق بينهام ينتقل إىل الناظر

إىل اللوحة يف هيئة إحساس بأن شيئا ما قد بدأ يتحرك يف

داخله وها هو يلوب.

أيضا ال ينطوي العمل، من جهة التأويل، عىل فعل ثوري

أو عصياين أو متردي بل هو وصف لحال، أو باألحرى،

وصف ملا قد كان وجرى إن مل يكن اليوم فذات يوم. ذلك

أن فعل التذكر يف لوحات أخرى من »عالمات فارقة«

هو فعل حلمي بامتياز، حتى كأن اللوحة تتذكر ماضيها

الشخيص عرب الحلم، مرورا بالفنان فمتلقي العمل بوصفه

عمال فنيا صافيا.

األفاريز الضيقة للشبابيك، الزقاق الضيق حيث الخطو

ضيق، االستطالة يف أجساد نسوية تريد أن ترى وتبلغ من

املكان ما هو أبعد منه، فتلك الوجوه التي تكاد تبني فيام

الخلفية متيل إىل ألوان قامتة أحيانا والمعة وزاهية إىل حد

أنها ألوان ذات طبيعة فسفورية يف أحيان أخرى. العامل

مغلق وتفاصيله محدودة جدا.

أيضا العمل الفني يف »إيقاعات ملونة«، وبوصفه تكوينا

يشتمل عىل عنارص ذات انسجام وتوافق هو صنيع النفور

والتضاد يف أحيان كثرية، ليس صورا بل أخالط صور يبدو

بة وها قد بدأت تخرج أنها قد احتشدت يف ذاكرة معذ

ويجري بناؤها عىل نحو نقيض من اللوحة التي تم وصفها

فهي تجتمع عىل مزاج خشونة يف امللمس ورضبات

منفعلة للريشة عىل السطح التصويري وإيقاعات لونية

متناغمة يف تضادها واشتقاقاتها.

بهذا املعنى، ليست لوحة نجاة ميك بلوحة تذكر اللون

فقط، إذ أن األخري ضوء مثلام أنه رائحة أيضا يتلمسها

املرء باألصابع، إمنا هي أيضا مساحات حلمية من ذاكرة

متشققة ومعذبة إذ تجعل الناظر إىل اللوحة يتقاطع

بذاكرته مع ذاكرة اللوحة فريى فيها اقتطاعات من طفولة

تخصه هو

Page 85: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 85

مقالته الشهرية »أصوات الشعر الثالثة«، كان الشاعر الربيطاين األمرييك األصل ت. س. إليوت قد توصل، دون كبري مشقة، إىل

تشخيص صوت ثان يف الشعر هو امللحمي أو الوعظي Didactic، حيث يهيمن الغرض التاريخي أو االجتامعي، ويلح حضور

الجامعة عىل وجدان الشاعر. كام توصل إىل صوت ثالث هو الدرامي Dramatic، حيث ينقل الشاعر بعض وجدانه إىل شخوص وأقنعة

وأفكار خارجية، مثلام يتلقى من هذه بعض وجدانها، ضمن صيغة حوارية يف الحالتني.

ولكن ماذا عن الصوت األول، الغنايئ Lyrical، حيث الشاعر هو ضمري املتكلم، من نفسه ولنفسه وحول نفسه؟ لقد نقب إليوت طويال

يف قاموس أكسفورد بحثا عن تعريف لكلمة »غنايئ«، فلم يجد ما يشفي غليله. ثم استعرض عقودا، بل قرونا، من كتابة القصيدة

الغنائية يف أوروبا القدمية والحديثة واملعارصة، فلم يجد بينها القاسم املشرتك األعظم الذي يسمح بتدبر تعريف ما.

ولقد وجد إليوت أن ما مييز القصائد التي ليست وعظية ملحمية وليست درامية، عن تلك القصائد املكتوبة بضمري املتكلم، هو أمر

واحد: أن شاعر ضمري املتكلم يعرب عن »أفكاره وعواطفه لنفسه، أو ال يعرب عنها ألحد آخر محدد«. وهكذا، قرر أن يطلق عىل قصائد

هذا الصوت اسم »الشعر التأميل«. فالسفة ونقاد وشعراء آخرون سواه مل يعبأوا كثريا بحكاية التسمية، فأبقوا عليها؛ رغم أنهم اختلفوا

بهذا القدر أو ذاك حول التعريف، ثم انخرطوا يف سجال )مل يتوقف حتى اآلن!(، موضوعه مسائل أخرى أكرث تشعبا وتعقيدا.

ما هو الرس يف أن هذا النوع الكتايب الذي نسميه »القصيدة الغنائية« صمد عىل مر الدهور، يف جميع الثقافات الشفاهية واملكتوبة؛

ويف املقابل، انقرض أو يكاد النوعان الوعظي والدرامي؟ ملاذا تبدو القصيدة الغنائية وكأنها اختصار الشعر بأرسه، أو تسميته الثانية؟

هل يكمن بعض الرس يف العالقة بني القصيدة الغنائية واملوسيقى؟ ما هي خصوصية موقع القارىء الواحد ذاته، بني قصيدة غنائية

وأخرى غري غنائية؟ ملاذا يبدو الوجدان العاطفي للشاعر الفرد وكأنه، يف القصيدة الغنائية، أكرث قدرة عىل »تكييف« استجابات القارىء،

ورمبا تحويله إىل صوت ثان للشاعر، أو صدى لذلك الصوت كام أشار هيغل؟ ملاذا يكون الصوت دالة املوضوع الغنايئ ومشكلته، يف آن

معا؟ وكيف يتوجب أن نفرس شيوع أوىل القصائد الغنائية يف األشعار املرصية الفرعونية، والسومرية، والبابلية ـ اآلشورية، والكنعانية،

واإلغريقية، والرومانية، والعربانية، والساسانية، والغسانية، واللخمية، والفارسية، الخ...؟

ليس هنا املقام املناسب للخوض يف السجاالت التي نجمت عن األسئلة السابقة، ويكفي التذكري بأبرز خصائص القصيدة الغنائية، كام

متخضت عنها، وتجمع عليها، جملة هذه السجاالت. إنها قصيدة قصرية نسبيا وعموما، عالية الرتكيز يف طرائقها التعبريية، ذاتية يف

التقاطها للعامل الخارجي، شخصية يف موضوعها، وقريبة من الغناء يف نوعية بنائها. وهي تتحرك يف موشور عريض من األغراض، يبدأ من

قصيدة الحب، ومير باملرثية، وال ينتهي عند اإلنشاد الديني والتصويف. واملوسيقى يف القصيدة الغنائية عنرص عضوي تكويني، باملعنيني

الفكري والجاميل؛ والعامرة اإليقاعية تصبح بؤرة تركيز ملدركات الشاعر إذ تتخذ شكلها اللفظي اللغوي، وإذ ترشع يف نقل القيم

الوجدانية والشعورية والعقلية.

الخصائص السابقة تقود إىل خصيصة أخرى جوهرية، هي أن القصيدة الغنائية كانت أم قصائد الشعر يف معظم ثقافات العامل، ألنها

كانت الشكل األبكر والعفوي من اللغة، وليس شكلها املطور واالنعكايس والنرثي والخطايب. مبعنى آخر، كانت القصيدة الغنائية هي

اللغة يف مستواها الخام الذي ينظم املدركات عىل نحو ال هو باملوضوعي املحض، وال بالذايت املحض؛ بل هو مزيج معقد يشهد عمليات

التأثري املتبادلة بني الداخل )الشاعر( والخارج )الكون(، وينقلب إىل وسيط شبه وحيد لتنظيم الركام الهائل من األحاسيس واألفكار

واملدركات التي ال قرار لها، وال حدود.

ويف معنى ثالث، كانت القصيدة الغنائية مبثابة املزيج الوحيد الناجح بني الكلمة ذات الصوت، واملوسيقى ذات اإليقاع الهرموين، واملعنى

ذي املدركات الناجمة عن الحواس. وكفى بهذا أن يكون أم األرسار!

صبحي حديدي

سر القصيدة الغنائية

يف

..............................................................................................................

نظريا

Page 86: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 86

محمد ابراهيم أبو سنة

القصيدة الجيدة تخترق أسوار الزمن

شاعر محمد ابراهيم أبو سنة أحد الذين احتفظوا ألنفسهم بموقع خاص في الخريطة الشعرية المصرية. ولكنهم جماليا، تصنيفه على النقاد اختلف وربما وحدها. بالقصيدة ويؤمن الزمني، التصنيف يرفض

يتفقون على موهبته

القاهرة - حمزة قناوي

كيف كانت بداياتك

يف االتصال بالحركة

الشعرية؟

- اتصلت بالحركة الشعرية يف مرحلة

مبكرة من حيايت، وساعدين ذلك عىل

طرق أبواب وآفاق ثقافية جديدة للقراءة، بعيدا عن

القراءات التقليدية يف املعاهد الدينية وجامعة األزهر،

وقرأت للكثري من النقاد وبعض املرسحيات املرتجمة،

تلك القراءات أثرت تجربتي الشعرية، وبدأت التعمق

يف الشعر العريب القديم والشعر األجنبي املرتجم، ثم بدأ

اهتاممي بالشعر باعتباره فنا منذ بداية الخمسينيات،

ونرشت يل القصيدة األوىل عام 1959 وكانت بعنوان

»القارة الغاضبة«، ويف تلك املرحلة كنت أقرأ لكبار

الشعراء، خاصة نازك املالئكة، ونزار قباين، وبدر شاكر

السياب، ثم صالح عبد الصبور، وكنت أتردد عىل »رابطة

األدب الحديث«، وهناك اكتشفت عاملا يسمى بالشعر

الحديث، وعىل الرغم من أنني بدأت الكتابة بطريقة

تقليدية، فإن قصيديت تطورت بعد ذلك لشعر التفعيلة.

هل رأيت يف االنتقال من الشعر الكالسييك »العمودي«

إىل قصيدة التفعيلة تطورا طبيعيا متليه

رضورة الفن أم كان انحيازك لهذا الشكل

شخصيا وعن قناعة فنية؟

- ال بد لكل شاعر أن يدرس يف بداياته

القصيدة الكالسيكية، حتى يكون شاعرا

متمكنا من استخدام العنارص الشعرية، التي تتجىل

بصورة أوضح يف القصيدة العمودية، لكونها ممتدة منذ

1800 سنة، وباعتبارها متثيال للوجدان العريب منذ العرص

الجاهيل حتى العرص الحديث.

م قصيدة عربية رائدة وصاحبة قوام لغوي قوي.. ما تقد

الجديد الذي تقدمه اآلن وميثل إضافة لتجربتك الرثية؟

- أصدرت 13 ديوانا ومرسحيتني شعريتني، وإذا دققنا

النظر، نجد أن لكل ديوان كينونة فنية مستقلة، ليست

منقطعة عام سبق، ولكنها تسبح يف أفق جديد ومختلف،

فالشعر ال يقاس باإلبداع الكمي، ولكنه يف املقام األول

إبداع كيفي، يتطور ويتجدد ويبتكر ويقتنص لحظات

من الدهشة كانت مفقودة يف بعض املراحل، ما أحاوله

اآلن هو اإلنصات إىل اللحظة الثورية، واللحظة العربية

والتصور الثوري واملأسوي.. أقرأ كثريا جدا، وأتابع نشاط

حوار

Page 87: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 87

الحركة الوطنية يف مرص، وقلبي يعترص يوميا مع كل

حدث يقع يف العامل العريب، فأنا منفتح فكريا عىل كل ما

يجري ومنغمس يف القراءة، ولدي عرشات الدواوين التي

حصلت عليها، ولكن ال أستطيع التنبؤ بأعامق الالشعور

والقريحة الشعرية، حتى أتحكم يف الوقت الذي أكتب

فيه.

الكثري من املهتمني والنقاد املتابعني لحركة الشعر املعارص

أجمعوا عىل أن أبو سنة رائد لتجربة الكتابة الرومانسية

الحديثة.. إىل أي مدى وصلت بك القصيدة الرومانسية

اآلن يف هذا العرص امليلء بـ »الخشونة«؟

- أشكك فيام قلته أنت اآلن، فلم يكن هناك اتفاق عىل

أنني هذا الشاعر، وتجربتي تتسع للكثري من الخصائص

والعنارص املختلفة، وتستطيع أن تقول إن لدي بعدا

رمزيا وعروقا رومانسية ترسي يف أنحاء التجربة بأرسها،

فقصيديت تنطلق من البعد الواقعي والرمزي واإلنساين،

وال أحب أن أتحدث عن نفيس كثريا، فمن يتحدث

عني هم النقاد، وكتبوا كثريا، وهناك من يصف تجربتي

بالرومانسية، وهناك من يرد عىل هذا التوصيف، ويف

النهاية، فإن الرومانسية ليست هدفا يف حد ذاتها، ولكنها

عنرص أسايس يف كل شعر حقيقي، إذا فهمناه باملعنى

العام.

شعر وشعاراتأين يقع الشعر العريب يف تلك اللحظة الفارقة من التاريخ

العريب الحديث؟

ر األحداث - هناك فيض من اإلبداع الشعري يف ضوء تفج

الشعر اآلن يحمي المرحلة من السقوط

في العدمية.. والقصيدة حاولت التمهيد للثورة ولم تركع أمام جبروت

النظام السابق

محمد ابراهيم أبو سنة

Page 88: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 88

الثورية من ناحية، واملأسوية من ناحية

أخرى، وهذا الفيض ينبثق من وجدان

وقرائح األجيال املختلفة للشعراء، سواء

جيل الرواد أو الستينيات أو السبعينيات،

أو األجيال املعارصة، وأمام نظري عرشات

الدواوين التي تدفع بها املطبعة كل يوم،

وأشفق عىل الشعراء من تكاليف هذه

الطباعة؛ ألن الشعراء يف معظمهم فقراء

ماديا، لكنهم أغنياء مبشاعرهم وإبداعهم.

وهل تأخرت الحركة الشعرية العربية عن

إدراك اللحظة الثورية؟

- نستطيع أن نقرأ للشعراء جميعا يف ضوء ما تشهده

املنطقة من رصاعات وثورات واضطرابات، وقد تحول

الشعر خالل ثورة 25 يناير، عىل سبيل املثال، إىل نهر

جارف من الشعارات واألهازيج، واألناشيد، ويكفي أن

نقول إن ثورات الربيع العريب حملت البيت الشهري أليب

القاسم الشايب، عنوانا لها: »إذا الشعب يوما أراد الحياة

فالبد أن يستجيب القدر«.

والشعر اآلن يحمي املرحلة من السقوط يف العدمية؛

ألن معظم الشعراء يف واقع األمر يتمتعون بروح ثورية

وقومية ووطنية، ويدافعون عن القيم الباقية وسط

الحريق الذي يلتهم أشجار الغابة العربية.

باعتبارك تنتمي لجيل الستينيات الذي شهد ثورة 1952

والصعود النارصي العرويب وكذلك االنكسار.. كيف

يختلف الصدى الشعري للثورتني؟

- ثورة يونيو اكتملت لها أركان محددة،

تتمثل يف: التنظيم، والتفكري، والفلسفة،

واملرشوع، والقيادة والكوادر السياسية

والكوادر املختلفة األخرى يف مجاالت

االقتصاد والزراعة والفن واألدب والكتابة،

هذه الثورة قامت عىل رؤى األحزاب

التي برزت يف الثالثينيات، وكان لها قدر

من الرؤية التنظيمية والفلسفية يف نفس

الوقت، واستطاعت أن تصوغ مرشوعا

إنسانيا واجتامعيا، وكانت متد أذرعها يف 3 قارات: إفريقيا

وآسيا وأمريكا الالتينية، وكانت هناك جبهة متحدة ضد

االستعامر، وضد تسلط اإلمربيالية الغربية، فكل الثورات

يف العامل تحتاج إىل فلسفة وكوادر ومرشوع، أما ثورة

25 يناير، فهي ثورة »تلقائية« انفجرت من نار الظلم

والفساد واالستبداد والحرمان والجوع والرفض، فكانت

مبثابة اختزال الحتجاجات ثالثني عاما عىل الوضع االقتصاد

والسيايس واألمني.

نستطيع أن نقول إن هذه الثورة التي قادها الشباب

بفطرية وشجاعة، مل تصل حتى اآلن إىل رؤية متامسكة

لألوضاع السياسية واالجتامعية وتاليا مل تتبلور وفقا لهذا

فكرة فنية، وهي أقرب إىل أن تكون بركانا ما زال يطلق

الحمم، لكنه بعد أن يربد قليال، سيكون العقل املرصي قد

استوعب الحدث أوال، وفكر بوضع مرشوعه املستقبيل

عىل املستوى السيايس واالجتامعي والوطني والقومي،

ثم بعد ذلك، وقبل ذلك، تنشأ األشكال الجديدة لإلبداع

الفني واألديب.

واعترب ثورة 25 يناير خالصة إنجاز القرن العرشين يف

مرص، الذي شهد نهضة أدبية واجتامعية وسياسية،

فتفاعالت الحركات السياسية تأيت بعد هضم تصورات

عرص النهضة، مبعنى أننا أمام إنجازين: إنجاز النهضة،

وإنجاز آخر يتمثل يف استثامر ما متلكه اآلن الثورة من

الفرص التي وفرتها تلك النهضة.

أال ترى أن السياسة أرضت بالقصيدة بعد أن جعلتها تدور

يف فلكها وتعاين اهرتاءاتها خاصة مع تغول الديكتاتورية؟

عندما كتبت قصيدة النثر اتهمني النقاد بـ»اإلفالس«

و»االستسهال«.. واألزمة في نفي كل جيل لآلخر

حوار

Page 89: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 89

- القصيدة حاولت التمهيد للثورة ومل تركع أمام جربوت

النظام السابق، بل إن حركة الشعر العريب استمرت يف

تطورها، وظلت منفتحة عىل التيارات الشعرية العاملية،

وحركت كثريا من األفكار الشعرية والخيال املبدع، وتأثرت

بالرصاع الداخيل يف الحركة الشعرية نفسها، بسبب الرصاع

بني األجيال املختلفة، الذي كان من شأنه أن أضعف قوة

اإلبداع؛ نتيجة انغالق كل جيل عىل تصوراته، بدال عن

انفتاح األجيال عىل بعضها بعضا.

هل معنى ذلك أن الشعراء أنفسهم هم من أرضوا

بالقصيدة؟

- مشكلة رصاع األجيال تظهر بوضوح بني جييل

الستينيات والسبعينيات، وعىل الرغم من كونها تستنزف

قدرا من طاقة اإلبداع لديهم وتدفع الحركة الشعرية

إىل التشتت، ولكن يف املقابل فإن ذلك الرصاع له جانب

صحي، عندما يدفع الشعراء إىل االجتهاد واإلبداع.

كيف تقيم اإلنتاج الشعري بعد الثورة؟

- كتبت مقالة بعنوان »كأنهم أتوا من الخيال« يف 5

مارس/ آذار 2011 يف ملحق التحرير بجريدة »األهرام«،

وهذه القصيدة هي التقاط لكل مشاهد الحركة الثورية

يف هذا الوقت والتجاوب مع النبض الثوري الذي تألق يف

الشهور األوىل قبل أن نقع يف االضطراب املخيف واملؤمل..

كتبتها ونرشتها وتابعت هذا السيل الجارف من الكتابات،

فهناك قصائد بالعامية لشعراء مثل سيد حجاب، وأخرى

بالفصحى، لشعراء من أمثال أحمد عبداملعطي حجازي

وفاروق شوشة، وأحمد تيمور، واللحظة اآلنية تحتاج إىل

استبطان عميق؛ ألن ما يجري عىل الساحة السياسية اآلن

يدعو إىل »الدوار«، وهذا الدوار سوف يهدأ، فالشعراء

عليهم أن يتمهلوا قبل أن يكتبوا، فالشعر سيتخذ مسارا

جديدا بعد الثورة.

سعادة النرثنعود لجيل الستينيات الذي تنتمي له.. هل مثة خفوت

لقصيدته اآلن مع صعود أجيال أخرى؟

- القصيدة الجيدة تخرتق أسوار الزمن، والقصيدة املتميزة

تنتمي لشاعرها وليس لجيل واحد، فهناك قصيدة جيدة

يكتبها شعراء الستينيات، مثلام توجد قصيدة جيدة

يكتبها أمثال حسن طلب من جيل السبعينيات، وهناك

بهاء جاهني وأحمد بخيت وشريين العدوي، فهناك

القصيدة الجيدة التي ال متوت وال تخفت أبدا، وهناك

أيضا الشعر الرديء، سواء أكان ينتمي لجيل الستينيات أو

غريه، وهناك شعراء باقون من أمثال أمل دنقل ومحمد

عفيفي مطر، ووفاء وجدي، فربغم الضجة والصخب

يف الساحة الشعرية، فإن ما يبقى يف الوجدان أقل من

القليل.

كتبت قصيدة نرث يف بداية السبعينيات.. ملاذا مل تكرر تلك

التجربة؟

- أعتقد أن الضجيج الذي تحدثه قصيدة النرث يتعلق

بفرص النرش الكثرية املتاحة، أكرث مام يتعلق بالتأثري الفني

العميق يف الوجدان، فقصيدة النرث تهتم بالسياق العقيل

بسبب تدقيقها يف اختيار جميع األلفاظ املتاحة، بينام

نجد قصيدة التفعيلة مرتبطة بأوزان معينة، تدفع إىل

االهتامم بالجانب الوجداين، وعندما كتبت قصيدة النرث،

اتهمني النقاد بـ »اإلفالس« و»االستسهال«.

وهل قررت التوقف عن كتابتها بسبب تلك االنتقادات؟

- بالتأكيد ال، ولكن يف الوقت نفسه ال أستطيع أن أجزم

محمد ابراهيم أبو سنة

Page 90: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 90

لك بأسباب هجري لها، فعندما كتبتها مل

أدر ملاذا، وحينام تركتها مل أدر ملاذا أيضا..

ولكنني يف النهاية سعيد بتلك التجربة ومل

أندم عليها.

ما األسباب التي دفعتك وكبار الشعراء

لالستقالة من »لجنة الشعر« باملجلس

األعىل للثقافة، وما رأيك يف تشكيلها

وأدائها الحايل؟

- افتقدت اللجنة نوعا من التوازن

وخرجت عىل التقاليد املتبعة يف تشكيلها

من الشعراء الذين لهم حضور وتأثري، وكذا من النقاد

الذين أسهموا بإيجابية يف الحركة الشعرية، فحدثت

فوضوية بالتشكيل األخري، واتخذت إجراءات غري متأنية

للحفاظ عىل التوازن الدقيق والحفاظ عىل مكانتها

ودورها يف االنفتاح عىل الحركة الشعرية العربية، وهناك

تصورات غري ناضجة يف إعادة التفكري والتدبري، ورمبا

تفسح االستقالة املجال أمام أجيال جديدة ليك ميارسوا

تجربتهم يف إدارة الواقع الشعري بطريقة مختلفة.

مباذا تفرس رصاع األجيال الشعرية املوجود يف مرص اآلن..

واتهام األجيال الشابة لألجيال السابقة لها بأنها تقصيها

وتتعمد إهامل تجاربها؟

- غري صحيح، فاألجيال السابقة دامئا ما تحنو عىل األجيال

الجديدة وتفسح لها املجال يف قلب النشاط الشعري،

وتدعوها يف كل نشاط، ويشهد عىل ذلك »صالون

األربعاء الشعري«، الذي كانت تقيمه لجنة الشعر كل

شهر، ومحاولة الحث عىل نشاط »بيت الشعر« التابع

لصندوق التنمية الثقافية، فهناك احتضان من القدماء

للجدد، لكن املشكلة أن القصيدة التي تكتبها األجيال

الجدية مل تستطع أن تجتذب الرأي العام أو تتحاور مع

الذائقة األدبية الراهنة، بسبب الرصاع املجتمعي، وضآلة

الفرص املتاحة، وتحرك الحركة الشعرية يف هامش ضيق

من االهتامم العام، سواء من السلطة أو النخبة، وافتقاد

الحركة الشعرية التشجيع، فهناك مشاكل كثرية، ومن

املفرتض أن تعمل الهيئات واملؤسسات عىل إيجاد تنسيق

إلنقاذ اإلبداع.

أال ترى أننا نعيش لحظة انطفاء وتراجع

لفكرة أجيال الريادة الشعرية؟

- أنا ضد هذا التصور، فاألجيال تبدع

من زاوية تصوراتها وخصوصية مواهبها،

وهناك شعراء عىل درجة عالية من

الجودة واالمتياز، والريادة مرتبطة

بالتحوالت الكربى لتطور القصيدة.

هناك اتهام آخر من التيارات الحداثية

لشعراء الستينيات بأنهم رضخوا لقيود

املؤسسة الثقافية، ونالوا جوائزها وشاركوا

يف مؤمتراتها ولجانها؟

- أنا ال أرى يف ذلك أي اتهام، فتلك املؤسسات هي –

بطبيعة الحال - مؤسسات وطنية، وبدون مشاركتنا

ستتحول إىل خرابات، فالبد من التعاون، والشعراء مل

يرضخوا لتسلط أو لنفاق ومل يسعوا لتبييض وجه السلطة

ومل يتورطوا يف التغني مبحاسنها، فشعراء الستينيات رفعوا

راية االحتجاج قبل أن تقوم الثورة، ومل يذوبوا يف محبة

الدولة أو التواصل معها، أما كونهم قد نالوا جوائز منها،

فذلك جزء من طبيعة املشاركة والتعاون واإلعالن عن

الحضور اإلبداعي.

هل ترى توازيا للمشهد النقدي مع الحركة اإلبداعية؟

- هناك نقاد كثريون يقومون بدور مؤثر يف هذه املرحلة

عىل كل املستويات، وحركة النقد تتطور بفعل تراكم

املعرفة واألحداث الثقافية والتحوالت السياسية، وأعتقد

أن العقل املرصي يتطور بصورة كبرية عىل املستوى

اإلبداعي، لكن األزمة تتمثل يف التواصل اإلعالمي الفاتر،

فهناك جهل شديد بأجهزة اإلبداع، وكثري من املبدعني

ال يظهرون يف اإلعالم بسبب جهل القامئني عىل مقاليد

األمور، وحركة الثقافة تحتاج ملبدع وأداة توصيل هي

اإلعالم وجمهور يشتاق للقراءة والتواصل مع حركة

اإلبداع والثقافة مع بيئة تقبل هذا اإلبداع، وقد اكتشفت

أن الجميع يعانون حالة ارتباك، يف تلك املرحلة، سواء

أكانوا نقادا مبدعني أم قراء متلقني

حوار

Page 91: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 91

حائط أبيض

يف العامل، هو آخر الشهود األحياء عىل صور أثرية وعزيزة أخذت تبتلعها الصورة الكربى للكارثة، ممثلة بكائنات »ما بعد

اإلنسانية«، مخلوقات »برهة كونية مركبة« أخضعت العلم البرشي ملخططها الجحيمي، برهة غري مسبوقة، يسودها صلف

وغرائزية مرعبان، ورائحة دم الضحايا تنعش آالف أسامك القرش الضخمة وقد توالدت يف كل بحر من بحار العامل.

أوليس عامل الشاعر بعد هذا التوصيف حديقة ال تشبهها إال املقربة؟

قصيديت هي بصرييت الدامية يف عامل كل ما فيه بات إجراميا.

ولكن كيف لنا ان نتفكر يف الشعر والكلامت يف زمن طاحن كهذا؟ كيف يسلك الشاعر، اين تتجه الكلامت، وما معنى الكتابة، وما هي

مواصفاتها الكربى؟

بداهة، لكل كتابة زمنها، والكتابة ال تستجيب للمواضعات الخاصة مبا هو خارج زمنها. زمن الكتابة مرشوط بها وحدها.

لكن، هل هناك وقت منوذجي، يف زمن عاصف كزمننا إلنجاز كتاب شعري؟ أو حتى قصيدة؟

الشعر أكرث حرية ووحشية من كل ما ميكن أن نتخيل، مواعيده داهمة، ومفاجئة كحاالته املدهشة وصوره املفاجئة وميوله غري املتوقعة.

وما دمنا نيمم شطر مخترب الشعر ومصنعه، يخطر يل باستمرار أسئلة حول الشعر وشعرائه. هناك شعراء أقالمهم سيالة يف وسع الواحد منهم

أن يكتب عرشات القصائد يف شهر، وبعضهم يكتب يف كل يوم قصيدة. وهناك من يقيض وقتا طويال يف مكابدة شاقة لينجز مقطعا من الشعر.

هناك من يكتب يف سنة ما لن يكتبه هو نفسه يف عرش سنوات. وهناك بني صمت وصمت لشاعر تفجرات مدهشة، أو عقم كامل. الكتابة

عموما، والشعرية خصوصا لها حاالت متبدلة ال تحتكم إىل قاعدة، وال تقاس بسواها.

هناك شعراء يكتبون القصيدة مرة واحدة، ويدفعون بها إىل النرش، وغريهم يكتبونها مرات ويخلصون إىل عمل شعري خالق، وبعضهم

قد يفسد األصل املاثل يف دفقة أوىل من شدة عمله عليه. للشعر أحوال ال ميكن التكهن فيها، ورهافات تجعلنا، أحيانا كثرية، نقف حيالها

عاجزين.

كل قصيدة يكتبها الشاعر هي جملة يف رسالة تودع العامل بينام هي تستقبله، وإذا كان عمل الشاعر مع الكلامت هو عمل يف املستقبل،

ومع املستقبل، فإن فكرة الوداع نفسها تصبح التباسا كبريا. ومهام كانت قصيدة الشاعرة مواربة يف قصدها، ويف زينتها ولعبها، فطاقة الحدس

والخربات الشعورية العميقة التي تبني الرؤى الشعرية أورثت شاعرها منذ أقدم األزمان الحس الفادح بالفقد، بالهارب من الزمن، والهارب

من الجامالت، وإذا كان الشاعر هو ذلك الطفل املغرتب أبدا يف مرايا العامل، فإن أساه الحقيقي يبدأ عندما يكتشف أن شغفه الذي مل يتوقف

يف البحث عن خياالت طفولته يواجه بنصال الزمن واملواضعات اليومية املعادية لكل ما هو طفويل يف مجتمعات ال تدين للسجية اإلنسانية،

وال للعفوي، مبقدار ما تدين للقناع اإلجتامعي وأعامله الرشيرة.

هناك يف الثقافة العربية مفاهيم قرت ومل تتزحزح فلم تعد تتفق والتطورات التي طرأت عىل بنية القصيدة العربية. من ذلك مفهوم اإليقاع،

واملوسيقى يف الشعر. تطور الشعر، ومل تتطور قراءتنا، تغريت بنية الكتابة الشعرية، ومل تتغري البنية املفاهيمية للكتابة الشعرية. وإذا كنت

قد ملست وجود غنائية يف شعري الذي ينتمي إىل قصيدة النرث، فأنا ال أجد غرابة يف ذلك. فالغنائية، بداهة، ال تصدر عن األوزان يف الشعر،

وإمنا عن اإليقاعات األعمق املتجلية يف النفس الشعري، يف الرتاكيب، يف الصور وعالقاتها، يف الرهافة الواقعة وراء نربة الشاعر، أي يف جملة

العالقات التجاورية للكالم، وقد فارق القاموس وحل يف أرض أخرى.

وبرصف النظر عن موضوعاته، فإن الشعر الذي يطلع من االعمق هو شعر جارح ويائس وحزين بالرضورة. وما قصائد الشعراء، التي ميكن

للمستقبل أن يعتد بها، إال نداءات يائسة، رصخات أناس يف عامل يغرق. الشعر هو الصوت الحقيقة الذي اغتيل يف اإلنسان، يف عامل مرهق من

ر يف الكلامت نشيد األعامق؟ أمل الخيانة والجرمية، فهل بقي له إال أن يضاء بالكوابيس بينام هو يظه

نوري الجراح

آخر الشهود األحياء

الشاعر

..............................................................................................................

Page 92: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 92

درويش وبركاتالفلسطيني والكردي منفى في اللغة

»أبكيتني مرتين، يا محمود. مرة حين رميت على عاهن البسيط كلمات لم أصدق أذني أنني أسمعها. قلت، ، باإلنكليزية، في ندوة جمعتنا بإحدى مدن أسوج: بذلت جهدا كي ال أتأثر بسليم بركات. وإذ صدقت أذنيجليل مثلك، ضم عصرا أدبيا إلى ظله، ال يحذر اعترافه العابر، الذي اغرورقت عيناي، بل بكيت صامتا:

يبكي مثلي« )سليم بركات(

عمار أحمد الشقيري

وجهان

تفرد الحروب أذرعها معلنة أن ال نجاة إال

مبا ترميه الصدفة – عبثا – عىل األحياء تصري

الهجرات صالة للنجاة ال من املوت إمنا من طريقته

الفجة يف العمل، فالهجرات موت لكن بفرق نافر وهو

أن املهاجر يتجرعها ببطء عىل مراحل، وإذا كان للشعراء

من كالم عن الحروب - حليفة الهجرات منذ فجر التاريخ

ـ فإن هذا الكالم سينحى منحى االهتامم بالتفاصيل

الدقيقة والبسيطة وإعالء الهاميش فيها إىل منصة الرئييس،

كأن تكون شجرة اللوز العادية – مثال – دليل الشاعر

لتتبع الهشاشة يف قلبه والحياة، ويصري ظل شجرة خروب

عىل قارعة مقهى يف قربص مدخال لحكاية سرية شعب.

واملنفي نديم املنفي يف دروب الهجرات، يؤنسه بالحكاية

مرة ، ومرة بالقصيدة:

- تعال أنبئك عام فعله

الجرنال بأهيل

فيقطع عليه الكردي

حكايته

- تعال أنت أنبئك ما فعله

الجرنال بالجغرافيا وبأهلها

وتحت وقع الحكايا،

يسحب ليل املهاجر

خصائصه وينصت،

للحكاية، وللقصيدة،

وللوحة، واملوسيقى وللفن

بشكل عام.

محمود درويش وسليم بركات، األول هاجت خيل الحرب

عىل بالده يف الجنوب فهاجر وأنشد »شأملت، رشقت،

بت أما الجنوب فكان قصيا عصيا عيل ألن الجنوب غر

بالدي«. الثاين من شامل – عىل غري العادة الجيوسياسية –

معذب ومهمش ، من عقد قرى كردية.

تخون الجغرافيا شعراءها، فتلجأ القصيدة إىل اللغة،

ليبني فيها الشاعر، بيته وحديقته، واملطبخ وغرفة نومه

والرسير، ويقول قبيل النوم

سأحلم

رمبا اتسعت بالد يل ، كام أنا

واحدا من أهل هذا البحر،

كف عن السؤال الصعب: من أنا؟

ها هنا؟

سؤال االنتسابيف زمن اإلقصاء والديكتاتوريات التي

استبدلت الدبابة – لفرتة مؤقتة –

باملقص اإللغايئ سيتحسس الفرد لغته،

تراثه، وكيانه، سيتحسس وجال هويته،

وإن كان االحتالل الصهيوين قد بدأ

يحاول إقصاء العريب من فلسطني، فإن

ما يحدث يف سوريا قد بدأ إجراء دفن

للقرى الكردية التي »أقصتها الدولة

عن تاريخ الدولة«.

