12. TEBLİĞ 

 

الوحي واإلعجاز القصصي يف القرآن الكرمي  ♦سعيد عطية علي مطاوع 

املقدمة

من السمات الطيبة اليت حتمد لإلسالم واملسلمني أنه قد أعطى للعقل حريته، وأمده بوسائل عديدة تعينه على أن مييز اخلبيث من الطيب، ومنحه دائما أدوات

علم “: رك وتعاىل حني قال يف كتابه الكرميالتفوق والنبوغ، وصدق احلق تبا﴿ لمعي ا لمان م٥/ سورة العلق (”﴾٥الإنس.(

:أهداف الدراسة

لقد كانت القصة القرآنية مبضامينها، وتنوع وسائلها، وإعجاز أسلوا، وعفيف ألفاظها واحدة من تلك األدوات اليت هيأها القرآن الكرمي ألصحاب

ية، ليتعرفوا من خالهلا على سنن األولني، وعلى ما سبقتهم به األديان العقول الواع

                                                           أستاذ الدراسات اليهودية  ووكيل كلية اللغات والترمجة جامعة األزهر، األستاذ الدكتور ♦

 ومقارنة األديان

328  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

السابقة لإلسالم، ويكتشفون عن طريقها مدى حتريف احملرفني ملقدسام وتزيينهم .هلا

إن التشابه يف القصص القرآين وقصص التوراة يؤكد على وحدة املصدر اإلهلي حد املصادر عن النص األصلي، واملؤكد وليس التأثري والتأثر واالختالف يعين بعد أ

أنه األقدم ألن األحدث يأيت دائما لتصحيح األقدم، ومن هنا اهتمت الدراسة بإيضاح اإلعجاز القصصي يف القرآن الكرمي وداللته على صدق الوحي، باإلضافة إىل العوامل البيئية واجلغرافية اليت متثلت يف انعزال وسط شبه اجلزيرة العربية

جاز عن اال التأثري اخلارجي، فمن املؤكد تارخييا عدم وجود مجاعات يهودية واحليف مكة، كما أن النصرانية مل تتمكن من تثبيت قدمها يف احلجاز، مما يؤكد يقينا

على مصادر يهودية أو مسيحية، ومل تكن له أية نفي شبهة اعتماد النيب حممدثته، مما يؤكد يف الوقت نفسه على إهلية عالقات مع أصحاب هاتني الديانتني قبل بع

.نص القرآن الكرمي

:منطقية الدراسة

إن التشابه بني قصص التوراة وما مياثلها من قصص القرآن الكرمي يعود إىل وحدة املصدر اإلهلي، إال أن قصص التوراة اختلطت فيها الشروح البشرية بالنص

وسى وحىت عصر عزرا الكاتب اإلهلي، خاصة أا ظلت تتناقل شفويا من عصر ممن عصر عزرا الكاتب حىت (مث كان عمل الكتبة ) القرن السادس قبل امليالد(

، فأبعد النص عن أصله السماوي، أما نص القرآن الكرمي فقد نزل بوحي )م٥٠٠ “ظونكر وإنا له لحافإنا نحن نزلنا الذ“به على النيب وتكفل اهللا عز وجل حبفظه

عن تدوين أي شيء جبانب مث دون يف عصره، كذلك ي النيب) ٩سورة احلجر(

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   329 

للداللة ”قال تعاىل“نص القرآن الكرمي، ومن هنا كان قولنا قبل كل آية قرآنية على أن الصياغة اللغوية للقرآن كله قد نزلت من عند اهللا وهي من صياغة رب

جل غري قابلة للتبديل وأن اإلنسان ال العاملني ومن هنا كانت آيات اهللا عز ولا مبدل لكلماته ولن واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك “يستطيع ان حييد عنها .)٢٧/الكهف (“تجد من دونه ملتحدا

التشابه يف القصص منسوب إىل تطور املعارف اإلنسانية : وميكن القول أيضال تطور التاريخ اإلنساين، فكلما زادت معارف اإلنسانية متكنت من تأويل حو

.آيات القصص

: لقد أكد اهللا عز وجل كتابه الكرمي أن القصص من القرآن يف قوله تعاىلـذا القرآن وإن كنت من “ ه كا إلينيحا أوص بمالقص نسأح كليع قصن نحنقبافلنيالغ لقد أورد القرآن الكرمي أحداثا متكاملة لتتبع ). ٣/يوسف (“ له لمن

يف النبوات والتشريع يف الرساالت، أي املعارفتطور التاريخ اإلنساين وتطور كيفية تفاعل اإلنسان مع القانون العام للوجود والقوانني اجلزئية من جهة، وكيف

خرى، ومبا أنه أعطى هذا احلظ يف القصص فقد تفاعل مع الرساالت من جهة أ .”أحسن القصص“مساه

:مشكلة الدراسة

بصدد الربهنة على أن ما جاء به حق أن يعلمه اهللا كان من الطبعي وحممدسبحانه وتعاىل مثل هذا القصص يبلغه إىل قومه عساهم يؤمنون، وعن غيهم

إال أن يؤمنوا به -احلق لو أم أرادوا وجه -الفاسد يرجعون، وما كان هلممل يكن كاتبا وال قارئا، وال عرف عنه أنه جيلس إىل أحبار ويصدقوا دعواه، حممد

330  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

اليهود والنصارى، فإذا جاء وأخرب عن أمم بادت وقرون خلت، أسهب يف قصص أفال يدل ذلك على أن ما يقوله - عليهم السالم- إبراهيم ويوسف وموسى وعيسى

.حق

دراسة تبيان وتوضيح اختاذ القرآن الكرمي من هذه لذا كانت مشكلة الالقصص دليال على أنه وحي يوحى ولذلك نص القرآن على هذا الغرض نصا صرحيا يف مقدمات بعض القصص أو يف أعقاا حيث جاء قوله تعاىل يف أول سورة

“ ا عربيا لعلكم تعقلون إنا أنزلناه قرآنك آيات الكتاب المبني تل◌الر “: يوسف - اليت وردت بعد قصة نوح عليهما السالم”هود“ويف سورة ). ٢-١يوسف (

ما كنت تعلمها أنت ولا تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك “: نقرأ قوله تعاىلـذ ل همن قب كما قوإن الع برفاصقنيتة للم٤٩/هود (”اقب.(

مهما يكن من شيء فقد بقي القصص القرآين رغم الدراسات املتعددة منذ يف حاجة ماسة إىل دراسة مستفيضة تربز -القرن الثالث اهلجري وحىت اآلن

خصائصه الفنية الكامنة وراء االختيار اإلهلي للفظ املناسب يف اجلملة املناسبة، مما مل يتأوله الكثريون ممن وقفوا عن النظر يف عجيب النظم، وليضيف الكثري

ولتفتح جماال أرحب لدراسات أخرى على هذا النحو، حىت جتلي بعض األسرار .اخلالدة يف هذا الكتاب اخلالد الذي سيظل مدادا للفكر وزادا للمعرفة

ومن مث كانت هذه الدراسة إسهاما جديدا يف حقل الدراسات القرآنية، .تكشف عن ألوان من الدالالت الفنية يف القصة القرآنية

وذا الصنيع نويف شيئا من خطر األمانة لديننا الذي هو غاية أمرنا وهللا احلمد .من قبل ومن بعد

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   331 

فرضيات الدراسة

إن القصص القرآين جزء من هذا الكتاب الكرمي وكل آية يف مشهد قصصي .هي إعجاز يف حد ذاته

ن القصص القرآين خاطب حاسة الوجدان الدينية، بلغة على الرغم من أاجلمال الفنية مبا فيه من روعة التعبري والتصوير ما يأخذ باأللباب، فإن فيه الكثري

.من دروس العقيدة واإلميان

إن الوحي ال يناقض العقل وال يناقض احلقيقة، فالقصص الذي أوحي إىل النيب املعقوالت، حيث ال يوجد شيء يف الوجود هو من عامل احلقيقة ومن عامل حممد

املادي غري قابل ألن يعقل، فكل مشهد قصصي مبا قدمه من احداث وما رمسه من شخصيات هو يف حد ذاته حتدي لإلنس واجلن، أي لو جند اإلنس واجلن علماءهم وأدباءهم هلذه الغاية فإم مع ذلك ال يستتطيعون حتقيقها، وهذا التحدي ليس

حدهم وإمنا للناس مجيعا كل يف لسانه، ألن املقصود باإلعجاز ليس للعرب و .الصياغة األدبية فقط وإمنا املضمون أيضا والذي هو من الغيبيات

 :منهج الدراسة

املنهج الذي سلكته تلك الدراسة منهج التحليل اللغوي واألسلويب ألن إدراك ألسلوب وتبسيطها للقارئ اإلعجاز القصصي القرآين يتطلب تطبيق قواعد اللغة وا

العادي الذي ال ميلك اآلن امللكة اللغوية أو الدراسة األسلوبية اليت برع فيها عبد القاهر اجلرجاين وغريه من علماء البيان قدميا، مع االستعانة باملنهج التركييب واملنهج التارخيي وغريها من مناهج التحليل األديب من أجل الوقوف على مسات اجلمال

.لتعبريي والتصوير الفين يف القصة القرآنيةا

332  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

واقتضت طبيعة هذا املنهج أن جييء البحث مشتمال املقدمة مث مبحثني مذيلني .باهلوامش واملراجع مث اخلامتة

مفهوم اإلعجاز يف القرآن الكرمي: املبحث األول

اإلعجاز البالغي والبياين يف قصص القرآن الكرمي: املبحث الثاين

عاىل أسأل أن يكون من وراء القصد، وأن يعلمنا تعاىل ما جهلنا، وأن واهللا ت .ينفعنا مبا علمنا، فله احلمد يف البدء واخلتام

سعيد عطية علي مطاوع/ د.أ

املبحث األول

مفهوم اإلعجاز يف القرآن الكرمي

وهو مصدر مضاف . اإلعجاز لغة مصدر أعجز وأعجزه إذا أوقعه يف العجز“واملفعول حمذوف، وهو البشر، أو اإلنس واجلن معا، والنسبة هنا . إيل فاعله

ويقول ابن . )١(”جمازية، فقد عجز اإلنس واجلن عن أن يأتوا مبثل هذا القرآنعدم : واملعجزة بفتح اجليم وكسرها، مفعلة من العجز“: منظور يف معين املعجزة

وقيل أراد بالعجز . س كل شيء بقدر، حىت العجز والكي: ويف احلديث. القدرة واحد : واملعجزة . ترك ما جيب فعله بالتسويف، وهو عام يف أمور الدنيا والدين

.)٢ (”معجزات األنبياء عليهم السالم

فهو احلجة اليت يقدمها القرآن إيل “: أما اإلعجاز عند أهل االصطالح .)٣ (”خصومه من املشركني ليعجزهم ا

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   333 

ملصطلح يف حدود التاريخ أي يف تطور إدراك البشر أما عندما نريد حتديد هذا ااإلسالم خباصة، فالبد من مراجعة ) حجة(الدين، وإدراك املسلم لـ ) حجة(لـ

.القضية يف ضوء تاريخ اإلسالم واليهودية

فإذا نظرنا إيل اآليات اليت تدل علي اإلعجاز يف القرآن الكرمي، وإليه تلفت أا اقتصرت علي التحدي علي طلب املعارضة مبثل النظر فإننا جندها كثرية رغم

قل لئن اجتمعت اإلنس والجن على أن يأتوا ”:القرآن كله كما يف قوله عز وجلسورة اإلسراء ( “بمثل هـذا القرآن ال يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهريا

مث طلب اإلتيان بعشر سور مثله مفتريات ال يلتزمون فيها احلكمة وال ، )٨٨: أم “: احلقيقة، وليس إال النظم واألسلوب، وهم أهل اللغة، وذلك يف قوله تعايل

الله يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دونإن كنتم صادقني فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن ال إلـه إال

مث قرن التحدي بالتأنيب ). ١٤-١٣سورة هود (“هو فهل أنتم مسلمون وإن كنتم في “: ل عز وجلوالتقريع، مث استفزهم بعد ذلك مجلة واحدة، فقا

ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن ادقنيص مت٤ (”كن(..

