العربية الجمهوريةالسـورية

تشـــرين جـامعـــة والعلوم الآداب كلية

الإنسانية اللغـــة قســـمالعربية

فترة ونوس الله سعد عند المسرحية اللغة التسعينيات نموذجا

العربية اللغة في الماجستير درجة لنيل قدمت رسالةوآدابها

:إعدادديب إبراهيم نجود الطالبة

:إشراف

مغربي إبراهيم فاروق الدكتور

م2010 لـ الموافق هـ1432

1

مخطط الرسالة................................................................مقدمة

.2صـ.........صـتوطئة.........................................................................

6.الفصل الأول: الموروثات

. 11..صـالشعبية:......................................... المبحث الأول: المثل

. 13الشعبي.....................................................صـ المبحث الثاني: الأغنية

.27الشعبية ..................................................صـ المبحث الثالث: النكتة

.35الشعبية....................................................صـ المبحث الرابع: المعتقدات

.37الشعبية................................................صـالفصل الثاني: السمات الفنية

.54:.......................................صـللجملة المبحث الأول : لغة

.64الشخصية..................................................صـ المبحث الثاني : الصورة

.87الفنية..................................................صـ المبحث الثالث : تقانة

. 106العنوان.................................................صـالمبحث الرابع : التكرار.......................................................صـ

121. المبحث الخامس: استعمال

.128العامية..............................................صـالفصل الثالث: الرمز

.137:...............................................صـالفنيالمبحث الأول: الرمز الديني....................................................صـ

139 . المبحث الثاني: الرمز

. 461التاريخي.................................................صـ المبحث الثالث: الرمز

. 153الأسطوري..............................................صـ

2

المبحث الرابع: رمزية الأسماء.................................................صـ160 .صـخاتمة.....................................................................

170. ثبت المصادر

.172....................................................صـوالمراجع

مقدمة:

تعد اللغة من أرقى الظواهر التي قدمتها الحضارة الإنســانية، فقــد كــانت ومازالت من أهم الوسائل التي عبر بها الإنسان في أثنــاء مســيرته الطويلــة

عن مكنونات نفسه، واستطاع بوساطتها التواصل مع أبناء جنسه. وهذا ما فهمه المبدعون فهما عميقا على مر العصــور، فحــاولوا جاهــدين تطويع اللغة لتعبر عن أكبر قدر ممكن من أفكارهم بدقة ووضوح وبأســلوب فــني جميــل يشــد المتلقي ويدفعــه إلى المشــاركة في بلــورة هــذا الإبــداع،ـعـ هــذا العمــل بســوية فالمبدع لا يستطيع شــد المتلقي إلى عملــه إلا إذا تمت إبداعية عالية. ولا يمكن أن يتمتع العمل بهــذه الســوية إلا إذا امتلــك المبــدع قيـاد اللغـة الــتي يكتب بهـا. وأبـرز موضـع تتضـح فيــه قدرتـه وموهبتـه على استخدام اللغة إنمـا هـو في أثنـاء كتابتـه لعملـه المسـرحي، لأن فن الكتابـةعة التجربــة والقــدرة على التركــيز المســرحية يحتــاج إلى نضــج الملكــة وســــا والتي والإحاطة بمشكلات الحياة والإنسان إضافة إلى الموهبة التي يمتلكه

تميزه عن غيره من المبدعين. فالكاتب المسرحي يضع نصب عينيــه أن لغــة المســرحية قلمــا تقــرأ وأنــة من الممثلين ــق جمل ــفاهي عن طري ــكل ش ــا بش على المتلقي أن يتلقفه الموجودين على الخشبة، وأجمل ما يميز الإبداع المسرحي هو تلــك الطاقــة

powerالإخبارية ingorming وهي الطاقة التي تتمثل في اختيـار جـوانب زــة الــتي تســتطيع أن تــوحي إليــك بــالمغزى العظيم الفعــل المثــيرة والمرك

المليء بالمعاني. يبدو هذا الأمر جليا عند واحــد من أهم المســرحيين في الــوطن العــربي،

سعد الله ونوسوهو الذي ارتبط اسمه بالمسرح العــربي بوصــفه كاتبــا وناقدا حمل هم تأسيس مسرح عربي أصيل حاول من خلالــه أن يــدفع أبنــاء شعبه إلى التساؤل حول ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم موظفا طاقاته كلها

في سبيل تحقيق غايته. اللغة المسرحية عند سعد الله ونــوس/ فــترة وفي بحثي المعنون اــت اللغــة المســرحية عنــدهالتسعينيات نموذجا محاولــة للإحاطــة بجمالي

وبيــان طريقــة اســتخدام هــذه اللغــة في خدمــة إبداعــه. تــدفعني إلى ذلــك هواجسي لدخول عوالم الإبداع عنــد هــذا الرجــل من جهــة، ولأن الدراســاتهــ والأبحاث التي تناولت هــذا الجــانب من إبداعــه قليلــة من جهــة ثانيــة، ولأن أخيرا أحد المسرحيين الســوريين الــذين نفخــر بهم لمــا حققــوه على صــعيد

المسرح العربي والعالمي أيضا.

3

وفي أثناء دراســة اللغــة المســرحية عنــده نسـتطيع أن نتعــرف إلى أبــرزــار على التســعينيات لأن التقنيات التي استخدمها في أعماله. وقد وقع الاختيــل الأديب هذه الحقبة بإجماع النقاد جميعا كانت الأكثر خصوبة وعطاء من قبــده لأن تجربته بلغت أوج نضجها في هذه المرحلة. ذلك أن المرض الذي أقع جعله يتخذ من المسرح مشروعا كــاملا وهمــا شخصــيا فقــد علم في قــرارة نفسه أن الموت سيعاجله لذلك فكر مليا في التجارب الــتي ســيكون شــغله عليها كي يقدمها إلى المتلقي الذي كان أكبر همه. وجاء العمل ضمن المنهج التحليلي الوصــفي لأن محــور الدراســة كــان توصــيفا للحالــة اللغويــة الــتي تجسدت في نصوص التسعينيات. كمـا تجــدر الإشــارة إلى اعتمـاد الدراســة، بدافع الضرورة، على مــدارس أخــرى فرضــت نفســها مثــل علم النفس فيعورية الــتي تمــر بهــا، وعلم اجتمــاع تحليل سلوك الشخصيات والحالات الشــ الأدب في تحليل مناسبة اللغة للفترة الزمنيــة الــتي يتحــدث الكــاتب حولهــا، والبنيوية في حديثنا عن الدوال وعلاقاتها في تشــكيل النص الأدبي. وســتتخذ

دراستي في أثناء البحث المسار التالي:

توطئة:عــ البحث فيهــا نشــأة المســرح بشــكل مــوجز وتشــير التوطئــة إلى أن يتتبرورة إلى إدراك القضــايا دراسة الكلمات اللغوية عند مبدع معين تؤدي بالضــرــت وــس الــذي عب التي تشغل فكــر هــذا المبــدع. وتجلى هــذا الأمــر عنــد ونةــ. نصوصه المسرحية عن أفكــاره بشــكل أعمــق ممــا فعلت نصوصــه النقدي ذلك أن لغة نصوصه المسرحية استقطبت شريحة كبيرة من المتلقين الذين

لم يكن ثمة مجال لاستقطابهم بوساطة لغة النصوص النقدية.

الفصل الأول: الموروثات الشعبية:عبي في خدمــة إبداعــه ببراعــة تجلت استطاع ونوس توظيف الموروث الشــ في قدرته على استعمال اللغة وتطويعهـا لتناسـب طبيعـة التوظيفـات، فقـدعبي الـذي وجـد فيـه بوابــة عريضــة للــدخول إلى أعمـاق وظـف المثــل الشـ المتلقي العربي الذي يحتل المثل عنده موقعا عريضا من الــذاكرة، واحتفــظ لهذا المثــل بخصوصــية تامــة تكمن في اللغــة الــتي كتبــه بهــا. كــذلك وظــف الأغنية الشعبية التي أدرك بوعيه العميــق مــا لهــا من أثــر في نفس المتلقي ولأنها أيضا تمثل ذاكرة الشعب، فهي نابعة من عمق تجربته ومعاناته. وظفعبية الــتي تعكس عنــد كــل شــعب طريقــة تفكــيره كــذلك المعتقــدات الشــهل مطلقــا تغيــير هــذه المعتقــدات ومعالجته للأمور الحياتية، وليس من الســ اــ ها متجذرة في وعي الجماعــة الإنســانية. والنكتــة بوصــفها وعيــا اجتماعي لأنــه. ــا عن ناضجا؛ أولا بوصفها كشفا للوضع الاجتماعي، وثانيا بوصفها تعبيرا فني وهذه الموروثــات هي بمثابــة شــيفرات على المتلقي فــك رموزهــا من خلال

التعرف إلى السياق العام للنص المسرحي.

الفصل الثاني: السمات الفنية للجملة:

4

يقدم هذا الفصل لأهمية الجملة في تكــوين العمــل الإبــداعي بوصــفها دالاــرحي. يحمل مدلولات متعددة ومدى مناسبة هذه الجملة لسياق النص المسم لذا كان لابد لنـا في أثنــاء الحــديث عن تـركيب الجملــة الونوســية أن نقسـ

اــلي: كل الت اــ للدقــة والوضــوح على الشــ لغةالفصل إلى مباحث عــدة توخي المسرحية التي يفترض أن يتحرر المبــدع في أثنــاء الكتابــة منالشخصية

ــتي يتحــدث بلســانها. والصورة الفنيةسلطة نفسه ويتقمص الشخصية ال تقانةبوصفها دالا محملا بالإيحاءات التي تغني العمل الأدبي وتزيد ثـــراءه، و

بوصــف العنــوان العتبــة النصــية الأولى الــتي يتعــرف المتلقي منالعنوان ـهـ يريــد منبوصــفه التكرار خلالها إلى النص. و فكــرة تلح على المبــدع لأن

ــا. ــز عليه ــة والمتلقي أن يرك ــا فياســتعمال العامي ــترب من حواراتن ليقــل الحياة اليومية وليزيد من التصاق النص بالواقع دون الثأثير في سوية العم

الإبداعية.

الفصل الثالث: الرمز الفني: الرمز وجه من وجوه التعبير الفني، وهو بما يمتلك من طبيعة غنية ومثيرة يفتح آفاقا خلاقة أمام المبدع والمتلقي على حد سواء. وتنقســم الرمــوز فياــريخي الدراسة إلى: الرمز الديني الذي وظفه في نصوص عـدة، والرمــز الت

منمنمـات تاريخيةكما جاء في مسرحية والرمــز الأســطوري بوصــفه دالاــا يحمل مدلولات واسعة، ولكن على الرغم من سعة هــذه المــدلولات إلا أنهـةـ الأســماء تبقى محصــورة ضــمن الإطــار الــذي رســمه المبــدع لهــا. ورمزي

هــو رمــز للشخصــية ككــل، وهــو شــيفرة على المتلقيونوس فالاسم عند فكها للحصول على السمات العامة لهذه الشخصية.

خاتمة:يذكر فيها أهم النتائج التي توصل إليها البحث.

وثمة كتب كانت رافدا مهما لي في أثنــاء الدراســة، كــان أهمهــا: كتــاب » قضايـا وشهادات )سعد الله ونوس( الإنسان، المثقف، المبدع « بإشــراف د. عبد الرحمن مــنيف ود. فيصــل دراج. وهــو يضــم مجموعــة من الدراســــات لأهم النقاد العرب الذين تنــاولوا أعمــال التســعينيات، على وجــه الخصــوص، عند سعد الله ونوس بالدراسة والتحليل والنقد. وكتاب » في نظرية العنوانعـ فيـه مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصــية « للــدكتور خالـد حسـين، تتب تطور اســتخدام العنــوان بوصــفه العتبــة النصــية الأولى للــدخول إلى عــوالمـوـس / النص الأدبي. و كتاب » قــراءات ســميائية في مســرح ســعد اللــه ون نصوص التسـعينات نموذجا « للدكتور محمد إســماعيل بصــل، والــذي يقــدممة الأبــرز في النص قراءة سيميائية عميقة لنصــوص عــدة مركــزا على الســــذي ــنيف، وال الذي يتناوله. وكتاب » لوعة الغيـاب « للدكتور عبد الرحمن م يقدم دراسة مفصلة لصورة ابن خلدون كمــا جــاءت في كتب النقــد العــربي القديم، وصورته كما تجلت في منمنمات تاريخية، إضافة إلى دراسات أخرى

مهمة وقيمة. ــة للبحث وأخيرا أتوجه بالشكر لأستاذي المشرف الذي أثرى المادة العلمي

بالتوجيه والتصويب، متمنية أن أكون وفقت فيما قدمت.

5

توطئة: ــذورها الأولى ــدأت ب الظاهرة المسرحية قديمة قدم الحضارة الإنســانية. ب عندما شعر الإنسان بالحاجــة الملحــة إلى حمايــة نفســه من القــوى الغريبــةيطرة عليهــا. فحــاول التوجــه إلى تلــك القــوى التي لم يستطع فهمها أو الســ بالابتهالات، ونســج القصــص حولهــا، وفي مرحلــة لاحقــة أصــبح يحــاكي تلــك القوى عبر طقوس احتفالية شكلت فيما بعد نواة الظاهرة المسرحية. وهــذاهــ بــدأ بشــكل ما جعل المؤرخين يميلون إلى وسم المســرح بطــابع ديــني لأن احتفال ديني. لكن ذلك لا يجعل الظاهرة المسرحية دينية من حيث الجــوهر.ـةـ لأن نشــوءها جــاء في محاولــة للإجابــة عن تســاؤلات الإنســان حــول ماهيــل من ــاريخ طوي ــرحية بت اـهرة المس ــرت الظـ ــد م ــاة. وق ــود في الحي الوجـرـات »من اهتمــام بالحادثــة وكأنهــا كــل شــيء إلى غيــاب التطــورات والتغي الحادثــة وكــأن المســرحية فكــرة فقــط؛ ومن تركــيز على تشــابك الأحــداثـرـ المشــاهد وتشــغل بالــه إلى انســياب لتكوين عقدة -بعد عرض طويل- تحي

6

وكأن لا عقدة في الأمر؛ ومن تجريد مطلق كأن الحادثة منبتة الجذور معلقة. 1في الهواء إلى إلحاح شديد على الظروف المحيطة والعوامل المادية... «

اــريخ بتنــوع النظــرة إلى هــذا الفن وتنوعت دلالات كلمة )مسرح( عبر الت ومقوماته. وتســتخدم كلمــة مسـرح للدلالــة على شــكل من أشــكال الكتابــةة. وعــد أرســطو في يقوم على عرض المتخيل عبر الكلمــة كالروايــة والقصــــة ــاة كالملحم ــوم على المحاك ــتي تق عر ال ــ ــون الش ــه عن فن ــرض حديث مع والتراجيديا أن هذه الأخيرة تتميز بوصفها تحقــق المحاكــاة من خلال الفعــل. وتســتخدم كلمــة )مســرح( للدلالــة على شــكل من أشــكال الفرجــة قوامــه المؤدي/الممثل من جهة، والمتفرج من جهة أخرى. وتســتخدم أيضــا للدلالــة

)مــأخوذة من اليونانيــة Theatre)ة)وكلم على المكان الذي يقدم فيه العرض.Theatronالتي تعني حرفيا مكان الرؤية أو المشاهدة. وتستخدم هذه الكلمة)

أيضا للدلالة على مجمل نتاج كاتب مسرحي فيقال مسرح راسين أو مسرح شكســبير. أو للدلالــة على مجمــل الأعمــال الــتي تنتمي إلى عصــر معين أو

ـزـ2مدرسة محددة مثل المسرح اليوناني والمسرح الكلاسيكي. وأهم مــا يمي الفن المسرحي منــذ نشــأته هــو تفاعلــه المباشــر مــع جمهــوره، وهــو بــذلكهـ ليس اـ. وعن الموســيقى أن »يختلـف عن الروايـة بـأن حضـوره لا يتم فرديـزـ، ويختلــف عن تجريديا وعن الشعر أنه ليس ذاتيا، إنه الفن الجماهيري بتمي السينما بأن احتكاكه بجمهوره لا يتم عبر الصورة، بل هو احتكاك إنساني حر

. إذن التمثيل قائم في صلب العمل المسرحي. فالنص المسرحي3ومباشر«ــل أمــام مشــاهدين أي أن المســرح هــو» رائعــة مكتوبــة ابتكرهــا يكتب ليمث

. 4مؤلف وأعاد خلقها ممثلون وشارك في إعادة الخلق هذه مشاهدون « لكن الصفة الممــيزة الأســاس للظــاهرة المســرحية هي » الموضــوعية؛ التي يقصد بها مقدرة المؤلف –أو موهبته- في الانســلاخ عن نفســه بحيث لا يراه المشاهد، وإنما يرى شخوصـا مختلفـة ويـدرك أصـواتا متباينـة، ومهـارةـدـرك إلا بصــعوبة ولا المؤلف الكبرى أن يمســك بالخيــط من بعيــد بحيث لا ي يكتشفه إلا النقدة المتمرسون، حتى كأن الدرامية الحقيقية هي هذه الصفة، وما عــدا ذاك تصــرف وتطــور تمليــه العصــور والتجــارب تحتــل منــه مســألة

ــارزا « ــا بـ راع مكانـ ــ ةـ5الصـ ــ ــويته الثقافي ــور وعلى اختلاف سـ . لأن الجمهـ واهتماماته الفكرية لن يشعر بالانجذاب إلى هذا الفن ما لم يجــد فيــه صــدىة منهــا والعامــة. وهــذا الأمــر لن يــدرك لتساؤلاته ومشكلاته وهمومه الخاصـــاـم في بوتقــة شخوصــه المســرحية. أمــا ــف انصــهاره الت حتى يحقــق المؤل

- مقدمة في النقد الأدبي، د. علي جواد الطاهر، المؤسسة العربية للدراسات والنشر،1، 1979، 1بيروت، ط

. 187 صـ - المعجم المسرحي »مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنــون العــرض«، د. مــاري إليــاس2

ود. حنان قصاب . 423-422، صـ1997، 1 حسن، مكتبة لبنان، بيروت، ط

،1، عصام محفوظ، دار الفارابي، بيروت، ط1 - مسرح القرن العشرين)المؤلفون(، جـ3.7، صـ2002

، حزيران، اتحاد86 - جوهر الظاهرة المسرحية، رشيد مسعود، الموقف الأدبي، العدد4الكتاب العرب، دمشق،

.67، صـ1978 . 187- مقدمة في النقد الأدبي، صـ5

7

ةــ الــتي يريــد من خلالهــا إيصــال رســالته إلى المتلقي فهــو أمــر عائــد الكيفيبالكامل إلى موهبته وقدرته على فهم الواقع وبلورته بما يحقق كل ما سبق. ولا بد للباحث عند دراسته لعلاقة الكلمات بعضها ببعض عند مبــدع معين من إدراك القضايا التي تشغل فكر هــذا المبــدع. ومــا من دليــل أوضــح على

ـوـس الــتي جــاءت تحت عنــوان1ذلــك من النصــوص النقديــة لســعد اللــه ون . وفيها أفصح ونوس عن مشــروعه في بنــاءبيانات لمسرح عربي جديد

ـوـس مسرح عربي متكامل يرتقي إلى مستوى المسرح العــالمي. ويقــدم ونةـ حـول المسـرح لا تنبـع من ممارسـة للبيانات في قوله: » كـل كتابـة نظرياــهرة المســرحية، فعلية للعمل المســرحي، ومن الانغمــاس الـواعي في الظ تظل مجرد جهد ذهــني قاصــر لا يســتطيع أن يكشــف جــوهر هــذه الظـاـهرةـةـ، كمــا لا يمكنــه أن يكشــف لهــا وطبيعتها المركبة كظاهرة اجتماعية وثقافي

. من هنا وإن جاز القول فإن المقبوس السابق2الطريق لنمو صحي سليم « يعطي صورة شفافة عن عمل المبدع الذي اقترنت لديه الكلمة بالفعل علىة الدوام. إذن ونوس لم ينظر إلى المسرح من فراغ بــل من تجربتــه الخاصــ في هذا المجال، إذ كــان لــه إســهام عملي في المســرح التجريــبي، وعلاقــةـدـ على ضــرورة أن وطيدة بمعظم من جسد تلك الأعمال، وهذا ما جعله يؤك الكتابة التنظيرية حول المسرح يجب أن يقوم بها من هو على تماس مباشر

بالتجربة المسرحية.ــرحية، ونلاحظ أن ونوس ركز على الانغماس الواعي في الظاهرة المس وهــو الانغمــاس الــذي حققــه هــو نفســه عنــدما حــاول فهم واقــع مجتمعــه والإحاطة بمشكلاته وتحديدها. وفي هذا الإطــار يقــول: » والبــدء من الواقــع ليس إعلان نوايا، بل هو انغمــاس في الــراهن، ومحاولــة بلــورة وعي محــددــدرك لمشكلات الواقع المحددة، وكل ذلك في منظور وعي تاريخي دينامي ي

وـس3تاريخية الماضي والحاضـر والمسـتقبل « . إذن معالجــة الواقــع عنــد ون ليست مجرد كلام. إنها فعل متكامل يبدأ بالــدخول إلى عمــق الواقــع، وذلــكاــريخ الــذي نجم عنــه الواقــع الحــالي. لتحديــد عن طريق القراءة العميقة للت المشكلات التي اعترضت عملية التقدم وعدم السقوط فيهــا مجــددا. وأدركـةـ لأزمنــة ســابقة، ونوس أن المجتمع في فترة زمنية معينــة هــو نتيجــة حتمي

في قرية حصين البحر التابعة لمحافظة طرطوس1941 ولد سعد الله ونوس سنة -1 في سورية، وحصل على إجازة في الصحافة من جامعة القاهرة، وعين في وزارة

الثقافة، وترأس تحرير مجلة )الحياة المسرحية( وغيرها، وكان مديرا للمسارح والموسيقى ومديرا للمسرح التجريبي. حاز على جائزة سلطان العويس في الإمارات

1996/ 28/3العربية المتحدة، وكرم دوليا عندما كلف بكتابة كلمة يوم المسرح العالمي ليقف بذلك إلى جانب كتاب المسرح الكبار الذين كلفوا قبله بهذه الكلمة أمثال يوجين يونسكو ودورنيمات وأليخاندرو كاسونا وجورج شحادة وول سونيكا، وغيرهم. وكان آخر

من قبل منظمة الأمم المتحدة1997تكريم له ترشيحه لجائزة نوبل للآداب للعام للثقافة والتربية والعلوم)اليونيسكو( بناء على توصية مجمع اللغة العربية بدمشق، وجنح نحو تيار الحداثة، وكان من نقاد المسرح ومن أهم المدافعين عنه. توفي في دمشق بعد

وحاول جاهدا أن يقترب بمسرحه منمرض طويل، ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه. طبقات المجتمع كلها ويتغلغل في أعماقها كاشفا زيفها وجمالها على حد سواء بطريقة

مسرحية متقنة وأسلوب فني جميل..17، صـ2004، 1، دار الآداب، بيروت، ط 3- الأعمال الكاملة سعد الله ونوس، جـ2.561، صـ - المصدر السابق3

8

وضمن الإطار السابق يقول د.عبــد الــرحمن مــنيف: » غــير أن ســعد، الــذيــة لة لأزمن ــه محصــ ــا لبث أن أدرك أن الإنســان زمان ــور، م أدمن تقليب الأم

. ولا يمكن لمشكلة1أخرى، وأن حاكم الإنسان قناع لأزمنة موغلة في البعد«ــات معينة أن تنفجر في المجتمع دون سابق إنذار، لأنها بالتأكيد نتيجة لتراكم سابقة أهملت أو غض النظر عنها لوقت طويل فجــاء الانفجــار نتيجــة حتميــة

لذلك.ـوـس على الانغمــاس الــواعي في الواقــع بســبب ونستطيع فهم تركيز ونةــ من ةــ من جهــة، وثقافي الطبيعة المركبة للظاهرة المسرحية. فهي اجتماعيةـ، ـ جهة ثانية. لذا نجد أن فهم المجتمع وحده غير كاف لإنتاج العملية الإبداعيـةـ منهم فكثيرون هم الأفراد الذين فهمــوا طبيعــة الحيــاة والمجتمــع، لكن قلةــ تســتحق الدراســة استطاعت أن تجعــل من اكتشــافاتها موضــوعات إبداعيـوـر لــولا اللغــة الــتي والبحث. وهذه الأعمال الإبداعية ما كان لها أن تبصر الن كتبت بها. ونستطيع أن نزيح الكلام السابق على الظاهرة المســرحية، فكــثر هم الذين كتبوا نصوصا مسرحية ما لبثت أن أصــبحت في طي النســيان مــع

انتهاء العرض. بينما بقيت نصوص ونوس شاهدا على إبداعه.ــع إن المسرح الذي أراده ونوس هو المسرح الذي تتداخل فيه الخشبة م الجمهور و» يتلاحم فيه الطرفان ليتولد وعي جديد وإذا أمكن، موقــف جديــد

، وهذا التلاحم هو الذي يكســب العمــل المســرحي المصــداقية ويــؤثر في2« الجمــاهير، ومســرحه » لم يكن يحــرض بــالمعنى الــدارج للكلمــة، ولم يكن يستنهض جمهورا عن طريق الهتاف وإيحاءات الكلمات المتقاطعة، بــل كــان يدعو المقموع إلى تأمل الأسباب البعيدة والقريبــة الــتي اســتولدته كإنســان

ـةـ توجــه بهــا إلى العــاملين في3مقموع « . عندما كتب ونوس نصوصه النقديــوص، ــة للنص المسرح والراغبين في خوض غمار التجربة المسرحية من كتابريحة إلى إخراج، وإلى آخر ما هنالك. تلك النصــوص كــانت موجهــة إلى الشــــرحية اللصيقة بالعمل المسرحي بشكل خاص. بينما توجه في نصوصه المس إلى المجتمع ككل على اختلاف السوية الثقافية والمعرفية لأفراده. لأنه أرادــتي مسرحا يصل إلى الجماهير ويحرضها على التفكير والشك في الثوابت الهــ مــا من ســبيل إلى تحقيــق ذلــك إلا اعتادت على الإيمان بها. وكــان يعلم أنـهـ أمــام نفســه ــا أن ـةـ يشــعر المتلقي أمامه بتصــوير نمــاذج مســرحية واقعي

الحقيقية التي يحاول جاهدا أن يخفيها عن الآخر وعن نفسه حتى. وفي كلتا الحالتين أي في أثناء كتابته للنصوص النقدية أو المسرحية نجد أن ونوس فهم دوره وواجبه كمثقف عربي. فهو مطالب ومسؤول أمام أبناء وطنه. هو مطالب بتطوير نفســه وموهبتــه، وهــو مســؤول أمــامهم أن يقــدم صورة حقيقية للحيــاة تتســم بالدقـة والوضـوح، وتتمتــع بأســلوب فــني يشــد

المتلقي ويدفعه إلى المشاركة في بلورة العمل الإبداعي.

( الإنسان، المثقف، المبدع، د.عبد الرحمن منيف، سعد الله ونوس- قضايا وشهادات ) 1د. فيصل دراج، دار

.12، صـ1 كنعان، دمشق، ط. 17- قضايا وشهادات، صـ2.12- المرجع نفسه، صـ3

9

اــدرة الــتي وازنت بين الكلمــة المبدعــة وسعد الله ونوس » من القلة الن والفكر الذي تستند إليه أو تنبع منه. في هذه الرحلــة رحلــة الحيــاة والإبـداع.ة في وضــع كان مثالا لمعادلة من أصــعب المعــادلات وأكثرهــا مشــقة، خاصــ يفتقر إلى تراث مسرحي وفي مرحلــة قلقــة رجاجــة يصــعب خلالهــا الثبــات

ــة « ــه إلى النهايـ ــتمرار فيـ ــف أو الاسـ ــة1على موقـ ــل الأدبي عامـ . فالعمـ والمسرحي خاصة كل متكامل، لكن اللغة الــتي يصــاغ بهــا تجعــل منــه عملاـوـس هــذه المعادلــة فهمــا عميقــا وهــذه عاديا أو إبداعا خالصــا. وقــد فهم ون

واحدة من أصعب المهمات التي يواجهها المبدع. ـةـ هــذا الإبــداع، وكيــف اســتطاع ـوـس، وأهمي ونحن نتحــدث عن إبــداع ونـةـ الــتي بوســاطته الوصــول إلى القمــة. لابــد لنــا من التســاؤل حــول الكيفيبب إلى اللغــة الــتي كتب بهــا استطاع فيها بلــورة إبداعــه. ولابــد يعــزى الســ نصوصه المسرحية. و» المظهر اللغــوي للنص هــو، في الحقيقــة، معــبر عن

. الأمر الــذي بــرع2دواخله، وبرمجة للمسارات التي تعبر من خلالها الدلالة «ــتي رغب في ــه لعــرض القضــايا والموضــوعات ال ـوـس في الاســتفادة من ون

تقديمها إلى المتلقي.

.15- المرجع نفسه، صـ1 - نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الدال، د.حسين خمري، الدار العربية 2

،1للعلوم، بيروت، ط.240، صـ2007

10

الفصــــــــــــــــــل الأول:الموروثــــــــــــات

الشعبية.المبحث الأول: المثـــــــــــل

الشــــــــــــعبي.ــة ــ ــاني: الأغنيـ ــ المبحث الثـ

الشـــــعبية.المبحث الثـــــالث: النكتـــــة

الشــــــعبية.ــدات ــع: المعتق المبحث الراب

الشعبية.

بوصف البحث ليس معنيا بالحديث عن مفهوم التراث بشكل مباشر، لذا سأحاول توضيح بعض ما أراه مهما بغية وضع القارئ في صلب ما يسهل

عليه عملية متابعة الجوانب العلمية التي تحيط بهذا الموضوع. فالتراث يمثل » ما تراكم خلال الأزمنة من تقاليد وعادات وتجارب وخبرات وفنون وعلوم في شعب من الشعوب، وهو جزء أساسي من قوامه الاجتماعي والإنساني

والسياسي والتاريخي والخلقي يوثق علائقه بالأجيال الغابرة التـي عملت

11

. ويعد الأدب الشعبي واحدا من1على تكوين هذا التـراث وإغنائه « موضوعات التراث المتعددة، ويعرف على أنه » الفلكلور الذي يعتمد على

الكلمة فحسب وعلى ذلك فهو يتضمن الألعاب الجماعية، أو الرقصات الجماعية، ولكنه ينسحب على كثير من الأشكال التي تستخدم الكلمة

المنطوقة: كالأقوال المأثورة واللعنات والتوريات الشعبية جنبا إلى جنب مع2الأشكال التقليدية الأخرى كالحكايات والأمثال... «.

والحديث عن مفهوم التراث لا بد أن يستدعي الحديث عن مفهوم » التوظيف التراثي « فما الذي دفع الأدباء إلى توظيف التراث في خدمة

الإبداع؟! المبدع لا يوظف الموروث الشعبي ليمتعنا بسرد حكاية قديمة أو مثل شعبي، بل ليعبر بهذا التوظيف عن جزء من تجربته المعاصرة، بلغة

إيصال مهمة بوصف التراث راسخا في أعماق الجماعة الإنسانية التي يتوجه المبدع إليها بالمشكلات والحلول. والمبدع في أثناء توظيفه للموروث

الشعبي، إنما يقوم بقراءة الحكاية الشعبية أو المثل أو غيرها قراءة إنتاجية فيختار لحظة أو موقفا، و يهمل ما تبقى مما لا يناسب تجربته. هذه هي المسوغات التي تدفع المبدع إلى توظيف المورث الشعبي في إبداعه

بشكل عام. وبوصف الفعل المسرحي فعلا دلاليا كثيفا، والتوظيفات التراثية علامات، فإن المسرح يجعل » العلامة موضع تساؤل على الدوام بوصفه أسلوبا غير

متوقع في تنسيق العلامات، حيث تكتسب المدلولات معاني ملائمة ضمن . هذا ما أراده ونوس تحديدا من توظيفه للموروث3وضعية تفاعلية سياقية«

الشعبي، أراد أن يجعل منه موضعا للتساؤل، فيعيد المتلقي التفكير في طبيعة الموروث الشعبي خاصته، ويبحث فيه ليجد الأجوبة للأسئلة التي تواجهه. والموروثات الشعبية التي وظفها ونوس في نصوصه المسرحية

هي: الحكاية الشعبية، والمثل الشعبي، والأغنية الشعبية، والنكتة الشعبية، والمعتقدات الشعبية. وبما أن أعمال التسعينيات تشكل محور الدراسة فإن

البحث سيعنى بدراسة: المثل والأغنية والنكتة والمعتقدات. تاركا الحكاية الشعبية لأن النصوص المسرحية، موضوع الدراسة، لا تمتلك في نسيجها

مثل هذا الموروث.

المبحث الأول: المثل الشعبي: يحتل المثل موقعا عريضا من الذاكرة الشعبية الجماعية لأنه يمثل

حكمة الشعوب ونظرتها إلى الحياة ونمط سلوكها وطبيعة علاقاتها الاجتماعية. وهو تعبير صادق وموجز عن تجربة إنسانية تحتاج إلى وقت

طويل لسردها، فالمثل » هو لغة ولسان الشعب بجميع شرائحه الاجتماعية والفكرية.. فمن هذه الأمثال ما يصدر عن الخاصة .. ومنها ما يصدر عن

عامة الناس فتعكس شؤونهم وشجونهم وعاداتهم وتقاليدهم وأنماط.73، صـ 1979 - المعجم الأدبي، جبور عبد النور، بيروت، 1 .114، صـ 1981، 2 - مقدمة في الفلكلور، أحمد علي مرسي، دار الثقافة، القاهرة، ط2 - قراءات سميائية في مسرح سعد الله ونوس ) نصوص التسعينات نموذجا (، د.3

محمد إسماعيل بصل، . 10، صـ 2000، 1 دار الأهالي، دمشق، ط

12

سلوكهم.. إنها تراث خلفت من خلاله الأجيال الماضية عصارة تجاربها وحكمها على مسرح الحياة.. إنها سجل محفوظ من ذاكرة الشعب، تنطبع

فيه شخصية المجتمع وتصورها تصويرا دقيقا بكل ما فيها من تناقضات . وتستمد هذه الأمثال شيوعها إضافة إلى ما سبق » من خلال1وإفرازات«

صياغتها بطريقة محكمة تجعل انتقالها بين الناس سريعا، واستقرارها في . وبوصف المثل يتصل بحياة الناس ويعكس2ذاكرتهم الجمعية ثابتا وراسخا«

علاقاتهم وطبيعة تفكيرهم وسلوكهم، فقد وجد ونوس في استخدامه بوابة عريضة للدخول إلى أعماق المتلقي العربي الذي يحتل المثل عنده موقعا

عريضا من الذاكرة. وبتوظيف ونوس للمثل أراد من المتلقي أن يعيد التفكير في طبيعة مخزونه من الأمثال الشعبية، و أراد أن يضع هذه الأمثال

موضع تساؤل. فما طبيعة هذه الأمثال، وعن أي وضع تعبر، وباختصار ما هيالدلالات التي تحملها هذه الأمثال الشعبية في نصوصه؟!

ويسلطالاغتصاب تطالعنا العديد من الأمثال الشعبية في مسرحية الكاتب الضوء فيها على قضايا معينة ربما يريد من خلالها لفت انتباه

سفر الأحزان اليومية/ المقطع الأولالمتلقي إلى أمر محدد. وفي 3 المثل التالي: » الحق لا يضيع ما دام وراءه مطالب «.الفارعةتذكر

وتستخدم4والمثل الشعبي: » ما بضيع حق وفي وراه مطالب «. المثل في أثناء وصفها للوضع الفلسطيني في مرحلتين؛ إحداهماالفارعة

قبل الانتفاضة والثانية بعدها. والمثل وظف ليدل على عزم الشعب الفلسطيني في استرداد أرضه وحقوقه ليس عن طريق الرجاء والتمني بل عن طريق العمل والنضال. واتسم المثل بالإيجاب لأنه يحرض على الفعل.

تدرك جيدا أنه ما من مجال لاسترداد حقهم إلا بالنضالالفارعةو والمقاومة. وتقدم المثل خلاصة لتجربة خاضتها بنفسها وأثبتتها الوقائع على مر الزمن. فالحقوق عندما تغتصب لا ترجع إلى أصحابها بالدعاء والتمني بل

بالجهد والعمل المستمر الذي لا يعرف اليأس. أيضا لا يخفى على المتلقي موقنة بصدق المثل وإلاالفارعةالتفاؤل الذي يحمله المثل في طياته، لأن

لما استخدمته. ومن جديد اتسم المثل بالإيجاب من حيث التوظيف. ولغة المثل سهلة واضحة ومتناسبة وروح الشخصية التي وظفته في سياق

حديثها. وتتبع المثل السابق بآخر يدعمه ويقوي مضمونه، فتقول: » إذا ضاع الغالي لا يؤسف على الرخيص «. والغالي هنا هو الوطن، وكل ما تبقى

رخيص إذا ما قورن به. والمثلان السابقان يتمحوران حول قضية الأرض. الأرض التي سلبت من أصحابها الشرعيين ظلما. وهنا لا بد من التساؤل إن

كان المثل يحمل في طياته روح التشاؤم واليأس من تحقيق المراد! هذا فعلى الرغم من الظاهر السلبي للمثلالفارعةغير وارد عند امرأة مثل

،1993، 1- معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام، منير كيال، مكتبة لبنان، بيروت، ط 1.14-13صـ

- المسرحية نصا أدبيا عند سعد الله ونوس، صلاح صالح، مجلة الحياة المسرحية، وزارة 2.55، صـ1994، 40الثقافة، دمشق، العدد

. 171، صـ 2 - الأعمال الكاملة، جـ3 - موسوعة الأمثال الشعبية الفلسطينية،محمد توفيق السهلي، دار الأقصى للدراسات4

.399والنشر والترجمة، صـ13

إلا أنه يحمل التفاؤل بمستقبل مشرق في طياته.. لأن المثل جاء ضمنالسياق التالي:

» دلال : ضاع الوطن، وأخشى أننا نضيع القليل الذي بقي لنا.1الفارعة: إذا ضاع الغالي لا يؤسف على الرخيص* يا ابتني «.