إن تكن اللغة قلعة المنفى األخيرة ومناورته البديلة في الحرب على

التغييب المقصود ، فإن أي مساس بها سيعد

موتا للمدون بها، ال حياة إال باللغة وال موت إال

بموتها

حني

Page 93: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 93

سيظهر درويش صارخا من فلسطني:

»سجل أنا عريب« مع أن هذا االنتامء

سيتحول إىل انتامء آخر بعد قليل،

وسيرصخ الكردي من جهته يف قصائده

األوىل مرتال أسامء القرى ويعيد الرتتيل

وكأنه يخاف عىل أسامئها من اإلندثار:

»دينوكا بريفا، موسيسانا، مهاباد التي

مل تر النور«

العشب ينمو يف الحرببريوت، أوائل سبعينيات القرن املايض،

ال لغة غري لغة املدفع والرشاش، وأمراء

الحرب يف سباق محموم لقتل كم أكرب

من الطرف اآلخر، واملدينة الحائرة بني

املاء واليابسة تشتعل، وتريب بني الرماد

عالقات حب وصداقة يف الخفاء، كانت

إحدى هذه الصداقات التي جمعت

بركات بدرويش ألول مرة وكانت بني

قذيفتني، يسأل درويش عن الفتى

الكردي بعد سقوط قذيفة يف شارع فرعي:

»أين »س« ديك الحي الفصيح؟ عاشق املسدسات واللغة

واللحم املعلن، مل أره منذ يومني؟ هل وجد طعاما وماء،

كان هذا هاجيس ومنذ تبنيته كان نادرا ما يتكلم معي

حني نكون وحيدين فلعله صدق أين أبوه، ترك الحي الذي

كان يسكنه قبل الحصار وجاء إىل هنا ليقيم مع شاب

لبناين رسياين األصل.

أين الرسياين، وأين الكردي؟ تصادقا منذ اليوم األول

للحصار، أحدهام متوتر كعضلة وثانيهام بارد كقمر.

أحببت س منذ التقيته من سنني، مستنفرا ضد مجهول،

يخجل من الكالم وال يتدخل فيه إال ليتوتر، حاسم وصارم

اليساوم عىل يشء أو رأي، ال يقول إال للورق املوضوع عىل

وسادة ما فيه من عامل عجائبي، فنتازي، ومرتع بالفصاحة،

وال أعرف حتى اآلن متى يبدأ فيه الروايئ السارد ومتى

ينتهي الشاعر«.

*ذاكرة للنسيان / درويش 46

الخروج برفقة الكرمل إىل قربص

بعد االجتياح اإلرسائييل لبريوت يحمل

كل من الشاعرين أوراقه ويلتقيا يف

قربص لتحريك دفة مجلة الكرمل من

جديد والتي أرص الزعيم الفلسطيني

عرفات عىل مواصلة إصدارها،

وصدرت »الكرمل« من قربص رغم

العوائق الكثرية، درويش كمحرر

رئييس لها من باريس و»معاونه

الكبري« عىل حد تعبريه: الشاعر سليم

بركات

يف قربص سيؤمن االثنان هذه املرة

بسلطة املنفى وجربوته، آمنا مجربين،

تحت السياط فاشتعل سؤال الهوية

من جديد ، لكن بشكل مختلف:

- من أنا؟

سؤال طنان ال ينبت يف رأس املنفي

إال حني يعتاد املنفى، قبلها سيكون

املنفي مشغوال برتويض محيطه أو ترويض قلبه للتأقلم

مع املحيط.

يجيب درويش شعرا يف أكرث من مكان بعدما يكون قد

تخلص من »سجل أنا عريب« سيجيب هذه املرة وبهدوء

معلن عن سؤال الهوية: »أنا لغتي« ويذهب يف موضع

آخر من قصيدة قافية من أجل املعلقات أبعد من ذلك

ليعلن:

من لغتي ولدت

عىل طريق الهند بني قبيلتني صغريتني

عليهام قمر الديانات القدمية

والسالم املستحيلولن يختلف االنتساب عند سليم بركات عنه عند محمود

درويش – مع أن منفى هذا اآلخري هو منفى مزودج:

منفى لغته األم ، ومنفى الجغرافيا - ففي مقابلة مع

قناة الجزيرة لربنامج موعد يف املهجر، بدا عىل وجه

الشاعر الكردي االتزان وهو يقول بلهجته العامية »وطني

درويش وبركات

Page 94: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 94

الحقيقي هي لغتي، ما بئا إئدر أشوف حدود أكرت منها،

وال عالقات أكرب منها ، وال حرية أكرت ، انا عايش هناك ،

ومستقل هناك بقوانني العربية«

ويف قصيدة » ليس للكردي إال الريح« املهداة إىل بركات

يعرف درويش كيف يصف الكردي بعني املنفي املجرب

إذ يخرب عنه »وينفض عن هويته الظالل: هويتي لغتي«.

هكذا ينجح االثنان كل عىل حدة بإن يخلقا هوية موازية

لهويتهام املدفونتني واحدة تحت حوافر الحزب« الذي

ال مانح إال هو »وواحدة تحت املستعمرات واإلسطورة

.» F16 الهابطة عىل أرض بواسطة الدبابة والـــ

الغربة غربة اللغةإن تكن اللغة قلعة املنفي األخرية ومناورته البديلة يف

الحرب عىل التغييب املقصود ، فإن أي مساس بها سيعد

موتا للمدون بها، ال حياة إال باللغة وال موت إال مبوتها،

ويف حوار طويل مع درويش أجراه عبده وازن لجريدة

»الحياة« يجيب درويش عن سؤال الخوف من املوت:

»مل أعد أخشاه كام كنت من قبل. لكنني أخىش موت

قدريت عىل الكتابة«.

ويأيت جواب بركات بنفس املعنى يف مقابلة مصورة يف

بيته يف السويد منشورة عىل اليوتيوب قائال:

- »غربتي الوحيدة ستكون ذات يوم - إذا أحسست

بالغربة - ملا أفشل بالكتابة«

من منفاه األخري يف غابات سوكوغوس وسط السويد، ينام

الكردي مطمنئ البال وهو يتحسس لغته كل صباح حني

يفيق ويجدها ساملة فيبدأ بكتابة الرواية، ويرصف لغة

الشعر بشكيمة ذئبة تدافع عن جرائها، وال ينىس يف

فرتات الراحة أن يعيل النفري عاليا لدرويش الذي كان قد

اختار التنقل بني باريس ورام الله وعامن، يرفع بركات

الناظور ويرصد التفاصيل بعني راصد كشاف يف قصيدة

عنوانها »محمود درويش بتاريخ حزيران 89« يعدد فيها

– شعرا - تفاصيل رشفة درويش /ردهة بيته /الرواق /

محربته /علبة تبغه /قهوته /كسله الصباحي /سرية قلبه /

نظارته:

يا لشؤونه ، إذا

يا لشؤون تعبث بالعاصفة

وتداعب الينابيع التي تتقافز كجراء سلوقي بني

متاريسه

كم يجسان معا متقابلني ،

يرمي برنده عىل املنضدة وترمي برندها

كم تجلس التواريخ بينهام

وهي تجفف بأنفاسه ذؤاباتها املبلولة

ويرد درويش التحية قصيدة يف »ال تعتذر عام فعلت« وال

يغفل فيها رصد التفاصيل:

منزله نظيف مثل عني الديك..

وجهان

الفنان فالدميري تاماري

Page 95: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 95

منيس كخيمة سيد القوم

الذين

تبعرثوا كالريش. سجاد من

الصوف

املجعد. معجم متآكل.

كتب مجلدة

عىل عجل. مخدات مطرزة

بإبرة

خادم املقهى. سكاكني

مجلخة لذبح

الطري و الخنزير. فيديو لالباحيات.

باقات من الشوك املعادل للبالغة.

رشفة مفتوحة لالستعارة. ها هنا

يتبادل األتراك واإلغريق أدوار

الشتائم. تلك تسليتي وتسلية

الجنود الساهرين عىل حدود فكاهة

سوداء..

الهاميش لعبة املنفي إذا يرفعه بنبل ويضعه عىل املنصة

لجوار الرئييس وإن تطلب االمر يقيص الرئييس ويقول

للهاميش:

- تقدم ، فلوالك ما نجونا.

تحية البرشوش إىل البرشوش نهاية الدربخجال كانت شمس التاسع من أغسطس من عام 2008

تصعد منصة الرشق، راصدة وعرب النوافذ املمرات

املوصلة بني غرف مركز هيوسنت الطبي ، يف حني كان

الفريق الطبي ينزع يف حياد جارح أجهزة اإلنعاش عن

قلب قرر أن يقدم استقالته أخريا من غري بالغة أو فصاحة

، وما إن كاد الفريق الطبي ينهي جولته عىل بقية املرىض

حتى رن الهاتف يف رام الله معلنا فرد ستارة املوت

املوشاة بذهب الصمت عىل حياة الشاعر محمود درويش

،بعدها بقليل يصل الخرب إىل السويد ، فيبيك الكردي

ويفتح ما ظل دفينا:

»تنفس املوت يف وجهي، هذه املرة؛

تنفس عميقا يف املكان، الذي رسمت

خريطته عىل صفحات من كتابك

األخري »أثر الفراشة«، يا محمود.

نسيت، رمبا، أن أزود تدوينك عن

بيتنا، يف غابة سكوغوس، شجرا أكرث،

وطيورا أكرث، وأنت تستعرضني طاهيا،

متذرعا بأفاويه الكاتب وتوابله.

قلت: »تناقلتك بلسان كتابتي، مرارا،

كشاعر. سأتناقلك، اآلن، كطاه«. ويف

مطبخي ذاك، الذي ابتكرت فيه، إذ

زرتني قبل سنتني، خياال ملساءين من اللحم طريفا، نقلت

زوجتي سيندي املوازين الكربى لألمل إىل جهة العاصف:

كانت واقفة قرب املنضدة حيث أجلس. ألقت برصها،

عىل نحو مل أعهده، عرب النافذة، إىل غاممات الفريوز

من شجر الصنوبر، والحور الرجراج. ملست بيدي قلبي

فافة املعلنة. سألتها: نظرتها النقية كبكاء تتكتم عليه الش

»ما بك؟«. ردت: »مل تعد تخربين، إذ أعود إىل البيت، أن

محمودا اتصل بك«.

لن ميضيا إىل الصحراءسوكوغس / السويد / مساء مثل أي مساء

- ما الذي جرى؟

- لن يعرف أحد، لكن الفلسطيني يومها وقبل أن يغادر

وقف بباب البيت ملوحا للكردي وناطقا بلسان املنترص

عىل املوت بضع كلامت:

باللغة انترصت عىل الهوية

قلت للكردي، باللغة انتقمت

من الغياب

فقال: لن أميض إىل الصحراء

قلت وال أنا..

ونظرت نحو الريح

- عمت مساء

- عم مساء!

ينجح االثنان كل على حدة بان يخلقا هوية

موازية لهويتيهما المدفونتين واحدة

تحت حوافر الحزب الذي ال مانح إال هو، وواحدة

تحت المستعمرات واإلسطورة

درويش وبركات

Page 96: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 96

عارف الخاجة

واقعية سحرية

بورتريه

إلى قصيدة ونزعة بروح حداثية عربيا، عرفوا الذين االماراتيين الشعراء أبرز بين من الخاجة عارف أيضا ال يخلو شعره من احداث وأسماء من التاريخ أو التفعيلة، القصيدة الموزونة التي لم يكتب غيرها. من مخيلة التاريخ، إذا جاز التوصيف، فيتخذ منها أقنعة يقوم بإسقاطها على واقع معاصر هو واقع عربي عموما، يتقاطع فيه الشخصي مع السياسي وبحس مثقف ومدرب جيدا على التقاط الشعري من السياسي

واالجتماعي بعين »أخرى« تعكسه في صور شعرية ذات جماليات عالية.في الوقت ذاته، ثمة مسحة من حزن شفيف تطبع شعر عارف الخاجة وتجعل منه قريبا إلى قلب متلقيه

سامح كعوش

Page 97: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 97

شعراء اإلمارات أن ميدوا أجنحتهم بعيدا عن

الوطن، فلم يكتفوا بعيش أحواله واالمتزاج مع

ذرات ترابه ونسامت هواه، بل مدوا ظالل القلب لتصل

حيث ظأمت أمتهم يف أقايص املغرب وضفاف املتوسط

والنيل، وكان أن كتبوا للبنان وبريوت، والعراق وبغداد،

ومرص والقاهرة، وكان أن زاروا هذه البالد وعاشوا فيها

وعايشوها واقعا تجىل يف كتاباتهم الشعرية الكثرية.

كام استطاع شعراء اإلمارات أن يعيشوا الحالتني األكرث

رسوخا يف الذاكرة العربية: حالة النكسة وحالة الثورة،

فكانت قصائدهم لبريوت واملقاومة الفلسطينية،

وكانت قصائدهم للجنوب اللبناين كأنه جنوب اإلمارات،

ولشهدائه كأنهم شهداء اإلمارات، وبني الطرفني عالقة

انتامء ألمة وتاريخ ومستقبل.

شعرية االنتامءفها هو الشاعر اإلمارايت سلطان بن عيل العويس يتأمل

ملا شهدته مدينة بريوت سبعينات القرن الفائت من

اقتتال وحروب وتدمري، ما جعله متأملا ملصري مدينة أحبها

كام فعل شعراء إماراتيون كثريون، ماضيا وحارضا، وراد

مقاهيها، وتحاور مع مثقفيها ومبدعيها، يقول يف قصيدة

»بريوت«:

»بريوت يا جنة الخالن كيف لنا

أن نثني الدمع من أن ميأل الحدقا

عودي ربيعا كام قد كنت وارفة

وانيس الشتاء الذي قد أسقط الورقا

قد كنت قيثارة للرشق صادحة

ما لألنامل ليال تعزف األرقا«.أما الشاعر مانع سعيد العتيبة فيخاطب أرض فلسطني

مدنها وقراها، ويذكرها بيتا وبيتا، يقول يف قصيدته التي

أهداها لألسري الفلسطيني املناضل مروان الربغويث:

»يا أرض رام الله إن قلوبنا

ماتت فال نبض وال خفقان

يا قدس، يا نابلس إن عيوننا

ت فنحن جميعنا عميان كف

نا يا بيت لحم وبيت جاال كل

موىت، وذل سكوتنا أكفان

لكن كام ولد املسيح عىل ثرى

أرض القداسة يولد الفرسان

هو ذا املخاض فيا فلسطني ارتدي

ماء ليولد اإلنسان«. ثوب الدوها هو الشاعر اإلمارايت حبيب الصايغ يخاطب فينيق

لبنان يف »قصيدة القفص« ليربز فيها مهد طري الفينيق

جليا، واضحا يف انتامء الشاعر إليه مبا يليق، هناك يف أعايل

جبال الرشق املكللة بالثلج، يف بريوت الحلم، وبريوت

اللحم الحي، بريوت عنقاء الشاعر، يقول يف القصيدة:

»كتبنا عىل املقاهي والجامعات احرتاقاتنا

سئمنا من املغني الذي يزعق يف االسطوانة

انترش الوقت يف رمال الشواطئ

اندمل اليأس«.كام نرى الصايغ يحيل قارئه إىل داالت مكانية ورمزيات

ذات عالقة مبكان واحد، فهو يشري إىل »سكة الحجاز«،

و«ثالث مدن«، وأسامء معروفة مثل: »مارسيل خليفة«،

»أحمد دراج«، »سعيد فاخوري«، الجواهري«، ويستحرض

بغداد باإلسم والشام كلها والعراق معها برمزية »عشتار«

يف قصيدته للجواهري:

»عمري وعمرك بغداد وعشتار

أي النبيذين من أسامئه النار؟«.بينام نرى أن الشاعر عارف الخاجة يف مجموعته

نصوص عارف الخاجة تقف أمام التاريخ. يكتب نكسات

العرب، نكباتهم، مرارة هزائمهم وفرح انتصارهم

عارف الخاجة

آثر

Page 98: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 98

الشعرية »عيل بن املسك التهامي يفاجئ قاتليه« يستعني

مبرجعيات تاريخية فكرية عميقة الصلة بالرتاث األديب

العريب يف العصور الذهبية للعرب، إذ يستعري سرية عيل

بن املسك التهامي يف معاناته املنفى والرتحال، والشغف

واألمل يف الحب، وكل ذلك ليخلق منه معجزته الشعرية

التي تشري إىل داللة التحول املعريف تجاه »آخر« وطني

وقومي، ال »ذايت«، فعيل هنا يرتك رصته لتصري عبوة

ناسفة يف وجه الغاصبني لفلسطني، يقول الخاجة يف

هامش قصيدته »الجليل، وكاالت األنباء: اعرتف العدو

أمس مبقتل أربعة جنود له، إثر مرور إحدى دورياته

عىل رصة مدفونة بالجليل، وتشك سلطات االحتالل يف

أن واضعها هو عيل بن املسك التهامي الذي تسلل إىل

الجليل قبل يومني من الحادثة، والذي اشتبك مع إحدى

دورياتها...«.

يخاطب الشاعر الخاجة شاعره عيل بن املسك التهامي

مبا يشبه املناجاة الذاتية )املونولوج(، يف تقمصه شخصيته

وحلوله محله، شاعرا يضع إصبعه عىل جرح الوطن،

يبلسمه مبفرداته أو هي وروده يف العرس الجنائزي أو

طقوس التضحية األسطورية القدمية، كأن يقول »املسك -

- < النشيد - - < الحزن - - < العرس - - < املهر، يصري

عاف الخاجة كام عيل بن املسك الذي يحييه يف نصه

الشعري، فدائيا يفدي الوطن بذاته، ويقدم له الشمس

مهرا، بل ويقيم عرسا جنائزيا للبالد يف قيامتها الجديدة

يف عني الشاعر ورؤاه، ومن أجدر من الشعراء بحزن البالد

وأعراسها، فعارف الخاجة يقول آلخره »عيل بن املسك

التهامي« يف قصيدته إليه:

»يا أيها اآليت

من املسك الخرايف املجلل بالنشيد

لك النشيد

وحزنه عرس

ولك البالد

ومهرها الشمس من حزنها متتد قامتك املديدة

كل يوم

يك تالمس قامة الوطن«.وليست مصادفة أن يكتب الشعراء اإلماراتيون الواقع

العريب ال اإلمارايت فحسب، وهم أبناء هذا الواقع

واملتأثرون املؤثرون فيه، يشرتكون يف ملحمة االنتصار كام

يف فاجعة االنكسار، وبينهام هم يرون إىل الواقع املأزوم

بعني الشعر املتفائلة والرائية يف غد أجمل، وهم بذلك

يتميزون باتجاههم األسطوري السحري يف قراءتهم للواقع،

ال يف التعبري عنهم بتقنيات الواقعية التسجيلية املحضة أو

الواقعية االشرتاكية املحرضة.

كام ليس من قبيل املصادفة أيضا أن تختفي تقريبا

املقاربات الواقعية التسجيلية للواقع يف تجارب الشعراء

اإلماراتيني، ملا يف ذاتهم الجمعية ووعيهم املعريف من

ميل إىل الخارق يف الطبيعة واملمتد يف التأمل الوجودي

يف بيئة البحر والساحل والصحراء، وهم األكرث ميال إىل

استحضار الرتاث العريب مبا يحفل به من رمزيات األساطري

والخوارق، واملوروث الشعبي املحيل وما يحكيه من أصالة

وعالقة تاريخ ودم تربطهم بإرث الجزيرة العربية والعراق

والشآم ومرص عضويا، وتختفي معها يف املقابل االتجاهات

الواقعية االشرتاكية طبعا، لبعدهم عن التأثر باألفكار

بورتريه

الفنان عبد الرحيم سامل

Page 99: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 99

االشرتاكية التي سادت يف الرشق العريب وصنعت ملحمتها

األدبية مع الروايئ حنا مينة وغريه، وذلك لسبب أن شعراء

اإلمارات مل يؤمنوا قطعا بأولوية الرصاع الطبقي لغلبة

امليول الفطرية إىل التدين والعمل مبا تنادي به التعاليم

اإللهية من مساواة وتعاون مجتمعي، كام لسبب أنهم

يكادون يكونون األكرث تأثرا باالتجاه الرومنيس يف األدب،

واألكرث إنتاجا لنصوصه عربيا.

الواقعية واملرجعيةنجد أنفسنا يف نصوص عارف الخاجة الشعرية أمام وثائق

تاريخية بكل ما للكلمة من معنى، فهو يؤرخ لنكسات

العرب، نكباتهم، مرارة هزامئهم وفرح انتصارهم، مستعيدا

الدور األسطوري لألنثى الفاعلة ال يف حياة الشاعر فقط

بل يف وجوده الوطني واملجتمعي، ومستعريا الدور

الجبهوي للشاعر كام يف عرص الفتوحات األوىل، حيث كان

»جيش الصحابة« )الذي يشري إليه يف قوله »هو الوعد

... يبدأ من مقلتيك دربا/ متر عليه خيول الصحابة«(، مير باملدن والبالد، حامال رسالة الفتح والدعوة، وإن

كانت دعوة عارف الخاجة إىل جمهورية شعرية نقية

وصافية صفاء ماء الفضة، فهو يفرح مبا يخطه لبريوت يف

مجموعته »بريوت وجمرة العقبة 1983«، ويؤبن الشهيد

اللبناين ألمته العربية يف مجموعته »قلنا لنزيه القربصيل

1986«، ويصيل إماما للفقراء واملتعبني واملحرومني

والتعساء والعشاق يف مجموعته »صالة العيد والتعب

1986«، وهو يردد خطابا عروبيا متيز به شعراء اإلمارات

جميعا، كام يف مجموعته »عيل ابن املسك يفاجئ قاتليه

1989«، ويكمل مسريته الشعرية وصوال إىل »من املعسكر

.»1990

ويعمد الشاعر عارف الخاجة إىل الواقعية كاتجاه يناسب

تجربته الشعرية دون غريه، فهو ليس بحامل وال رومانيس،

بل هو منتم إىل واقع أمته ومعاناتها، ال يخرج يف حقله

املعجمي عن مفردات مثل »جبهة، منفى، جمرة، ثورة«،

ويرى حبيبته رشيكة نضال ودرب جلجلة كام يف عذاب

السيد املسيح بحسب املعتقد املسيحي )ويف ذلك اإلحالة

إىل الرمزية الدينية املسيحية ال اإلسالمية فقط(، وحلم

حرية لوطن سليب ممتد بني قانا الجليل وجنوب الخليل،

يقول يف نص له بعنوان »مسافة«:

»رأيتك ضعف السنني التي رشدتني

تطلني من جبهة النسمة العابرة

ومن أغنيات املنايف

ومن ضحكة الجمرة الثائرة

تطلني من عرس قانا الجليل

لنميش نفس الطريق الجليل

ولو كان يفيض إىل الجلجله«.ولكن الخاجة يبقى صاحب رؤيا مغايرة للواقع القائم،

وهو ما يشري إليه مبفرديت »الفصول الجديدة«، التي ال

يقبل التأقلم معها، يقول لسيدته التي تطل كشمس،

وتحتمل دورها التغيريي يف ما تقتضيه الواقعية السحرية

التي تتيح للشاعر أن يخلق عامله الشعري املوارب

واملوازي معا، يف ظل احتامالت شتى ال يستطيع مواجهتها

عالنية، بل ال يستطيع وحيدا أن يتحمل مشقتها عىل

وعيه الشعري ووجوده ككائن ورقي شفيف، بل تساعده

يف ذلك وتقف إىل جانبه سيدته الشمس وهي تحمل إليه

بشارات التغيري والثورة عىل واقعه ليخلق عامله الجديد

املرتجى:

»تطلني سيديت

والفصول الجديدة..

تأىب التأقلم يف خاطري«.ويبقى نص الشاعر الخاجة واقعيا بامتياز، وإن كان

يخدع املتلقي مبا تيش به نصوصه من واقعية سحرية

متيل إىل مغالبة الواقع واملكابرة ضده كنوع من اإلحالة

الشعرية إىل رفضه واإلسهام يف »كرسه« والتمرد عليه،

عارف الخاجة رؤيوي بامتياز، يستعيد األسطورة حاضرا،

ويمزجها بمالمح عصرية وحديثة، وهو صاحب مخزون

معرفي ولغوي

عارف الخاجة

Page 100: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 100

فعارف الخاجة يكتب نصه الشعري مبالمح الواقعية

السحرية أو العجائبية وهي تقنية روائية غلبت عىل

كثري من األعامل الروائية يف األدب األملاين منذ مطلع

الخمسينيات وأدب أمريكا الالتينية بعد ذلك، ثم وجدت

طريقها إىل بعض األعامل يف آداب اللغات األخرى، وتقوم

هذه الواقعية عىل أساس مزج عنارص متقابلة يف سياق

العمل األديب، فتختلط األوهام واملحاوالت والتصورات

الغريبة بسياق الرسد الذي يظل محتفظا بنربة حيادية

موضوعية كتلك التي متيز التقرير الواقعي.

وكام يفعل عارف الخاجة يف نصه الشعري، توظف

الواقعية السحرية عرب تقنياتها املتعددة عنارص

فنتازية كقدرة الشخصية الواقعية عىل السباحة يف

الفضاء والتحليق يف الهواء وتحريك األجسام الساكنة

مبجرد التفكري فيها أو بقوى خفية بغرض احتواء

األحداث السياسية الواقعية املتالحقة وتصويرها بشكل

يذهل القارئ ويربك حواسه فال يستطيع التمييز بني ما

هو حقيقي وما هو خيايل، وتستمد هذه العنارص من

الخرافات والحكايات الشعبية واألساطري وعامل األحالم

والكوابيس، كام يف حكايات ألف ليلة وليلة، وقصص

الجان، والبساط السحري، ومصباح عالء الدين، وكام يف

استعادة الشعراء املعارصين سري األبطال واملشاهري من

القادة والشجعان والشعراء والصعاليك، وغريهم، كأن

يتقمص شعراء كالجواهري، بدر شاكر السياب، وعبد

الوهاب البيايت، أدونيس، محمود درويش، سميح القاسم،

حاالت شعراء وشخصيات أسطورية كأدونيس إله الجامل

والحرب، وكنعان، وجالوت، وشعراء كطرفة بن العبد،

عروة بن الورد، امرئ القيس، ديك الجن الحميص، قيسا

بن امللوح وعمرا بن أيب ربيعة، وكثريين آخرين، أو أن

يستعملوا إحاالت لغوية ورمزيات فنية تيش مبتعلقات

هؤالء الذين ذكرنا وغريهم آخرين من مفردات يف اللغة

أو مقاربات يف الحالة.

إن الشاعر عارف الخاجة رؤيوي بامتياز، يستعيد

األسطورة حارضا، وميزجها مبالمح عرصية حداثية وحديثة،

فهو يف قصيدته »املسافة« يحيك الرؤيا كأنه العراف،

يغمض عينيه ويفتح عني بصريته، فريى األنثى التي تتخىل

عن دورها الشغفي لتصري قضية ودولة وأمة، وتتحول إىل

فاعل يف الوعي الجمعي كعامل تغيريي مؤثر، األنثى التي

تطل كشمس - - < الشمس عنرص تنويري ثوري تغيريي،

يخاطبها بقوله:

»رأيتك يف كل حرفني غابة

وما بني سطر وسطر حياة

رأيتك ضعف السنني التي رشدتني

تطلني من جبهة النسمة العابرة

ومن أغنيات املنايف

ومن ضحكة الجمرة الثائرة«.

ثراء اللغة واملعنىوألن الشاعر الخاجة يف شعره صاحب مخزون معريف

ولغوي ال يجارى، نراه داعية تغيري لواقع مأزوم بأدوات

معرفية عالية التأثري، فكأنه يدعو إىل لغة مل يكتشفها أحد

قبله، ومفردات تتسع لتحمل ما يقصده من معنى، يعيد

تشكيل الكالم، وترتيب الحروف، ويعري املفردات من

دالالتها املعرفية املعهودة، فيخلق عاملا أسطوريا لحبيبته

يجمعهام وهام يشكالن بالحب وجه الكتابة، ويسمعان

معا شجو الحروف، يف عامل سحري مل يكن لشاعر قبله أن

يعلنه يف نصه الشعري كام فعل هو، فهو ينكر ما كان

من أدوار تاريخية مؤسسة لألزمة، حتى ولو كانت أزمة

لغة، فهو يشري إىل أيب األسود الدؤيل يف عمله عىل تنقيط

حروف اللغة العربية، ويسعى إىل إعادة تشكيل الوعي

يبقى نص الشاعر الخاجة واقعيا، وإن كان يخدع

المتلقي بما يشي به من واقعية سحرية تميل إلى

مغالبة الواقع والمكابرة ضده كنوع من الرفض

بورتريه

Page 101: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 101

بالحياة والحب بالشعر، ويشري إىل نرص ابن عاصم، وهو

الذي عرف عنه بأنه »ليفلق بالعربية تفليقا«، بشهادة

أمئتها من معارصيه، يقول:

لنا »هو الوعد - ال الدؤيل - يشك

لنشكل بالحب وجه الكتابه

هو الوعد - ليس ابن عاصم – علمنا

كيف نسمع شجو الحروف

إذا نقطة ملعت

تحت باء السحابه«.إن األنثى يف نص الشاعر الخاجة أنثى رشيكة، أو هي

وجود قائم بذاته ومؤثر، حتى لو كان يف حانة أو مقهى

لييل كام يف بطلة نصه »وشيطا« من مجموعته »عيل

بن املسك التهامي يفاجئ قاتليه«، و»وشيطا« بحسب

الخاجة هو واحد من أكرب املالهي الليلية يف الدار البيضاء

باملغرب، إذ يرى الشاعر يف مأساتها مأساة وطنه العريب

الكبري يف إشارته »ها أنني أدخل الوطن العريب - - < وقد

غامت األرض والكأس والدندنة - - < وها إنني أدخل

اآلن - - < والوطن العريب تعمد أن يشعل الساهرين

- - < وأن ينتيش بالخيانة والصمت وامللعنة - - < وها

إنني أدخل الوطن العريب - - < والوطن العريب يحارب

.» بالدف

واألنثى يف قصيدة الخاجة هي شخصية تتطلبها تقنيات

الواقعية السحرية أو الواقعية نفسها كام يف األدب

االشرتايك، إذ تصري الشخصية األنثى حاملة لدالالت

مغايرة يتطلبها نص الشاعر وتحتاجها رؤيته الشعرية،

فهي وإن اضفى عليها قليال من صفات األنوثة والجامل

اللذين تقتضيهام املناجاة )الديالوج(، إال أن هذه األنثى

كاذبة، مواربة يف تعددها بعني الشاعر، بني أم وعاهرة،

بني فتاة هوى وطاهرة، بني وطن وأرض وعرض، وأخرى

فاجرة، وهي ال تستطيع أن تقف وحيدة يف خلق عامله

الشعري »الفاضل«، عامل اليوتوبيا الذي يحلمه الخاجة،

لذا فهو يشري إليها مبا يؤمن به هو، وهو عىل اليقني من

أنه لن ينكرس، وسينترص برؤاه الشعرية ومبتغاه النبيل،

بالغرابة الشاعرة والفجأة/ املتحول، لذا فهو يطلب منها

أال تنتظر انكساره، وأال تنتظر ردة للورود، والورود هنا

هي كل اإلناث، كل عنارص الجامل يف الكون، بل اختزاله

يف مفردة، يقول:

»فال ترقبي موعدا النكساري

ة للورود التي.. وال تحسبي رد

فتحتها برويض وفود الغرابه«.وهذه األنثى رؤيا، وحاملة رؤية، وهي حادية النجوم،

بهودجها السائر يف صحارى املخيلة الشاعرة، والتي تيش

باملشقة واملعاناة، بالحر والهجر والرتحال، يقول الشاعر

الخاجة:

»رأيتك والعيس تتبع حادي النجوم

وهودجك الكوكب املنتيش

يف سمـات السامء

وخد الصحارى

وهودجك املشرتى

الزمته العيون وأقامرنا الساهره«

عارف الخاجة

الفنان عبد الرحيم سامل

Page 102: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 102

أدونيس حين يترجلاكتمال الدورة الشعرية أم توقفها؟

جدل

هل يعتزل الشاعر ويتوقف عن كتابة الشعر؟. يطرح هذا السؤال نفسه ويبحث عن إجابته في تصريحات أدونيس القريبة وتنظيراته البعيدة. فهو ال يستقر على موقف واحد، بل يناقض ما سبق له من آراء حول

وظيفة الشاعر وجدوى الشعر التي ال تقاس بالزمن

خلدون عبد اللطيف

أثناء انرصايف مؤخرا ألعامل الشاعر السويدي توماس

ترانسرتومر بالرتجمة التي أنجزها قاسم حمدون عن

اللغة السويدية مبارشة وأعاد قراءتها وقدم لها أدونيس

»أحسب أنني سأعود إىل إشكالية مصطلح أو داللة

»إعادة القراءة« يف مناسبة أخرى«، تذكرت الترصيح

الصادم والجريء لصاحب »أغاين مهيار الدمشقي« يف

حوار أجري معه قبل نحو عامني، حني أشاع نيته اعتزال

كتابة الشعر بذريعة اكتامل دورته الشعرية، والتفرغ تاليا

لكتابة سريته الذاتية »أعتقد أن الدورة وبكل تنويعاتها

اكتملت عندي شعريا بالنسبة يل مبعنى الكامل«. آنذاك،

ذهب البعض إىل اعتبار

ترصيح أدونيس مجرد ردة

فعل مبارشة بسبب عدم

حصوله عىل جائزة نوبل

لآلداب، والتي كانت من

نصيب الكاتب البريويف ماريو

بارغاس يوسا، لكنه ظل حدثا

مييل لإلثارة أكرث مام مييل

للصمت.

تذكرت إذا أدونيس ونيته

اعتزال كتابة الشعر، وهو

القائل يف مقدمة ترجمة

أشعار ترانسرتومر املشار إليها

أن »الشعر هو الذي »يخلق«

الواقع«، فقارنته بالكتاب والشعراء الحقيقيني الذين مل

تصل بهم الجرأة وصالبة املوقف واإلميان مبفعول الكلمة

إىل تطليق الكتابة الشعرية أو ادعاء الكامل الشعري

بعد أن بلغ العمر بهم عتيا، ورمبا كان ترانسرتومر نفسه،

الذي أعاد أدونيس قراءة ترجمته آنفة الذكر، واحدا من

األمثلة الجلية والدالة عىل ذلك، حيث أصيب بجلطة

دماغية وشلل نصفي عام 1990 حرمته القدرة عىل الكالم

ومامرسة الحياة كام يف السابق، لكنها مل تكن كفيلة بثنيه

يف أي حال من األحوال عن اجرتاح الكتابة ومواصلة

االلتحام بالشعر.

مهنة الشعريف الحقيقة، مل يكن أدونيس يوما من

طينة الذين يفقدون إميانهم بجدوى

الشعر وطاقاته الالمحدودة، أو هذا

ما تعكسه كتاباته وتنظرياته الشعرية

عىل األقل طوال العقود املاضية، بل

عىل العكس ظل مدافعا عن فكرة أن

القصيدة أعىل وأرفع درجات اإلبداع،

لكني مل أنظر إىل حاله وأمره من

زاوية العمر وعداد السنني فحسب،

أو ما دفعه يف حقيقة األمر لإلدالء

بهكذا ترصيح اعرتايف مل تزل قراءته

املوضوعية غري مكتملة متاما، بل من

الشعر ليس وظيفة تنتهي بالتقاعد، وما

أتى عليه أدونيس يقترب من كونه

مناقضة لفكرة كان قد التقطها في بيان

الحداثة »الشعر بحسب الرؤية الدينية، وظيفة«

Page 103: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 103

زاوية ما يرتاكم يوميا من أحداث ومواضعات وجودية

وتاريخية ال ولن تقف عند حد معني أو يعيق تقدمها

عارض، مبقدار ما تفتح آفاقا جديدة ومتعددة أمام

الشاعر الحقيقي لاللتحام بها ومعاينتها شعريا، كام تتيح

له الفرصة تلو األخرى يك يوسع تبرصاته حيال األشياء،

ويعيد النظر من حني إىل آخر يف مسلامته وطروحاته

بتعمق أو يراجعها يف ضوء ما يستجد، وهي مراكامت

يقرتب تفحصها من حدود الواجب األخالقي عىل كل

شاعر، فيام يبدو أن أدونيس عمي أو تعامى عن هكذا

واجب.