م لن يفعلوا، وهي كلمة يستحيل أن تكون إال من اهللا عزوبذلك قطع هلم أ .هو ذو القوة واحلول الذي ال راد ألمرهوجل، و

كان علي الترتيب ” التحدي“وفيما يتعلق بآراء قدامي املفسرين من أن فإن هناك من املفسرين احملدثني من . بالقرآن كله، مث بعشر سور مث بسورة واحدة

بل الظاهر أن سورة يونس سابقة، والتحدي . يري أن هذا الترتيب ليس عليه دليل

334  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

فقد كانت .. بسورة واحدة، وسورة هود الحقة والتحدي فيها بعشر سورفيهاإال أن هذا ال حيتاج إيل ما . ترتل اآلية فتلحق بسورة سابقة أو الحقة يف الرتول

يثبته، وليس يف أسباب الرتول ما يثبت أن آية يونس كانت بعد آية هود والترتيب .)٥ (”التحكمي يف مثل هذا ال جيوز

قال بعض علماء “ : ” املنار“ يف تفسري “مد رشيد رضا حم“ويقول مث ” اإلسراء“الكالم أن اهللا تعايل حتدي الناس أوال بالقرآن يف مجلته يف آية

” يونس“حتداهم بعشر سور مثله يف آية هود مث حتداهم بسورة واحدة مثله يف آية وهذا ترتيب معقول . دينة بامل” البقرة“مث بسورة من مثله يف آية . وكل ذلك مبكة

لو ساعد عليه تاريخ الرتول، والظاهر أن التحدي يف سوريت يونس وهود خاص ببعض أنواع اإلعجاز، وهي ما يتعلق باألخبار كقصص الرسل مع أقوامهم، وهو من أخبار الغيب املاضية اليت مل يكن ملن أنزل عليه القرآن علم ا وال قومه، كما

تلك من أنباء الغيب نوحيها ”: من سورة هود”قصة نوح “قال تعايل عقب قنيتة للماقبإن الع برـذا فاصل همن قب كمال قوو ا أنتهلمعت ا كنتم كإلي

وما ” وكما قال يف سورة القصص عقب قصة موسي…) ٤٩: سورة هود (غربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا كنت بجانب ال

أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ا كنتمو سلنيرا ما كنلكنو نذرلت كبن رة ممحلكن را ونيادانب الطور إذ نبج

-٤٤: سورة القصص ( “قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون ذلك من أنباء الغيب “: وكما قال يف سورة آل عمران عقب قصة مرمي).. ٤٦ه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقالمهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم نوحي

).٤٤: سورة آل عمران (إذ يختصمون

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   335 

ولعل وجه التحدي بعشر سور مفتريات دون سورة واحدة، هو إرادة نوع الواحد بأساليب متعددة متساوية يف خاص من أنواع اإلعجاز وهو اإلتيان باخلرب

.)٦ (”البالغة

أي أنه يقصد بالتحدي هنا القصص القرآين، وإنه باالستقراء يظهر أن السور . اليت كان قد نزل ا قصص مطول إيل وقت نزول سورة هود كانت عشرا

أي أن حتديهم بسورة واحدة فيه يعجزهم أكثر من حتديهم بعشر .. فتحداهم بعشر لتفرق القصص وتعدد أساليبه، واحتياج املتحدي إيل عشر سور كاليت ورد نظرا

واألفضل هنا القول إن احلاالت .. فيها ليتمكن من احملاكاة، إن كان سيحاكيالثالث مل يسقها القرآن لتنشئ احلجة، وإمنا جاءت إعالنا هنا، وإشهارا لوجودها

.ول والقلوبيف سائر القرآن، كيما تؤيت تأثريها يف العق

لو مل تكن إال سورة واحدة “: ويقول الباقالين عن اإلعجاز يف القرآن الكرميولو مل يكن إال من حديث من .. لكفت عن اإلعجاز، فكيف بالقرآن العظيم

ولو عرفت قدر قصة موسي وحدها من سورة …سورة لكفي، وأقنع وأشفي .)٧ (”الشعراء، ملا طلبت بينة سواها

ينظر إيل إعجاز القرآن يف عدد سوره وإمنا يغوص إيل املعين، ولو فهو هنا الأما عن رأي السكاكي يف : كان يف آية واحدة إذ يري فيها ما يكفي من اإلعجاز

املنقول عن العريب يف حق كالم رب العزة إن “:إعجاز القرآن فيظهر يف قوله إن أعاله ملثمر، وأنه يعلو وما له حلالوة، وإن عليه لطالوة، وإن أسفله ملغدق، وأن

يعلى، وما هو بكالم البشر، فتستغين بذلك عن قرع باب االستدالل، وأن ال الشك أن قارعي باب االستدالل .. تتجاذبك أيدي االحتماالت يف وجه اإلعجاز

336  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

فمنهم من يقول وجه -بعد االتفاق علي أنه معجز خمتلفون يف وجه اإلعجاز رف املتحدين ملعارضة القرآن عن اإلتيان مبثله مبشيئته اإلعجاز هو أنه عز وجل ص

إال أا مل تكن مقدورا عليها فيما بينهم يف نفس األمر، ولكن الزم هذا القول كون املصروفني عن اإلتيان باملعارضة علي التعجب من تعذر املعارضة ال من نظم

أسلوب مبتدأ مباين ومنهم من يقول وجه إعجاز القرآن وروده علي .. القرآن مثله لكن ابتداء أسلوب لو كان يستلزم .. ألساليب كالمهم يف خطبهم وأشعارهم

ومنهم من .. تعذر اإلتيان باملثل الستلزم ابتداء باملثل والالزم كما نري منتف ولكنه يستلزم كون كل كالم إذا سلم . يقول وجه إعجازه سالمته من التناقض

ن السور أن يعد معارضة، والالزم باإلمجاع من التناقض وبلغ مقدار سورة ملكنه يستلزم قصر . ومنهم من يقول وجه اإلعجاز االشتمال علي الغيوب.. منتف

التحدي علي السور املشتملة علي الغيوب دون ما سواها، والالزم باإلمجاع أيضا فهذه أقوال أربعة خيمسها ما جيده أصحاب الذوق من أن وجه اإلعجاز .. منتف

أمر من جنس البالغة والفصاحة وهذا ال يتأيت بفضل إهلي ذين العلمني يهبهما هواهللا حبكمته من يشاء، وهي النفس املستعدة لذلك، فكل ميسر ملا خلق له، وال

)٨ (”استبعاد يف إنكار هذا الوجه ممن ليس معه ما يطلع عليه

العرب مبزايا لقد أعجز القرآن: يف دالئل إعجازه ” عبد القاهر“ويقول ظهرت هلم يف نظمه وخصائص صادفوها يف سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادئ آية ومقاطعها، وجماري ألفاظها ومواقعها، ويف مضرب كل مثل، ومساق كل خرب، وصورة كل عظة وتنبيه وإعالم، وتذكري وترغيب وترهيب، ومع كل

ه سورة سورة، وعشرا عشرا، وآية حجة برهان، وصفة، وتبيان، ورهم أم تأملوآية، فلم جيدوا يف اجلميع كلمة ينبو ا مكاا، ولفظة ينكر شأا أو يري أن غريها

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   337 

أصلح هناك أو أشبه، أو أحرى وأخلق، بل وجدوا اتساقا ر العقول وأعجز .)٩(“ …ونظاما والتئاما وإتقانا وإحكاما مل يدع يف نفس بليغ منهم . اجلمهور

تلك كانت خالصة آراء قدامي املفكرين اإلسالميني حول مسألة إعجاز القرآن الكرمي وهي وإن كان يبدو يف ظاهرها بعض التباين إال أا مجيعا تؤكد

أما فيما يتعلق بآراء . إعجاز القرآن الكرمي يف أسلوبه ونظمه ونعته وتفرده يف ذلكرون على اإلطالق ما ذهب إليه احملدثني يف هذا الشأن فهم وإن كانوا ال ينك

أسالفهم إال أم يدلون بدلوهم يف هذا اال من منظور تطور اتمعات احلديثة، ومن أفضل ما . وانتشار األفكار املختلفة والثقافات الوافدة إيل اإلسالم واملسلمني

البد من إعادة “إنه : قيل يف هذا الشأن ما نوجزه فيما يلي حيث يذكر الكاتب النظر يف قضية اإلعجاز يف نطاق الظروف اجلديدة اليت مير ا املسلم اليوم، مع

ورغم ما يبدو يف القضية .. )١٠ (”الضرورات اليت يواجهها يف جمال العقيدة والروحمن تعقد، بسبب موقفنا التقليدي إزاءها، فإننا نعتقد أن مفتاحها موجود يف قوله

ا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا قل ما كنت بدع“: تعايل ى إليوحا يا حجة ) ٩من آية : سورة األحقاف( “مفإذا اعتربنا هذه اآلية علي أ

يقدمها القرآن للنيب كي يستخدمها يف جداله مع املشركني، فالبد أن نتأمل حمتواها :حيتنياملنطقي من نا

فهي حتمل، أوال، إشارة خفية إيل أن تكرار الشيء يف ظروف معينة يدل علي باملعين الذي ) ظاهرة(صحته، أي أن سوابقه يف سلسلة معينة تدعم حقيقته كـ

احلدث الذي يتكرر يف (فالظاهرة هي : يسبغه التحديد العلمي علي هذه الكلمة ).نفسه والنتائج كذلك

338  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

ا، ثانيا، ربطا بني الرسل والرساالت خالل العصور، وأن وهي حتمل يف مدلوهلومن هذا . الدعوة احملمدية جيري عليها أمام العقل ما جيري علي هذه الرساالت

:نستلخص أمرين

.إنه يصح أن ندرس الرسالة احملمدية يف ضوء ما سبقها من الرساالت

اهللا عليه صلي -كما يصح أن ندرس هذه الرساالت يف ضوء رسالة حممد حكم العام ينطبق علي اخلاص قياسا، وحكم اخلاص ( علي قاعدة أن -وسلم

).ينطبق علي العام استنباطا

: يف ضوء منطق اآلية الكرمية)اإلعجاز(وال مانع إذا من أن نعيد النظر يف معين وحاصل هذا أننا إذا اعتربنا األشياء يف حدود احلدث املتكرر، أي يف حدود

 :، فاإلعجاز هوالظاهرة

.احلجة اليت يقدمها خلصومه ليعجزهم ا: بالنسبة إيل شخص الرسول

.وسيلة من وسائل تبليغه: وهو بالنسبة إيل الدين

 :وهذان املعنيان لإلعجاز يضيفان علي مفهومه صفات معينة

البد أن يكون يف مستوي إدراك اجلميع، )حجة( كـ -إن االعجاز : أوالدته، إذ ال قيمة منطقية حلجة تكون فوق إدراك اخلصم، فهو ينكرها وإال فاتت فائ

.عن حسن نية أحيانا

.أن يكون فوق طاقة اجلميع: ومن حيث كونه وسيلة لتبليغ دين: ثانيا

أن يكون تأثريه بقدر ما يف تبليغ الدين من حاجة : ومن حيث الزمن : ثالثا ..إليه

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   339 

الدين، الصلة اليت ختتلف من دين إيل وهذه الصفة الثالثة حتدد نوع صلته ب .آخر، باختالف ضرورات التبليغ

فهذا هو املقياس العام الذي نراه ينطبق علي معين اإلعجاز، يف كل الظروف ..احملتملة بالنسبة إيل األديان املرتلة

، نري أن اهللا اختار هلذا ” موسي عليه السالم“فإذا قسنا به يف نطاق رسالة يدعم اهللا ا ” كحجة- اليد والعصا، وإذا تأملنامها وجدنامها الرسول معجزيت

: يتصفان بأما-نبيه

ليستا من مستوي العلم املصري القدمي الذي كان من اختصاص أشخاص معدودين، يكونون هيئة الكهنوت، بل كانت املعجزة، يف كلتا صورتيهما، من

طريق املعاينة احلسية دون مستوي السحر الذي يقع أثره يف إدراك اجلميع عن .إجهاد فكر

هاتان املعجزتان تتصالن بتاريخ الدين املوسوي، ال جبوهره إذ ليس لليد أو العصا صلة مبعاين هذا الدين وال بتشريعه، فهما علي هذا جمرد توابع للدين، ال من

.صفاته املالزمة له

، إذ ال تتصور وداللة هاتني املعجزتني علي صحة الدين حمدودة بزمن معني إال يف اجليل الذي شاهدمها، أو اجليل الذي بلغته )حجة(مفعول اليد والعصا كـ

تلك الشهادة بالتواتر من التابعني وتابع التابعني، أي أن مفعوله ال يكون إال يف ولو تأملنا يف هذه احلكمة لوجدنا أا تتفق مع . زمن حمدد، حلكمة أرادها اهللا

:وهي: ائق تارخيية سجلها الواقع فعالحقائق نفسية، وحق

340  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

يفقدون - أي اليهود- إن القوم الذين يدينون اليوم بدين موسي : أوالألسباب نفسية، نزعة التبليغ، حبيث ال يشعرون بضرورة تبليغ دينهم إيل غريهم من

إن : حيت أننا إذا استخدمنا لغة االجتماع قلنا - كما يقولون -األمم، أي األميني . قد ألغاه يف هذا الدين عدم احلاجة إليه)اإلعجاز(

إن مشيئة اهللا قد قدرت أن يأيت عيسى رسول من بعد موسى، وأيت : ثانياالدين اجلديد لينسخ الدين السابق، فينسخ طبعا جانب اإلعجاز فيه، حيث تزول

ل ولكن داللة ما أويت عيسي من إعجاز ستزو. احلجة بزوال ضرورا التارخييةأيضا مع زوال موضوعها، ولنفس األسباب اليت ألغت جانب اإلعجاز، يف دين

ودين جديد يلغيان الدين - رسول جديد - بعد عيسي -موسي حيث يأيت .)١١(السابق، دين عيسي عليه السالم، فليغي ضرورة التدليل علي صحة اإلجنيل

واس، ويتحدي إما حسي، جيابه احل: يتضح من العرض السابق أن اإلعجازالقدر، مثل اإلعجاز الذي صاحب موسي وعيسي عليهما السالم، فقد كان من هذا النوع، أي أنه كان يقع يف جمال احلس، وخاصة حاسة النظر، إذ تكشف للناس علي صورة تكاد تكون واحدة، ال اختالف عليها بينهم، ألن الناس ال