التي تبدو يائسة وخائفة. فالوطندلال تستنهض عزيمة الفارعةإذن استبيح والأرض ضاعت من أبنائها والفلسطيني صار مشردا في أرضه

ومحروما من أبسط حقوقه. فإن ضاعت كرامة الإنسان وحريته فما الذي تحاول استنهاض همة كل الشباب الفلسطينيالفارعةسيؤسف عليه. و

. دلالالذي تمثله شخصية في اليوم الذي2: » الدم لا يصير ماء «الفارعةوفي موضع آخر تقول

عله يسعفها في أزمتها بعد أن اعتقلتها دلال ذهبت فيه لتستنجد بوالد القوات الصهيونية، فهي في النهاية من لحمه ودمه. والمثل الشعبي هو: »

. لكن الوالد لا يستجيب، وعوضا عن ذلك يسب3إلدم ما بصير مي« ويتبرأ من ابنته. ويبرز استعمال المثل في هذا الموضع أن الخائنالفارعة

لا وطن له ولا أحباء سوى المال. والمثل أفرغ من مدلولاته الإيجابية في فيه ليحمل طابعا سلبيا. فالغرض من المثلالفارعةالسياق الذي وظفته

لم يتحقق؛ لأن الوالد لم يساند ابنته. وهو في الوقت نفسه إدانة لسلوكالوالد وموقفه إزاء ابنته من جهة، ووطنه من جهة ثانية.

.4: » من يأكل العصي لا كمن يعدها «محمدوفي غير موضع يقول .5والمثل الشـعبي هو: » إللي بيوكل العصي، مش زي اللي بعدها «

، وبدقة أكبر على كلالفارعةويوظفه في محاولة للرد على كلام والدته الشعارات الزائفة والكلام غير المدعوم بالفعل، لأن التنظير شيء والواقع

الفعلي شيء آخر، يقول: » إذا كانوا لا يريدوننا أن نعمل هنا فليبنوا لنا معامل أو يقدموا لنا معونــات تنعش البلد. يبيعوننا خطابات، ويحدثوننا عن

. فهو بحاجة ماسة إلى العمل6الصمود ولكن الكلام لا يملأ الجيب الفاضي « كي يستمر في الحياة. والفلسطيني بحاجة للعمل كي يستمر في الصمود. فما الذي سيفعله إن كان أصحاب رؤوس الأموال من أولاد البلد أسوأ من

ويعطيه المصداقية.محمداليهود أنفسهم؟! وتوظيف المثل جاء ليدعم كلام ونجد أن المبدع غير في بنية المثل فقدم وأخر، وأبدل كلمات بأخرى،

أي أنه أسقط دوال ووضع دوال جديدة فتغيرت المدلولات من التخاذل والاستسلام إلى التفكير والعمل والتصدي ، بينما بقيت بضعة أمثال على

حالها، لكن السياق الذي وردت فيه هو الذي فرغها من طابعها الاستسلامي وأعطاها طابع التصدي. والمبدع هنا يحاول دوما أن يضع المتلقي في حالة

تساؤل وحيرة أمام المثل لأنه اعتاد على طبيعة معينة لهذه الأمثال وهي.2،172 - الأعمال الكاملة، جـ1.172موسوعة الأمثال الشعبية الفلسطينية، صـ *

.178، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 2.60، صـالمصدر السابق - 3.179، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 4.60 - موسوعة الأمثال الشعبية الفلسطينية، صـ5.179، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 6

14

أبعد ما تكون عن الطبيعة التي أسبغها ونوس عليها. في بداية النص هي من وظفت الأمثال في محاولة لدعم كلامها. لكن بعدالفارعة

ابنة التاجر المرفهة التي لم تعرف عن أهوال العدودلال الاغتصاب نرى أن إلا ما سمعت عنه، هي التي تستخدم المثل، فهي ما عادت الفتاة المترفة

المدللة بل أصبحت المناضلة التي عانت من وحشية المحتل وخبرت قسوته وجبروته وطغيانه، هذا المحتل الغاصب الذي حولها من امرأة عادية إلى

مناضلة صلبة بعد أن ترك على جسدها ندوبا لن يمحوها إلا الموت. وتقول التي تحاول تهدئتها بعد عودتهـا من التحقيق : » لا يجبر إناءللفارعة

.2. والمثل الشعبي هو: » القزاز إذا انكسر ما بينجبر «1الخزف إذا كسر« وبالعودة إلى بنية المثل الونوسي نلاحظ الاختلافات التالية : فالفعلان في

المثل الونوسي بصيغة المبني للمجهول، وفي الأصل بصيغة المبني للمعلوم. وهما في المثل الونوسي على الترتيب التالي ) يجبر، كسر( وفي

الأصل )انكسر، ينجبر(، والفارق الأهم هو الزجاج في الأصل والخزف في المثل الونوسي. والاختلافات السابقة ليست عرضية ولم تأت ونوس عفو

الخاطر، بل جاءت لتعطي دلالات محددة أرادها الكاتب. والمثل يقال ليبين وقوع خطأ لا يمكن إصلاحه مطلقا. فالزجاج أو الخزف إذا كسر لا يمكن

إصلاحه حتى لو جمعت الأجزاء إلى بعضها فمكان الكسر لابد أن يكون واضحا للعين. والضرر حدث وهو الاغتصاب.. اغتصاب دلال بكل وحشية من قبل ضباط الاحتلال الذين حاولوا حمل زوجها على الاعتراف بهذه الطريقة.

إذن هي تعرف مغتصبها جيدا لكنها في المثل أصرت أن يكون الفاعل مجهولا. فهل فعلت ذلك خوفا ؟! ربما لم يكن خوفا بل لأنها أرادت من

صيغة المبني للمجهول أن تشير إلى أن الاغتصاب لم يكن وراءه أفراد بل دولة كاملة هي دولة الاحتلال، وهي بذلك تبين أن من اغتصبوها لم يكونوا

مجموعة أشخاص بل دولة قائمة على نظام موحد غايته اغتصاب حق شعب ما هي إلا واحدة من أبنائه. ولاستبدال الزجاج بالخزف دلالاته.دلالكامل

لأننا في الحياة اليومية نستخدم الزجاج أكثر من الخزف لأن استعمال الخزف غالبا ما يقتصر على المناسبات المهمة بوصفه أثمن من الزجاج.

ومن هنا فإن فعل الكسر أصبح أهم لأن ما كسر هو شيء ثمين لذا فالجبر سيكون مستحيلا. واختارت الشخصية هذا السياق لتبين أن وقع الانتقام سيكون قويا كما كان وقع الانكسار. والمثل لا يحمل صيغة الانكسار أو

الاستسلام كما هي حال أغلب الأمثال فالاغتصاب جعل الشخصية تصطدم مع الواقع وهذا الاصطدام فجر حقدها وغضبها وجعلاها تكتشف قوتها، ولم

يقتصر الاغتصاب على جسدها لأنه في الحقيقة كان اغتصابا لروحها وكرامتها وكبريائها. لكن ذلك لم يثن من عزيمتها في الانتقام من مغتصبيها

بل دفعها لتفكر في السبل التي ستساعدها في تحقيق انتقامها. نرى المدير يشرح الوضع الذي يعانييوم من زماننا وفي مسرحية

منه بسبب المصيبة التي حلت بمدرسته، والتي تدور حول اكتشاف كتابات سياسية في المراحيض وعدم معرفة المسؤول عنها. فيختصر المدير الحالة

.3التي يمر فيها بقوله: » هن يتبادلن الوشوشات وأنا أتراقص في المقلاة «.120، صـ المصدر السابق -1. 58 -الحكم والأمثال الشعبية في الديار الشامية، صـ 2. 200، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ3

15

.1والمثل الشعبي هو: » الصياد عم يتسلى..و العصفور عم يتألى« والمدرسون لا يتسلون بل يتبادلون الأحاديث حول ما يراه هو مصيبة

المصائب، وفوق هذا هو جاهل بمسبب المصيبة، وهنا يمارس ونوس لعبته بالدوال، فكل كلمة تمثل دالا ومجموعة الدوال تشكل مدلولا جديدا يصبح

هو الأخر دالا في مجموعة العلاقات التي تربط الدوال في النص المسرحي. واختصر المثل السابق شرحا طويلا لحال المدير بلغة فصيحة وأسلوب

طريف سهل وصول الرسالة إلى المتلقي. فالمدير يتراقص، والتراقص غالبا ما يكون سببه الطرب والسعادة، وغالبا ما يكون في حفل أو حانة. بينما

التراقص هنا يتم في المقلاة. وهنا تتغير مدلولات كلمة التراقص من السعادة إلى الألم. وأول ما يتداعى إلى الذهن عند ذكر المقلاة هو الزيت والنار والحرارة. إذن المقلاة تحوي الزيت الذي تطبخ فيه الأطعمة. الدوال

هنا فقدت مدلولاتها المعتادة بسبب السياق واكتسبت مدلولات جديدة. فالتراقص الذي يعبر عن حالة معينة من السعادة، أصبح يعبر في السياق

عن وضع غير مريح على الإطلاق ذلك أن التراقص يحدث فوق أرضية حارة. والمثل هنا أصبح صورة لها دلالاتها أيضا فالمتلقي عندما يقرأ المثل في

سياق المشهد لا بد أن يتخيل صورة المدير في المقلاة يتراقص كما لو كان قطعة من اللحم، وهنا نلحظ أن ونوس يضفي القليل من السخرية التي تدفع المتلقي إلى التفكير قليلا في مجريات الأحداث ومناقشتها بشكل

منطقي، أي أنه يدفع المتلقي ليشارك هو أيضا في عملية بناء النص. فالمبدع لا يريد نصا ينتهي منه المتلقي بانتهاء العرض أو بانتهاء عملية

القراءة. بل يريد نصا يدفع المتلقي إلى رفع رأسه عن النص المسرحيليتفكر في أحواله الشخصية وفي الوضع المحيط به بشكل عام.

، يقول: » لولا الظنة لدخل متوليويرد مثل آخر على لسان الشيخ إن بعض الظن﴿وهذا المثل مستقى من الآية القرآنية 2الإنسان الجنة «.

ويبين أن على المرء التأكد قبل أن يطلق الاتهامات على الآخرين،3﴾إثم ما لم يصدر عنهم ما يسيء. المثل جاء علىوعليه ألا يعتقد السوء بهم

لذا كان طبيعيا أن يستقي المثل من القرآن فهو ملم متوليلسان الشيخ إلىفاروقبهذا الكتاب الكريم. لكن هل كان يحاول أن يرشد الأستاذ

الطريق القويم و يبعده عن الضلال ؟! السياق يوضح أن مقصد الشيخ كان عن عزمه فيفاروقبعيدا كل البعد عما سبق. فهو وظف المثل ليثني

البحث عن الحقيقة وليضلله عن طريق الصواب. قلب ونوس بنية المثل، فالمثل إيجابي بوصفه مثلا منفردا لكن التوظيف قلب بنية المثل من

الإيجابية إلى السلبية وبين باختصار زيف طبقة معينة من طبقات المجتمع. الزيف شمل المجتمع بأكمله وأصبح كالمرض العضال الذي استشرى في

القوادة.فدوىهيكله. لأن الشيخ في توظيفه لهذا المثل يدافع عن الست ويبين سبب تواطئه معها بوصفها تدعم خزينة الجامع، وهنا تبدو المفارقة الساخرة فالغانية تدفع لخزينة الجامع وهنا لا بد أن يتساءل المتلقي عن

السبب وراء سخائها المفرط.. هي تدفع كي تكسب دعم الشيخ وصمته، أي كي تكتسب صورة شرعية أمام المجتمع الذي يمثل الشيخ دعامة من

.75 - معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام، صـ1. 214، صـ 2 - الأعمال الكاملة، جـ2 .﴾12﴿ - سورة الحجرات، الآية 3

16

دعاماته فالناس يثقون بما يقوله. لذا هي إن كسبته كسبت معه الكثير. دلالات المثل تتغير حسب السياق وونوس استطاع أن يوظف هذه الأمثال

بذكاء وبراعة. فالمثل عنده لا يبقى حبيس القالب المتعارف عليه، بل ينزاح عن دلالاته المعروفة ليقدم دلالات جديدة في السياق الذي يحدده الكاتب. كما أن ونوس لا يستخدم المثل إلا إذا جاء ليحل محل صفحات طويلة من

الشرح الذي لا يحتمله النص المسرحي. وهو بذلك يدفع المتلقي دوما للبقاءفي إطار الواقع.

نمطا جديدا من الأمثال تعبر معظمها عنأحلام شقية و نجد في سلبية الشخصيات في هذا النص. والمثل الأول الذي يطالعنا هو » إن

المساعد الذيكاظم. يرد هذا المثل على لسان 1اللبيبـة بالإشـارة تفهم « يحاول أن يبدو بمظهر المثقف الواعي بقضايا وطنه والغيور على مصلحته.

. أفقد ونوس المثل جزءا من2أصل المثل » إن اللبيب من الإشارة يفهم « فصاحته إلا أنه حافظ على إيقاعه الموسيقي. لأنه أراد أن تتسم لغة المثل

بالقليل من الركاكة لأن » الكلام الركيك والصمت لا يستعملان إلا . لذا نستطيع التأكيد على أن الكاتب فعل ذلك عن3لاستحصال تأثير خاص «

وعي كامل منه لأنه أراد أن يترك تأثيرا معينا عند المتلقي فالشخصية التي يصدر المثل عنها شخصية مدعية منافقة. وبوصفها شخصية غير مثقفة حقا

حرف الجركاظمفالمثل الصادر عنها يعبر عن الكثير من سماتها. بدل )من( بالـ )الباء(. وكأنه يحاول أن يبدو أبلغ وأفصح ممن قال المثل الذي تعاقبت الأجيال زمنا على قوله. وفي ذلك نوع من السخرية الضمنية من

العقلية العسكرية المتحجرة الصلبة التي لا تتأقلم مع وضع أو تتكيف معه بل تحاول أن تأقلم الواقع مع طباعها وطريقة تفكيرها، وهذا ما لن يحدث مطلقا. ولو أن لغة المثل جاءت بشكل آخر لما أفصحت عن أبعاد تلك الشخصية ولكان المثل أبعد ما يكون عن حقيقة الشخصية الناطقة به،

ولشعر المتلقي أن المثل ملصق بالشخصية وليس ملتصقا بها ونابعا منصميمها.

؛ هو رجلفارس على لسان 4ويأتي مثل » تسلمه الحيلة والفتيلة « الملتاعة لفقدها طفلها الذي اعتقدت لوقتمارييعيش عالة على زوجته

طويل أن جسدها هو الذي تسبب بموته، لتكتشف فيما بعد أن زوجها هو المسبب الرئيسي لذلك بسبب سلوكه وعلاقاته المشبوهة مع النساء. فقد نقل لها المرض الذي تسبب بداية بمعاناتها ونهاية بموت طفلها ثم عقمها.

التيماري لم يعترف بما اقترفه خشية أن تتركه فارسرغم ذلك فإن تعيله وترعاه وتحيطه بحنانها إن هي عرفت. لكن شخصا جديدا يدخل حياة

الذي تعامله كما لو كان طفلها الذي فقدته،بشير وهو المستأجر ماريلماري لأنه بفقدانه فارسفيجن جنون سيفقد حياته بوصفه يعيش طفيليا

.267 صـ ،2 - الأعمال الكاملة، جـ 1 .267 - الحكم والأمثال الشعبية في الديار الشامية، صـ2 - الحياة في الدرامة، إريك بنتلي، تر: جبرا إبراهيم جبرا، مؤسسة فرانكلين، بيروت ، 3

، 1968نيويورك،.84 صـ

.280،صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 4270 * الحكم والأمثال الشعبية في الديار الشامية، صـ

17

من كل شيءفارس بالشاب الجديد سيحرم ماريعلى حياتها. واهتمام يبوح له بماكاظموسيكون ذلك سببا في هلاكه. وفي أثناء حديثه مع جاره

كاظميعتمل في قلبه بلغة المسكين المغلوب على أمره لينال تعاطف ودعمه، وهو المستأجر الآخر في منزل ماري، لأنه أجبن من أن ينفذ أمرا

المختال متعجرف لدرجة تعميه عن أن يلاحظ شيئا سوىكاظملوحده، و . ولغة المثل سهلة واضحة بريئةلفارسنفسه ورغباتها لذا كان هدفا سهلا

بعد ذلكتخفي أكثر مما تظهر، وتناسب الشخصية التي صدر المثل عنها. بضعة أسئلة يحاول من خلالها أن يتعرف السبب الذي يمنعكاظميوجه له من طرد المستأجر من الغرفة بنفسه، فيبين له أن المنزل ملكفارس وأنه لن يتمكن من إقناعها بطرده. وليحقق ذلك يبدأ ببث الشكوكلماري

المستأجر، في محاولةبشير وكاظم زوجة غادةحول علاقة محتملة بين وأي أمر قد يثير حفيظة الرجل أكثر من احتمال إلى مساعدته.كاظملدفع

يتأنى قليلا ويقول لفارس: »كاظموجود علاقة بين زوجته ورجل آخر، لكن حقا..إنك رجل وضيع تثير الشبهات حول امرأتي كي أخلصك من مستأجر

» يا حضرة المساعد يقولون: لا دخان بلا نار: فارس، فيجيبه 1يضايقك ؟ « .3 لا دخان بلا نار «» والمثل الشعبي هو: .2والشبهات لا تولد بلا أسباب... «

لكن الحقيقة أنهغادة يدافع عن زوجته كاظمويبدو للوهلة الأولى أن يدافع عن نفسه لأنه غفل عما يجري بين زوجته والمستأجر الشاب، وهذا لا يجوز من وجهة نظره وهو المساعد المتفاني في خدمة وطنه والغيور على

المتحجرة ليخدم غرضه،كاظم طريقة تفكير فارسمصلحته. فيستغل وهو لا يقول المثل مباشرة بل يسبقه بجملة » يا حضرة المساعد « وكأنه

يحاول استمالته عن طريق تفخيمه وإعطائه حجما أكبر من حجمه. ويتبع تلك الجملة بمجموعة من الإثباتات الواهية وهو متأكد من أنها ستأخذ

وغروره لن يسمحا له بالتغاضي عن هذهكاظممفعولها لأن عجرفة الإثباتات حتى لو كانت واهية وخالية من الصحة. فهل كانت الإثباتات خالية

من الصحة؟! هذا ما يتوجب على المتلقي معرفته بنفسه. ونوس يدفع الحدث لأن الحقائق كلها بين يديه وما عليه إلاتحليلالمتلقي للمشاركة في

أن يعمل فكره لاستنتاج الحقيقة. فالمتلقي يعلم مسبقا أن هناك استلطافا ، فهل كان الاستلطاف صافيا وصادقا؟!. إذن الدخان الذيبشير وغادةبين

ار هي العلاقةفارس أشار إليه لا يمكن أن يكون موجودا من دون نار، والن بصرف النظر عن طبيعة هذه العلاقة. يحمل المثلبشير وغادةبين

وانتهازيته من جهة، وتعنتفارسالسابق دلالات عدة فهو يبين خسة مبرروفارس كاظموكبرياءه الزائف من جهة ثانية. ومسوغ خوف كاظم

لأنهما خائفان على موقعيهما، كل من وجهة نظره ويحاولان حمايته على التي تشكلماري خائف على مكانته عند فارساختلاف الأسباب.

مكانته الاجتماعية، وما قدعلى خائف كاظمالمضيف لهذا الطفيلي، واس إذا شكوا في إمكانية وجود علاقة بين زوجته والمستأجر. يقوله الن

واللافت هنا أن المثل وحده ما كان ليترك هذا الأثر القوي في نفس المتلقي لولا السياق الذي ورد فيه والذي دعم المثل وأعطاه مصداقيته. ولا

.282، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.282- المصدر السابق، صـ2.188- معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام، صـ 3

18

يطول حديث فارس حتى نجده يستخدم مثلا جديدا هو: » لا تنم بين القبور بشير. في سياق تأكيده على ضرورة التخلص من1ولا تر منامات مفزعة «

بشكل نهائي. أبقى ونوس على المثل كما هو ولكنه غير الكلمة الأخيرة )مفزعة( والأصل هو)وحشة( لأن المثل الشعبي هو » لا ينام بين القبور ولا

. فما غاية هذا التبديل؟!.المكان الموحش هو2يشوف هالمنامات الوحشه « المكان الخالي وفي اللهجة العامية )المنامات( الوحشة هي الأحلام

غير الكلمة الأخيرةفارسالمزعجة لأن المنامات المفزعة هي الكوابيس و.بشيرفي المثل ليتناسب ومآربه في التخلص من غريمه

ماري وغادة في حياة بشيروجود مثل لهما ربيعا جديدا، وأحلاما الرعب والدمار والفزع والخواءمثلمشرقة في عالم مظلم موحش. بينما

سيفقده الإحساسلماري فارس. لأن فقدان كاظم وفارسلكل من سيفقد شيئا منغادة بفقدانه كاظمبالأمان وسيخسر معيله في الحياة. و

ممتلكاته الخاصة، وكلاهما ليس حزينا لفقدانه شخصا عزيزا بل لفقدانه شيئا يعتقد أن له الأحقية التامة في امتلاكه والتصرف فيه على هواه. وربما كان

الكلمة الأخيرة )وحشة( هدف هو تسليط الضوء على حالة القلقلتغيير لكي يكون عونا لهكاظم والتي نقلها بكل دهاء إلى فارسوالذعر لدى

في القضاء على جذوة الأمل والحب متمثلة في شخصية المستأجر الشاب؛وليقتل بذلك كل أمل بحياة جميلة للمرأتين البائستين.

تستخدمالمكائد وفي فصل والتحولاتالإشاراتطقوس في الشخصيات مجموعة من الأمثال التي تتناسب ومجريات الأحداث في النص.

، أحد أعيان دمشق، وفي محاولة منه لإيجاد حل ينهيإبراهيمفنجد يقول للمفتي: »عبد اللهالخلاف القائم بين مفتي الشام و نقيب الأشراف

، والمثـل الشعبي هو: » الواعة3الماعون الكبير يجب أن يسع الصغير « . )الواعة( هي الوعاء وغالبا ما يكون معتدل4 الصغيرة «بتسعالكبيرة

الحجم. أي أن الكمية التي يتسع لها الوعاء غير كبيرة، لكن عند ذكر الماعون يتبادر إلى الذهن كميات كبيرة من كل شيء. فما الداعي لاختيار

الدال )ماعون( بدل الدال )واعة(؟! الشخصيتان اللتان يتحدث عنهما شخصيتان مهمتان، ولهما مكانتهما المرموقة في المجتمع ولاإبراهيم

يجرؤ أحد على الحط من شأنها. من هنا كانت كلمة الماعون أشد وقعا في نفس المتلقي من أية كلمة أخرى، وفي المثل أيضا تذكير للمفتي بضرورة التفكير بهدوء لأن الموقف ما عاد يحتمل المماطلة فالمدينة انقسمت إلى

قسمين أحدهما يساند المفتي ويدعمه، والآخر يساند نقيب الأشراف ويدعمه. والنتيجة هي تضرر التجار وأصحاب المال من هذا الخلاف؛ لذا كان

للدال )ماعون( تبيان للاحترام والتقديرإبراهيمحله واجبا. وفي استخدام الذي يكنه المجتمع للمفتي الذي يعلم الجميع أنه أكثر حكمة ودراية من

لا يريد أن يثير غضبفإبراهيمالنقيب هذا من جهة، ومن جهة ثانية النقيب إن هو سمع الحديث. فكان اختيار الدال )ماعون( مناسبا لسياق الموقف. فالمفتي أكبر سنا من نقيب الأشراف وأوسع تجربة وهذا أمر

.282، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.185- معجم » درر الكلام في أمثال أهل الشام «، صـ 2.480، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ3.169، صـ1992- الأمثال الشعبية الشامية، نزار الأسود، مطبعة نصر، دمشق، 4

19

يعرفه النقيب ويعترف به. أراد الكاتب أن يستوقف المتلقي ليأخذ برهة فيفكر ويتساءل في نفسه عن السبب وراء هذا الاستبدال في الدوال في

حين أنه كان يستطيع أن يبقي على الأصل دون أن يسيء إلى جمالية مساعد المفتي،عبدوالنص. وفي المشهد نفسه يرد مثل آخر، على لسان

في السياق التالي:» المفتي: .. وأوصيك بالكتمان. يجب أن يظل السر مصونا بيننا.

عبدو : لا توص حريصا. . واستخدام المثل » لا توص1المفتي: اذهب إذن، وعد سريعا بالجواب «

في هذا الموضع كان من بليغا. لأنه وبتوظيفه هذا قطع على2حريصا « المفتي أي طريق ليزيد من توصيته على التكتم حول الأمر، وفي الوقت

ذاته بين له مدى نباهته، وأنه وضع السر في أيد أمينة. وبصرف النظر عن الموقف المسرحي فالتوظيف جاء إيجابيا لأنه حقق الهدف المطلوب منه،

واللغة جاءت مناسبة للشخصية. فمساعد المفتي لن يكون رجلا عاديا بل لا بد أن يتمتع بمواصفات عالية حتى يأتمنه المفتي على أسراره، ويجعل منه

الساعد الأيمن له. وفي المشهد السادس تأتي نخبة من أشراف دمشق ووجهاءها بصحبة المفتي لمقابلة الوالي لحل سوء التفاهم الذي كاد يودي

، رئيس الدرك، أنه ضبطهعزت بيكبسمعـة نقيب الأشراف الذي يزعم ، وهم كما يقولون إنه في الحقيقة كان مع زوجـته.وردةمتلبسا مع خليلته

إلا أن الوالي يشعر أن هناك مكيدة مدبرة لكن مع وجود الأدلة يجد نفسه يقول له: »الخصيمضطرا إلى الاستجابة لمطلبهم. وعندما يبقى بصحبة

ثعابين.. والله.. كلكم ثعابين. وهذا الخرا عزت هل يريد أن يشعل الفتنة في ولايتي! أيريد أن يزعزع مركزي! هل يجري الماء من تحتي وأنا لا أدري!

.3إف.. إني نعسان، والصباح رباح « . والمثل جاء في4 «والمثل الشعبي هو: » ماشيه المي.. من تحته

السياق بلغة فصيحة واضحة ومتناسبة والحالة الشعورية التي يمر بها الوالي. واستخدام المثل في هذا الموضع على وجه الخصوص له مدلولاته السلبية. ذلك أن المهمة الأساسية للوالي هي متابعة أمور رعيته والاهتمام بشؤونها، الأمر الذي يبدو والينا هذا بعيدا عنه كل البعد. وتساؤله هنا محمل بالمدلولات السلبية؛ ذلك أن الوالي الحقيقي الذي يعرف عمله ومسؤولياته لا يتساءل فقط بل يقرن التساؤل بالفعل. وأكثر ما يشير إلى جهله بأحوال

رعيته، هو استخدامه لصيغة التعجب ثلاث مرات متتالية في الجملة ذاتها، الأمر الذي يدفع المتلقي إلى الاعتقاد أن الوالي لا بد أن يتحرك طلبا

للحقيقة، لكن الجملة التي تتلو ذلك تحبط آمال المتلقي، وتكشف لا مبالاة الوالي برعيته. لأنه وبدلا من وصف رعيته بـ )الثعــابين(، وقائد الدرك بـ

)الخرا( كان عليه أن يجهد نفسه قليلا في العمل على تقصي الحقيقة بدلا ، وهو المثل الثاني الذي5من التحجج بالنعاس، وأن » الصبـاح.. رباح «

.487، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ- 1.185- معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام، صـ 2.513، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ3.200 - معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام ، صـ 4.69، صـالمرجع السابق- 5

20

يوظفه في الجملة نفسها. فما الربح الذي سيكسبه الوالي في الصباح! ولو أنه مهتم بأمور الرعية حقا لما أجل الأمر إلى الصباح، بل كان استعجل في الكشف عن حقيقة الحدث الذي هز المدينة. وربما كان الربح الوحيد الذي سيكسبه هو ساعات نوم إضافية لا أكثر!! ومن هنا تنبع المدلولات السلبية للمثل. ونجد أن الوالي قد استخدم مثلين في حوار لا يتعدى ثلاثة أسطر؛

وكلا الاستعمالين سلبي لأنه أراد الهرب من المسؤولية الملقاة على عاتقه بوصفه والي المدينة والمسؤول عن إصلاح شؤونها وتسيير أمورها. فجاء المثل بمثابة المهدئ لضمير الوالي الذي عانى من صحوة مؤقتة مؤلمة

ومزعجة، لأن الأسئلة التي طرحها كانت قوية وتدل على فطنة وذكاء. لكن الإنسان عندما يتوقف عن استعمال أحد أعضاء جسده فإن ذلك العضو

سيصيبه الكسل، وشيئا فشيئا سيعتاد الخمول ومع الوقت سيصاب بالعجز، وربما هذا ما سيحدث لاحقا لدماغ الوالي، ولأي شخص يتوقف عن تشغيل

دماغه. الغانية أن تساعدها فيوردة من مؤمنةوبتصاعد الأحداث تطلب

قاسيا ومحملا بالمرارة التيوردةالانخراط في سلك الغواني. فيكون رد بالذات وعلى يدي كل من والدها، وشقيقهامؤمنةتجرعتها في منزل

البكر. وبعد حوار متشنج تقول وردة: » لا تحاولي أن تمكري بي. وقولي . و المثل الشعبي هو »1على بساط أحمدي ماذا تخفين وراء زيارتك «

بساط.. أحمدي « ويضرب في طرح التكلف والترفع بين الحاضرين ليسود لم يكن منطقيا من وجهة نظرمؤمنة. فطلب 2جو من الألفة والصراحة

التي تحسدها على الحياة الكريمة التي تعيشها؛ فهي ابنة أحد وجهاءوردة دمشق، وزوجة نقيب الأشراف. فما الذي تريده بعد، وما الذي تحلم

استيعابه وردةبتحقيقه؟!! ويبقى التحليل المنطقي الوحيد الذي استطاعت بفعلتها هذه إنما تعاقب زوجها على خيانته لها، وتعاقب والدهامؤمنةهو أن

على السنوات الطويلة التي جعل فيها حياة والدتها مآسي متتابعة. والمثل لم تقله لتكسر الحواجز بينها وبينوردةهنا أيضا حمل دلالات سلبية لأن

ذلك أن قولها جاء في لحظة غضب حقيقي، و في محاولة يائسةمؤمنة وتضعها في موضع محرج تكشف من خلاله زيفها وكذبهامؤمنةلتنتقم من

إن استطاعت. ، والمثل الشعبي3 «الفوقانيوفي غير موضع يرد المثل التالي: » أجرت

..)الأجار( يكون للعقارات بشكل عام..أما4هو: » مأجر الطابئ .. الفوآني « هنا فالتأجير أصبح )للفوقاني( والفوقاني هو العقل. لأنه أعلى نقطة في

جسد الإنسان، وهو الذي يميزه من بقية المخلوقات ويسمو به فوقها ودونه يفقد الإنسان جزءا من إنسانيته. فالعقل مسؤول عن المحاكمات المنطقية

للأمور، وهو الذي يجعل الإنسان إنسانا حقا. والمثل يقال لمن يبلغ حدا كبيرا من الغفلة والغباء في تعامله مع الناس غير مكترث لما قد تسببه تصرفاته

قائدعزت بيكالرعناء. و يرد المثل على لسان السجان حين يخاطب الدرك الذي وضع في السجن بعد أن دبر له المفتي حيلة، فاستبدل بالغانية

.535، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ1.110 - معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام، صـ2.579، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ3.199 - معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام، صـ 4

21

التي كانت ترقص مع نقيب الأشراف في جلسة مجون، زوجة النقيبوردة اس والتشهير بهم بغير وجه حق، فكانمؤمنة . وبذلك اتهم بالتهجم على الن

نقيب الأشراف دخل علىعبد الله لأن المثلنصيبه السجن. وقال السجان لأنه كان السبب فيوالغفران في السجن ليطلب منه السماح عزت بيك

وصب جام غضبه على النقيب ظنا منه أنهاعزت بيك ما حل به. فغضب خدعة ثانية، وعندما رأى السجان ذلك المشهد غضب هو الآخر ونهاه عن

لو كان بكامل وعيه لما أقدم على ذلك الفعل مطلقا.وعزت بيكذلك. لم يكن فاقدا لعقله بالكامل، ولكنه أجره للحظةعزتإذن المثل يبين أن

هي تلك اللحظة التي نسي فيها إنسانيته وبدأ بضرب نقيب الأشراف ضربا مبرحا في محاولة للتنفيس عن الحنق والغضب الذي يشعر بهما جراء

الخديعة التي أودت بمركزه وهيبته. تكتسب الأمثال طابعا مختلفا يظهر صورةالسرابملحمة وفي

حقيقية صادقة للمجتمع الذي يصوره الكاتب ويحاول الإحاطة بكل ما فيه في أثناء حديثه مع زوجتهياسينمن تفاصيل. يرد المثل الأول على لسان

الرجل الثريعبود الغاوي من رباب التي ترغب بتزويج ابنتها فضة القادم من المهجر والذي أبدى رغبته في الزواج، فيرفض ياسين الفكرة رفضا قاطعا، و يراها غير معقولة بوصف أن الفارق في السن كبير بين

. ويقول معترضا على مخاتلة الزمن: » زمن لئيم لا يغدقرباب والغاوي 1خيره إلا على اللئام «.

في ريعان شبابها. والمعروف عنرباب في مرحلة الكهولة والغاوي الغاوي أنه لا يأتي إلى القرية إلا ليرضي نزوة عابرة ما أن تنتهي حتى يترك

في هذا المثلياسينالمرأة وحيدة ليعود أدراجه من حيث أتى. ويلقي باللائمة على الزمن الذي يصفه باللؤم لأنه لا يعطي الخير إلا للئام. ويلقي

المصائب التي عانى منها على عاتق الزمن، وكأن الزمن رجل مقتدربكلاس ولا يمكن لأحد ردعه، وينسى أو يأمر وينهى ويتدخل في أحوال الن

يتناسى أن حال المرء ما هي إلا صورة صادقة للطريقة التي يفكر بها. ليس الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة فهناك الكثير من أفرادياسينو

المجتمع يفكرون مثله. ونظرته توضح أن شريحة كبيرة من المجتمع قد وقعت تحت تأثير التفكير الانهزامي. و في إلقائه اللوم على الزمن محاولة

لإزاحة المسؤولية عن عاتقه يزيح عن عاتقه مسؤولية الوضع الذي آلت إليهحاله وحال عائلته. ولغة المثل توحي ببساطة الشخصية، وطبيعة تفكيرها. وفي غير موضع نراه يقول: » عمري ما احترمت الفلوس، وما تعلمت

كيف أخبئ قرشي الأبيض ليومي الأسود. ثم بدأ الزمن يغدر بالشاعر.. ومن جديد نرى ياسين حزينا يلقي باللائمة على الزمن الذي غدر2«.