ما يقتيض االنتباه، ورغم زعمه اكتامل الدورة بكل

تنويعاتها شعريا ومبعنى الكامل، إال أن جانبا آخر يف

ترصيح أدونيس غفل عنه كثريون أو مل يتنبهوا إليه كام

يجب إال تلميحا، أال وهو ربط اعتزاله كتابة الشعر برشط

االنتهاء من مرشوع شعري يعكف عليه، من دون اإلفصاح

عن ماهية هذا املرشوع أو طبيعته، وإمنا اكتفى باإلشارة

إىل أنه »قيد العمل يف الطباعة«، مؤكدا يف ذات السياق

»سأختتم به كتابتي الشعرية بحرص املعنى، وسأتوقف

بعد هذا وهو قيد اإلنجاز، وبعدها لن أقول الشعر عىل

اإلطالق بحرص املعنى كشعر، أي إنني لن أكتب كتابايت

العادية، ولكن سأتوقف عن الشعر«. بيد أن الشعر ليس

مهنة أو وظيفة رسمية تنتهي باالعتزال والتقاعد، وما

أىت عليه أدونيس يقرتب من كونه مناقضة رصيحة يف

أحد جوانبه لفكرة كان قد التقطها محقا قبل ذاك يف

بيان الحداثة، حني اعترب »الشعر بحسب الرؤية الدينية،

وظيفة«، مبعنى أنه وسيط حامل لرؤى وتأويالت ورسائل

مقررة سلفا يدير الشاعر منظومتها، وبالتايل ينتفي الشعر

والشاعر معا بانتفاء الوظيفة، فيام جادل أدونيس يف أكرث

من موقف لنقض هذه الرؤية وإثبات عكسها، ألنها تجرد

الشعر من فاعليته وتفيض بالنهاية إىل عزلته وموته.

ال يكاد يجرؤ شاعر عىل االعرتاف بأنه كتب قصيدته

العظمى أو الكربى، ألن مرجل هذا الهاجس يظل يدور

يف أعامقه، والشاعر مدرك لهذه الفرضية عىل أكمل

وجه، وموقن بأن القصيدة التي يشتهيها ال تزال مختزنة

بشكلها الخام أو النهايئ ومل تنكتب بعد، وبأنها فوق هذا

وذاك مرهونة مبستقبلها وطامحة إليه. هذه الفرضية،

أو الجزء الباطن من الحقيقة، هي وقود الشاعر ملواصلة

استنهاض امللكة الشعرية وامليض يف اجرتاح الشعر حتى

آخر رمق، فيام اعتزال أدونيس يشري مبعنى ما إىل أنه

كتب قصيدته الكربى ومل يعد يف جعبته ما يضيفه، رغم

نفيه القاطع لفكرة انتهاء معينه الشعري، بينام الشاعر

الحقيقي يعيش قلق القصيدة الكربى ويرزح تحت وطأة

مشاكساتها واعتصاراتها عىل حساب الوصول إىل ذروة

الرضا. أما حول اكتامل الدورة الشعرية والتوقف عن

كتابة الشعر أو اعتزاله، فهو ترصيح ال يخلو من الجرأة

كام أسلفت، وليس ملقى عىل عواهنه، بل قد يعطي

للوهلة األوىل انطباعا زائفا وملتبسا عام خلفه أدونيس

من إرث شعري، ذاك أنه ينطوي عىل اعرتاف رصيح

Page 104: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 104

ومبارش بانخامد النار التي ظنها أدونيس أزلية، وعىل نأي

بالنفس عن معرتكات الساحة الشعرية العربية يف وقت

هي أشد ما تكون بحاجة فيه إىل وجود الرواد واملؤسسني

لحداثتها، بينام يكتفي بعض الشعراء بالتوقف يف لحظة

ما، واالنفصال بهدوء عن كل ما ميت للشعر بصلة.

الشاعر ممثالأضف إىل ما سبق، وحيث إن أدونيس امتلك الجرأة عىل

إعالن توقفه عن كتابة الشعر، أرى أنه بحاجة إىل مواصلة

اإلمساك بناصية الجرأة ذاتها، ومامرسة نوع من النقد

الذايت عرب إجراء مراجعات عميقة ملفاصل حساسة يف

مسريته الشعرية وإشكالياته الفكرية املتجددة، ال سيام

ترصيحاته األخرية وآراؤه الضبابية حيال األحداث التي

يعيشها بلده سوريا، وهي ما قد تختزنه وتبوح به سريته

الذاتية التي يعكف عىل كتابتها. لنئ صح هذا االكتناه،

فأنني أسمح لنفيس برسم سيناريو مغاير بعض اليشء

ينطلق من افرتاض أن آخر ما أبدعه أدونيس يف ميزان

الشعر مقارنة بعموم منجزه كان منذ نحو عقدين عىل

وجه التقريب، وال أريد لكالمي هذا أن يفهم مبعنى

»انتهاء« أدونيس الشاعر قبل عرشين سنة أو يف معزل

عن أدونيس »الظاهرة«، بل من حيث إنه - وفق منظور

االعتزال الشعري الذي تبناه

وساق مسوغاته - كان حقيقا

مبهرجان اعتزال منذ نحو عقدين

من الزمن، أي وهو يف أوج تحفزه

وتألقه الشعريني، إذ ما لبث يكرر

نفسه تاليا بال مقرتحات شعرية

جديدة، ومن دون أن يقدح يف

الشعرية العربية نريانا متأججة

مقارنة بالسابق، كام أكد عىل

ذلك غري واحد من النقاد، مثل

صبحي حديدي الذي اعترب »أن

أدونيس انتهى شعريا«، كام أشار

يف إحدى الحوارات التي أجريت

معه إىل أن »أدونيس مرشوع

شعري كبري كان يفرتض أن يتطور كام تطور شعراء

آخرون«، مضيفا »رمبا منجز أدونيس توقف قبل 10

سنوات ورمبا 15 سنة، لست قادرا عىل الجزم«.

الشعر ال ينضب يف معني الشاعر الحقيقي، وال يستطيع

هو نفسه أن يقاوم أو يخمد استفاقته يف أعامق الروح

ومواصلة استخراج املخبوء، ألنه يعيش الشعر حتى وإن

ضن أو قرص يف تهريبه إىل حيز الكتابة، ويظل فوق هذا

ه الشعري الذي ميور يف دواخله، وذاك مسكونا مبحتد

لكن هل باستطاعة أدونيس أن يركن إىل الصمت، وأن

يطارح نزوة عدم كتابة الشعر فيام تبقى من حياته،

ملغيا اقرتانه الوثيق به؟ ناهيك عن حقيقة أن الشعر جزء

من املامرسة الثورية، حاله يف ذلك حال باقي الفنون،

والشاعر الحقيقي يبدع حني يواجه أزمات شعرية كربى،

وال أحسب أن األزمات الشعرية الكربى تنتهي، خصوصا

ما مير به الشعر العريب يف الوقت الراهن. بهذا املعنى،

تدفعني هذه النقطة املفصلية إىل اعتبار أن التوقف عن

كتابة الشعر يف حالة أدونيس ال يعني بالرضورة فقدان

الشاعر مللكة الكتابة الشعرية ونضوبها لديه، وهو ما

أكده أدونيس بنفيه النتهاء معينه الشعري، لكنه قد يشري

من زاوية أخرى وعىل نحو خاص إىل انعدام األزمات

الشعرية الكربى يف حياة الشاعر،

وإضامره لتلك الحقيقة التي

يتعذر عليه قبولها بتلك السهولة

والبساطة، فيام هي تودي به

شيئا فشيئا إىل االنكامش وفقدان

القدرة عىل املواكبة والتجدد.

من جهة مقابلة، اعتزال أدونيس

- كظاهرة - أيضا »رضبة معلم«

ال تخلو من بعض الغلواء، وذلك

لجهة حاجته اآلنية إىل معرفة

وتلمس ومواصلة اختبار ما سوف

يرتكه رحيله عن الساحة الشعرية

آجال أم عاجال. إنه مساءلة

استباقية لتاريخه اآليت، واختبار

لم يلجأ أدونيس بالمحصلة إلى

استخدام »تقية شعرية« جديدة، وال أجد تبريرا لـ»شبهة« ترجله عن صهوة الشعر سوى

أنه أعلن عن »نيته« ال »قراره« اعتزال الشعر

جدل

Page 105: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 105

قيمة الحضور عرب إشاعة الغياب، وصون للسرية الشعرية

من نذر االبتذال.

يشري إدوارد سعيد يف »متثيالت املثقف« إىل أن املثقفني

هم »أفراد ينطوون عىل موهبة فن التمثيل« وأدونيس

املثقف والشاعر - عىل هذا النحو - ال ميثل فقط وإمنا

يبدع يف أداء أدواره، بل قد يبالغ أحيانا كثرية يف الخروج

عىل النصوص والسيناريوهات الجاهزة، كام حصل يف

إعالن اعتزاله الذي ال يبدو أكرث من فقاعة، وأنه بني

حتام عىل قصد زائف ال مبحض الصدفة الفارزة، فالقارئ

الجيد والجاد ملنجز أدونيس بشقيه: الشعري والتنظريي

يدرك إىل أي درجة ناقض نفسه، ونسف بالضبط ما ظل

يعمل عليه ويحفر بغية تأصيله عىل مدى عقود من

الزمن، ويساجل من أجله بصورة قاطعة، كتأكيده يف

بيان الحداثة مثال عىل أن »الشعر تحديدا أزمة. فهو دامئا

جدل، رصاع بني الشاعر ونفسه، بينه وبني اللغة، بينه

وبني األشياء«. فهل هذا هو حال أدونيس اآلن؟! إذا كان

صاحب »الثابت واملتحول« قد اعتزل كتابة الشعر حقا،

ماذا نسمي بعض نصوصه ومقطعاته التي يالمس بعضها

»الكتابة الشعرية نرثا« وما زال حريصا ومواظبا عىل

نرشها من حني إىل آخر يف جريدة »الحياة« تحت زاوية

»مدارات« بعد ذلك التاريخ، أي بعد تاريخ إعالنه اعتزال

كتابة الشعر، مثل قوله يف إحداها »ما أفقر الضوء الذي

يضيئنا، اليوم: ترفق به أيها العراء« »٢٨ يونيو ٢٠١٢«، بل

ذهب أبعد من ذلك، فنرش مقاطع شعرية موزونة، من

قبيل »إن للدهر ثلجا/ يتساقط من كل صوب،/ ويفرخ

يف كل حقل: سواء/ إن أردت، وإن مل ترد./ال تسل، ال يهم

سؤالك: من أين يأيت،/ إىل أين مييض؟« »٣مايو ٢٠١٢«.

مل يلجأ أدونيس باملحصلة إىل استخدام »تقية شعرية«

جديدة، وال أجد تربيرا لـ»شبهة« ترجله عن صهوة الكتابة

الشعرية سوى أنه أعلن ببساطة عن »نيته« ال »قراره«

اعتزال الشعر، والفرق بينهام شاسع ال ريب، فيام يخيل

إيل أن التأويالت مل تعد مفتوحة عىل وسعها كام يف

السابق، ومل يعد الرهان كذلك قامئا عىل نوايا أو حتى

قرارات أدونيسية جديدة، لكن جل ما أخشاه أن يتطاول

فعل أدونيس »االعتزايل« مع مرور الزمن ويتحول إىل

أمثولة أو قيمة مطلقة يقتدي بها الشعراء ويسريون عىل

منوالها

لوحات ألدونيس

أدونيس حين يترجل

Page 106: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 106

سركون بولص في سان فرانسيسكو

الباحث عن ذهب الشعر

سان فرانسيسكو هي المدينة التي ذهب إليها الشاعر العراقي سركون بولص متخففا من كل شيء إال من هذه المدينة هي الورشة الكبيرة التي كان يشتغل فيها على حياته التي وضعها بعناية كبيرة على الورق.

قصائده. وعاش حياته وشعره فيها قريبا من كبار شعراء أمريكا.

عبد الرحيم الخصار

خارج السرب

Page 107: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 107

جلست بعد ساعات من التجوال عىل كريس

يف مقهى »أمبوريورويل« بساحة »يونيون

سكوير«، ناظرا جهة هذه البناية املذهلة لفندق »سان

فرانسيس«، حيث الحامم يطري من مكان آلخر باحثا عام

تبقى من حلوى عىل الطاوالت، أدركت أول األسباب التي

جعلت قدمي رسكون بولص تعلقان برشاك هذه املدينة

طوال هذه السنوات.

إنها الحرية، سان فرانسيسكو مدينة الحرية بشكل

مذهل، أكرث مدن أمريكا تحررا وانفتاحا وتسامحا مع

اآلخر ومع ما يريده ويحلم به، وهذه الحرية هي ما

يجعل األدب والفن ينموان ويتسامقان متاما مثل أشجار

السكويا العمالقة التي ال مكان لها إال يف كاليفورنيا، يقول

يف حوار مع مارغريت أوبانك: »سان فرانسيسكو مركز

اإلبداع يف أمريكا، بل مركز أمريكا«.

لعله جلس هنا مرارا ورفع عينيه إىل متثال النرص العايل

الذي يتوسط الساحة، متحسسا ما يحمله يف جيوبه من

هزائم ومن حنني وقصائد كانت تسري معه حيثام سار يف

شوارع وأحياء هذه املدينة هو القادم إليها من كركوك

الضاربة يف التاريخ ويف املعارك أيضا:

»كريس جدي ما زال يهتز عيل

أسوار أوروك

تحتـه يعرب النهر، يتقـلب فيه

األحياء واملوىت«.

هذه هي سان فرانسيسكو املدينة التي هدأت بعد تاريخ

من الزالزل، كتب عنها رسكون قبل أن يصل إليها يف أواخر

الستينيات، وحني وصل إليها وجدها شبيهة مبا تخيله

وتصوره عنها آنذاك: املوسيقى يف كل مكان، القصائد

املتمردة، الياقات العريضة والشعر الطويل واملالبس التي

يحركها الهواء مثل رايات تدل عىل الزمان، زمان الهيبيني

بأحالمهم وجنونهم، أولئك الذين انضم إليهم ورقص

معهم عىل أغاين بوب دايلن. رمبا تغريت املدينة اآلن

مثلام تغريت معظم مدن العامل، األجيال التي عاش معها

باألبيض واألسود ليست هي األجيال التي تدب اآلن يف

شوارع املدينة وأحيائها، عرب جرس البوابة الذهبية أو يف

حافالت الكابل أو مشيا عىل األقدام يف »توين بيكس« ويف

شارع »ملباردو« املتعرج بشكل غريب والفت.

ذهب الشعرهذا هو حي »فلمور« الذي كتب عنه يف »حانة الكلب«

يف منتصف السبعينيات، لكني ال أعرف أين يوجد دكان

صديقه الفلسطيني املسيج بالقضبان، أال يزال حيا؟

أال يزال دكانه مسيجا منذ ذلك العهد؟ »فلمور« يضج

بالزنوج والجاز وباآلسيويني الذين تجدهم يف كل مكان،

جاء بهم الذهب حني تم اكتشافه هنا يف منتصف القرن

التاسع عرش. الحي الصيني أو البلدة الصينية عىل األرجح

هي أكرب تجمع آسيوي ليس يف سان فرانسيسكو فحسب،

بل يف أمريكا برمتها، فعدد سكانها يتجاوز هنا املائة ألف.

عىل مقربة من هذه العيون الضيقة استأجر رسكون غرفة

رخيصة يف أول عهده باملدينة التي وصل إليها هاربا من

ناطحات السحاب يف نيويورك ومن حياتها التي بدت له

حياة غري شعرية.

الالتينيون أيضا يعيشون هنا خصوصا املنحدرين من

املكسيك التي ال يفصلها عن سان فرانسيسكو سوى

التحليق لفرتة قصرية فوق املحيط الهادئ. مل يكن يف

سان فرانسيسكو قبل 1848 سوى ألف من الساكنة، لكن

هذا العدد سيتضاعف عرشات املرات بدءا من العام

املوايل مبارشة بعد اكتشاف الذهب، وهؤالء الصينيون

واليابانيون والالتينيون واألوروبيون بطبيعة الحال جاء

سان فرانسيسكو المدينة التي كتب عنها سركون

قبل أن يأتي إليها في أواخر الستينيات، وحين وصلها وجدها شبيهة بما تخيله

وتصوره عنها آنذاك

حني

سركون بولص

Page 108: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 108

أجدادهم إىل هنا من أجل الذهب، لكن رسكون بولص

جاء به ذهب آخر، إنه الشعر.

يوسف الخال الذي قال له »مكانك يا رسكون يف

بريوت« هو الذي سيساعده حتى يصري له مكان آخر يف

أمريكا، يف نيويورك أوال، ثم يف سان فرانسيسكو، بعد أن

حجزت له إيتيل عدنان التي كانت تقيم بسان رفائيل يف

كاليفورنيا تذكرة الطائرة من نيويورك إىل مدينة الذهب:

»طوال سنوات، تجرين اليقظة من ثيايب

إىل أماكن مل يرها أحدإال نامئا او مخمورا

أكتب باليد التي هجرتني

وليك أرى هذا املصباح الذي وجدته

مليئا بالرمل يف إحدى أصعب رحاليت

ييضء حتى مرة واحدة«. وعرب هذه البوابة ذات السقوف الخرضاء التي يعلوها

تنينان وسمكتان كان »حامل الفانوس يف ليل الذئاب«

مير يوميا خارجا من غرفته بالفندق عابرا البلدة الصينية

باتجاه »سيتي اليتس« منجم الذهب الخاص به. حني

تجتاز الدرجات الثالث للبوابة سواء من ناحية اليمني أو

اليسار أوعرب الشارع الذي يتوسط الطرفني ستجد نفسك

تحت الرايات الحمراء وبني »األنتيكيات املزيفة« كام

سامها رسكون، لكن وسط عامل يضج بالحياة والحركة

واألصوات والروائح وبكل السحر الذي ميأل سامء الرشق

األقىص، وهناك كان يتناول الطعام الذي يخيل آلكله أنه

– عىل حد تعبريه- يشارك يف مأدبة جديرة باآللهة.

يرتك الصينيني خلفه متجها إىل »أضواء املدينة« حيث

سيلتقي عىل مدار سنوات يف هذه املكتبة الرائدة بأولئك

الذين كانوا مبثابة املغناطيس الروحي الذي جذبه من

كركوك إىل »الساحل الشاميل« تحديدا حيث تشكل هذه

املكتبة زاوية مهمة ليس يف شارع كوملبوس فحسب، بل

يف جغرافية األدب األمرييك عموما: ألن غينسربغ، جاك

كريواك، بوب كوفامن، غريغوري كورسو، غريي سنايدر

وغريهم، إضافة بطبيعة الحال إىل لورنس فريلنغيتي

مالك الـ »سيتي اليتس«. هنا يف الطابق الثاين ويف »غرفة

الشعر« تحديدا قدم له زعيم »البيت« ألن غينسربغ يف

أول لقاء به قصيدته الشهرية »عواء« وقد أسعده كثريا أن

هذا الشاب اآلشوري ترجم له من قبل نصوصا أخرى.

هذا هو الحيز الخاص بأدب »البيت«، مل يتغري منذ ذلك

التاريخ، فقط الطبعات تتجدد عاما بعد عام، ومن هذا

الرف أخذ غينسربغ قصيدته »عواء« وقدمها لرسكون

الذي استغرق وقتا طويال يف ترجمتها، نظرا لتشابكها

املركب مع املكان ومع حياة وتصورات »جيل البيت«،

وهذا النوع من النصوص ال ينقله إىل لغة أخرى إال من

خارج السرب

كان سركون يرى أن سان فرانسيسكو جمعت في

تركيبتها بين باريس وبرلين ولندن وروما والصين أيضا،

وأن كتابها حقيقيون

ألن غينسبريغجاك كريواك

Page 109: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 109

عاش قريبا من السياق الذي أنتج فيه، رسكون مل يكن

قريبا فحسب، بل كان داخل الدائرة.

كانت الـ »سيتي اليتس« هي اإلقامة الحقيقية لرسكون،

غري مكان سكنه مرارا، لكنه كان ساكنا عىل مدار سنواته

هناك يف الطوابق الثالثة لهذه املكتبة، ويف معظم الوقت

يف »غرفة الشعر«، حيث ميكن ألي زائر أن يختار كرسيا

ويفتح أي كتاب يشاء ويجلس هناك برفقته من دون أن

يقول له أحد »مينع أن تقرأ الكتب«، فهذه املكتبة التي

ارتبطت بكتاب »البيت« مثلام ارتبطوا بها تطبع الكتب

وتبيعها وتتيح أيضا للجميع قراءتها باملجان.

كان يخرج من الـ »سيتي اليتس« ويتحرك بضعة

أمتار قليلة جهة اليمني حيث مرشب »فيزوفيو« الذي

كان املكان األثري لشعراء »البيت« ومحبيهم، كان أيضا

مبثابة مضافة ألصدقائهم الكتاب اآلخرين القادمني من

داخل ومن خارج أمريكا. سألت النادل الذي يبدو أنه

تجاوز عقده الخامس عن مكانني فدلني عليهام: كريس

كريواك وطاولة كوفامن حيث كان يجلس صامتا حزنا عىل

اغتيال كنيدي وطالبا من رسكون أن يضع قطعة نقدية يف

»الجوك بوكس« ليسمع املوسيقى. رمبا يكون هذا النادل

قد عاش زمن »البيت«، ورمبا يكون قد سمع عنه من

أسالفه هنا، فحكايات كريواك وغينسربغ واآلخرين صارت

متداولة ومعروفة لدى سكان سان فرانسيسكو وتحديدا

لدى رواد شارع كولومبوس.

حياة يف سفينة مهجورةوإضافة إىل شعراء »البيت« كان بولص يرتدد عىل رمز

آخر ينظر إليه باحرتام كبري هنا، إنه رائد نهضة سان

فرانسيسكو كينيث ريكرسوت، الشاعر والكاتب الذي قال

عنه: »لقد كان عبقريا ورجل معرفة بامتياز«.

كان رسكون يرى أن سان فرانسيسكو جمعت يف تركيبتها

بني باريس وبرلني ولندن وروما والصني أيضا، وأن كتابها

حقيقيون وليسوا مثل كتاب نيويورك، وأن هواءها

يختلف عن هواء املدن األخرى، فهنا ميكنك أن تتنسم

حريتك بجرعات أكرب. هذا هو حي الـ »هايث أشبوري«

الذي عرف أكرب موجات الهيبزم حيث كان بإمكان الفرد

أن يفعل ما يشاء يف أي وقت يشاء وبأي شكل يشاء، ال

زالت رسوم الهيبيني متأل جدران الحي، هذه الفتاة التي

تتدىل من شعرها األحمر الثعابني منذ عهد بعيد عىل هذا

الجدار املقابل للشارع فمها مفتوح بشكل مخمور كأنها ال

تزال منتشية بتلك الذكريات القدمية التي كان الـ »هايث

أشبوري« مرسحا لها، ال زال الهيبيون يفدون إىل هذا

الحي من داخل وخارج أمريكا ويجلسون عىل األرصفة

ويف املقاهي بقيثاراتهم مستعيدين صور أسالفهم الذين

مألوا املكان بأغانيهم وبفوضاهم أيضا خالل الستينيات

والسبعينيات. مل تكن الهيبيز هنا مجرد قرط يف األذن أو

شعر مسدول أو سحابة ماريخوانا أو قيثارة عىل الظهر،

كانت فلسفة حياة تلتقي فيها الفكرة بالشكل وبالشعر

واملوسيقى والجنون.

هذه هي مقهى »بوينا فيزتا« التي متر أمامها حافالت

الكابل الفريدة، ومن هنا رأى رسكون جزيرة »ألكرتاس«

التي ذهب إليها الحقا مع إيتيل عدنان ومع الهنود

رفقة »فالو« الفتاة ذات الضفرية الطويلة التي كتب عنها

كتاب البيث امام الستي اليتس

Page 110: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 110

قصيدته »قارب إىل الكرتاس«. كانت هذه الجزيرة سجنا

فدراليا ألكرب وأخطر املجرمني، وصارت منذ 1963 مزارا

سياحيا يعرب إليه الزوار عرب املراكب، ويجب عليك إذا

أردت الذهاب للكرتاس أن تحجز تذكرتك قبل أيام.

ذهب رسكون عرب القوارب إىل ألكرتاس مع الهنود يف

تظاهرة من أجل أن تكون هذه الجزيرة ملكا لهم، ال

ألحد آخر.

من هذا املرتفع يبدو جرس الباي الذي يربط سان

فرانسيسكو بأوكالند ومن ثم بربكيل، املدينة التي سار

فيها رسكون مع الطالب املناهضني للحرب عىل الفيتنام،

ومن ثم عقد صداقته مع الهيبيني الذين أخذوه معهم إىل

حيث يعيشون قريبا من سوساليتو، وعاش معهم لفرتة يف

سفينة مهجورة.

عرب هذه الشوارع واألحياء وسط من يسميهم »جيش

املستهلكني« كان يجول متعقبا قصيدته، باحثا عن

سيدوري التي سامها »ربة الظروف العارية«:

»أنت

هذه الغنيمة التي عدت بها

من أسفاري املتقطعة

وثني املرسوق من غابة الربابرة«.أسئلة كثرية طرحها رسكون هنا حول الشعر الذي يحلم

به والذي ذهب إليه متخففا من كل يشء إال من حياته

التي وضعها بعناية كبرية عىل الورق. هذه املدينة هي

الورشة الكبرية التي كان يشتغل فيها عىل قصائده، لست

أدري متى كان يكتبها، الراجح أنه كان يختار الليل، ذلك

ما تقوله كلامته:

»يف الليل وحده أستطيع أن أنادي

من أريده أن ينادمني، إىل هذه املأدبة الصغرية يف عراء

أيامي«.رمبا كان ينادي كلامته فحسب، فهي النديم الذي يجعله

أكرث تيهانا يف ممراته ومعابره امللتوية واملخمورة، رمبا

يف نصه »تحوالت الرجل العادي« يبدو الجواب مغلفا

باستعارة:

»أنا يف النهار رجل عادي

يؤدي واجباته العادية من دون أن يشتيك

كأي خروف يف القطيع لكنني يف الليل

نرس يعتيل الهضبة

وفريستي ترتاح تحت مخالبي«.يف »عظمة أخرى لكلب القبيلة« يأيت الجواب

واضحا: »أسهر يف قصيديت حتى الفجر، كل ليلة«.

يف الليل إذا، يف ليل هذه املدينة كتب الكثري، الكثري من

كلامته القليلة، بعد كركوك وبغداد وبريوت، وقبل لندن

وبرلني. هذه هي املدينة التي سحرت رسكون بولص، ال

زال الشعر يرسي يف هوائها عاقدا صداقته األبدية مع

املوسيقى، كأن رسكون مل ميت، كأنه ال زال هناك نامئا يف

مركب نوح أو جالسا يف فيزوفيو يسمع أغاين البيتلز،

ويفكر يف قصيدة جديدة، كأنه ال زال يجوب بسيارته

الكابريس ليل كاليفورنيا ونهارها، ويقف يف شارع

الـ»كامينوريال« الذي عربه كهنة املكسيك فيام مىض

مشدودا إىل تلك اليافطة التي جعلته يعود إىل الشعر،

اليافطة التي كتب عليها بخط واضح »حانة الكلب«.

وكأنني كنت برفقته من حديقة البوابة الذهبية إىل

الجرس األحمر.

ترك رسكون هذه املدينة يف السنوات األخرية من حياته،

سان فرانسيسكو التي كان يقول بأنه مل يشعر فيها بامللل

ولو لدقيقة واحدة، لكنه غادرها باتجاه آخر مقتفيا أثر

الحياة، طريدته التي مل يكن القبض عليها أمرا ممكنا عىل

ما يبدو:

»ال مكان يحلم بوصويل

والحياة

طريديت الخائفة«.غادر سان فرانسيسكو ألن سؤاال سرين يف داخله،

وسيطرحه يف آخر كتاب له:

»أينها؟ أين أمريكا التي عربت البحر آلتيها، أنا الحامل؟

هل ستبقى أمريكا ويتامن حربا عىل ورق؟«انتهت أيامي هنا وعيل أن أعود من حيث أتيت، لكن

خطوايت ستبقى هناك تتعقب شاعرا كان يرى أن البضاعة

الوحيدة التي تشبه الذهب هي الطريق. أعود ويف داخيل

ترتدد جملته التي تشبهه: »خطانا دلتنا إىل الباب لكن

أقدامنا ظلت تسري«

خارج السرب

Page 111: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 111

قصائد

ثيسار باييخواختارها وترجمها عن اإلسبانية: أحمد يماني

مختارات

Page 112: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 112

ثيسار باييخو أحد أكرث الشعراء تفردا وتجديدا يف الشعر اإلسباين والعاملي يف القرن العرشين، يتميز شعره بنربة شخصية تصل إىل مستوى جمعي يف تضامن مع األمل اإلنساين واالنشغال العام بالهم السيايس، مبتعدا بهذا عن الثنائيات

الساذجة التي تفصل االنهامم الشخيص عن الجامعي وتسعى للتفريق بني الشاعر العام والخاص، ينتظم كل هذا يف

لغة مفتوحة عىل جميع الرخص والحريات وعىل جامليات متتح من كل ما يتوافر أمامها وال شك أن باييخو من أصعب

الشعراء يف اللغة اإلسبانية فقد شق لنفسه طريقة يف األداء اللغوي تبدو عصية عىل التلقي العادي لها، ومن هنا نرى

كرثة الرشوحات والتأويالت واالختالفات الهائلة يف فهم وتفسري جمله املتواترة يف شكل سحري رمبا، فاملفردة بالنسبة له

تحمل قوة غامضة يف ذاتها وال يتوان عن تكسري التسلسل املنطقي للزمن الفعيل والزمن النحوي.

ولد يف سانتياجو دي تشوكو »بريو« عام 1892 وتويف يف باريس عام 1938. كان األصغر بني إخوته األحد عرش، وقد

فكرت عائلته أن توجهه ناحية السلك الكهنويت، وقد يفرس هذا الحضور الوافر يف شعره للمفردات اإلنجيلية والدينية

وانهاممه مبعالجة مسألة الحياة واملوت والتي تحمل بال شك خلفية دينية عميقة.

بدأ عام 1915 دراسة الفلسفة واآلداب يف جامعة تروخيو ودراسة القانون يف جامعة سان ماركوسل يف ليام، لكنه هجر

الدراسة يك يعمل بالتدريس.

نرش كتابه الشعري األول »النذر السود« عام 1918 ويرى فيه بوضوح التأثريات الحداثية وخاصة تأثري »خوليو إيريرا«

و»روبني داريو« و»ليبولدو لوغونيس«، عىل أن الكتاب كان أيضا أساسا ملا سيكون عليه شعره بعد ذلك.

يف عام 1920 يتم اتهامه ظلام بالرسقة وإشعال الحرائق خالل االنتفاضة الشعبية البريوفية ويحكم عليه بالسجن ملدة

ثالثة شهور وهناك يكتب جزءا من كتابه الثاين »تريلثي« والذي نرش عام 1922.

انتقل إىل باريس عام 1923 وهناك تعرف عىل الشاعر التشييل الكبري بيثنتي ويدوبرو وعىل الرسام والنحات اإلسباين

الشهري خوان غريس، وعمل بالصحافة كام أنشأ مجلة أدبية. زار موسكو عدة مرات أعوام 1928 و1929 و1931

وهناك التقى ماياكوفسيك. سافر إىل إسبانيا حيث ظهرت الطبعة الثانية من »تريلثي« واستقر يف مدريد ملدة قليلة

ونرش روايته االجتامعية »التنجسنت« »عنرص كيميايئ يستخدم يف صناعة األسالك املتوهجة« عام 1931. انضم للحزب

الشيوعي اإلسباين وعاد إىل باريس حيث عاش يف الخفاء، وعندما اندلعت الحرب األهلية اإلسبانية قام بتجميع األموال

يف باريس من أجل الجمهوريني ومات قبل نهاية الحرب يف أشد الظروف معاناة وصعوبة.

بعد وفاته قامت زوجته الكاتبة الفرنسية جورجيت بتجميع قصائده وقد لعبت دورا يف منتهى األهمية يف الحفاظ عىل

تراث باييخو ونرش كتابه »قصائد إنسانية« بعد وفاته عام 1939 ثم كتابه الشعري اآلخر »إسبانيا، أبعدي هذه الكأس

عني« عام 1940.

بقي أن نشري إىل معنى كلمة »تريلثي« وهو عنوان الديوان الثاين للشاعر، ويف الحقيقة مثة عدة نظريات تتناول األمر

ولعل أقربها التأويل القائل إن الكلمة تتألف من كلمتني هام Triste مبعنى حزين وDulce مبعنى عذب، عىل أن

باييخو نفسه يقول يف إحدى املقابالت معه إن الكلمة ال تعني شيئا، لقد أراد وضع عنوان مناسب لكتابه وملا مل يجد أي

عنوان مالئم قام باخرتاع هذه الكلمة.

مختارات

Page 113: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 113

تريلثي

1

من يحدث الكثري من الجلبة وال يرتك أية شهادة

عىل الجزر التي تأخذ يف التبقي.

قليل من االعتبار أكرث

حاملا يكون الوقت متأخرا، مبكرا،

ويعري أفضل

سامد الطيور، النتانة البسيطة الغائطية

التي ترشب النخب من دون قصد،

يف القلب الجزيري،

قطرس أجاج، يف كل وابل من البزقات.

قليل من االعتبار أكرث،

والسامد العضوي السائل، يف السادسة مساء

من أكرث االنخفاضات النغمية غطرسة

وشبه الجزيرة تقف

عرب الظهر، مكممة، غري عابئة

يف الخط القاتل للتوازن.

2

وقت وقت.

ظهرية آسنة بني الطل.

قنبلة ضجرة من املعسكر تقتل

وقت وقت وقت وقت.

كان كان.

ديوك تصيح وتنقب عبثا.

فم النهار املرشق الذي يوحد.

كان كان كان كان.

الغد الغد

الراحة الساخنة ال تزال كائنة

يفكر الحارض يف إبقايئ إىل

الغد الغد الغد الغد.

اسم اسم.

ماذا يسمى عندما يجرحنا؟

يسمى »لوميسمو« الذي يعاين

اسم اسم اسم اسم.

3

األشخاص الكبار

يف أية ساعة يعودون؟

يدق سانتياجو األعمى الساعة السادسة

وها هي قد أظلمت متاما.

قالت أمي إنها لن تتأخر.

أجيديتا، ناتيبا، ميجيل،

حذار من الذهاب إىل هناك، حيث

مرت لتوها مغمغمة ذكرياتها

أحزان متضاعفة

إىل الحظرية الهادئة، وحيثالدجاجات التي فزعت كثريا

ال تزال تغفو.

األفضل أن نبقى هنا ال غري.

قالت أمي إنها لن تتأخر.

هيا لنبتعد عن األمل. لرنى

الشاعر ثيسار باييخو

Page 114: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 114

املراكب، مركبي هو األجمل بني الجميع!