خيتلفون اختالفا بعيدا يف مدلول ما خيتلفون كثريا يف مدلول املرئيات، علي حني .. يقع للحواس األخرى من مسموعات، ومذوقات، ومشمومات، وملموسات

وإما أن يكون اإلعجاز عقليا يواجه العقل، ويلقاه بكل ما فيه من قوي اإلدراك وهذا النوع من اإلعجاز ال يقع من الناس موقعا متقاربا، وإمنا يلقاه . واالستبصارن مبا لديه من إدراك وفهم، وقدرة علي التمييز بني املدركات، والتفرقة كل إنسا

.)١٢(بني اخلري والشر

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   341 

وجتدر اإلشارة هنا إيل أن املفكرين املسلمني السابقني قد أدركوا هذه الظاهرة وأكثر معجزات بين إسرائيل كانت “: اإلعجازية أيضا حيث، يقول السيوطي

- اإلسالمية -، وأكثر معجزات هذه األمة ..م لبالدم، وقلة بصري.. حسيةوألن هذه الشريعة لما كانت باقية علي .. لفطر ذكائهم، وكمال إفهامهم. عقلية

لرياها ذوو .. صفحات الدهر إيل يوم القيامة، خصت باملعجزة العقلية الباقية .)١٣(“األبصار

واعي احلكمة اليت جاءت واختالف املعجزات يف أجيال الناس هو ما اقتضته دذلك أن الناس خيتلفون باختالف أزمنتهم وأمكنتهم وإذا .. املعجزات من أجلها

كانت غاية املعجزة أن يري الناس فيها صدق الرسول املرسل من قبل قوة أعلي من إدراكهم وإمكانام، وقيام الدليل علي صحة دعواه، فكان البد أن تكون هذه

..ري من تلقاهم وتتحداهم، آخذة بعقوهلم وقلوماملعجزة جارية مع تفك

هذا وإن يكن من املمكن أن يتحقق يف املعجزة املادية الواحدة أن تتكرر “ إال أن ذلك يذهب بكثري من تأثري -جيال بعد جيل، فتظل أبدا متحدية قاهرة

هي املعجزة ويرتل بقدر كبري من قدرها يف أعني الناس، فلو أن عصا موسي كانت املعجزة اليت يتناوهلا الرسل رسوال بعد رسول، وكانت يف كل مرة، ويف كل حال تطلع علي الناس بتلك املعجزات اليت كانت هلا عند موسي، أو مبعجزات أخري

لو أن ذلك حدث ملا كان هلا علي الناس ذلك السلطان الذي للمعجزة -غريها اس علي غري انتظار، وعلي خالف أية اليت جتئ متفردة بوجودها، واليت جتئ إيل الن

ذلك أن أقل ما يقع للناس من املعجزة الواحدة املتكررة أا -صورة يتصورواخلفا عن سلف، مث إن حصر إمارات .. رمبا كانت وليدة الصدفة، توارثها أصحاا

342  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

السماء يف أمر واحد علي صورة واحدة، متكررة، فيه اام لقدرة اهللا، وفتح باب ..ع للتشكك يف صدق الرسولواس

إذ أن القدرة اإلهلية ال حدود هلا، فكيف ال يراها الناس إال يف صورة واحدة تتكرر علي األجيال؟

هلذا كان من تدبري احلكيم العليم القادر أن يكون يف يد كل نيب دليل صدقه دا، مل الذي ال يشاركه فيه غريه، وأن تكون معجزته اليت يلقي ا الناس حدثا فري

.)١٤ (”يقع هلم يف خاطر، ومل حيل هلم يف تفكري

فتتسم بصفة - صلي اهللا عليه وسلم -وهكذا تأيت رسالة الرسول األمني خاصة متيزها عما سبقها من الرساالت، إذ أا احللقة األخرية من سلسلة البعث،

جيال، وهي القرآن صفة مالزمة له عرب العصور واأل)إعجاز(ولذا وجب أن يكون صفة يدركها العريب يف اجلاهلية بذوقه الفطري، وعامل اللغة بتذوقه العلمي، ومع أن املسلم اليوم فقد فطرة العريب اجلاهلي، وإمكانيات عامل اللغة، إال أن القرآن الكرمي مل يفقد جانب إعجازه ألنه ليس من توابعه، بل من جوهره، وإمنا أصبح املسلم

ناوله يف صورة أخري بوسائل أخري، فهو يتناول اآلية من حيث مضطرا إيل أن يتتركيبها النفسي املوضوعي، أكثر مما يتناوهلا من ناحية العبارة، فيطبق يف دراسة

، األمر الذي سنبحث جانبا منه يف )١٥(مضموا طرقا للتحليل النفسي واألديب .وجوه اإلعجاز القصصي يف القرآن الكرمي

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   343 

 يناملبحث الثا

اإلعجاز البالغي والبياين يف قصص القرآن الكرمي

: اإلعجاز البياين يف القصص القرآين- أ

ذكرنا من قبل أن القصة يف القرآن ليست عمال فنيا مستقال يف موضوعه وطريقة عرضه وإدارة حوادثه كما هو الشأن يف القصة الفنية احلرة اليت ترمي إيل

. سيلة من وسائل القرآن الكثرية إيل أغراضه الدينية أداء غرض فين طليق، إمنا هي ووالقرآن كتاب دعوة دينية قبل كل شيء، وحيث إن حاجة التبليغ مستمرة والقصة إحدى وسائل هذا التبليغ، لذلك فإن اإلعجاز يف القصة القرآنية سيظل صفة

از بياين مالزمة هلا، وقد آن أن ننتقل إىل بيان موجز ملا يف قصص القرآن من إعج :وعلمي

: البيان والبالغة - ١

يتميز القصص القرآين مبا فيه من نظم عجيب ال يقل يف إعجازه عن غريه -أمما عين الفحول بتصويره دون تفرقة بني آيات الكتاب يف الفضائل واملزايا العجاب،

وجدنا أنفسنا يف بعض مواضعها أمام تصوير رائع يف ” قصة نوح“فإذا نظرنا يف مث .. فهي تبسط حوارا بينه وبني قومه.. ورة أفردت لذلك من بني سور القرآنس

ضراعة منه إيل ربه، بعد أن يئس من هدايتهم، فإذا انتقلنا بعد ذلك لنتصور كيف كانت جناة نوح وما صورته يف ذلك سورة هود وكيف أمره اهللا سبحانه أن يصنع

ء اهللا جناته، وكيف جرت به يف الفلك بعينه ووحيه، وكيف أدخل فيها من شاموج يشبه يف التصوير القرآين بأنه كاجلبال، وكيف اجته اخلطاب إيل األرض بأن تبلع املاء وللسماء بأن تقلع، وكيف ذهب الذي طاف جبميع األرجاء، وكيف

344  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

صدر اهللا سبحانه بالفعل املبين للمجهول ونائب الفاعل كال من غيض املاء، وقضاء وقيل يا “: وجناة املؤمنني، وإبعاد الظاملني يف هذه اجلمل الثالث اآلتيةأمر اهلالك

أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي األمر واستوت على م الظالمنيدا للقوعقيل بو ودي١٦()٤٤: سورة هود ( “الج(.

ما قيل عن وجوه البالغة والفصاحة، يف القصة ما ننقله عن ومن خري أما النظر فيها من جهة علم البيان، فهو “: السكاكي يف مفتاح العلوم حيث قال

أنه تعايل ملا أراد أن يبين معىن أردنا أن نرد ما انفجر من األرض إيل بطنها، فارتد، اء النازل من السماء، فغاض، وأن وأن نقطع طوفان السماء، فانقطع، وأن يغيض امل

يقضي أمر نوح، وهو إجناز ما كنا وعدناه من إغراق قومه، فقضي، وأن نسوي بين الكالم علي تشبيه -السفينة علي اجلودي، فاستوت، وأبقينا الظلمة غرقى

املراد منه، باملأمور الذي ال يتأتى منه لكمال هيبته العصيان، وتشبيه تكوين املراد، مر اجلزم النافذ يف تكوين املقصود، تصويرا القتداره تعايل، وأن السماوات باأل

واألرض وهذه األجرام العظام تابعة إلرادته كأا عقالء مميزون، قد عرفوه حق معرفته وأحاطوا علما بوجوب االنقياد ألمره، وحتتم بذل اهود عليهم يف حتصيل

علي سبيل ااز ). قيل: (كالم، فقال تعايل مراده، مث بين علي تشبيهه هذا نظم اليا (وجعل قرينة ااز خطاب اجلماد، وهو . عن اإلرادة الواقع بسببها قول القائل

، خماطبا هلما على سبيل االستعارة، للشبه املذكور، مث استعار )يا مساء(، و )أرضجبامع الذهاب إيل لغور املاء يف األرض بالبلع الذي هو إعمال اجلاذبة يف املطعوم،

مقر خفي، واستتبع ذلك تشبيه املاء بالغذاء علي طريق االستعارة بالكناية، لتقوي ، )ابلعي(األرض باملاء يف اإلنبات للزرع واألشجار، وجعل قرينة االستعارة لفظ

لكونه موضوعا لالستعمال يف الغذاء دون املاء، مث أمر علي سبيل االستعارة، للشبه

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   345 

ماءك، بإضافة املاء إيل األرض علي سبيل ااز، تشبيها : ، مث قال املقدم ذكرهالتصال املاء باألرض باتصال امللك باملالك، واستعار حلبس املطر اإلقالع الذي هو

: ترك الفاعل الفعل، للشبه بينهما يف عدم ما كان، وخاطب يف األمرين أي قال ، مث )يا مساء(و) يا أرض(ارة النداء يف أي استع(: ابلعي، وأقلعي، ترشيحا لالستعارة

، بعدا للقوم الظلمني: وقيل، وقضي األمر، واستوت علي اجلودي، غيض املاء: قال ) يا أرض(فلم يصرح بالغائض، والقاضي، واملسوي، والقائل، كما مل يصرح بقائل

إال سلوكا يف كل واحد من ذلك سبيل الكناية عن تلك األمور العظام) يا مساء(و يتأيت إال من ذي قدرة ال تكتىن، قهار ال يغالب، فال جمال لذهاب الوهم إيل أن يكون الفاعل لشيء من ذلك غريه، مث ختم الكالم بالتعريض لسالكي مسلكهم يف

.تكذيب الرسل ظلما ألنفسهم حىت إظهار ملكان السخط، وجلهة استحقاقهم إياه

وهو النظر يف فائدة كل كلمة فيها، وإما النظر فيها من حيث علم املعاين،دون سائر أخواا، ) يا(أنه أختري : وجهة كل تقدمي وتأخري بني مجلها، فذلك

لكوا أكثر استعماال، ولداللتها علي بعد املنادي الذي يستدعيه مقام إظهار بالكسر، جتنبا إلضافة التشريف، ) يا أرض: (العظمة، ويؤذن بالتهاون به، ومل يقل

لالختصار، مع االحتراز عما يف ) يا أيتها األرض: (تأكيدا للتهاون، ومل يقل، من تكلف التنبيه غري املناسب للمقام، لكون املخاطب غري صاحل للتنبيه )أيتها(

وأخريا لفظ األرض دون سائر أمسائها، لكونه أخف وأدور، واختري . علي احلقيقة ، لكونه أحضر، )ابتلعي(علي ) ابلعي(ري واخت. لفظ السماء ذلك مع قصد املطابقة

باألفراد دون اجلمع ) ماءك(وقيل . أوفر ) أقلعي(ويء حظ التجانس بينه وبني لداللة اجلمع علي االستكثار الذي يأباه مقام إظهار الكربياء، وهو الوجه يف إفراد

ميم لئال يفهم ما ليس مبراد من تع) ابلعي(ومل حيذف مفعول . األرض والسماء

346  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

االبتالع للجبال والتالل والبحار وغريها، ونظرا إيل مقام ورود األمر الذي هو اقلعي عن : ، فلم يقل)أقلعي(مث إذ بين املراد اختصر علي . مقام عظمة وكربياء

إرسال املاء، احترازا عن احلشو املستغين عنه من حيث الظاهر، وهو الوجه يف أنه ) غيض املاء(بلعت، ويا مساء أقلعي فأقلعت، واختار مل يقل ياأرض ابلعي ماءك، ف

: دون أن يقال) املاء(وقيل . املشددة، لكونه أخصر، وأوفق لقيل ) غيض(علي ، لالختصار، ومل )أمر نوح(دون أن يقال ) األمر(، كذلك )ماء طوفان السماء(

ء مبعين أقدرت، علي حنو قيل وغيض، وقضي يف البنا) سويت علي اجلودي(يقل مع قصد ) وهي جتري م(للمفعول، اعتبار لبناء الفعل للفاعل مع السفينة يف قوله

، طلبا للتوكيد مع )ليبعد القوم: (، دون أن يقال )بعدا للقوم(االختصار، مث قيل ، مع إفادة أخري، وهي استعمال )ليبعدوا بعدا(مرتلة ) بعدا(االختصار، وهو نزول