بالشعراء. وربما كان الزمن قد غدر بهم فعلا، لكن من واجب الإنسان أن أن يفعله فكانت العواقب وخيمة. ويوحي ياسينيحتاط، وهذا ما نسي لم تكن سيئة دوما، لأنه وقبل أن يغدر الزمن بهياسينالمثل أيضا أن حال

كان على أحسن حال لكن الزمن تغير والأحوال تبدلت. ونستدل على سلبية.612، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.640- المصدر السابق، صـ2

.128 * معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام، صـ22

المثل من السياق الذي ورد فيه، كما نستدل على سلبية الشخصية من استعمالها لهذا المثل. وتأتي جمالية توظيف الكاتب لهذه الأمثال في قدرتها

على تكوين صورة واضحة عن الشخصية التي تستشهد بها في سياق في الاستعانة بالأمثال التي يبدو أنها تخلصه منياسين حواراتها. ويستمر

بعض الغضب والألم الذي يحس به. وكأنه بتوظيفها يشعر أنه ليس الأول الذي عانى وربما ليس الأخير. الأمر الذي يهدئ من روعه قليلا ويخفف من

اس لا ولا يتركون رحمة اللهيرحمونمصابه، وفي غير موضع يقول: » الن. 1«تصيبهم

، يرد المثل2والمثل الشعبي هو: » لا يرحم ولا يترك رحمة الله تنزل « وقدعبود الغاوي عن رباب وهو يتحدث إلى ابنته ياسينعلى لسان

تغير موقفه من الرجل، فأصبح يراه إنسانا صالحا يحب الخير لأبناء قريته بأنه سيأخذه إلى العاصمةالغاويويساعدهم، وجاء ذلك بعد أن وعده

إلى توجسربابليسجل له مواويله على أشرطة وأسطوانات. فتشير ، فتغضب هذهالغاويبعض أهالي القرية من المشروع الذي يؤسسه

ولا يرى مسوغا لها، ويضيف أن هذه الوساوس ناجمة عنياسينالشكوك حسدهم، فهم لا يتمتعون بالنعم ولا يتركون الآخرين يتمتعون بها، بل

هذه الشخصية بوضوح، فهوتناقضوينغصون عليهم فرحتهم بها. هنا يبرز باللؤم والخسة، بينما ضرب المثل الثانيالغاويضرب المثل الأول ليصف

،الغاوي مع ياسينليثني على الرجل. ويوحي المثل الثاني ببداية تواطؤ أي أنه يوحي ببداية انهيار المثل أمام بريق المال. فهو الآن راض عن الرجل

الذي كان يراه قبل مدة قصيرة أسوء خلق الله، بل ويمتدح سلوكه أمام فترة لن يكون لديه مانع من أن تتزوج صغيرته الحبيبة منوبعد، ربابابنته

هذا الوحش، الذي صورته له نفسه ملاكا. والموقف السابق يبين الروح فهو يفضل تصديق الكذبةياسين الأنانية التي تحملها شخصية الانهزامية

ورؤية السراب حقيقة، لأن ذلك يجعله سعيدا ومرتاحا، على أن يجهد نفسهة التي لو رآها منذ البداية لما في تحليل الوقائع والوصول إلى الحقيقة المر

وقع في المصيبة التي لم يستطع الفكاك منها فيما بعد. وهو بموقفه هذا هيربابتتخلى سالغاوييضحي بابنته لأنه بتخليه عن مخاوفه تجاه

عن مخاوفها، وستغريها فكرة الثراء وستقبل في النهاية أن تتزوجالأخرى . وفي كل مرة وظفت هذه الشخصية مثلا كان توظيفه سلبيا فلاالغاوي

نجد أية نزعة إيجابية لديها. وهو يستخدم الأمثال ليشكو حاله وألمه الناجم عن تخاذله واتكاله دوما على الآخر الذي من المفترض أنه سيقدم له

المساعدة وفق ما يتمنى ويرجو ودون مقابل وهذا أمر محال. الذي يدفعللغاويومع تصاعد أزمة أهل القرية حول قضية بيع الأراضي

مستخدما مثلا قديما توارثه الأبناءأبو راغبفيها الكثير من المال يعترض أبو راغب. يبدو 3 عليه عرضه «هانعن الأجداد، يقول: » من باع أرضه

حائرا لا يعرف هل يتخذ قرارا ببيع أرضه أم يحتفظ بها. ويربط المثل بين والعرض؟! يعلم ونوس جيدا أن عرض العربي أهم ما يمكن أنالأرض

يمتلكه، وهو الشيء الذي يمكن أن يموت في سبيل صونه والحفاظ عليه،.641، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.270- الحكم والأمثال الشعبية في الديار الشامية، صـ2.644، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ3

23

في صونيتهاونوهو أمر متعارف عليه ورثه الأبناء عن الآباء. لذا فإن من اس. فالأرض والعرض عند الفلاح صنوان لا عرضه يصبح مضغة في أفواه الن ينفصلان.. ولغة المثل تحمل تحذيرا واضحا وصريحا. لكن السياق الذي جاء

: » وهناك من يقول:أبو راغــبفيه المثل يخفف من حدة التحذير، يقول . والحقيقة أنه ليس هناك من يقول، لأن1من باع أرضه هان عليه عرضه «

استخدمأبا راغبالكل يعلم أن من يبيع أرضه يهون عليه عرضه، لكن ليخفف من وطأة المثل في نفوس الحاضرين ونفسه هو أيضا،الجملة

وليحاول التملص من فكرة مغروسة في عمق روحه لأنه فلاح ويعلم تمامانا دوما بحاجة إلى صحة المثل وعمقه. والسياق الذي جاء فيه المثل يبين أن من نستمع له ونطيعه كما يحدث الأمر في القطيع، فهناك دوما قائد وعلى باقي القطيع أن يطيعه دون تفكير، وكأن الطاعة أصبحت القاعدة وتقرير

الفرد بنفسه أصبح الشذوذ. هل أصبح تقرير الإنسان لمصيره الخاصمصير صعبا إلى هذا الحد؟! طبعا فعندما يكون الإنسان حرا مخيرا تصبح الحياة

أكثر صعوبة لأنه يصبح مسؤولا عن قراراته وخياراته، ويتحتم عليه دوما مواجهة نفسه الحقيقية دون زيف أو كذب، وهذا ما لا يطيقه الإنسان

العربي، فهو دوما هارب من واقع نفسه الذي تخيفه و ترعبه الوقفة أمامه عاريا، فهو أمر لم نعتده في حياتنا، وحتى تربيتنا تتفادى التصدي له. لذا أراده يلملم ونوس أن يقف الإنسان العربي قليلا وينظر إلى نفسه في المرآة عل

بعضا من شتاتها ويصلح شيئا من تشوهاتها. نعلم أن البوري قد » اختفى في ظروفالأيام الخمورة وفي

موقنة حبيبتهسونيا . وكانت 2غامضة، لم يكشف عنها إنسان حتى الآن « أن سرحان هو المسؤول عن موته. لذا عندما يحضر ليراها تستقبله بقولها:

3»أنت! فعلا الذين استحوا ماتوا! «. وهي باستخدامها للمثل توجز حديثا وتعبرعن مفاجئتها من جرأةالبوري بمقتل سرحانطويلا تتهم فيه

سرحان على مقابلتها بعد ما حدث. وعند التعرف إلى شخصية سرحان لاتهامه بمقتلسونياعن قرب يستطيع المتلقي أن يدرك السبب الذي دفع

رجل لا أخلاقي بكل ما تعنيه الكلمة. ومن جديدسرحان. لأن البورييكون توظيف المثل داعما للموقف المسرحي.

ونوس من خلال توظيفه للمثل الشعبي أن يقدم صورة صادقةاستطاع شفافة عن واقع مجتمعه، وطريقة تفكير أبناءه. وعن طريق اللغة التي كتب

المثل بها حاول أن يصدم المتلقي ليعيد النظر في موروثه. وفي نص فيدلال والفارعة وجدنا أن المثل جاء ليدعم مواقف كل من الاغتصاب

عبر المثل عنيوم من زماننا وأحلام شقيةالمقاومة والصمود. وفي العقلية الجامدة الانتهازية، فخدم أغراضها الدنيئة من جهة، وأبرز بوضوح ملامح الشخصيات التي جاءت الأمثال على ألسنتها من جهة ثانية. وفي

جاءت لتعبر عن الوضع الذي حلطقوس الإشارات والتحولات بينت فساد النفوس في أثناءملحمة السراببالمدينة، وتعلق عليه. وفي

الأيام المخمورةعاصفة التغيير التي اجتاحت القرية. والمثلان في نص .644، صـالمصدر السابق- 1 .78- الأيام المخمورة، صـ2 .78- المصدر السابق، صـ3

.231* معجم درر الكلام في أمثال أهل الشام، صـ24

جاءا شاهدا على الكذب والنفاق الذي ملأ أعطاف الناس. والأمثال فير فيها وحور نصوص ونوس المسرحية لم تحافظ على بنتيها دوما لأنه غي

وقلب المثل أحيانا ليتناسب والفكرة التي رغب في إيصالها إلى المتلقي،ه رغم التغييرات التي أحدثها بقي المتلقي وتم كل ذلك بإجادة لغوية، لأن

يشعر أنه أمام المثل الشعبي، فكان التغيير محاولة من ونوس لجعل المتلقي يقف من المثل موقف المحلل والناقد، دون أن يشعر بغربة عن

الأمثال التي اختزنتها ذاكرته وعاش معها لوقت طويل، مما يدفعه إلىالتساؤل وهذا أقصى ما أراده ونوس من مسرحه.

:الشعبيةالمبحث الثاني: الأغنية على الدوام ذاكرة الشعب، لأنها نابعة من عمقالأغنية الشعبية مثلت

تجربته ومعاناته. كما أنها تبين طبيعة التفكير السائد في المجتمع الذي ينتجها، و» ما يميز الأغنية الشعبية شيوعها، وعدم انتسابها إلى مؤلف، بل

هي نتاج الشعب، هو مبدعها، وبين طبقاته الشعبية تنتشر، وما يجعلها تنتسب إلى الشعب وليس إلى فرد واحد، تلك التعديلات والتحويرات التي

تخضع لها على مر الزمن، وحسبما تقتضيه خصوصية الموقف، وتطور . وجاءت الأغنية في نصوص ونوس المسرحية لتعبر عن1المجتمع وتغيره «

حالة شعورية تمر بها الشخصية المسرحية بلغة واضحة بسيطة لا تشعر المتلقي أنه أمام قصيدة قالها مبدع بل أمام أغنية نبعت من تجربة طبقة

معينة. وتكون الأغنية في موقف معين أبلغ من أي كلام قد تحاول الشخصيةالتعبير من خلاله عن نفسها.

. على والتحولاتالإشاراتطقوس ترد الأغنية الأولى في مسرحية فيعبد اللهوهي تغني لنقيب أشراف مدينة دمشق وردة لسان الغانية

جلسة لهو ومجون. وبهذه الأغنية يفتتح ونوس نصه المسرحي:ةوإن كان قصدك بالغرة أنا مالي رايحة بر

وعلمك شغل الهوىلنيمك على السرة

يا نور العين..قم هات الدربكة والعوديوإن كان قصدك بنهودي

وعلمك شغل الهوىلنيمك على زنودييا عين ..يا عين..

وإن كان قصدكبجسمي

قم هات لي بدلة علىكسمي

وعلمك شغل الهوىلنيمك على جسمي

توظيف التراث في المسرح – دراسة تطبيقية سعد الله ونوس- حسن على المخلف،- 1، 1دار بترا، دمشق، ط

.182، صـ 2000

25

2يا نور العين..

توحي الأغنية بجو من العبث والمجون، تتحدث فيه غانية محاولة تعليم حبيبها فنون الهوى والشغف. والغواية هنا لا تتعدى حدود الغواية الجسدية

ها لا تعرف وسيلة أخرى. ونلحظ أن البحتة. فهي تغوي محبوبها بجسدها لأن عددا من الدوال جاء بلهجة عامية مثل فعلي: )نيمك- علمك( اللذين

يتكرران في كل مقطع من مقاطع الأغنية الثلاث. أيضا جاءت بعض الدوال بلهجة عامية مثل: ) برة- بدلة- كسمي- جسمي ( ولا تخفى المدلولات

المادية للأغنية، وهو أمر مقبول لأن من تغني هي غانية والإغراء المادي وظيفتها خاصة أن مضمون الأغنية يدور حول موضوع تلقين العاشق فنون

الهوى. كما أن استعمالها للهجة العامية نابع من طبيعة الشخصية التي نستشف من النص أنها من بيئة فقيرة كما أنها غير متعلمة. وإصرار ونوس على الغواية الجسدية يوحي برغبته في أن يعقد المتلقي مقارنة بين غواية

. كلمات الأغنيةألماسة التي أصبحت فيما بعد مؤمنة وغواية وردة وردةبسيطة سهلة لا تحتاج إلى تحليل أو إيضاح، وهي مناسبة لشخصية

. وتكشف الأغنيةمؤمنة وزوج عبد اللهالغانية خليلة نقيب الأشراف النقاب عن طبيعة طبقة معينة هي طبقة الأشراف. نقيبهم يلهو مع غانية

والكل عارف وراض عن ذلك، أي أن أبناء طبقته لا مشكلة لديهم في سلوك نقيبهم طالما أن العامة لا تعرف شيئا عن الموضوع. والفضيحة التي أوقعوا

به بسببها مجرد تصفية حسابات بينه وبين المفتي، لأن الأخير أراد أن يحد من سلطة النقيب فجاءت قصته مع الغانية ورقة رابحة ليضغط بوساطتها

عليه، ويجعله ينصاع لإرادته وبالتالي يقلص من سلطته ونفوذه ويجعل النقيب دمية بين يديه. والمفتي ما كان ليردع النقيب عن سلوكه لولا

تضارب المصالح. أي أن موقفه لم يكن من باب الحرص على الأخلاق والعادات التي يحترمها المجتمع ويرفض تجاوزها، بل حرصا منه على

مصلحته الخاصة. والخاصة فوق كل القوانين والقواعد والأخلاق، لا شيء يقيدهم، وهم

يفصلون والعامة تلبس. والوضع الاجتماعي الذي عالجه ونوس في النص المسرحي ليس خاصا بتلك المرحلة بل هو وضع السادة في كل زمان

ومكان فهم يسنون القواعد والقوانين والعامة تلتزم بها. كما تعكس الأغنية المادية وطبيعة البيئة التي تعيش وتعمل فيها.وردةشخصية

نجدها تغني وفتياتها لكن الحالة هنا مختلفة عنالنصوفي موضع آخر من ها تغني زوجة نقيب الأشراف في أثناء طقسلـمؤمنة الحالة الأولى؛ لأن

، تقول:ألماسةإلى مؤمنة دخولها في سلك الغواني، وتحولها من يا وردة جوه الجنينةاسم الله..اسم الله يازينة

م علينازهر القرنفل يا عروسة والورد خي وافردي شعرك علىقومي العبي بحبل اللولو

طولو آه يا حلاوة يا عسليةخليهن يحكوا ويقولوا

.473، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ226

قومي العبي بعرقالألماس

واللولو حارس هالبزاز الله يجيرك من كلام

الناس1آه يا حلاوة يا عسلية

الأغنية هنا مختلفة عن الأغنية الأولى، لأنها تلخص باختصار طقس دخول وردة تتفتح في الحديقة كما تتفتح في سلك الغواني، فهي الآنمؤمنة

العروس في ليلة زفافها، وهي تحضر في هذه الليلة كما تحضر العروس التي تركت كل شيء وراءها كما تتركمؤمنة لعرسها. اليوم هو عرس

الفراشة شرنقتها لتفرد جناحيها وتتمتع بجمالها وتمتع الناظرين إليها. هكذا تستطيع أن تتمتع بحريتها المطلقة خارج الشرنقة. أيضا تبين الأغنية حالة

لأن الخبر سيصدمهم،ألماسةالناس عندما سيعرفون بتحول مؤمنة إلى تشجعها وتطلب منهاوردةوسيقال الكثير من الكلام حول هذا التحول لكن

عدم الاستماع إليهم بقولها)خليهن يحكوا....(. وفي نهاية الأغنية نجدها تحذراس(، وهي محقةمؤمنة اس، تقول:)الله يجيرك من كلام الن من بطش الن

وكل من تعملألماسةفالمفتي بعد فترة قصيرة يصدر فتوى يهدر فيها دم في سلك الغواني. الأغنية هنا دال مكثف يحمل مدلولات شتى فهي صورت

طقس التحول من جهة، ولخصت الأحداث السابقة من جهة ثانية، وتنبأت الأخيرةفي الأغنيةبالأحداث اللاحقة من جهة ثالثة. ويكتمل طقس التحول

ثوبها الجديد الذي مؤمنة وفتياتها في أثناء إلباسوردةالتي تنشدها :ألماسةسيحولها إلى

هالنقلة نقلة غزاليعالدلالي...عالدلالي لبست شلحة وشلحت

شلحة وتحت الشلحة شي

ضوالي هالنقلة نقلة غزاليعالدلالي...عالدلالي2تحت البدلة شي ضواليلبست بدلة وشلحت بدلة

اختيار ونوس للأغاني لم يكن عشوائيا، صحيح أن الكلمات توحي بدلالات المعنى أعمق من ذلكلكن تغير ملابسها مؤمنةسطحية تعني فقط أن

هو ثوب عفتها وطهرها الزائفين والثوبمؤمنةبكثير. فالشيء الذي خلعته وردةالذي لبسته هو ثوبها الحقيقي الذي أخفته طويلا والشيء الذي تصفه

الجمر الذي أخفته « شي ضوالي »بـقولها: طويلا تحتمؤمنة ما هو إلا إشارة لبدء طقس الرماد، وهو جمر وساوسها ورغباتها وأهوائها، وما هو إلا

التحول. في السجن، وتلبسوردة أن تحل محل مؤمنةفالمفتي طلب من

من الفضيحة التيالأشرافثيابها وتتبرج كالغانيات كي تنقذ زوجها نقيب ستزلزل مكانته ومكانة كل أشراف المدينة في عيون العامة. في البداية

أن ترضخ لإرادة المفتي في محاولة أخيرة منها لمنعمؤمنةرفضت من الظهور لكن تحت إصرار المفتي وجدت نفسها في مواجهة معألماسة

مصيرها الذي طالما حاولت الهرب منه، رغم أنها كانت موقنة في أعماقها.538، ص2- الأعمال الكاملة، جـ1.538، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ2

27

أن هذه المواجهة ستحدث مهما تأخرت. لخصت هذه الأغنية الإشارات التي ، من جهة،ألماسة إلى الدخول في طقس التحول إلى مؤمنةدفعت

والتي دفعت بالمدينة لتنقلب رأسا على عقب من جهة ثانية. لأن تحول لم يقف عليها فقط بل تجاوزها ليدهم المدينة بأسرها، ولتحلألماسة

عاصفة من الحقائق، محـل الهدوء الكاذب، التي كان سببها كشف كل شخصية عن مكنوناتها بكل صدق وشفافية. وهذا ما لا يحتمله المجتمع

مطلقا، فالإنسان عليه دوما أن يبقي نفسه حبيسة الكذب والنفاق والخداع.. حبيسة الخوف من الفضيحة والضعف، ولأن عقلية الإنسان العربي لا تسمح

له بالتعبير عن مشاعره بحرية، فالرجل لا يجوز أن يبكي ويعبر عن ألمه، والمرأة لا يجوز أن تفضح أسرار بيتها ولو كانت تلك الأسرار سببا رئيسيا في تشوه نفسها وحياتها، والابنة لا يجوز لها أن تصارح والدها بمشاعرها لأنها فتاة والفتاة تتسم بالعفة والخجل، والشاب لا يجب أن يناقش والده

لأنه رب الأسرة ومعيلها، وإلى ما هنالك من عادات بالية تفقد الإنسان إنسانيته شيئا فشيئا ، وتجعل منه شيئا شبيها بالإنسان. وكل تلك الحقائقاختصرها ونوس في أغنية بسيطة حملت من الدلالات الشيء الكثير.

نجد نمطا جديدا من الأغنية الشعبية وهو الموالملحمة السراب وفي ، يقول:ياسينالذي يصدر عن

..آهالسمريا أسمر عيروني فيك .يامايا أسمر السمر زدت رغبة فيك.فيكوكلما عيروني

أنت الورد بالسحر وأنا الندى بسقيك.1 برعى فيك.الميزانأنت الثريا وأنا

، ويوحي الجو العام للموالرباب هذه الموال مع ابنته ياسينيدندن أنها كلمات موجهة من محب إلى محبوبه الذي يبدو غير مرحب فيه من قبل

شوقا وتعلقا بمحبوبه. فمن جماعة المحب، لكن ذلك لا يزيد المحب إلا نفسه، أو لنقلياسين عنه ؟! ربما كان ياسين يتحدثالمحبوب الذي

في هذهياسينالهواية التي يحبها وهي الغناء والعزف على الربابة. إذن الأغنية يتحدث عن همومه الخاصة. فزوجته تعيره بشغفه في العزف

والغناء، وترى أن عليه أن يجد عملا آخر ليعيل عائلته، لكنه دائم الرفض والتحسر على الأيام الخوالي التي كان الجميع يتهافتون فيها عليه ليغني في

حفلاتهم وأعراسهم. يقول: ) ياما عيروني فيك(. يعتقد المتلقي للوهلة أن الوقائع تشير إلى نفسه،ياسينالأولى أن المحبوب موجود فعلا؛ إلا

تعلقا بها وشفقة على نفسه فهو الذي يعير بمهنته وهو الذي لا يزيده ذلك إلا التي يرى أن لا أحد يقدرها. فهو دائم الشكوى من سوء الحال الذي يعزوه

إلى الظروف أو الزمن أو الحياة، ولا يرى مطلقا أن سوء حاله عائد إلى إني»شخصه وإلى طريقة تفكيره. مثلا هو حزين على أولاده ويقول:

أحبهما ويتقطع قلبـي حيـن أتخيل أنهما يكدحان في المدينة، كي يؤمنا لكنه غير مستعد للعمل في سبيل تحسين2.«مصاريف الدراسة والحياة

.639، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.685- المصدر السابق، صـ2

28

حالهما، لأنه وكما يسوغ لنفسه غير قادر على العمل، فوالده لم يورثه سوى كرم التين المليء بالصخور، ولم يعلمه سوى العزف على الربابة وغناء المواويل. وهذا يشير بوضوح إلى السلبية والاتكالية التي تتمتع بها هذه

لأنه أناني لا يفكرنفسه،الشخصية. من هنا قلنا إن ياسين توجه بالأغنية إلى إذا غنى وعزف؛ أما فهو أمرالعملإلا في إرضاء نفسه، ونفسه لا ترضى إلا

مرهق لا مجال لوجوده في حياته وهو الشاعر الموهوب والعازف البارع. وبالعودة إلى كلمات الأغنية السابقة نلاحظ كثرة حرف المد الألف وكأن

ياسين يحاول التنفيس عن الآلام التي يحبسها في صدره ويحاول عدم البوح ياسينبها إلا أنها تخرج كلمات تحمل زفيرا طويلا يحمل ألم ومعاناة

) عيروني – فيك – أنا- ثريا – الميزان (، أيضا حرف السين الذي نراه يتكرر يحاول أن يهمس لنا بمشاعره الدفينة يقول ) السمر –ياسينوكأن

السحر – بسقيك (. وفي غير موضع يتغنى بجمال بلاده في حفل افتتاح في الموال التالي:الغاويالمجمع التجاري الذي أنشأه

هالبلد نافح بالذكا ترابهاوالكرم فيها نبوع وسواقي

ولضيوفها مفتحة بوابهاوبكل بيت ضيوف بتلاقي

بوجه زوارها تزهر عشابهاوالجوز بيوشوش الدراقي

قومي نخلي عمرنا غناني بناتبكرا وطار العمر كلها عنعنات

رغيف خبز ومجوز وشقفة حصيروطاقة قمر بيكوخ شي راعي فقير.1وشفتي ع شفتك هيدي الحياة ولزتا

في هذه الأبيات ببلاده الجميلة التي يعم فيها الخيرياسينويتغنى والحب والسعادة، وكل ما يتمناه هو حبيبة يقضي معها حياته في كوخ صغير

هذا كلام جميل وأمنيات وردية، لكنها لنتملؤه السعادة والحب والهناء. العمل والفهمإلىتصمد أمام واقع الحياة الذي لا يرحم. هذا الواقع بحاجة

وبحاجة إلى أشخاص يتحلون بالقوة والشجاعة للصمود في وجه تحدياته الواقع كما يحب ويشتهي ويتناسى الوضعياسينالمستمرة. بينما يصور

نوع من الهروب والتملص المرير الذي يعاني وأسرته منه. وما حبه للغناء إلا من المسؤولية، فهو يعيش في عالم من صنع خياله عالم من الكلمات

والألحان يشبه قصرا مبنيا من الرمال عند أول موجة قوية لابد أن ينهار. تظهر المواويل سمات الشخصية التي جاءت وهذا ما حدث معه فيما بعد.

يشبه مفعول المخدر. هذه المواويلياسينعلى لسانها. ومفعول مواويل تنسيه آلامه ومخاوفه وواجباته كرجل وزوج ووالد وهذا لا يجوز.

.639، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ129

حكينا ع الوفا وكنا عنينا القلوب المخلصة زايد عنينا . 1وياما ياما غشتنا عنينا تفرجينا بحر يطلع سراب

وخداعه، ويصطدم بالحقيقةالغاوي النقاب عن كذب ياسين يكشف فيتألم كثيرا لذلك. مما يدفع المتلقيالغاوي خادم المرة التي يكشفها له

قد استيقظ أخيرا من غفوته وكف عن الكذب علىياسينإلى الاعتقاد أن نفسه، لكن الحقيقة أن كذبه لم يتوقف وخداعه لنفسه ما زال مستمرا لأنه

دوما يجد من يضع اللوم عليه. فالملومتان الآن هما عيناه اللتان يقول والعينان كما نعلم هما نافذة الإنسان إلى الحياة« غشتنا عنينا...»عنهما:

وهما اللتان تطلعانه على حقيقة الأشياء، وهما صادقتان دوما لكن كذب يعيش فيياسينإذن الإنسان على نفسه هو الذي يسبب اختلاط الحقائق.

عالم وردي ويرفض حتى اللحظة الأخيرة أن يتحمل مسؤولية تصرفاته، الكلمات السابقة كلها تحوي على )نا( الدالة« حكينا- غشتنا-عينينا »يقول

على الفاعلين والتي إن دلت على شيء فهي تدل على الرعب الذي يكتنف ، فهو ليس قادرا مطلقا على تحمل مسؤولية أفعاله كفرد ورجلياسين

اتخذ القرار. هو دائما يشرك الجماعة في محاولة للهرب من أخطائه. إنه هو من اختار الطريق، وهو الذي صدق الوهم ورأى السراب حقيقة، وهو الذي

زين الكذب والنفاق وجعل منهما رمزا للحب والعطاء. وبالعودة إلى لغة الموال نجد أنها لغة بسيطة واضحة لا تخلو من المحسنات اللفظية التي

تضفي لمسة رقيقة إلى هذه المواويل فيرد الدال )عينينا( ثلاث مرات وفي كل منها مدلوله مختلف، والورود الأول للدال )عنينا( كان بمعنى قصدنا، وفي الورود الثاني جاء بمعنى الألم، وقصد بالمدلول الأخير عينا الإنسان.

يريد ونوس أن يضع الإنسان العربي وجها لوجه أمام الواقع. فجعل من الاستسلامية رمزا ليوصل من خلاله رسالتهالانهزامية ياسينشخصية

نجد أغنية تختصر العمل كله،ملحمة السرابالخاصة إلى المتلقي. وفي :ياسينوتبين كيف يتخبط أهل القرية في كذبهم ونفاقهم، يقول

أعمى وتاه بهالدني، مالو رفيق وتوه معو قلبي فلتت عصاتو العمتدلو ع الطريق ودعفر بدربو

شارد بعتم الليل مكسور الجناح بيشهق من جروحوبتلسع ضلوعو كرابيج الريح بتبكي معو روحو

بيعت حلمو بسوق الدلالين وعضت ع إياموح ضلوع الغياب وهيج ضلوعو .2هادا المغنى اللي جر

إلىرباب بعد أن باع ابنته الحبيبة ياسينيصف الموال السابق حال ليسدد ما تراكم عليه من ديون، والآن بعد أن فقد كل ماعبود الغاوي

يملك بات متعبا تائها لا يلوي على شيء. لكن حتى في هذه اللحظات.. لحظات الضعف والانهيار لا يتوقف عن إلقاء اللوم على الآخرين. والآخرون

و)عضت( على أجمل أيامه، و)باعت(ياسينالآن هم السنين التي )هدت( كل أحلامه. فهل هذا صحيح؟! لا بد أن يسأل المتلقي نفسه.. هل صحيح أن

.738، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.739، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ2

30

هو من ظلم نفسهياسينالدنيا ظلمته وتسببت بكل آلامه ومصائبه؟! حقيقة. رغم أنه فيالسراب، ورضي أن يرى الغاويعندما صدق وعود

ودناءته. وما أن ألمح لهالغاويالبداية تحدث بقناعة تامة عن خسة بالوعود الوردية حتى نسي كل شيء وتجاهل نداء قلبه. والملومالغاوي

الوحيد هنا هو نفسه رغم محاولاته المستمرة في إلقاء اللوم على الآخرين. وحاله هي حال كل أهل القرية الذين صدقوا وعود الغاوي. الكل كان يعلم

ما أن يظهر حتى تظهر معه المصائب، لكن بريق المال والوعودالغاويأن المغرية أعمت بصيرتهم وجعلتهم يرفضون الإصغاء إلى كل من يقول

التي أبصرت منذ البدايةالزرقاءالحقيقة. وفي النهاية أقدموا على قتل وجعل الآخرين يعتقدون أنه حقيقة، وحذرتهمالغاويالسراب الذي زينه

أهونالزرقاءمن النهاية المفجعة التي يعيشون الآن أهوالها. فكان قتل بكثير من سماع نبوءتها التي كان الجميع يعلم في دخيلتهم أنها لابد متحققة.

اتسمت بالحزن، فإن لم تك الكلمة حزينة فالايقاعياسينوكلمات مواويل حزين، ويلحظ المتلقي كثرة تكرار حروف المد التي قالها في الموال الذي

الكبير. فعلى الرغم مما يحمله الموال من معانالغاويافتتح به مشروع جميلة إلا أنه يتمتع بنغم هادئ حزين ينبع من أعماق الشاعر ليدخل إلى

أعماق المتلقي. ويستخدم ونوس كلمات عامية إلا أنها جميلة ومليئة بالدلالات الكثيفة، وكأن ونوس يقول لنا إن بلادنا جميلة جدا وأرضها مليئة بالخير، إلا أن حالها تبدل بسبب أهلها وأصحابها الذين نسوا أو تناسوا كيف تعاش الحياة وكيف يجعلونها جميلة. فالجمال لا يقتصر على وجود المال،المال مهم لكن الأكثر أهمية هو قدرتنا على عيش الحياة بشكل جميل.

استطاع ونوس أن ينقل لنا في الأغاني السابقة مشاعر شخصياته وإحساساتها وآلامها وآمالها؛ كما استطاع أن ينقل الأجواء العامة التي

أحاطت بتلك الشخصيات فكانت الأغنية في نصه دالا حمل مدلولات مهمة. وإضافة إلى الجانب الوظيفي لتلك الأغاني كان هناك جانب جمالي أعطى

الشخصيات والأحداث المزيد من المصداقية والشفافية التي زادت منصدق واقعية تلك النصوص.

المبحث الثالث: النكتة: يلجأ الإنسان إلى النكتة ليعبر عن حالة نفسية يمر بها، أو عن وضع يود

نتاج أدبي ينبع من دافع نفسي»السخرية منه دون أن يحاسب عليه. والنكتة وهي نوع من.1«جمعي شأنها شأن الحكاية الخرافية والحكاية الشعبية...

السخرية المشروعة للخوض في الممنوع والمحرم. ويبين فرويد أن الخارجين عن الموضوعات الاجتماعية ومثيري المشاكل سرعان ما يتم

كبتهم . لذا عندما يسخرون من أمر ما غالبا ما ينكرون سخريتهم وإهانتهم . والأدب يلجأ إلى السخرية و» عناية الأدب بالمفاهيم2في شكل تورية

، صـ1974، 2- أشكال التعبير في الأدب الشعبي، نبيلة إبراهيم، دار نهضة مصر، ط1204.

- ينظر : خمسة دروس في التحليل النفسي ، سيغموند فرويد، تر : جورج طرابيشي، 2دار الطليعة،

35-34 ، صـ1986 ، 3 ، ط1981 ، 2، ط1979، 1 بيروت، ط31

ساخرة أصلا، فالسخرية هي الوسيلة لإظهار كيف أن التعقد في التجربة.1يقتضينا مراجعة لغتنا، لغة المفاهيم، للتوثق من كونها تتفق مع الأشياء« فالنكتة سخرية ناقدة للمجتمع بكل عاداته وتقاليده، ويصفها ونوس

الاجتماعي، وعي اجتماعي ناضج. أولا باعتباره»بقوله إنها: للوضع كشفا ثانيا باعتباره تعبيرا فنيا عنه، أي تعبيرا آمنا يتجاوز الانفجارات المباشرة أوو

ردود الفعل السريعة. لكنه من جهة أخرى ينمي حالة رواقية تبخر فائض . وهذا الكلام يظهر في2«السخط، وتساعد على إيجاد تلاؤم مفقود وصعب

استخدام ونوس للنكتة في مسرحه، لأن الشخصيات التي وردت النكات على لسانها استخدمتها بشكل سلبي لأنها لم تكن تعمل لتغير وضعا

مفروضا عليها، بل لتعلق على هذا الوضع، وتبين أنها على دراية كاملة بما يجري حولها، لكن يبدو أنها لا تملك حيلة لتغيره. واستخدامه للنكتة هو

محاولة منه للاقتراب من واقع الحياة اليومية للمتلقي العربي، الذي يعاني الكثير من الكبت والقمع فيحاول الهروب من ذلك الواقع بإلقاء النكات التي

يعلم مسبقا أن أحدا لن يحاسبه عليها . .3« لا تنسي أن تسلمي على رئيس البرلمان »

عندما يسألكاظم على لسان أحلام شقيةتأتي هذه النكتة في عن وجهة ذهابها فتجيبه أنها ذاهبة إلى بيت الخلاء. وفي هذاغادة

الاستخدام دلالة على سخرية مبطنة من وضع الشعب الذي أصبحت رؤية قياداته العليا بمثابة الحلم لديه، وبما أنه لا يملك يدا في تغيير الحال فهو

يلجأ إلى السخرية من نفسه ومن تلك القيادات التي لاتعيره أدنى اهتمام أورعاية.

لا توص حريصا يا شارب»وفي النص نفسه تطالعنا نكتة أخرى هي قهوة وتنباكا عجميا، ويوصي النادل بدعم طلبه.فارس يطلب 4.«العشت

فيجيبه النادل متهكما وهو يبتعد بالنكتة السابقة. ذلك أن شارب العشت هو الذي لا ينال المرء من خدمته سوى كلمة الشكر. وتوحي النكتة بالنظرة

، فهو عاطل عن العمل منذ زمن طويل، وهو دائم فارسالعامة إلى الاعتماد على زوجته التي تعيله وترعاه. وهذا أمر معيب جدا بحقه لأنه رجل وعلى عاتقه تقع مسؤولية الإعالة، خاصة أنه لا يشكو من علة جسدية تعيقه

عن العمل. والسياق الذي جاءت فيه النكتة يوحي بمزيد من الدلالات. إلا أن الأخير اكتفى بقوله )خزاك الله( أي أنه فارسفالنادل تهكم على

معتاد على هذه السخرية.. وبوصفه معتاد فهذا يوحي بدلالات جديدة، وهي تبلد مشاعره وإحساساته، لأن تلك السخرية لم تدفعه إلا إلى مزيد من

الاتكال والتطفل. والإنسان لا يشرب )العشت( التي هي كلمة محببة إلى النفس إلا أنها هنا فرغت من معناها المحبب لتحمل معنى السخرية السوداء

، فالنادل في النهاية لن يحظى بأية إكرامية سوى هذهفارسمن وضع -ــ 1 الدراما والدرامية، س.و داوسن، تر: جعفر صادق الخليلي، راجعة وقــدم لــه: د.عنــاد

غزوان إسماعيل، .85،صـ1989، 2 منشورات دار عويدات، بيروت، ط

167، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2.266- المصدر السابق، صـ 3.97، صـالمصدر السابق- 4

32

ترد هذه1.« حن طيزك من كثرة المحلات سكرنا المحل »العبارة. سمسم على لسان طقوس الإشارات والتحولاتالنكتة في مسرحية

الشاب المخنث، عندما يسأله أحد المارة عن حاله. فيسخر من الوضع زوجةفـمؤمنةالجنوني الذي هز المدينة وزلزل كيانها بإلقائه لهذه النكتة.

–القبضاي- الذيالعفصة الغانية وألماسة نقيب الأشراف تحولت إلى أرقه عجزه الجنسي كشف عن ستره وجاهر بحبه على الملأ. ويكمل

كانت لي تجارة صغيرة على قد )ويضرب بيده» شكواه، ويقول: سمسم على مؤخرته( هذه الراجحة. فضاقت عيون الجميع منها. الزكرتية فتحو من

بإلقاء النكتة فتبعها سمسم. لم يكتف2«الوراء، والأكابر فتحو من قدام.. بحديث طريف عبر فيه عن سخريته من الوضع الذي أصبح لا يطاق بعد أن

دفعت هذه التحولات الكثيرين إلى امتهان البغاء والمجاهرة به. والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا وظف ونوس هذه النكتة في هذا الحوار على

وجه التحديد؟! يجري الحوار بين رجلين من أعيان المدينة وقد أرقهما الوضع الجديد. قد يقول المتلقي إنهما يبالغان في وصف سوء الحال، لكن

عندما يشتكي أحد أفراد المهنة من ذات الأمر لا يعود هناك من مجال للشكفي مصداقيته.

ومما تقدم نجد أن النكتة في مسرح ونوس أسبغت المزيد من الواقعية على النص المسرحي. وأثبتت بما لا يقبل الشك التصاق ونوس بالواقع وقدرته على الدخول إلى أعماق المتلقي العربي وتحليل نفسيته بشكل

دقيق يعبر عن وعي ومعرفة عميقين بحاضر أبناء شعبه وماضيهم.

المبحث الرابع: المعتقدات الشعبية: المعتقدات الشعبية جزء من التراث الشعبي الذي تراكم في وعي

ظاهرة اجتماعية تنتج عن تفاعل»الجماعة الإنسانية عبر الزمن. وهو الأفراد في علاقاتهم الاجتماعية وتصوراتهم حول الحياة والوجود وقوى

. وتعكس3«الطبيعة المخيفة والمسيطرة في تسيير الحياة الكونية المعتقدات عند شعب طريقة تفكيره ومعالجته للأمور الحياتية، وليس من

ها متجذرة في وعي الجماعة السهل مطلقا تغيير هذه المعتقدات لأن الإنسانية. ونظرا لأهميتها فإن ونوس لم يغفل عنها ووظفها في نصوصهه بهذا التوظيف جاوز حدود المسرحية بطريقة فنية أغنت النص، ذلك أن

نفسه واندمج في الآخر بوصفه شخصا علمانيا لا تعنيه تلك المعتقدات، وكان حياديا في اللغة التي وظف بها المعتقد في تلك النصوص. والمعتقدات هي

السحر الأسود، والجن، والنبوءة، والرجل البسيط، والأحلام، والحجاب،والشيخة.