نلعب بها طوال النهار،

من دون أن نتعارك، كام يجب أن يحدث؛

لقد بقيت يف برئ املاء، جاهزة،

محملة بالحلوى من أجل الغد.

لننتظر هكذا، طائعني،

دون حل آخر،

عودة الكبار وترضيتهم هم من يف املقدمة دامئا

تاركيننا نحن الصغار يف البيت كام لو أننا أيضا

ال ميكننا الذهاب.

أجيديتا، ناتيبا، ميجيل،

إنني أنادي، أتحسس يف الظالم.

ال ترتكوين وحدي،

وأكون أنا الحبيس الوحيد.

4

عىل حافة قرب مزهر،

متر مرميتان وهام تبكيان،

تبكيان بحورا.

نعامة الذكرى املنتوفة

متد ريشتها األخرية،

ومعها يد بطرس الرافضة

تنقش بها يوم أحد شعانني

رنني مآتم وأحجار.

عىل حافة قرب منبوش

تبتعد مرميتان وهام تغنيان.

يوم االثنني.

5

تغديت اآلن وحيدا،

بال أم وال توسل،

بال »اخدم نفسك«، بال ماء،

بال أب، يف الصالة الرثثارة لتناول الذرة،

يسأل

عن األزرار الكبرية للصوت

يف تأخر صورة األم

كيف يل أن أتغدى.

كيف يل أن أصب يف أطباق كهذه

تلك األشياء،

بينام البيت نفسه انهدم،

بينام ال تطل أم من الشفتني.

كيف يل أن أتغدى هذه التوافه.

عىل مائدة صديق طيب

تغديت ووالده القادم لتوه من العامل،

مع عمتني شائبتني

تتحدثان يف صبغتهام الشهباء الخزفية

مغمغمتني بكل تجاويفهام املرتملة؛

وبأدوات مائدة سخية ذات رنني مرح؛

ألنهام يف بيتهام. هكذا، يا للطافة!

مختارات

Page 115: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 115

وآملتني سكاكني هذه املائدة

يف سقف حلقي بكامله.

األكل عىل املوائد هذه هكذا،

حيث يتم تذوق حب غريب بدل حبك نفسه،

كل لقمة ال تقدمها األم تسقط أرضا،

البلع القايس يصبح خبطة؛

الحلو مرارة؛

القهوة زيت جنائزي.

بينام البيت نفسه قد انهار

و»اخدم نفسك« األمومية ال تخرج من القرب،

واملطبخ يظلم ويخيم البؤس عىل الحب.

عنف الساعات

مات الجميع.

ماتت دونيا أنطونيا، بصوتها األجش، من كانت تصنع خبزا رخيصا

يف البلدة.

مات القس سانتياجو،

من كانت متتعه تحية الشبان والبنات له،

مجيبا عىل الجميع، من دون متييز:

صباح الخري خوسيه، صباح الخري ماريا!

ماتت تلك الشابة الشقراء، كارلوتا،

تاركة وراءها طفال له شهور،

مات كذلك، بعد مثانية أيام من موت أمه.

ماتت عمتي ألبينا،

من اعتادت عىل التغني بأيام وعادات املزرعة،

بينام كانت تحيك يف املمرات من أجل إيسيدورا،

الخادمة املحرتفة واملرأة بالغة االستقامة.

مات عجوز أعور، ال أذكر اسمه،

لكنه كان يغفو تحت شمس الصباح،

جالسا أمام باب السمكري عىل الناصية.

مات رايو،

الكلب الذي كان يف طويل، بطلقة رصاص ال أحد يعرف

من أطلقها.

مات لوكاس، صهري يف سالم الخصور، من أتذكره حينام

متطر وليس مثة أحد يف تجربتي.

ماتت أمي مبسديس، أختي بقبضة يدي وأخي يف

أحشايئ النازفة، الثالثة مشدودون لنوع حزين من

الحزن، يف شهر أغسطس من سنوات متعاقبة.

مات املوسيقار مينديث، الطويل والثمل متاما، من كان

يعزف عىل الكالرينيت أنغاما سوداوية، عىل ألحانه

كانت تنام دجاجات حينا، قبل أن تغيب الشمس بكثري.

ماتت أبديتي وها أنا ساهر عىل جثامنها.

سوف أتحدث عن األمل

أنا ال أعاين هذا األمل كثيسار باييخو. أنا ال أتأمل اآلن

كفنان، وال كإنسان، وال حتى ككائن حي.

أنا ال أعاين هذا األمل ككاثولييك وال كمحمدي وال

كملحد. اليوم أعاين فقط.

إذا مل تنادين باسم ثيسار باييخو فسوف أعاين أيضا

األمل نفسه. لو مل أكن إنسانا أو حتى كائنا حيا، فسوف

أعانيه أيضا. إذا مل أكن كاثوليكيا وال ملحدا وال محمديا

فسوف أعانية كذلك. اليوم أعاين فقط.

أتأمل اآلن بال تفسري. إن أملي من العمق بحيث أنه ال

سبب له كام أنه ال يخلو من األسباب.

أي سبب يا ترى؟ أين هو ذلك األمر بالغ األهمية

والذي مل يعد سببا له؟

ال يشء سبب له وال يشء متكن من أال يعد سببا له.

ملاذا ولد هذا األمل،

أمن أجل نفسه؟ إن أملي من ريح الشامل ومن ريح

الجنوب،

كذلك البيض املحايد الذي تضعه بعض الطيور الغريبة

يف الريح.

لو ماتت حبيبتي فإن أملي سيكون نفسه. لو قطعوا

الشاعر ثيسار باييخو

Page 116: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 116

رقبتي من جذورها فإن أملي سيكون نفسه.

لو أن الحياة كانت، يف نهاية األمر، بخالف ذلك فإن

أملي سيكون نفسه.

اليوم أعاين من األعىل. اليوم أعاين فقط..

أرى أمل الجائع وأفكر أن جوعه مييض بعيدا من معانايت،

وأن ببقايئ صامئا حتى املوت فإن غريسة من العشب،

عىل األقل، ستطلع دوما من مقربيت. العاشق اليشء

نفسه. يالدمه الوالد، باملقارنة بدمي من دون مورد أو

استهالك!

كنت أظن حتى هذه اللحظة أن كل أشياء العامل كانت،

بالرضورة، آباء وأبناء. لكنني هنا وأملي يف هذا اليوم

ليس أبا أو ابنا. ينقصه ظهر يك يغرب بقدر ما يفيض

عنه صدر يك يرشق ولو وضعوه يف املسافة املظلمة ملا

أنار ولو وضعوه يف املسافة املنرية ملا ألقى ظال. اليوم

أعاين، حدث ما حدث. اليوم أعاين فقط.

مل يعد أحد يعيش...

مل يعد أحد يعيش يف البيت – تقولني يل-؛ رحل الجميع.

تستلقي فارغة الصالة وغرفة النوم والفناء. مل يبق أحد،

فالجميع رحلوا.

وأنا أقول لك: عندما يذهب واحد، يبقى آخر. النقطة

التي عرب منها إنسان، مل تعد وحيدة.

فقط يبقى وحيدا، وحدة إنسانية، املكان الذي مل يعرب

منه أحد. البيوت الجديدة أكرث موتا من القدمية، ألن

جدرانها من حجارة أو من حديد صلب، لكنها ليست

من برش.

يولد البيت يف العامل ليس عند االنتهاء من تشييده، بل

عندما يبدؤون بالعيش فيه. البيت يعتاش فقط عىل

البرش، كاملقربة. فقط يتغذى البيت عىل حياة البرش

بينام املقربة تتغذى عىل موتهم. لهذا فإن البيت يكون

قامئا بينام املقربة تكون منبسطة.

رحل الجميع عن املنزل، يف الواقع، لكن الجميع بقوا

حقيقة. وليست ذكراهم هي ما تبقى بل هم أنفسهم.

وليس كذلك أنهم بقوا يف البيت بل إنهم يظلون عرب

البيت. الوظائف واألعامل ترحل عن البيت يف قطار

أو طائرة أو عىل ظهر حصان، عىل األقدام أو زحفا. ما

يظل يف البيت هو العضو، الشخص يف صيغة الفاعل

والدائرة. مضت الخطوات والقبالت والغفران والجرائم.

ما يظل يف البيت القدم والشفاه والعيون والقلب.

النفي والتأكيد، الخري والرش، تفرقت مشتتة. ما يظل يف

البيت هو فاعل الحدث.

يف اللحظة التي يطلق فيها العب التنس كرته برباعة

فإن براءة حيوانية متاما تتلبسه؛

يف اللحظة التي يفاجئ فيها الفيلسوف حقيقة جديدة

يكون وحشا كامال.

يؤكد أناتول فرانس أن الشعور الديني

هو وظيفة عضو خاص يف الجسم البرشي

مجهول حتى اآلن، وميكن القول أيضا،

يف اللحظة املحددة التي يعمل فيها هذا العضو إذن

بشكل كامل

فإن املؤمن يكون متحررا متاما من الرش،

بل ميكن القول إنه نبات تقريبا.

آه أيتها الروح! آه أيها الفكر! آه يا ماركس! آه يا

فيورباخ!

أنا أضحك

حصاة واحدة، واحدة فقط، األدن من الجميع

مختارات

Page 117: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 117

تتحكم يف كامل الكثيب الرميل املشؤوم والفرعوين.

الهواء يكتسب توترا من الذكرى والرغبة،

ويصمت تحت الشمس

حتى املطالبة بعنق األهرامات.

عطش. كآبة مائية لقبيلة رشيدة

قطرة

قطرة

من القرن إىل الدقيقة.

إنها ثالث ثالثات متوازية

ملتحية بلحية سحيقة

يف حركة 3 3 3

إنه الوقت هذا إعالن عن محل أحذية كبريإنه الوقت، مييش حافيا

من املوت إىل املوت.

النذر السودمثة خبطات يف الحياة، جد قوية. أنا ال أعرف!

خبطات كبغضاء الرب؛ كام لو أن أمامها،

يرتسب راكدا يف الروح

انجذار كل املعاناة. أنا ال أعرف!

إنها خبطات قليلة، لكنها خبطات

تشق أخاديد قامتة

يف أكرث الوجوه بشاعة

وأكرث الظهور صالبة.

قد تكون أحصنة الربابرة األتيليني

أو النذر السود يرسلها لنا املوت.

هي السقوط العميق ملسيح الروح،

إلميان لطيف يجدفه القدر.

تلك الخبطات الدامية هي طقطقة الخبز

الذي يحرقنا

عىل باب الفرن.

واإلنسان بائس بائس!

يلتفت بعينيه، مثلام يحدث حني ينادي علينا أحدهم

مربتا عىل الكتف؛

يلتفت بعينني مجنونتني،

وكل ما عاشه يركد، مثل بركة صغرية من الخطيئة،

يف نظرته.

مثة خبطات يف الحياة، جد قوية. أنا ال أعرف!

بابلبيت وديع بال طراز،

أقيم برضبة واحدة

وبقطعة واحدة

من شمع عباد الشمس.

ويف البيت

هي تهد وتبني؛

وأحيانا تقول:

»املأوى جميل؛ هنا وحسب«

وأحيانا تأخذ يف البكاء!

الشاعر لحبيبته

حبيبتي، يف هذه الليلة

أنت صلبت نفسك

عىل خشبتي قبلتي املقوستني؛

وقال يل حزنك إن املسيح بىك،

وإن مثة جمعة حزينة أحىل من هذه القبلة.

يف هذه الليلة الغريبة التي طاملا

نظرت فيها إيل،

كان املوت مرحا وغنى يف عظامه.

يف هذه الليلة من سبتمرب

تم إقامة قداس سقطتي الثانية

والقبلة األكرث إنسانية.

حبيبتي، سنموت معا، معا متاما؛

وسوف تأخذ يف الجفافرويدا رويدا

مرارتنا السامية؛

وسوف تكون شفاهنا امليتة

قد المست الظل.

ولن يكون مثة عتاب يف عينيك املباركتني؛

الشاعر ثيسار باييخو

Page 118: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 118

ولن أعود إىل اإلساءة إليك.ويف أحد القبور سننام معا

مثل شقيقني صغريين.

صيفها أنذا ذاهب أيها الصيف.

ها هي أيدي أمسياتك املنقادة

تصيبني باألىس.

تأيت بورع؛ تأيت عجوزا؛

ولن تجد أحدا يف روحي.

وستميض عرب رشفايت أيها الصيف

مبسبحة كبرية من الجمشت والذهب

كأسقف حزين يأيت من بعيد

يك يبارك ويبحث عن

الخواتم املكسورة لبعض

العرائس والعرسان املوت.

ها أنذا ذاهب أيها الصيف.

هناك، يف سبتمرب

لدي وردة أعهد بها إليك كثريا؛

سرتويها مباء مبارك

كل يوم من أيام الخطيئة والقرب.

إذا ما خفق رخام الرضيح بقوة البكاء

بضوء اإلميان

فارفع ترتيلك إىل األعىل واطلب من الله

أن تظل ميتة إىل األبد.

البد أن كل يشء سيكون متأخرا؛

وأنت لن تجد أحدا يف روحي.

ال تبيك، أيها الصيف!

ففي ذلك األخدود متوت وردة

تنبعث كثريا...

باقاتمتطر هذا املساء كام مل يحدث أبدا؛

وليس يل رغبة يف العيش يا قلبي.

هذا املساء عذب. وملا ال يكون كذلك؟

يرتدي مسوح اللطف واألمل، يرتدي زي امرأة.

إنها متطر هذا املساء يف ليام.

وأنا أتذكر الكهوف القاسية لجحودي،

مكعبي الثلجي فوق خشخاشه،

أقوى من »ال تكن هكذا«

زهوري العنيفة السوداء ورضبة الحجر

الهمجية الهائلة واملسافة الجليدية.

وسيضع صمت كرامته

نقطة النهاية بزيوت محرتقة.

لهذا فإنني هذا املساء،

كام مل يحدث أبدا،

سأذهب مع هذه البومة، مع هذا القلب.

ومتر مساءات أخرى وتراين حزينا جدا،

تأخذ قليال منك

يف الثنية الغائرة ألملي العميق.

إنها متطر هذا املساء، متطر كثريا!

وليس لدي رغبة يف العيش يا قلبي!

الخطوات البعيدةينام أيب.

محياه الجليل يرسم قلبه الوديع؛

هو اآلن شديد العذوبة...

إذا كان به يشء من مرارة، فسوف أكون أنا.

مثة عزلة يف البيت، تقام الصلوات؛

وال توجد أخبار اليوم عن األوالد.

يستيقظ أيب،

يتسمع رحلة الهروب إىل مرص،

الوداع املحبوس.

هو اآلن قريب جدا؛

إذا كان به يشء من بعد فسوف أكون أنا.

وأمي تتمىش هناك يف الحدائق،

تستطعم طعام مل يعد له طعم.

هي اآلن عذبة جدا،

مختارات

Page 119: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 119

هي جناح، مهرب، حب متاما.

مثة عزلة يف البيت من دون ضجة،

دون أخبار، دون األخرض، دون الطفولة.

وإذا كان مثة يشء مكسور يف هذا املساء،

يهبط ويطقطق،

فإنهام طريقان أبيضان قدميان ومنحنيان.

من أجلهام

مييض قلبي سريا عىل األقدام.

جموعيف نهاية املعركة،

وبعد موت املحارب، جاء إليه رجل

وقال له:

»ال متت، إنني أحبك كثريا«

لكن الجثة، آه، واصلت موتها.

اقرتب منه اثنان وكررا عليه:

»ال ترتكنا، أيها الباسل، عد إىل الحياة«

لكن الجثة، آه، واصلت موتها.

جاء إليه عرشون رجال، مائة، ألف، خمسامئة ألف،

صارخني:

»الكثري من الحب وال ميكنه فعل يشء حيال املوت!«

لكن الجثة، آه، واصلت موتها.

أحاط به املاليني من البرش،

بتوسل عام:

»ابق معنا يا أخي«

لكن الجثة، آه، واصلت موتها.

حينئذ، أحاط به كل رجال األرض؛

نظرت إليهم الجثة الحزينة، متأثرة،

اندمجت ببطء،

عانقت أول رجل؛

ثم أخذت يف امليش.

الوحوش التسعةلسوء الحظ،

فإن األمل يف العامل ينمو طوال الوقت،

ينمو برسعة ثالثني دقيقة يف الثانية،

الشاعر ثيسار باييخو

Page 120: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 120

خطوة خطوة،

وطبيعة األمل هي األمل مرتان

ورشط الشهيد، آكل لحوم رشه،

هو األمل مرتان.

ودور العشب بالغ النقاء،

هو األمل مرتان

والطيبة تؤملنا مرتني.

مل يحدث أبدا،

أيها البرش،

أن كان هناك أمل كثري يف الصدر،

يف ثنية صدر السرتة،

يف املحفظة، يف الكوب،

يف محل الجزارة، يف علم الحساب!

مل يحدث أبدا

أن كان هناك حنان مؤمل،

قد هاجم من مسافة بعيدة بهذا القرب،

أن النار قط

لعبت دورها األفضل كميت بارد!مل يحدث أبدا

أن كانت الصحة، أيها السيد وزير الصحة،

الصحة األكرث إماتة

والصداع النصفي قد اقتلع جبهات عدة من الجبهة!

واألثاث يف درجه يتأمل،

القلب يف درجه يتأمل،

الضب يف درجه يتأمل.

يتزايد الشقاء، أشقايئ البرش،

مختارات

Page 121: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 121

أرسع من املاكينة، برسعة

عرش ماكينات، ويتزايد

مع رأس »روسو«، مع لحياتنا،

يتزايد الرش ألسباب نجهلها

إنه فيضان بسوائله ذاتها،

بطينه نفسه وسحابته نفسها الصلبة!

تعكس املعاناة األدوار، متنح وظيفة

يكون فيها الخلط املايئ

عموديا عىل الرصيف،

العني مرئية وهذه األذن مسموعة،

وهذه األذن تثري تسع ضجات

يف ساعة الشعاع وتسع قهقهات

يف ساعة القمح، وتسعة أصوات أنثوية

يف ساعة البكاء، وتسعة أناشيد

ساعة الجوع وتسعة رعود

وتسعة سياط، ورصخة أقل.

يقبض علينا األمل، أشقايئ البرش،

من خلف صورتنا الجانبية

ويصيبنا بالجنون يف دور السينام

ويسمرنا يف الجرامفونات،

ويقتلع منا املسامري يف األرسة،

يقع عموديا عىل تذاكر سفرنا،

عىل رسائلنا؛

وإنه لخطري للغاية أن نعاين،

ميكن للمرء أن يصيل...

ونتيجة لألمل، فإن البعض يولد

والبعض ينمو والبعض ميوت،

والبعض يولد وال ميوت،

والبعض من دون أن يولد ميوت،

والبعض ال يولد وال ميوت

»هم األكرثية«ونتيجة للمعاناة أيضا

فإنني حزين حتى الرأس

وأكرث حزنا حتى أخمص قدميلرؤية الخبز مصلوبا

لرؤية اللفت داميا،

باكيا،

لرؤية البصل،

لرؤية الحبوب، عامة، دقيقا،

امللح غبارا،

املاء هاربا،

النبيذ هذا هو اإلنسان،

الثلج جد الشاحب،

الشمس جد جريئة!

كيف ال نقول، أشقايئ البرش،

إنني ال ميكنني أكرث،

ال ميكنني مع هذه األدراج الكثرية،

هذه الدقائق الكثرية،

السحايل الكثرية،

االستثامر الكثري،

البعد الكثري

والعطش الكثري للعطش!

أيها السيد وزير الصحة،

ما العمل؟

آه، لألسف الشديد،

أشقايئ البرش،

هناك، يا أخويت،

الكثري جدا مام ميكن عمله

الشاعر ثيسار باييخو

الرسومات: خوان مريو

Page 122: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 122

في الشعر

الشعر في الواقعنونو جوديتس

علم ويقدم ذاته. الداليل الحقل إىل ينتميان ال املصطلحني أن لو كام واألدب الشعر بني أحيانا التمييز

أصول الكلامت تفسريا ممكنا لهذا األمر؛ فكلمة شعر poésie تتصل بـ poeïen: »صنع«، بينام تتضمن كلمة

littérature »أدب« littera »حرف، مكتوب«. هكذا يبدو أن املصطلحني يقيامن تعارضا بني الفعل والكتابة، فاألول يقع يف

قلب الحياة والثاين يف صميم الفكر. لقد قادتني هذه الفكرة إىل طرح التساؤل عن ماهية القصيدة يف بدايات تفكريي النظري.

فحاولت يف كتايب »مفهوم القصيدة« »1972«، تقديم إجابة عىل هذا السؤال، ثم جاءت كتبي األخرى لتستكمل تأمالت كان

ذلك الكتاب نقطة انطالقها.

ما القصيدة؟ إنني أفهمها بوصفها مادة/شيئا يرتاوح بني »صندوق الرنني« و»الصندوق األسود«؛ حيث يجد سجل كل ما حدث يف

حياة ما مرآته يف الكلامت املنطوقة، يف تلك األبيات التي تخرتق تجربة »وتخرتقها هذه التجربة« تدعو كل أحد إىل متلكها.وكل

أحد هنا هو القارئ، وهذا »القارئ املنافق، شبيهي وأخي« كام يقول بودلري هو أيضا؛ بل أول، الشاعر ذاته، املحكوم باالنفصال

عن القصيدة ما إن يفرغ منها. أقول هذا ألتجنب االلتباس بني تجربة القصيدة وتجربة الشاعر »املؤلف«؛ فليك توجدالقصيدة،

عليها أن تنفصل عن كل ما من شأنه أن يتحكم يف استبطانها، أوأن يحيلها إىل مجرد وثيقة بيوغرافية، إىل قصاصة من صحيفة.

عىل القصيدة أن تنتج تفسريها، ومعانيها، وأصولها حتى وإن كانت تبتعد يف هذه العملية نهائيا عن الواقع الذي نهل منه الشاعر

ليك يكتبها. يف كل قصيدة، الشاعر هو من »يقتل كشخص واقعي، عىل املستوى الرمزي بالطبع، فاألمر يتعلق مبوت ذلك الحضور

الواقعي« ليك يولد »حضورافرتايض«، وهذا الحضور هو ما يبحث عنه القارئ عرب فعل القراءة.

هذا الحضور موجود دامئا يف مناذج الشعر األرقى بشكل ليس بالرضورة مبارشا وآنيا كام قد يفهم مام سبق؛ فاللغة تعمل

كوسيط، كشاشة يسقط عليها عامل يجد مصادره يف تراث األدب أو ذاكرته. لكننا نعلم أن مثة مؤلفا خلف تلك الشاشة، يتخفى

حضوره ويتأكد يف الوقت نفسه الذي يعرض فيه العامل الذي خلقته القصيدة؛ بل إن صوته ليزدوج بذلك الصوت »األول«، الذي

نسمعه عرب املوسيقى واإليقاع املنبعثني من لعبة القصيدة الصوتية. وبالطبع، ميكن للمؤلف أن يخرج وأن يظهر كأداء عىل

الشاشة، لكن ما نراه حقا هو ذلك اآلخر الذي ال يتحقق وجوده إال يف الشعر.

لهذا، ال أشعر براحة كبرية حني تطرح عيل أسئلة عن والدة قصائدي: ملاذا هذه الصورة؟ عمن تتحدث هذه القصيدة أو تلك؟

ماذا قصدت بتلك العبارة؟ إنها أسئلة ميكنني اإلجابة عليها، مدركا أن اإلجابات ستكون اعتباطية بقدر أي إجابات قد يقدمها

شارح آخر. فمثال، طرحت بخصوص كتبي األخرية مسألة استخدام ضمري املخاطب املفرد »أنت« الذي يشري إىل املرأة أو الكائن

يجري

Page 123: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 123

املحبوب. إذا كان الضمري »أنت« يتامهى مع أحد يف الواقع فال أهمية لذلك يف القصيدة؛ فاألمر يتعلق حقا بتجسيد الحب، بذلك

النمط األويل archétype الذي يتشخص يف األسامء-بياتريس، الورا، باربارا، وغريهن كثري- اللوايت ميثلن، يف النهاية،الحب ذاته بعد

أن حول الوجود والشخص امللموسني اللذين ألهامه إىل حضور شبحي.

حضور اللغةمن ناحية أخرى، فإن الحياة تفرض نفسها اليوم كنموذج إرشادي جديد للفن؛ فالعودة إىل ماهو بيوغرايف، والعرض املبارش

للواقع بتأثري وسائل اإلعالم، خصوصا التلفاز والسينام وشبكة اإلنرتنت يفرضان هذه العالقة التي ال ميكن اإلفالت منها وإن كنا

ال نستسلم لها. لقد أصبح رفض العرض يف حد ذاته شكال آخر من العرض. عىل املرء أن يحيا إذن -أو أن يبقى عىل قيد الحياة-

داخل هذا العامل وما يشهده من تحوالت تفرضها وسائل االتصال الجديدة. والوسيلة الوحيدة للقيام بذلك بدون تقديم تنازالت

لصالح تلك الصيغ املبارشة هي أن نتذكر باستمرار حضور اللغة الدائم ؛ فللكلامت دامئا »سمك«، ظل يصنع املسافة بني أضواء

آلة العرض وجوانية ذلك الصندوق-القصيدة،حيث تحدث العملية الخيامئية التي تحول الكائن الواقعي إىل ذات أدبية. متثل

هذه الذات األدبية واقعا جديدا يتجاوز حدود الحياة البرشية وحدود الزمن، ويف فضاء األدب، تصبح فاعال، بطال، أو شخصية.

وهنا ميكن أن نتساءل: من هو الشاعر يف نهاية املطاف؟ لست عىل يقني بأن اإلجابة الصحيحة هي: أنا. فالشاعر هو ذلك الصوت

الذي عرف كيف يتحقق يف القصيدة، هو ما نسمع عند قراءتها، وعالقتي به هي عالقة الطفل بالطاولة التي توزعت فوقها قطع

اللعبة التي يحاول تجميعها وتنظيمها. هذا ما أسميته: »ميكانيزم الشذرنة الرومانيس« »1975«.

لقد اخرتع بيسوا نظائره ليمنح جسدا لتلك الشذرات، وقامر بها عىل مائدة الكائن ليتفادى ما أسامه صديقه سا-كارنريو »التبعرث«

يف رضب من وردة رياح مجنونة، تلك التي قادته إىل االنتحار. رأى بيسوا، إذن،

لعبة األدب كرصاع مع املوت، كام هو الحال يف فيلم النغامر بريغامن حيث

املوت هو الخصم يف لعبة الشطرنج التي هي الحياة.

الشعر واألدب. لرمبا كان التمييز بني ال أعرف إن كنت قد أوضحت جيدا

فيام نعرث التي ماالرميه نرد« »رضبة الالعقالين، الجانب ذلك هو الشعر

وراءها عىل االنفعال، العاطفة، الرغبة، وكل عنارص »الروح« التي تفلت من

العقل ومام يقبل التوقع، والتي نتيجتها »ذلك الربق يف الليل« الذي يتحدث

عنه بودلري. متنحنا القصيدة الشعور الفريد بتلك »النقاط املضيئة« التي كان

عزرا باوند، يف آخر أيامه، يراها عرب ظالل وعتامت املايض، كلام سأله أحدهم

عام كان يعني له الشعر.

أما اليوم فتذهب األمور يف االتجاه املعاكس، حيث يصبح الشعر جزءا من اليومي، تعليقا، بوحا، موسيقى صغرية يسهل نسيانها،

ويصبح خصوصا »ال معنى«، حيث ال استبطان وال مغامرة، وهذا هو النقيض التام للشعر الذي تعلمته طفال، يف ذلك البلد

الرمادي الجامد حيث يجري كل يشء برسية تصنعها الظالل والوشوشات. لهذا، يف شعري، بات السريك واألعياد الشعبية حيزا

الحرية واإلبداع الوحيدين. أتذكر، يف أعياد القرية، البهلوانات الذين كانوا، مرة يف العام، يبينون لنا الفاصل الهش بني التوازن

والسقوط. إنني أبحث يف كل قصيدة من قصائدي عن هذا التوازن. حني أتقدم يف البيت الشعري، يف املقطع، تكون الهاوية

حارضة دوما. أحب هذا اإلحساس؛ وإذا ما رافقني القارئ حابسا انفاسه حتى نهاية القصيدة فمعنى ذلك أن شيئا ما قد نجح،

كان الشعر هو ذلك الجانب

الالعقالني، »ضربة نرد« ماالرميه التي نعثر فيما وراءها على

االنفعال

Page 124: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 124

في الشعر

عىل صعيد ميزان القوى الذي هو الشعر، بيني وبني القصيدة، وبني القصيدة والقارىء.

يعيدين هذا إىل مسألة كان ت.إس. إليوت قد عالجها يف »أصوات الشاعر الثالثة«: األنا يف القصيدة. مثة هنالك حضور شبه دائم

لل »أنا« يف قصائدي وهذا ما مييز الغنائية عن األنواع الشعرية واألدبية األخرى، ولكن ما هي هذه األنا؟

حني أقرأ قصيدة وأجد نفيس أمام ضمري املتكلم هذا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل عيل أن أمتاهى مع هذه األنا أم

إنها تتطابق، عىل العكس من ذلك، مع صوت يكلمني أو يتكلم من خاليل؟ يف الواقع، مثة تناقض بني الحميمية التي تنبع من

»الحديث مع النفس«؛ من نربة املونولوغ االعرتافية لضمري املتكلم املفرد وبني حقيقة أن هذا الـ»همس« مييل إىل أن يتعاظم

ويكتسب قدرا أكرب من التعبري عندما تجد القصيدة، عىل سبيل املثال، تعبريها »الطبيعي« أمام مستمعني، أي حني تقرأ أمام

جمهور.

مثة صلة وثيقة بني عزلة صوت الشاعر القصية، والصوت العمومي، ذلك الصوت الكوين- »الصوت اإلنساين«، بتعبري جان كوكتو،

الذي يتوجه للجميع. وما ينتجه هذا الصوت من متاه يتجاوز املحاكمة العقلية والوعي الذهني مبا أن هذه األنا تتوجه مبارشة

إىل خصوصية كل واحد منا، يف فردانيته ذاتها. تنهض عملية التواصل هذه عىل الذاكرة ومتر عرب لعبةاملجاز، فالصورة يف القصيدة

تعرث دامئا عىل صدى لها فيام رأيناه أو عشناه، إن مل يكن بطريقة مبارشة، فعىل األقل من خالل أثر »اإلزاحة« الذي عالجه

فرويد يف تحليله لألحالم.

مركز القصيدةلهذا السبب، فإن الغنائية الصافية وهم؛ فالتعبري عن العاطفة ال ينفصل أبدا عن الرسد عن الحكاية،عن التخييل، وعن الواقع،وكل

ذلك حارض يف أصل القصيدة، حيث يعزل أحد عنارص الرسد ليصبح مركز القصيدة وبؤرتها. إذن، مثة ما هو »إشاري« –ما يقع

بني الرمز واألمثولة- يف قاع الشعري، ولذا ال ميكن للصوت أن ينفصل أبدا عن الجانب املادي وامللموس املنبثق من البناء الغنايئ،

حيث تتبنى الذات، يف نهاية املطاف، دور املمثل أو القناع- بالعودة مرة أخرى إىل نظائر بيسوا-. هذا ما يحدث يف كتاب »بيدرو

متحدثا عن إنيس« »منشورات فاتا مورغانا،2003« حيث تواصل مرآة أسطورة العشق تجربة تخرتق القصائد وتسعى إلعادة

الحياة لذلك العشق.

وميكننا القول إن األنا التي تتكلم يف القصيدة ليست يف النهاية سوى ظل بوسع كل أحد أن يضيئه بحياته وجسده؛ ويف هذا البعد

املادي للنص الغنايئ، تحديدا، تكتسب القصيدة قوتها الهائلة التي تجعلها تستويل، مثل مصاص دماء، عىل فردية القارىء. ولهذا

أيضا توقظ القصيدة عواطف وانفعاالت متحو الحالة امللموسة التي أوحت بها؛ ليك تقوم بتحيني مواقف وسياقات أخرى. هذا هو

جانبها امللغز الذي يدفع إىل البحث عن معنى ويجرب القارىء عىل أن ينهل من تجربته-ذاكرته، ومخياله كل ما ميكن أن يقوده

إىل جواب، حتى مع العلم، بداية، أن األمر سيظل إشكاليا أبدا، إال إذا كان الشاعر حارضا أمامنا ليجيبنا.

وإذا كان الشاعر حارضا، هل ميكن اإلقرار بأن إجاباته صحيحة؟ ف »الشاعر مخادع«، يقول بيسوا, يف قصيدته اوتوبسيكوغرافيا.

ينبغي النظر دامئا إىل تجربة القصيدة عىل أنها مثرة الرس األويل الذي يجربنا الكشف عنه مرة أخرى عىل البحث عن مفتاح

لغة مشفرة. يف هذه اللغة، متثل االستعارة أول املستويات التي ينبغي تأملها؛ ولذا فإن أكرب تيمتني يف الشعر الغنايئ هام الحب

واملوت.

كان روبريت غرايفز قد ناقش لغز هذه املسألة يف كتابه الجوهري »الربة البيضاء«، حيث يتحدث عن السعي وراء منط أويل-

صورة الربة التي تجسدها ماديا املرأة- التي تعيدها لحظة التحقق يف الحب إىل مستوى الواقع بحيث يبدأ مجددا البحث عن

ذلك النمط املثايل. و أعتقد، من دون الذهاب إىل الصيغة املتطرفة من األسطورة التي تطرح هنا مبسحة من الحب األفالطوين، أن

Page 125: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 125

القصيدة هي القطب املغناطييس الذي يجمع قوتني متضادتني. إنها اللحظة االستثنائية التي تقود إىل فقدان مؤقت لكل يقني،

ولكل وجهة، محافظة يف اآلن ذاته عىل توازن الكائن بفضل الحضور »الويص« للجامل الذي يحول من دون السقوط يف الجنون

أو العامء. إن خلخلة الحواس التي تحدث عنها رامبو هي ما ميثل قيمة اإلبداع الشعري، وهي ال تتأىت من فقدان الحواس كلها

بل من »إرشاق« الحواس كافة بفعل القصيدة»رامبو مرة أخرى«. وهذا اإلرشاق يخرجنا، للحظات، من ثنائياتنا الضدية الذهنية

الرئيسية، يك نبلغ أفق الروح اإلنسانية.

رمبا قدمت هنا إجابة عىل السؤال األويل: ملاذا تكتب؟ ليس من أجل املتعة. فاملتعة يف املكتوب، وال أكتب التزاما أو اضطرارا،

فأنا ال أعتاش من األدب و بوسعي أن أستغني عنه من الناحية املادية. إنني أكتب، وسأستخدم هنا عبارة مشهورة،: ألن الشعر

هو أنا، وهذا ما ينطبق عىل الشعراء كافة إن كانت هذه »األنا« تتضمن شخص الكاتب الفيزيايئ، أما األنا يف القصيدة، فهي من

وجهة نظري أمر آخر. إنها الصوت »صوت الوسيط الروحي، يقول بيسوا« الذي يتحدث حني تبدأ القصيدة. وحني أذكر بهذا،

فإنني أناقض كل املقوالت الشائعة حول فعل الكتابة، خصوصا تلك التي تتحدث عن العزلة. يف الواقع، ال أكون وحيدا لحظة

الكتابة؛ يف هذا الحوار مع اآلخر »الصوت؟ الذات؟ كل تلك األشباح التي تولد من الذاكرة أو الخيال التي تعمر الفضاء من

حويل؟« ال أشعر بالوحدة أبدا؛ بل عىل العكس من ذلك، تأيت العزلة حني ال أكتب أو حني يغيب الشعر.