مث أطلق الظلم، ليتناول كل . دال علي معين أن البعد حق هلم ال“ بعد “الالم مع .نوع، حيت يدخل فيه ظلمهم ألنفسهم بتكذيب الرسل

هذا من حيث النظر إيل الكلم، وأما من حيث النظر إيل ترتيب اجلمل، فذلك : دون أن يقال ) يا مساء أقلعي(و )يا أرض، ابلعي(أنه قدم النداء علي األمر، فقيل

، جريا علي مقتضي الالزم فيمن كان مأمورا )أقعلي يا مساء( و) لعي يا أرضاب(حقيقة من تقدمي التنبيه، ليتمكن األمر الوارد عقيبه يف نفس املنادى، قصدا بذلك

مث قدم األرض علي أمر السماء، البتداء الطوفان منها ونزوهلا لذلك . ملعىن الترشيحمث . ، التصاله بقصة املاء )وغيض املاء(: هما قوله مث أتبع. يف القصة مرتلة األصل

من : ، أي أجنز الوعد )وقضي األمر(: أتبعه ما هو مقصود من القصة، وهو قوله مث أتبعه حديث السفينة، مث . إهالك الكفرة وإجناء نوح ومن معه يف السفينة

.ختمت القصة مبا ختمت

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   347 

أي خلوص املعين (املعنوية هذا كله من جانب البالغة، وأما جانب الفصاحة فهي نظم للمعاين لطيف، وتأدية هلا ملخصة مبينة، ال تعقيد يعثر الفكر ) من التعقيد

يف طلب املراد، وال التواء يشبك الطريق إيل املرتاد، بل ألفاظها تسابق معانيها، وأما جانب الفصاحة اللفظية، فألفاظها عربية مستعملة،. ومعانيها تسابق ألفاظها

جارية علي قوانني اللغة، سليمة عن التنافر، بعيدة عن البشاعة، عذبة، كل منها .)١٧( ”كاملاء يف السالسة، وكالعسل يف احلالوة، وكالنسيم يف الرقة

ومما ينبغي أن يذكر أن تلك اجلمل الثالث قد تناوهلا بالدراسة كثري من النقاد، ا أمنوذجا للبالغة الساحرة، مربهنا يتخذه“ دالئل اإلعجاز “فنجد عبد القاهر يف

ا علي أن اإلعجاز إمنا جاء من النظم، وارتباط هذه الكلم بعضها ببعض، ومالءمة .)١٨( “معين اللفظة ملعين اليت تليها، ال من حيث هي كلمة مفردة

ولقد عاد كل شئ إيل وضعه واستقر يف مقره ذه اجلمل الثالث، ولقد شاء نوح واملؤمنون معه بعد كفاح استمر ألف سنة إال مخسني عاما القدر أن يستريح

مع قومه الكافرين واملعاندين فأخذهم الطوفان وهم ظاملون، لقد أمر كل من السماء واألرض، وأمرمها من له األمر دون داع إيل تصريح بامسه فائتمر كل مبا

..أمر، ولقد أبعد الظاملون بأمره

ففتحنا أبواب “: بر اهللا سبحانه يف سورة القمر، بقوله وعن هذا املعين ذاته ع اهلنمحو قدر ر قدلى أماء عقى الما فالتونيع ضا الأرنرفجمر وهناء ماء بممالس

فر ولقد تركناها آية فهل على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان ك ).١٥- ١١: سورة القمر ( ”من مدكر

348  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

ويشري بعض الباحثني إيل تلك املعاين الرائعة اليت تصمنتها هذه اآليات، مبا هذه معان يف أصلها إخبار عن وقائع جرت، وأحداث حدثت علي “: موجزه أن جديدة ال -ا إحالة علي ما سبق أمره إذا تركنا النظر يف أسلو-أن معانيها

حمالة، فوصف إطالق املياه من السماء بأنه فتح ألبواب السماء معين جديد مل وفجرنا األرض عيونا “: ووصف ارتفاع املياه من بطون األرض بقوله …يطرق

بأا ذات ألواح ودسر، وعن -مث الكناية عن السفينة .. معين مبتكر ال يلحق “ ولقد تركناها “: بأنه كان كفر، مث وصف التسجيل التارخيي بقوله سبحانه نوح،

.)١٩( كل ذلك جتديد وأي جتديد “آية

وإن مل يكن علي صورة الشعر يف تعادل - مث ننتقل إيل التوازن بني اآليات “ قد جعل النغم املوسيقي ممسكا ا مجيعا يف -التفعيالت بني صدر البيت وعجزه

د متسق اإليقاع، جيري قويا متدفقا كتدفق السيل، حيت يقع علي حلن واحولننظر أي قرار حيمل هذا البحر املتدفق .. فيستقر عنده، ويسكن إليه “القرار“

وهو أقوي حرف .. )٢٠( “ الراء “وحيويه يف صدره؟ إنه حرف واحد هو حرف سكون انبعج يف يف حروف اللغة العربية، وأشدها متاسكا، فإذا وقف عليه بال

رخامة، ولني، وصار أشبه بالوادي العميق الرحب، بني يدي جبل تنهمر عيونه، .)٢١(”وتتدفق سيوله

وهكذا لو أننا ذهبنا نقف عند كل كلمة من الكلمات ألسهبنا إذا يف تصوير نواح من األسرار البيانية يتحقق يف جمموعها معين اإلعجاز فيما وصل إليه البحث

فكيف مبا علمه غرينا ؟ فكيف مبا مل يعلمه أحد . والعلم البياين مما علمناه البالغي، إال اهللا سبحانه؟

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   349 

: اإلعجاز يف املعاين واألفكار- ٢

ننتقل إيل اإلعجاز يف معاين القصص، وما فيه من أفكار جديدة، وأخيلة بديعة ة يف أي غرض فاملعاين واألخيلة عند البلغاء تقصد إىل فكرة سامي.. وصور رفيعة

من أغراض القول، وتشتمل عند كثري منهم على ما خيترعه املتكلم من معىن غري مطروق، مما ميأل النفوس روعة وإعجابا بالفكر املبتكرة املخترعة،ولذلك امتاز يف معين األسلوب الذي هو طريقة النظم وما يشتمل عليه من إجياز أو إطناب، وذكر

، كما أنه يتميز عن الغرض العام الذي هو الفن من أو حذف، وتقدمي أو تأخري .القول والضرب منه كاملدح والذم وما يتصل بذلك باهلدف والغاية

فلنتحدث يف شئ من معاين القصص وما فيه من أفكار جديدة، فإذا قوله وأهله من ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون ونجيناه “: سبحانه يف قصة نوح

وتركنا عليه في “: إيل أن يقول)٧٦ -٧٤:سورة الصافات (“الكرب العظيم المنيوح في العلى نع لامس ولعله ال ) ٧٩، ٧٨: سورة الصافات (“الآخرين

ح به يف جديد يف أصل املعين، وإمنا هو إخبار عن نوح بأنه سأل ربه واملسئول مصرقال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده “: قال : سورة نوحرب لا تذر على ”: وقال نوح ”إيل أن قال) ٢١: سورة نوح (“إلا خسارا

“: ولكن هذا املعىن العجيب ،) ٢٦: سورة نوح (“الأرض من الكافرين ديارا هو موضع اجلدة الرائعة، “سلم علي نوح يف العلمني . وتركنا عليه يف اآلخرين

فهذه فكرة مستجدة وإمياءة من القرآن مستمدة، فإا تضيف جديدا إيل املعاين اليت مل يسبق إبرازها من قبل، وهو أن اهللا سبحانه ترك علي نوح يف سائر األمم أن

فلننظر كيف أن اهللا سبحانه قد .. عليه إيل األبد اآلبدين ودهر الداهرينيسلموا

350  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

وعن “ تركنا علي نوح يف العلمني “: مسي ذلك التقدير العاملي والثناء اإلنساين: فيقول . مثل هذا املعىن عبر اهللا سبحانه يف قصة إبراهيم عليه السالم وهو يسأله

مبعين الذكر ) ٨٤: سورة الشعراء (“ي الآخرين واجعل لي لسان صدق ف “احلسن والثناء اجلميل، ولكن التصوير خمتلف يف املقامني، مع أنه يف كل منهما رائع ومجيل، وتلك من معارف األنبياء اليت دي إليها الفطانة، وتكشف عنها الزكانة،

.)٢٢(ه ومصطفاهويصورها القرآن ذلك التصوير ليلهمنا إياه كما أهلمه نبي

وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما “: ويتصل بذلك أن يقوم سبحانه ”تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون

).٢٨- ٢٦: سورة الزخرف (

إا تفيد معين “ جعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون “ما معىن وهو أن إبراهيم عليه السالم ركز علي معين التوحيد ونفي الشرك، كما .. كرميا

رب العالمني إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت ل “: قال سبحانه يف تصوير آخر ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فال تموتن إال

).١٣٢ - ١٣١: سورة البقرة ( “ وأنتم مسلمون

ة املرسلني، وكل هذه املعاين الكرمية متجاوبة يف حميط دعوة األنبياء ومهم “وعلي رأسهم إبراهيم اخلليل الذي تتحاضنه األمم وتتزاحم عليه مجيع األجناس،

، دفعا للمعارضني، “لعلهم يرجعون “: حىت عباد األوثان وهلذا يقول سبحانه .)٢٣( ”ودحضا للمجرمني

يه وهذا وحنوه من املعاين اليت ميزت القصص القرآين بقوة خارقة يف معاناخلاصة الرفيعة، وأفكاره العجيبة الغريبة مما ضاعف نواحي اإلعجاز يف أسلوبه، فإن

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   351 

املعين الشريف الذي تتجه به إيل النفوس قوة اهللا القدير إذا صب يف ذلك األسلوب ..البديع العجيب أنزل العصم من أماكنها، وطأطأ الروءوس إيل أذقاا

إنا أرسلنا عليهم رحيا صرصرا “: ب عاد فإذا انتقلنا يل قوله سبحانه يف عذامرتسس محم نوفهو يصف إنزال العذاب باإلرسال، . )١٩: سورة القمر ( “ في ي

ويصور تصريف الريح بارمني وقلقلة املعاندين بأنه نزع للناس من أماكنهم وإلقاء املنقعر وهي منطرحة ملقاة علي هلم فال حراك م كما تري أعجاز النخل

إنا مرسلو الناقة فتنة لهم “: وإذا انتقلنا بعد ذلك إيل قوله هنالك .. األرض مهاحبا صوادفن رضتحب مكل شر مهنية بماء قسأن الم مئهبنو طبراصو مهقبتفار

كل تلك )٣٠: ٢٧: سورة القمر( “ فعقر فكيف كان عذابي ونذر فتعاطى ..”أوصاف تلبس كسي من األلفاظ ال يهتدي إليها إال خالق القوي والقدر

احلقيقة أن هذه النواحي ال ترجع إيل األساليب واأللفاظ فهي ختتلف عن “ويعتربون األسلوب شيئا يرجع إيل ذلك، فهذه معان يسميها األدباء أخيلة وأفكارا،

اللفظ يف مفرداته وترتيب تلك املفردات وما توصف به من فصل أو وصل، وذكر أو حذف، وتقدمي أو تأخري، ولذلك فهي ناحية ختتلف عن ناحية اإلعجاز البياين الذي يؤديه اجلرجاين والباقالين واجلاحظ وغريهم من علماء البيان والبالغة

.)٢٤( “لي الناحية اإلمجالية اليت جرت عليها العرب وركزوا فيه ع

: اإلعجاز األسلويب- ٣

إن الذين زاولوا فن التعبري والذين هلم بصر باألداء الفين يدركون أكثر من غريهم مدي ما يف األداء القصصي من إعجاز يف هذا اجلانب، ومن املقطوع به أن

ثالن أسلوبني لكل منهما طابعه األحاديث النبوية الشريفة والوحي القرآين مي

352  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

وصياغته اخلاصة، فالعبارة القرآنية هلا نسق، وجرس تعرفه األذن، وهلا هيئة تركيبية، إن األسلوب القرآين : وألفاظ خاصة، فليس من اخلطأ أو الغلو يف شئ أن يقال

.)٢٥(معجز، ال يتسىن ألحد اإلتيان مبثله

أراد أن يدخل يف اللغة العربية فكرته إذا ما -ولقد كان حتما علي القرآن .. أن يتجاوز احلدود التقليدية لألدب اجلاهلي -الدينية، ومفاهيمه التوحيدية

واحلق أنه قد أحدث انقالبا هائل يف األدب العريب بتغيريه األداة الفنية يف التعبري، فهو من ناحية قد جعل اجلملة املنظمة يف موضع البيت املوزون، وجاء من ناحية

ل العقلية أخري بفكرة جديدة، أدخل ا مفاهيم وموضوعات جديدة، لكي يصعلي أن هذه املفاهيم ليست مترمجة يف آيات القرآن .. اجلاهلية بتيار التوحيد

..فحسب، بل إن القرآن قد هضمها ومتثلها، مث كيفها حىت تناسب العقلية العربية

ولقد تعرضت الثروة اللفظية اليت جاء ا القصص القرآين لتكييف رائع، “ وهو اسم الشخصية “ Putiphareطيفار فو“كما حدث لذلك االسم اخلاص