حولفارس وماري يدور حوار بين أحلام شقيةفي مسرحية أنها زادت عنفارس التي يرى بماري وطبيعة علاقته بشيرالمستأجر

الحد المعقول.

.558- المصدر السابق، صـ 1.558، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 2.197- توظيف التراث في المسرح / دراسة تطبيقية سعد الله ونوس/، صـ3

33

ماري :) بعنف( قلت لك هذا الغريب ابني. منذ سنوات طويلة. وأنا » أترقب عودته.

فارس : باسم الصليب.. هل أنت ممسوسة يا ماري؟! لا شك أنه سحركأو عمل لك

. 1 « عملا للتعلق بالمستأجر الجديد إلىماري السبب الذي دفع فارس لا يفهم

هذا الحد، لأنهما ومن وجهة نظرة يعيشان في سعادة كبيرة. وربما نسي أو تناسى أنه سبب تعاستها وشقائها. والمبرر الوحيد المنطقي حسب رأيه هو أنها ممسوسة أو مسحورة أو أن أحدهم قد عمل لها عملا، وهذا أقصى ما استطاع فهمه أن يصل إليه. أو ربما هذا ما رغب في قوله عله يؤثر فيها، ويثنيها عن تشبثها برأيها وهي المرأة المؤمنة المطيعة. وعلى الرغم من

ادعائه التدين في قوله » باسم الصليب « فهذا التدين لم يمنعه في نهاية المسرحية من الإقدام على فعل القتل الذي ينهى الدين عنه بل ويحرمه.

وعندما يفشل في تحقيق مراده عن طريق التذلل لها يلجأ إلى أسلوب آخر، ، ويصف له التعاطف والحب اللذين تكنهماكاظمفنجده يشكو حاله إلى

، وكيف أصبحت تعامله كما لو أنه ابنهابشير للمستأجر ماريزوجته الحقيقي الذي فقدته منذ ستة وعشرين عاما، في الحوار التالي:

» كاظم: ما هذه القصة..أيبلغ الوهم هذا الحد. فارس: لا أدري إن كان وهما أو جنونا..تقول سحرها، وسيطر عليها!

ه محتال كبير. إنر في وجهي وقال لي..لا تعذب أمي. وهي تصور منذ أيام كش

كالممسوسة لا .2 تتعب من الحديث عن ابنها الذي عاد من الغربة «

غير مصدق أن المستأجر الذي أحضره بنفسه إلى المنزل وأشادفارس به.ماريبأخلاقه سيأخذ مكانه عند التي كانت فيما مضى لا تهتم إلا

وتعلقهاماري لأنه لا يرى سببا مقنعا لحب لـكاظمويشرح الوضع كيف يمكن أن تتعلق به إلى هذا الحد ه قد سحرها، وإلا أن بالمستأجر إلا

الذي يجعل زوجها هامشيا في حياتها. لا بد من ذكر أن الحوار يجري عام ) ( والمفروض أن عهود التخلف والإيمان بالسحر والشعوذة قد ولت1963

بشير موقن أن فارسمنذ زمن طويل. لكن يبدو أن ذلك غير صحيح لأن وهذا يدل على أن هذه المعتقدات متجذرة في وعيماريقد سحر

الجماعة الإنسانية، وليس من السهل انتزاعها أو التخلي عنها. لكن المتلقي بل أحبها كما لوماري لم يسحر بشيرسيقف قليلا عند كلمة سحرها..لأن

كانت والدته الحقيقية، وأعطاها الحب والأمان اللذين عجز زوجها عن مارياقتصرت على امتصاص دم فارس تقديمهما لها. ذلك أن مهمة

كالعلقة. كما أنه لم يبد يوما تعاطفا معها، أو مع آلامها هي التي فقدت بسببه أغلى ما تحلم كل أنثى بامتلاكه وهو الأمومة. والوقفة عند هذه الكلمة

.260، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.280- المصدر السابق، صـ2

34

)سحرها( ستجعل المتلقي يتفكر في صدق ما يؤمن بحقيقته. ويبقى السؤال دوما أول مفتاح أمام اكتشاف الحقيقة.. وهذا ليس واجب المبدعه يجيب عن بل واجب المتلقي الذي عليه أن يبحث في حياته وتفاصيلها عل

بضعة أسئلة تقوده في النهاية إلى المعرفة الحقة. تتخذ المعتقدات شكلا جديدا، وتبدأمنمنمات تاريخيةو في مسرحية

المجذوب في أثناء محادثة بين رجل فار من حلب، منشعبانبظهور بطش تيمورلنك وأفعاله المرعبة في المدينة، والكل يسأل الرجل عن

أحوال حلب فيخبرهم بالأهوال التي ألحقها التتار بالمدينة وفي هذه الأثناء يصدر نائب القلعة مرسوما يقضي بتسليم دمشق دون قتال. وفي خضم

هذه الأحداث ينسى أحدهم أن يسأل الحلبي إن كان يحتاج للمساعدة. المساعدة، فينصحهدلامةوعندما لا يسأله أحد عن حاجته يطلب من التاجر

ه يجد بعض الخبز والمأوى، وذلك طبعا بعد أن يعلم بالذهاب إلى المسجد عل أن الحلبي لا يملك المال فهو بالتأكيد لن يقدم على مساعدته ما لمدلامة

ينل شيئا في المقابل. بينما يأتي شعبان ويسأل الرجل إن كان جائعا: » شعبان:)بعذوبة( جائعان؟

الحلبي: يا ابن الحلال يكفينا ما نحن فيه.. )يخرج شعبان من كيسه رغيفا وسفرجله، ويضعهما في حضن الرجل(

»1 .اس أن هؤلاء المجاذيب مباركون، لذلك في المعتقد الشعبي يرى الن

يحرصون على عدم إيذائهم أو التعرض لهم..والمفارقة تكمن في موقف . التاجر الذي يملك الكثير يأبى المساعدة بينماالحلبي من شعبان ودلامة

يقدم المجذوب كل ما يملك ليساعد الرجل المسكين. وبينما ينشغل الجميع عن حاجة الرجل إلى الطعامشعبانبسؤال الرجل عن أحوال حلب، يسأل

تحديدا. وهنا تبدو المفارقة، فأولئك الرجال العاقلون يسألون عن أحوال مدينة قد غزاها التتار وأعملوا فيها الخراب، وينسون أن يسألوا الرجل الذي لا بد أنه قد نال كفايته من ذلك الخراب عن حاجته بينمـــا يقوم المجـذوب

دومـا جملة لا يكـف عن ترديدها وهي: »شعبانبذلك. وترافـق . وتحمل الجملة2يمه..يمه..هاتي بزك..يمه جوعان..حليب..حليب..يمه «

السابقة في طياتها الكثير من الدلالات فهو دوما ينادي أمه ولكن الحقيقةأنه ينادي الخير والمحبة. وعندما يطالب بالحليب فهو يطالب بالعطاء.

للظهور في صحن الجامع الذي أحرقتشعبان وفي موضع آخر يعود بعد الفتوى التي أصدرها علماءجمال الدين بن الشرائجيفيه كتب

وهو يرددشعبانالمسلمين بحقه، والتي تقضي بسجنه وحرق كتبه. يظـهر جملته المعهودة، وفي الموضحة الإخراجيـة يقول ونوس: » صحن الجامع

ار. يتدفأ. ثم يدور ار موقدة لا تزال. يدخل شعبان ..يقترب من الن خال..والن . هذا الفعل3حولها.. فجأة يتوقف. يرفع أذيال قنبازه. ثم يبول على النار «

هو سخرية مرة من الواقع، فالمدينة تقبع فوق بركانشعبانالذي قام به . 326، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.326، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ2. 342- المصدر السابق، صـ3

35

جمال الدينقد يثور في أية لحظة، وعلماؤها وقضاتها مشغولون بقضية إن كان مؤمنا أم زنديقا. وهذا هو حال العرب دوما، فبينمابن الشرائجي

تشتعل القضايا الكبرى، ويقتل أبناء شعبهم ينشغلون أو يتشاغلون بقضايا سعاد من جديد يوم جنازة شعبانتافهة من المخزي الالتفات إليها. ويظهر

التي فضلت الموت على الوقوع أسيرة في أيدي التتار؛ وكأنه بظهوراته المتتالية يلعب دور المعلق على الأحداث أو الناقد لها فنراه يقول يوم

ماتت.سعاد. إذن 1الجنازة: » يمه..ماتت..القلعة يمه..جوعان..يمه..يمه « وهو مدرك لخطورة ذلك جيدا فيوصيهم بالقلعة، أو أنه ينعي خبر سقوطالقلعة فيما بعد. وآخر ظهور له يكون في ختام المسرحية ونجده يردد:

» يمه.. فزعان.. الموت يم .. كله ميت .. يمه فزعان.. يمه ميت. يمه . المدينة أصبحت مقبرة كبيرة، فالتتار دخلوها بعد تواطؤ علمائها2ميت... «

وتجارها معهم ، فكان نصيبها مثل نصيب حلب من القتل والتعذيب والتشريد خائفا ، فهل كان خائفا من الأحداث الحالية أم أنه خائف منشعبان، ونجد

شعبانالمستقبل الذي يبدو أنه سيكون مظلما جدا ولوقت طويل؟! لغة كانت بسيطة جدا، لكنها حملت في طياتها الكثير من الدلالات، فنحن لا نجد

جملة كاملة عنده، بل مجموعة من الدوال ركبها مع بعضها البعض لتشكلفي النهاية تعاطفا، أو سخريـة لاذعة، أو نبوءة مفزعة.

وتتنوع بتعدد الشخصياتمنمنمات تاريخيةوتتعدد المعتقدات في ، يخبرها عنخديجة وهو رجل محب لعمله ولزوجته مروانوتنوعها، فنجد

تطيره بسبب الرؤية التي شاهدها: » مروان: لا شهية لدي .. في صدري ضيق و انحباس. منذ الفجر

يتراءى لي غراب أسود يحوم فوق رأسي. لعلي رأيته في المنام. لا أدري.. لكنه

يتراءى لي، ويلازمني منذ الفجر.

خديجة:استشهد بالله يا مروان. مروان : لا إله إلا الله .. لا أخفي عليك. إني متطير، ولا أعتقد أننا سنعبر

.3هذه المحنة « من الغراب أمر معتاد في ثقافتنا العربية. لأن الغراب فيمروانتطير

معتقداتنا يمثل نذير شؤم. وكل ما سبق اعتيادي لكن الملفت للنظر هو قوله » لعلي رأيته في المنام.لا أدري . لكنه يتراءى ...منذ الفجر «. للجملة السابقة دلالاتها فهو لا يجرؤ على الإفصاح عن رأيه علنا لأن مجرد البوح بما يعتمل في صدره قد يجعل ما يفكر به يتحقق. لكن بقوله إنه رأى الغراب أو تراءى له فهو يبعد إمكانية التحقق في القريب العاجل. إلا أن الأحداث التي

تجري في المدينة تشي بما سيحدث لاحقا. لكن من هو حتى يتنبأ بما و ليس أمير القلعة ولا حتى هو شيخالتاذليسيحدث فهو ليس الشيخ

.453- المصدر السابق، صـ1.466- المصدر السابق، صـ2.408 ، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 3

36

عادي له مكانته عند الشعب. لذا فضل أن يكون ما رآه حلما لأن الحلم يفتدى بينما الواقع لا يمكن افتداؤه. ونوس يشير بوضوح إلى إمكانية التنبؤ

بالمستقبل عند أي كان. بمعنى أن أي شخص يمتلك رؤية واضحة عما يجري سيكتشف بالضرورة تطور الأحداث اللاحقة. وفي غير موضع يقول

منه...،أصاب نساء دمشق ، مس الخضاب بالحناء23: » و في المؤرخ فكل امرأة أو بنت أرادت أن تخضب. وفقدت الحناء من الأسواق، وجرت

في بعض المحلات عراكات. وسألت عن السبب، فعلمت أن عاتكة الباعونية رأت في المنام ، أنه جاءها ملك الجان. عمود من الدخان ظل يترجرج و

يتلوى حتى جمد، فإذا هو جني أطول من مئذنة الجامع، وقال لها : لا ترتعبي مني بل ارتعبي إن لم تفعلي ما آمرك به. قولي لبنات ونساء الشام أن

يخضبن بالحناء، و إلا جرى عليهن ما جرى على نساء حلب من جند تيمور، . نجد هنا ظهورا جديدا للجان1ثم لمس صدرها، وابتعد متلاشيا كأنه غيمة «

ولكن هذه المرة الجان هنا هو ملكهم أي أعظمهم و أعلاهم شأنا. و جاء محذرا نساء دمشق من مغبة عدم الامتثال لأوامـره لأن من لن تخضب

فسـوف يصيبها ما أصاب نساء حلب من جنود التتار. وهنا يتساءل المرء هل أم أن شعورها المليء بهذه القصصلعاتكة الباعونيةظهر الجني حقا

ه يصدق و تتحقق رغبتها في ألا الشعبية هو الذي أملى عليها الحلم، فعل يلحق جنود تيمور الأذى بنساء دمشق و فتياتها. والتخضيب بالحناء عادة

راسخة منذ القدم عند العرب و معروف ما للحناء من منافـع جمة. وعادة ما يكون التخضـيب للفتاة قبل ليلة زفافها أي لحدث مفرح وجميل. فهل كان

التخضيب هنا لحدث مفرح وجميل، أم على عادة العرب في تسمية الأشياء أي عندما يسمون الصحراء مفازة رغم الهلاك و المصاعب التي قد يتعرض

لها المرء في أثناء عبوره لها ؟!! فهل نجح ذلك في تجنيب نساء دمشق هذه المحنة ؟! في الفصول اللاحقة نستطيع أن نرى بوضوح أن ذلك لم

ينفع والتتار فعلوا أمورا بلغت وحشيتها حدا يصعب على العقل تصديقه. إذن وضع الكاتب مجموعة من الحقائق المفترضة بين يدي القارئ و ترك له الحكم في صحة هذه المسائل أو كذبها. وبين أيضا أنه ما من شيء كان

قادرا على ردع التتار إلا اجتماع كلمة أبناء مدينة دمشق. شهاب ومعاونه آزدار نجد نائب القلعة الأمير الفصل الثانيوفي

مجتمعين ويناقشون كيفية حماية المدينة من التتار،التاذلي والشيخ الدين إلى استلام مقاليد الأمور ليحمي الناسآزدار ويحاول الشيخ دفع الأمير

يصرالتاذلي يتردد في قبول المهمة، لكن آزدارويرد الأذى عنهم، إلا أن على طلبه، وفي تلك الأثناء يحكي لهم الحلم الذي رآه، يقول: » اللهم صلجح بين النوم والصحو ، على محمد وعلى آله ، وصحبه أجمعين ... كنت أتر

حين وافاني حبيب الله ، النبي المصطفى ، اقشعرت الظلمة حوله، وتهاربت ...وبصوت حنون قال لي .. هذه المدينة عزيزة على قلبي ،

ته ، لن تقوم لكم فانهضوا وحاموا عنها ، والذي بعثني رسولا ، وأسكنني جن قائمة إذا دخلها عدوي تيمور ، ولا تخشوا الموت فأنا جالس على الضفة ،

. 2ثم انفتل عني وابتعد«

.413 صـالمصدر السابق،- 1.466، صـ 2الأعمال الكاملة، جـ- 2

37

هذا حلم شيخ تقي متصالح مع ذاته ومع منصبه كشيخ لجماعته. فكيف يمكن أن يكون حلمه؟! أقصى ما قد يحلم به هو رؤية الرسول الكريم الذي

التاذليتدل رؤيته على مكانة عظيمة لمن رآه، فكيف إن كان الشيخ التقي الورع الغيور على حرمة بلاده وحرمة أبنائها. وظف ونوس الحلم في هذا الموضع من النص، لأنه يخدم الغرض المطلوب وهو دعوة الناس إلى

أكثر مما التاذلي إلى الاستجابة لطلب الشيخآزدارالجهاد ودعوة الأمير سيفعله أي خطاب طويل والذي سيبدو غير مجد في سياق هذا الموقف،

من جهة، ولأنه يعي جيدا المكانة الرفيعة التي كان الحلم يتمتع بها لدى الأقدمين الذين كانوا يستشرفون المستقبل من أحلامهم، ولا يحاولون نسيانها أو تجاهلها مطلقا، كما يفعل إنسان العصر الحاضر في معظم

، من جهة ثانية. و» الأحلام ذات معنى لأنها تنطوي على رسالة1الأوقات ليستطيع المرء أن يفهمها إذا ما كان لديه المفتاح لحل لغزها. وهي ذات مدلول لأننا لا نحلم بشيء ثانوي حتى لو عبر عن ذاته بلغة تخفي الشيء

. إذن فالحلم2المهم لرسالة الحلم وراء واجهة لا مضمون لها ولا معنى« المزيد من الشرعية، و» قدسية مثل هذاالتاذليالسابق يمنح كلام الشيخ

الحلم تحشد الناس في موقف واحد مؤيد لشخصية إيجابية تسير في . وبالفعل فأغلب الناس قررت الجهاد، وانضمت إلى 3الطريق الصحيح «

صفوف نائب القلعة ولكن ما الذي يستطيعه الشعب عندما تتآمر قياداته على تسليمه للعدو غير آبهة به، لأن همها الوحيد أن تحمي نفسها ومصالحا

ر بالنصر، لكن هذا النصر متوقفالتاذليفقط والنبي )ص( في الحلم بش على وحدة كلمة المسلمين وهذا ما لم يحدث، فكانت النهاية المفجعة

المزيد من المصداقية، ذلكالتاذليللمدينة. وأعطت لغة الحلم لشخصية أنها مستقاة من معجم الألفاظ الدينية، وكلامه كلام شيخ تقي ورع حريص

على مصلحة بلاده وشعبه اقترنت كلمته بالفعل دوما. وتتوالى المصائب على المدينة حتى تفوق كل احتمال، فنجد المؤرخ يسجل الأحداث ويطلعنا عليها، ولكن يقف المتلقي عند حادثتين كتبهما المؤرخ: » وفيه ضرب الجان طباخا رافضيا بالخلاء حين بال قائما. ولم

ينطق بعدها إلى أن مات بعد أيام، نسأل الله الرحمة...وفي هذا اليوم ، سمعت أن أتانا ولدت كرا صغيرا له رأس إنسان ، وليس له ذنب، وهذه من

.4الغرائب والعلامات « وما ظهور المعتقدات السابقة إلا تعبير شعبي عن سوء الوضع الذي تعاني منه البلاد والعباد على حد سواء، فيكون انتشار مثل هذه الأخبار

محاولة لإنذار الناس وتنبيههم من الخطر المحدق بهم، وإلى أن كارثة ستقع فالمؤرخ يقول: » وهذه من الغرائب والعلامات «. فهذه الأحداث الغريبة

تجري في زمن عصيب هو السبب الرئيس في ولادتها. ونلحظ الحيادية التي تتسم بها لغة المؤرخ الذي يسجل الأحداث ويعلق عليها في جمل بسيطة

.39-38- ينظر: خمسة دروس في التحليل النفسي، صـ1 ،1- الحكايات والأساطير والأحلام، إريش فروم، تر: صلاح حاتم، دار الحوار، اللاذقية، ط 2

1990،.27 صـ

.209 - توظيف التراث في المسرح، صـ3.436، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ4

38

واضحة تحمل التحذير في ثناياها وتدل أنه متعاطف مع ما يجري إلا أنه يعلمجيدا وظيفته فيقوم بها على أكمل وجه.

ابن خلدون خدمة أستاذه شرف الدينوتتوالى الأحداث تباعا فيترك بعد أن أبدى هذا الأخير الكثير من التخاذل تجاه وطنه وشعبه، وينضم إلى

نائب القلعة ليشارك في الجهاد، وفي أثناء ذلك يدور بينـهآزدارخدمة حديث تروي له فيه الحلم الغريب الذي راودها، تقول: » رأيت سعادوبـين

البارحة مناما غريبا .. كنت في مدينة ساحلية، لعلها طرابلس أو بيروتا محاصرين كحالنا هنا، ولكن الوقت صيف، والأرجح أنها بيروت وكن

والشمس ساطعة وحارة ، ورأيت طيورا غريبة تحلق فوقنا، وطيورا لها هدير، كأنها فضة أوحديد، وكانت ترمي فوقنا كتلا نارية مرعبة، تدوي وتدمر،

ثم وجدت نفسي أصعد إلى سطح مرتفع.. وكان الناس كلهم يحتشدون على الأسطحة ، ويشيرون نحونا ساخرين وشامتين، وحضر أبي إلى جواري وقال لي كئيبا : أتعرفين هذه الأحياء! فقلت له: لا، فأخذ يسمي... هذا عرب

نعير، وهذا عرب قحطان، وأولئك عرب إفريقية كانوا جميعا يتفرجون ولا1يبالون... كان مناما موحشا ومخيفا «.

إلا تصورا مستقبليا للأحداث اللاحقة، فأبناء المدينةسعادلم يكن حلم حاولوا الصمود في وجه التتار، إلا أن محاولتهم باءت بالإخفاق لأن علماء

المدينة وأعيانها خانوهم، غير مبالين بهم. وقدموا مصالحهم الشخصية على كل مصلحة أخرى. وما الحلم إلا محاولة ليربط ونوس الماضي بالمستقبل، فالطيور التي رأتها سعاد ما هي إلا الطائرات الحديثة في يومنا هذا، والكتل النارية المرعبة هي حمولة تلك الطائرات من القنابل. والعرب المحتشدون

، هم العرب في يومنا هذا وتحديدا الحكومات العربية في سعادفي زمن يومنا هذا، التي لا تحرك ساكنا إزاء العدوان المستمر للصهاينة على لبنان

لم يكنسعادوفلسطين، وحاليا العدوان الأمريكي على العراق. إذن حلم نبوءة عما سيجري من أحداث في زمانها، ولا لأحداث جرت في زمن سعد

الله ونوس، بل تجاوزت كل ذلك لتكون نبوءة للأحداث التي تجري في يومنا هذا.. الأحداث التي نشاهدها كل يوم والتي تقف منها الحكومات العربية موقف المتفرج، فطالما أن الخطر لم بعيد عنها فهي ستبقى غير معنية

فسعادبالأمر. لكن اليوم المفجع لا بد آت إن بقي الحال على ما هو عليه. وسعد الله فهما ذلك جيدا، وإن بقيت تلك الحكومات على حالها عندها

ستحل الكارثة التي ستجعل الجميع يستيقظ من سباته ولكن بعد فواتالأوان. طقوس في محمد القاسم حمية والدها الشيخ مؤمنةوتثير

فيحاول ردها عن الغي الذي هي فيه، من وجهةالإشارات والتحولات نظره، فيقول لها : » إذن أنت ضحية عمل أو رصد. هناك من أعمى

بصيرتك عودي إلى رشدك يا ابنتي، واستري شيبة أبيك. سنقول إن مسا أصابك. ومع الأدعية والنذور، سنشفيك من هذا المس، ونطوي القصة في

. 2«ذاكرة الناس

.436، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1. 551- المصدر السابق، صـ2

39

يعزو تحول ابنته إلى وقوعها ضحية عمل أو رصد منمحمدوالشيخ قبل شخص يريد بها سوءا. وهذا صحيح إن علمنا أنه السبب الأول في

العمل أو الرصد اللذين وقعت مؤمنة تحت تأثيرهما؛ لأنها في منزله الموقر وردةتعرفت طبقات الفجور ومراتبه، ومن المنزل نفسه تخرجت الغانية

التي سلبت لب نقيب الأشراف وذاع سيطها في الشام. لذا، ومن وجهة ، فإن كلام والدها هو محاولة وقحة للتملص من المسؤولية.مؤمنةنظر

يتكلم بلهجة الواثق، وكيف لا وهو الخبير في إخفاء الحقيقة محمد والشيخ عن الناس، وما لقبه بالشيخ إلا دليل قاطع على ذلك، والأصدق والأقرب إلى

. ولغته تعبر عنمحمدالحقيقة أن يلقب بالشيطان على أن يكون الشيخ سخرية صارخة من طريقة تفكير العامة. وكيف أنه من السهل الإمسـاك

بقيادهم وجرهم إلى حيث تشـاء الخاصة وتشتهي. ونوس من جهته يعلم هذا جيدا، إلا أنه بكلامه السـابق يوجـه صفعة قوية للعامة والخاصة على حد

سواء عندما يكشف الستار عن آلية تفكير كلتا الطبقتين. ، شخصيتان من أعيانإبراهيم وحميد العجلونيوفي حوار بين

دمشق، يناقشان فيه الفوضى التي عمت المدينة بعد فضيحة النقيب التي دفعت به ليصبح متصوفا ودفعت بزوجته لتصبح غانية يلهث كل من في

المدينة باسمها، يقول حميد : » يا سيدي..بدأ الجنون فعلا. لا حديث على ألماسة. بدأ العطارون يسمون أفخر عطورهم ألماسة. وبائعوا لسان أحد إلا

كالتي تتزين بها ألماسة. وقيل لي ..سينزل إلى الذهب لا يصنعون حليا إلااس وسيطرعليهم ما يشبه السحر السوق حرير اسمه ألماسة. لقد جن الن

. إن ما يحدث في المدينة هو بفعل السحر الأسود. إذن للسحر1الأسود « نوعان: أسود وأبيض. سحر للخير وآخر للشر. ويعزو حميد كل تلك الفوضى

إلى السحر الأسود، فهل هذا صحيح؟! هل يمكن للسحر أن يسبب هذهاس وطريقة تفكيرهم المحدودة هي التي الفوضى؟!! يبدو أن عقلية الن

تسببت بكل تلك الفوضى. فهل يستطيع ونوس أن يقول لشعب كامل أنه جاهل وتفكيره محدود، وذلك سبب تخلفه وتأخره عن ركب الحضارة؟!

اس إلا ه لو فعل ذلك فلن يزيد الن ونوس يعلم جيدا أن ذلك غير ممكن، لأن عنادا وتمسكا بمفاهيمها ومعتقداتها الخاطئة. لذا نراه يورد هذا المعتقد في

إلى تحولها بينمؤمنةسياق النص. بعد أن يضع كل الحقائق التي دفعت يدي المتلقي ليحكم بنفسه ويقرر سبب تلك الفوضى، أكانت بفعل السحر

الأسود حقا، أم بفعل البشر وطريقة تفكيرهم؟! وتتابع الأحداث في المدينة نجد الخادمة تبخر منزلها وعندما يسألها زوجها عن ألماسةوفي بيت

السبب تجيبه: » مرت علينا بصارة قالت إن المدينة مسكونة، وإن هذه الأحداث الغريبة من فعل أشرار الجن، وقالت إن دما سيراق، وإن الهواء

.2الأصفر سيأتي قبل أن يجف الدم « دوما عندما تقع الحوادث الجثام تكون هناك قلة قد تنبأت بما سيحدث

بوقت طويلألماسةمن قبل وحذرت منه. فهل جاءت النبوءة قبل ظهور أم بعد ظهورها؟! البصارة مرت بالخادمة وأخبرتها أن المدينة مسكونة

بأشرار الجن وأنهم وراء البلاء الذي حل بمدينتهم. فمن أشرار الجن، وهل

.557، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.591-590- المصدر السابق، صـ2

40

هم حقا الذين تسببوا بالبلاء؟! المدينة لا تعج بأشرار الجن بل بأناس محملين بالأهواء والرغبات التي تعصف بأحوالهم وأحوال أهل المدينة من

عبد أو حتى العفصة، ولا تحول مؤمنةحولهم. فلم يكن الجن وراء تحول لأن تحولاتهم نبعت من دواخلهم. وقالت البصارة إن الدمالمفتي أو الله

سيراق وجاء الدال) دم ( بصيغة النكرة ..فمن الذي سيراق دمه؟ ومن الذي سيريق الدم ؟! علمنا سابقا أن المفتي أصدر فتوى حلل فيها دم كل من

اس مليئة بالحقد يعمل في سلك البغاء من جهة وعلمنا أن صدور الن والغضب على من تسبب بهذه الفوضى من جهة ثانية، ورأس هذه الفوضى

التي تبرأ منها والدها على الملأ..فكان لا بد أن يراق الدمألماسةهي بوصف المدينة تقبع فوق بركان يهدد بالثورة في أية لحظة، وهذا البركان ما

الحصر والكبت الذي يعاني منه أهل المدينة غير الراضين عن هذا هو إلا الفجور. وإن قتلت إحدى البغايا ستتبعها سلسلة طويلة من القتل والدم

وستودي بالمدينة ولا شك إلى الهاوية. فما الغرض من توظيف البصارة فيها أقرب طريقة مع المتلقي فهي نابعة من صميم معتقداته. النص؟! ربما لأن والمخبر هو بصارة والكلمة آتية من البصر.. أي أن ما رأته وأخبرت به كان حقيقة مطلقة. لكن هل جاءتها بوساطة الوحي والإلهام أم بقوة البصيرة ؟

إن تحليلا دقيقا ومتأنيا للأحداث من قبل أي كان سيكشف بالضرورة أن هذا ما سيحدث بكل جلاء ووضوح. ولن يجد المتلقي نفسه متفاجئا بالأحداث، بل

ه والبصارة كانا ه سيشعر أن سيفاجأ ربما بقدرته الخاصة على التنبؤ بها لأن يعلمان أن هذه هي النهاية المحتومة..عندها سيحاول أن يطبق هذا الأمر

ولو بشكل غير واع في حياته العملية. وبذلك يكون ونوس قد حقق مبتغاه. وما كان المتلقي ليصل إلى هذا اليقين لولا اللغة التي وظف بها ونوس المعتقد، أي أنه يمكننا النظر إلى النص المسرحي» على أنه مؤلف من

رموز لكل منها مضمونه الخاص والفن في هذا الوجه مشابه للتنجيم. 1والنبوءة والأساطير «

بعبود أن تجد سببا مقنعا لتعلقها ملحمة السراب في زهيةوتحاول وحبها له بعد كل ما فعله بها، تقول: » حقا كأن مسا أصابنا أوالغاوي

لا تجزم لأنها تقول بوضوح » كأن مسا « وكأنهازهية. 2وشما دبغ أرواحنا « تعلم في قرارة نفسها أن شيئا لم يصبها، لكن ما هي فيه عصي على

التفسير وهو أشد تعقيدا من أن تستطيع تفسيره أو تحليله بنفسها. والخيار الآخر الذي تراه مفهوما ربما، هو أن وشما قد دبغ روحها وشريكتها

. والوشم عادة يدبغ الجسد ولا يزول عنه حتى يزول الجسد. وربماكريمة لن يزول حتى يزهق الموت روحها. للغاوي أن حبها زهيةقصدت عن سعادتها نبيل حبيبهاإيفا تخبر بلاد أضيق من الحب و في

بقدوم صديقتها البومة في الحوار التالي: ( معقول! كيف جاءت؟! إنها البومة.. صديقتي القديمة..بفرح » إيفا : )هل تتشاءم

- الفضاء المسرحي / دراسة سميائية، أكرم اليوسف، دار مشرق مغرب، دمشق، ط 11،1994 ،2000،

.68 صـ.625، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ2

41

من البوم؟.1 نبيل : لا أتشاءم من البوم ، ولكن لم أكن أعلم أنك تصادقين بومة «

إيفا ظهور المعتقد هنا اختلف عما ألفناه في النصوص السابقة لأن تصادق البوم وتتفاءل برؤيته وتحب صيحاته التي يرن فيها أسى جليل

رغم المكانة المشؤومة التي يتمتع بها البوم في معتقداتنا الشعبية لأنه يعد نذير شؤم كالغراب تماما، إلا أن بعض الشعوب تتفاءل بمرأى البوم وتعده رمزا من رموز الوقار والحكمة. جاء عرض ونوس، في هذا النص،

لمسألة المعتقدات مختلفا إلا أنه سوغ سبب الصداقة التي جمعت بين طالبة في مدرسة داخلية تعاني الوحدة والعزلةفإيفا والبوم . إيفا

والبوم غالبا ما يكون وحيدا ومنعزلا ، كما أن نعيبه مختلف عن نعيق الغراب الصاخب لأن في صوته أسى جليلا يتماشى و الحالة الشعورية

تمر بها في تلك المرحلة من حياتها. إيفاالتي كانت ، يبحث الحفيد جاهدا عن الحقيقة فيالأيام المخمورةوفي مسرحية

ي محاولة ليستقر في اسمه وهويته، يقول: » وأدركت على نحو غامض، أن إذا كشفت الدمل وفقأته « ، والحقيقة2لن أستقر في اسمي وهويتي إلا

والدةسناءالتي كان الحفيد يبحث عنها تكمن في الحكاية الغامضة لجدته . تلك الجدة التي حيرت الحفيد بالسلام والطمأنينة اللذين يشعانليلىأمه

من وجهها الآسر. وتحت إصراره الشديد تبدأ والدته بسرد حكاية الجدة التي ، وتغير سناء علامات الإرهاق على وجه والدتهاليلىبدأت عندما لاحظت حالها يوما بعد يوم:

( لا أدري.. أعتقد أنها كانت متبوعة.هامسة» ليلى:)الحفيد: ما معنى متبوعة؟

ليلى: التابعة هي جنية سفيهة تسكنها، أو تصاحبها كالطيف أو الظل.الحفيد: وكيف عرفت أنها متبوعة؟

ليلى: بدأت ألاحظ طيف امرأة، أو ظلا يجالس أمي، وينهمك في الحديث معها. كان ذلك غريبا..أحيانا كنت أرى الطيف واضحا كامرأة حقيقية مليحة

الوجه، ولها عينان وحشيتان ومكحولتان. ولكن.. وما إن أنعم النظر، أو أقترب حتى تغيب المرأة، وتتحول وهما. كنت أخشى تلك الرؤية، وأتطير

. 3منها « متبوعة من قبل جنيةسناء أن والدتها ليلىتبدأ الحكاية عندما تلاحظ

حائرة لا تدري إن كانت الجنية تسكن الأم أمليلىلا تفارقها مثل ظلها. و تصاحبها. وقد يعتقد المتلقي أن للدالين )تسكن وتحاصب( المعنى ذاته، لكن مدلولات الدالين مختلفة جدا فالسكنة تعني وجود الطيف، والطيف قد يكون

ه وهم زينه لاشعور ، أما أن يكون ظلا، فذلك أمرليلىمن صنع الخيال أي أن آخر، لأن الظل مرئي، والجميع باستطاعتهم رؤية الظل، ولا يوجد من ليس

له ظل، وهو رفيق الإنسان الدائم. والظل بالفعل يصاحب الإنسان أينما.70، صـ1996، 1- عن الذاكرة والموت)نصوص(، سعد الله ونوس، الأهالي، دمشق، ط1.7، صـ1997 ،1- الأيام المخمورة )مسرحية(، سعد الله ونوس، دار الأهالي، دمشق، ط2.7- الأيام المخمورة، صـ3

42

ذهب وحل وفي كل حالاته، ولا يمكن الفكاك منه. بينما الطيف يظهر ويغيب ؟! وهلسناءأي أنه لا يصاحب الإنسان دوما، فما الذي أرادته الجنية من

،سناءهي جنية أو طيف حتى؟! أم أنها كانت الأنثى المخبوءة داخل بما تتمتع به من بصيرة أو حب عميق صاف لوالدتها أنليلىواستطاعت

تكتشف في لاشعورها أن أمها تخبئ امرأة أخرى في أعماقها؟! ونظرا كانت فكرة أن تكون أمها هي ذاتها تلك الأخرىليلىللبيئة التي نشأت فيها

أمرا مرفوضا، بينما كان مقبولا أكثر بل وحتى مفهوما فيما يخصها أن تكونالأخرى هي تابعة سفيهة فرضت على والدتها الحبيبة فرضا.

اس أن لهم رئيا من الجن، كانت العرب في الجاهلية تنسب » إلى الن إذا ظهر لهم شخص الجني وتمثل صورة آلفا ذلك الإنسي، يخبره الأخبار

كانت في هيئة إنسية أيلسناء . والجنية التي ظهرت 1ويعلمه الأسرار « . فما الأخبار التي ستقولها لها وما الأسرار التي ستطلعهاسناءأنها ألفت

في ختام حديثها لولدها: »ليلىعليها، وهل سيحدث هذا بالفعل؟! تقول كنت أخشى تلك الرؤية، وأتطير منها «. إذن ليلى لم تخف من وجود الجنية

حتى يبدو أنها تألف وجودها، وهذا يدل أن مصاحبة الجن للإنسان أمر متعارف عليه في المجتمع، وذلك بدا واضحا من اللغة التي تحدثت فيها

عن الواقعة، وخشيتها كانت مما قد تسببه هذه الرؤية من أحداثليلى سيئة. هي تتطير وهذه عادة متوارثة من الجاهلية وحتى يومنا هذا، وهو أمر

متعارف عليه بين شعوب العالم فلكل شعب أشياء يتطير منها وتجلب في محله؟! بتلاحق الأحداثليلىالشؤم إلى نفسه. فهل كان تطير

كانت حقيقية وفي محلها. وتبدو الجنية ليلىنستطيع أن نعرف أن مخاوف جميلة مليحة الوجه ولها عينان وحشيتان مكحولتان.ليلىكما وصفتها

وهكذا فإن ونوس حضر المتلقي للأحداث اللاحقة. صحيح أنه لم يخبره بذلك علنا لكن الموروث الذي حركه ونوس ببراعة في نفس المتلقي هو من

»سناءتكفل بهذا الدور. في الفصل التالي تبين الموضحة الإخراجية حالة تمضي سناء بخطى قلقة نحو النافذة، لكن قبل أن تصل إليها تنفتل مبتعدة

عنها. تتهاوى على إحدى الكنبات. تخرج من صدرها حجابا مثلث الشكل، في هذا الفعل تحاول حماية سناء .2تقبله، وتضعه على جبينها مرات ثلاث «

نفسها من نفسها. تحاول أن تبعد عنها الوساوس والأفكار التي تكدر روحها، لكأن هذا الحجاب يحمل قوة سحرية ستنقذها من كل المصائب والشرور.