وليس مثة إجابة مبارشة عىل السؤال: ما الشعر؟ الذي ميكن أن نستبدل به السؤال: ماالقصيدة؟ مع ذلك قد أجازف بتقديم

إجابة مدركا أنها ليست نهائية وال الوحيدة كذلك. ميكنني القول إن القصيدة توجد حني يتحرر الصوت الذي يسكنها من الكائن

الذي انتمى إليه؛ ليصبح صوت الجميع- الصوت الجمعي أو الكوين إذا ما أردنا استخدام توصيفات جويس كارول آوتيس »إمياين

ككاتبة«. فالصوت الشعري إذن، وعىل النقيض من كل ما أمكن تخيله، هو األقل فردية واألقل ذاتية من بني األصوات املمكنة:

إنه الصوت الذي تعرث فيه »كلامت القبيلة« »بتعبري ماالرميه« عىل صداها األكرث إسامعا واألكرث قابلية لإلدراك. وهذا صحيح

حتى حني يتحدث الشاعر عن عامله األكرث حميمية. حني نقرأ، مثال، كلمة »أحبك« فإن هذا الحب يتقاسمه كل من سيقرأ

القصيدة وبهذه الكلمة يختطف القراء من الشاعر حب جميع النساءاللوايت

مينحن أجسادهن وأرواحهن وجاملهن للكلامت التي تعرب عن ذلك الحب.

هذا هو موضوع مقال الشاعر دبليو. اتش. أودن »حني أكتب أحبك«، الذي

يحدد فيه بدقة الفارق بني الرسد التخيييل والشعر. »يف كل األحوال، ال تتعلق

القصيدة التي أمتنى كتابتها بعبارة: »إنه يحبها« »ميكن لضمريي الغائب، عىل

األرجح، أن يكونا شخصني متخيلني، وللشاعر حرية أن يؤمثل، كام يرغب،

صفاتهام وحكايتهام«. أما يف عباريت: »أحبك«، فيمكن، عىل األرجح، أن نتحقق

من وجود الشخصني اللذين يحيل إليهام الضمريان »أنا وأنت« بفضل مخرب

خاص«.

إنني أشاطر أودن الرأي؛ ففي الرواية، ينظر لألنا دامئا بوصفها شخصية الراوي وال يخطر ألحد أن مياهي بني املؤلف والقاتل

الذي يروي الحكاية يف كتاب البري كامو »الغريب«، أما حني نقرأ يف قصيدة: »أشرتي تذكرة قطار ألعرف يف أي يوم نحن« »روي

بيلو«، فإننا نجد أنفسنا مبارشة أمام الذات/املؤلف وال نتساءل عن هذا التامهي حتى حني يصدر عن لعبة مجازية يحددها

الرتاث -يف هذا البيت- بالعالقة بني سري الزمن »أي يوم نحن« وسري الحياة التي تقدم بوصفها رحلة»تذكرة القطار«. ويف الواقع،

ينتمي صدق العبارة إىل شفرة معينة، وإذا كانت هذه الشفرة مدركة وقابلة للقراءة؛ فذلك ألن املفتاح حارض دامئا يف القصيدة

نفسها؛ إذ يكفي كرس تلك »األنا« لنستخلص ما يخصنا نحن القراء من تلك الذاتية التي ميكن أن تنتمي يف األصل لشخص ما

ال أكتب التزاما أو اضطرارا، فأنا ال أعتاش من األدب و بوسعي

أن أستغني عنه من الناحية المادية

Page 126: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 126

في الشعر

يسمى الشاعر.

لست أزعم أن الشاعر املثال هو هومريوس »ذلك االخرتاع الذي كان الغرض منه أن ال تبقى القصائد امللحمية العظيمة التي

أسست حضارتنا مجهولة النسب«؛ لكن ينبغي للشاعر أن يتحرر من وطأة سريته الحياتية ليك ميكن لـ »كرة« الشعر أن تحلق،

وإال فإن القصيدة تظل يف مستوى الشهادة، األمر الذي له أهميته دامئا ولكن عىل صعيد الدرس األديب أو اإلكلينييك. فليست

قصائد جنون هولدرلني هي ما جعل منه أحد أعظم شعراء الرومانسية، وكذلك هو األمر فيام يخص رسائل حب بيسوا، إن أخذنا

مثاال آخر متطرفا.

ولكن بوسعي االنطالق من حالة بيسوا-مرة أخرى- ألوضح العالقة الصعبة بني الحياة واألثر األديب، وذلك انطالقا من قصيدة

Chuva obliqua التي تعد نقطة البداية لـ»التوسط الروحي«. فالتقاطع بني الوقائع التي نعرث عليها يف هذه القصيدة، يأيت يف

الواقع من ذلك الجرح عىل سطح القصيدة املصقول حيث ينكرس يشء ما. هذا اليشء هو الحياة، أي ذلك املنعطف املفاجئ

يف العالقة مع األدب حيث نلمح عاملا كان غري مريئ حتى تلك اللحظة. ال يتبدى الواقع، إذن، إال يف تلك اللحظات التي يخرتق

فيهااللغة عىل نحو موارب. إنها أشبه بـ»الومضات«التي تيضء الحي وتجعله قابال لإلدراك من قبل القارىء. هذا ما يلزم يف

القصيدة؛ ألنه هو ما مينحها قوتها، بطرحه جانبا ماهو مجرد »أدب«، أي كل ما ميكن أن يختزل القصيدة إىل فعل تابع.

من هناـ ميكنني أن أعرف الشعري بوصفه حضور الكينونة يف اللغة وهذه الكينونة هي أوال كينونة الذات التي تكتب لكنها يف

اآلن ذاته كينونة اللغة؛ ذلك الصوت وتلك املوسيقى اللذان يبدآن يف الحركة حني تعرث القصيدة عىل إيقاعها. يصدر ذلك عن

الذات ولهذا السبب، »الشعر ينبغي أن يصنعه الجميع«، كام يقول لوتريامون. الشعر ينبغي أن يصنع، وأن يصنعه الجميع.

هكذا، ميكنني أن أكرر عبارة بورخيس »فن الشعر، محارضات ست«: »يحدث الفن يف كل مرة نقرأ فيها قصيدة«. ووفقا لهذا

املنطق، يكفي أن نقرأ قصيدة يك يأيت الشعر وال ميكننا أن نتعلم الشعر إال

بقراءته.

يبقى سؤال أخري: »ما هو الشعري« ؟يقال هذا إحساس، أو منظر، أويشء

»شعري«. بالطبع، مثة أشياء أو مواد ميكن أن يكون لها نربة أو إيحاء شعري:

الوردة، البحر، البحرية، القمر..إلخ؛ لكن ذلك ال يكفي ليك تحدث القصيدة.

القصيدة ليست يف األشياء.»الوردة وردة«، قالت جريترود شتاين، ونقطة يف

انتظامها، التي تقول األشياء ويف طريقة الكلامت القصيدة يف آخر السطر.

أي القصيدة. الشعري يف الظاهري: التكرار القول بيشء من هكذا ميكنني

أنه بناء ينطلق من مادة أو عنرص، أيا كان، ينتقى من الواقع.والشعري ليس

هو هذا اليشء؛ بل تلك الطريقة التي تلعب بها الصورة التي اختارها الشاعر مع الصور األخرى، عرب الكلامت التي تكون اللعبة

والشبكة الداللية واإليقاعية اللتني تنتجان القصيدة. إذن، هنالك قطيعة، انحراف، انزياح، يف بداية هذه العملية، للوصول يف

آخر الدرب إىل جوهر ذلك اليشء الذي كان نقطة انطالق القصيدة. يف النهاية فقط،وليس يف البداية يصبح ذلك اليشء شعريا

Contre-jour : Cahiers littéraires, N°5,2004 املصدر

ترجمة وليد السويريك

القصيد ثمرة السر األولي

الذي يجبرناالكشف عنه مرة أخرى على البحث عن مفتاح لغة

مشفرة

Page 127: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 127

جمهور الشاعريوسف عبد العزيز

قضية )الوصول إىل الجمهور(، الشعراء واملثقفني العرب، ردحا من الزمن. وال تزال هذه القضية تحتل الكثري

من النقاش الذي يدور حول الشعر. ومن األسئلة التي ظلت ترتدد يف الندوات واملهرجانات الشعرية، كان

السؤال التايل: هل يذهب الشاعر بشعره إىل الجمهور، أم أنه ينتظر الجمهور أن يأيت إليه؟

منذ خمسينيات حتى سبعينيات القرن املايض، وحيث الصعود املدوي لأليدلوجيات العربية، كان الوضع محتدما. كانت فكرة

الجمهور مبثابة )بعبع( يثري الرعب يف قلوب الشعراء. ولذلك فقد سادت يف هذه الفرتة عملية تسول الجمهور. وقد انعكست

هذه الحالة عىل الشعر العريب املكتوب يف تلك الفرتة، بحيث بدت املالمح العامة له غارقة يف املبارشة والتقليد والشعاراتية. طبعا

لن ننىس يف تلك الفرتة الخط الشعري املناوئ الذي كان يقوده الشاعر أدونيس، وجامعة مجلة شعر اللبنانية، والذين انفتحوا

عىل الشعريات الحديثة يف العامل، غري أن الخط العام للشعر العريب كان يسري يف تلك السنوات، باتجاه الوصول إىل الجامهري

العريضة لحضها وتثويرها.

بعد ذلك جاء عقد السبعينيات، وحمل معه الكثري من التحوالت الجديدة، ومنها الغزارة والتنوع عىل مستوى الكتابة الشعرية

العربية، وعىل مستوى األفكار املطروحة حول الشعر، بدءا بالحديث حول الشعرية، وانتهاء بالحديث حول الجمهور، وماهية

هذا الجمهور، وهل هو املجموع العام للمواطنني، أم نخبة مثقفة منهم. طبعا املحزن يف هذا املجال أن نتاج هذا العقد املهم

سواء يف الشعر أو األفكار مل تتم دراسته. لقد ظل عقدا مهمال، بالقياس لعقدي الخمسينيات والستينيات، أو حتى بالقياس

للعقود التي تلت.

يف بداية هذا العقد نرش أدونيس دراسته املهمة »مقدمة للشعر العريب«، أعاد خاللها النظر بالشعرية، ومفهوم الشعر السائد.

وكان أهم ما أشار إليه هو مفهوم القصيدة التي وصفها بأنها ينبغي أن تكون »قصيدة كلية«، تتداخل فيها األنواع األدبية،

وتتعانق معها الرؤى التي تقدمها الفلسفة والعلم والدين. أما ما كان ملفتا فهو أن القصيدة مل تعد معنية فقط بالجيل املوجود،

وإمنا باألجيال القادمة أيضا. من جهة أخرى رصح أدونيس يف تلك الدراسة أن عىل الجمهور أن يصعد إىل قصيدة الشاعر، ال أن

يهبط الشاعر بشعره إىل فهم الجمهور.

يف أواخر هذا العقد – عقد السبعينيات، سوف نرى شاعرا عربيا مهام آخر، هو محمود درويش، كيف يتمرد عىل واقعه، وعىل

تجربته أيضا، خاصة يف مفهومه لشعر املقاومة، ثم يف مفهومه للجمهور! كان ذلك يف لقاء أجراه معه املثقف املعروف منري

العكش. سأل العكش يف ذلك اللقاء محمود درويش: »أال تغريك جامهريك أحيانا؟ أال يتدخل التواصل معها يف الكتابة؟«، فرد

عليه درويش قائال: »من الرضوري أن تعرف أن قناعتي هي املعيار األول واألخري يف مدى إبداعي. كثريا ما يحب الناس شيئا

ال يقنعني، وكثريا ما يرفضون عمال أعتز به. أين الحقيقة؟ الناس ليسوا مقياسا فنيا واحدا ألسباب كثرية. وعىل رأسها مستوى

الحساسية، ومستوى الثقافة الشائعة يف العامل العريب«.

نعود لنتحدث عن محمود درويش، وعن جمهوره الذي ال يشبهه جمهور شاعر آخر. كان جمهور درويش جمهورا متعددا،

وينحدر من حساسيات شعرية وأيدلوجية متنوعة. كان الجميع يختلف حول ماهية الثورة، واملستقبل والعالقة مع الدين،

شغلت

Page 128: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 128

في الشعر

ولكنهم كانوا يتفقون حول شعر درويش. يف حاالت كثرية كان يتم وضع شاشات عرض عمالقة خارج القاعات التي كان درويش

يقرأ فيها شعره. كان درويش يصعد املنرب ويحيي الجمهور، ثم يقول: يف البداية سوف أقرأ عليكم ما تحبون من شعر. كان يقرأ

عليهم مثال مقاطع من قصيدة بريوت، أو مديح الظل العايل، ثم ال يلبث أن يخاطب الناس املحتشدين أمامه قائال: اآلن سأقرأ

عليكم ما أحب أنا أن أقرأه، فكان يلقي عليهم قصيدة الهدهد، أو الجدارية، أو غريهام من قصائده املركبة، التي تحتاج ليس

فقط إىل إلقاء من قبل الشاعر عىل املرسح، وإمنا إىل مطالعة متأنية من قبل القارئ أيضا.

هكذا كان درويش يدرب جمهوره عىل التلقي، وكان ينقل هذا الجمهور باستمرار للتعرف عىل الشعاب الجديدة يف الشعرية

العربية. من جهة أخرى رمبا ساهمت تجربة الفنان مارسيل خليفة، الذي نقل شعر درويش إىل الغناء، يف زيادة جمهور درويش،

خاصة وأن الغناء هو إحدى الوسائل الناجحة يف توصيل الشعر إىل الناس. أتذكر يف هذا املقام قصيدة درويش »أحمد الزعرت«،

التي بدت رمبا صعبة يف نظر الناس، وقت نرشها. والتي مل تلبث أن انترشت انتشارا هائال يف أوساط الجامهري بعد أن قام مارسيل

بتلحينها وغنائها.

واآلن، بعد كل ما ذكرناه عن جمهور الشاعر، نريد أن نسأل السؤال املسكوت عنه: ماذا يقصد بالضبط بهذا املصطلح؟ هل هذا

الجمهور هو جمهور مثقف مدرب شعريا، وقادر عىل التفاعل الحقيقي مع الفن؟ هل هو جمهور نخبوي؟ أم هو جمهور عام

يضم من ضمن ما يضم أفرادا ال عالقة لهم بالثقافة وال بالشعر؟

ال شك أن مثل هذا املصطلح »جمهور الشعر« هو مصطلح فضفاض يف العامل العريب، وال يشري إىل تلك الفئة املدربة عىل قراءة

الشعر، وإمنا يشري أساسا إىل قطاع عريض من الناس متعددي املستويات والحساسيات. وحتى نكون قريبني من معاينة املشكلة،

فينبغي علينا أن نعود إىل طباعة الشعر يف العواصم العربية، وإىل ما توزعه دور النرش من نسخ للدواوين الشعرية. ينبغي

االعرتاف هنا أن الشاعر العريب يطبع ألف نسخة من ديوانه، ويف أحسن األحوال ثالثة آالف. ولنتصور الطامة الكربى، حيث إن

هذه النسخ األلف هي لثالث مائة وخمسني مليون عريب!!! أليس األمر مرعبا؟؟

اآلن ومع االنتقال إىل العرص اإللكرتوين، انحرست نسبة قراء الكتاب الورقي،

وتحول مصطلح جمهور الشعر إىل مصطلح فضفاض، القلة القليلة جدا منه

الشعر مضطربا نحن ال ندري إىل متى سيبقى جمهور الشعر. طبعا تتابع

ومشوشا! أخلص إىل القول مبرارة إنه ليس لدينا جمهور للشعر، ال جمهور

عريض، وال جمهور نخبوي. فقط لدينا عشاق للشعر، وهؤالء قليلون ونادرون.

مشكلة جمهور الشعر ليست مع الشعر، ولكنها مع ثقافة املجتمع الكسيحة،

ومع التقدم الذي يكاد يكون مفقودا يف الحياة العربية. وكام أوصلت الدولة

القطرية العربية األمة العربية إىل الجدار املسدود، فقد أوصلت هذه الدولة

الثقافة إىل الدرك األسفل، وبكالم آخر لقد بطشت بالثقافة، وحولت الشعراء

وجمهورهم إىل قطيع!! هل سوف تختلف األمور يف زمن الثورات العربية؟ إننا نتابع ونأمل، رغم أن األمور تبدو معقدة.

يف ختام هذه املقالة، خطرت عىل بايل قصة طريفة، حدثت معي ومع الصديق الشاعر يوسف أبو لوز، وأحب أن أرويها هنا: يف

عام 1984، شاركت أنا ويوسف يف أمسية شعرية يف مدينة الزرقاء األردنية، دعانا إليها نادي أرسة القلم. قرأنا قصائدنا يف القاعة

التي امتألت بجمهور النادي، وكان من بني الحضور إحدى الشخصيات املاركسية الكبرية يف األردن. عندما انتهينا من القراءة، قال

صديقنا املاركيس: ملاذا كل هذا الغموض يف شعركم؟ ملاذا ال تكتبون شعرا مفهوما، وملاذا ال تتناولون قضايا الجامهري؟

حني أردت أن أجيب عن السؤال، منعني يوسف وقال يل: أرجوك اترك يل اإلجابة. قال يوسف موجها كالمه للصديق املاركيس:

أريد أن أجيب عىل سؤالك، ولكن بسؤال: متى مارست الرقص آخر مرة؟ استغرب الصديق املاركيس ذلك، فأكمل يوسف: ذلك

أن الرقص أصبح مبثابة مرجعية مهمة من مرجعيات الشعر، والذي ال يتقن الرقص ال يفهم الشعر

عقد السبعينيات، حمل معه الكثير من التحوالت الجديدة، على مستوى الكتابة الشعرية العربية،

واألفكار المطروحة حول الشعر

Page 129: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 129

الجنون عبد هللا أبو بكر

الحديث عن الجنون مغريا يف هذه اللحظات التي تشهد أكرث من شكل للجنون عىل الصعيد السيايس وكذلك

االجتامعي والثقايف يف جغرافيا العامل العريب، حتى أصبح التعقل مطلبا ملحا لجميع من يعيش يف هذه الجغرافيا

واألرض التي أصبح دورانها متسارعا أكرث من ما يحتمله الفهم .

الشعراء، هم أكرث من اتهموا بالجنون، وكانت هذه التهمة بالنسبة لكثري منهم مدعاة للفخر والفرح، وقد دافعوا عن جنونهم يف

أكرث من مناسبة وقصيدة، فآرثر رامبو أجاب عندما سئل عن سبب توقفه عن الكتابة الشعرية بعبارة معروفة »مل أعد شاعرا ألنني

مل أعد مجنونا«، وكذلك فعل أدونيس يف قصيدته »الجنون« حيث قال »كذبوا، ال تزال طريقي طريقي، والجنون الذي قادين ال

يزال أمري الجنون«. ميشيل فوكو أيضا، عرف الجنون عىل أنه »معرفة«. كل ذلك يدفع باتجاه الجنون، والرغبة بالسري معه عىل

طريق واحدة وباتجاه واحد.ولكن، هل هذا الجنون هو ذاته الجنون الذي يعيشه الشعراء يف زماننا هذا ؟ أو هو الذي يعيشه

السيايس أو سواه من أبناء املجتمعات العربية ؟

ما يحدث اليوم ميثل فوىض فادحة ال عالقة لها مبعنى الجنون الذي يعلق عىل مشجبه الكثريون ما فاض منهم من خراب

وسقوط، إنه نوع من انواع الفساد الثقايف واالجتامعي والسيايس كذلك، هو جنون يقود إىل الوراء ال إىل األمام حيث املخيلة

واالبتكار واملعرفة والقبض عىل جمرة املعنى وذهب الفكرة.

لقد تحول الشاعر العريب يف كثري من األحيان إىل رجل سياسة، أو محلل عىل قناة إخبارية، أو موظف براتب بالكاد يكرس جوع

أبنائه. وراح يصطف خلف عناوين وشعارات أشبه بتلك التي ترفعها األحزاب. وهنا أصبح مصطلع الجنون محارصا باملعنى

املبارش للكلمة، ال مبعناها اآلخر الذي ورد عند رامبو وفوكو وغريهم .

للشاعر موقف تجاه كل ما يحدث حوله، هذا مؤكد. ولكن موقفه األول هو موقف الشعر، فال يستطيع شاعر أن يحمل يف يد

قضية ما، دون أن يحمل يف األخرى غصن الشعر األخرض، الذي يحفر له الطريق ويعبدها حتى آخر أرض .

نحن إذا أمام فوىض »شعرية« عارمة، تجر املشهد إىل مناطق فارغة، مبنية يف الهواء. فام معنى ما نشهده من »حروب« يقودها

شعراء باسم الحداثة والرتاث وشكل القصيدة وحجمها وما إىل ذلك؟ أال يكون هذا تطرفا وإن كان ناعام؟ متاما كالتطرف إىل

مذهب أو طائفة. أال يرسق ذلك الشعر من جوهره ويأخذه إىل مساحات سطحية تجعل منه كائنا جافا؟ وما نفع القصيدة

إن مل يحتويها املاء وحرير الكالم والقول، وإن مل تكن حرة من كل قيد يرسم شكلها وإطارها وكأنها مجرد كومة من الحجارة

واالسمنت !

هذا القيد يضعه البعض يف يد القصيدة عن قصد أو دون قصد، كل ذلك يحدث باسم الحداثة وما بعدها، والرتاث وما احتواه.

وهو ما انشغلنا به لعقود دون أن نصل إىل نتيجة واضحة، ودون انتهاء لهذا الجدل الذي ظهر تحت عناوين كثرية بعيدة عن

الواقع والحقيقة، وما دعوة القطيعة مع الرتاث إال مثال عىل ذلك، فكيف ميكن لنا أن نحفر قربا لرتاكم معريف وثقايف هائل واألهم

من ذلك أنه ال يزال حيا ؟!

إن ما كتب من شعر عريب عىل مدى التاريخ يشبه قصيدة شعرية واحدة، كتبها شعراء كرث. وال ميكن أبدا أن نقطع هذه القصيدة

إىل وجبات حسب وصفات »جنونية« مفتعلة، ال تخدم الشعر بقدر ما تخدم أصحابها. وهنا تربز الحاجة إىل مراجعة موضوع

الجنون ال سيام، ذلك الذي يتعلق بالشعراء

يبدو

Page 130: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 130

أحمد راشد ثانيصبي تحت الضوء

رؤيا خاصة للحياة، غابة من المرايا التي تعكس قصيدة الشاعر الراحل أحمد راشد ثاني »تحت الضوء« عوالم الشاعر حين يفتح »صبي الروح« عينيه للضوء ويترك ألحالمه أن تسافر في إقليم النهار والليل

إبراهيم أحمد ملحم

قصيدة »تحت الضوء« من سبعة

مقاطع، يبدأ كل مقطع منها بالتعبري

»يستيقظ صبي الروح«؛ فالرقم سبعة يرمز إىل توايل

أيام األسبوع السبعة، وإعالن بدء كل يوم منها يأيت عن

طريق الفعل »يستيقظ«. ليس الشاعر هو الذي يسند

إليه فعل االستيقاظ كل يوم، يف القصيدة، بل ما يسميه

»صبي الروح«، وألن التعبري متكرر، فال مشاحة من إضاءة

املقصود به قبل الرشوع بالقراءة؛ فهذا الصبي هو الشعر

الذي ال يشيخ، فيبقى محتفظا بزمن الصبا املدهش، كام

يحتفظ »كيوبيد« بزمن الحب، وهو ليس صبي كسائر

الصبيان »فيزيايئ«، بل إنه انحدر من صلب الروح روحا

أخرى، تضاعف من وجود الشاعر يف الحياة، وتبقى بعد

الرحيل عن الدنيا.

هذا التحديد ملعنى »صبي الروح«، يجعلنا نركز يف تناول

أجزاء القصيدة عىل الهدف من يقظته يف كل مرة؛ فهو

يريد أن يرى الحياة عىل طبيعتها، ثم يحرك عنارصها نحو

األفضل:

يستيقظ صبي الروح الكثري

يك يرى الحياة،

وهي تجري عىل األرض

يك يرى اآلبار،

وهي غاطة يف العطش..

يستيقظ صبي الروح قبيل

يك ينهض اآلبار املخلوطة بالدم،

ينهضها من سباتها الرميل

فتقوم عارية،

وبال ماء يذكر..

تقوم اآلبار من عمق الصحراء

وتركض كاملجنونة

وعىل ساحل البحر،

وهي تبيك الينابيع التي هجرتها

واختارت الصخورإن النعت »الكثري« ليس لكلمة »الروح« املؤنثة تأنيثا

معنويا، بل لكلمة »صبي«، وهو الكثري؛ ألنه يتشظى يف

كل قصيدة يقولها. تطوف روح الشاعر متخذة من الشعر

قوتها التي متكن من التطوف يف أرجاء األرض لرتى الحركة

تدب عليها، بعد أن يصحو الناس ويتوجهوا إىل أعاملهم.

نقد

تتألف

Page 131: bayt_alshier_5

يلجأ الشاعر يف تصوير »اآلبار« غاطة يف العطش إىل التغيري

يف دورة الحياة؛ فاآلبار التي تلعب دور الواهب للسقيا،

ال متتلك ما يجعلها تدفع قسوة العطش. والسبب يف ذلك

أنها باتت تختلط بالدم. ما زال املعنى غائرا، وحتى يقرتب

من السطح، ينبغي معرفة الرمز الذي تحمله »اآلبار«. إنها

الشاعر يف الحياة اليومية/ اإلنسان الذي تتيقظ روح الشعر

يف داخله فتطوف عىل األرض قبل أن يصحو، إنه اإلنسان

الذي مل يرتو من الحياة بعد، عىل الرغم من أنه يهب الحياة

لآلخرين عرب الشعر، كام تهب اآلبار الحياة للناس عرب املاء.

يحاول الشعر أن يجعل »اآلبار املختلطة بالدم«، مشريا إىل

املعاناة جراء املرض، تصحو من سباتها. وهنا، ينعت السبات

بـ«الرميل«؛ ألنه يجر الذات إىل املوت حيث االلتحام بالرمال

يعد التحاما نهائيـا.

تستجيب »اآلبار« لصبي الروح »الشعر«، فتنهض من

سباتها يف عمق الصحراء، وتسري بحركة ال يفعلها إال من

أصابه الجنون. كانت هذه »اآلبار« تبيك بسبب هجرة

الينابيع لها، وتفضيلها اللجوء إىل الصخور. وبتعبري آخر: كان

اندفاع الشاعر، بفعل الشعر، قويـا إىل حد الجنون، ولكن

»الينابيع«، أو الناس الذين وهبهم بالشعر حياة، قد هجروه،

فرتكوا »الصحراء« حيث »اآلبار«، ولجأوا إىل أماكن أخرى

يتوحدون فيها مع الصخر. ولعل هذا ما جعل الشاعر يبيك

أولئك الناس الذين سلبت املدينة منهم أصالة الحياة حيث

الشعر.

إن العيون املغمضة بفعل النوم، تبقى غائبة عن الحياة

الحقيقية التي يرينا الشعر إياها، فيجعل الشاعر يعاين

تفاصيل الحياة اليومية بكل مظاهرها وتناقضاتها؛ حتى

يكون صوت اإلنسان من خالل الشعر:

يستيقظ صبي الروح يك يخرجني

من العيون املغمضة ألعامق املحيطات،

ومن هذيان الطيور

يف رؤوس األشجار

يستيقظ يك يخرجني من غمرات الرسير

ومن عامء النوم األبيض،

يك يخرجني إىل العامل،

يك يدخلني،

أحمد راشد ثاني

يك يحاول الدخول يب

»أنا قطار الصدفة«

إىل العامل..

إىل مزاح العامل،

وتذمر العامل،

وجنونه..

يستيقظ يك أدخل يف غابات مراياه،

يك أغوص يف رمل مراياي،

وأدفن تحت الضوء،

وتلتهمني ضحكات الوقت. إن استيقاظ »صبي الروح« ليس رشطا أن يكون من أجل

تشكل القصيدة يف كل مرة؛ فقد جاءت كلمة »يستيقظ«

خمس مرات، لآلن، ولكنها مل تقد أي واحدة منها إىل هذا

التشكل؛ ألن القصيدة تولد بعد معاينة ما يجري يف الحياة

اليومية، وانعكاس تأثريه عىل الذات. يف هذا الجزء من

القصيدة، يأيت الفعل »يستيقظ« ليعلن عن هذه الوالدة:يستيقظ صبي الروح مجددا

لقضقضة الكلامت،

والقرطاس،

واألتربة..

يستيقظ لتعاطي غبار الوهم الخالد

issue (5)- October - 2012 131

Page 132: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 132

ودحرجة األفكار كاألمواج

عىل هذا الساحل املقفر..

يستيقظ صبي الروح قبيل

لوضع قطعة من خبز الغيوم

يف فم البرئ الجائع،

وجناح بعوضة

يف كأس الوردة األحمر إن كلمة »قضقضة« التي اقرتنت بالم التعليل، تكشف

عن كون الشعر فاعال؛ فصبي الروح/ الشعر، يتخذ

الكلامت مظهرا له، وتكشف، أيضا، عن ألفة الشاعر لهذا

الفاعل بحيث يبوح له مبكنون صدره. القضقضة نفسها،

تكتب يف »القرطاس«، أما كلمة »األتربة«، فتكشف عن

املحتوى، وهو الحديث عن املوت. ما يالحظ، أن الشاعر

سمى الشعر بـ»غبار الوهم الخالد«؛ فالغبار يعني أن

الشعر هو نتاج معركة يف الحياة، ورصاع مع املوت

املرتبص له بصورة املرض، كام يكون الغبار نتاج معركة

رشسة مع العدو، وأن هذا الشعر يبني عاملا متخيال؛ فهو

ليس حقيقيـا مبعنى املطابقة مع الخارج، وألنه كذلك،

فلن يطاله املوت كام يطال كل األشياء الفيزيائية. وتأيت

األفكار التي تتضمنها أبيات القصيدة إىل الشاعر، كام تأيت

أمواج البحر إىل الشاطئ؛ أي أنها تأيت بحركتها الطبيعية.

االستيقاظ الثاين، يف هذا الجزء من القصيدة، الذي يأيت

قبل استيقاظ الشاعر/ اإلنسان، يهدف إىل شيئني:

األول: وضع قطعة من خبز الغيوم يف فم البرئ الجائع،

ما معنى هذا الكالم؟ يفيد حرف الجر »من« التبعيض،

ويعني بـ»الخبز« الشعر، وقد جاء الرتكيب »خبز الغيوم«؛

ليؤكد أن الشعر هو الذي يغذي فينا األمل ملواصلة

الحياة، فهو األصل، كام الغيوم هي األصل لضامن استمرارية

الحياة، وليس البرئ التي تبقى مرتقبة، عىل الدوام، ملا تجود به

الغيوم حتى متتلئ باملاء؛ فام يجعلها جديرة بتسمية »برئ« هو

تحويل ما تجود به الغيوم إىل جزء من تكوينها، وكذلك يريد

الشاعر لإلنسان حتى يكون جديرا بالحياة أن يصبح الشعر جزءا

من تكوين شخصيته. وهكذا، تكون القطعة من الخبز، القصيدة

من الشعر، وتكون البرئ الجائعة، كل أولئك الذين يتذوقون

الشعر حتى يزين لهم الرغبة يف البقاء.

الثاين: وضع جناح بعوضة يف كأس الوردة األحمر. مرة أخرى،

أطرح السؤال السابق: ما معنى هذا الكالم؟ يعني التعبري »كأس

الوردة األحمر« كل أولئك الذين انغمسوا بالجوانب املادية،

فأترفوا فيها، ويأيت وضع الجناح يف هذه الكأس؛ لإلشارة إىل أن

ما انغمسوا فيه ال يعدل، يف النهاية، جناح بعوضة.

إن استيقاظ الشعر، يف كل مرة، يوقظ يف الذات تلك الطاقة

الجامحة التي تنعكس آثارها عىل الذات، فتحيلها إىل يشء آخر:

يستيقظ الصبي يف روحي

يك أستيقظ أنا من ذايت

يك تغتسل أناي

يف صحن الضوء،

وتشتعل يف عيوين

رغبات الريح،

ويحرتق لساين من جمر الصمت..

يستيقظ يك تسطع جبهتي

عىل سفوح النسيان،

وتثمر يدي األصابع

كالتني اليابس،

تثمر يدي األحجاريف هذا الجزء من القصيدة حرصا، تحل عبارة »يستيقظ الصبي

يف روحي« محل عبارة »يستيقظ صبي الروح«، فام مييز هذا

الجزء من سائر األجزاء األخرى؟ هناك تحول من اإلنسان

الشاعر/ املوجود الزمني إىل الشاعر اإلنسان/ الخارج عن سلطة

الزمن؛ فاإلنسان الذي يقول الشعر قهره املوت، ولكن شعره

بقي موجودا، والروح التي تسكن فيه تتجىل يف الحياة بقوة،

وكأن الشعر، اآلن، يسكن يف الروح فيوقظها منعتقة عن الجسد

»أستيقظ من ذايت«، ومتيض يف نسق يناسب طبيعتها: تغتسل يف

الشعر يبني عالما متخيال؛ فهو ليس حقيقيـا بمعنى المطابقة مع الخارج، وألنه

كذلك، فلن يطاله الموت كما يطال كل األشياء الفيزيائية

نقد

Page 133: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 133

صحن الضوء، وتشتعل يف العيون رغبات الريح يف االمتداد

بقوة.. ولكن، ما قيل قد قيل وانتهى األمر، ليست هناك

قصائد أخرى، ولهذا يحرتق اللسان من »جمر الصمت«.

وعىل الرغم من ذلك، فإن ما قيل، يكفي ألن يجعل جبهة

الشاعر مفعمة بالحياة.

وإذا كان استيقاظ »صبي الروح« له تأثريه الفاعل يف

حياة الشاعر، فهل له تأثريه الفاعل يف حياة اإلنسان الذي

يخاطبه؟ لعل هذا ما سيجيب عنه الجزء اآليت من النص:

يستيقظ صبي الروح لفتح العيون

عىل براري الجدران،

وحقول املرايا..

السرية التي نأيت عىل ذكرها هنا،

ما زالت يف البداية،

والدقائق تبدو كالطحني

لدواجن الليل وطيوره،

تبدو كالكالم

لحركة اللسان يف الفميسعى الشعر إىل توسيع دائرة الرؤية عند اإلنسان؛ ليجعل

لألماكن الضيقة التي يعيش فيها أفقـا ممتدا، ولهذا مل تعد

األشياء صامتة أو ساكنة أو جامدة؛ فالجدران أصبحت مضافا

إليه، واملضاف هو »براري«، واملرايا أصبحت مضافا إليه،

واملضاف هو »حقول«. والهدف من جعل هذا األفق ممتدا

هو القضاء عىل كل ما يحول دون الرؤيا التي تزين لإلنسان

من خالل الشعر الرغبة يف البقاء؛ فالشعر يطلق الرصاص

عىل الريح التي تحاول النيل من تلك الرغبة، ويجمع ما

تفرق معـا حتى ليخال املرء أن هذا الجمع كان مستحيال

قبل الدخول يف الرؤيا؛ فالشعر يضع خاتم موجة يف إصبع

أخرى حتى يحقق السعادة لإلنسان يف برهة زمنية هي

لحظة قراءة القصيدة، واللحظات التالية التي قد تطول وفق

قدرة القارئ عىل البقاء تحت تأثريها.