يف قصة يوسف، ولنا أن “ العزيز “الكتابية اليت أطلقت عليها رواية القرآن لقب نتساءل عما إذا كانت هناك صلة يف املعين بني االسم العربي واللقب القرآين،

اشتقاقا مصريا يبدأ من “ فوطيفار “فالتفسري التوراوي يبدو أنه يقصد بكلمة . “ مستشار أو ناصح “ phare، واألصل “ عزيز “ : puti = favori: األصل

يف املوضوع نعرف أن هذه الكلمة vigroureux فيجورو ”ونقال عن حبث القسيس ..“ عزيز اإلله مشس “مصرية مركبة معناها

وعلي أي من الرأيني نري أن التكييف االشتقاقي القرآين قد حذف اللفظ إلضايف، ليتمثله يف صورة أكثر تطابقا مع روح التوحيد اإلسالمية، فإذا ا-املكمل

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   353 

ومما يذكر أن هذا التكييف الذي جتنب صعوبة .. “ العزيز “به يكتفي بلفظة الترمجة الصوتية للحروف األويل، قد حل مشكلة لغوية ال ينسي جلاهل بالدراسات

.)٢٦(”الت وعيهاملصرية أن حيلها، حىت ولو كان يف أمت حا

: اإلجياز املعجز- ٤

إن القصص القرآين لشدة إجيازه وإحكامه، تكاد كلماته تتحول رموزا تنطوي كل كلمة منها علي معان كثرية، لذلك فإن الفهم الدقيق إلحياءات القرآن وإشاراته تستدعي يقظة متواصلة يف قراءته، وفكرا واعيا لتدبر مراميه، وحسا

تذوق معانيه، فعندما نتأمل اآلية التالية اليت وردت يف سياق قصة يوسف، مرهفا ل وقال نسوة في “: جند أا كانت مصدرا إلجياد كثري من املعاين اليت حتتملها

اهرا لنا إنبا حفهغش فسه قدن نا عاهفت اودرزيز تأة العرة امدينبني المالل ما في ض ).٣٠: سورة يوسف( “

:هذا الكالم متضمن لوجوه من املكر: قال ابن قيم اجلوزية

ومل يسموها بامسها، بل ذكروها “امرأة العزيز تراود فتاها “: قوهلن: أحدها ن فصدور الفاحشة مم. بالوصف الذي ينادي عليها بقبيح فعلها بكوا ذات بعل

.هلا زوج أقبح من صدورها ممن ال زوج هلا

أن زوجها عزيز مصر، ورئيسها، و كبريها، وذلك أقبح لوقوع : الثاين .الفاحشة منها

.وذلك أبلغ يف القبح. أن الذي تراوده مملوك ال حر : الثالث

354  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

وحتت كنفها، فحكمه حكم أهل . أنه فتاها الذي تراوده هو يف بيتها : الرابع .ف من تطلب ذلك من األجنيب البعيدالبيت، خبال

.أا هي املراودة الطالبة: اخلامس

أا قد بلغ ا عشقها له كل مبلغ، حىت وصل حبها له إيل شغاف : السادس .قلبها

أنه أعف منها وأبر وأويف، حيث كانت هي : أن يف ضمن هذا : السابع .اء وهذا غاية الذم هلااملراودة الطالبة، وهو املمتنع، عفافا وكرما وحي

أن أتني بفعل املراودة بصيغة املستقبل الدالة علي االستمرار، والوقوع : الثامن .راودت فتاها: حاال واستقباال، وأن هذا شأا، ومل يقلن

فالن أكرم ضيفا، وفالن يكرم الضيف ويطعم الطعام، وحيمل : وفرق بني قولنا . هذا شأنه وعادتهالكل، فإن هذا يدل علي أن

أي إنا لنستقبح منها ذلك غاية “إنا لنراها في ضالل مبني “قوهلن : التاسعاالستقباح، فنسنب االستقباح إليها، ومن شأن مساعدة بعضهن بعضا علي اهلوى،

فحيث . وال يكدن يرين ذلك قبيحا، كما يساعد الرجال بعضهم بعضا علي ذلك منها ذلك، كان هذا دليال علي أنه من أقبح األمور وأنه مما ال ينبغي، أن استقبحن

.تساعد عليه، وال حيسن معاونتها عليه

أن مجعن هلا يف هذا الكالم واللوم بني العشق املفرط، والطلب : العاشر .املفرط، فلم تقتصد يف حبها، وال يف طلبها

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   355 

وأما . أي وصل حبه إىل شغاف قلبها“ا قد شغفها حب “: أما العشق فقوهلنالطلب مرة بعد مرة، فنسبوها : واملراودة . “ تراود فتاها “الطلب املفرط فقوهلن

إيل شدة العشق، وشدة احلرص علي الفاحشة، فلما مسعت ذا املكر هيأت هلن .)٢٧(مكرا، أبلغ منه، ألا قابلت مكرهن القويل ذا املكر الفعلي

يف إجيازه احملكم، وغزارة معانيه ما ينطبق علي قصص موسي يف ومثل هذا السور اخلمسة اليت جاءت فيها أكرب عناصر احلديث عنه، وهي سور األعراف

.ويونس وطه والشعراء والقصص

-:البالغة الصوتية يف القصة القرآنية - ٥

اإلحياء- أ

لصوتية يتوقف قدر ال شك أن القرآن الكرمي وهو األمنوذج األمسى يف البالغة اكبري من مالحظة تلك امليزة فيه علي حسن تالوته، ومن هنا ندرك مغزى قول

فليس املقصود هنا “ زينوا القرآن بأصواتكم “الرسول صلي اهللا عليه وسلم التطريب، ولكنه حسن األداء بالتزام النطق الصحيح ومراعاة قواعد التالوة من مد

ووصل، فإن هذا من حسن اإللقاء الذي يزين القرآن، وغن وإظهار وإخفاء ووقف ويربز دور األصوات يف إبراز املعاين، كما يتيح حسن املتابعة للتركيبة اللغوية اليت

.)٢٨(حتدث اإليقاع

إذا البالغة الصوتية هي كل وسيلة صوتية يتحقق فيها مفهوم البالغة مبعناها :ها من مالحظة أمريناملصطلح عليه عند البالغيني، فالبد في

أن نتجاوز اإلطار الصويت جبرسه وإحيائه وإيقاعه واعتداله إيل ما حيدثه : األول .من إبراز املعين وتأكيده وتسلسله وانتظامه

356  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

.أن يتحقق باألداء الصويت مطابقة الكالم ملقتضي احلال: والثاين

م واتساق على ما جاء عليه من انسجا- واحلق أن القرآن ما جاء أسلوبه ليحقق الغاية من التأثري واللفت واجلذب لكل املستمعني -وتوازن يشبه املوسيقا

واملخاطبني علي اختالف عقائدهم ومستويام، ألن الناس مجيعا يستهويهم مجال .)٢٩(اإليقاع وحسن األداء

واإلحياء ميزة صوتية حترك اخليال حنو سلسلة من املعاين تتداعي متصلة ورمبا .. وهو مرتبط غالبا جبرس الكلمة وإيقاعها وما حتمله من ظالل . بالكلمة

يعود مصدر اإلحياء إيل ارتباط بعض الكلمات بأصلها احلسي عن طريق ما توحي واألصل احلسي للكلمة يعين . به وما نستشعره من ظالل حوهلا عند النطق ا

املعيشة والظروف أصل االستعمال الذي دعت إليه أمور مرتبطة باحلياة ووقد ذكر األستاذ العقاد مناذج من الكلمات اليت تدل .. االجتماعية للعريب األول

علي االرتباط واجلماعة، فاألمة مثال هي اجلماعة اليت تؤم مكانا واحدا أو تأمت بقيادة واحدة، والشعب هو اجلماعة اليت تتخذ هلا شعبة واحدة من الطريق،

اليت تطوف معا، والفئة هي اجلماعة اليت تفئ إيل ظل واحد، والطائفة هي اجلماعةوالنفر من القوم هم الذين ينفرون معا للقتال أو غريه، والقوم هم الذين يقومون قومة واحدة للقتال خاصة، وهلذا أطلقت أوال علي الرجال مث مشلت الرجال

لا يسخر قوم “ بعد قوله “ء ولا نساء من نسا “: والنساء، ومن هنا قوله تعايلوتلحظ هذه املناسبة املستمرة من االستعمال ) ١١: سورة احلجرات (“من قوم

احلسي يف أمساء األمكنة، فاملرتل حيث يرتل اإلنسان، والبيت حيث يبيت بالليل، .)٣٠(وكذلك املوقع واملرجع واملأوي

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   357 

الستعمال احلسي األول يظل عالقا وعلي الرغم من هذا التطور الداليل فإن افهناك .. بالكلمة فيجعلها موحية بظالل خاصة مستمرة من ذلك األصل احلسي

ألفاظ كانت تستخدم قدميا للداللة علي أمر حسي، مث انتقلت علي سبيل التجوز يف البداية مبعين تعارف االستعمال اللغوي علي أن الكلمة ليست علي حقيقتها، مث

شاع االستعمال املعنوي اجلديد صار حقيقة فيه، لكن الكلمة تظل حمتفظة بظل ملا من االستعمال احلسي األول، فتكون موحية مبعان شيت مستمدة من أصل استعمال، ومن دالالت تعلقت ا يف تاريخ استعماهلا الطويل، مع ما قد خنلفه

يا معشر الجن ”:له تعايل ومن ذلك قو. عليها من ظالل أنفسنا ومشاعر ذواتناواإلنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هـذا

أن لى أنفسهموا عهدشا ويناة الديالح مهتغرا ولى أنفسنا عنهدوا قالوا شكان مه ر عن التبليغ بقوله). ١٣٠: سورة األنعام ( “كافرينون “: عبلإلشارة “ يقص

إيل ذهاب الرسل يف التبليغ مذهب التوضيح والتفصيل والتشويق واملالطفة شأم قص الكالم أو : يقال“يف ذلك شأن الذي يقص علي نفر قصة من القصص

.“تتبعها بالرواية : األخبار

وقص األخبار من قص األثر أي تتبعه، وقد استخدم القرآن املادة يف هذا وقالت لأخته “األصل الذي يظن أنه أويل مراحل استخدام الكلمة، قال تعايل

وذا تتبين املراحل اليت مرت ا . أي تتبعي أثره ) ١١: سورة القصص (“قصيه وهذه “ يقصون عليكم آيايت“يل قص األخبار، مث هذه املادة من قص األثر إ

االستعماالت اليت تتابعت علي الكلمة يف رحلتها الطويلة أكسبتها ذلك اإلحياء الذي نستشعره عند تالوة اآلية وأكسبها تلك القدرة علي تصوير املعين وعرضه

.)٣١(مشاهدا

358  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

اعي ملا ميكن للقيم أما احملسنات اللفظية البديعية فهي نوع من التسخري الوالصوتية وظاهرة احلكاية أن تثريه يف نفس املتلقي، يصدق ذلك علي اجلناس تاما

وأن النص . كان أم ناقصا وعلي املشاكلة يف اللفظني وما أشبههما من احملسنات القرآين ليحسن استعمال ذلك وحيمله من األغراض ماال ميكن الوصول إليه إال من

وقال المأل من قوم فرعون أتذر موسى “: ذلك يف قصة موسيخالله ومن أمثلة كتآلهو كذريض ووا في األرفسدلي همقو١٢٧: األعراف ( ”و(.