من شياطينها؟! وهذا المشهد البسيط يتكرر مئاتسناءفهل حمى الحجاب المرات في حياتنا اليومية فالأم تصنع حجابا لابنها المسافر أو لابنتها التي

تخاف عليها من الحسد أو لزوجها حتى لا تسكن قلبه واحدة أخرى وهكذا.. فهل تحمي هذه الحجابات أصحابها بالفعل؟! أم أن إيمانهم العميق بصدق

المعتقد هو الذي يحميهم ويجنبهم الوقوع في السوء. و » الإنسان قادر عندما تصل به الضرورة إلى أقصاها على أن يخلق ويطور العضو الذي

. إن إيمان الإنسان العميق بشيء3يمكنه من تحقيق هذه الضرورة الملحة «. 478، صـ1،2004-أساطير العالم، هيثم هلال، دار المعرفة، بيروت، ط 1.9- الأيام المخمورة، صـ2 - المسرح أصوله واتجاهاته المعاصرة)مع دراسات تحليلية مقارنة(، د: محمد زكي3

العشماوي، دار النهضة . 52 العربية، بيروت، صـ

43

ما يؤدي بالضرورة إلى تحقق ذلك الشيء. يضعنا ونوس في نصوصه مع الواقع وجها لوجه دون مواربة أو خداع فهو يعلم كيف يأخذ بيد المتلقي إلى حيث يريد. فاللغة لعبة ونوس المفضلة تطيعه في كل ما يذهب إليه بعفوية.

وهو لا يهاجم في هذا النص المعتقدات بضراوة أو شراسة، لأن مهاجمتها بهذا الشكل تنم عن جهل بالواقع وبآلية تفكير المجتمع لذا نراه يترك

للمتلقي حرية الخيار، إلا أنه بشكل أو بآخر يكون قد ورطه مسبقا في لعبته المسرحية ولا يعود من مجال للعودة أو التراجع، لأن ونوس أوقد جذوة

التساؤل، وإن انطفأت فيما بعد فلن ينسى المتلقي أنها اشتعلت ذات يومبقوة في أعماقه.

تقول للتابعة التيسناء نجد فصل سناء والتابعة وفي الفصل نفسه تحاول أن تشحذ عزيمتها لتتخذ القرار: » أخشى أن أكون مرصودة، أو أن

محاولة يائسة1ساحرة شريرة عملت لي عملا « . وما الجملة السابقة إلا للهرب من الوساوس والأشواق التي تعتمل في روحها والتيسناءمن

أن يكون أحدهم قد قام ضاقت بها ذرعا. فلا تجد مسوغا لما يحدث معها إلا برصدها، أو أن ساحرة تسلطت ورمت عليها بشعوذة شريرة قضت

مضجعها وأرقت أيامها. فهل كانت أيامها صافية حقا، وهل كانت حياتها مع تعلم جيدا أن ما يحدث معها ليس بفعلسناءزوجها جميلة لا تنسى؟؟!

الرصد أو الشعوذة لكنها تحاول أن تعزي نفسها من جهة، وأن تتملص من تحمل المسؤولية من جهة ثانية. فهي الآن عاشقة متيمة لكن وضعها

الاجتماعي وسنها لا يحتملان وجود هذه الفكرة في حياتها، لذلك لا يمكن أن تطيع قدرها ببساطة، وترمي بكل شيء وراء ظهرها كما لو أنه لم يكن

يوما. وتبدو محاولة إلقاء اللوم على قوى غيبية خفية أهون عليها من مواجهة نفسها بالحقيقة المرة وأن ما يحدث معها هو ما تمنته منذ كانت في الرابعة عشر من عمرها عندما شهدت فرار حبيبة شقيقها معه بدافع الحب

متحدية إرادة والدها وعادات مجتمع كامل وتقاليده، وتقول في وصف الحالة . بقي حلم2التي أصابتها: » ولد في داخلي حلم لن ينطفئ ما حييت.. «

متقدا في أعماقها حتى اليوم الذي قابلت فيه الرجل الذي طالماسناء حلمت به. الآن هي متزوجة ووالدة لأربعة أبناء، فكيف لها أن تترك كل هذا

سناءلأجل مقابلة قدرها. وبعد معاناة طويلة وتقليب مرير للأمور تتخذ وأولادها بتشجيع منعبد القادر الطحاويالقرار الحاسم وتهجر زوجها

وصوتها الداخلي النابع منسناءتابعتها التي ما هي في الحقيقة إلا ضمير بحالة من البكمليلىأعماقها الصافية الصادقة. وجراء ما يحدث تصاب

المفاجئ الناجم عن الصدمة التي خلفها رحيل الوالدة التي ائتمنتها على لكن الأطباءليلى أن يعالج عبد القادر الطحاويالسر. ويحاول الوالد

يخفقون في علاجها فيلجأ إلى المشايخ والمجاورين، أو بمعنى آخر يلجأ إلى طب الشعوذة. وهذا يبين زيف التمدن الذي أقنع نفسه للحظات أنه مناسب

الجني والجسد بسرد حكايتها مع الشيخة في فصل ليلىوتبدأ له. ليلى. فالشيخة تحاول جاهدة دفع الجني إلى الخروج من جسد المسكون

عن طريق ضربها بسوط مصنوع من شرائط الجلد والحرير. ونتيجة للألم بالصراخ عندها تتوقف الشيخة عن جلدها وتقول: »ليلىالمبرح، تبدأ

.12 - الأيام المخمورة، صـ1.12، صـالأيام المخمورة- 2

44

أبشري يا ليلى.. يا أخواتي المؤمنات الطاهرات كافأنا الله برحمته. رأيت الجني ينسل من دبرها كالكلب الأجرب، ساترا عورته، وهاربا من الحضرة

من علتها وتصف ليلى في المقبوس السابق تبشرنا الشيخة بتعافي1«. هروب الجني بأم عينها بلغة تبعث إلى الضحك ثم إلى البكاء من شدة

لم تفقد النطق بلا سبب أو لأن جنيا شريرا سكنليلىالجهل والتخلف. جسدها بل فقدته كرد فعل على هرب والدتها خشية أن تفشي السر الذي

يبدأليلى عليه. وعندما تخفق الشيخة في رد النطق إلى سناءائتمنتها طقس جديد تخبرنا به ليلى، تقول: » حين تأكدت الشيخة أني لم أستعد

القدرة على الكلام، فار غضبها، واحمرت عيناها. أمسكت مريدتان رأسي وفتحت الشيخة فمي عنوة. سحبت لساني، وأخذت تطليه، وتفركه بالتوابل

الحارة والكاوية. ثم استلت دبوسا راحت تخز لساني به، بضربات عصبية، ودون نظام. ومع الدم الذي كان يسيل، كان صراخي يفيض أنينا وفحيحا.

والذكر مستمر، والمريدات يدرن في الحلقة، هاتفات الله حي.. الله حي.. 2تلك الليلة، لامست الموت، وبقيت أياما أتوجع من جروحي وقروحي «. ويبين المقطع السابق بجلاء نفاق تلك الشيخة وزيف تلك المعتقدات

التي مازال الكثيرون يعتقدون بصحتها. ولغة الشيخة تشعر المتلقي أنه أمام شيخة من لحم ودم لا أمام شخصية مكتوبة على ورق. تبدأ الشيخة

ثم إلى المؤمنات بلغة فصيحة إلا أنها سرعان ماليلىبزف البشرى إلى تختفي عندما تصف هروب الجني الشرير من دبر ليلى كالكلب الأجرب

في محاولة منها لتقريب منظر فرار الجني من منظر فرار الكلب الأجرب عندما يضربه الناس ويعذبونه على ذنب لم يقترفه. ولا تكتفي بذلك بل

تخبرهن أيضا أنه وفي أثناء فراره كان يستر عورته. وهنا يتساءل المتلقي عن طبيعة ذلك الجني هل يشبه الإنسان أم الحيوان. وبعد ذلك الشرح

لم تنطق! وهنا لا يبقى أمام المتلقي إلا أنليلىالطويل نكتشف أن يتوجه بالسؤال عن مصداقية تلك الأعمال وحقيقتها. وهذا يثبت بما لا

يقبل الشك إبداع ونوس في أثناء كتابته لشخوصه المسرحية. رأينا سابقا أن الأحلام في نصوص ونوس غالبا ما تكون نبوءة تخبر بالأحداث القادمة أو وصفا للوضع الراهن. وهذا ما نقع عليه في حلم

بعد عودته من لقاء والدته التي كان قد قرر قبل ذهابه إليها أنهعدنان سيقتلها ليمحو العار الذي ألحقته بهم، إلا أنه وفي اللحظة الحاسمة عجز عن ذلك عندما رآها، فتقول له: » إذا لم تقتلني، فإن الخوف والعجز، كل

وبعد حادثة3ذلك سينمو، ويتحول في داخلك إلى أورام تفسد حياتك «. لقاءه بوالدته يصاب بالإحباط الشديد لعجزه عن تنفيذ قراره بقتلها؛

في محاولة لمساعدته على الخروج من المحنةبسونيا سرحانفيعرفه يخبرها بالحلم الذي راوده،سونياالتي يمر بها. وفي حوار يدور بينه وبين

يقول: » يبدو أني خرجت من البيت.. أي بيت؟! لا أدري! كانت السماء غائمة..

تطلعت حولي فرأيت أراضي غطتها السيول وحولت ترابها إلى طين.75المصدر السابق، صـ -1.75 - الأيام المخمورة، صـ 2.103 - المصدر السابق، صـ3

45

ووحول.. لم يدهشني المنظر، و قلت في نفسي.. هذه بقايا الفيضان، وستظل الأراضي مغطاة بالوحول فترة طويلة. و بينما كنت أتطلع حولي،

اكتشفت في أرض مجاورة، خطوط حراثتها مازالت رغم السيول منتظمة، جثة رجل صغير وعار من الثياب. ووجدتني إلى جواره أتأمله، وأعجب من

وجوده في هذا المكان. حضرت أمي ولا أدري متى؟ فأجابتني.. إنه أنت يا بني. اندهشت وغضبت.. قلت لها.. انظري كم هو صغير وضئيل! فقالت.. في البرد والمطر تقلص بدنه وانكمش. قلت لها.. هل تعنين أني.. فأجابت

بصرامة.. ارفعه واستره، قبل أن يتقاطر عليه الحلزون، ويغطيه. ثم استدارت واختفت. كنت مرتبكا ولا أدري ماذا أفعل. وفجأة.. رأيت سربا

من الحلزون يزحف على الجسد الضئيل والعاري، تاركا على الجلد أشرطة لامعة من سوائله الرخوة ثم رأيت حلزونا طويلا تخلص من قوقعته وزحف

بعضلات أفعوانية نحو الفم. ورأيت الفم ينفرج ورأيت الحلزون ينفذ في1الفم وشعرت بالبلل.. «.

سناء لوالدته عدنان والحلم وصف للحالة الشعورية اللاحقة لرؤية التي وضعت ولدها أمام الحقيقة المرة للوجود الإنساني في تلك

المرحلة. وفي القسم الثاني من الحلم نجد نبوءة بما سيحدث بعد ذلك سيقدم على الانتحار جراء الألم و الضغط الذي تعرضعدناناللقاء لأن

له منذ فرار والدته لأنه لم يستطع قتلها ولم يستطع التعايش مع فكرة . وذلك يعود إلىسلمى وشقيقته سرحانهروبها كما فعل شقيقه

شعوره بأنها لم تخطئ بما فعلت خطأ كاملا تستحق الموت عليه. إلا أن عقله و تربيته تمليان عليه واجبا محددا هو قتلها للتخلص من العار. وبين

و تربيته يفقد توازنه فيقرر أن يضع حدا لتلك المعاناةعدنانإحساس عن طريق وضع حد لحياته الخاصة. وبالعودة إلى لغة الحلم فهي تبدو للوهلة الأولى مشوشة وغير مترابطة؛ إلا أن تحليلا دقيقا للدوال يبين

التالي: عشيقحبيبمن بيت لا يعرفه و ما هذا البيت إلا بيت عدنان خرج

والدته، والسماء الغائمة ما هي إلا تعبير عن حالته النفسية بعد خروجه من البيت، والأراضي التي غطتها السيول هي البلد الذي غطاه الفساد

والكذب. والسيول التي غالبا ما يتسم فعلها بالتدمير هي الأحداث وقضت على السكينة فيها، وهذا ماعدنانالمتلاحقة التي خربت نفس

أراده ونوس من استعماله للدال )سيل( في ذلك السياق. والطين والوحل ما هما إلا النفاق والرياء. وعدم دهشته من ذلك المنظر ناجمة

عن معرفته الضمنية بحقيقة الواقع، وبقايا الفيضان ما هي إلا المخلفات الحتمية للتفسخ والانحطاط في القيم والأخلاق الإنسانية، والنتيجة أن

إصلاح الفساد سيستغرق وقتا طويلا جدا. هذا فيما يخص الشق الأول من الحلم. أما الشق الثاني فيبدأ بجملة » أرض مجاورة، خطوط حراثتها

منتظمة «. وهذه الأرض هي نفسه التي بقيت نقية وشفافة رغم الأوضاع والظروف التي أحاطت بها حاولت القضاء عليها. ووقفته أمام جثة الرجل

الصغير تمثل وقفته أمام نفسه التي ماتت جراء اصطدامها بالواقع الملوث الذي أصبح شبيها بمستنقع آسن. ثم يطالعنا ذكر الحلزون ذلك

.116- الأيام المخمورة، صـ146

الرخوي الذي يختبئ في قوقعته في حال تعرض لخطر لكن ما أن يحس بالأمان حتى يعاود الخروج منها، والحلزون يتسلق الأوراق والأغصان الفتية ليتغذى عليها خاصة بعد هطول المطر لأنها تكون غضة ومليئة

بالغذاء. وعدنان شاب فتي تسلق عليه فساد المجتمع، وقضى على كل أمل لديه في عيش حياة كريمة، وسرب الحلزون هو الفساد والشر الذي

عم كل شيء. وفعل دخول الحلزون الأفعواني إلى الفم بعد خلعه لقوقعته هو منع لإمكانية النطق وقول الحقيقة التي ستفضح زيف

المجتمع. وفعل التخلص من القوقعة تم لأن الظروف أصبحت مواتية وما عاد الحلزون ضعيفا رخوا ليختبئ في القوقعة بل أصبحت له عضلات

تمكنه من الظهور عاريا دون حاجة للخوف. فالخير أصبح عيبا يعير الإنسان به. إذن الدوال التي بدت غير مترابطة وعشوائية للوهلة الأولى

حملت مدلولات جمة ساعدت المتلقي في فك شيفرات الشخصية والدخول إلى عوالمها السحيقة التي تبدو عصية على فهم عدنان نفسه.

، وما على1فالنص المسرحي » يتمتع بقدرة واسعة على بث العلامات«المتلقي إلا تتبعها ليصل إلى الرسالة التي يرغب المبدع في إيصالها.

نتبين في هذا الفصل أن ونوس لم يدخر جهدا لإغناء نصه، بالتوظيفات التراثية التي تنوعت في النصوص بقدر تنوعها في الحياة اليومية. والتي

استطاع الكاتب من خلالها الولوج إلى أعماق المتلقي العربي عن طريق عرضه لهذا الموروث من خلال لغـة خدمت الموروث وموروث خدم

غرض النص، وساهم في إيصال رسالة المبدع. فالنص الأدبي » هو قبل كل شيء بنية )تركيبية( من العلامات اللغوية، وهو الحاوي الشكلي

. وما سبق2حسب رولان بارت، وهذه البنية، هي في الوقت ذاته دالة « يقودنا للحديث عن الأسباب التي دفعت الدارسين إلى القول بجمالية

السماتاللغة عند هذا المبدع، وهذا ما سنتعرف إليه في الفصل التالي: .الفنية للجملة

ــاني: ــ ــ ــل الث ــ ــ الفص

السمات الفنية للجملةالمبحث الأول : لغــــــــــــــــة

الشـــــــخصية..68 الفضاء المسرحي، صـ- 1.241 نظرية النص من بنية المعنى إلى سيميائية الدال، صـ- 2

47

ورة ــ ــ اـني : الصـ ــ ــ المبحث الثالفنـــــــــية.

ــانة المبحث الثالث : تقـــــــــــالعنوان.

: المبحث الرابــــــــــــــــــــع التــــــــــــــــــــكرار.

المبحث الخـــامس: اســـتعمال العامية.

يقدم هذا الفصل لأهمية الجملة في تكوين النص الإبداعي المسرحي بوصفها دالا يحمل في ثناياه مدلولات متعددة. ومدى مناسبة هذه الجملة

للسياق الذي وردت فيه، وكيف استطاعت أن تضفي بعدا جماليا على النص ككل. لذا وجب تقسيم الفصل إلى أقسام عدة، توخيا للدقة، على الشكل

الآتي:المبحث الأول: لغة الشخصية: يتألف النص المسرحي من مجموعة من الشخصيات التي تبني الحدث

المسرحي. ويتضح إبداع الكاتب، مسرحيا كان أم روائيا، في قدرته على وكلمة شخصية كلمة مستحدثةتقمص الشخصيات التي يتحدث بلسانها.

في اللغة العربية، وهي مأخوذة من الجذر اللغوي شخص التي تعني » سواد . ونستطيع القول إن الحكم على1الإنسان وغيره تراه العين من بعيد «

الشخصية يتم عن بعد بشكل أو بآخر ذلك أننا نصل إلى أحكامنا من خلال-personality) الشخصيةهيئة الشخص وتصرفاته. وتشتق كلمة

1 - . . . ط د ت، د القاهرة المعارف، دار منظور، ابن العرب، ، مادة )شخص(.لسان48

personalite)في اللغة الغربية من التعبير اللاتيني( personaوهو يشير ) .1إلى القناع الذي استخدمه الممثل اليوناني في أثناء أدائه لدوره المسرحي

وفي العجم الأدبي الشخصية » عنصر ثابت في التصرف الإنساني، وطريقة المرء العادية في مخالقة الناس والتعامل معهم ويتميز بها عن

الآخرين... إن كل إنسان هو، في الوقت نفسه، شبيه بغيره من الجماعة . وهذا2التي يعيش بينها، ومختلف عن أفرادها بطبعه الخاص وتجاربه «

الاختلاف في الطبع والتجارب الحياتية، هو المكون الأساس في شخصية الإنسان وهو الأمر الذي يطبع الشخصية بطابع خاص ومميز، ويساعد في

تطورها ونضجها. وفنيا: » الشخصية هي العامل الأساسي في تحقيق الآثار الفنية، وهي التي تسبغ عليها طابعا خاصا. وتتجلى بوضوح في تصور

موضوعاتها، وفي تنفيذها، والأسلوب المتبع فيها. فإذا ما سيطرت شخصية الفنان على آثاره خرج من دائرة التقليد والمحاكاة، وانطلق في

.3دروب الإبداع والتميز عن الآخرين « وفي المعجم المسرحي » الشخصية كائن من ابتكار الخيال يكون له

دور أو فعل ما في كل الأنواع الأدبية والفنية التي تقوم على المحاكاة مثل اللوحة والرواية والمسرح...وللشخصية في المسرح خصوصية تكمن

في كونها تتحول من عنصر ملموس عندما تتجسد بشكل جماعي على . وتتميز الشخصية المسرحية بوصفها4الخشبة من خلال جسد الممثل «

» تعبر عن نفسها مباشرة من خلال الحوار والمونولوج والحركة دون ولا يمكن أن نطلق على نوع أدبي5تدخل وسيط هو الكاتب أو الراوي «.

أنه مسرح إلا بوجود الحوار، ولا وجود للحوار دون وجود الشخصيات التي تبنيه، ولا يمكن لتلك الشخصيات أن تحيى في وجدان الجماهير على مر

العصور ما لم تتمتع بالمصداقية، ولا تأتي تلك المصداقية من فراغ.. فكتاب من مثل سوفوكليس، ويوربيدس، وشكسبير، وموليير، وتشيخوف،

وبريخت، وبيكيت، لم يوصفوا بالعبقرية عبثا؛ بل لاستطاعتهم تقديم أعمال خالدة، وما خلود تلك الأعمال إلا نتيجة حتمية لخلود الشخصيات

وتختلف الشخصيات التي يخلقها الكتاب المسرحيون، »التي قدمتها. منها الشخصيات الأساسية والشخصيات الثانوية، ومنها الشخصيات

، ومنهاstatic والشخصيات الثابتة أو الجامدة dynamicالمتحركة . وأبرزها كما6الشخصيات الحية والشخصيات النمطية.. إلى آخره «

حددها النقد الحديث تبعا لقوة التشخيص وضعفه:

- ينظر: الموسوعة الفلسفية العربية/المجلد الأول)الاصطلاحات والمفاهيم(/، رئيس1التحرير: د.معن زيادة،

.508، صـ1986 معهد الإنماء العربي، ط.146، صـ1979، 1 - المعجم الأدبي، جبور عبد النور، دار العلم للملايين، بيروت، ط2.147 - المرجع السابق، صـ3. 269- المعجم المسرحي مفاهيم ومصطلحات المسرح وفنون العرض، صـ4.270 - المرجع السابق ، صـ5 - ينظر: مادة الشخصية في" معجم المصطلحات الدرامية والمسرحية"، د.إبراهيم6

.1971حمادة، دار الشعب، 49

الشخصية المركبة أو المدورة: هي الشخصية المتفردة في مواقفها ها في مسار الفعل الدرامي، كشخصية هاملتوآرائها وقوة تأثير

وماكبث..الشخصية النمطيـة: هي الشخصية التي لها مظهر واحد، ويمكن

التنبوء بسلوكها وفيهـا صفات عامة تشترك فيها مع عشرات الشخصيات التي تنتمي إلى الطبقة نفسها، ولا تنمو هذه الشخصية ولا

تتطور كما يحدث للشخصية المركبة. الشخصية الكاريكاتورية: وهي الشخصية التي يركز مؤلفها في أثنـاء

خلقهـا علـى جانب واحد من ملامحها الجسدية أو النفسية أو الخلقيـة، مهملا الجوانب الأخرى، مثـل تركـيز الكـاتب على جانب البخل في

الشخصية بشكل تام بحيث تخضع الشخصية لنوازع البخل إلى الحـد.1الذي يرفضه العقل والمنطق

وخلق الشخصيات المسرحية » عملية إبداعية معقدة، فهي تحتاج إلى ولا يستطيع الكاتب أن يتقمص2موهبة وقدرة وخبرة وثقافة واسعة «.

شخصياته بكل بساطة وعفوية، ذلك أن تقمص الشخصيات يحتاج إلى خبرة عميقة من الكاتب المسرحي بخبايا النفس الإنسانية ودقائقها، و»

مسألة خلق الشخصية برمتها مسألة غامضة، بل لعلها أشد غموضا والتواء عند الشخص الذي يخلق الشخصية منها عند أولئك الذين يبتسمون، أو

يكتبون ويشاهدون خلق الشخصية، أنها عملية لا ضابط لها ولا مرجع نرجع فيها إليه.. عملية لا يمكن الاستناد فيها إلى النصوص والمستندات.. كما أنها

؛ ذلك أن ما يكون شخصية3تستعصي على التعريف الدقيق المضبوط « الإنسان هي تلك الدقائق والجزئيات، إضافة إلى معرفة بصيرورة المجتمع

الذي يكتب المبدع عنه وله، ولا يمكن للأفكار مهما بلغت مصداقيتها أن تؤثر في المتلقي مثلما تفعل عندما تقال على لسان شخصيات خالدة، فمغزى حياة الشخصية المسرحية لا يرتبط » بأي عرض مسرحي معين، ولا بأي

حضور مادي متميز، بل هو مرتبط باللغة المسرحية وبالموقف الذي تخلقه . لذا نجده في معظم أعمال التسعينيات قد أتاح لشخوصه4تلك اللغة «

الدفاع عن أنفسهم ومواقفهم ورؤاهم كل بلغته الخاصة وبما يتناسب وطبيعته. ذلك أن الكاتب المسرحي » لا يفسر شخوصه، بل يترك جمهوره

ليتفهم ما تقوله تلك الشخوص وما تعمل، وعلى ذلك فالأفراد المختلفون قد.5يستنتجون أمورا مختلفة من شخصية بعينها «

- ينظر: غواية المتخيل المسرحي-مقاربات لشعرية النص والعرض والنقد-، علي عواد،1المركز الثقافي

. 54- 53، صـ 1997، 1 العربي، الدار البيضاء، بيروت، ط.51 - غواية المتخيل المسرحي، صـ2 - فن الكاتب المسرحي، م بسفيلد روجر)الابن(، تر: دريني خشبة، القاهرة، دار 3

، 1978النهضة، مصر، .165 صـ

- الدراما والدرامية، س.و داوسن،تر: جعفر صادق الخليلي، راجعة وقدم له: د.عناد 4غزوان إسماعيل،

.74، صـ1989، 2 منشورات دار عويدات، بيروت، باريس، ط.77- المرجع السابق، صـ 5

50

» راويان وحكايتان. راو إسرائيلي وراويةالاغتصابوفي مسرحية فلسطينية. حكاية إسرائيلية وحكاية فلسطينية. والحكايتان تتداخلان

. لذا جاء تنوع الشخصيات أمرا أساسيا، وبوصف ونوس1وتتبادلان النمو « أبرهامقدم رؤية جديدة في الحكاية الإسرائيلية عندما خلق شخصية مثل

، وهو طبيب نفسي يهودي يعيش في فلسطين، ويسعى إلىمنوحين السلام مع العرب، حبا بأبناء شعبه، لأنه رأى بوضوح أن أنهيار دولة إسرائيل لابد واقع إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه. واستطاع الكاتب جعل هذه

فإبرهامالشخصية نابضة بالحياة بوساطة اللغة التي جاءت على لسانها. شخصية متقنة لعملها، متفانية في إنجازه. نراه يتحدث في الحوارمنوحين

حول وضعه الصحي:إسحقالتالي مع » إسحق : مساء الخير يا دكتور.

الدكتور: مساء الخير. سبق لي التعرف على السيدة زوجتك. ويسعدنيأن ألتقي بك...

إسحق : منذ فترة وأنا لا أستطيع القيام بواجباتي الزوجية. الدكتور: هل تخيفك الكلمة؟

إسحق : أي كلمة؟الدكتور: العجز. تريد أن تقول إنك تعاني عجزا جنسيا.

2. «إسحق : نعم.. وهذا يرعبني كثيرا قصيرة موجزة، ودقيقة مركزة على الحالة النفسيةأبراهامفأسئلة

لمريضه، والتي تشعر المتلقي أنه فعلا في حضرة طبيب نفسي. فقد طلب أبراهاممن مريضه أن يتطرق إلى ما يشكو منه بشكل مباشر، وذكر

هي محاولة منه ليشعر المريض منذ إسحقللمعرفة التي تربطه بزوجة اللحظة الأولى بمصداقيته كطبيب. والأمر ذاته ينطبق على الحوارات التي

:ترتيلة الافتتاحوردت على لسانه في بداية كل سفر نبوءات، يقول في » هذه مملكة العصاب والجنون. الرأس كله مريض والقلب بجملته سقيم.

سفر. ويقول في 3من أخمص القدم إلى الرأس لا صحة فيه « : » من يفرج عني وجعي، فإن القلب كئيب. آهالنبوءات/المقطع الأول

يا مملكة العصاب والجنون. أبناؤك ينزفون وليس من يسعفهم، لأن الطبيب . المقبوسان السابقان محملان بالدوال4نفسه سقيم ويحتاج من يداويه «

التي تنتمي إلى معجم الطب النفسي )العصاب- الجنون- مريض- سقيم- كلوم- حبط- كئيب- الطبيب- يداوي(، وعلى الرغم من كثرة هذه الدوال،

فذلك لم يؤثر في الشعرية التي اتسمت بها تلك المقاطع بشكل عام، والتي أغنت دوره بوصفه راوي الحكاية الإسرائيلية إلى جانب دوره كطبيب

نفسي.

.64، صـ2الأعمال الكاملة، جـ - 1.101-100 ، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2.69، صـالمصدر السابق - 3.81، صـالمصدر السابق - 4

51

وفي وصف مشاعره تجاه التربية الصهيونية، يقول: » ويل لأمي التي ولدتني إنسان خصام ونزاع للأرض كلها. لم تزرعي في قلوب أبنائك إلا

الكبر وكراهية الأغيار. كيف ينسى المرء تلك الرهبة المليئة بالبغضاء التي تغذى بها طفلا! دفعت الكثير من الوقت والعناء كي أتخلص من غذاء

طفولتي. ولكن هؤلاء الذين يحرصون على غذاء طفولتهم يدفعون ثمنا . الدال )أمي( هنا جاء مجازيا، وهو مرتبط بمجموعة من1أغلى.. «

المدلولات مثل المحبة والألفة والانسجام والدفء والحنان. والمقصود بالأم هنا الحركة الصهيونية أو الدولة الصهيونية التي أنشأت أبناءها على التعالي

والعجرفة والحقد والبغضاء تجاه البشرية كلها. أي على العنصرية بأبشع وجه لها، لأن هذه العنصرية لم تستثن أحدا حتى أبناءها. فأية أم تلك التي تربي

أبراهامأبناءها بهذه الطريقة، وأي مستقبل ينتظر هؤلاء الأبناء؟! ويكمل ليبين أن الفكاك من هذه التربية ليس بالأمر اليسير، ذلك أن ما يتعلمه المرء صغيرا يصعب الفكاك من تأثيراته كبيرا. والمشكلة الكبرى التي

يطرحها هي إمكانية التأقلم مع الواقع الذي تفرضه طبيعة هذه التربية. لأن من يستطيع التخلص من آثارها فقد نجا، أما أولئك الذين استمروا في

التعايش معها فهم الذين يدفعون ثمنا غاليا دون أن يعلموا حتى. فالتعايش مع الحقد والكراهية بشكل مستمر ليس أمرا طبيعيا البتة وهو أمر طارئ

على الطبيعة البشرية التي تجنح بشكل طبيعي إلى السلم. والشعرية التي يتحدث بها تضفي مزيدا من المصداقية على هذه الشخصية لأنها لا تتحدث

بحقد عن أبناء شعبها بل بحزن نابع عن معرفة عميقة بالنفس البشرية. وتأتي الألفاظ لتخدم الفكرة التي يطرحها المقبوس. ويتكرر عدد من

الأحرف بشكل ملحوظ، مثل اللام والراء والغين والزاي، ليشعر المتلقي بالاضطراب والقلق والتوتر، وهي الحالة الشعورية التي يرغب الكاتب أن

يضع المتلقي في أجوائها لأنها تتناسب وطبيعة المشكلة المطروحة. ليس شخصية ابتدعها فكر مؤلف حالم بل هو حقيقةأبراهام منوحين

تاريخية لها وجودها. وتدافع عن هذا الوجود بحقائق لا يمكن تجاهلها أو إنكارها. فالمستوى العلمي الذي حصلت هذه الشخصية عليه يسوغ لها طريقة التفكير والمحاكمة العقلية المنطقية للأمور، والتاريخ شاهد على

الذي يقول:أبراهامإمكانية وجود شخصية مثلها وتأتي الأمثلة على لسان » إني من هؤلاء المخنثين أمثال موشي منوحين وجوليوس كاهن وإينشتاين ودويتشر. ونحن نفخر بوساوسنا لأنها حمتنا من البؤس الروحي الذي تغرق

. والأسماء السابقة كلها وقفت ضد الحركة الصهيونية2فيه دولتنا المعجزة « العالمية، ورفضت الانصهار في بوتقتها على الرغم من الإغراءات التي

قدمتها الحركة لهم. وفي غير موضع يقول: » في تربيتنا الصهيونية يعلموننا الكراهية بصورة دؤوبة، ولكنهم لا يبالون بالحدود التي يمكن أن تتحملها بنيتنا الإنسانية. إن

الكراهية المطلقة هي الحد الذي يمكن أن يسوغ كل شيء، ويمنع الاختلال، . إن كرهنا3ولكن من هو الإنسان الذي يصير كراهية مطلقة ولا يتداعى؟ «

لأمر ما يسمح لنا أن نعيش في حالة من المصالحة الكاذبة مع أنفسنا ويمنع.100، صـالمصدر السابق - 1.115-114، صـ2الأعمال الكاملة، جـ - 2.113 المصدر السابق، صـ -3

52

الوساوس والريبة والشك من الدخول إلى أعماقنا. لكن عندما يتوجب علينا كره كل شيء فهل يبقى سلامنا على حاله! عندما لا يبقى لنا أن نحب سوى

العنف والوحشية وكل ما هو لا إنساني. عنإسحق، وتكشف لغة إسحق كان مع لأبراهاموالحوار الرئيس

تناقض كبير في أعماقها. فهو ضابط في الأمن الإسرائيلي وعندما تذكر عبارة ضابط أمن، أول ما يتبادر إلى الذهن الدوال التالية: )الحزم- الشدة-

القسوة- الصلابة- العنف- الوحشية( لكن حواره مختلف تماما وبعيد جدا عن الدوال التي ذكرت مسبقا، مثلا عند عودته إلى المنزل يبادر زوجته بقوله:

. واستخدامه للدال )عصفور( يشي بشخص رقيق1» مرحبا يا عصفورتي « ومرهف، والعصفور كائن رقيق وجميل يبعث الراحة والسكينة في النفس،

إضافة إلى أنه يرمز بشكل أو بآخر إلى الحرية التي يبدو أنه يحن إليها فيعلل نفسه أنها موجودة لدى زوجته المحبة. وفي غير موضع نراه يقول: » إني اليوم محظوظ. العشاء تطهوه أمي. والحلوى تعدها زوجتي. من مثلي!

. شخص له المزاج السابق2وفي الانتظار سأعزف على الكمان مسرتي « هو شخصية تنزع نحو السلم والهدوء لا العنف والقسوة اللذين يتطلبهما

عملها. ومن بداية ظهوره تبدو معاناته واضحة، وسرعان ما يظهر سبب تلك المعاناة الذي يبدو ناجما عن عجز جنسي لا يعلم سببا له. فتقترح زوجته

، وفي أثناءأبراهام منوحين أن يذهب لمقابلة طبيبها النفسي راحيل الحوار الذي يجري بينهما يخبره الطبيب أن عجزه ناجم عن ردة فعل

.المعتقلين العربطبيعية على الممارسات التي ارتكبها وزملاؤه بحق الذي وجد ذلك التحليل غير منطقي،لإسحقفتكون الحقيقة صدمة قاسية

فهو لم يفعل سوى ما يمليه عليه واجبه تجاه وطنه، فكيف يعاقب على بينإسماعيلذلك؟! وتزداد حالة التمزق والقلق التي يعاني منها بموت

يديه تحت التعذيب. عندها تفيض نفسه بما يفكر فيه بصدق ودون مواربة، يقول: » لم يكن حشرة. ولم يكن قمامة في المزبلة. كان رجلا له عينان مروعتان، ووجه تتكلم ملامحه وتصرخ. كان إنسانا.. وقبل أيام مات بين

يدي. كابرت أمام الطبيب. ولكن ما الفائدة! لم تقنعني كل التبريرات. ولم تهدئني دروس الكراهية التي حفظناها. تستطيعين كإسرائيلية أن تحتقريني، ولكن أقول لك دون مواربة. إن هذا فظيع، وإني أتقزز من نفسي. لا أحتمل

. لغته في الحوار تنضح بالألم الذي يكابده بسبب3هذا العمل. ولا أريده « عمله الذي لم تستطع كل المسوغات التي استعان بها أن تشعره بالتحسن. والدوال في المقبوس تحتوي حروف المد بكثرة: )قمامة- عينان- مروعتان- إنسان- حفظناها...(، وهي إن دلت على أمر فهي تدل على محاولة للتخلص

من الألم الذي يكاد يخنق الشخصية. من ذكرياته المتباينة عن إسحق ويستطيع المتلقي أن يستشف معاناة

والده، من الصورة التي احتفظ بها في الذاكرة، ويظهر تعتيم ولامبالاةوالدته في الحوار التالي:

» إسحق: كنت دائما تتحاشين الحديث عنه....86، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 1.87- المصدر السابق، صـ 2.146- المصدر السابق، صـ3

53

الأم : ذلك أفضل، لأنه ما كان يصلح قدوة لابنه. إسحق : هل كان سيئا إلى هذا الحد؟ أذكر رجلا دافئ النظرة يعزف

على الكمان. كان المساء ملونا، واللحن ينساب بين الألوان مثل جدول عسلي...