يحرتق الشاعر حتى تولد القصيدة، وعندما تولد يسعى إىل

أن تدور عىل ألسنة الناس جميعا، ولكن هؤالء ليسوا عىل

مستوى واحد يف التعامل معها، وهو ما يجعل الشاعر يحرتق

مرة أخرى، وهو يشاهد ما يحدث:

يستيقظ صبي الروح يك يضعني

عىل قارعة النهار..

النهار الواقف لالستقبال،

ولالستعامل،

ولإلهامل..

إلصابة الهدف،

واصطياد كل تلك العصافري..

النهار الخائف،

وتردد الخطى بني الباب املدفون

يف الجدار،

واملصعد الذي جاء يف املوعد

دف يك ينتظر الص

تنزل إىل العمل

يف أي وقت..

النهار الزائفتتكرر كلمة »النهار« يف هذا الجزء أربع مرات، وهي ال تأيت

منفصلة بل تكون مضافا إليه »قارعة النهار«، أو تتبعها

الصفة »النهار الواقف، النهار الخائف، النهار الزائف«،

األوىل: »قارعة النهار«، تعني النهار يف الحياة اليومية حيث

حركة الناس، وتأيت البقية للتفصيل يف طبيعة هذا النهار؛

فاإلنسان ميارس فيه الحركة بني االستعامل/ قراءة الشعر،

واإلهامل املفيض إىل قتل مساحة الحرية التي تتحرك فيها

أبيات القصيدة، وتحاول أن تجره إليها، »اصطياد كل تلك

العصافري«. هذا النهار، يخاف فيه اإلنسان من الشعر، ومن

أجل ذلك، تبقى خطاه مرتددة بني أمرين، األول: الخروج من

الباب املدفون يف الجدار، وهو الحقيقة الصافية والحرية التي

ال تنال إال بكشف الخفي للميض بشجاعة نحو ما يدعو إليه

الشعر. الثاين: اإلعراض عن الشعر، واالنصهار بالروتني اليومي:

انتظار املصعد، وترك األمور للصدف، والنزول ملامرسة األعامل

املعتادة، وهذا هو »النهار الزائف«/ إهامل الشعر حيث

نبرص القشور، ويعمينا عن النهار الحقيقي/ الشعر حيث نرى

الجوهر

أحمد راشد ثاني

Page 134: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 134

.......................................................................................

رأي الشاعر

مازن معروف

القصيدة والربيع العربي

شعراء اليوم غائبون

قمعية مؤسسة بني ما قامئا ظل لطاملا لرصاع امليكانيكية املرحلة هو األوسط، الرشق يف الثوري

اجتامعيا وعسكريا، وذاكرة. تحديدا، بني سلطة املؤسسة وسلطة الذاكرة. أما خط التامس الدائم بني

هاتني السلطتني، العظيمتي النفوذ، فقد كان الفرد نفسه. الفرد هذا كان أشبه بقامشة يحك وجهها األول حجر، ويحك

وجهها اآلخر حجر آخر باالتجاه نفسه. حجر يك يعيق، وحجر يك يخلع نافذة. التفت القامشة يف النهاية عىل حجر النافذة،

ودثرته. يف ثورات الرشق األوسط، تنترص الذاكرة بأغراضها القدمية: األمل. وانتصارها مدفوع بتعاطف مع الحياة. وانحياز

لها. وال مبالغة يف قول إن املنتج الشعري - السيايس تحديدا، يف آخر مائة سنة، هو اإلبرة التي جعلت من »يوم الثورة«

أمرا ممكنا. وأي ديكتاتور يف الرشق األوسط إن أمسك بالذاكرة املعارصة وخشخشها وقلبها فإن قصيدة أبو القاسم الشايب

»إذا الشعب يوما أراد الحياة/ فال بد أن يستجيب القدر« ستهوي فوق رأسه كحجر ثقيل.

هذا البيت الشعري، يشد الذاكرة العربية كنسيج، ورمبا قد يكون أكرث املواد الشعرية تداوال بني األجيال وتناقال. ككرث،

كنا قد نسينا داللته لفرتة طويلة. لكن، ومع بداية االحتجاجات الشعبية يف تونس، عاد لينفجر يف وجوهنا، طازجا كأنه

كتب لتلك املناسبة، وتفاجأنا مبدى صالحيته. نخر النظام السيايس ومل ينخر بيت الشعر. االحتجاجات الشعبية يف تونس

مل تبدأ بعمل مسلح، وال بحركة عسكرية يقودها ضباط أو سياسيون أو أحزاب معارضة. الهتاف كان النصل الذي لوحت

به الجامهري التونسية أمام سلطة بن عيل، وأول شعار رفع آنذاك، كان »إرحل«. »إرحل« ولد من لعبة يف املجاز واملعنى

والهدف. التعبري الذي استخدمته الرشطية التي صفعت محمد البوعزيزي، إستله املحتجون يومها، وشقلوا داللته ووضعوه

يف كادر القيمة السياسية الخطرية، وعدلوا اتجاهه، يك ال يعود مصوبا نحو بائع خرض وفاكهة مسكني، بل نحو الديكتاتور

وتعديال للمعنى، لكزا لغوية، كانت الثورة، أدوات أول .

ملسار الصيغة اليومية التي أرادها النظام. ومنذ بدء الحراك

بالنسبة كانت الكربى. املسؤولية اللغة أعطيت الشعبي،

النباتات منه يقطفوا أن يجب الذي الحقل للمتظاهرين

ليؤلفوا منها صيغا تجلب انتباه الشمس. وما لبثت »إرحل«

أن سحبت خلفها كام من الشعارات واليافطات التي خيطت

عالقة ولتعكس النظام، عظم يف حادا صدى لترتك بذكاء،

متينة بني شعب نظر إليه النظام كضعيف وبسيط، وقاموس

شعري ولغوي مل نكن نتوقع أن يكون له يوما هذا األثر.

لكن، هل ميكن للمصادفة املتمثلة بكون البوعزيزي والشايب،

تونسيني، وأن يكون االول رشارة الحدث املصريي يف الرشق

األوسط، فيام يكون الثاين أحد واضعي أسس عالقة الذاكرة

الحدث

هل يمكن للمصادفة المتمثلة بكون البوعزيزي والشابي، تونسيين، وأن يكون االول شرارة الحدث

المصيري، فيما يكون الثاني أحد واضعي أسس عالقة

الذاكرة الحديثة بالقصيدة السياسية

Page 135: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 135

الحديثة بالقصيدة السياسية، الدور األبرز يف لعب الشاعر دورا يف »الربيع العريب«؟ سواء كانت االجابة عن هذا السؤال

بنعم او ال، فالعالقة بني الشاعر والتزام العمل السيايس، متتد يف جذورها إىل ما قبل »الربيع العريب«. هي بذلك ليست

أسرية املستجد السيايس وحده، وإمنا تصب يف عمق الثقافة العربية ومكانة الشاعر االجتامعية تقليديا، واألهمية التي ال

يزال يحظى بها رمزيا يف األوساط الشعبية برغم كل العوائق املعيشية التي متنع الناس يف كثري من األحيان من االحتكاك

ن األطفال االستظهارات بالقراءة واملنتج الشعري. ففي املدرسة، تسبق القصيدة الفنون األخرى يف تواصلها مع التلميذ. يلق

يطور الشعراء. أبرز أسامء وأساليبها ويحفظون العربية القصيدة تطور منهم األكرب الجيل والرتبوية، ويدرس الوطنية

املواطن يف الرشق األوسط بفعل هذا عالقة خاصة مع القصيدة، ويكتسب الشعر املقفى واملوزون أهمية كمؤثر عاطفي

وفعال، ويصبح املكون األساس يف الهتافات واالحتجاجات. وألن الشاعر أيضا ميال بطبعه إىل تضخيم الحدث والتفاعل يف

الحد األقىص معه والتلصص عىل الفجيعة، فإن تطورا طارئ ومفاجئ كـ«الربيع العريب« ال بد وأن يدفعه إىل أن يرتدي

بذلته اللغوية ويغطس بعدته يف اللحظة.

والذاكرة، كام هي مليئة بالقصائد واملحفوظات الشعرية، هي أيضا متخمة بأسامء الشعراء الذين قتلوا ولوحقوا وهددوا

واعتقلوا عىل مر عقود. أول صور الشاعر املعاقب تعود إىل عام 1915. علقت آنذاك السلطات العثامنية املشانق يف بريوت

ودمشق ملجموعة من املثقفني والصحافيني وكان بينهم الشاعر الشعبي عمر حمد الذي أذهلت صالبته قياسا بصغر سنه

الكثريين. والشاعر املرصي الكبري مثال فؤاد حداد، كان اعتقل عدة مرات يف خمسينات القرن الفائت، كام الشاعر املعروف

أحمد فؤاد نجم الذي لطاملا رددنا يف تظاهرات بريوت يف أواخر التسعينات واوائل االلفية الثالثة مقاطع قصيدته »شيد

قصورك عل املزارع/ من كدنا وعمل إيدينا«. وقد برز شعره بعيد نكسة 1967، وتوقيع كامب دايفد وفساد أجهزة مبارك.

واعتقل يف الستينات والسبعينات، ومل يعفه نظام مبارك من املالحقة والحبس. الشاعر السوري محمد املاغوط أودع يف

منتصف الخمسينات يف سجن املزة ولوحق أيام الوحدة واضطر إىل الهرب إىل بريوت. وهو الذي كتب يف مرسحية كاسك

يا وطن »ما ناقصنا إال شوية كرامة بس«. كذلك مواطنه الشاعر الكبري نزار قباين الذي اضطر ألن يعيش منفيا يف لندن

بسبب نظام حافظ األسد وذلك لقصائده السياسية الالذعة التي أزعجت نظام حزب البعث، وهو الذي كتب »يف حارتنا

ديك سادي سفاح«. أما الشاعر السوري حسن الخري والذي كتب يف مطلع قصيدة تناقلتها الشفاه »ماذا أقول وقول الحق

يعقبه جلد السياط وسجن مظلم رطب«، فقد اعتقل يف سبعينات القرن املايض عىل يد النظام السوري، ومل يعد له من

أثر من يومها، وقيل أنه قبع يف أحد سجون النظام وقطع لسانه قبل اعدامه. ومن ثم كان نصيب مواطنه الشاعر فرج

بريقدار أربعة عرش عاما من السجن بدأت يف 1987. والقامئة تتسع ألسامء عديدة أخرى.

أو موقف سيايس بأي احتجاج شعبي أنشأوا كتاباتهم يف مبادرات فردية نقدية مل تكن مدعومة الشعراء لكن، هؤالء

عام. كانوا يف النهاية أفرادا ميتلكون موهبة الشعر، ورمبا مل يكن الواقع الجائر ليسمح لطموحهم بأن يتعدى أكرث من

محاولة تحسني نظام الحكم، ال اقتالع جذوره. غري أن مهمة الشاعر يف الربيع العريب اختلفت متاما. إنها أكرث دقة ومبارشة

القصيدة والربيع العربي

ميدان التحرير

Page 136: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 136

ومصريية. ما يكتب ال ميكن الرتاجع عنه. موقف الشاعر حاسم، وهو مل يعد مجرد إشتغال يف الغرفة بعيدا عن الساحة

والشارع والزقاق. ليس الشعر يف الربيع العريب إستظهارا يف صف املدرسة أو زخرفات عىل الدفرت. القصيدة حملت أدواتها

ونزلت إىل قلب الثورة. واتخذت مساحة لها، مكان تجمع املتظاهرين، بديال عن الورقة الفارغة. فمساحة الشارع أدفأ،

الشاعر وال الجمهور، الشاعر من دون أن يضطروا إىل الصمت. ال أحد يصمت، ال الناس وأكرث حيوية. هناك يستقبل

والجميع يتساوى يف القضية املعلنة. ينتقل التواصل ليصري مبارشا، ال ضوابط، وال منصات. الشاعر قد يحمل عىل االكتاف،

وعندما يتم قتله أو اعتقاله أو اقتالعه من تربة الثورة، فإن قصيدته تتحرك من فم إىل آخر وتقفز متملصة من عنارص

بت يف الحدث، لتصبح عىل ذو العريب، تكون الحراك القصيدة يف النظام من املدنيني. لهذا، فإن األمن والرشطة وأزالم

مستوى من االهمية بحيث تحرض وتحفز، وتثري وتحرك وتشحن وتغذي وتتنازل عن ملكيتها للشاعر لتصبح حقا عاما

متداوال. ففي الحراك العريب الحايل مل يعد هنالك من منرب، وال حتى من صاحب نص أو مؤلف. أصبحت الكلامت مودعة

الثورة لتخدم مطالب الدميقراطية والعدالة االجتامعية ورفع الظلم ووقف القتل ومغادرة السلطة ومحاكمة يف خزنة

أرباب النظام.

والنظام بدوره، وجد نفسه أمام عدو عنيد. ليس بشخص، بل برتكة فنية. تفرج عاجزا، عىل القصيدة وهي تعمل عىل

تنشيط الشارع وتشجيعه عىل اإلستمرار يف التظاهرات. رواج الهتافات بتلك الرسعة يف الشارع العريب مرده إىل أن العالقة

بني الشارع والشعر، قدمية، كالسيكية، لها عالقة بالرتاث، واألسس الرتبوية املدرسية وخصوصية املجتمع العريب الزاخر

باألمثال املوزونة كـ«ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك« )اإلمام الشافعي(. لذلك، شهدت الثورات العربية

حوادث طالت شعراء بني االعتقال والتنكيل، باسلوب مشابه العتقال أسالف لهم من الشعراء. ولعل أشهرهم بلبل الثورة

السورية ابراهيم القاشوش، الذي غنى يف حامة لرحيل بشار األسد الرئيس السوري الحايل، وخرس حياته مثن قصيدته

التي يقول فيها »والحرية صارت عل الباب.. ويلال إرحل يا بشار«. القاشوش وجدت جثته يف نهر العايص ممزقة وعنقه

منحور من الوريد إىل الوريد وحنجرته مقتلعة. حنجرته ال حنجرة القصيدة التي ال تزال عىل قيد الحياة يف كل شارع

سوري منتفض.

لكن لعبة الجمل الشعرية، والتزام خيار العبارة بدل التسلح، انتقل من أن يكون عمال فرديا يؤديه شاعر واحد معلنا

اسمه، إىل نتاج جامعي باسم مجموعة سكان. مدينة كفرنبل السورية مثال، قدمت ظاهرة غري مسبوقة يف الثقافة العربية.

يافطاتها باتت تقارع الشعر يف حدتها ونربتها النقدية الصارمة، من دون أن تعلن اسام. تطور عمل الجامعة. صارت تنتج

ويافطات األزمة. الناس يف يتقاسم مسؤوليتها فعلية أصبح مهمة الشعر استقباله. يقترص دورها عىل أن بدل الشعر

كفرنبل هي يف أحد أوجهها احتضان ملكانة الشاعر يف وقت يحاول النظام أن ينكر صورته، وينفيه ويهدده. بدال من ترفع

كمقولة باسم الشاعر، ترفع اليافطة اليوم باسم الناس جميعا، وهم يعرفون األثر الذي ستخلفه يف عظم النظام، مدركني

لتبعات غضبه. انتفى كل تنصل ولو ضئيل من الكلمة املكتوبة. إحدى الفتات كفرنبل تقول »سأزور قربك يا قاشوش يوما

ما وأقيض بقربك ليلة كاملة أمألها بالغناء وأقص عليك كيف أسقطنا النظام«. إنه انعكاس صورة الشاعر بهيئة مدينة

بأكملها.

مل نجد إىل اآلن إشارة عىل أثر »الربيع العريب« يف بلورة قصيدة »جديدة«. فكل ما ينهل منه شعراء »الثورة« هو مفردات

استخدمت يف الستينات والسبعينات. وقد يكون األمر مبكر جدا عىل تصور ما قد نسميه ارتدادات الثورة شعريا، كام

أن ظروف الفن وغياب املدارس الفنية الجامعية، قد تبدو جميعها عوامل غري مبرشة فيام يتعلق بتأليف قصيدة »غري

السيايس للمراد وتوظيفه الشعري، املنتج تداول طريقة أن غري املسبوق. غري الشعبي الحراك مع تتامىش مسبوقة«

والتاريخي، يبلغ من األهمية بحيث يضع األرضية لشعراء يك ينشئوا قصيدة مغايرة فعال. خاصة وأن الشعر مل يعد نزيل

كريس وطاولة بعيدين أمياال ضوئية عن الشارع

رأي الشاعر

Page 137: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 137

فن الشعروبعض حواش إضافية

اختيار وترجمة- تحسين الخطيب

قول على قول

آرشيبالد ماكليش

ال بد للقصيدة أن تكون واضحة

وخرساء

كثمرة كرة أرضية،

بكامء

كالرصيعات القدمية لإلبهام،

صامتة كحجر حواف النافذة-الباب،

الذي بليت أردانه، حيث كربت

األشنة -

عىل القصيدة أن تكون بال كلامت

كرسب عصفافري.

***

ال بد للقصيدة أن تكون ساكنة بال

حراك يف الزمن

مثلام يصعد القمر،

راحلة، مثلام يعتق القمر،

غصينا غصينا، األشجار التي

تشابكت بالليل،

راحلة، كام يرحل القمر الذي خلف

الشتاء،

عن العقل ذاكرة ذاكرة -

ال بد للقصيدة أن تكون ساكنة بال

حراك يف الزمن

مثلام يصعد القمر.

***

ال بد للقصيدة أن تكون نظرية:

ليس الحقيقي.

ألن كل تاريخ األىس

مدخل فارغ وورقة قيقب.

ألن الحب

هو العشب املائل وضوءان اثنان

عىل البحر-

ال بد للقصيدة أال تعني

بل أن تكون.

....................................................

بثنته هويدوبرو

وليكن الشعر مثل مفتاح

يفتح ألف باب.

ورقة أشجار تسقط. وأخرى تطري.

وليكن- بقدر ما تستطيع العني أن ترى- مخلوقا

ولرتتعش الروح »التي تسمع« إىل

Page 138: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - أكتوبر/تشرين األول/2012 138

األبد.

اخرتع عوامل جديدة واحرث الكلمة.

والصفة، حني ال متنح حياة، اقتلها.

نحن يف دائرة األعصاب-

تتدىل عضالتنا

كذكريات، يف املتاحف،

وال يشء يفت يف عضدنا.

عنفوان محض

يسكن يف الرأس.

أيها الشعراء! لم تغنون عن الورود؟

دعوها تتفتح يف قصائدكم !

فهناك، ليس إال، يعيش

كل يشء، من أجلنا، تحت الشمس.

الشاعر كإله صغري.

....................................................

خورخي لويس بورخيس

أن تحدق يف نهر وقت وماء

ثم تذكر أن الوقت نهر آخر.

أن تعرف بأنا نضل كاألنهار

ثم تفنى كاملاء وجوهنا.

أن تشعر بأن اليقظة حلم آخر

يحلم أال يحلم وبأن املوت

الذي نخشاه يف عظامنا هو املوت

الذي ندعوه الحلم كل ليلة.أن ترى يف كل يوم وعام رمزا

لكل أيام اإلنسان وأعوامه،

ثم تحول غضب السنني

إىل موسيقى، وصوت، ورمز.

أن ترى يف املوت حلام، ويف املغيب

حزنا ذهبيا- كذا هو الشعر،

متواضعا وخالدا، الشعر،

عائدا، كالفجر واملغيب.

أحيانا، مثة وجه يف املساء

يرانا يف أعامق املرآة.

ال بد للفن أن يكون كمثل تلك

املرآة،

يكشف لكل واحد منا وجهه.

يقولون إن عوليس، منهكا من

املعجزات،

قد بىك حبا حني رأى إيثاكا،

متواضعة وخرضاء. الفن هو إيثاكا

تلك،

أبدية خرضاء، وليست معجزات.

الفن رسمدي كنهر يتدفق،

عابرا، رغم بقائه، مرآة لذات

هرقليطس املتقلب، الذي هو نفسه

بيد أنه اآلخر، كالنهر املتدفق.

....................................................

بابلو نيرودا

بني الظل والفضاء، بني الرسوج

والعذارى،

بقلب مفرد وأحالم مهلكة،

شاحبا عىل نحو طائش، ذابال يف

الجبني

ويف الصباح كأرمل غاضب كل يوم

من حيايت،

آه، لكل جرعة ماء خفي كرعتها

وسنا،

وبكل صوت أشهقه، مرتعشا،

أشعر بذات العطش املفقود وذات

الحمى الباردة،

ها تولد اآلن أذن، وجع موارب،

كام لو أن لصوصا يصلون أو أشباحا،

يف داخل صدفة مجوفة، عميقة،

ومديدة،

كنادل مهان، كجرس صار أجشا

قليال،

كمرآة عتيقة، كرائحة بيت فارغ

حيث يعود الضيوف يف الليل

سكارى بال حيل،

ورائحة ثياب مرمية عىل األرض،

وغياب أزهار

- أو رمبا أقل كآبة بطريقة ما-

لكن الحقيقة أن الريح تجلد صدري

فجأة،

والليايل الكثيفة بال تناه قد حلت يف

غرفة نومي،

ضجيج نهار أج بالقرابني

يطلب بالكآبة النبوي الذي يف،

مثة دوي أشياء تنادي وال تجاب،

وحركة هائجة، واسم مشوش.

....................................................

تشيسواف مييووش

لطاملا تقت إىل شكل أكرث رحابة

يكون متحررا من متطلبات الشعر

أو النرث

يرتكنا نفهم بعضنا بعضا من دون

تعريض

املؤلف أو القارئ إىل عذابات

عظيمة.

مثة يف جوهر الشعر يشء فاحش:

يشء تقدم ومل ندر أنه قد كان فينا،

فرنمش، كام لو وثب منر

وجلس يف الضياء، يرضب بذيله.

لقد كان حقا قول إن الشعر تلقيه

علينا الشياطني،

ونبالغ إذ نزعم أنها ال بد أن تكون

مالئكة،

فمن الصعب الحدس من أين تأيت

قول على قول

Page 139: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 139

كربياء الشعراء،

حني تتبدى هشاشتهم، ملحقة بهم

الخزي يف الغالب.

فأي عاقل يرغب يف أن يكون مدينة

من شياطني،

يترصف كام لو أنهم عىل سجيتهم،

وينطق بألسنة كثرية،

والذي، وهو غري راض عن رسقة

شفتيه ويديه،

يعمل عىل تغيري قدره من أجل

راحتهم؟

وليس كذبا أن ما هو كئيب هو يف

غاية التقدير اليوم،

قد تفكر بأين لست سوى أمزح

أو اختلقت وسيلة أخرى

ملديح الفن بعون السخرية.

كان مثة وقت مل تقرأ فيه سوى

الكتب الحصيفة،

تعيننا عىل احتامل األمل والبؤس.

هذا، بعد كل يشء، ليس متاما ذات

ح آالف األعامل الخارجة للتو تصف

من عيادات األمراض النفسية.

ولكن العامل ما زال مختلفا عام

يبدو عليه

ونحن غري ما نرى عليه أنفسنا يف

هذياتنا.

ولهذا يدخر الناس نزاهة صامتة

مكتسبني، بذلك، احرتام أقربائهم

والجريان.

غرض الشعر أن يذكرنا

كيف صعبا أن نظل شخصا واحدا،

ألن بيتنا مفتوح، وال مفاتيح يف

األبواب،

وضيوف محتجبون يأتون

ويخرجون أن شاؤوا.

- ما أرغب يف قوله هنا ليس- أقر

شعرا،

كام ينبغي للقصائد أن تكتب عىل

كره، ملاما،

عىل كره ال يطاق وبأمل

أن األرواح الطيبة، وليس الرشيرة،

تختارنا آللتها املوسيقية.

....................................................

إكس. جيه. كينيدي

اإلوزة التي وضعت البيضة الذهبية

ماتت وهي تبحث عن منفرج

ساقيها

لتعرف كيف عملت عضلتها

العارصة.

هل ستضع البيض جيدا؟ ال تنظر.

....................................................

بريموس سانت جون

عىل حافة الغابة

يف قلب العتمة

مثة يد،

أبرد من النحاس،

كنهر

مد عىل أحجار عريضة.

ورغم الصخور القاسية

والريح العاتية

أحبها

كرسب طيور

أو كقطيع وادع جاء ليرشب

لثائرة فنها الفاتنة

وأشنته الناعمة.

مثة يشء بشأن القصيدة

عنيف

وطريق أخرى للموت،

ويف كل مرة ندرك فيها أرسارنا

نضعف.

حني أكتب أتناثر غري مرة

عرب إمرباطورية فاجرة

فن الشعر

Page 140: bayt_alshier_5

من أزهار شهوانية.

يرتاءين، جميعهن، منتهكات إىل

حد بعيد

حتى اللوايت رياشهن عليهن

تستبد بهن لحظة

. تلميح من هن

أومن، إن كان كفاح،

فال بد أن يتواصل

حيث هم العشاق الحقيقيون.لن أندم قط

بأين قد ذبت قطعة واحدة

كرمى لهذي القصيدة.

....................................................

إيونا إيرونيم

الشعر للزمنحني يكل برصك، متعبا

رث الثياب،

مكتوبا بفرشاة غليظة عىل الجدار

مرئيا حتى يف الظالم

منتظرا بعض الحذق

يك ترتاءى يف أحد األمكنة، يف زمن

ما.

....................................................

إليزابيث ألكساندر

الشعر غرابة،

أخرب تالميذي. الشعر

حيث نكون أنفسنا

»رغم أن ستريلنغ براون قال

إن كل »أنا« هي »أنا« درامية«،

حافرين يف طني جحور البطلينوس

بحثا عن الصدفة التي تفرقع

مفرغني محفظة مرضب األمثال.

الشعر ما تجدونه

يف الرثى الذي يف الزاوية،

ما تسمعونه صدفة يف الحافلة،

الرب

يف التفاصيل، الطريق الوحيدة

يك نصل من هنا إىل هناك.

الشعر »ويعلو صويت اآلن«

، ، حب ، حب ليس كله حب

ويعز عيل أن الكلب قد مات.

الشعر »وأسمعني بالصوت األعىل«

، هو الصوت اإلنساين

وهل نحن غري مكرتثني لبعضنا

بعضا؟

....................................................

دانا ليفين

رشنقات ست فراشات ملكات

تتشبث مبؤخرة حلقك -

تستطيع أن تشعر بأجنحتها

الذهبية وهي ترتعش.

لقد تم تحذيرك. أنت مصاب.

، يف حامم بيت يف الطابق السفيل

العائلة،

تتقيا لتبصقها خارجا -

وصوت يقول: إياك، إياك -

ملحق -

بعض حواش إضافية عىل »فن

الشعر«:

....................................................

بابلو نيرودا

وكان عىل تلك الصفحة… جاء

الشعر

باحثا عني. مل أعرف، ال أعرف

من أين جاء، من شتاء أم من نهر.

ال أعرف كيف وال أين،

كال، مل تكن أصواتا، ومل تكن

كلامت، وال صمتا،

ولكني من الشارع دعيت

من غصون الليل،

بغتة من اآلخرين،

بني نريان ضارية

أو حني أعود وحيدا،

كنت، هناك، بال وجه

ولكنه مسني.

مل أدر ماذا أقول، مل تكن

لفمي سبيل

مع األسامء

كانت عيناي معميتني،

ويشء نفر يف روحي،

حمى أو أجنحة منسية،

ثم اتخذت طريقي،

وأنا أفك طالسم

تلك النار

كتبت أول بيت غامض،

، غامض، بال مغزى، نقي

لغو،

حكمة خالصة

لشخص ال يعرف شيئا،

ثم فجأة رأيت

السموات

مفتوحة

بال حبك،

كواكب،

تآكالت راجفة،

ظال مفضوضا،منخوبا

بيت الشعر العدد )5( - أكتوبر/تشرين األول/2012 140

قول على قول

Page 141: bayt_alshier_5

بالسهام، النار واألزهار،

الليل املتعرج، والكون.

وأنا، املخلوق الضئيل،

سكران بالفراغ

العظيم املرصع بالنجوم،

الشبه، صورة

، الرس

شعرتني قطعة خالصة

من الجحيم،

درت مع النجوم،

وقلبي قد حطم أغالله، حرا، عىل

السامء املفتوحة.

....................................................

نيكانور بارا

• شعراء شبابأكتبوا مثلام تشاؤون

وبأي أسلوب تحبون

فقد جرت دماء كثرية تحت الجرس

أن تظلوا مؤمنني

بأن طريقا واحدة هي الصواب.

كل يشء يف الشعر مباح.

وبهذا الرشط، ليس إال، بالطبع،

عليكم أن تصلحوا الصفحة الفارغة.

لورنس فيرلينغيتي

• الشعر فن ثوريأشري إليك عرب ألسنة اللهيب.

القطب الشاميل ليس يف املكان

الذي اعتاد أن يكون فيه.

القدر الجيل مل يعد جليا.

الحضارة تدمر ذاتها.

املنتقم يدق الباب.

ما الذي يبتغيه الشعراء، يف مثل

هذا العرص؟

ما فائدة الشعر؟

أحوال العامل تنادي عىل الشعر يك

ينقذها.

إن أردت أن تكون شاعرا، اصنع

أعامال كفيلة باالستجابة إىل تحدي

األزمنة الرؤيوية، حتى ولو بدا هذا

املعنى رؤيويا بذاته.

أنت ويتامن، أنت پو، أنت مارك

توين، أنت إميييل ديكنسون وإدنا

سانت ڨينست ميالي، أنت نريودا

وماياكوفسيك وپازوليني، أنت

أمرييك أو لست أمريكيا، تستطيع

قهر الغزاة بالكلامت. . . .

تيد هيوز

• ثعلب الفكرأتخيل غابة لحظة منتصف الليل

هذه:

يشء آخر حي

قرب عزلة ساعة الحائط

وهذي الصفحة البيضاء حيث متيض

أصابعي.

عرب النافذة ال أرى نجمة:يشء أكرث قربا

أعمق يف العتمة

ويدخل العزلة:

بارد، رقيق كثلج معتم،

أنف ثعلب يلمس غصنا، ورقة؛

عينان تعلنان حركة ما، اآلن

واآلن ثانية، اآلن، واآلن

يرضب أثارا بارعة يف الثلج

issue (5)- October - 2012 141

فن الشعر

Page 142: bayt_alshier_5

بني األشجار، ظل أعرج

يتمهل باحرتاس قرب جذل شجرة،

ويف غور

جسد أقدم عىل املجيء

عرب األرايض املقطوعة األشجار، عني،

خرضة واسعة تعمق،

برباعة، محتشدة،

تبلغ شأنها

حتى، برائحة ثعلب كريهة، حادة

وفجائية،

تدخل ثقب الرأس املعتم.

ما زالت النافذة بدون نجوم؛

، الساعة تدق

والصفحة مطبوعة.

أليس ووكر

• قلت للشعرقلت للشعر: »ها قد فرغت

منك.«ليس لهوا

أن تكون عىل شفري املوت

قبل أن ينسل ضوء غريب.

»كال، شكرا لك، أيها اإلبداع،

فال يحتاج اإللهام إىل طلب.

إين خارجة إىل أوقايت البهية—

عىل أقل تقدير،

بعض ميثاق غري مؤمل«.

تراجع الشعر

ولعب لعبة املوت

حتى هذا الصباح.

مل أكن حزينة أو أي يشء آخر،

قلقلة، ليس إال.

قال الشعر: »أتذكرين

الصحراء، وكيف كنت مرسورة

بأن لك عني

تبرصين بها؟ أتذكرين

ذلك، ولو بعض اليشء؟«

قلت: »مل أسمع ذلك.

ثم، إنها الخامسة صباحا.

لن أنهض

يف العتمة

ألكلمك«.

قال الشعر: »ولكن، فكري بالوقت

الذي رأيت فيه القمر

فوق ذلك الوادي الصغري

الذي أحببته أكرث

من الكبري— وكيف كنت مندهشة

ألن أشعة القمر كانت خرضاء

وما زلت

بعني سليمة

تبرصينها بها

فكري يف ذلك!«

»سوف أنضم إىل الكنيسة، قلت،

كدرة، أشيح وجهي إىل الجدار.

سأتعلم كيف أصيل ثانية«.

»دعيني أسألك، قال الشعر.

حني تصلني، ما الذي تظنني

بأنك سوف ترينه؟«

لقد متكن الشعر مني.

»ال ورقة

يف هذي الغرفة«، قلت.

»وذاك القلم الجديد الذي اشرتيته

يصدر جلبة مضحكة.«

»هراء«، قال الشعر.

»هراء«، قلت.

جين كينيون

• قليال تدخل، قليال تتكلم

أنا الربعم املطوي يف كتاب،

وجدت ثانية بعد مئتي عام....

أنا الصانعة، والعاشقة، والحارسة....

حني الصبية الجوعى

تجلس عىل الطاولة

سوف تجلس قريب....

أنا طعام يف طبق السجني....

أنا املاء املندفع إىل عني املاء،

أمأل اإلبريق حتى يراق املاء....

أنا البستانية الصبورة

لحديقة يابسة معشبة....

أنا سلمة الحجر،

مرتاس الباب، واملفصلة الدائرة....

أنا القلب الذي تقبضه الفرح....

عر األطول، أبيض الش

قبل الرقاد....

أنا، هنا، يف سلة الثامر

املقدمة إىل األرملة....

أنا وردة املسك تتفتح

بال عيون ترقبها، الرسخس عىل

القمة السبخية....

أنا الواحدة التي يجتاحك

حبها، معك للتو

حني تفكر يف قول اسمي

قول على قول

بيت الشعر العدد )5( - أكتوبر/تشرين األول/2012 142

Page 143: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 143

المرأة الشاعرة في األردن

الحرية في يد قصيدة النثر والنقد يقف على األطالل

أنتجت الحركة الشعرية النسوية في األردن، وال تزال، العديد من التجارب لشاعرات كان لهن إسهاماتهن الواضحة في تطوير وشحن القصيدة العربية بطاقات إبداعية جديدة، من دون اكتراثهن بالنقد الذي بقي على ما تنتجه المرأة من أدب »األدب النسوي« كما أطلق مصطلح مقتصرا على بعض ما ينتجه الرجل. الرجل وما تنتجه الحدود بين ما ينتجه النقد ال يزال يضع يعنى بهمومها وقضاياها، ما يؤكد على أن المرأة، رغم أنها خرجت بمنجزها من هذه الدائرة الضيقة إلى فضاءات واقتراحات ال تقل أهمية بمستواها

الكوني واإلنساني والتجديدي عن ما ينتجه الرجل

عمان- بريهان الترك

دراسات حول ما تنتجه املرأة من شعر عىل

املستوى املحيل والعريب تفوقت قصيدة

النرث عىل األشكال الشعرية األخرى »التفعيلة والعمود«

مواكبة منها للتطور، ولكون

قصيدة النرث أقرب إىل

التعبري عن القضايا املعارصة

ومعالجتها، وقد ظهر من

خالل اإلصدارات الشعرية

الجديدة، عىل األخص يف

األردن، أن املرأة متكنت

من تحقيق حلمها بالحرية

واالنعتاق إىل التعبري الحر

عن ذاتها، وتجاوزت العوائق

كالتابوهات واملحرمات.

حول هذه القضايا التقت

»بيت الشعر« أديبات

وشاعرات أردنيات هن الشاعرة لينا أبو بكر، والشاعرة

مها العتوم، والشاعرة مريم رشيف، ملناقشة ظواهرها

وحلولها..