إذ يتفقان وخيتلفان معين، “ ويذر “ “ تذر “إذا نظرنا إيل استعمال الفعلني موسي إمنا يتواىن عن عقابه فالترك هنا نوع “ر يذ“فإما بالنسبة لفرعون فإنه إذ

عنه وعن آهلته “ يتخلى “ مبعين “ يذر “من التسامح، وأما بالنسبة ملوسي فإنه .ليعبد اهللا إهلا واحدا

وإذ قالت “: وكذلك يف قصة مرمي، يقول اهللا تعايل يف سورة آل عمران إن الله ميرا مالئكة يالمالمنياء العلى نسطفاك عاصك ورطهطفاك وآل (“ اص

“ والثاين مبعين “ اختارك “ أوال مبعين “ اصطفاك “فقوله ). . ٤٢عمران آية .)٣٢( فاالتفاق يف اللفظ دون املعين“فضلك

ية، واإلحياء قد جنده يف كلمة من العبارة، وقد جند أكثر كلمات العبارة موحهذا مرتبط باجلو النفسي واحلال واملقام، علي أن هذا اإلحساس ذه امليزة مرهون برهانه احلسي وقوة التجاوب مع القيم الصوتية أللفاظ اللغة وعندما نتتبع الكالم العريب جند أن اإلحياء مسة من مسات الكالم املوجز املمتلئ باملعاين واألحداث

، وهلذا تطرد هذه امليزة يف كلمات القرآن الكرمي، وهي واملفعم باملشاعر اإلنسانيةأوضح ما تكون يف قصصه، ولنأخذ قصة يوسف عليه السالم أمنوذجا لتوضيح بريق

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   359 

اإلحياء يف كلماا وارتباطه بسائر املغزى أو بالشعور السائد يف العبارة، ويربز يد أدق مشاعر املشهد التايل من القصة دور اإلحياء يف تلوين املشهد وجتس

:األشخاص فيه

وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد “: قال تعايل تدتأعو هنإلي لتسأر كرهنبم تمعا سبني فلمالل ما في ضاهرا لنا إنبا حفهغش

هنرأكب هنأيا رفلم هنليع جرقالت اخا وسكين نهنة ماحدكل و تآتكأ وتم نله كرمي لكـذا إال ما إن هرشـذا با هلله م اشح قلنو نهديأي نقطعسورة ( “و

.)٣١-٣٠: يوسف

إيل أن نسوة - وقال النسوة : إذ مل يقل مثال -“ نسوة “تنكري يشري ذوات صفات معينة ليست لكل النساء، هنا يقف التنكري عند جمرد اإلشارة إىل أن من طبقة معينة، أما نوع هذه الطبقة، فإن السياق وحده هو الذي يكشف عنه

فإن هذا “لت إليهن وأعتدت لهن متكأ فلما سمعت بمكرهن أرس “: يف قوله اإلعداد مبا فيه من مآدب حافلة وما فيه من متكآت ووسائد لينة، يدل علي أن املدعوات من طبقة راقية، ومن الطبعي أن يتسرب اخلرب أوال إىل البيوت املماثلة عن

لإلشارة إيل أن “سوة في المدينة وقال ن “ )يف(طريق اخلدم، فاخلرب حبروف اجلر ن مجيعا نساء من املدينة فقد يكنهذا القول قد قيل يف املدينة وليس ضروريا أأخالطا من املدينة ومن غريها، كما أشرنا من قبل، والتعبري القرآين على كل حال

.من اإلعجازحمتمل هلذا وذاك فهو يتسع لعدة معان حمتملة غري متدافقة، وهذا

وراودته التي هو في بيتها عن “والقرآن مل يسم امرأة العزيز، وإمنا قال تارة ليشري إىل مدى هذه “التي هو في بيتها “ فذكرها باسم املوصول وصلته “نفسه

360  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

بدها ويف املراودة ونوعها وظروفها، فإا واقعة من سيدة البيت علي فتاها أي عبيتها، فهر مراودة ملحة مسيطرة حماصرة ال يفلت منها يف هذه الظروف إال مثل

.يوسف عليه السالم

وذلك يف الكالم “ امرأة العزيز “ويف املرة الثانية عرب عن هذه املرأة بقوله “ فتاها عن نفسه وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود “احملكي عن النسوة

فلم تسم النسوة هذه املرأة بامسها، وإمنا أضفنها إيل العزيز ملزيد من التعجب من أمرها وإشارة إيل أن كوا امرأة العزيز كان ينبغي أن جيعلها تتسامي وتتصون وال

أن ترتل إيل هذا الدرك، إن هذه اإلضافة توحي بالتندر وإشباع الرغبة النسائية يف .ينتشر اخلرب

حتاول مرة بعد مرة انتزاع موافقته علي تنفيذ مرادها من : ومعين تراود اجلماع، وال جتد لغة من اللغات تدل كلمة واحدة فيها علي هذا املعين املؤدي جبملة طويلة غري العربية، وإيثار العربية بتلك الكلمة ترتيها للقرآن من اخلوض يف

إحياءات “ تراود “علي أن هلذه الكلمة .مع جالله وإمجالهالتفاصيل اليت ال تتفق أصل الرائد الذي : كثرية تستمدها من األصل احلسي الستعماهلا، ففي لسان العرب

يتقدم القوم يبصر هلم الكأل ومساقط الغيث، ورادت اإلبل ترود ريادا اختلفت يف وقال . بيوت جاراا طوافة يف: املرعى مقبلة ومدبرة، وامرأة راد ورواد، ورءود

وتقول : وقال الليث. الرادة من النساء، غري مهموز، اليت ترود وتطوف : األصمي راود فالن جاريته عن نفسها، وراودته هي عن نفسه، إذا حاول كل واحد من

.)٣٣(صاحبه الوطء واجلماع

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   361 

جند أنه يوحي مبعان هي مستمدة ” تراود“وبالعودة إيل االستعمال القرآين من تلك االستعماالت األويل، فهي توحي باجلرأة واملبادرة، وتوحي بالتوتر واحلرية اليت تدفع إيل اإلقبال واإلدبار، وهنا تصوير ملدي التوتر واحلرية اليت تستبد باملرأة عند تسلط هذه الشهوة السيما إذا طلبتها من طريق غري مشروع مث إن إضافة الفىت

الكالم احملكي عن النسوة يوحي باجتاه تلك النسوة إيل وذلك يف“ فتاها “إليها ويل األمر إذ كيف تراود سيدة هلا هذه املكانة فتاها أي مملوكها، فضال عن

شق حبه : “ شغفها حبا “ومعين .. االجتاه النفسي إيل إشباع رغبتهن يف اللومأقرا صلة مبا وهناك استعماالت متعددة للشغاف لعل . شغاف قلبها وهو حجابه

حنن فيه أنه داء متمكن يف القلب وأنه ما يستتر فال يظهر وال يعاجل، فاستعمال هذا خصوصا يف هذا السياق انتقال من اإلطالق احلسي إيل املعنوي “ شغفها “اللفظ

وهو لفظ يوحي جبرسه علي .. ليشري إيل معاناة طويلة خفية ومكايدة مؤملة موجعةلطويل، كما يوحي بأنه حب ال حيكمه العقل، ويؤيد هذا قراءة اهليام والوجد ا

الشغف حب والشغف : وكان الشعيب يقول“: الفعل بالعني، يقول أبو السعود .)٣٤(”جنون

يوحي بأن ما “ نراها “ التعبري بـ “ إنا لنراها يف ضالل مبني “ويف قوهلن ر جزافا بل عن علم وحتقق، ذهنب إليه من احلكم علي امرأة العزيز بالضالل مل يصد

.كما يشعر التعبري بالضالل املبني بأن يترفعن عن مثل هذا ويربأن منه

حبذف “ فلما مسعت مكرهن “ لو أنه قال “ فلما مسعت مبكرهن ”ويف قوله من “ مسع “حرف اجلر لكان الكالم صحيحا علي األصل يف االستعمال، ألن

واسطة حرف، فال يكون التعدي بالباء إذا إال لسر األفعال اليت تتعدي بنفسها دون

362  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

لعله يتصل مبعىن هذه الباء الذي تستمده من داللة السياق فإا تفيد معين املالبسة، فلما مسعت ما يتصل ويالبس مكرهن، أي ملا مسعت األقاويل اليت صدرت : واملعين

لواقع، فلماذا اعترب القرآن عن مكر، واحلقيقة أن هذه األقاويل كان هلا أصل من اصدورها عن مكر؟ ذلك ألن النسوة متادين يف الظن والتخيل واستنتاج أشياء كان

ميكن أن ”…امرأة العزيز تراود فتاها “ميكن أن تترتب على املراودة ويف قوهلن اه القرآن مكرا، وهلنومس العذر يف يضمن عن طريق التعريض ما يدور يف أنفسهن

ختيل ما ختيلنه، ألن ما يتصورنه طبعي ومتوقع لو أن األمر يتصل بغري يوسف وحنوه .ممن اصطفاهم اهللا سبحانه وطهرهم

وهكذا منضي مع املشهد إيل ايته لنجد كلمات متخرية يف مواقعها تكمل ث ظالل املشهد وتوحي مبالبساته، وكلمات القرآن من الدقة وحسن التخير حبي

جتدها ثرية الداللة علي حنو ال جنده يف كالم آخر، ولك أن تتخري ما نراه أمنوذجا رفيعا من كالم البشر، مث تتبع إحياء كلماته فنجده يتضاءل جبانب ما جنده يف

.القرآن

علي أن يف القرآن الكرمي ميزة ال تتحقق يف كالم بشر هي تعدد مصادر الكلمة موحية جبرسها وبالظالل املتعلقة ا واليت اإلحياء يف الكلمة الواحدة، فنجد

” شغفها“ ويف كلمة “ تراود “تستمدها من أصل استعماهلا، كما سبق يف كلمة

وعلي الرغم من حتقق اإلحياء يف بعض كالم الناس، فإننا ال نكاد جند كلمة .واحدة قد تعددت مصادر إحياءاا

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   363 

الهلا، فإن القرآن يسقط كثريا مما وميزة أخرى تتصل بإحياء التراكيب أو ظميكن أن يقال لكنه مفاد من وراء التراكيب، والقرآن ذا جمال خصب لدرس

)٣٥(التعريض والتلويح أو ما يسمي مبستتبعات التراكيب

ويقودنا هذا إيل إحياء من نوع آخر ال يعود إيل أصوات الكلمات، إمنا يعود عبارات، فما كان من هذا اإلحياء حسنا جاء إيل الدالالت اهلامشية لأللفاظ وال

حرص النص عليه باأللفاظ، وما كان سيئا ممجوجا أطرح النص ما يؤدي إليه من :ألفاظ أو عبارات ومن ذلك ما يلي

يف املقابلة بني قصة زكريا وقصة مرمي يف سورة آل عمران، سأل زكريا -١أين يكون يل ولد “مي را وسألت مر) ٤٠آية ( “أين يكون يل غالم “: ربه

: وأجاب مرمي بقوله “كذلك اهللا يفعل ما يشاء “: فأجاب زكريا بقوله) ٤٧(“ يف حالة زكريا ال “ يفعل “ذلك أن التعبري بلفظ . “ كذلك اهللا خيلق ما يشاء “

يثري خواطر سيئة، ألن زكريا وامرأته زوجان فال شبهة إن محلت املرأة، ألن وقد كان إخصاا بواسطة تسخري زوجها لذلك والتسخري زوجها جبانبها،

رمبا أثار “ يفعل “واإلخصاب من فعل اهللا، أما يف حالة مرمي فإن التعبري بلفظ .“ خيلق “خواطر سيئة فاللفظ غري مناسب، ومن هنا جاء الفعل

وا فيه من وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكان ”: يف قصة يوسف-٢اهدينمعنيان ضدان“شرى “للفعل ) ٢٠:يوسف (“ الز : 

: ومنه قول عنترة “ اشترى “ أول املعنيني -أ

فخاض غمارها وشرى وباعا حصاين كان دالل املنايا

.“اشتري“ مبعين “شري“ يدل علي أن “وباع“ “شرى“فالطباق بني

364  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

هذه اآلية وقرينة املعين لفظ وهو املعىن املقصود يف“ باع “ الثاين معين -ب ألن الزهد يف شيء يتناىف مع شرائه ودفع “ الزاهدين “، وكذلك لفظ ” بثمن“

مل تعبر عن )تكرميا لنيب اهللا يوسف(الثمن له، ولكن ينسجم مع بيعه، ولكن اآلية بيعه بلفظ البيع الذي يكون للعبيد، وإمنا جاءت بلفظ هو من األضداد، ليكون

. به ختفيفا لوقع العبارة يف النفسالتعبري

).٢٣يوسف ( “وراودته التي هو في بيتها عن نفسه “ -جـ

تكرميا له وحتقرا هلا، وهذا شبيه مبا يف اآلية “ سيدته “جتنبت اآلية لفظ سيدا ليوسف وليست فليس هو“ وقال الذي اشتراه من مصر المرأته “: األخرى

هي سيدة له ومما يدل على إرادة جتنب لفظ السيادة يف حالة يوسف بذاته قوله فجعله سيدها ومل جيعله سيده ) ٢٥يوسف ( “ وألفيا سيدها لدى الباب ”:تعايل

، فذلك كالم يوسف وليس كالما عن )٢٣يوسف ( “إنه ربي “أما قول يوسف .يوسف

.)٤٦يوسف ( “يوسف أيها الصديق “ -د

أخر أداة النداء ليكون تعبريا عن رأي الفىت يف يوسف وأنه يعده صديقا بعد ما رأي من حسن سريته ودعوته إيل ترك عبادة األرباب املتفرقني إىل عبادة اهللا الواحد

الصديق كان لقبا ألوحي بأن لفظ “ أيها الصديق يوسف “: ولو قال. القهار .“ الشيخ فالن “متعارفا له ينادي به كما ينادي

اذهبوا بقميصي هـذا فألقوه على وجه أبي يأت بصريا وأتوني “ -هـعنيمأج لكم٩٣يوسف ( “ بأه.(

“ هه فارجلى وع ألقاه شرياء البا أن جا فلمصريب د٩٦يوسف (“ت.(

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   365 

ذلك أن مطلب . يف اآلية األويل استعمل فعل اإلتيان ويف الثانية فعل االرتداد أما اآلية . يوسف يف اآلية األويل كان معلقا بإتيان أبيه وأهله أمجعني إىل مصر

ا الثانية فالكالم فيها عن املعجزة، معجزة رد البصر بعد فقده، باإلضافة إيل ذلك م )٣٦(“ ائتوين “ و “ يأت “يف مطلب املشاكلة يف اآلية األويل بني

: انسجام التأليف- ب

يقصد بالتأليف أن تتخذ املفردات مواقع معينة يف تشكيل لغوي مفيد، فالتأليف هو النظم وهو التشكيل، ولكن عندما يكون احلديث عن التشكيل الذي