.1 إسحق: أذكر الطائرة وفرحتي بها « ويشعر بالفجيعة عند معرفته بهوية قاتل والده، ويزيد مأساوية اللحظة

معرفته أن الأمر تم برضا أمه الكامل، ولحظة المواجهة بالحقائق يقتل جاهلا للمصير الذي سيلاقيه عند إسحق. لم يكنمائيرعلى يد إسحق بدلال إلا أنه يواجه مصيره وكأنه يقدم حياته كفارة لما فعله مائيرمواجهة

. إسماعيلو ،راحيل يستدعي بالضرورة الحديث عن زوجته إسحقوالحديث عن

والتي بدأت فصول معاناتها منذ بدأت علاقتها بالتدهور مع زوجها. ويصفها الطبيب بقوله: » كانت تصيبها نوبات من الاندفاع يعقبها همود كئيب. فقدت

خطيبها في إحدى نزهاتنا الحربية، فانكفأت على حزنها والعناية بوالدها . إذن هي امرأة تحتاج إلى المحبة والرعاية الدائمتين، تقول:2المريض «

وهذا ما لم تعد تجده3» أحيانا أحن إلى هدوء العيادة، ومقعدها المريح «. زميل إسحق في العمل، بعد أنجدعونفي منزلها مما يدفعها إلى أحضان

وعدها أن يكون الملجئ الآمن الذي تقصده متى شاءت. وتتلخص مساعدة في اغتصابه لها، ويدور بينهما الحوار التالي:جدعون

» جدعون: أرجوك لا تلعبي معي لعبة البراءة. كنت تعرفين جيدا ماأريده منك.

راحيل : وهل كنت أعرف أنك ستناله بهذه الطريقة؟... جدعون: اسمعي يا حبوبة، لم تتورطي، ولم تنخدعي.. كنت تعرفين

بوضوح إلى أيـن أنت قادمة. ربما لم يعجبك الأسلوب. ولكن بالنسبة لي

هذا هو الحب.. إنه عنف وسيطرة.

. 4 راحيل : لماذا لا تقولها؟ إنه الاغتصاب « وبفضله تفتح عينيها على الواقع المشوه الذي كانت تعيش ضمنه، ولكن

اغتصابها كماجدعونثمن الصحوة كان أكبر بكثير مما تصورت، لأن يغتصب العربيات. فتكاشف زوجها بما حدث وتقرر السفر تلبية لدعوة

عمتها، وتتخلى عن زوجها وطفلها في محاولة منها لاستعادة توازنها الذي لابد هي فاقدة له إن بقيت في بلد لا يفهم أبناؤه إلا لغة القوة والاغتصاب.

إن كانت ستعود لتسترد طفلها تقول: » ربما فيماأبراهاموعندما يسألها .137، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ-1.82- المصدر السابق، صـ 2.82- المصدر السابق، صـ 3.132، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ4

54

. علها تعود يوما وقد استجمعت قواها فتستعيد1بعد.. حين أجمع حطامي « راحيل شخصية نامية نتعرف إليها في بدايةولدها وتخلصه من الجحيم.

النص امرأة محبة مسالمة تنزع إلى العاطفة وهي دوما بحاجة إلى من يقف بجانبها. وترى من الحياة وجهها الجميل الوردي لكن مع الأزمة التي يواجهها زوجها تفقد إحساسها بالأمان وتبدأ في البحث عن حضن آمن جديد يعوضها

. وحواراتجدعونعما فقدته لتصطدم بالواقع الفعلي متمثلا في شخص الشخصية تشي بتشتتها وتعكس قلقها وخوفها من المستقبل الذي بدأت

، نجدراحيل وإسحق وأبراهامومقابل ترى أنه سيكون مظلما ومخيفا. ، الذين يشكلون دعامات الدولةدافيد وموشي وجدعون وسارة ومائير

دافيد وموشي وجدعون يمثلان جيل الرواد، وسارة ومائيرالصهيونية. يمثلون جيل الصابرا. فالجيل الأول وضع الأساسات للجيل الثاني الذي

قانون الغاية تبررمتبنيا ستكون وظيفته رفع بناء الدولة اليهودية عاليا؛ الذي يناديه مساعدوه )البابا(مائيرالوسيلة. وبداية لابد لنا من التعرف إلى

ولا تخفى أبعاد هذا الدال ، فالأب هو رب الأسرة وله الكلمة الفصل، وغالبا ما تكون هناك حواجز لا ينبغي تجاوزها بينه وبين أبنائه. وقبل الخوض في تفاصيل هذه الشخصية لابد من إضاءة على أهم ميزاتها كما جاءت على

: » نهض أمامنا شاب ملكي في وقفته وقامته. كانت لحظةسارةلسان خارقة. رأيت سليل داود يهب من بين الأموات متلفعا بالسحر والجمال. كان

مهاجرا جديدا. وحين قدمت إليه، تملكتني رعشة، وقلت في نفسي هذا ، وفي غير موضع تصفه بقولها: » إن مائير2بوصلتي إلى وطني ومجدي.. «

رجل كامل، وبأمثاله تحققت معجزة إسرائيل. عاش كالراهب الذي نذر . ونتعرف عليه محبا لأبنائه3نفسه لقضيته. وبطولاته في الأراغون مأثورة «

حازما في بعض المواقف ومتساهلا في أخرى، يقول لإسحق: » إنك ربيبي. . فهل من4ولا أريد أن أراك تضعف. هنا نحن صمام الأمان للدولة اليهودية «

لأنه تجرأ على مواجهته بالحقيقة؟!إسحقالمحبة بمكان أن يقتل ربيبه وهل عليه أن يغتصب ويقتل بأعصاب باردة لتجرؤ أحدهم على التعبير عن حقه في الحياة؟! ونراه هو نفسه يقول: » أتظن يا إسحق أن ما يشغلني

هو المعلومات؟ إلى الجحيم بالمعلومات. لدينا ما يفيض عن حاجتنا الأمنية. ولكن ماذا عن كبريائه؟ هل نسمح لهؤلاء القتلة أن يتدربوا على الكبرياء؟

هي اللغة التي يتحدث بها إذمائير. وأكثر ما يعبر عن طبيعة شخصية 5« يحاول دوما إيهام المتحدث معه أنه الوحيد المسيطر على الوضع على

الرغم من عدم صحة ذلك في معظم الأحيان، ويشير إلى ذلك الحوار الذي إلى لغةمائير؛ الذي وبعد أن يدحض كل براهينه ينتقل إسحقيجريه مع

. قوة6جديدة، ويقول: » صدق جدعون.. ما أنت إلا عنين يبول على نفسه « هذه الشخصية ناجمة عن تحجرها وإحساسها أن امتلاكها للقوة هو مصدر سيطرتها وذلك دليل على ضعفها فإحساسها بالقوة لا ينبع من أعماقها بل

.163، صـالمصدر السابق- 1.140، صـالمصدر السابق- 2.142، صـالمصدر السابق- 3.157، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ4.123، صـالمصدر السابق - 5.159 صـ المصدر السابق، -6

55

من أسباب خارجية ما إن تزول حتى تتشظى الشخصية. وهذا ما حاول تحذير أبناء قومه منه.أبراهام

واحدة من أهم مفرزات مائير فهو المفضل لدى والده والابنجدعونو المثالي دون منازع. ونتعرف على الولد البار عنيفا بشكل وحشي. نراه

قبل اغتصابه لها أمام عيني زوجها، يقول: » تعالي يا وافرةدلاليخاطب الخيرات)تبصق عليه( آه.. هكذا أريدك. شرسة. أريد عروسي يا رفاق. إني

. هو يعرف قانونا واحدا في الحياة هو العنف. عنف1أنتصب كجبل جلعاد « ضد الشعب الذي اغتصبوا أرضه، وعنف ضد أبناء شعبه عندما لا يعطونه ما

يريد. وفي محاولة راحيل أن تفهم السبب الذي دفعه لاغتصابها، يقول: » ومن قال إن زوجك صديقي؟ ليس لدي أصدقاء القوة هي صديقي الوحيد..

أنا من أجيال الصابرا يا راحيل، من هؤلاء الذين يتعلمون أن الرجل الفعلي لا . والحوار السابق يلخص طباع الشخصية وطريقة2يحتاج إلى أصدقاء «

تفكيرها. هو من وجهة نظره ليس على خطأ، وهي نفسها كانت تعرف ماذا يريد منها إلا أنها بوغتت بالطريقة ليس إلا، وليس ذنبه أنها تكذب على

نفسها لأنه من جهته لم يفعل. وما فعله معها ليس إلا تطبيقا حرفيا لتربيتهإسحق. وإن كان الصابراالتي نشأ عليها هو وكل أبناء جيله جيل مختلفا

فذلك عائد إلى والده الذي كان مناهضا لطريقة التربية تلك. وأحب أن يشب ابنه بطريقة مختلفة. وفي غير موضع نراه يتحدث عن عمله وعن أهمية هذا

العمل، يقول: » أنه عملنا. نحن نتعامل مع مخلوقات كان يجب أن تباد لولا الاعتبارات الدولية. إن أمن إسرائيل لا يمس، ولهذا فإن علينا أن

. لتعبر لغة3نكسر عظامهم كي يبيضوا ما لديهم من نوايا وشرور « الشخصية عن طبيعتها وآلية تفكيرها ولتعكس آلية تفكير جيل كامل هو جيل

الصابرا الذين لديهم حلم واحد مشترك هو إبادة الشعب العربي. التي ترمز في هذاسارة بنحاسوفي النهاية لا بد من الحديث عن

ترتيلةالنص إلى الأم الروحية للحركة الصهيونية. نتعرف إليها في الافتتاح ، تقول: » ولا تعف عنهم. بل اقتل رجلا وامرأة، طفلا ورضيعا، بقرا

. هذه هي الأم الصهيونية الحقيقية خالية من أية4وغنما، جملا وحمارا « سفرمشاعر أو أحاسيس قد تمت إلى الإنسانية بصلة. و تتحدث في

عن قدومها إلى فلسطين للمرة الأولى: »النبوءات/ المقطع السادس حين وصلنا أرض إسرائيل كنت كالمحمومة أتقد حماسة وانفعالا...بدت لي

. هذه الشخصية5الحياة إمكانية مذهلة، فانغمست فيها بفرح وشجاعة « صلبة وقاسية حتى أنها تبدو خالية من المشاعر. يحركها ويسيطر عليها حلم واحد وهم واحد، هو بناء الدولة اليهودية الصهيونية مهما كان الثمن، ليصبح الموضوع في النهاية ضربا من المبالغة. وتبدو قسوتها بوضوح في حوارها

:جوزيف بنحاس حول والده المتوفى إسحقمع ابنها » إسحق: هل مرض فترة طويلة؟

.110، صـالمصدر السابق - 1.133، صـالمصدر السابق - 2.134، صـ 2 - الأعمال الكاملة،جـ3.69، صـالمصدر السابق - 4.138، صـالمصدر السابق - 5

56

الأم : لا.. لم يطل مرضه... كان موته مريحا ومناسبا. إسحق: لمن؟.. لك وللسيد مائير!

.1 الأم : للجميع وأولهم أنت « ويأتي رد فعلها على موت ابنها مبالغا فيه أيضا. والدوال التي جاءت على لسانها امتلأت على لسانها امتلأت بالقسوة والقوة والسيطرة. والتعامل مع

هذه الشخصية يجب أن يتم على المستوى الرمزي فهي ليست شخصيةحقيقية بالمعنى الدقيق للكلمة.

، رويتأبراهام منوحينوكما رويت الحكاية الإسرائيلية على لسان . التي تعرف عن نفسها في حوارالفارعةالحكاية الفلسطينية على لسان

هو اختصار لحكاية الشعب الفلسطيني مذ بدأت مأساته حتى لحظة الحوار تقول: » هم يذبحون ونحن نتوالد. هم ينسفون ونحن ننهض من بين

الأنقاض. ما عدنا نولول. وأنا التي كنت نائحة في المآتم أقلعت عن النواح. هذا العالم الأناني لا يبالي بالضحايا، ولا يميز العدالة إلا إذا كانت مقاتلة

.2جسورا. لا .. ما عدنا نولول.. والحق لا يضيع ما دام وراؤه مطالب « والدوال التي جاءت في الحوار كانت نابعة من أعماق الشخصية حتى

اللحظة التي تقول فيها: » هذا العالم الأناني لا يبالي بالضحايا... جسورا «. هنا يبدو بوضوح أن الكلام قد اتخذ منحى جديدا. إنه كلام ونوس وقد حمله على لسانها، ولو اكتفى بالمقبوس الأول لكان أبلغ من أي كلام آخر. ولعل

ونوس قد أحس بذلك فنجده يسوغ ذلك في غير موضع على لسان نفسها تقول: » أتعرفين من علمني هذا الكلام؟ أنه زوجكالفارعة

. واللافت أن المتلقي يشعر3ورفاقه. وربما حان الوقت كي تتعلمي مثلي « سفر الأحزان اليومية/المقطع الحقيقية في الفارعةبشخصية

في أثناء حوارها مع ولدها محمد، الذي لا تريده أن يذهب ليعمل فيالثاني نابعةالفارعةالضفة الأخرى. هو حديث صادق، والدوال التي استخدمتها

من صميم روحها ومن واقع حياتها الأمر الذي يشعر المتلقي بالألفةوالحميمية معها:

» الفارعة: يا ابني لا تكن غصة في قلبي. محمد : يمه كله شغل.

الفارعة: لا.. الشغل مع ابن البلد شيء.. والشغل مع المحتل شيء . هي خائفة4آخر... يا ابني أنت تعرف ما يقال عن الذين يعملون هناك«

على ولدها ولا تريد أن يتهمه أحد بالعمالة للمحتل. وعل الرغم من بساطة الحوار إلا إنه واقعي يشبه ما يحدث في الحياة اليومية ويناسب شخصية

. الفارعة فالأمر مختلف؛ إذ ينبع الحوار من عمق تجربتها،دلال و فيما يخص

ورغم أنها الفتاة المدللة عند أهلها والحبيبة المدللة عند زوجها فهي قوية واثقة من نفسها رغم الضعف الذي يبدو عليها في بعض المواقف. لكنها

.139، صـالمصدر السابق - 1.171، صـ 2 - الأعمال الكاملة، جـ2.175المصدر السابق، صـ - 3.179-178المصدر السابق، صـ - 4

57

أصبحت كتلة من القوة و الصلابة عندما تعلق الأمر بالرجل الذي تحب، فزواجها من إسماعيل تم رغما عن أنف عائلتها الثرية، التي رفضت أن تصاهر معلما متواضعا، تقول: » عارضت أهلي ورضيت خصامهم. وحين

ضمنا هذا العش حسبت أن المستقبل صار ملكي. بدأت أرسم أياما ملونة، . هي تشعر أنها خدعت بشكل أو1وسعادة لا تنضب. ولم يقل لي شيئا «

بآخر لأن أحلامها كانت واضحة ولم تخفها عنه أي أنه كان يعلم أنها تعيش في عالمها الوردي ورغم ذلك لم يوقظها بل تركها في غفلتها؛ و تشي

الجملة » ولم يقل لي شيئا « بعتبها. والدال )لي( يقول الكثير مما بقي ولم تبح به. فهي لم تعرف شيئا عن إسرائيل فيدلالمضمرا في قلب

منزل والديها ولا في منزل زوجها تقول: » في بيت أهلي لم أعرف شيئا عن إسرائيل... وحين تزوجت أشفق علي زوجي، ولم يحدثني الكثير عن

. لم يخف2إسرائيل. لكنني الآن أعرف إسرائيل كما أعرف جسدي « كما كان مفروضا منه أن يفعل بل فجر حقدها علىدلالالاغتصاب

المحتل. وتظهر الدوال في حواراتها شخصية مليئة بالتصميم والعزيمة على الانتقام من الاحتلال الذي سرق فرحها وسعادتها غير عابئ بالنتائج التي

سوف تترتب على هذا الفعل الوحشي. واللافت أن ما دفع دلال للانضمام إلى صفوف المقاومة لم يكن الحس الوطني العميق والمتأصل كما هو حال

، بل الحب العميق والجارف لزوجها. تناسبت طبيعةإسماعيل والفارعة هذه الشخصية مع أقوالها التي لم تختلف بين المرحلتين، قبل اغتصابها

وبعده، إلا بسبب الاختلاف الذي سيكون حصوله أمرا واقعا بعد الاغتصاب. فأصبحت لغتها أكثر واقعية وأكثر تصميما. في فهمت أنه لا يمكن التعايش

مع واقع الاحتلال من تجربتها الشخصية. حبيب دلال وزوجها فهو مناضل مثقف وواع بطبيعة دورهإسماعيلأما

في توعية أبناء شعبه على الواقع الذي يعانون منه. الواقع الذي كان يلاحقه إلى سريره الزوجي ويقتحم عليه سعادته كما تقول الفارعة. واتسمت حوارات هذه الشخصية في بضعة مواضع بشعرية مفرطة غير مناسبة

للحالة الشعورية التي كانت الشخصية تمر بها. فهو شخصية لا يستطيع المتلقي إلا أن يشعر بالانجذاب نحوهامحمدأما

لما تتمتع به من صدق وعفوية، فهي ترى الواقع بوضوح وتضع إصبعها على مواطن الخطأ ببساطة يشعر المتلقي معها أن محمد يتحدث بلسانه ويشكو

همومه وأحزانه، يقول: » اشتغلنا مع أولاد البلد وأكلوا حقنا. وصلت بيني وبين أبي قحطان للسماء. قلنا الأجرة ناقصة، فنبر في وجهي وصاح.. لماذا

اللف. تريد أن تبيع وطنك ودينك لليهود الله معك. لا أحد يمنعك. قلنا له.. الذي يبيع وطنه ودينه هو الذي ريش مع الاحتلال، وصارت عنده وكالات

إسرائيلية وتعهدات. فصرخ كالمسعور.. وتعيرني يا ابن الفاعلة.. وكلمة من هنا، وكلمة من هناك. لولا أولاد الحلال لقضى واحد منا على الآخر. وفي

. ومحمد لا يتفاصح إنما يخبرنا عن3النهاية ما أخذت من حقي إلا النصف « واقع مؤلم بطريقة خالية من التكلف والنفاق، وبلغة سلسة متناسبة

ومعطيات الشخصية. وتحت إلحاح والدته وإصرارها على موقفها من العمل.173- المصدر السابق، صـ1.183، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ2.179-178- المصدر السابق، صـ3

58

في الضفة الأخرى يجيبها بقوله: » يامه.. اتركي الخطابات وكلام الإذاعات. . وهذا الكلام صادق1الاحتلال معزز، ولن نقاومه بالجوع والجيب الفاضي «

وواقعي ونابع عن سنوات من معاناة هذا الشعب الذي كادت الخطابات والكلام المعسول والوعود الفارغة أن تتسبب بفنائه. والدوال التي

استعملتها الشخصية مستمدة من معجم الحياة اليومي. لذا كانت أكثر مصداقية من غيرها. ونوس في هذا النص يقدم رؤيا جديدة، وقراءة مغايرة

للموضوع الفلسطيني الذي ولوقت طويل كان له قراءة أحادية الجانب، احتاجت منه إلى الكثير من القوة والجرأة والموضوعية. وكما يقول د. جواد الأسدي » نحن نعرقل الموضوع الفلسطيني. لأننا لا نسمح أن يقرأ بشكل

مخالف، يجب أن يبقى الموضوع الفلسطيني معلقا في السماء ملفاته مغلقة. والأسرار الربانية تكثفه وإذا ما حاولنا إنزاله فلا بد من وضعه على

طبق من البطولة والخوارق. إن الاختلاف حول الموضوع الفلسطيني، ممنوع، نحن أمة لا تحبذ الانحراف في زوايا النظر، عقل أمتنا أحادي، وهم

ضد التعدد والتعددية، والحرمة والحرام، المحرمات انتقلت إلى العقل الثقافي العربي، حيث تم استبدال مفردة خلاف بالشطب والجدل والتنكير،

والتحرر من كابوس الفهم الواحد!! هذه هي وجهة نظر سعد الله ونوس . وهذا ما حاول أن يقدمه في هذا النص2بالصراع العربي الإسرائيلي«

مطوعا كل ما أوتي به من ثقافة وسعة اطلاع. يطرح ونوس قضية جديدة تجرييوم من زمانناوفي مسرحية

أحداثها في يوم واحد. نتعرف فيه إلى شخصيات العمل المسرحي كافة، والتي تقدم نفسها من جانب واحد يعطي صورة متكاملة عنها، تقدم

الشخصيات كافة نفسها وهي على رأس عملها، وأول شخصية تطالعنا في وهو مدرس في ثانوية للبنات،فاروقهذا العمل هي شخصية الأستاذ

يكتشف في ذلك اليوم وجود شبكة للدعارة في مدرسته تديرها الست الأمر الذي يثير ثائرته، ويقوده دافع خفي لتقصي الحقيقة رغمفدوى

تحذير الجميع له من مغبة الأمر. ليقوده البحث في النهاية إلى حقيقة مفادها أنه نفسه كان متواطئا في تلك القضية بإصراره على العيش في

عالمه الخاص مفترضا أنه الواقع الحقيقي. وتلك الشخصية التي تبدو متوازنة متماسكة وقوية واثقة من نفسها في البداية، تبدأ بالتداعي تحت

ضربات الواقع المتلاحقة لتصل في النهاية إلى الانهيار كنتيجة حتمية لأسلوب حياتها. ونتعرف إلى ملامح هذه الشخصية من خلال احتكاكها

بالشخصيات الأخرى في النص. وبوصفه لم يستطع إدارة حياته بالشكل الذي أراد فقد كان من الشجاعة بمكان أنه قرر أن يكون موته كما أراد فالزمن الذي يعيش فيه ليس زمنه وأسلوب الحياة بهذه الطريقة ليس

أسلوبه. وفي أثناء بحثه عن الحقيقة يلتقي بشخصيات عدة أولها شخصية مدير

المدرسة الثانوية التي يدرس فيها. ويشعر المتلقي من خلال الحوار أنه قد عرف هذا المدير، أو سمع عنه من أحدهم. فهو رجل لا يريد من هذه الحياة إلا أن يخرج إلى التقاعد وسمعته لم يلطخها سوء لذا نراه منشغلا بمحاولة

.179، صـ 2الأعمال الكاملة، جـ- 1 - المسرح والفلسطيني الذي فينا، د. جواد الأسدي، دائرة الثقافة، دار الأهالي، دمشق،2

.104، صـ1، ط199259

لملمة الفضيحة التي زلزلت كيان مدرسته، وألمه لم يكن ناجما عن الفضيحة بل عن عجزه في اكتشاف المؤامرة قبل أن تحدث. والحوار

التالي خير دليل على قدرة ونوس على رسم شخصياته بنجاح: » المدير: ...ستقتلني هذه العصبة من بنات إبليس، ولكن من هن وكيف

اعترفن؟فاروق: ...ما سأقصه عليك في غاية البذاءة والشناعة.

المدير: هات ما لديك.. هذه المدرسة هي مدجنة إبليس، وستقصفعمري قبل

أوانه. فاروق: المدجنة هنا لكن البيوض تفقس في مكان آخر...

.1المدير: كنت أعلم أن هناك أصابع خارجية.. من هن وكيف اعترفن؟ « أن مشكلتهفاروقوعندما يتضح أن كلا منهما يتحدث عن فضيحة يبين

أهم من حيث المبدأ، فيجيبه المدير عندها محاولا أن يضعه في الصورة الحقيقية للموقف، يقول: » لم يقولوا لك إذن! أنها كتابات سياسية وفيها شتائم تطال الر.... )يلتفت حوله خائفا وحذرا( فعلا إن هلاك الإنسان بين

.2فكيه.. هل فهمت الآن في أي ورطة نحن؟ « المدير شخصية واقعية بجدارة يعيش في عالم عرف كيف يتكيف

ومعطياته، فالمدرسة بالنسبة له ليست أكثر من مدجنة، والتلميذات فيها لسن أكثر من دجاجات يأتمرن بأمره وينتهين عما ينهاهن عنه. فعمله الأساس التدجين؛ تدجين الجيل كما يشاء وعلى وجه الدقة كما تشاء

السلطات العليا. لكن عندما يصدر عن هذه المدجنة سلوك مشين، تصبح في نظرة مدجنة للشيطان )الشيطان دوما ارتبط بالمعرفة وهو الذي نفي من الجنة لأنه تجرأ وأغوى حواء لتأكل من شجرة المعرفة وتنال المعرفة

والحكمة التي لدى الله( لأنه لا يمكن أن يأتي بهذه الفكرة إلا شخص يمتلك تفكيرا شيطانيا. ولا مجال لتفسير منطقي آخر، لأنه لو اعترف أن التصرف

هو تصرف غاية في الإنسانية لكان ذلك هو اعتراف سافر بعجزه وعدم قدرته على أداء المهام الموكلة إليه وهي العمل على مصلحة المدجنة التي

يديرها. والتي يفترض أنهاثرياوالشخصية الثانية التي نتعرف إليها هي الموجهة

القدوة التالية بعد مدير المدرسة وتبدو هي الأخرى مطلعة تماما بواجباتها تجاه المدرسة والطالبات فهي اكتشفت أن الفضيحة حدثت في المراحيض

لذا أولت الموضوع كل اهتمامها الذي يبدو صادقا ولا تشوبه شائبة فيالحوار التالي:

» ثريا : أخيرا استطعت أن أحصي كل الطالبات اللواتي دخلنالمراحيض هذا

الصباح. وهذه هي القائمة..195-194 ، صـ 2- الأعمال الكاملة، جـ1.196، صـالمصدر السابق- 2

60

المدير: مئة وسبع عشرة طالبة! إني مريض. وهذه المحنة ستقصرأيامي.

ثريا: لا قدر الله. ربما كان العدد أكبر، ولكن لم أسجل إلا من تأكدتأنها

ثريا. ويخفي الحوار سخرية مرة من أسلوب 1« دخلت المرحاض في إدارة مدرستها، وفي حل المشكلة. ويتضح اهتمامها عندما تذكر

أن ولاء الطالبة التي يتحدث عنها لا مجال للشك فيه. وهنا تنكشففاروق الطبيعة الغيورة على مصلحة الوطن الغالي فطالما الولاء لا تشوبه شائبة فكل ما تبقى هين ولا مجال للشك فيه: » هن فتيات ناضجات. ولاؤهن لا

منفاروق. وبعد يأس 2تشوبه شائبة. وآباؤهن لهم مراكز ونفوذ « المدرسة يتوجه إلى الجامع الذي لا بد أن يجد فيه ملاذا من البشاعة التي

رآها في المدرسة، فهو بيت الله و شيخه رجل صالح لا يمكن أن يسكت عن أمر بهذه الخطورة، لما فيه من خطر يهدد الدين الذي لا يمكن أن يسكت

عن أمر كهذا خاصة أن عقوبة هذا الأمر ذكرت في القرآن، ويدور بينه وبين الحوار التالي: فاروق

» فاروق : أريد أن أسألك يا شيخ.. هل يجوز أن يسكت المرء على المنكر؟!

الشيخ متولي: معاذ الله.. كيف يجوز السكوت، والرسول )ص( قال:] من رأى

منكم منكرا فليغيره بيده، وإن لم يستطع فبلسأنه، وإن لميستطع

فبقلبه وذلك أضعف الإيمان [... فاروق : ..إن الحي يغرق في الرذيلة، والموبقات وصلت إلى

المدرسة.. 3الشيخ متولي: ... لكن هذه المدارس هي الموبقات بعينها «

وهنا لا يستطيع أحد أن ينكر أن هذا الشيخ هو نموذج للكثير من الشيوخ الذين لم يأخذوا من الدين إلا الجانب السطحي المشوه والذي هو أبعد ما

يكون عن كلام القرآن الكريم وكلام الرسول )ص(. هذا ما كان يرجوه إلا أن الذي يكتشف أن شيخ الجامعفاروقالحقيقة تأتي صفعة مدوية على وجه

صاحبة بيت الدعارة. وعلى لسان الشيخ يأتيفدوىمتواطئ مع الست حديث طويل عن آداب الاستنجاء كان الغرض منه التنبيه إلى أي حضيض سوف نهوي فهل آداب الاستنجاء أهم من قضية الدعارة! والحديث عن

الأولى استغرق من الشيخ قرابة الصفحتين مع شواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بينما لم يستغرق حديثه عن قضية الدعارة أكثر من

بضعة أسطر ثم انتقل للحديث عن مساوئ التعلم وكيف يؤدي إلى فساد النفس. وهي مفارقة غريبة جدا من هذا الرجل الذي يدعي أنه رجل دين

. 199، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1. 199، صـالمصدر السابق- 2.210-211، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ3

61

امرأة شريفة تستحق الاحترام والتقديرفدوىتقي ويدعي أيضا أن الست لما تقوم به من أعمال خير سوف تجزى عليها، ويدور بينهما الحوار التالي:

» فاروق : منذ سنتين، حين اكتمل بناء البيت وبدا واضحا ما يدورفيه...

قيل لي إنك استنكرت مع المستنكرين، وأنك أشرت إلىالبيت في

خطبة الجمعة، واعتبرته علامة على التفسخ والانحطاط. الشيخ متولي: قيل لك ولكنك لم تسمع بأذنيك!

فاروق : ... ومازالت تجري أحاديث كثيرة عن الفجور الذي يحدثفيه.

الشيخ متولي: هل تعلم يا أستاذ أنك تخوض في أعراض الناس بلااحتشام؟

.1 وهل تعلم أن الغيبة أشد من ثلاثين زنية في الإسلام؟ « وهكذا نرى كيف يحلل الشيخ الجليل الدعارة ويحرم العلم دون أدنى

وبكل شخص يعمل عقله وفكره. وهذابفاروقشعور بالخجل مستهترا وقوتها فهي تملك الذكاء والمال وبالتالي فهي بشكل آليفدوىيبين ذكاء

رائحة فم الشيخ التي تشبه رائحةفاروقتمتلك القوة. ويتداعى إلى ذهن المرحاض إلى حد بعيد وتشبه رائحة المدينة التي لم يعد يتعرف إليها،

وتذكرنا بالكتابات التي وجدت في المراحيض الذي يبدو أنه المكان الوحيدالذي أفلت من قبضة الرقابة.

، في الحوارعدنان القاضي وبعد الشيخ نتعرف إلى مدير المنطقة حول الموظفأحمد الدبغيالتالي الذي يجري بينه وبين مدير مكتبه

الذي بات وضعه في المديرية مقلقا لأنه يتصرف بطريقةجلال الساطيتنم عن الجنون:

» أحمد :)مترددا( لماذا لا نحوله إلى الأمن، ونخلص من هذهالقصة!

مدير المنطقة: )ينظر إليه غاضبا( لا.. دع الأمن جانبا.. لكي نخلص منهيجب

أن يبقى تحت سيطرتنا، فهو موظف قديم، ويعرف الكثيرمن

.2 أسرار المديرية « والحوار يشي بدهاء مدير المنطقة الذي يبدو أنه وظف ذكائه في

خدمة مآربه الخاصة. ضاربا بعرض الحائط القيم والمبادئ الأخلاقية. وفي ، يقول مديرجلال الساطيتوصيف عميق للحالة التي يعاني منها

المنطقة: » يعتقد الطبيب أن لديه مشاكل جنسية، أما أنا فأظن أن مشكلته.213، صـالمصدر السابق - 1.228، صـ2الأعمال الكاملة، جـ -2

62

الأساسية ومشكلة كثيرين أمثاله هي، باختصار، الجمود والعجز عن التكيف. . الحوار ينم1نعم.. هذه هي المشكلة الجوهرية التي تواجه مجتمعنا اليوم «

عن فهم عميق لطبائع النفس البشرية، و ينم عن شخص لا تنقصه المعرفة جلال الساطي لم يكن حديثا عن لفاروقوالثقافة. والكلام الذي وجهه

نفسه الذي يعاني في نظر مدير المنطقة من المشكلةفاروقوإنما عن نفسها الذي يعاني منها موظفه المسكين. وربما يحمل الحوار في طياته

من مغبة الأمر الذي يبحث فيه إذا ظل مصرا على تقصيلفاروقتحذيرا لا يرتدع ويصارح مدير المنطقة بحقيقة أنفاروقالحقيقة وكشفها. إلا أن

فيكون للجواب وقع الصاعقة علىفدوىابنته تتردد على بيت الست الذي تشله المفاجئة:فاروق

» فاروق : زوجتي؟! مدير المنطقة: أنهما تلتقيان عند الست فدوى. وهي تقول لي إن

زوجتك هي 2 الوحيدة التي استحقت صداقتها «.

ويكمل مدير المنطقة حواره متجاهلا دهشة فاروق تاركا إياه يتخبط فيما سمعه. وقد بدا أن كلام مدير المنطقة نابع عن قناعة تامة وتصالح مع

الذات، و» الوغد أو النذل له من المبادئ ما يراه بمنطقه هو سليما ومقبولا . فالرجل لولا قناعته الكاملة أن ما يقوم به هو الحقيقة والصواب لفقد3«

توازنه بشكل كامل، فهو يبيع نفسه وابنته بطريقة هي غاية في الانحطاط عندما وجهفاروقبكل سعادة ورضا. ولو كان الأمر صحيحا لما حاول إهانة

الأخير إليه الإهانة. التي كان لها الفضل في فتح عينيفدوىبعد ذلك نتعرف إلى الست

ق على الواقع الحقيقي الذي كان مصرا على تجاهله والبقاء فيفارو قوقعته الخاصة. وهنا نتعرف إلى الرأسمالية في أقوى وجه لها. الرأسمالية المغرية القوية الفاتنة التي تعرف ماذا تفعل ولماذا، في حين أن الجميع هم

توابع لها لا حول ولا قوة لديهم دونها. ونوس لا ينفر المتلقي من هذه الشخصية حتى أنه عندما يصفها في الموضحة الإخراجية يقول: » ترتدي

جهها خال من المساحيق. تتمشى في الغرفةووفدوى ثوبا منزليا سابغا، : » تبدولنرجس. وهو وصف مختلف تماما عن وصفه 4بخفة الظلال «

كالدمية بسبب مكياجها الفاقع وملابسها الصارخة. حين تتكلم أو حين تتحرك . وهذا يبين بوضوح البهتان الذي يعاني منه5يتعزز الإحساس بأنها دمية «

أتباع الرأسمالية العميان لأن حقيقة الأمر أنهم صورة باهتة لها بل ومثيرةللضحك والاشمئزاز في الوقت نفسه.

منها، تقول له : » إني لا أستدرجك يا فاروق.فاروق وفي فورة غضب منذ الصباح وأنت تلوك سيرتي، فلماذا لا تقول لي، وفي وجهي ما أنا

.222، صـالمصدر السابق - 1.226، صـالمصدر السابق - 2.56- المسرح أصوله واتجاهاته المعاصرة ، صـ 3. 228، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 4.228المصدر السابق، صـ- 5

63

في حواراتها كثر فيها حرففدوى. الدوال التي استعملتها 1بالنسبة لك؟ « السين وهو واحد من حروف الهمس. ولاحقا نفهم أنها امرأة مثقفة واعية. أي أنها تعي ما تفعل تماما ودليل ذلك ما فعلته بزوجها الذي استغل ضعفها ذات يوم لمصلحته لكنها أثبتت له أنها أكثر خسة ودناءة عندما تفوقت عليه وقطعته بأشواط عدة وجعلته يعمل أجيرا لديها. علما أن المجتمع هو الذي

جعلها تتعرف إلى هذا الجانب من شخصيتها وتصقله ليبدو لامعا بهذا الشكل » ولكن وسط القيء، وفي المرحاض كانت فدوى تولد.. فدوى أخرى، لا يكاد يربطها بتلك التي ماتت إلا ملامح الوجه والجسد. وحتى هذه صارت

أحلى، وصارت أكثر فتنة وإغراء ومعرفة. وفدوى التي ولدت في المرحاض وسط القيء، استردت تجارة أبيها، وحولت زوجها مستخدما في متجر صغير

. فالأمر2لها وهي الآن تبني مملكة من الثروة والمشاريع والطموحات « الذي غير مجرى حياتها كان سببه القدر، وأهلها الذين أصروا على ضرورة

زواجها، وبسبب زوجها الذي احتال على والدها المسكين، فهذا كله مجتمعا أدى إلى الحال التي هي عليها الآن. فهل كل يسوغ ما سبق من أحداث لها فكرة انحرافها أم أنها في أعماقها السحيقة جدا كانت تنتظر هذه اللحظة

بفارغ الصبر؟! تقول: » إنك مخيب يا أستاذ فاروق. وعلى كل أردت . هنا كشفت3الجواب وحصلت عليه، فامضغه على الضرس الذي يريحك «

عن الوجه القبيح الذي تحمله في ثناياها المغرية، وبعد السلاسةفدوى التي بدأت الحوار بها أخذ الإقناع والأسلوب المرن يتحول شيئا فشيئا ليتبلور في النهاية لينضح الإناء بما فيه، ولتظهر علائم الرأسمالية بكل وضوح. تلك

الرأسمالية التي لا ترضى أن يقف شيء في وجهها وإن حاول ذلك فهي تعمل على تدميره بشكل غير مباشر لأن المباشرة قد تؤدي إلى الخطر أي

نجاةالمواجهة، وهذا آخر ما ترغب الرأسمالية أن تجلبه على نفسها. و في الحقيقة لم تكن أحب بناتها إلى قلبها كما قالت، بلفاروقزوجة

كانت مجرد أداة لتحصل من خلالها على مبتغاها الذي كانت تخطط له منذ البداية. لذا نراها استدرجت الزوجة لتحصل في النهاية على الزوج الذي يمثل العقل النير الذي تعرف الرأسمالية كيف توظفه في خدمه أهدافها

رفض تحت كل الظروف أن ينصاع إلى الواقع،فاروقوطموحاتها. لكن وفضل الموت على حياة لا يرضاها. وهو بذلك يكون قد دفع الكفارة الأخيرة

على التجاهل واللامبالاة التي عامل بها الواقع والحياة. وربما هي جاءت رمزا أكثر منها شخصية لكن على الرغم من ذلك فقد أخذت أبعاد الشخصية

لم يكن أقل إيلاما وقسوة لكنه فضلفاروقالإنسانية، لأن ما حدث مع الموت على حياة لا يرضاها ولا تتفق مع عقيدته في الحياة.