النقد عجلة معطلةتقول لينا أبو بكر إن مشكلة النقد

ليست بتقصريه يف تناول التجارب

الشعرية واإلبداعية عموما بشكل

يليق بهاجس التجربة الشعرية يف

األردن، بل ألنه عجلة معطلة مل

يكن ألحد أن يحركها إال بعملية

دفع خلفية ال ميكن سوى لصحافة

الـ»take awy« أن تقوم بها.. وهي

مسألة تعكس مدى تقهقر حال النقد

عن مواكبة الحركة الشعرية بشكل

عام يف مجالها املحيل، مام أدى

تحقيق

لينا أبو بكر: الخروج عن التابوهات ليس انعتاقا للمرأة.

والحرية الحقيقية للمرأة الشرقية هي أن تأخذ

خيمتها إلى جزر القمر، وتحتسي القصيدة في

دالل القهوة العربية

وفق

Page 144: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 144

لتأخر الحراك النقدي عن استيعاب القفزات اإلبداعية يف

القصيدة األردنية عموما، ال بل إن هذا التأخر انعكس

باكتفاء وحرص النقد يف مجال الوقوف عىل األطالل وهو

ما مل يؤخر أبدا تقدم العمل اإلبداعي الشعري يف األردن

مام يعد استثناء حقيقيا ويثبت أن اإلبداع يف األردن مل

يركن إىل النقد ولكنه مىض قدما فاستفز بعض األقالم

النقدية التي أدركت عمق الهوة الناجمة بني الحركتني،

وبدأت تستعيد قواها للحاق بجيل كامل من الشعراء تم

تجاوزه وإسقاطه وهو متاما ما حدث، لذا ال ميكنني أن

أنصف النقد فأقول أنه ظلم أدب املرأة.. فقط!

العتوم، من جهتها، تشري إىل أن النقد يتفرج وال يفعل

يف وطننا العريب عموما ويف الساحة املحلية خصوصا. وال

يقوم بالدور املتوخى منه الذي يطور ويشحن ويفرز

مواهب جديدة، وينصف املواهب املكرسة، وهذا عام

للمرأة وللرجل. ولذلك تعاين املرأة املبدعة الشاعرة من

غياب دور النقد الحقيقي الذي يقيم ويقوم مثل الرجل

متاما.

وتؤكد مريم رشيف عىل أن النقد يف العموم ال يواكب

حركة اإلنتاج األديب. عىل األغلب ما زال النقاد يكرسون

األسامء التي تكرست سلفا، ويحتفون بإنتاجها، أما

بالنسبة لكتابات املرأة فام زالت توضع يف هذا املجال

الخاص والضيق: »الكتابة النسوية«، وتتابع رشيف قائلة:

»تجري مقارنة الشاعرة مثال بشاعرات أخريات ال بحركة

اإلنتاج الشعري العام.. هذا حكم مسبق عىل أن شعر

املرأة أقل شأنا من شعر الرجل، الغريب أننا نجد يف

األردن من يتخصص يف نقد األدب النسوي وال أعرف إن

كان هذا محاولة إلنصاف املرأة وشعرها بقصد القول إنه

مساو يف األهمية واإلبداع لشعر الرجل أم أنه تكريس

بطريقة أو بأخرى للنظر من األعىل نحو إبداع املرأة من

باب التعاطف واألخذ باليد«!

وتضيف: »ما زال بعض النقاد يبدأ كتابته النقدية عن

أدب املرأة مبقدمة اجتامعية عن مايض املرأة التي تعمل

يف الحقل وتعود للطبخ والخبز وهدهدة األطفال.. وكأنه

بهذه يرد األشياء إىل األصل الذي ال ميكن االنعتاق منه أو

تجاوزه، ويكون كل هذا تهيئة لالنتقاص املسبق!

تحقيق

لينا أبو بكر

مها العتوم

Page 145: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 145

مصطلح »األدب النسوي«ترفض أبو بكر التعليق عىل ما يسمى »األدب النسوي«،

وترفض الخوض يف ظاهرة قبلية مل تزل تتعامل مع املرأة

من منظور العزل الذي يعني التهميش.. حتى كأنها مل تزل

تساق مع القطيع والجواري وتوضع يف خانة ركنية..

أما العتوم فتقول: »أتعامل مع هذا املصطلح بحذر

ومبستويني رمبا يبدوان متناقضني وإن كنت يف قرارة

نفيس أراهام متكاملني، أقبل النسوية مبا هي ضد

السلطة مبستوياتها املختلفة ومبا هي انشقاق عن

السائد واملتكلس، وأرفضها مبا هي مترتس املرأة وراء

حدود تفصلها عن الرجل حتى لو كان يف ذلك متيزها، يف

اإلبداع ويف الشعر أرفض مصطلح اإلبداع النسوي، ألنه

يتعامل مع كل شعر املرأة عىل أنه نسوي، ويقبل أحيانا

بانحطاطه وتخلفه، وأنا أرى الشعر هو الشعر سواء كتبه

الرجل أم كتبته املرأة، وال أقبل التسامح مع شعر املرأة

األقل مستوى فنيا وجامليا تحت هذا املسمى، ويف الوقت

نفسه أجد للمرأة يف قصيدتها حضورا خاصا، خاصة يف

املضامني«.

من جهتها توضح رشيف بأن مصطلح األدب النسوي

يطلق عل إنتاج املرأة األديب بشكل عام سواء كان قصة أم

رواية أم شعرا ، وهو ال يعني بالرضورة األدب الذي يهتم

بقضايا املرأة وهمومها، فالكثري من األدباء كتبوا روايات

وأعامال سلطت الضوء عىل هموم املرأة وقضاياها، وال

تصنف ضمن األدب »النسوي«. وترى أن املرأة خرجت

من دائرة همومها الخاصة إىل دائرة الكون الواسعة

وكتبت يف كل املواضيع: كتبت عن الرجال كام كتبت

عن النساء. ومع هذا فنتاجها األديب هو »أدب نسوي«،

املجتمع العريب واألردين خصوصا محكوم بالكثري من

التقليدية يف نظرته للمرأة..

قصيدة النرث، األقرب لتعبري األنثىوحول اختيار املرأة لقصيدة النرث كشكل شعري تقول أبو

بكر: »الله يسهل عىل وليام فوكرن«.. عذرا لهذا التعبري

الذي يجنح إىل العامية، ولكنه جنوح رضوري إذا ما أخذنا

بعني االعتبار أن بطل أحالم فوكرن »كائن كابويس« إن جاز

يل التعبري، ألن حلمه الوحيد كابوسه الذي كان يسقط

فيه من جبل عال وهو مل يصعد يف حياته تلة واحدة..

لن أعني بهذا إلغاء التجربة النرثية أو رفضها أو التعامل

معها بتعال ألن لها أثرها ووقعها وثورتها التي امتدت

لعقود، ولكنني مع ما رآه الشاعر اللبناين محمد عيل

شمس الدين مرة أن مرحلة ما بعد الحداثة هي مرحلة

العودة إىل الوراء.. القصيدة النرثية انقالب عىل القوالب

املوروثة، ثورة لربيع إبداعي تم تشويهه من قبل من

يتلقفون »الفشنغ« الفارغ من الثورات ويظنونه رصاصا،

موضوع القصيدة النرثية موضوع جديل إىل أبعد الحدود،

ولكن التجربة التي ال يستطيع أصحابها وأتباعها القبض

عىل جمرتها – كنوع من الحامية– البد تفلت من بني

األصابع كخيوط املاء املترسبلة.. هنالك دامئا خطأ يرتكبه

أصحاب االنقالبات اإلبداعية، قائم عىل استرياد االنقالب

وليس اكتشافه.. التفعيلة تنترص ليس ألننا شعوب نعتمد

عىل ما نرثه ونتسمر عند قدميه، إمنا ألننا خرجنا من

عباءة العمود إىل التفعيلة من دون أن نخلع جلدنا..

اإلبداع الذي ال يستطيع أن يكتشف ثورته ليس إبداعا

حقيقيا بل استهالكيا وهذا يتناىف مع مبدأ الخلق.

وهنا تشري العتوم إىل أن ال جواب واضح يف ذهنها وإن

مها العتوم: حين أنظر فيما تكتبه

بعض النساء يهولني حجم االنفالت والفوضى

أحيانا، وال أتحدث من وجهة نظر أخالقية، ألن هذا يتصل

بالشخص ال باإلبداع

المرأة الشاعرة في األردن

Page 146: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 146

كانت تتفق عىل أن النرث هو الشكل الشعري األكرث

استخداما من قبل الشاعرات، وتشري أيضا حول السبب

يف ذلك قائلة: »برأيي أن قصيدة النرث انشقاقية، وظهرت

خروجا عىل الشكل السائد وهو قصيدة التفعيلة

والقصيدة العمودية قبلها، ومبا أن املرأة بدأت تطرح

نفسها بشكل مختلف عن الرجل وبشكل انشقاقي عنه،

فإن الشكل األقرب لهذا املضمون هو قصيدة النرث ال

التفعيلة. ولكن بالنسبة يل شخصيا ما زلت أميل إىل الوزن

وإيقاعات قصيدة التفعيلة، وإن كانت يل بعض قصائد

النرث«.

ويف هذا الصدد تقول رشيف: »قصيدة النرث تتيح حرية

أكرب يف التعبري ويف املواضيع الشعرية، شخصيا ال أعرف

حني ذهبت لهذا النوع من الكتابة إن كنت أواكب

التطور أم أعرب عن نفيس فقط. أظن أننا جميعا ننطلق

من الرغبة يف التعبري عن الذات وتشابكها مع الكون،

املواكبة والحداثة ليستا مرتبطتني بقصيدة النرث، بل هام

غاية األصناف األدبية عموما«.

الحرية والقيد تؤكد أبو بكر عىل أن التجربة اإلبداعية للكاتبات

األردنيات تطورت كام تطورت مظاهر عديدة يف األردن،

مريم شريف: ما زال بعض النقاد يبدأ كتابته عن أدب المرأة

بمقدمة اجتماعية عن ماضي المرأة التي تعمل في الحقل

وتعود للطبخ وهدهدة األطفال

ومجاالت يشرتك الرجل واملرأة فيها. وترى أن الخروج

عن التابوهات ليس بالرضورة انعتاقا للمرأة.. الحرية

الحقيقية يف اإلبداع عند املرأة الرشقية- كفصل بل

كتخصيص للملمح- هي أن تأخذ معها خيمتها إىل جزر

القمر، وتحتيس القصيدة يف دالل القهوة العربية املعتقة،

االنعتاق هو االنجذاب إىل التابو عىل اعتباره غواية

للقبض عىل الحرية بسالسل مفككة.. وتضيف أبو بكر:

»أنا ضد الخروج عن التابوهات بشكل مطلق.. ألنني

مع الغواية التي تشف وال تصف حتى يف نطاق التعامل

مع العرف عىل اعتباره مادة جاملية ميكن االلتفاف عىل

سياجها وأسالكها الشائكة بجسد من حرير«.

العتوم تلفت إىل صعوبة الحكم عىل هذا األمر يف حوار

مختزل، وال بد من الرجوع إىل مناذج محددة، وال بد من

النظر يف مفهوم الحرية املقصود. للحرية قيودها أيضا.

حني أنظر فيام تكتبه بعض النساء يهولني حجم االنفالت

والفوىض أحيانا، وأنا ال أتحدث عن املوضوع من وجهة

نظر أخالقية، ألن هذا يتصل بالشخص ال باإلبداع، لكني

أظن أن عدم تحديد مفهوم الحرية من جهة، وأنها ال

تنبع من دواخل بعض املبدعات من جهة أخرى يجعلها

شكلية خارجية زائفة.ولكن باملقابل هناك من يفهم

الحرية الحقيقية من النساء وغالبا هؤالء هن املبدعات،

ألن ال توسط يف األمر وال مفاوضة: إما أن تكوين حرة أو ال

تكوين، وبالتايل إما أن تكوين مبدعة أو ال تكوين.

بينام ترى رشيف أن املرأة العربية، عموما، تجاوزت الكثري

من املعوقات والقيود، وأحيانا كان ذلك التجاوز لدى

البعض مبالغا به، أقصد أن ذلك التجاوز ظهر أحيانا وكأنه

هو الهدف وليس التعبري التلقايئ وبحرية تامة، وهذه

مشكلة، املجتمعات العربية محكومة بالكثري من القيود

وال تتمتع بالدميقراطية واحرتام حرية الفرد، كام ال ميكن

تجاهل إرث طويل من النظر للمرأة عىل أنها يف املرتبة

الثانية يف املجتمع والبيت، وإذا كانت الحرية هي الحرية

وال تقبل أن توصف باملبالغة فأنا أحلم بأدب حر وشعر

إنساين ال يضطر للدفاع عن نفسه باملبالغة أو التربير

تحقيق

Page 147: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 147

حسن نجمي

حسد الشعراء..............................................................................................................

أعرف ملاذا يحسد شاعر شاعرا. وال أعرف تحديدا ملاذا يحسده كلام نرشت له قصيدة جميلة أو أصدر مجموعة شعرية

متميزة. واألدهى، أن يعلن عن فوز شاعر بجائزة صغرية أو كبرية، اذ رسعان مايجد نفسه مطوقا بحسد رصيح يتخذ له

شكل شائعات شفوية او مكتوبة تنال من جدارته وقيمته ووضعه االعتبارى.

ومع أن املفرتض أن الشاعر صانع جامل وخالق للحياة وللقيم الحية، وبالتاىل فهو الذى يزرع املشاعر الجميله ىف نفوس اآلخرين.

يفرتض انه ال يكره، وال يحقد، وال يحسد. يفرتض ايضا ان يتمنى لو انه هو الذي كتب تلك القصيدة الجميلة، ولو انه كان صاحب

املشهد ىف يحدث ال ذلك ولكن االخرين. لزمالئه وتثمني وامتتنان اعرتاف لحظة ىف وذلك املتميزة، الشعرية املجموعة تلك

الشعري العريب اال نادرا.

هنالك شعراء ظلوا يهاجمون شعراء ىف حياتهم، وهاجموهم حتى بعد موتهم. هنالك شعراء احرتفوا ايذاء شعراء اخرين، وترصفوا

والتجارب واالصوات االسامء ىف واالختالف التعدد اساس عىل قامئا يكون ان ميكن ال العريب الشعري املشهد ان اساس عىل

القوة لنفسها تحتكر سياسية بذاتية أي الوحيد«، و»الحزب »الزعامة« بعقلية ترصفوا انهم نقول دعونا الشعرية. واالشكال

والحضور واملشهدية وتحجب عن االخرين حصتهم من كل ذلك.

لقد افرتض بابلو نريودا ىف مذكراته »أعرتف انني عشت« ان هذة الظاهرة وجدت دامئا بني الشعراء والكتاب، وستظل توجد

ىف كل جهات العامل حتى انه قال » احيانا يصل الحسد اىل ان يصبح مهنة« ونذكر كيف تحدث، يف نفس الكتاب، عن » هذا

الحسد املتطرف« الذى لحقه منه الكثري من االذى، عن تلك االشباح التى ظلت تالحقه، تغضبه وتؤمله وان كانت –ايضا- تخدمه

من حيث ال يدري، وكانها تقوم بواجب دعاىئ اشهارى تجاهه، وكانها مؤسسة ال ارادية نبتت حواليه تروج السمه وتجعله دائم

الحضور والرنني.

وقدم نريودا بعض النامذج والحاالت لهذا املرض، لهذا التعصب، لهذا التطرف، لهذا الحسد الذى احاطه- طوال اربعني سنة-

مبطاردات ادبية واعالمية رخيصة يف معركة رشسه ممتدة طويلة النفس من جانب واحد، وهل ننىس ذلك الشخص )البئيس(

الذي ظل يكلف نفسه املال والجهد ذاهبا خلف نريودا حامال احقاده الصغرية متجشام عناء السفر ومصاريفه الباهظة فقط

ليقنع جامعة أكسفورد بأن ال متنح نريودا دكتوراه فخرية بل سافر من األرغواى اىل ستوكهومل ليحرم الشاعر الكبري من امكانية

جائزة نوبل لالداب حني بدأ اسمه يتداول ىف االكادميية السويدية. ويف النهاية انتحر املسكني عجوزا منهارا بينام كان نريودا يحلق

ىف االعايل ويحظى بانتباه عرصه مواصال الشعر والحياة، ساخرا من اولئك الذين ظلوا مقتنعني بانه ليس شاعرا عىل االطالق !

ويلفت ىف هذا السياق رد فعل بورخيس، البارودي الهازئ متاما، عندما كتب »ىف كل مرة، كنت اقرأ فيها مقالة تهاجمني أو

تنتقدين، كنت أتفق مع كاتبها! وأظن باستطاعتى أن اكتب – أنا نفيس- افضل منها. ولعله كان عيل نصح أعدايئ املفرتضني بأن

يرسلوا ايل انتقاداتهم قبل ان ينرشوها، عيل أضمن لهم العون. لكم كنت ارغب ىف ان انرش، بتوقيع مستعار، مقاال قاسيا عنى.«

رمبا ذلك وبامعان ىف ازدراء هذا »الحسد االغريقي« املتأصل، كان بورخيس كلام اطلع عىل مقالة أو اساءة حاقدة يذهب اىل

السينام ليشاهد فيلام جديدا بعينيه الغريرتني. ويف احدى هذه املرات، وقف بورخيس ىف الطابور الطويل لريى )كام يرى اي

اعمى حقيقي ىف العامل( فيلم » كاجيموشا« ) ظل املحارب( ألكريا كريوزاوا، فسمع احدا يضحك بقربه ساخرا من ارصاره عىل أن

يشاهد الفيلم رغم أنه بال عينني لريى! ورد بورخيس ببساطته املعهودة: » انني أحب اصوات األفالم اليابانية!«

ال

حاشية

Page 148: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 148

احمد عبد المعطي حجازي

قراءة فلكيةالكثير من هوامش الظل لدى هذا المعطي حجازي تضيء الفلكية لشخصية الشاعر احمد عبد القراءة موقفه لجهة يهدأ،وخصوصا لم ضجيجا حوله من واثار وثقافية سياسية معارك خاض الذي الكاتب

العدائي من قصيدة النثر

ياسين الزبيدي

خارطة امليالد التي نتناولها هنا تلزمنا ان نعود بالزمن

اىل اكرث من 75 عاما يف محاولة ملعرفة مواقع كواكب

املجموعة الشمسية كام تبدو من سامء املنوفية ، املدينة

التي ولد فيها احمد عبد املعطي حجازي، تساعدنا

يف ذلك بعض برمجيات الحاسوب التي عندما نزودها

بالزمان واملكان املحددين فأنها تقوم برسم صورة السامء

بدقة متناهية تثري العجب.

كانت الشمس يف ساعة ميالد حجازي يف برج الجوزاء

الهوايئ، وبرج الجوزاء هو برج الذكاء وقوة االقناع

والتعبري، مام جعل حجازي ذا ذاكرة قوية ودماغا له

قدرة عىل التحليل واالستنباط، كام انه يشرتك مع مواليد

الجوزاء يف حبه للحركة وكرهه للروتني، فالرتابة والتكرار

اململ هام من اشد اعدائه، كام انه ميتاز بخيال خصب

وعطش دائم للمعرفة، فضال عن منطق سديد يؤهله

لرسعة االختالط باملجتمع. بيد ان ذكاءه الحاد اوقعه

بامر مل يكن يف الحسبان، فقد اوحت اليه مخيلته بأن ما

ميتلكه من قدرات سوف ميكنـه من ان يفتح امامه كل

االبواب املغلقة ، متناسيا ان الثقة املفرطة بالنفس قد

تودي بصاحبها اىل الغرور، ومن الغرور ما قتل!

فكيف قـتل حجازي؟ ومن الذي غرس يف قلبه سكينا تاركا

اياه مخضبا بدمائه سنني طويلة؟ انها مدينة القاهرة،

قاتلة حجازي وملهمته، فعندما نزح اليها يف صباه وهو

مفعم بكل احالم الرجل الجوزاء الذي غالبا ما تكون

قدماه عىل االرض واحالمه فوق السحاب، كان يحلم

بالقاهرة كام يحلم افالطون باملدينة الفاضلة، النه متأكد

انه سيجد فيها الواحة الوارفة لروحه العطىش، واالرض

الخصبة التي ينرث فيها ابيات شعره، ولكن ما مل يخطر يف

خلد هذا الشاب الريفي ان القاهرة ال تحفل بالغرباء، وال

تفرش االرض رمال للبسطاء، ولهذا قتلته القاهرة باهاملها

له، فكتب قصيدة »مقتل صبي« يف هذه املدينة الالهية

التي مل تلق له باال:

»املوت يف امليدان طن

العجالت صفرت ، توقفت

قالوا : ابن من ؟

و مل يجب أحد

فليس يعرف اسمه هنا سواه !

يا ولداه !

قيلت ، و غاب القائل الحزين ،

شعر وفلكزي

جاح

Page 149: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 149

و التقت العيون بالعيون ،

و مل يجب أحد

فالناس يف املدائن الكربى عدد

جاء ولد

مات ولد !«

اال ان رجل الجوزاء مل ميت، بل خرج من

هذه التجربة الصعبة كام يخرج طائر

الفينيق من رماد العنقاء، وراح يهاجم قاتلته

ويعريها ويكشفها للعامل اجمع، بانها »مدينة

بال قلب« وليكون هذا العنوان هو باكورة

دواوينه الشعرية، ومدخال قويا اىل تجربته

املجددة يف الشعر العريب املعارص.

الشعراء فرسان الكلامت، وحجازي يرى يف نفسه »اصغر

فرسان الكلمة«، والقمر يف خارطة ميالده يؤيد فروسيته.

كان القمر يف برج العقرب يف الساعة التي ابرص فيها

حجازي النور، وللقمر يف برج العقرب داللة عىل رجل ذو

قوة وتصميم، وشجاعة يف الكلمة وشجاعة يف املوقف،

وفكر ال يخجل من االعرتاف باخطائه، فعندما يخفي

الناس عيوبهم يك يحافظوا عىل صورتهم يف املجمتع،

يخالفهم حجازي يف ذلك، فهو ال يتحرج ابدا من ان

يعرتف بخطأه ويعود بقوة من اجل ان يصحح ما يجب

تصحيحه. كان حجازي مؤمنا بالزعيم املرصي عبد النارص

اميانا ال تشوبه شائبة،وكان اقل ما يوصف به انه نارصي

حتى العظم. ولكن اصغر فرسان الكلمة عندما يرى بعينه

ما يخالف معتقده واميانه فانه ال يستطيع السكوت

ابدا، وهو يصف ملحسن عبد العزيز يف جريدة االهرام

شهادته لحكم عبد العنارص وملاذا فقد االميان به:

»عبدالنارص االشرتايك ساق آالف اليساريني اىل املعتقالت،

وشهدي عطية مات تحت تعذيب عبدالنارص، والعامل

الذين تظاهروا يف كفر الدوار شنقوا، هذه هي اشرتاكية

عبدالنارص، اما عروبته فقد اوقعتنا يف هزمية 67 النها

كانت تهدف ايل مجد شخيص وهذا هو الطغيان«. وألن

حجازي ال يخىش ان يراجع نفسه، او ان يرجع عن قصائد

تغنى بها لجامل عبد النارص عندما كان مؤمنا به ، كتب

له حني اعيد انتخابه عام 1965:

»أخاف أن يكون حبي لك خوفا

عالقا يب من قرون غابرات

فمر رئيس الجند أن يخفض سيفه الصقيل

ألن هذا الشعر يأيب أن مير تحت.. ظله الطويل«

ملاذا يحارب حجازي قصيدة النرث؟ وما رس هذا العداء

القديم لقصيدة باتت عالمة يف سامء الشعر وطغت

سلطتها عىل سلطة القصيدة العامودية وتفعيالتها؟

وملاذا يطلق حجازي عليها الرصاص يف حواره مع سعيد

محمود :« قصيدة النرث عندي ال تزال أقرب ما تكون اىل

الشعر الناقص، ألن الشعر كام أراه، ال بد من أن يقوم

عىل أركان اساسية وجوهرية. فلغة الشعر تحتاج اىل

املجاز وااليقاع واملوسيقى، واذا غاب عنها رشط من هذه

الرشوط فإن النص الشعري يختل ويصبح إما منظومات

تقريرية تعليمية كألفية ابن مالك، وإما قصائد ناقصة

كام هي الحال يف قصيدة النرث الشائعة اآلن. وأرجو أن

تالحظ ان االسم ذاته تعبري عن هذا النقصان«. امام كل

هذه التساؤالت نتطلع اىل كوكب عطارد عله يسهم

يف اماطة اللثام عن رس هذا العداء الدفني. ان عطارد

وموقعه يف خريطة امليالد له الدور الكبري يف االفصاح عن

النمط الفكري لالديب والشاعر، وموقعه يف ميالد حجازي

كان يف برج الرسطان املايئ، برج الذكريات واالحاسيس

واالصالة الكالسيكية، لذلك نشأ حجازي وفيا للموروث

العريب الفخم، عقليته امتداد لفالح قروي اصيل، يعتز

بنفسه ومبوروثه، ويعتربكل ما يخالف التفعيلة الشعرية

ومجازها هو خيانة لالمانة ومحاولة عابثة ملا وصل الينا

تخطيط فليك لشخصية حجازي

Page 150: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 150

من املايض التليد، وحتى دور حجازي يف تجديد الشعر

كان ضمن مظلة التفعيلة العربية االصيلة،او محاولة

إظهارها بشكل آخر.ويقول الدكتور جابر عصفور يف

حديثه عن شعر حجازي :« اذا جاز يل ان اصف شعره

بصفه، فانني اقول انه اقرب اىل الكالسيكية منه اىل

االتجاهات التي تحاول ان تفلت متاما من الوزن«.

ولو ابتعدنا قليال عن اجواء حروب القصيدة ومعارك

النص والتفعلية، واردنا ان نتحدث عن جوانب الحب يف

شخصية حجازي لتطلعنا اىل موقع كوكب الزهرة، كوكب

الحب والجامل، وملا كانت الزهرة يف برج االسد الناري،

ادى ذلك ألن يكون حجازي معتدا بنفسه، يرى بانه

الرجل االكرث متيزا بني الرجال، ورغم انه اسد يف الحب اال

انه اسد خجول ، وذلك لدخول عامل اخر عىل املعادلة

وهو موقع القمر، فالقمر املسؤول عن طبيعة املشاعر

كان يف برج العقرب املايئ ليشري اىل ان حجازي رغم ما

ميتلكه من شجاعة وجرأة اال انه خجول يف اظهار مشاعره

وهو يقول يف قصيدته »حب يف الظالم«:

»حبيبي من الريف جاء

كام جئت يوما ، حبيبي جاء

وألقت بنا الريح يف الشط جوعى عرايا

فأطعمته قطعة من فؤادي ،

ومشطت شعره،

جعلت عيوين مرايا

وألبسته حلام ذهبيا ، وقلنا نسري ،

فخري الحياة كثري

ويأخذ دربا ، وآخذ دربا ،

ولكننا يف املسا نتالقى

فانظر وجه حبيبي ،

وال أتكلم«

فصمت حجازي وخجله يربره القمر، ولهذا مل يكن يظهر

لذعة الحب الحارقة يف شعره، فهو اكرث خجال من ان

يصور مكنونات عشقه للمرأة التي يحب ، ولهذا كان

اكرث قدرة يف اظهار املشاعر االنسانية االخرى التي ال

يخجل منها.

املريخ إله الحرب لدى االغريق، فلونه االصفر املحمر

كان نذيرا لدى االقدمني بحدوث حروب وكوارث، ولكنه

اليوم له دالالت اخرى يف علم الفلك، وهو يرمز اليوم اىل

الطاقة والنشاط وروح التنافس لدى االنسان، وموقعه

يف لحظة امليالد داللة رصيحة عىل طبيعة املنافسة

التي يخوضها االنسان يف رصاعه مع الحياة وتعامله مع

الخصوم. واملريخ ساعة ميالد حجازي كان يف برج امليزان،

برج الديبلوماسية و«االتكيت«، ولكن عن اية ديبلوماسية

نتحدث وحجازي معروف طيلة حياته بحروبه الفكرية

وارائه الجريئة، حتى انه يف احدى ترصيحاته انتقد احد

الدعاة يف مرص مام ادى اىل ان املحكمة حكمت علية

بغرامة قدرها عرشين الف جنيه وملا رفض تنفيذ الحكم

قررت املحكمة بيع اثاث بيته يف املزاد العلني. وحجازي

له مواقف صارمة ومعارك طاحنة ضد التعصب واالرهاب

وضد كل ما هو متطرف، فأين ذهبت ديبلوماسية برج

امليزان ياترى؟ نعم كام هو معروف ان املريخ يف امليزان

يجعل الرجل ديبلوماسيا، اال انه يف نفس الوقت يضفي

عليه احساسا عاليا بالعدالة، وحبا للمساوة واالعتدال،

وهي مبادئ ال يساوم عليها مطلقا، ولهذا عندما يرى

بأن الظلم رجحت كفته والطغيان جال يف امليدان، فال بد

لحجازي ان يرفع سيف الكلامت ويهوي به عىل رؤوس

الطغاة واملتخلفني والجهلة، وهذا ما كانت تحكيه لنا كل

مدينة سكنها واناخ فيها برحله.

وظلت املنيوفية والقاهرة وباريس وكل املدن التي عاش

فيها حجازي تروي لنا حكاية ناقد وشاعر ومفكر،وتشهد

له جميعا بانه قامة شعرية عالية،جمعت بني االصالة

والحفاظ عىل املوروث، مثلام جمعت روح الحداثة

والتجديد. انه حجازي فارس كبري من فرسان الكلمة،

شاعر الصدمة وشاعر اللحظات االنسانية الحرجة

كون الزهرة في برج االسد الناري، ادى ذلك ألن يكون

حجازي معتدا بنفسه، يرى بانه االكثر تميزا بين الرجال

شعر وفلك

Page 151: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 151

شعرية الكاميراخري

الء ع

ة:دس

ع

Page 152: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 152

قصيد األسالفقصيد األسالف

ابن عربي

ور قلب يتسع لكل الص

قال محيي الدين بن عريب:

صـــورة كل قابال قــــلبي صار لقد

طــائف وكــــــعبــة ألوثـان وبيــت

هــت توج أنـى الحب بديـن أدين

وأختهـا هند بشـــر يف أســــوة لنا

لرهــبان ودير لغـــــزالن فمــــرعى

قــــرآن ومصحف توراة وألـــواح

وإميــانـي دينــي فالحب ركــــــائبه

وغــــيـالن مـــــي ثم وليىل، وقيس

خالد بلقاسم

د األديان، قبل لهذا عر الصويف. شجرة أنسابه متتد إىل الحالج الذي عزا تعد عري ساللته البعيدة يف الش املقطع الش

ب يف املامرسة اإلنسانية ويف املتخيل الذي يحكمها؛ أصل سام زمن ابن عريب بقرابة ثالثة قرون، إىل أصل تشع

يقوم عىل املحبة.

Page 153: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 153

ابن عربي قلب يتسع لكل الصور

القلب مرآةن ألبياته بهذا االمتداد الخصيب، كان ابن عريب يؤم

عرية، ولظاللها يف تآويله، انتسابا إىل املستقبل، وفق الش

رؤية حيوية، قابلة للتحيني يف ضوء قيمة املحبة. انتساب

ابقة عرية الس يستند، من جهة، إىل ارتباط األبيات الش

بقضية مالزمة لإلنسان وللتعايش اإلنساين، أي تدبري العالقة

مع اإلله واستيعاب االختالف يف هذا التدبري، ويستند أبعد

من ذلك، من جهة أخرى، إىل ما أرسته هذه األبيات من

رؤية منفتحة، تنترص للخيال يف مقاربة موضوع شائك،

ب. د دوما بإنتاج التعص مهد

تنهض أبيات ابن عريب عىل دوال ذات إشعاع داليل، وهي

ابق لرتتبط بخلفية عري الس تتجاوز سياق املقطع الش

معرفية متشابكة، تحمل دمغة هذا الصويف يف بناء

وال »القلب«، رات. نخص باإلضاءة من هذه الد التصو

و«القابلية«، و«الصورة«، قبل استثامرها يف التأويل. ذلك أن

دة يف ف إال باستدعاء حمولتها املبد إشعاعها الداليل ال يتكش

كتب ابن عريب.

ينامي لألبيات. دينامية أ- القلب: عليه يقوم املعنى الد

د ن لتجد ل ال يتناهى. فدال القلب هو املؤم رهينة بتحو

ى ل. وقد استثمر ابن عريب هذا الدال من موقعني؛ تبد التحو

د القلب، يف األول من إدماج معنى التقلب، الذي به يتحد

إرساء النواة الداللية لألبيات. فالتقلب استيعاب لام ال يقبل

د. من هذه الزاوية، يقابل التقييد، واتساع يستجيب للتجد

القلب العقل، ال بوصف الثاين نورا كاشفا، بل مبا هو عقال،

ل يف تجلياته وبها. أي تقييد ملتحول ال يكف عن التبد

ب- القابلية: يف صوغ معناها، خالف ابن عريب الصوفية ملا

ذهبوا إىل »أن الحق يتجىل عىل قدر استعداد العبد«. فقد

أوضح يف »فص حكمة قلبية يف كلمة شعيبية«، من مؤلفه

ل لقلب العارف ال يكون عن »فصوص الحكم«، أن ما يتحص

هادة. األول هو استعداد، بل عن تجل غيبي قبل تجيل الش

ورة التي فيها يقع التجيل ما يجعل القلب يستجيب للص

هادة، يغدو اإللهي، فيكون عىل مقاسها متاما. يف تجيل الش

ورة؛ »مرآة تنعكس عليها جميع القلب مرآة عىل مقاس الص

املوجودات قيدركها قلب العارف عىل أنها صورة للحق

ن بلونها ويضيق ويتسع بضيقها ويتشكل بتشكلها ويتلو

ح أبو العال عفيفي يف تعليقه عىل الفص وسعتها« كام يوض

السابق.

يانها يف ل ابن عريب التجيل اإللهي. رس ورة: بها تأو ج- الص

كتاباته يكشف الكفاية التي أرساها للخيال مبا هو دعامة

ل للتأويل، وإنتاج املعرفة، والنفاذ إىل ما ال يرى. عليها عو

ورة، يف ذاتها، يف بناء معرفة تقوم عىل الحرية. ذلك أن الص

؛ الظاهر فيها هو وال هو يف ة، ألن ما تظهره برزخي محري

عري يستدعيها، يف سياق آن. وإذا كان مقطع ابن عريب الش

العالقة بني األديان، فألنها تكشف عن الواحد يف الكرثة،

غ اعتامد وتسمح بالتمييز بني الحقيقة وظاللها، وتسو

الخيال يف فهم العالقة بني اإللهي واإلنيس.

لننصت، بعد هذه اإلضاءات الوجيزة، الحتامالت املعنى يف

عرية، التي تنطوي عىل راهنية واعدة. أبيات ابن عريب الش

وهو ما يقتيض إعادة قراءتها بغاية تحيني ممكنها، صونا

لنسبها إىل املستقبل.