بالغة إيقاعها، وال يتم ذلك إال حبسن ترد إليه موسيقية اللغة وانسجام تأليفها و مجاع البالغة “: توزيع املواقع، ودقة ترتيب وتركيب الكلمات، فيقول اجلاحظ

وإذا كانت الكلمة ليس موقعها إيل جنب أختها مرضيا موافقا …حسن املوقعكان علي اللسان عند إنشاء الشعر مئونة، وأجود الشعر ما رأيته متالحم األجزاء

ملخارج، فتعلم أنه أفرغ إفراغا جيدا، وسبك سبكا واحدا، فهو جيري على سهل ا .)٣٧(”اللسان كما جيري الدهان

وتكاد تنحصر أسباب انسجام التأليف يف النسيج الصويت للمفردات اليت تتشكل منها اجلملة حيث تتكون الكلمة يف التشكيل املنسجم من حروف ذات

واجلو الذي يدور يف إطاره النص، وهذه امليزة وإن صفات معينة تتناغم مع املعينحتققت يف كالم األدباء والشعراء فإا عزيزة املنال قلما جندها عند أديب أو

أما القرآن الكرمي كتاب اهللا املعجز، فتتحقق فيه بشكل مطرد، حيث .. شاعرب الشعور باملعين ويعمر النسيج الصويت للكلمات مبا يقرق اإلحساس يتضح فيه ختي

قيل يا نوح اهبط “: باملضمون ومن ذلك قوله تعايل يف قصة نوح عليه السالم

366  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

بسالم منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا أليم ذابسبع ميمات يف أربع نالحظ اجتماع.. )٤٨: سورة هود ( “ع

وتزيد هذه امليمات فتصل تسعا مع النطق والقراءة ”أمم ممن معك وأمم“: كلمات وتقلب النون ميما فيها وتدغم يف “ ممن “التجويدية حيث تضعف امليم الثانية يف

امليم بعدها، حىت ينشأ من هذا أن الكلمات األربع تكاد تكون كلها ميمات، ة النطق ذه امليمات وما حيدثه من ضم شديد يف الصوت يصحبه والعربة يف كيفي

…ضم شديد متوال للشفتني عند أداء هذه امليمات امللتصقة

من البدهي أن اآلية بأدائها الصويت تعكس ما كان عليه أصحاب نوح عليه السالم والذين معه من اجتماع وانضمام حول مبدأ واحد وعقيدة واحدة،

دأ وااللتفاف من حوله يولد يف نفوس اتمعني إحساس واالجتماع حول مباالنتماء الشديد والضم اللصيق وخصوصا يف مثل تلك الظروف اليت كان عليها أصحاب نوح يف السفينة، وذه األصوات واحلروف نقل إلينا القرآن الكرمي هذا

نا وبركات اهبط بسالم م: وكان ميكن أن يقال.. املعين املقرون بتلك األحاسيس عليك وعلي من اتبعك، ويكون هذا مؤديا للمعىن األول املباشر، ولكن ليس هذا هو جمرد ما يريده التعبري القرآين، إنه يريد خلق التجاوب النفسي مع هذه الصحبة املباركة وأن خيلق اإلحساس برضا اهللا عليهم، وأن يولد يف نفس كل مستمع

مبجرد أن يلتقط مسعه هذه امليمات املتضامنة اإلحساس الشديد بالضم وااللتصاق .)٣٨(امللتصقة

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   367 

: إيقاع الصيغ- جـ

عندما تكون صيغ املفردات يف العبارة متخرية دقيقة فإا حتدث قوة يف السبك ومجاال يف التناسق، فضال عما حتدثه من إيقاع خاص ينسجم مع داللة اجلملة

دات يؤدي تلقائيا إيل تناغم صيغ تلك والعبارة، وال شك أن تناغم داللة املفراملفردات عند من اختلطت يف نفسه فطرة اللغة وأويت حظا من ملكة حسن التعبري، والقرآن الكرمي يبلغ القمة يف ذلك، ومثال ذلك ما يقصه عن سليمان عليه السالم

ديدا أو لأذبحنه لأعذبنه عذابا ش”يتوعد اهلدهد الذي غاب عن عينه من غري إذنه “ و “ ألعذبنه ”:جند صيغة ). ٢١: سورة النمل (“أو ليأتيني بسلطان مبني

وهي مؤكدة بالالم والنون الثقيلة حتدث جرسا وضغطا - ” ليأتيني“ألذحبنه و وفضال عند النطق ا مبا يصور الغضب والتهديد اللذين يسودان يف هذا املوقف،

عن هذا حيدث من توايل التوكيد بالالم والنون خاصة إيقاعا خاصا يتناسب مع قوة .)٣٩(املعين

وهكذا ترقى القيمة الصوتية إىل حكاية معىن عريف رصده املعجم للفظ أو معين طبيعي مما تستوحيه النفس وال تستطيع وصفه، فإن أمكن أحيانا أن نشري إليه من

ستطيع تفسري العلة اليت جعلته موحيا علي هذا النحو، فمثل التأثر به بعد فإننا ال نكمثل املتأثر باللحن املوسيقي نطرب له وال ندري ملاذا، وهكذا ميكن أن ننسب إىل التفخيم مثال إحياء باملبالغة يف إيقاع احلدث أو يف الوصف، فإذا سألنا أنفسنا

وابا، والذي جئنا به هنا من الشواهد، عن السبب يف ذلك مل نستطع هلذا السؤال جإمنا هو مناذج مما جنده يف النص القرآين من استعمال حكاية الصوت للوصول إيل

368  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

أغراض إحيائية باملعاين الطبيعية اليت تضيف إيل املعاين العربية لأللفاظ أبعادا إضافية .)٤٠(ما كان هلا أن تتحقق لوال ما حتمله حكاية الصوت من طاقة إحيائية

اخلامتة

ال شك أن القصص إحدى األساليب الرسالية اليت تضمنها القرآن الكرمي من - احلق-أجل الوصول إىل عقل اإلنسان وشعوره، حىت يؤمن عن اقتناع بالفكرة

اإلميان باهللا عز اليت ترتبط باهللا وبالطريق املستقيم الذي يصل باإلنسان إىل لبعض القرآن فيثبت هلا ما يثبت جلميعه من إعجاز ورمبا أن هذا القصص ب. وجل

آياا املشتملة على أسلوب القرآن التصويري املعجز يف وحدة فنية رائعة، لذا كان . القصص القرآين أدب فين متكامل ألنه من عند اهللا سبحانه وتعايل- وما يزال-

ن خنرج ببعض وهو األمر الذي سبق أن أثبتناه يف ثنايا البحث ومتكنا بعده من أ -:النتائج منها

أثبت البحث أن العرب يف جاهليتهم وإسالمهم كانوا يتمتعون بذوق : أوالأديب راق يدل علي ذلك مقدار ما بلغته هذه األمة العربية حينذاك من الفصاحة والبالغة ويكفي دليال علي فصاحتهم وبالغتهم من أم استوعبوا فهم القرآن

.رغم من أسلوبه الرفيع املعجزالكرمي ووعوه على ال

إن عناصر القصة قد ال جتتمع كلها يف كل قصة، وإمنا لكل عمل فين : ثانياظروفه اليت ختضع لظروف املؤلف، وتصرفه فيما يقص من أحداث وشخصيات، وكيف يتدخل فنيا يف عرضها، مع األخذ يف االعتبار أن هذه العناصر حتتاج إىل

اإلفادة منها واستخدام ما هو ضروري يف بناء حبكة مواهب فنية حىت حتسنالقصة، فأحيانا يلعب أحد العناصر القصصية دورا رئيسا يف قصة ما، بينما هناك

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   369 

روعة القصة ومتاسك - يف شيء-قصة أخري قد ختلو منه متاما دون أن ميس هذا .بنائها الفين

، ال ميكن استيعاا مجلة، إن اإلحياءات اليت يتضمنها القصص القرآين: ثالثافالنصوص القرآنية تفصح عن إحياءاا لكل قلب حبسب ما هو فيه من الشأن، وبقدر حاجته الظاهرة إليه، ويبقي هلا رصيدها املذخور تتفتح به علي القلوب، يف

فالقرآن الكرمي يتمثل يف قصصه الصورة األدبية . شىت املواقف علي قدر مقسوم ملة، اليت جيد فيها كل ذوق ما يالئمه، ولكل امرئ ناحية يتأثر ا، الكاملة املتكا

واهللا سبحانه وتعاىل ال يريد …ويستجيب هلا، حسبما تعينه ملكاته ومداركهللعقل أن يتبلد فيعطيه كل شيء يلغي الفكر، ولكنه يريد للذهن أن ينشط وأن

.يفكر ويتدبر

حد القصص خالفا ملا تومهه بعض يف القرآن الكرمي أنباء ال تبلغ : رابعاالباحثني والقرآن مل يسمها قصصا ال ألا ليست أحداثا ماضية، وال خللوها عن

ولكن ألنه ليس فيها إمداد يف التصوير فهي يف حد ذاا .. تتبع اآلثار املاضية فقط ي ال تصلح للتسمية بالقصة لعدم انطباق العربة ووضوح الرؤية للغرض القصص

.األصيل

إن القصص القرآين أحداث تارخيية واقعية مل تتلبس بشيء من اخليال، : خامساومل يدخل عليها شيء غري الواقع، ومع هذا فقد اشتمل علي ما مل يشتمل عليه

األمر الذي -غريه من القصص من اإلثارة والتشويق مع قيامه علي احلقائق املطلقة .ل أبداال يصلح عليه القصص األديب حبا

370  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

إن القرآن الكرمي مل يقتصر علي عرض لوحات جمردة ملاضي اإلنسانية : سادسايف صراع قوي اخلري والشر، وإمنا كان يهدف إىل بعث املثال من التاريخ، إلثارة االنفعاالت املؤدية إىل اهلداية واإلميان واالستفادة من األحداث التارخيية يف التربية

سية يف اإلنسان، وأمراض اتمع الذي يعيش فيه مبا لتلك ومعاجلة الرتعات النفاألحداث من قوة مفروضة علي النفس حتدث فيها انصهارا ووعيا ويقظة

.وإحساسا

إن وجود املرأة يف القصص القرآين أو عدم وجودها، ليس له وزن يف : سابعاحلدث حساب هذا القصص، إال من حيث تقرير الواقع، وما يقضي به منطق ا

الذي تصوره القصة القرآنية وتعرضه منها، وكان هلا مكاا البارز فيه كأمنوذج من مناذج احلياة اإلنسانية، اليت تلتمس منها العربة واملوعظة أما إذا مل يكن للمرأة هذا الواقع احلقيقي يف احلدث، ومل يكن هلا أثر يف إبراز عربة أو موعظة، فإنه ال يكون

القصة القرآنية حبال أبدا، ألن القرآن الكرمي إمنا ينقل قصصا من للمرأة مكان يفواقع احلياة املاضية ويبعث األحداث الغابرة من مرقدها علي النحو الذي كان من

وليس .. قبل، وعلي ما كان هلا من موقف يف احلدث الذي تنقله القصة القرآنية ب وهوي املرأة وعاطفتها، إن مل من أهداف القصة القرآنية أن تستعرض أمثاال حل

.يكن ذلك حلكمة أرادها احلق سبحانه وتعاىل مثال وعربة ألويل األلباب

إن القصص القرآين دروس يف العقيدة، ودروس يف الوحدانية املطلقة، : ثامناوإن كان ثوبه ثوب القصة، وفيه من اجلمال التعبريي والتصوير الفين ما يأخذ

.ل ذلك خلدمة العقيدة واإلميان باأللوهية الواحدةباأللباب، فإمنا ك

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   371 

إن عرض الشخصية الواحدة يف أكثر من سورة من سور القرآن الكرمي : تاسعا االستجابة لألحداث واملواقف والغاية من -ال يعد تكرارا وال تناقصا، وإمنا هو

عرض القصة، ألن الشخصية يف القصة القرآنية ليست مقصودة لذاا، وألن ليس مقصودا لذاته، وإال جلمعت كل أحداثها، ورتبت ترتيبا -احلديث كذلك

زمنيا أو فنيا، مث ذكرت مع شخصيتها يف قصة واحدة، وإال أصبح لكل قصة معرض واحد تقدم فيه كاملة األحداث واملشاهد سواء تطلبها املعرض كاملة أم مل

صصه ولكنه يعرض للشخصية مع ومل يسر القرآن هذا املسار يف ق.. يتطلبها حدث معني من أحداثها فيمزج بينهما، مث يقدم الشخص متفاعال بذلك احلدث ال غري، لتري العظة والعربة من خالل هذا األمنوذج مع ذلك احلدث، مث تنتهي

أو - املشاهد املصورة، وتطوي القصة نفسها مع حدث آخر جاءته حلقة أخرى .يد، ون تراءت تكرارا ملا سبق يف صورة أخري ذات مضمون جد-قصة أخرى

إن القصص التارخيية يف القرآن الكرمي ليست هدفا يف حد ذاا، وإمنا : عاشرادف إىل إثارة الفكر البشري، ودفعه إىل التساؤل والبحث باستمرار واهلدف هنا