أن الكل كان يطلب منه ألا يستغرق فيفاروقوفي النهاية يفهم البحث عن الحقيقة لأن زوجته كانت من المشاركين البارزين في تلك القضية ويظهر أن الجميع كان على علم بالطبيعة الرقيقة والحساسية

العالية لهذا الشاب حتى زوجته كانت على دراية بطبيعته أكثر منه. وربما كان هذا واحدا من الأسباب التي منعته من مسامحة نفسه، ودفعته إلى

كما تبدو من وجهةنجاةعدم الاستمرار في الحياة وكأن شيئا لم يحدث. و.230المصدر السابق، صـ- 1.236-237- المصدر السابق، صـ2.239، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ-3

64

هي زوجة محبة ومخلصة إلا أن الحقيقة مختلفة عن توقعاته.فاروقنظر ،فدوىفزوجته المحبة هي واحدة من الفتيات المفضلات عند الست

. وبالعودة إلى نجاة كشخصيةلـميسون القاضيوالصديقة المقربة مستقلة نستشف إنها امرأة ذكية وقوية لأن التورط في عالم الدعارة

لامرأة بمثل مواصفاتها يتطلب جرأة وقوة فهي من بيئة محافظة، وزوجها رجل محافظ والمجتمع الذي تعيش فيه هو محافظ أيضا، ولا يرحم المرأة عندما تسلك هذا السبيل إلا إذا كان لها سند قوي يدعمها ويحميها، والسند

وما تملكه من قوة وسيطرة على كل ما ومنفدوىتمثل في شخص حولها، وتصف بداية الأمر على الشكل التالي: » في البداية كانت تريد

المطرزات، ولكن لم يمر وقت طويل حتى اكتشفت أن المطرزات ستار. . وهي تعلم جيدا طبيعة زوجها لذا1وأن.. قاومت يا فاروق أكثر مما تظن! «

فهي تعلم في قرارة نفسها أنه ليس بقادر على أذيتها حتى لو رغب في ذلك بسبب طبيعته، تقول: » إني جبانة. أرجوك غالب نفورك من الدم،

. لكن رهانها كان غير صائب لأنها لم تفهم2وساعدني. أمسك يدي.. « بالشكل الصحيح فهي كما يبدو توقعت كل شيء إلا الموقففاروقحقيقة

الذي اتخذه بحزم وقوة ولم يفرضه عليها بل ظل مصرا أنها لا يجب أن تموت، لأنها تشبههم ولأنها مثلهم استطاعت التكيف ومتطلبات العصر

الجديد الذي لم يستطع من ناحيته التكيف معه، يقول: » لم يعد لي زمان، ولم يعد لي مكان. ما اكتشفته في المدرسة والجامع والشارع والمديرية وبيت الست فدوى، لم يترك لي في هذا العالم حجرا صغيرا أتطوى فيه.

. وقرار الموت الذي اتخذته لم يكن للتخلص من3إني وحيد وضائع« القباحة التي تملأ العالم ولا محبة بزوجها المخدوع بل هربا وخوفا من

الفضيحة العلنية أمام أهلها وأمام الجميع فهي لن تحتمل الاحتقار والعار الذي سيلحق بها لأنها ستحتمله وحيدة ومنبوذة، تقول: » لقد لوثت جسدي، ولكن عواطفي وروحي ظلت نقية، وأقسم لك أن هذا الجسد لم يختلج مع

أعذارها؟! هي نفسها هل صدقت كلامفاروق. هل صدق 4إنسان سواك « نفسها أم أنها فعلت ذلك لأنه بموت زوجها لن يعود لديها مسوغات لما تفعل

لذا قررت الموت هربا. أي أن الطريق الذي سلكته كلتا الشخصيتان واحد لكن لأسباب مختلفة. وموافقته على أن تموت معه لم يكن لقناعته

بالأسباب التي قدمتها لكن لخوفه من مواجهة الموت وحيدا. لذا قررت أن فاروقتموت مع زوجها عل الموت معه يخفف من وطئته، فلو قرر

فاروقالمتابعة في الحياة لتابعت معه دون أن تشعر بالذنب. وعلى عكس الذي كان الموت عنده نوعا من الكفارة التي يقدمها الإنسان عند شعوره

بالندم، فقد كان قرارها إن جاز تسميته قرارا نابعا عن خوف وضعف لا عن من خلال حواراته معفاروققوة. وتعرفنا إلى الكثير من ملامح شخصية

بقية شخصيات النص المسرحي. والنص السابق كان إدانة لأجهزة السلطة ولتواطؤ الإنسان عندما يعد نفسه غير معني بمشاكل المجتمع الذي يعيش

فيه. أي أن النص مازال معنيا بالواقع السياسي بشكل عام بما يخصمصلحة الإنسان أولا وأخيرا.

.244، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.245- المصدر السابق، صـ2.246، صـ المصدر السابق-3.247، صـالمصدر السابق- 4

65

تجري الأحداث في » بيت عربي صغيرأحلام شقيةوفي مسرحية يتألف من غرفتين متقابلتين تقريبا، بينهما فسحة سماوية ضيقة تتوسطها فسقية صغيرة جافة. وفي زاوية من الفسحة أقيم مطبخ طولاني ضيق، وإلى جواره حمام ومرحاض. وهناك درج يفضي إلى غرفة علوية، أمامها

ونتعرف في النص إلى معاناة إنسانية1سطح صغير على شكل شرفة «. لامرأتين بائستين، وفيه يعالج ونوس مشاكلات شخصيات تعاني واقعا كان

من صنعها. ويركز على أبعاد الشخصية الإنسانية كافة، لا على بعد واحد كما . فالشخصيات تعاني منفي يوم من زماننا أو الاغتصابفعل في

مشكلات يومية ربما لا تتعلق بالقضايا الكبرى إلا أنها أكثر أهمية من أية قضية أخرى. لأن حرية الإنسان لا يمكن أن تتجذر في أعماقه ما لم يستطع

فهم نفسه. ونتعرف إلى الشخصيات في حالة صراع شرس مع الضغط والكبت والحرمان. أي أنها في حالة صراع دائم مع نفسها لتقاوم ضعفها

وتمزقها، وعلى الرغم من أن القصة قد تبدو بسيطة للوهلة الأولى إلا أنها تكشف النقاب عن مجتمع مريض في أعماقه. وصراع الشخصيات متنوع؛

فهي تصارع نفسها، وتصارع المجتمع والعادات والتقاليد والقوانين التي سنها المجتمع عبر عصور طويلة. وهدف الصراع هو تحقيق حياة أكثر

إنسانية. وشخصيات النص ليست نموذجية بل تمثل أشخاصا عاديين نلقاهم في حياتنا اليومية، ومشكلاتهم هي تلك التي تحدث بشكل متكرر في الواقع

اليومي لأن أحدهم لا يرغب أن يكشف النقاب عنها. هي تلك المشكلات التي لا نجرؤ على التفكير فيها حتى في أكثر حالات تصالحنا مع أنفسنا. هي

الأشياء التي لا نرغب أن نعترف بوجودها حتى في أسوء كوابيسنا لأنها محرمات تجاوزها يعني الموت. والمشكلات الإنسانية في هذا النص كثيرة

أولها الرعب من الكشف عن تفاصيل العلاقة الزوجية الذي يعد الخوض في تفاصيلها من المحرمات فالزوجة الصالحة لا تفعل ذلك مطلقا. وهو ما حدث

. والمشكلة الثانية هي الخيانة الزوجية التيفارس وزوجها ماريبين تعاقب عليها الزوجة وحدها فالرجل هو خارج نطاق العقوبات لأن ما يحق له

.غادة وكاظملا يحق لزوجته فهو الرجل الأمر الذي نجده في حكاية والأمر الأخير الذي يعد أكثر خطورة في كل ما سبق، وهو أمر لا يخص

المجتمع العربي بل الحضارة الإنسانية جمعاء. لأنه في كل الحضارات يعد ذنبا لا يغتفر وعقوبته غالبا الموت رغم أن التاريخ البشري مليء بمثل هذه

وأخته التي دفعتبشيرالتجاوزات هو سفاح القربى. الأمر الذي حدث بين روحها ثمنا لذلك الحب المحرم، وهو هرب من قريته هائما على وجهه.

كثفت أحداث النص في الموضحة الإخراجية، ودلالة الفسقية الجافة أبلغ من أية دلالة أخرى. لأنها تعكس حقيقة الحياة التي تعيشها شخصيات

التي تمثل الزوجة الوفية المخلصة كانفماريالنص حياة جافة وموحشة. صمتها السبب المباشر لمرضها بداية ولفقدانها لطفلها قبل أن تكمل أشهر

الحمل النظامية فيما بعد، مما أدخلها في حالة من اليأس فقدت معها تعود الحياةبشيرإحساسها بجمال الحياة. لكن ومع قدوم المستأجر الجديد

إلى روحها لأنها رأت فيه الطفل الذي لم ترزق به. وهذه الشخصية مثال حي للكفاح ضد الجهل الذي عانت منه بسبب تقاليد بالية لمجتمع بال

ومتخلف. وهي لم تستسلم رغم الآلام التي مرت بها، وبقيت تحاول التخلص.253، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 1

66

مستودعا لأسرارها، تقول: » بعدغادةمن مسببات ألمها. وتجد في شخص ليلتنا الأولى بأيام، بدأت أشعر حرقة في البول، ويلطخ سروالي سائل عفن اللون... لم أكن أجرؤ على الكلام ولم أعرف ماذا أفعل! في البداية حسبت

أن هذا هو الزواج، وأن هذا ما تفرزه العلاقة بالرجال...ملأني شعور بالنجاسة... وكانت أمي مريضة وخجلت أن أسألها عن هذا الطارئ الذي ألم

، وقلة خبرتها في الحياة، كما يعكس طبيعةماري ويبين الحوار جهل 1بي «. العلاقات في العائلة فالفتاة تخجل أن تحاور والدتها في أي موضوع يتصل

ماريبالجنس الأمر الذي يرجع إلى طريقة خاطئة في التربية. فخجل حرمها من أمومتها. ورغم ذلك نراها صابرة راضية بقسمتها في الحياة. لكن

يعيد لها الرغبة في الحياة، ويزيد شعورها بالاشمئزاز منبشيرحضور وتكشف له حقيقة مشاعرها تجاهه في لحظة غضب تقول: » كانتفارس

ماري عمياء لا تعرف شيئا عن الرجال، وأهداها عريسها في ليلة زفافها داء لوث طهرها، وهدم صحتها... كنت أتعفن، ولا أفهم لماذا! وكانت أوجاعي

تزداد ولا أجرؤ على الاستفسار أو الشكوى. كنت دائما مطيعة، ولم أجن من فارس. إلا أن فرحتها لا تكتمل لأن 2الطاعة إلا العقم والسقم والبلوى «

وبفعلتهما تلك يقتلان مجددا كل رغبة بشير يتآمران على طردكاظمو لديها في الحياة. فلا تجد بدا من معاقبتهما لأنهما سرقا الفرحة الوحيدة في حياتها وتخرج عن صمتها وتحضر لقتل قاتلي ولدها. وتصف حياتها في حوار

يكثف عذاباتها، تقول: » إني أحتفظ بها منذ عشرين سنة أو أكثر.. إني امرأة خائرة ضيعت عمري في التردد والشفقة. كم مرة فتحت هذه العلبة

ماري. تعكس لغة 3ثم أغلقتها! وفي النهاية نفضت يدي، واستسلمت « شخصية امرأة بسيطة كابدت الألم والحزن بصمت. وامتلأت حواراتها بدوال

التي قضت حياتها تدير الخد الأيمن لزوجهاماريتعكس مرارتها وشقاءها. و قررت أن تواجه وتعاقب من تسبب بشقائها مجددا وقتل أملا صار في الأيام

الأخيرة من حياتها عزاء، وحقق حلما قديما بعد أن فقدت كل أمل ورجاء. الأخير يشي بشخصية مليئة بالعزم والتصميم. وصحيح أنهاماريوسلوك

عانت بصمت لوقت طويل لكنها قررت في النهاية أن تضع حدا لتلكالمعاناة. فهو مثال حي على الرجل الطفيلي الذي يعيش عالة علىفارسأما

الآخرين. إضافة إلى اتسامه بأنانية مفرطة دفعته على الرغم من جبنه إلى ارتكاب جريمة قتل حتى لا يفقد مكانته عند زوجته التي تمثل المعيل المادي

والمعنوي له. وتعرفنا إلى هذه الشخصية في مبحث المثل الشعبي. .فارس وماري هما الزوجان المستأجران في بيت غادة وكاظمو

يعمل مساعدا في الجيش ويعاني شعورا حادا بالنقص تجاه زوجتهكاظم التي حازت على الشهادة المتوسطة بينما لم يحصل على الابتدائية إلا بشق

الأنفس وفي هذا الصدد تقول غادة: » كان تقصيره موضع فكاهتنا و4وسخريتنا، ولكنه بعد الزواج عرف كيف ينتقم من الفكاهة والسخرية «.

المقبوس السابق يبين بوضوح النقص الذي يعاني هذا الرجل منه لكن.299-298، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 1.259-258- المصدر السابق، صـ2.298- المصدر السابق، صـ3.273، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 4

67

الشاهد الحقيقي بنبع عنه في الحوار الذي يدور بينه وبين زوجته عن حبها للرئيس جمال عبد الناصر الذي يرى فيه تحديا شخصيا له و الحوار هو

التالي:» غادة: إني أحب عبد الناصر.

كاظم: قلت لك الليلة مزاجي رائق، فلماذا تريدين استفزازي؟ غادة: إني أحب عبد الناصر.

كاظم: )وهو يهب غاضبا( إي سألعن أجدادك على أجداد عبد الناصر... غادة: اضرب.

كاظم: يا بنت الصرماية.. علام ترفعين أنفك في وجهي.. ألأن شهادةالكفاءة تعثرت بك!

أم لأن أخاك المحروس ملأ رأسك بالتحلل والفساد! أنت هنا.. أنت مع كاظم الذي لا يحب أن يسمع إلا كلمة

.1حاضر« تتجلى النفسية والعقلية العسكرية في الحوار السابق وإلى جانب

النقص الذي يعاني منه فهو يتمتع بعقلية متحجرة ترفض النقاش. كما نلحظ كثرة دلالات )الأنا( التي تظهر بشكل متكرر في الدوال التالية: ) مزاجي- استفزازي- سألعن- وجهي( وهذا إن دل على شيء فهو يدل على تعاظم

الأنا عنده. وبوصفه لا يمتلك شيئا يشعره بالتفوق عليها نراه يمارس الشيء الوحيد الذي يتفوق به وهو القوة العضلية التي يحل كل مشكلاته بوساطتها،

ويقول لها في غير موضع من الحوار نفسه: » ما هذه المصيبة؟ )صارخا( هنا أنا الله. في هذا البيت أنا ربك الذي تعبدين. ليس لك كلمة، ليس لك

. ومن جديد تبرز أناه بصورة2قول. ألم تفهمي بعد؟ ما أريد هو الطاعة.. « فاقعة تعكس ضعفا دفينا. وفي هذا الحوار الذي لا يتجاوز السطر والنصف تتكرر أناه ثلاث مرات. في اثنتين منها يقول:) أنا الله- أنا ربك( وهذا ربما كان أمرا متعارفا عليه بوصفه عسكريا يحمل رتبة متدنية لذا فهو يمارس السلطوية التي تمارس عليه. أي أنها محاولة لتعويض النقص الذي يعاني

عكست شخصيته دون مبالغة. كاظممنه على أكثر من صعيد. ولغة التي قرر والدها أنها نالت كفايتها منكاظم هي ابنة عم غادةو

الدراسة، وينبغي عليها أن تتزوج من ابن عمها. وقد وافقت على ذلك الزواج مرغمة لأنه وكما تقول لم يكن هناك من خيار آخر. فهي كانت تنتظر الدعم والمساندة من شقيقها الذي أدار ظهره لها متعللا بانشغاله في ترتيب أمور

سفره. وفي أثناء معاناتها بصمت يدخل الأمل حياتها بسبب المستأجر أنه الشقيق العائد من السفر والذيغادة الذي تشعر بشيرالجديد

نجم عن ضعفهاغادةسيعوضها ما فاتها من سعادة وهناء. وما تعانيه وترددها فهي لا تملك الجرأة لتقول لا إلا إذا علمت أن هناك من يساندها ويدعمها فيما هي مقدمة عليه، والشواهد على ذلك كثيرة منها: » سامح

.264- المصدر السابق، صـ1.265، صـ2الأعمال الكاملة، جـ -2

68

. وفي الحوار نفسه1الله أخي. تخلى عني، وتركني أواجه هذا كله وحدي « تقول: » قرر الوالد أن أكتفي بالشهادة المتوسطة. ولم يبذل أخي مجهودا

. وربما كان حريا بها أن تبذل المجهود هي2فعليا كي يعود أبي عن قراره «نفسها، ولا تنتظر دعم شقيقها أو غيره.

الذي يمثل الحلم في هذا النص فهو شخصية رقيقة وشفافة،بشيرأما صادقة وحقيقية، يشعر الإنسان معها بالراحة، وأنه قادر على البوح بكل ما

يعتمل في أعماق روحه لكن تلك الراحة تختلف من شخصية إلى أخرى ذلك أن الحقيقة ليست مريحة ومحببة دوما إلى النفوس لأنها في أحايين كثيرة تكون أقرب إلى الكابوس. أي أن طبيعة هذه الشخصية تشبه طبيعة الحلم

بصفتها أمه التي التقى بها بعد فراقماري إلى حد بعيد. نراه يتكلم مع طويل، يقول: » كان يهدهدني صوتك الشجي، وهو يموج بأغنية أبو

بشير. تبدو حوارات3الزلوف.. ما أبعد أيام الطفولة.. هل عذبك أبي؟ « قادمة من حلم بعيد. وفي غير موضع نراه يصف غرق شقيقته أمام عينيه،

يقول: » عيناك غابتا نخيل ساعة السحر/ أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر. يا رب.. إن النهر يهدر.. إنها تغيب..ما الذي يشل ساقي؟! لماذا لا أستطيع

. ما يحدث4أن أتحرك؟ أريد أن أنقذها. انزع قدميك من الطين.. وأسرع « هو دوما أقرب إلى الحلم منه إلى الواقع؛ لأننا كثيرا ما نرغب فيبشيرمع

الهرب من أمر ما في حلمنا لكن أقدامنا تخوننا أو تنتابنا مشاعر الخوف ونرغب في الصراخ لكن صوتنا يخوننا. فالأحلام لا تراعي قوانين وقواعد ولا تقاليد وأعراف. إنها تنقل بموضوعية وشفافية كل ما يفكر فيه الإنسان أكان

راغبا أن يعترف به أم لم يكن. وتكثر الرموز في حديثه حتى تغدو حواراته أحلاما متلاحقة حتى طبيعة تصرفاته تشبه طبيعة الحلم إلى حد كبير فهو

يخرج في المساء والأحلام غالبا تأتي في المساءفارسحسب قول وأحاديثه أحلام أيضا.

غادة وهو كما تقول غادة وكاظم فهو ثمرة زواج ثائرأما الصغير كاظم لتركت ثائرالسبب الوحيد الذي من أجله تتابع حياتها. ولولا الصغير

هو البراءة والصفاء لكنه ثائرومضت في سبيلها تبحث عن حياتها الخاصة. يموت أو يقتل على يد والدته وجارتها عن طريق الخطأ. هل حقا كان مقتله مصادفة أم كان قلة تدبير وتفكير، لأن ما ستقدمان عليه هو عمل في غاية

الدائم علىغادةالخطورة ومقتل الصغير هو نوع من العقاب على اتكال أحدهم كي يحل لها مشكلاتها، وهو من جهة أخرى نوع من الخلاص فبقاؤها

إذن بعد موته أصبحت حرة في اتخاذثائر كان بسبب الصغير كاظممع القرار الذي ترغب به. وبموته فقدت أغلى ما تملك لذا المسوغ الذي

قد زال والآن أكثر من أي وقت مضىكاظموضعته لاستمرارها مع أصبحت سيدة قرارها وخيارها، والآن أكثر من أي وقت مضى سيحدد

الطريق الذي ستختاره مصيرها في الحياة.

.272، صـالمصدر السابق - 1.273، صـالمصدر السابق - 2.284- المصدر السابق، صـ 3.289، صـ 2الأعمال الكاملة، جـ- 4

69

يقدم ونوس لشخصيات النصطقوس الإشارات والتحولاتوفي في الموضحة الإخراجية بقوله: » أبطال هذا العمل هم ذوات فردية تعصف بها الأهواء والنوازع، وترهقها الخيارات. وسيكون سوء فهم كبير إذا لم تقرأ

هذه الشخصيات من خلال تفردها وكثافة عوالمها الداخلية، وليس كرموز تبسيطية لمؤسسات تمثلها. إن أبطال هذه المسرحية ليسوا رموزا ولا

يمثلون مؤسسات وظيفية، بل هم أفراد لهم ذواتهم ومعاناتهم المتفردة ،وردة. وأولى الشخصيات التي تطالعنا هي شخصية الغانية 1والشخصية «

نقيب الأشراف.عبد اللهالتي ذاع سيطها في دمشق، جالسة وعشيقها مادية بحتة فالحب عندها هو إشباع لرغبة الجسد.وردةوتبدو شخصية

ويصف ونوس غنائها في الموضحة الإخراجية، فيقول: » تغني بصوت ناعم . إحساس هذه الشخصية يصب في إشباع شغفها ورغبتها2يوشيه المجون «

الجسدية أي أنها شخصية ماجنة لاهية حتى الأغنية التي تطرب بها معشوقها هي أغنية ماجنة مليئة بالرغبة الحسية. ونستطيع أن نتبين الكثير من ملامح

هذه الشخصية من الأغنيات التي جاءت على لسانها والتي امتلأت بالإيحاءات الجسدية من جهة، ومن الحوارات التي خاضتها مع الشخصيات من جهة ثانية، والتي نستطيع القول إن معظم ألفاظها كانت مشتقة من

معجم ألفاظ الغواني. هذه الشخصية عانت كثيرا وهي دخلت سلك الغوانيمجبرة.

تحاول تخفيف مصابه، الذي هو مصابهاعبد الله ونراها في السجن مع حقيقة. لكن بعد نهره لها نرى أن نبرة المواساة تختفي لتقول له بأسلوب رخيص ومبتذل: » الآن لا تلمسيني.. وهذا الصباح، كنت ترقص على أربعة

تحت عجيزتي.! يا خسة الرجال.)تضرب وجهها بكفها( ولكن لماذا لا تتعلمين عبد. وهي لم تقصد إهانة 3أيتها المعتوهة، أنك شرموطة بنت شرموطة «

لأنها خاطبته كما خاطبت نفسها، فالطريق الذي اتبعته في الحياةاللهيفرض نمطا معينا من المفردات والألفاظ لا نجدها في كل مكان.

طلبا لعونها في دخول سلك الغواني، تجيبهامؤمنة وعندما تزورها غاضبة: » الله.. الله تعالوا، واسمعوا. ست الأشراف تريد أن تصير غانية.

أنها تحسدنا على هنائنا، وتريد أن تنازعنا فيه. وهل تظنين بسلامتك أن الكار . ويبدو أن الدوال التي تستعملها4بيت داشر لكل من لها فرج ونهدان! «

هي دوال سوقية ومبتذلة في معظم الأحيان، لكنها نابعة من طبيعةالشخصية ومن البيئة الاجتماعية التي تنتمي إليها.

وتنصحها بخطورة الموقف الذيمؤمنة حتى اللحظة التي تناقش فيها تزج نفسها فيه، لا نجدها تتكلم إلا بفكرها الخاص ومن تجربتها الخاصة. ومن أقدر على فهم الحياة أكثر من غانية أصبحت معلمة في الكار وخبرت وسخ

الحياة وخاضت في أوحالها، تقول: » هذا الكار لا تدخله الواحدة منا، إلا بالمطاحنة والبهدلة. أما أن تأتي امرأة تملك كل شيء، وليس لديها أي دافع

. هي5إلا المزاج والشهونة، فإنها تهيننا جميعا، وتغبن عذاباتنا التي تحملناها «.469- المصدر السابق، صـ1.263- المصدر السابق، صـ2.502، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 3.535- المصدر السابق، صـ 4.536-53- المصدر السابق، صـ 5

70

شخصية بسيطة وصادقة، وانفعالاتها منطقية ومتناسبة والحالة الشعورية التي تعيشها، ولغتها نابعة من صميم بيئتها، ومن طريقتها في الحياة. وفي

عندما يهدر المفتي بسببهاألماسة غير موضع نراها تنفس عن غضبها من دم كل غواني دمشق، في محاولة لكبح جماح الظاهرة التي اجتاحت المدينة

، تقول: » نعم إن الحسد ينهشني. أينبغي أنمؤمنةوالتي سببها تحول وعلى الرغم من بساطة العبارة التي جاءت1يظلوا أكابر حتى في البغاء! «.

على لسانها إلا أنها حملت دلالات أبعد بكثير من المعنى الحرفي للجملة. أخذت مكانتها في الكار الذي كانت معلمة فيه؛ألماسة لم يغظها أن وردة

ابنة الحسبمؤمنةلكن أغاظها الجنون الذي استعر في المدينة بعد فعلة والنسب، فعقلها لا يسعفها في استيعاب أن امرأة تتمتع بالأخلاق والتربية

ستكون لديها الموهبة لتصبح أشهر غانية فيمؤمنةالتي حصلت عليها دمشق ولتتربع على عرش هذا الكار ملكة الكل يرغب في رضاها. و عبرت

عن أفكارها ومشاعرها بلغة سلسة تتناسب وطبيعة هذه الشخصيةوردة التي تنزع نحو التمتع بحياتها بعيدا عن التهديد والخطر لأنها عانت ما فيه الكفاية في بداية حياتها. فالشيخ الجليل الذي اشتراها من عائلتها تكفل

بدفعها في موحلة الحياة في وقت مبكر جدا لأنه عندما علمها مراتب الفسق لم تكن قد وصلت مرحلة البلوغ. لذا جاء عمق الأفكار التي جاءت

على لسانها نتيجة طبيعية للتجربة القاسية التي خاضتها في الحياة،وعكست هذه الشخصية بشفافية ووضوح بعيدا عن التكلف.

نقيب أشرافعبد اللهوالشخصية الثانية التي تطالعنا هي شخصية وردةمدينة دمشق. نتعرف عليه في مجلس لهو ومجون يقصف وعشيقته

. هو لم يستخدم2التي تطربه بصوتها، فيقول: » يا محمد.. مدد، مدد « التعبير السابق بقصد السخرية بل لأن البيئة التي عاش فيها فرضت نفسها عليه في لحظة خارجة عن إرادته. وربما الكاتب أراد أن يلفت نظر المتلقي

إلى هذا عن طريق التضاد. لأن الحالة التي تمر بها الشخصية تتناقض والكلمة. فنقابة الأشراف هي مرتبة دينية وكي يحصل المرء عليها لابد أن

يمتلك خلفية ثقافية دينية تمكنه من استلام زمام المنصب والتصرف بأموره. وحوار هذه الشخصية يشي بأنها تتمتع بجانب رقيق عفوي يجعلها قريبة

ومحببة من النفس، إضافة إلى الجانب الانفعالي الذي يظهر جليا في حواره:وردةالتالي مع

» عبد الله: ..لو علمت أن رجلا آخر يمس هذه الكنوز.. وردة : وماذا يفعل رجلي الغيور..؟.

عبد الله: ماذا أفعل! ستبرق الدنيا، وترعد. أجل ضعيها حلقا في أذنك. والتعجب من سؤالها يشير بوضوح إلى أنه لم3ستبرق الدنيا، وترعد «.

يكن يسخر، بل كان يعني كل كلمة تفوه بها. وبإعادته لجملة » ستبرق الدنيا، وترعد « مرتين إشارة واضحة إلى جديته. ولا بد أن يتوقف المتلقي

متلبسا، يقول له: عزت بيكعند الدوال التي يستخدمها عندما يقبض عليه » جنبنا هذه الفضيحة. وأنا أصدقك النصيحة.. لا تضع يدك في يد الثعبان، ولا

.584، صـ 2الأعمال الكاملة، جـ- 1.473- المصدر السابق، صـ2.475- المصدر السابق، صـ3

71

تأمن له. سيلدغك في أول فرصة. وإن زين لك التدخل في عداوتنا بالمال،1فإن الجميع يعلم أن يدي مبسوطة .." . والكلام السابق يصدر أيضا

عن حالة انفعالية أي أن الشخصية لا تدعي شيئا مما تقول بل تتكلم ما يبين تأثر هذه الشخصيةعبد اللهيجول بخاطرها، والتدقيق في حوارات

العميق بالدين فالألفاظ مشتقة من القرآن الكريم، كما في قوله )الثعبان- زين لك- يدي مبسوطة( كلها تذكرنا بآيات وردت في الذكر الحكيم. والمثل

هو الآخر قصة من قصص القرآن الكريم، وهيلعزت بيكالذي ضربه غواية الشيطان لآدم وحواء بأكل التفاحة، التي كانت سبب طردهما من

الجنة. أي أن هذه الشخصية مشبعة بروح الإسلام، وسلوكها المشين ما هو يتصرف بقناعة ورضا تام عن سلوكهعبد اللهإلا وضع استثنائي، ولو أن

لما حصل ذلك الانقلاب الجذري في حياته في لحظة واحدة. ذلك أن تحولا بهذه القوة لا يمكن أن يكون وليد ساعته بل هو نتيجة حتمية لتراكمات

كثيرة كانت تتشكل وتتجمع وتختزن في الذاكرة منتظرة اللحظة المناسبة لتعلن عن ولادتها. فالأمر الأول الذي يحدث به زوجته عندما يلقاها في

السجن هو الخجل من والده الشيخ الجليل. وفكرة الصوفية بكل مراتبها الذي اصطفاهالوليوتعاليمها ليست غريبة عنه كما يبدو من حواراته مع

عبد اللهليكون مريدا، وليرشده في هذا الطريق. ولا يشعر المتلقي بغربة عن تعاليم الصوفية ومراتبها، بل يبدو مطلعا بشكل كبير على ذلك. ونرى

أنه يذكر أن والده لم يقرب والدته إلا بعد أن أصبح واثقا كل الثقة أنها طاهرة نقية عند ذلك فقط سمح لنفسه بالاقتراب منها. أي أن هذه

الشخصية تنحدر من عائلة متدينة. هو نتيجة حتمية للظروف التي فرضت نفسهاعبد اللهإذن ما حدث مع

على حياته. ودليل الكلام السابق هو أفعاله فيما بعد مع كل من حوله، لأنه حاول أن يطلب السماح من الجميع في محاولة للوصول إلى سلامه الخاص مع نفسه والذي لم يكن أمرا سهلا على الإطلاق خاصة لشخصية مثله معتدة

بنفسها وبمركزها. زوجة نقيب الأشراف، وابنة أجد وجهاءمؤمنةوالشخصية التالية هي

دمشق، ونتعرف عليها في الحوار التالي مع المفتي: » المفتي: كانت الحشمة تقتضي أن أرسل الحريم، ولكن المسألة

حساسة، ولا أستطيع أن أعهد بها إلى خفة الحريم.

مؤمنة: كثر الله خيرك. هل جئت كي تصفني بالخفة! المفتي: )مرتبكا( لا.. عنيت حريمي.

مؤمنة: ألا يسموننا جميعا، الحريم!.. لم تشرفنا بالزيارة، كي نتبادل وثقتها بنفسها وبمقدرتها علىمؤمنة. قوة شخصية 2الحديث عن الحريم«

تطويع ألفاظ اللغة بما يتناسب وغرضها من الحوار واضحة بما لا يقبل الشك، فالدال )الحريم( يتكرر خمس مرات في الحوار السابق. وهو الأمر الذي أرادته مؤمنة في محاولة منها للفت انتباه المفتي إلى قضية معينة.

.478، صـ 2الأعمال الكاملة، جـ- 1.494، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 2

72

وهي امتعاضها من استخدامه المتكرر لهذا الدال دون سواه. ذلك أنه كان بمقدوره استخدام الدال )زوجة( إلا أنه لم يفعل. وعندما تتبين الغرض من الزيارة والتدبير الذي أعده المفتي لها ولزوجها، يدور الحوار التالي بينهما:

» مؤمنة: والله إنه تدبير لطيف يا مفتينا. المفتي: ستنقلب الورطة على قائد الدرك، حين يعلم الوالي والناس،

أنه قبض على النقيب وزوجته.

. 1 مؤمنة: وهل الفرق طفيف بين الزوجة والغانية إلى هذا الحد! « سارحة في أفكارها بعيدا عن خطط المفتي وتدابيره. وفيمؤمنة وتبدو

الوقت الذي يفاخر هو بذكائه، تتساءل باندهاش يشوبه الإعجاب في فكرة أن يكون الفرق بين الغانية والزوجة طفيفا جدا. وتستخدم الدال )طفيف( للدلالة على ضآلة الفارق. وإن كان الفارق طفيفا إلى هذا الحد فلماذا لا

لم يكنمؤمنة تتشجع وتخطو نحو مصيرها الذي أرادته بقوة! إذن خوف من العادات والتقاليد التي ستمزقها بفعلتها تلك، بل هو خوف من إمكانية إخفاقها في تحقيق ذاتها. وفي غير موضع تقول: » ما أفعله لا يخص أحدا

. هو أمر أرادته بقوة في محاولة للتخلص من أكبر قدر من الألم2سواي « والمعاناة التي تعيشها بسب القمع والتهميش والسحق لوجودها وكينونتها. فهي مخلوق له كامل الحق في أن يعيش ويعبر عن نفسه بكامل الحرية

التي يريدها، لذا تأتي جملتها تلك متناسبة وطموحها وثقافتها وآمالها وأحلامها. وهذا الطريق الذي سلكته هو محاولة للخلاص من الألم والقهر اللذين عانت منهما لوقت طويل. وفي لقاءها مع والدها بعد أن أصبحت

، تقول: » إني مسكونة. مسكونة بالأشباح التي كانت تتخفى فيألماسة القمة. مسكونة برائحة الشهوة التي كانت تملأ أعطاف البيت. كنت أميز

الروائح التي تعرفتها طفلة وأدمنتها بالغة... مسكونة بالهمس المكتوم والفضائح المخنوقة... هل تعرف ما هي النار التي وشمت جسدي، وأنضجته

قبل أوانه! إنها نار شهوتك التي لا تفتر... إنها نار الحرقة في دموع أمي، وصمتها الموجوع. إنها نار عينيك اللتين كانتا تلحقان بي في الدار وبيت

.3الخلاء ومحل النوم والخلوة « ليست امرأة عادية مطلقا. هي امرأة ذكية لماحة تعرف ما تريدمؤمنة

جيدا وتحاول الحصول عليه. خلقت عالمها الخاص وعاشت فيه، ووطنت نفسها جيدا كي تواجه المصير الذي صنعته بيديها بثبات وشجاعة لا متناهية. والتحول الذي مرت به هذه الشخصية سبقته العديد من الإشارات التي لم

تأت من العدم بل من مرحلة طويلة امتدت من الطفولة لتستمر حتى الشباب وكل ما تفكر فيه وتفعله ما هو إلا مفرزات طبيعية للحياة التي

في حواراتها هي لغة بلورية قاسية ومصقولة كالماسمؤمنةعاشتها. ولغة الذي سميت باسمه. لغة جذابة عميقة وقوية صلبة ومتلألئة براقة إلا أنها

باردة و قاطعة كالماس كلما غاص المتلقي في أعماقها كلما ازدادت وضوحا.495- المصدر السابق، صـ 1.549 المصدر السابق، صـ -2.549، صـ 2الأعمال الكاملة، جـ- 3

73

ونقاء وشفافية ولمعانا. وبعد دخولها في سلك الغواني أدركت أن الجوع الذي تشعر به؛ ذلك الجوع إلى الحرية المطلقة التي تصير معها كينونة

عندما تعلم أنهصفوانمستقلة لن تحققه بوصفها غانية . وتقول لشقيقها عازم على قتلها: » أنا يا صفوان حكاية والحكاية لا تقتل. أنا وسواس وشوق

.1وغواية. والخناجر لا تستطيع أن تقتل الوسواس والشوق والغواية « ، بل تبدو وكأنها تدفعه إلى ذلك. لأنهاصفوانوكلامها لم يكن محاولة لردع

أدركت أنها ستحقق بموتها ما أرادته أكثر منه وهي حية، تقول: » آه يا أخي.. لم تفعل شيئا. إن حكايتي ستزدهر الآن كبساتين الغوطة بعد شتاء

ماطر. إن ألماسة تكبر وتنتشر. أنها تنتشر مع الخواطر والوساوس بل ستصبح أسطورة.ألماسة. لأنها بموتها لن تبقى مجرد 2والحكايات«

وبعبارة أدق ستصبح حكاية مثل حكايات ألف ليلة وليلة التي كانت كما يبدودؤوبة على قراءتها.