م بالم التوكيد، يف مستهل البيت األول التحقيق املدع

من املقطع، يقر أن القابلية مرشعة عىل ما ال يتناهى. ال

يتعلق األمر بقابلية القلب لصورة واحدة، بل، عىل العكس،

ع ور. ولفظ الشمول »كل« سار يف ما تفر بقابليته لكل الص

، عنه انطالقا من تنامي املعنى. فهو، من زاوية البناء النيص

طر الثاين من البيت األول وللبيت الثاين جميعه. املولد للش

ى أجزاء الكل املضمرة يف لفظ الشمول، قبل أن فيهام تتبد

ط »أن« املضمر، هو ده، يف البيت الثالث، اسم الرش يعض

أيضا، لال نهايئ.

حال الرياضةتبدو كلمة »صار«، يف استهالل املقطع، غري منسجمة مع

نه ابن عريب، كام سبق أن أملحنا، يف مؤلفه ر الذي ضم التصو

ريورة قامئة »فصوص الحكم«، عن القابلية. ذلك أن الص

ل، وعىل ما يسميه الصوفية بإعداد املحل عىل انتقال وتحو

ا يقتيض التحيني، مبا هو إدماج للمتون وصقل املرآة. ولرمب

Page 154: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 154

قصيد األسالف

القدمية يف سياقات جديدة، ربط القابلية باالستعداد، خالفا

ن أبيات ابن بط هو ما ميك لام ذهب إليه ابن عريب. هذا الر

عرية من أن تتكلم لغة الزمن الحديث وتنخرط يف عريب الش

ور تحتاج، بلغة الصوفية، إشكاالته. فقابلية القلب لكل الص

إىل رياضة، وتتطلب، بلغة الزمن الحديث، ثقافة وتهذيبا

لوك يف ضوئها. وابن عريب نفسه تناول، يف مؤلفه للس

ه »حال ور يف باب سام ل الص »الفتوحات املكية«، شهود تحو

نه اختالف استعداد الناس يف قبول ما الرياضة«، الذي ضم

أبانه الحق لهم.

كان الفتا، يف البيت األول، التجاور الذي حققه الرتكيب بني

ويت بني ده التامثل الص لفظي »قلبي« و«قابال«. تجاور يعض

اللفظني، الباين لنواة املقطع الداللية. وهي نواة ميكن إبرازها

ويت، انطالقا من بإعادة ترتيب التجاور واستثامر التامثل الص

صوغ الرتكيب اإلسنادي التايل: قابلية القلب للتقلب. فتكون

ويت، قامئة النواة، وفق هذا اإلسناد املستثمر للتجانس الص

ل، أي عىل كل ل والتبد د والتحو عىل معنى االنفتاح والتعد

ن االنفالت والتملص من التقييد والحرص. ما يؤم

ور، الباين للنواة الداللية، قبول القلب د الص أول تجل لتعد

طر الثاين من البيت األول. ومع ح الش صورة مرعى كام يرص

أن املرعى أشمل من أن يختص بالغزالن، فإن تخصيصه بها

استنبات لبذرة الحب الذي هو أس التجيل. وابن عريب ذاته

يرشح هذا التخصيص يف »ذخائر األعالق« قائال إن كالمه

« بلسان الهوى، وبالغزالن يقع التشبيه باألحبة للمحبني تم

يف هذا اللسان«.

بعد بذرة االستنبات، توالت صور التجيل عرب أداة العطف

ل الالفتة بتكرارها، يف البيت الثاين، انسجاما مع آلية التبد

، عري كيب الش والقابلية للتقلب. توال يرسم، بتواز يف الرت

اكيب بني سلسلة الرت ل يف صور الواحد. مثة تجاوب بني التحو

املتوازية، من جهة، وبني التقلب يف املعنى املعرب عن حقيقة

تتكرث يف الصور وبها، من جهة أخرى. فإيقاع التوازي، الذي

ى البيت الثاين طر الثاين من البيت األول وغط انطلق مع الش

ل يصونه القلب ل يف صور الواحد. تبد بكامله، تجسيد للتبد

ور. فالحب متى صفا للحب املستوعب لكرثة الواحد يف الص

ل الذي ال يرى. هو أس تقلب القلب وسند اتساعه للتبد

ق لقلبه ل التبس عىل من مل ينفذ إليه، ومن مل تتحق تبد

القابلية املرشعة عىل ما ال يتناهى. فصورة ما ال يتناهى

تدرك يف تحوالت ال حد لها، مبا تقتضيه من تقلب دائم، ألن

»ما ال يتناهى ال يدخل تحت التقييد«، يقول ابن عريب.

إن التمييز بني الحقيقة وظاللها هو ما بنى، يف املقطع

، حيوية النواة الداللية. وهي حيوية تستمد نسغها عري الش

الل إنتاجا ر ابن عريب القائم عىل كون هذه الظ من تصو

ور نسبية، يف ذاتيا مقيدا بخيال منتجه. وهو ما يجعل الص

مقابل حقيقة مطلقة. املمكن يف صون هذه النسبية هو

دا يك ال يتقيد بصورة دون أخرى. جعل الخيال متجد

ائع أو صاغها ال ميكن لصورة الحق، التي نسجتها الرش

يعة الواحدة أو خلقها كل فرد أو مذهب من مذاهب الرش

لت له بالتقليد، أن تتامهى مع الذات املتعالية. هو تحص

عرية وفق تأويل يحمل دمغة ذا أس ما ترسيه األبيات الش

م. إن التمييز بني املجهول، املتمنع عىل ابن عريب كام تقد

كل تقييد، واملجعول، الذي هو صورة متخيلة أي من صنع

ن العالقة بني اإلنسان، إرساء مكني لتأويل مفتوح يحص

يعة األديان من التصلب، ويقي العالقة بني طوائف الرش

ب، مبا ميكن القلب من قابلية للتقلب الواحدة من التعص

ر، يف س راهنية هذا التصو مع ما ال يتناهى. ولعل ما يؤس

األساس األول، انتصاره للخيال يف التصدي للتصلب مبا هو

آلية.

Page 155: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 155

كل متاه بني املجهول واملجعول، أو بني املطلق وصورة من

صوره ليس إال ضيقا ميس القلب والخيال. ضيق به تفقد

ل، فيصيبها اليباس ل والتحو نه التبد د الذي يؤم ورة التجد الص

غ للقراءة، يف الزمن والتصلب. هو ذا املعنى الذي يسو

وء املستقبيل الذي يشع من أبيات الحديث، اإلنصات للض

عرية. أبيات انترصت للخيال يف الكشف عن ابن عريب الش

دة لكل اعتقاد يطمنئ للتقييد واالنغالق. آلية التصلب املهد

ل حيوية يف االعتقاد. استمرار د يف صور التجيل يشك التعد

ل ل حتى ال يحجب التحو هذه الحيوية رهني بدوام التبد

الباين للتجيل. فاملعتقد، بالنسبة إىل ابن عريب، منجز إنساين

محكوم بقلب صاحبه ومتخيله، أي محكوم باملعتقد. وكلام

ورة التي خلقها خياله عن املطلق خ لدى املعتقد أن الص ترس

هي الحقيقة، قاده هذا االعتقاد إىل تصلب الخيال، وجمود

ب للرأي، وفاته الفرق بني املجهول القلب، وإىل التعص

ؤية، ورة إىل عالمة، فتضيق الر ل الص واملجعول. هكذا تتحو

وينمو وهم امتالك الحقيقة، ويكف القلب عن إنتاج

املحبة املتسعة الختالف التجيل. يقول ابن عريب عن خطورة

ثا عن الحق: »فمن قيده أنكره يف غري ما التقييد، متحد

قيده به، وأقر به فيام قيده به إذا تجىل. ومن أطلقه عن

ل فيها ويعطيه التقييد مل ينكره وأقر به يف كل صورة يتحو

من نفسه قدر صورة ما تجىل له إىل ما ال يتناهى، فإن صور

التجيل ما لها نهاية تقف عندها«.

ور، التي أنشأتها االعتقادات، منذورة إىل الجمود إن الص

ن بالحب، وما مل تجد قلبا يتسع لها جميعها، ما مل تتحص

ف هذا االتساع ائم للتجيل. يتكش ل الد ويتقلب مع التبد

الحامي لدينامية التجيل انطالقا من ترصيح البن عريب،

ينترص فيه لرؤية شمولية، هي عينها املضمرة يف لفظ »كل«

، الذي سبق أن توقفنا عنده. ترصيح أورده يف بيت شعري

غالبا ما يستدعيه الباحثون إلضاءة قابلية القلب لتقلب

ور. جاء فيه: الص

عقد الخالئق يف اإلله عقائدا

وأنا شهدت جميع ما اعتقدوه

ال يعنينا، يف هذا السياق، االختالف الذي تولد بني من ذهب

ح أن إىل أن ابن عريب يقول بوحدة األديان وبني من رج

صاحب »فصوص الحكم« ال يقول إال بالدين الواحد الجامع.

عري البن عريب ما له اعتبار يف إعادة قراءة املقطع الش

ف ه رأسا إىل ممكن التحيني وأفقه. وهو ممكن يتكش يتوج

ؤية التي انتظم كيز عىل موضوع املقطع، بل عىل الر ال بالرت

املعنى وفقها.

ال تحيني من غري فصل الخطاب عن ذاته والعبور به إىل

وعود املعنى. لذلك ميكن االمتداد مبقطع ابن عريب إىل

منطقة الحقيقة بوجه عام، أي دون حرصه يف الحقيقة

الدينية. بهذا االمتداد، ينبثق من قول ابن عريب نداء قادم

من املستقبل. نداء يعلمنا التصدي للتصلب الذي يتسلل

للخيال والفكر والرأي واالعتقاد، قبل أن يبني األوهام

ل إىل ل، وقبل أن يتحو التي تصبح حقائق ال تقبل التبد

آلية ذهنية تنتج الضيق وتدافع عنه، وتلقي بالخطإ دوما

خارجها. من هنا نلمس حيوية املقطع الذي وسمنا املعنى

عر، من مقام فيه بالدينامية، فابن عريب يعول عىل الش

الحب، إلحداث شقوق يف التصلب، انسجاما مع الكفاية

لها للخيال يف إنتاج املعرفة. التي خو

ؤية البانية للمعنى يف مقطع الحقيقة، وفق احتامالت الر

ابن عريب، منفلتة، متملصة، ألنها تنتسب إىل املجهول.

وهي بذلك ال تقبل التقييد والحرص والجمود. ال سبيل

إىل تطويقها. املمكن منها هو امتالك قابلية االحتفاظ لها

د الذي وحده يتيح ل، أي امتالك التجد ل والتحو بالتبد

رس الكبري الذي نتعلمه االنتساب إىل أفقها املفتوح. إنه الد

عري البن عريب متى أعدنا قراءته يف ضوء من املقطع الش

ى، إن امتد بها تأويل تحديثي، ممكن رؤيته. رؤية تتصد

للتصلب الذي ال يستثني أي جانب من جوانب الحياة، وأي

لة التي تربط اإلنسان عالقة من العالقات، مبا يف ذلك الص

بذاته. وال ننىس أن املقطع مستنبت يف قلب خطاب الحب

املنفتح. فهو جزء من قصيدة مدمجة يف ديوان »ترجامن

األشواق«. ديوان يحتفي بالجامل ويعلن فيه صاحبه، عرب

تأويل خاص يتداخل فيه اإلنيس باإللهي، نسبه إىل ساللة

العاشقني

ابن عربي قلب يتسع لكل الصور

Page 156: bayt_alshier_5

فروغ فرخ زادذات الوجهين

تجارب

ستأخذنا الريح معهافروغ فرخ زاد

يا للحرسة، هناك يف ليلتي الصغرية

للريح ميعاد مع أوراق األشجار

وليلتي الصغرية يساورها قلق

الخراب

انصت

هل تسمع هبوب الظالم؟

بغربة أنظر إىل هذه السعادة

مدمنة يأيس أنا

فانصت

هل تسمع هبوب الظالم؟

يحدث اآلن يشء يف الليل

القمر قرمزي ومرتبك

وفوق هذا السطح الذي يخالجه

هول االنهيار كل لحظة

هناك الغيوم

كحشود املعزين

تنتظر لحظة هطول املطر.

لحظة

ال يشء بعدها

خلف هذه النافذة يرتعش الليل

واألرض

توشك أن تكف عن الدوران

خلف هذه النافذة

هنالك يشء ما غامض

تقلقه حايل وحالك.

أيها األخرض من رأسك إىل أخمص

قدميك

ضع يديك يف يدي العاشقتني

كام ذكرى حارقة

وسلم شفتيك إىل مالطفة شفتي

العاشقتني

كحس دافئ من الوجود

فالريح

ستأخذنا معها.

جمعة

شاعرة أهم هي زاد فرخ فروغ أن شك ال تزوجت ولدت عام 1934 في طهران. إيرانية. في سن مبكر أي في السادسة عشر من عمرها وكان عاما عشر بخمسة يكبرها رجل من الدافع حب مفاجئ إال أن هذا الزواج لم يدم أكثر من خمسة أعوام. توفيت فروغ عام 1966

إثر حادث سيارة.مريم حيدري

بيت الشعر العدد )5( - أكتوبر/تشرين األول/2012 156

Page 157: bayt_alshier_5

الجمعة الساكتة

الجمعة املهجورة

الجمعة الحزينة كام األزقة القدمية

جمعة األفكار الكسولة املريضة

جمعة التثاؤبات الخبيثة املمتدة

الجمعة الخالية من االنتظار

جمعة التسليم

البيت الخاوي

البيت الكئيب

البيت املوصد بابه يف وجه هجوم

اليفاعة

بيت الظالم وتخيل الشمس

بيت الوحدة والتفاؤل والرتدد

بيت الستارة والكتاب والخزانة

والصور

آه، كم كانت متيض بهدوء وكربياء

حيايت

كجدول غريب

يف خضم تلك الجمعات الساكتة

املهجورة

يف وسط تلك البيوت الخاوية

الكئيبة

آه، كم كانت متيض بهدوء وكربياء...

هديةأتحدث عن نهاية الليل أنا

أتحدث عن النهاية العتمة

وعن نهاية الليل

أيها اللطيف إن أتيت إىل بيتي

فأت مبصباح

ونافذة

ألنظر منها إىل زحام الزقاق السعيد.

ميالد آخروجودي كله آية مظلمة

سيأخذك معه مكررا

إىل فجر االزدهارات والنمو األبدي

وأنا قد تأوهتك يف هذه اآلية

تأوهتك

فروغ خالل حياتها القصرية خمس مجاميع شعرية؛ »األسرية« )1952(، »جدار« )1957(، »مترد«

)1959(، »ميالد آخر« )1962( ومجموعتها األخرية التي مل تنته »فلنؤمن بحلول الفصل البارد«.

لفروغ وجهان وتجربتان. الوجه األول يشمل دواوينها الثالثة األوىل. وجه متمرد المرأة تعيش يف بيت محارص فهي

تتحدث خالل تجربتها األوىل عن امرأة وحيدة ومتمردة ومعرتضة، تساورها مشاعر املرأة واألم، وإضافة إىل ذلك تروم

إىل الوقوف يف وجه تقاليد األرسة واملجتمع. ال اختالف يف األساليب الشعرية لديها عام يكتب معارصوها آنذاك، إال أن

صوتها املعرتض كان فريدا ميزها ومنذ بدايتها عن شاعرات عرصها وشعرائه.

أما الوجه اآلخر لفروغ فرخ زاد فيبدأ بصدور ديوانها »ميالد آخر«، فكأمنا ميالد حقيقي آخر، أظهرت الشاعرة وجها

عامليا لنفسها ولشعرها وأسلوبا منفردا خاصا بها وذلك عرب تطور الفكر واللغة والتعبري لديها. نظرتها نحو العامل تحولت

من شاعرة تكتب حسب غريزتها ومشاعرها إىل شاعرة تروض املشاعر واألحاسيس وتسكبها يف ظرف لغة حررت نفسها

هي األخرى من القوالب السائدة لدى الشعراء الرومنطيقيني آنذاك، وفروغ، هي التي تقول يف حوار لها: »أعتقد

أن العمل األديب ينبغي أن يالزمه الوعي. وعي بالنسبة للحياة والوجود والجسم. وحتى بالنسبة لهذه التفاحة التي

نقضمها. ال ميكن أن نعيش حسب الغرائز فقط. مبعنى أن الفنان ال يستطيع ذلك كام ال ميكنه.«

ونرى يف ديوانيها األخريين أن نصها أصبح مؤثرا أكرث مام يكون متأثرا. فكانت فيام سبق تتأثر يف اختيار املفردات، عىل

سبيل املثال، من شعراء عرصها أو من اللغة الشعرية السائدة يف ذلك الوقت والحاكمة عىل شعر غالبية الشعراء، إال

أنها أخذت تختار املفردات يف مرحلتها الشعرية الثانية بطريقتها الخاصة، ال تأبه إن كانت الكلمة دخلت النصوص

الشعرية من قبل أو ال، أو تكون فاخرة أو بسيطة كأن تاخذه من قاموس الحياة اليومية.

أما تأثرها فكان يرتوي من موردين هام التوراة والسينام. فنالحظ تأثري التوراة يف لغتها الشعرية واملفاهيم التي ترد

شعرها يف املرحلة الثانية ال سيام املفاهيم الكونية. أما السينام فيظهر تأثريها يف الصور وكيفية تطرق فروغ ألفكارها

وتطلعاتها ومنظارها للحياة.

ويف عام 1965 أخرج برناردو برتولوتيش فيلام يف نصف ساعة عن حياة فروغ فرخ زاد بطلب من منظمة اليونسكو.

أصدرت

فروغ فرخ زاد

issue (5)- October - 2012 157

Page 158: bayt_alshier_5

ويف هذه اآلية

صهرتك بالشجرة واملاء والنار.

رمبا الحياة

شارع طويل متر منه امرأة كل يوم

حاملة سلة بيدها

ورمبا الحياة

حبل يعلق رجل به نفسه من

األغصان

الحياة رمبا طفل يعود من املدرسة

أو عبور دائخ لعابر

يرفع قبعته

وبابتسامة عدمية املعنى يقول لعابر

آخر:

»صباح الخري«.

الحياة رمبا تلك اللحظة املسدودة

التي تحطم فيها نظريت نفسها يف

بؤبؤ عينيك

ومثة شعور يف ذلك

سأمزجه باستيعاب القمر ودرك

الظالم.

يف غرفة بحجم الوحدة

قلبي الذي يكون بحجم الحب

ينظر إىل أسبابه البسيطة للسعادة

إىل زوال األزهار يف األصيص

إىل نبتة غرستها بيدك يف حديقتنا

وإىل تغاريد الكناريات التي

تغرد بحجم نافذة.

آه...

هذه حصتي

هذه حصتي

حصتي

سامء يأخذها إسدال ستارة مني

حصتي النزول من سلم مهجور

والوصول إىل يشء يف النخر والغربة

حصتي تسكع حزين يف حديقة

الذكريات

وأن أقيض نحبي يف أىس صوت

يقول يل:

»أحب

يديك«

أزرع يدي يف الجنينة

وسأخرض، أعرف ذلك، أعرف، أعرف

وستبيض السنونوات

يف حفر أصابعي امللطخة بالحرب

سأضع قرطني يف أذين

من كرزتني حمراوين وتوأمني

وألصق عىل اظافري أوراق زهرة

األضاليا

مثة زقاق

ما زال فيه الفتية الذين كانوا

يحبونني

بشعرهم املشعث ذاته وأعناقهم

النحيفة وسيقانهم الهزيلة

يفكرون بابتسامة بريئة لفتاة

حملتها الريح معها

ذات ليلة

مثة زقاق رسقه قلبي

من أحياء طفولتي

سفر حجم عىل خط الزمان

وأن تجعل خط الزمان الجاف يحبل

من حجم ما

حجم لتصوير واع

يعود من ضيافة مرآة ما.

وهكذا

ميوت أحد

ويبقى أحد

***

لن يعرث أي صياد عىل لؤلؤة

يف جدول

وضيع يصب يف حفرة.

أنا

أعرف مالكا صغريا حزينا

يسكن يف املحيط

ويعزف قلبه يف ناي خشبي صغري

بهدوء.. بهدوء

مالك صغري حزين

ميوت يف الليل من قبلة

وعند الفجر يولد من قبلة أخرى.

فلنؤمن بحلول الفصل البارد...)مقاطع من قصيدة طويلة(

وهذه أنا

امرأة وحيدة

عىل عتبات فصل بارد

بيت الشعر العدد )5( - أكتوبر/تشرين األول/2012 158

تجارب

Page 159: bayt_alshier_5

يف بداية استيعاب الكيان امللوث

لألرض

ويأس السامء البسيط الحزين

وعجز األيدي األسمنتية.

مر الزمان

مر الزمان ودقت الساعة أربع

مرات

دقت أربع مرات

إنه اليوم األول من شهر دي

أنا أعرف رس الفصول

وأفهم كالم اللحظات

املنجي نائم يف القرب

والرتبة، الرتبة الرحبة

إشارة إىل الهدوء

مر الزمان ودقت الساعة أربع

مرات

ريح تهب يف الزقاق

ريح تهب يف الزقاق

وأنا أفكر بتزاوج األزهار

برباعم ذات سيقان نحيلة وفقرية

للدم

بهذا الزمان املتعب املسلول

والرجل الذي مير بالقرب من

األشجار الندية

الرجل الذي زحفت خيوط عروقه

الزرقاء نحو أعىل حنجرته

كأفاع ميتة

وأخذت تردد يف صدغيه املضطربني

ذلك الهجاء الدامي:

• أهال

• أهال

وأنا أفكر بتزاوج األزهار.

عىل عتبات فصل بارد

يف حفل حداد املرايا

واجتامع أصحاب عزاء التجارب

الشاحبة

وهذا الغروب املخصب مبعرفة

الصمت

كيف ميكن أن تأمر بالتوقف من

يسري هكذا

صبورا

مثقال

وهامئا.

كيف ميكن أن تقول للرجل أنه

ليس حيا، ومل يكن حيا

ابدا.

ريح تهب يف الزقاق

وغربان االنزواء الوحيدة

تدور يف حدائق الكسل الهرمة

والسلم

يا لوضاعة ارتفاعه.

إنهم حملوا معهم سذاجة القلب

كلها

نحو قرص الحكايا

واآلن

كيف ميكن لواحدة أن تقوم للرقص

وتسكب جدائل طفولتها

يف املياه الجارية

وأن تركل التفاحة التي اقتطفتها

أخريا وشمتها؟

يا حبيبي، يا حبيبي األوحد

كم من سحب سوداء تنتظر يوم

ضيافة الشمس.

كأمنا كان يف طريق تصور الطريان

ذلك الطائر الذي ضاع ذات يوم

وكأنها كانت من خطوط الخيال

الخرضاء

تلك األوراق النرضة التي كانت

تتنفس يف شبق النسيم

وكأمنا

تلك الشعلة البنفسجية التي كانت

تلهب يف فكر النوافذ النقي

مل تكن إال تصورا بريئا من املصباح.

ريح تهب يف الزقاق

وهذه بداية الخراب

كانت تهب الريح يف ذلك اليوم

الذي تحطمت فيه يداك

أيتها النجوم العزيزة

أيتها النجوم الورقية العزيزة

كيف ميكن أن نلوذ بسور األنبياء

املحبطني

حني يهب الكذب يف السامء؟

نلتقي كمن ماتوا منذ آالف السنني

وبعدئذ ستحكم الشمس

عىل ضياع اجسادنا.

...................

الطائر ميت ال محالةكئيبة أنا

كئيبة أنا

أذهب نحو الرشفة

وبأناميل

أملس جلد الليل املتصلب

مصابيح العالقة مظلمة

مصابيح العالقة مظلمة

ال أحد

يعرفني إىل الشمس

ال أحد يأخذين إىل ضيافة العصافري

تذكر الطريان دامئا

فالطائر ميت ال محالة

issue (5)- October - 2012 159

فروغ فرخ زاد

Page 160: bayt_alshier_5

بيت الشعر العدد )5( - تشرين األول/أكتوبر/2012 160

مركز سلطان بن زايد

في مركز سلطان بن زايد وبيت الشعر في أبوظبي

كاظم جهاد: ثقافتنا تناولت المنفى بفرادةللغات الوطني المعهد – المقارن واألدب القديم العربي األدب أستاذ كاظم جهاد والمترجم الشاعر العراقي الكاتب أبوظبي، حيث الشعر في للثقافة واإلعالم وبيت زايد بن كان ضيف مركز سلطان باريس، – الشرقية والحضارات حاضر مساء التاسع من سبتمبر حول "الحنين محركا لإلبداع – شعريات المنفى الجديدة"، كما أقام أمسية شعرية في

بيت الشعر في العاشر من سبتمبر

املحارضة سعادة حبيب يوسف الصايغ مدير

عام املركز وعدد كبري من املفكرين واملثقفني

واإلعالميني وأدارها اإلعالمي سعيد الشعيبي من تلفزيون

أبوظبي. واستهلها جهاد بالحديث عن موضوع املنفى الذي

يشكل ظاهرة مهمة بالغة الخطورة عادت إىل األضواء بصورة

الفتة يف األعوام األخرية عىل أثر تزايد عدد املهاجرين ألسباب

اقتصادية واملبعدين من أوطانهم واملجموعات املهجرة

والناجني من اإلبادات الجامعية .

ورأى أن أدب املنفى قديم وكبري يف تراكم مكوناته وعناوينه

األساس مثلام أن املنفى ظاهرة قدمية مضيفا أن أدب املنفى

يعالج مشاعر املنفي وتحوالته الكيانية ومكابدته للحنني

وعمل الذاكرة وشاكلته يف مواجهة الزمن.

وتطرق إىل ما نالته »أوديسة« هومريوس من تناوالت

فسلفية ونقدية عديدة تستنطق تجربة بطلها أوديس

»أو أوليس« وتخرج من قراءة مغامراته العاثرة واألخرى

السعيدة بدروس باهرة من حيث إضاءتها ملعيش املنفى.

وإستعرض ما كتبه الفيلسوفان كانت وجانكليفيتش يف

معيش املنفى واألفق النفيس والروحاين الذي يتموقع

فيه املنفي ويجد نفسه مدفوعا إىل مواجهة الزمن الفار

واستيهامات العودة املمكنة أو املتعذرة ومشاعر الكآبة

املتواترة والحنني املتواصل..وبقدر استطاعته مواجهة هذا

كله وبحسب الحلول التي يجرتحها لنفسه وملرشوعه يجعل

املنفي من حنينه حنينا مغلقا أو مفتوحا ومن كآبته طاقة

سبية وشالة أو محركا لإلبداع عنده.

أما من ناحية الثقافة العربية فقال جهاد »إنها تضمنت

معالجات أساسية للمنفى وإن تناولته من خالل مفردات

أخرى كالظعن والرحيل والنزوح والغربة والتغرب والشوق

والحنني. وتقف هنا أعامل قدمية عالجت املنفى شعرا وأدبا

بتعمق وفرادة منها رسالة »الحنني إىل األوطان« املنسوبة

للجاحظ و«أدب الغرباء« أليب الفرج اإلصفهاين وفصول

عديدة من كتب أخرى معروفة البن قتيبة.

وتوقف املحارض عند ما سامه »بالغة الحنني« التي تحيل إىل

ما كتبه العرب يف املشوقات أو مهيجات الشوق من عنارص

طبيعية كالربق والريح ريح الصبا بخاصة وحيوانية وعىل

رأسها الحاممة والبعري يليها طيف الخيال واألطالل الدراسة

التي ميكن اعتبارها أيضا مهيجة للشوق بانتصابها حوامل

أساسية للذكرى وشواهد دالة عىل حضور الحبيبة الظاعنة

عرب غيابها أو بالرغم منه.

ويف ختام األمسية توقف املحارض عند ثالثة مناذج كربى

من الشعر العريب عرفت مبعالجتها للحنني والنفي.. فقرأ

أوال تجربة ابن زريق البغدادي وحلل كاظم جهاد يتيمته

املعروفة بـ »فراقية ابن زرق« واعتربها مستودعا هائال

ألهم مشاعر املنفيني وهواجسهم املستحوذة.. تليها تجربة

املعارصين العراقي بدر شاكر السياب والفلسطيني محمود

درويش وقد اعتربهام املحارض من أكرب من عالجوا الحنني

واملنفى شعرا.

حرض

الصايغ يهدي جهاد درع املركز

Page 161: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 161

األمسية الشعريةوشهد بيت الشعر يف أبوظبي التابع لنادي تراث اإلمارات

مساء العارش من سبتمرب أمسية شعرية متميزة قرأ خاللها

الشاعر جهاد مختارات من قصائده التي بدت فضاء شعريا

مفتوحا يلملم ما حوله من مفردات الشعر واللغة والفكرة

واملعنى.

وحرض األمسية نخبة من املثقفني والشعراء تقدمهم الشاعر

حبيب الصايغ رئيس الهيئة اإلدارية لبيت الشعر يف أبوظبي

وأدارها الزميل الشاعر جهاد هديب، الذي قدم الشاعر،

حيث أشار إيل »إن امللمح الرئييس يف شعر كاظم جهاد،

الذي تأصل يف ديوانه األخري »معامر الرباءة«، هو املنفى،

لكن ال السيايس وال اللغوي بل املعريف، هذا “املنفى” الذي

يتخذ موقعا له يف برزخ بني رشق آخر يخصه وغرب آخر

يخصه أيضا. منفى تحقق يف عزلة مضاءة تبدل هواءها

باستمرار، هي أيضا عزلة مؤثثة بأشياء الحنني .. الحنني إىل

ماض يخص مكانا وزمنا مل يعد لهام وجود أو أقلها من غري

املمكن استعادتهام إال من خالل ذاكرة شعرية تقوم برتميم

الصور إىل حد أنها تصبح جديدة وكأنها مل تحدث من قبل«.

كام قال هديب يف تقدميه: »من يقرأ صنيع كاظم جهاد

الشعري سوف يلحظ أن من الصعب تصنيفه يف إطار

حقبة أو جيل أو اتجاه. هو ذات ذاته ونفس نفسه..

قصيدته متقشفة يف كلامتها لكن صورة الشعرية عميقة.

يشعر القارئ أن لكل صورة استقالليتها وإيقاعها القائم

عىل عالقات التجاور بني الكلامت، داخل “معامر” أو بنية

القصيدة ككل«.

ثم قرأ كاظم قصائد من مجموعته الشعرية التي حملت

عنوان »معامر الرباءة« ومن تلك القصائد نذكر »عراقيون،

هزمية النرس، الذكرى، الزمن املستعاد، تجريد، باقة، جنون،

ارتطام« وهي قصائد تحمل الكثري من الدالالت ذات البعد

اإلنساين واملعريف، وتعرب عن حالة شعرية شفافة بعيدة عن

الخطابة واملبارشة يف الوصف، فال صوت يعلو فيها سوى

صوت املعنى والشعرية العذبة. من قصيدة ارتطام قرأ

كاظم : بالعنف كله ذاهب ألرتطم / مبصريي / منذ عقود

/ وأنا أجلس وأنتظر/ اليوم غريت مسعاي كله / وها أنا /

بالعنف كله / أذهب ألرتطم مبصريي.

إىل قوله :

عندما سيتالمح املصري

سأطرحه أرضا

وأسرتد ما فاتني منه

حاسبا الحساب لباقي أيامي

أو قد أغسله ببساطة

كمثل ما يغسل الوليد

من ماء الوالدة

وبذلك االحتدام النشوان

أقيمه يف العالم بعدالة.

بهذه البساطة والفنية العالية، يغسل كاظم جهاد الشعر

مباء الكالم املطرز بالوصف وخرز الصورة الشعرية التي

يلتقطها بعدسة الشاعر الذي ال يستطيع إال أن يرى األشياء

من حوله بعني الجامل والدهشة

بيت الشعر

أخبار البيتب

دي ه

ادجه

واد

جهم

اظك

Page 162: bayt_alshier_5

أجنحة وأسوار .....................................................................................................................أجنحة وأسوار

املهمالت، الثقاب يف سلة رميت عود ثم كلها، احرقت سفني ولكنني ورايئ، البحر من وال أمامي، العدو ال

ووضعت علبة الكربيت يف جيبي. مل أقل لألرشعة: وداعا! وانتابتني سعادة غامرة. وأنا أراقب البياض يذوب يف

الحمرة.. وأنا أرى عمر الغياب يتسع، ويدخل يف مسامايت، ناسجا دوريت الدموية بخيوط غاية يف التعقيد.

للجذور حكاية الجذور لهفتها الصبية، أبدا، املذعورة، وكأنها قطيع خفافيش ضل طريقه، وفجأة، وجد نفسه،

وللشبق، للرصاخ، نفسها تهيئ الربيع؟.. كم الجذور، حيث ميوت تنزف ترى الشمس. كم أمام لوجه، وجها

رساجها املنري، وخالصة عمرها املهدور بني األرض والسامء؟... ال لن أميض، أبعد، يف الوصف األبله حتى ال أصل

منابع املاء، فقد أكون ـ حينئذ ـ معرضا لغرق أكيد، ال كام يصادف يف البحر، يف أعامقه، وإمنا كام يرى يف النفس،

ويف أعامقها، وهل هذه الرشايني املمتدة، املتشعبة، اال بدايات جذور، أو نهاياتها؟

الرشايني يف جسد االنسان جذور.

ومنها ما ينبت الحدائق واألمواج والعصافري.

ومنها ما ينبت الذبول.

وقد يكون االنسان شجرة، وحديقة، غصنا وزهرة. نسغا خالقا يرتاكض يف الفروع.

وقد يكون غبارا.

لكن..

للغبار حكاية الغبار

كام أن للجذور حكاية.

فيا أيها الدم املتدفق يف الرشايني: حاذر أن تبوح!

ال.. لن يحدث هذا أبدا.. لن اسرتجعك. ثانية، يا طائريت الورقية. سوف اطلقك يف الفضاء، حتى اذا اخذت مداك، اشتغل

املقص، وقطع الخيط الواصل بني اجنحتك وقلبي.

هذا الصباح، تسللت خيوط الشمس اىل وجهي بني النوم واليقظة. هل كنت رومانسيا أكرث من الالزم؟

فتحت عيني، ورأيت أمامي يف زاوية السقف البعيدة، أنثى عنكبوت تبني بيتها يف غرفتي.

خيوط حمراء، زرقاء، صفراء، وملونة.. هل تستطيع أن تشكل حبال يستعمله سجان؟

تذكرت حبل الرسة، وما بكيت.

حبل يصل املشنوق بشيخوخة الهواء.

ال العدو أمامي، وال البحر من ورايئ..

واالرشعة ذهبت، ولن تعود.

هيهات هيهات

خيــوط

يغصا

الب

بيح

Page 163: bayt_alshier_5

issue (5)- October - 2012 163

....................................................................................................................ي

ودسع

املن

س ح

ة:في

رو ح

له ال

قرز

يل عد

ن فنا

ال

Page 164: bayt_alshier_5

2012

بر تو

اكل/

ألون ا

شري-ت

)5د )

عد ال

من أعامل الفنانة اإلماراتية ملياء قرقاش

نجاة مكي: مخيلة الصحراء الشعرية

نونو جوديتس: مفتاح القصيدة

أحمد عبد المعطي حجازي: قراءة فلكية

محمد أبو سنة الشاعر اطفائي المرحلة

سركون بولصأثر الشاعر

في سان فرانسيسكو

فروغ فرخ زادذات الوجهين

مختارات ثيسار باييخو: على حافة قبر مزهر

أدونيس سن التقاعد الشعري

الشعرية العراقية بين الريادة والتجريب

عارف الخاجة رؤيوي المسافات

العدد )2( متوز - يوليو 2012

I s s u e N o ( 5 ) o C T 2 0 1 2

شهرية تصدر عن بيت الشعر يف أبوظبي

نادي تراث اإلمارات

العدد )5( ترشين األول - اكتوبر 2012