، وأن عملي علمي وتربوي أيضا، فالقرآن يصرح يف وضوح أن مثة قوة يف احلقالفشل حييق بالباطل يف النهاية، فما يناله اإلنسان، فردا ومجاعة، يكون نتيجة طبيعية للدور التارخيي الذي مارسه، ومن ناحية أخري، يوضح القرآن الكرمي أن التغري التارخيي ال حيدث فجأة، إذ حيدث تراكم بطئ عرب الزمان لألسباب اليت ينتج عنها

وهذا ما مل يتوفر يف قصص عديدة وردت . فترة زمانية طويلةتغري تارخيي كبري بعد ومن هنا ميكن القول إن التفاصيل التارخيية ليست من املقاصد التعليمية . يف التوراة

يف قصص القرآن الكرمي، فبعد احلادثة أو قرا يف الزمان واملكان ال يؤثر فيما حتمل .من عظة وعربة

372  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

آين ذات هدف ديين حبت، حيث يأيت مع أن القصص القر: احلادي عشرللموعظة والتربية والتوجيه إال أنه يعىن مع ذلك بكل مطالب الفن القصصي

.اخلالص

إن عرض الشخصية الواحدة يف أكثر من سورة من سور القرآن الكرمي : تاسعا االستجابة لألحداث واملواقف والغاية من -ال يعد تكرارا وال تناقصا، وإمنا هو

قصة، ألن الشخصية يف القصة القرآنية ليست مقصودة لذاا، وألن عرض ال ليس مقصودا لذاته، وإال جلمعت كل أحداثها، ورتبت ترتيبا -احلديث كذلك

زمنيا أو فنيا، مث ذكرت مع شخصيتها يف قصة واحدة، وإال أصبح لكل قصة ملعرض كاملة أم مل معرض واحد تقدم فيه كاملة األحداث واملشاهد سواء تطلبها ا

ومل يسر القرآن هذا املسار يف قصصه ولكنه يعرض للشخصية مع .. يتطلبها حدث معني من أحداثها فيمزج بينهما، مث يقدم الشخص متفاعال بذلك احلدث ال غري، لتري العظة والعربة من خالل هذا األمنوذج مع ذلك احلدث، مث تنتهي

أو - نفسها مع حدث آخر جاءته حلقة أخرى املشاهد املصورة، وتطوي القصة . ذات مضمون جديد، ون تراءت تكرارا ملا سبق يف صورة أخري-قصة أخرى

إن القصص التارخيية يف القرآن الكرمي ليست هدفا يف حد ذاا، وإمنا : عاشرادف إىل إثارة الفكر البشري، ودفعه إىل التساؤل والبحث باستمرار واهلدف هنا

علمي وتربوي أيضا، فالقرآن يصرح يف وضوح أن مثة قوة يف احلق، وأن عمليالفشل حييق بالباطل يف النهاية، فما يناله اإلنسان، فردا ومجاعة، يكون نتيجة طبيعية للدور التارخيي الذي مارسه، ومن ناحية أخري، يوضح القرآن الكرمي أن التغري

بطئ عرب الزمان لألسباب اليت ينتج عنها التارخيي ال حيدث فجأة، إذ حيدث تراكم

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   373 

وهذا ما مل يتوفر يف قصص عديدة وردت . تغري تارخيي كبري بعد فترة زمانية طويلةومن هنا ميكن القول إن التفاصيل التارخيية ليست من املقاصد التعليمية . يف التوراة

ال يؤثر فيما حتمل يف قصص القرآن الكرمي، فبعد احلادثة أو قرا يف الزمان واملكان .من عظة وعربة

مع أن القصص القرآين ذات هدف ديين حبت، حيث يأيت : احلادي عشرللموعظة والتربية والتوجيه إال أنه يعىن مع ذلك بكل مطالب الفن القصصي

.اخلالص

:اهلوامش واملراجع .١٤١حبوث يف قصص القرآن، ص : السيد عبد احلافظ عبد ربه )١( .٢٨١٧، ص ٤لسان العرب، جـ: ور ابن منظ)٢(

يقول : قال الفراء. ”وما انتم مبعجزين يف األرض وال يف السماء” ويف الترتيل العزيزبأم ال يعجزون يف األرض وال يف السماء، وليسوا يف أهل السماء؟ . القائل كيف وصفهم

.فاملعين ما أنتم مبعجزين يف األرض وال يف السماء مبعجز

..معناه، واهللا أعلم، ما أنتم مبعجزين يف األرض وال لو كنتم يف السماء: وقال أبو إسحق

معناه ما أنتم مبعجزين يف األرض، وال يف السماء أي ال تعجزوننا هربا : وقال األخفش .يف األرض وال يف السماء

وال أنتم لو كنتم يف السماء : وقول الفراء أشهر يف املعين ولو كان قال: قال األزهري .عجزين لكان جائزا ؛ ومعين اإلعجاز الفوت والسبقمب

:ويقال أعجزين فالن أي فاتين، ومنه قول األعشي

374  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

ولكن أتاه املوت ال يتأبق… فذاك ومل يعجز من املوت ربه

.٢٨١٧، ص ٤لسان العرب، جـ: ابن منظور : انظر .٦٠الظاهرة القرآنية، ص : مالك بن نيب )٣(ويشري صاحب إعجاز القرآن إيل ما يف هاتني اآليتني من . ٢٤ و٢٣: سورة البقرة)٤(

وعندما نتأمل نظم هاتني اآليتني جند عجبا، فقد بالغ يف اهتياجهم ” :معاين خفية بقولهلن تكون : واستفزازهم ليثبت أن القدرة فيهم على املعارضة كقدرة امليت على أعمال احلياة

وفوق االستعانة وفوق . ي هذا منكم فوق القوة وفوق احليلة لن تفعلوا، أ: ولن تقع، فقال هلم الزمن، مث جعلهم وقودا، مث قرم اىل احلجارة، مث مساهم كافرين، فلو أن فيهم قوة بعد ذلك

.ولكن الرماد غري النار. النفجرت

.١٧٠إعجاز القرآن والبالغة النبوية، ص : مصطفي صادق الرافعي : انظر .١٨٦١، ص ٤ ظالل القرآن، جـ يف: سيد قطب )٥(تفسري القرآن احلكيم : االستاذ اإلمام الشيخ حممد عبده والسيد حممد رشيد رضا )٦(

.هـ١٣٦٧الطبعة الثالثة، دار املنار، القاهرة، . ١٩٣، ص ١جـ . املشتهر باسم تفسري املنار السيد أمحد صقر ، حتقيق١٩٥ص . إعجاز القرآن : أبو بكر حممد بن الطيب الباقالين)٧(

.١٩٦٣دار املعارف، القاهرة، سنة .

وقد أشار الباقالين إيل الوجوه واملعاين اليت يشتمل عليها نظم القرآن وتأليفه وبالغته :فذكرها يف عشرة وجوه

.ما يرجع إيل مجلته: املعين األول

ف معانيه، كون كالم العرب غري مشتمل علي فصاحة القرآن وغرابته ولطي: املعين الثاين .وغزير فوائده، وما إيل ذلك

عدم التفاوت والتباين يف عجيب نظم القرآن، وبديع تأليفه: املعين الثالث

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   375 

كون كالم الفصحاء يتفاوت تفاوتا ظاهرا يف الفصل والوصل والعلو : املعين الرابع .والرتول وغري ذلك

. عن عادة كالم الثقلني من حيث البالغة خارجا-كون نظم القرآن : املعين اخلامس ودفع ما قد يرد علي ذلك

اشتمال القرآن علي مجيع أنواع اخلطاب عند العرب، مع جتاوزه حدود : املعين السادس .املعتاد بينهم

تضمن القرآن ما ميتنع عن البشر من املعاين يف أصل وضع األحكام : املعين السابع .املعاينوالقواعد واالحتجاج يف العقائد والرد علي

.كون الكلمة من القرآن يتمثل ا خاصة يف تضاعيف كالم كثري: املعين الثامن

مع أن . تسعة وعشرين حرفا : كون احلروف اليت بين عليها كالم العرب: املعين التاسعمثان وعشرون سورة، ومجلة احلروف املذكورة : املفتتحة بذكر احلروف-عدد سور القرآن .ربعة عشر حرفايف أوائل السور أ

سهولة سبل القرآن، وخروجه عن الوحشي املستكره، والغريب املستنكر، : املعين العاشر .وبعده عن التصنع والتكلف، وقربه إيل الفهم

.٤٧ - ٣٥املرجع السابق، ص : انظر - ٢٤٢مفتاح العلوم، ص : أبو يعقوب يوسف بن أيب بكر حممد بن علي السكاكي)٨(/ هـ١٣٥٦مطبعة مصطفي البايب احلليب، وأوالده مبصر، سنة . األويل ، الطبعة٢٤٣

.م١٩٣٧، صحح أصله ٤٢دالئل اإلعجاز يف علم املعاين، ص : اإلمام عبد القاهر اجلرجاين )٩(

، مكتبة ومطبعة حممد ٦ط. تصحيح وتعليق وطبع السيد حممد رشيد رضا . االستاذ حممد عبده .م١٩٦٠القاهرة، سنة . صبيح وأوالده

376  VAHYİN NÜZÛLÜNÜN 1400. YILINDA HZ. MUHAMMED (S.A.V.) 

.٦٥الظاهرة القرآنية، ص : مالك بن نيب )١٠( .٦٦ - ٦٥الظاهرة القرآنية، ص : مالك بن نيب)١١( دار الفكر ٨٨-٨٧ص . اإلعجاز يف دراسات السابقني : عبد الكرمي اخلطيب)١٢(

١٩٧٤، القاهرة، ١العريب ط .١١٦، ص ٢اإلتقان يف علوم القرآن، جـ: السيوطي )١٣( .٩١-٨٩اإلعجاز يف دراسات السابقني، ص : مي اخلطيب عبد الكر)١٤( .٦٧الظاهرة القرآنية، : مالك بن نيب)١٥(. ، دار ضة مصر٣٩أسس النقد األديب عند العرب، ص : أمحد أمحد بدوي . د)١٦(

.القاهرة، بدون تاريخ .١٩٨-١٩٧مفتاح العلوم، ص : السكاكي )١٧( .٣٦دالئل اإلعجاز، ص : عبد القاهر اجلرجاين : انظر)١٨( .١٦٧حبوث يف قصص القرآن، ص : السيد عبد احلافظ عبد ربه)١٩( لقد جاءت آيات األقصوصة كلها علي وزن يكاد يكون واحدا، أشبه بشطر البيت )٢٠(

من الشعر، وجاءت الفواصل كلها علي صورة واحدة، أشبه بالقافية يف الشعر، حرف الروي .رفني متحركني قبلهافيها هو الراء مسبوقة حب

.٤٠٤اإلعجاز يف دراسات السابقني، ص : عبد الكرمي اخلطيب )٢١( .١٦٧حبوث يف قصص القرآن، ص : السيد عبد احلافظ عبد ربه )٢٢( .١٦٩ -١٦٨ص : املرجع السابق)٢٣( .١٨٦ -١٨٥ص : املرجع السابق)٢٤( .١٦٧الظاهرة القرآنية، ص : مالك بن نيب)٢٥(

  ي يف القرآن الكرميالوحي واإلعجاز القصص   377 

.١٨٦ -١٨٥ص : جع السابق املر)٢٦(، ١٩٤٩، مصر، سنة ٣١٥ - ٣١٤التفسري القيم، ص : حممد بن قيم اجلوزية )٢٧( .٤٩٨ -٤٩٦سيكولوجية القصة يف القرآن، ص . التهامي نفرة. د: وانظر . الرسالة .١١ص . ١ط. البالغة الصوتية يف القرآن الكرمي . حممد إبراهيم . د)٢٨(

.١٩٨٨القاهرة .١٢-١١ص . ملرجع نفسه ا)٢٩( .القاهرة بدون تاريخ. ٧٣ص . مكتبة غريب . اللغة الشاعرة . عباس حممود العقاد )٣٠( .٣٩-٣٨ص . البالغة الصوتية يف القرآن الكرمي . حممد إبراهيم شادي . د)٣١(. مكتبة األسرة ٢٠٦ص . اجلزء األول . البيان يف روائع القرآن . متام حسان . د)٣٢(

.٢٠٠٢قاهرة ال ).رود( مادة ١٧٧٤ص . ٣جـ. لسان العرب : ابن منظور )٣٣( .هـ ١٣٤٧ -املطبعة املصرية . ٦٦ ص ١ط. إرشاد العقل السليم : أبو السعود )٣٤( .٤٨-٤٤ص . البالغة الصوتية يف القرآن الكرمي . حممد إبراهيم شادي . د)٣٥( .٢١٤ - ٢١٢ص . اجلزء األول . البيان يف روائع القرآن : متام حسان . د )٣٦(حتقيق عبد . ٥١البيان والتبيني ص ) : أبو عثمان عمرو بن حبر بن حمبوب: ( اجلاحظ )٣٧(

.١٩٦٨. مكتبة اخلاجني بالقاهرة . السالم حممد هارون .٥٣ - ٥٢ص . البالغة الصوتية يف القرآن الكرمي . حممد إبراهيم شادي . د)٣٨( .٥٩ص . املرجع السابق )٣٩( .٢٠٨ص . ١جـ. البيان يف روائع القرآن : متام حسان . د)٤٠(