والرجل الوحيد الذي تستطيع ألماسة أن تفضي له بمكنونات نفسها هو هو واحدة من الشخصيات التي نالت قسطها من التحولات والذي، المفتي

فهو مفتي الشام؛ سلطة لا يمكن تجاهلها أو الوقوف في وجهها. وسلطته ليخبرانهعباس والعفصةمدعومة بذكاء وحنكة ودهاء، فعندما يأتي

بفضيحة النقيب والشماتة بادية عليهما نراه يقول: » أهذا خبر سار! أيسركم .3أن تهين مرتزقة الدرك أشرافكم! أن يمرغ الأسياد والأكابر في الوحل! « المفتي أبدى الغضب في حين أننا نعلم أنه وراء فضيحة النقيب وأن كل ما

ليبارك له بالنصرعزت بيكجرى هو من تدبيره وتخطيطه. وعندما يأتي الذي حققه ولينال مكافئته المستحقة، يجيبه المفتي بقوله: » إن الرجل

عدوي، ولكن نقابة الأشراف مرتبة تسند مرتبتي، وهيبتها تعزز هيبتي. حين وضعت العمامة الخضراء على رأس قحبة، أهنت الأشراف وأهنت عمامتي أيضا. ومن يعامل نقيب الأشراف بهذا الاستخفاف، قد يعامل المفتي لدى

. الحوار السابق يبرهن أن المفتي شخصية4أول خلاف بالاستخفاف ذاته « سياسية بامتياز أكثر منها دينية. وهي شخصية صلبة ومراوغة، ويبدو أن شعارها الأهم هو الغاية تبرر الوسيلة في سبيل الحصول على السلطة

المطلقة. ورغباتها وأهوائها محصورة في النجاح الذي تتوق لتحقيقه. لكن كانت لحظة بدءبمؤمنةالحال لا يبقى على ما هو عليه لأن لحظة لقائه

سلسلة من الشك والريبة والقلق؛ شك بكل الثوابت التي درب نفسه بقسوة على عدم تجاوزها، لأن ذلك يعني بالضرورة التنازل عن أحلامه في

بداية بشكلهامؤمنةالوصول إلى السلطة المطلقة. ويبدأ الأمر عندما تفتنه الخارجي، ثم بفكرها المتوقد المليء بالفتنة والغواية على الصعيدين

المعنوي والمادي. لأنه لو أراد امرأة جميلة المظهر لحصل عليها في منتهى البساطة. والأمر الذي زاد من عذاباته وآلامه هو الرفض الذي تلقاه منها، يقول: » دوختني يا ألماسة. في نبرتك وتصميمك ما يرعش بدن السامع.

تمدين يدك إلى المعاصي بتهور لم تسبقك إليه امرأة في هذه المدينة... إن

.597-596- المصدر السابق، صـ1.597- المصدر السابق، صـ2.482- المصدر السابق، صـ3. 486-485، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ4

74

امرأة لها عزمك وقدرتك على الكلام، يمكن أن تفسد سلطنة من النساء . وعلى الرغم من إعجابه الظاهر بها إلا أن أمر زواجه منها لم يعد فقط1«

.المفتيليرضي صبوة بل ليدرء خطرا وشيكا لا أحد يعلم تبعاته أكثر من في المدينةألماسةوبعد تريث طويل وبعد أن تنتشر الظاهرة التي اسمها

كالنار في الهشيم لا يبقى أمام مفتي دمشق إلا أن يصدر فتواه في هذا وهو واحد من أعيان دمشق، الفتوىحميد العجلونيالشأن، فنراه يلقن

التي يريد إصدارها، يقول: » إن مفتي الشام يهدر دم البغايا نساء كانوا أم رجالا. ويخص بالذكر تلك البغي التي تدعى ألماسة.. إن مفتي الديار

الشامية يحرم أن تسمى بضاعة باسمها، وما وجد منها يتلف... إن مفتي الديار الشامية يحرم الغناء والرقص... إن مفتي الديار الشامية

يأمرالمسلمين بمهاجمة الأماكن التي تصنع فيها الخمور، ويحل لهم إحراقها، . وللمرة الأولى يبدو الطابع الديني غالبا على كلام المفتي2وإهدار خمورها «

وعلى طريقة تفكيره، لأنه على ما يبدو نسي أنه لا يصدر هذه الفتوى لنفسه بل يصدر فتوى عامة. ومن هنا يبدو بوضوح التحول الذي بدأت تمر به

شخصية المفتي، وهو رجل لا يرضى الرفض جوابا. ورأينا مسبقا التدبير الذي حبكه لنقيب الأشراف عندما رفض الخضوع لإرادته. فكيف والرفض

هزألماسةيأتي من امرأة حسب رأيه لا حول ولا قوة لها. وقوة رفض استقراره وتوازنه، لأنه لم يستطع الضغط عليها؛ وكيف يفعل وهي ليس

لديها ما تخسره أو تخشاه؟! ولغته لا تشي بلغة رجل دين بل برجل سياسة محنك على عكس لغة نقيب الأشراف التي استمدت من معجم ألفاظ

القرآن الكريم. والشخصية الأخيرة التي نالت قسطها من التحولات هي شخصية

الذي يصفه بقوله: » العفصةالمفتي. وهو واحد من رجالات العفصة . ونكتشف فيما بعد3ضبع مقابر يعتاش من الوشايات والفتن والنمائم «

أنه يعاني عجزا جنسيا خلقيا. وعندما وصفه المفتي بضبع المقابر عنى بها دلالتين إحداهما قريبة والأخرى بعيدة نفهمها فيما بعد. وبالفعل نتعرف إلى

وهو يبشر المفتي بالمصيبة التي نزلت بالنقيب، ثم نعلم فيما بعدالعفصة أنه صاحب الوشاية على النقيب. وبوصف التدبير كله من بنات أفكار المفتي

رجلالعفصةفلا بد أن يقع اختياره على رجل كفؤ لهذه المهمة. أي أن مخلص ويعتمد عليه. ونراه جالسا وصديقه عباس، الذي هو الآخر واحد من

رجالات المفتي، يحاول أن يطيب خاطره لأن المفتي زجرهما بسبب شماتتهما من النقيب أمام الأعيان، فيقول مسوغا تصرف المفتي: » كانت محضورة يا أبا الفهد وكان مجبورا على التظاهر بالغضب. إن مفتينا غميق

.4جدا. ومظهره لا يكشف مخبره « الدال )غميق( وهو تعبير عامي ليدل به على عمقالعفصة يستخدم

شخصية المفتي وغموضها. وهذا الاستخدام يعكس شخصيته، فهو ليس رجل علم، بل واحد من زكرتية دمشق. وهو يعلم مكانته جيدا؛ لذا وعندما

تهدئته بقوله: » الرجال، لاالعفصة من المفتي يحاول عباسيزداد غضب .488، صـالمصدر السابق- 1.570-569- المصدر السابق، صـ2.485، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 3. 488 صـالمصدر السابق، - 4

75

.1يغيرون ولاءهم كل يوم. ونحن شئنا أم أبينا محسوبون على المفتي « وهذا الكلام من شيم الزكرتية فهم معروفون بولائهم الذي لا يتزعزع للرجل

الذي يخدمونه، وبتقديرهم للكلمة التي يقولونها. وعندما يقدم أغلى ما يملك لعباس ويرفض الأخير هديته، يقول

: » لا تظن أني لا أعرف ما يجري. منذ أن طلبت منك قحبةالعفصة . واللغة التي2الحسب والنسب ألماسة أن تكون حاميها، بدأت تبتعد عني«

هي لغة الزكرتية بكل ما فيها من شهامة ونخوة وقذارةالعفصةيتكلم بها لم يخرج عن القاعدة لأنه أراد منازلةللعفصةفي الألفاظ. والطلب الأخير

عباس في لي الذراع ليثبت له أنه على الرغم من هيئته الجديدة فهو لم يفقد قوته مطلقا، ولولا حبه الشديد لعباس للوى ذراعه وأهانه. لأن خسارة

ستكون أمام مخنث رقيع من وجهة نظره الخاصة، وليس أمام رجلعباسمحسوب على الزكرتية.

لم تكن شخصيات ونوس في فترة التسعينيات على سوية واحدة من جهة عمق الشخصيات ونضجها. ذلك أنه ركز في كل مسرحية على جانب

وحاول إبرازه عن طريق توظيف كافة العناصر في خدمة هذا الجانب. ففي وظف النص المسرحي ككل في خدمة القضية الفلسطينية، لذاالاغتصاب

لم تتمتع الشخصيات بكامل حريتها وبخاصة الشخصيات الفلسطينية التي التي تمتعت بأبعادها كافة،محمداتسمت بالغنائية، باستثناء شخصية

وجاءت حواراتها منسجمة مع مكونتها. حاول ونوس أن يدين نظاما معينا فوظفيوم من زماننا وفي

الشخصيات كأدوات؛ ذلك أننا لا نتعامل في هذا العمل مع شخصيات مستقلة بذاتها بل مع مناصب ومراكز وظيفية واجتماعية. فنتعرف إلى

المدير والموجهة على رأس عملهما، وإلى الشيخ في الجامع، وإلى مدير المنطقة في السراي الحكومي، وإلى القوادة في منزلها الذي يعد مقر

عملها الأساسي، وفي النهاية إلى الزوجة في منزلها. وبعد هذه المسرحية يتخذ تكوين الشخصيات منحى جديدا لتصبح أكثر نضوجا واكتمالا وحرية، لأن

الكاتب يطلق العنان لشخصياته لتعبر عن نفسها بموضوعية، كما في، ،طقوس الإشارات والتحولات، وأحلام شقيةو ،منمنمات تاريخية

. الأيام المخمورةووملحمة السراب، وبلاد أضيق من الحب، فالشخصيات في المسرحيات السابقة تتوقد وتشع. والمتلقي لم يعد

يتعامل مع شخصيات كتبت على ورق بل مع كائنات حية تتصرف وتتفاعل مع الأحداث بلغتها وفكرها الخاصين وتختلف في آرائها وأفكارها اختلاف البشر في الحياة اليومية . وبوصف » المسرح قائم على تعدد الأصوات

وتفاوتها أفقيا وعموديا، وفي المسرح النثري تحديدا ينعكس التفاوت في استخدامات اللغة، فمن الطبيعي أن لا تستقر اللغة في المستوى الواحد

مهما بدا هذا المستوى رفيعا، وعند سعد الله ونوس لا يسيء التفاوت. 3اللغوي إلى جماليات النص عامة وإنما ينوعها ويغنيها«

.489- المصدر السابق، صـ 1.543- المصدر السابق، صـ 2 المسرحية نصا أدبيا عند سعد الله ونوس، صلاح صالح، مجلة الحياة المسرحية،العدد- 3

.54، صـ40،199476

وإذا رسمنا خطا بيانيا لنضوج الشخصيات في نصوص ونوس المسرحية طقوس الإشارات والتحولاتلوجدنا أنه يسير في خط تصاعدي حتى

وهي المسرحية التي يكتمل فيها نضوج الشخصيات ليستمر ونوس على.الأيام المخمورةهذه السوية حتى مسرحيته الأخيرة

المبحث الثاني: الصورة الفنية:

بوصف لغة المسرح لغة الكثافة فهي بالضرورة تعتمد على الصورة الفنية أداة للتواصل مع المتلقي. و»الصور الفنية أشكال حية، ومتعينة،

وحسية، لواقع موضوعي؛ أوهي رؤية جمالية يعيشها الفنان أو الكاتب أو الشاعر.. فالصورة وحدة جدلية يتداخل فيها الحسي والمنطقي، والمتعين والمجرد، والمباشر وغير المباشر، والجزئي والكلي، والعرض والضروري، والخارجي والداخلي، والمظهر والجوهر، والشكل والمضمون، وتعبر عن

أفكار، ومشاعر... ويطرحها الفنان في قوالب جمالية محددة تتناسب معها، وتنسجم مع أهميتها وعمقها وسموها، والخيال هو أداة الفنان التي تجمع كل

. وما سبق هو وجهة1ذلك وتوجهه الوجهة الفنية والفلسفية بحسب مراده« النظر الفلسفية في موضوعة الصورة؛ الأمر الذي انسحب فيما بعد على

الأدب. والمبدع لا يخطط مسبقا لتوظيف الصور الفنية في عمله الإبداعي

وإنما تأتيه عفو الخاطر وتكتسب فنيتها وجماليتها الأدبية من عمق التجربة الإبداعية لكاتبها ومن أهم » سماتها أنها وليدة الإلهام واللاشعور؛ فهي داخلية نفسية، ومنطقها الحساسي يرفض التنظيم والتخطيط المسبق والإرادة الشعرية، ويعتمد على الحلم الذي يعزلها عن العالم الخارجي

. لأن الدلالات الحقيقية لهذه الصور تكون خارجة عن التعبيرات2المألوف « المتعارف عليها عادة، ومع ذلك تحمل من الكثافة الدلالية والجمال ما

يجعلها تغني الشخصية مسرحية كانت أم روائية عن قول الكثير من الجمل المنطقية والتراكيب العقلانية. وسواء أكان » منشأ الصور هو الخيال أو

العالم المتغير أو قلنا إن منشأها هو النفس والشعور واللاشعور، فإن هذه الجهات إنما تستند في خلق الصور إلى الخبرة التي يكتسبها الأديب مما

. أي أن الأديب يستمد صوره إما من تجربته الخاصة أو من ثقافته.3حوله « وتمتلك الصورة » مستويان من الفاعلية هما المستوى النفسي والمستوى

الدلالي، أو الوظيفة النفسية والوظيفة المعنوية، وأن حيوية الصورة،

- المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة في"العربية والإنجليزية و الفرنسية والألمانية 1والإيطالية والروسية

،3 واللاتينية والعبرية واليونانية"، د. عبد المنعم الحفني، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط.477-476، صـ2000

- بنية القصيدة العربية المعاصرة المتكاملة/دراسة/، د. خليل الموسى، اتحاد الكتاب 2، 2003العرب، دمشق،

.86 صـ - حجاجية الصورة الفنية في الخطاب الحربي، د. علي عمران، دار نينوى، دمشق، 3

.75، صـ200977

وقدرتها على الكشف، والإثراء، وتفجير بعد تلو بعد من الإيحاءات في الذات ( اللذين يتحققان بينHarmonyالمتلقية، ترتبطان بالاتساق والانسجام )

. 1هذين المستويين للصورة« والصورة في نصوص ونوس مرتبطة بالسياق العام للنص، وتوظف

لتخدم الرؤيا التي يقدمها الكاتب في عمله. وتتنوع الصور في مسرح ونوس بين صور مغرقة في الشعرية وصور أقل شعرية لكنها في كل مرة تكون مناسبة للغرض العام للنص المسرحي وسيكون العمل على أغلب الصور

في تلك النصوص. أحد ضباط الأمن الصهاينة، »موشي يدخل الاغتصابفي مسرحية

، يقول: » سيدي.. أخيرا باضت فرختي أسماء2وعلى وجهه إمارات الظفر « . قد تبدو الصورة بسيطة للوهلة الأولى لكن3وأمكنة اتصال ولقاءات «

ومن خلال الصورة السابقةموشيمدلولاتها على درجة كبيرة من العمق؛ يحقر المعتقلين الفلسطينيين وجهودهم ونضالهم. وبدلا من أن يحمل الفعل

باض معنى إيجابيا كما هو مفترض منه، يحمل دلالات سلبية لأن المعتقل أفشى أمورا من المفترض أنها أسرار لا يجوز البوح بها لأنها ستهدد حياة

الكثيرين. ومن جهة ثانية تظهر الصورة خوفا وقلقا دفينا من العرب، الذين يشكلون التهديد الأساسي له ولأبناء شعبه عندما، يشبههم بالفراخ. وفي

قوله )أخيرا( هو لا يزيد من مكانة العربي بل من مكانة الصهيوني الذي منالمفترض أنه ما من صعوبة يمكن أن تواجهه وتمنعه من تحقيق مراده.

: » انبثق الفجر متعثرا خجلانأبراهام منوحينوفي غير موضع يقول وزوجتهإسماعيل. وتأتي الصورة إدانة لوحشية التعذيب الذي تعرض له 4«

على يد الصهاينة. والفجر الذي عادة ما يكون رمزا للتحرر والانعتاقدلال والخلاص والأمل الجديد، يصبح شاهدا على مجموعة من الممارسات

الوحشية والعدوانية التي ارتكبها الصهاينة بحق الإنسانية ويبدو لذلك السبب غير راغب في البزوغ اعتراضا على ما يجري لكن وبوصفه غير قادر على ذلك فقد كان متعثرا في بزوغه وخجلا ومرتبكا. ومن خلال الصورة يحاول

أن يدين الممارسات الصهيونية الشنعاء لأنه ومع ما يحدث يجبأبراهامأن تعيش البشرية في ليل دامس.

عن والده يقول: » أذكر رجلا دافئ النظرةإسحقوفي معرض حديث يعزف على الكمان. كان المساء ملونا واللحن ينساب بين الألوان مثل

الذيإسحق. تشي الصورة السابقة بالكثير عن حال 5جدول عسلي « يحتفظ في ذاكرته بصورة مشرقة لوالده على الرغم من الحزن الذي

يشوب هذه الصورة. فالمساء مع والده اكتسب ألوانا جميلة لأنه ارتبط في ذاكرته بالكمان الذي أضفى على تلك الأمسيات لحنا صافيا مثل جدول

- جدلية الخفاء والتجلي /دراسات بنيوية في الشعر/،كمال أبو ديب، دار العلم للملايين، 1، 1979، 1بيروت، ط

.22، صـ1995، 4 ط.107، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2.107- المصدر السابق، صـ 3.126- المصدر السابق، صـ 4.137- المصدر السابق، صـ 5

78

عسلي، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على الكم الكبير من السعادةإسحق والطمأنينة اللتين كان يتمتع بهما في وجود والده. فهو لم يقل نهرا

من العسل بل جدولا لأن الجدول يجري بهدوء ورقة وتتمتع مياهه بالصفاء والعذوبة فكيف إن كان الجدول من العسل فهو بالتأكيد يجري بهدوء أكبر

لإطالة الوقت الذي كان يستمتع فيه مع والده.إسحقوكأنها محاولة من وهذا جانب من جوانب الصورة والجانب الآخر يحيلنا إلى النظر في الوضع

فالمساء أصبح صاخبا ومليئا بالصراخإسحقالحالي الذي يعاني منه والموت والآلام التي لا حدود لها، أصبح مساء كريها داميا وغير مرغوب فيه

لأنه مرتبط بحفلات الاغتصاب وموسيقاها الصاخبة وأحداثها الدامية. واستحضاره للصورة هي محاولة لتجميل الواقع القبيح الذي يعيش فيه

مكرها. وتتلاحق الصور في النص وتأتي استخداماتها كي تؤكد فكرة تريد

وهي تخبر ولدهاسارة بنحاسالشخصية إثباتها أو التعبير عنها كما تفعل عن أهمية بناء الدولة الصهيونية، تقول: » ينبغي أن نكون روحا شفافة

تعلم جيدا ما تريدسارة. و1كالفجر، صلبة كالنصل كي تكتمل المعجزة « لأن الجسد فان وله متطلبات كثيرة تعيق الروح عن تحقيق غاياتها، وعندما يتمتع كل من في الدولة الصهيونية بهذه الخصلة » روحا شفافة كالفجر «

رأت أن تكون الروح شفافة كالفجر الذيسارةفلا بد أن تتحقق المعجزة. هو تحقق الحلم في بناء الدولةسارةيعلن طلوع النهار والنهار فيما يخص

الصهيونية العظمى، لكنها حدت الروح بالصفة الثانية صلبة كالنصل لأن هذه الروح يجب ألا تتمتع إلا بجانب واحد هو الجانب الذي يمكن الدولة الصهيونية

من تحقيق هدفها والصلابة هنا ضرورية جدا، لأنه إن لم تكن تلك الروح صلبة كالنصل فهي لا محالة متهالكة نتيجة الممارسات اللاعقلانية التي

يرتكبها الصهاينة بحق الإنسانية. فالروح لا يمكن أن تكون صافية شفافة سارةكالفجر وهي تحمل هذا الكم الهائل من الحقد والجشع. ويبدو أن

تعرف ذلك ضمنيا لذا هي تنتقي العبارات والجمل حتى تستطيع التأثير في ولدها الذي يبدو تائها يتخبط بين إنسانيته من جهة والأشياء التي تربى عليها من جهة ثانية. فالمنطق والعقل يقول إن ما يفعلونه ليس صحيحا، وتربيته

الصهيونية تقول العكس، يقول: » ما الخطأ! إننا نقوم بواجبنا. ألم يعلموني . والصورة السابقة هي2أن أكون حادا كالموس؟ وحيدا وقاسيا كالخوف؟ «

الصورة الحقيقية التي يجب أن يكون عليها الفرد الصهيوني حتى يحقق المعجزة المنتظرة لأن عليه أن يكون وحيدا وقاسيا كالخوف لا أن يكون

يعلمإسحقروحا شفافة كالفجر؛ وليس صلبا كالنصل بل حادا كالموس. كانت تقصدسارةتماما الأساس الذي تستند إليه تربيته وعندما تكلمت

الذي عبر عنها بوضوح أكبر لأنه ولتحقيقإسحقتماما ما جاء في صورة المعجزة المزعومة على الإنسان أن يتخلى عن كل ذرة من إنسانيته وعندما

يصل إلى هذه المرحلة فهو لا بد أن يتحول إلى شخص عديم الإحساس وقاس؛ وشخص يتمتع بالصفات السابقة لا بد أن يكون وحيدا. لكن اللافت

أنه شبه الإنسان بالخوف الكاتب أنسن الخوف وجعله وحيدا وقاسيا والصورة الثانية شبه الإنسان بالموس الحاد والموس يستخدم في الحلاقة

.141، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ- 1.144، صـ المصدر السابق- 2

79

وهو أداة ناجعة للقتل وهو تماما ما تريده الدولة الصهيونية من أبنائها أن يكونوا أدوات للقتل والفتك بصرف النظر عن مقدرتهم الإنسانية على

منه لأنه يستغرب من الأحداث التيإسحقالتحمل. وهو الأمر الذي يعاني تجري معه على الرغم من أنه لا يفعل إلا ما في مصلحة بلاده ولذا من

المفترض أن يكون لذلك ثواب وليس عقابا. دلالوفي الحكاية المقابلة » الحكاية الفلسطينية « وفي وصف حالة

بعد الاغتصاب تقول الفارعة: » خلال أيام استلوا شبابها، ورموها في كهولة أمرا يسيرا ومستساغا كاستلال السيف مندلال. كان اغتصاب 1مبكرة «

غمده وهي صورة معبرة جدا وتخفي في طياتها أكثر مما تبدي. والشباب الذي يشكل مرحلة ليست بالقصيرة في حياة المرء والتي تستمر لأعوام

وأعوام استطاع الصهاينة بحقدهم ووحشيتهم أن يختزلوا هذه المرحلة من دلالحياتها بل واستطاعوا تدميرها هذه المرحلة النابضة بالحياة من عمر

وجعلوها كالعجوز؛ » رموها في كهولة مبكرة « والرمي عادة يكون للأشياء التي نريد التخلص منها وهذا ما فعله الصهاينة لكن موقع المرمي كان

الكهولة المبكرة وليس الحاوية مثلا، أي أن الدوال تأخذ مدلولات جديدة وغريبة تخدم النص وتضفي الجمال والفنية على الصورة. وترد على لسان

الصورة التالية بعد اغتصابها من قبل الصهاينة، تقول: » ختمتدلال .2 «إسرائيل هويتها على جسدي، ولن يمحو هذا الختم الرهيب إلا الموت

إذن دلال تعلم أنها لم تغتصب من قبل أفراد بعينهم بل من قبل قانون مجحف لدولة غازية استعمارية ترى أن تحقيق أهدافها لا يمكن أن يتم إلا

بالاغتصاب. والهوية هي بطاقة تعريف عن الإنسان عادة وهوية إسرائيل هي هو اغتصابدلالبطاقة تعريف عنها والختم الرهيب الذي ترك على جسد

الصهاينة لها، عقوبة لزوجها الذي رفض بيع وطنه ولو أدى الأمر به إلى التضحية بروحه فداء حرية وطنه، لذا فهوية إسرائيل أو بطاقة التعريف عنها

هي الاغتصاب.. اغتصاب إنسانية الإنسان. نتيجة طبيعية نظرا للتعذيب الذي تعرض له.إسماعيلوكان استشهاد

في وصف ذلكالفارعة في تابوت تقول إسماعيلوعندما أعاد المحتل اليوم: »عاد إسماعيل في تابوت مسمر، فانفجر الغضب المحتقن في

الصدور.. وبدأت المظاهرة.. في يوم واحد كبر الأطفال سنوات.. حملوا فجرت الغضب وصارإسماعيل. عودة 3غضبهم ونزلوا إلى الشوارع«

الغضب بركانا يشتعل في الصدور التي تتعرض يوميا للقهر والإذلال والتعذيب. الغضب لم يختف من صدور الفلسطينيين يوما لكنه يستكين فترة

ثم ما يلبث أن يظهر عند أول شرارة يطلقها الغاصب الذي يفعل أي شيء حتى يمحو وجود الفلسطيني. لكن الشعب يدافع عن حقه في الحياة وحتى

الأحرف التي شكلت الكلمات التي ألفت الصورة هي أحرف قوية وتترك أثرها البارز في نفس المتلقي )الضاد والدال و القاف والباء والحاء(. وفي

النضال لا فرق بين كبير وصغير الكل يجب أن يفهم ويعي موقعه في اللحظة المطلوبة وليس في اللحظة المناسبة لأن الأطفال الفلسطينيين

يكبرون كما أطفال القصص الخرافية في يوم واحد يصبحون شبانا في.181، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ- 1.183، صـالمصدر السابق- 2.185، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 3

80

عنهم: »الفارعةجهوزية تامة للجهاد والنضال ضد المحتل، وهم كما تقول من ينمو كالبضاعة المهربة لا يستطيع أن يتبع قوانين النمو الطبيعية.. أنت

محكوم بالنمو وفق قانون لا يخص أحدا سوانا! عليك أن تنمو كما ينمو . وفي المقبوس السابق يلخص ونوس حياة1الأطفال في الخرافات «

»الفارعةالطفولة الفلسطينية بكلمات بسيطة ومختصرة. وعندما تقول حملوا غضبهم « تبين أن الغضب أصبح واحدة من أهم أسلحة النضال ضد

المحتل فهم لم يحملوا السلاح بل الغضب الذي يبدو أهم وأشد فتكا من أي سلاح في العالم لأن الغضب الذي يحتقن ويتخمر لوقت طويل يكون

انفجاره مدمرا ومدويا ومؤلما لذا فهم حملوا غضبهم ونزلوا به إلى الشوارع التي تشكل ساحة المعركة خاصتهم. والغضب شعور إنساني لذا هو حقيقة

لا يحتقن ولا ينفجر إلا بشكل مجازي فالتعبير مفهوم تماما. والصور السابقة كلها جاءت لتختزل الصراع الفلسطيني الصهيوني، والصراع الصهيوني

اليهودي، والصراع الفلسطيني بين واقع معيش ومفروض وواقع يفترض أن يكون لأن الإنسانية تفترض ذلك. وبذلك تخدم الصور السابقة وجهة النظر الونوسية في إيصال الطبيعة الشائكة لهذا الصراع. ومعظم الصور جاءت موشحة بالحزن والغضب الذي يطبع حياة الفلسطيني واليهودي على حد

سواء، مع حفظ الفروقات، لأن الاثنين يعيشان في حالة مستمرة من القلق والرعب والانتظار لذا فحياتهم محكومة بقوانين خاصة لا تحكم أحدا سواهم.

والصور السابقة اكتسبت سماتها الجمالية والفنية والوظيفية من السياق الذي وظفت فيه والذي منحها أبعادها المتكاملة و» الصورة دون سياق،

. لأن الصور كلها وظفت2وجود مسطح وليس بنية متشابكة العلاقات « لخدمة الفكرة الأساس في النص وهي رسم صورة بانورامية لطبيعة

الصراع داخل الأرض المحتلة؛ من وجهة نظر الكاتب. في وصففاروق تطالعنا صور جديدة، يقول يوم من زمانناوفي

: » إن بيت الست فدوى يمد أروقته داخل المدرسة. إنهفدوىبيت الست في الصورة السابقة لا يهاجمفاروق. 3يقتحمنا، ويهدمنا من الداخل «

. الصورةفدوى بل يهاجم المكان )بيت الدعارة( الذي تديره فدوىشخص تتمركز حول بيت يمد ويقتحم ويهدم، البيت الذي يمثل الفاعل الحقيقي

دون البيت لا تستطيع تحقيق مبتغاها لأن مافدوى. وفاروقحسب رأي تفعله يحتاج بداية إلى عقل مدبر ورأس مال يدعم هذا العقل وهما أمران

؛ لكن الأمر الأكثر أهمية في كل ما سبق هو البيت الذيفدوىتملكهما وحده يستطيع أن يضم الأمر الأهم الذي سيسهل عملها وهو الفتيات اللواتي

تعلم ذلك جيدا، فالبيتفدوىمن غير وجودهن لن يكون هناك عمل أصلا و يمثل بأروقته التي تشبه الحلم الغواية التي تمتد كاليدين لتصل إلى مبتغاها،

وليس من منطقة أسهل من المدرسة التي ماتزال عقول فتياتها غضة يسهل التأثير والتلاعب فيها، والفعل الأول )يمد( فيه الشيء الكثير من

الهدوء والروية وبعد أن يثق البيت من امتداده يقوم بفعلي الاقتحام والهدم الفتيات إلى فدوىاللذين يتمان على المستوى النفسي الداخلي. تجتذب

البيت فيشاهدن أمورا ومغريات ما كن حتى ليحلمن بها ثم يقعن في.67، صـ المصدر السابق- 1.27- جدلية الخفاء والتجلي /دراسات بنيوية في الشعر/، صـ 2.202، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ-3

81

يحاول أن يخرج الألمفاروقالشرك ولا يعود من مجال للفكاك منه. و الذي يعتمل في روحه فلا يجد مهربا إلا من خلال الصورة التي يبدو أنه يجد

: » وجه ثريا واللؤم المتيبسثرياضالته فيها، يقول في وصف وجه الموجهة في بداية الصباح الذي بدأت فيه المشكلة.فاروق. هذا ما تذكره 1عليه «

والتي يفترض أن تأخذ من سمات اسمها وهي إشعاع نجمثرياالموجهة الثريا وسطوعه في كبد السماء يبدو أنها أخذت سمتي الإشعاع والسطوع في مجال آخر هو التجسس والإيقاع بالآخرين. وبدل أن يشع وجهها بالنور

كالثريا كان ينضح باللؤم المتيبس عليه. للصورة أبعاد عدة فاليباس هو ربما لم تكن لئيمة بالضرورة منذ البداية وربماثريا. و2الجفاف بعد الرطوبة

جاء هذا اللؤم في فترة محددة. واللؤم حالة نفسية تظهر وتختفي في ظل كان مختلفا لأن اللؤم عندما بدأثرياظروف معينة لكن يبدو أن الوضع عند

يظهر لديها لم يعد يختفي أخذ يجف طبقة تلو الأخرى حتى تيبس وأصبح .لثرياالسمة العامة التي تطبع شخصيتها فأصبحت الصورة معادلا موضوعيا

بقوله:» إنك تخربينفدوى مسيرة ذلك اليوم ليواجه فاروقويكمل . يكتسب الوحل في3البيوت، وتغرقين الجميع في وحل الفساد والرذيلة «

هذه الصورة مكونات مختلفة لأنه مزيج من الفساد والرذيلة وارتباط تغرقفدوىالمكونين معا يشي في ثناياه بالفجور، والأمر الآخر أن

الآخرين والغرق غالبا ما يرتبط بالماء لكن الغرق هنا أشد إيلاما وقسوة بوصفه مرتبط بالوحل وإذا ما قورن بالغرق في الماء أو الغرق في الوحل

فربما سيكون الغرق في الماء هو الخيار! ومن هنا تأخذ الصورة الأبعاد التي أرادها ونوس وهي تبيان الآثار المدمرة التي تخلفها الدعارة في المجتمع ككل متكامل من الخلية الصغرى التي تشكلها الأسرة إلى الخلية الكبرى

التي هي المجتمع بمؤسساته وقطاعاته كافة. وهذه الصورة تدعم الصورة : » يقتحمنا، ويهدمنا من الداخل « والمقصودفدوىالأولى؛ يقول إن بيت

بالـ )نا( هنا الجماعة الإنسانية التي يجب أن تحذر لأنها الهدف الذي تريد تدميره لتستطيع تسخيره لخدمة أغراضها وغاياتها من دون أن يملكفدوى

سلاحا يستطيع من خلاله الدفاع أو المواجهة أو الاعتراض حتى. ودائما ما الحثيثفاروقيقترن الوحل عند ونوس بالدلالات السلبية. وفي سير

لمعرفة الحقيقة يصطدم هو الآخر بشباكها وغوايتها لكنه يرفض الانصياع وجه القوادة البشع والمفزع تقول:لفدوىوبرفضه يظهر الوجه الحقيقي

» لكن ها أنت تتصرف كالحمقى. تنسحب إلى محارتك اللعينة، كي تسبح . والسباحة عادة4في مخاطك وأوهامك عاجزا عن الحياة وعن المبادرة «

أمر حسن ومستساغ وهي ضد الغرق هي التي تحافظ على الحياة لكن الصعوبة التي ستواجهه في السباحة لأنلفاروق تقرر أن تبين فدوى

لا يسبح حسب رأيها بعكس التيار لكنه يسبح في المخاط الذيفاروق يتمتع بطبيعة لزجة والأمر المشرق الذي يرافق السباحة عادة ما يكون

لأن أحلامه هي مجردفاروقالحلم بالوصول إلى بر الأمان هو مختلف عند أوهام ستضيع لا محالة في المخاط الذي كون المادة التي يحاول النجاة منها

ليست مخطئة بالمطلق لأنه في النهاية هو حقيقةفدوىيعلم أن وهو.217المصدر السابق، صـ- 1- ينظر: مادة )يبس( لسان العرب.2.230، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 3.238، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ- 4

82

يعيش في عالم خاص ليس موجودا إلا في خياله هو وحده لأن أقرب الناس إليه والتي هي زوجته تعلم أن عالمه غير حقيقي. ويبدو أن الطبيعة تشارك

في أحداث النص بشكل واضح لأن المؤلف يقول: » الليل يتقدم، واللحظات . عادة ما ترتبط الرجولة بالصلابة1تتوتر، ثم تمضي مثقلة بالخجل «

والقسوة؛ والليل المذكر يصبح في هذه الصورة رجلا يسير قدما غير آبه لأحد. وهو لا محالة سيتقدم لأن دورة الزمن لا تتوقف لأجل أحد، أما

اللحظات هي لفظة مؤنثة فتأخذ المعنى المقابل لأن الأنثى دوما أرق من فاروقالذكر وأكثر تعاطفا واللحظات تبدو في الصورة متعاطفة مع

متوترة مما يحدث معه، وربما هي راغبة بالتوقف من أجله لكن عجزها عن هذا الفعل،التوقف، يثقل كاهلها فتمضي مجبرة خجلة من أنها لم تستطع أن

الذي يكاد يفقد صوابه من جنون أحداث ذلك اليوم.لفاروقتقدم شيئا في ذلك اليوم لأن الليللفاروقوتعكس الصورة حقيقة الحالة النفسية

وفي حالة الفرح يبعث لا شعوريا حالة من الكآبة، فكيف يكون الأمر وهو مكتئب فعليا! إذن قدوم الليل لا بد مثقل كاهله وهذا ما يخشاه لأن يومه لم يكن ينقصه إلا قدوم الليل ليشعر بالخذلان التام. وكما يمضي اليوم يمضي

تتداعىنجاة قدما في البحث عن الحقيقة وقبل لقائه بزوجته فاروق * في وصفالمؤلفالأفكار في رأسه، ويعود بيت فدوى للظهور، فيقول

: » تلك الفتنة التي تسيل من الصوت والحركة، منلفاروقالحالة النفسية الجسد والأثاث. هي الفوضى تكتسح الدنيا. فوضى مرعبة، تغرقه وتبلعه في

يكتمل بناء الصورةفاروق. ومن خلال تداعي أفكار 2دوامتها المظلمة « ؛ وبدل أن يصف أي من متعلقات البيت يصف الفتنةفدوىالكلية لبيت

التي تحيط بكل ما يتعلق به. كانت الغواية تسيل من الصوت والحركة وهو بعدم تحديده لصاحب الصوت أو الحركة ترك المجال مفتوحا لتوقع المتلقي

وكذلك الأمر بالنسبة إلىفدوىأن الصوت يمكن أن يعود لأي من فتيات الحركة والجسد والأثاث. كل ما في المنزل ينضح فتنة وإغراء ومن هنا نفهم

الشخصيةفدوى لمهاجمة البيت المكان وليس فاروقالسبب الذي دفع / البيت هي التي تمثلفدوى لا معنى لها دون البيت فالثنائية فدوىلأن

الخطر والرعب هي الفوضى التي ستبتلع العالم في دوامتها المظلمة. وصل إلى أقصى درجات اليأس والإحباط فالعالم فجأة بدأ يتداعىفاروق

من حوله والدوال التي استعملها خير دليل على ذلك فالفوضى )تكتسح وتغرق وتبلع( والأفعال السابقة كلها وظفت بدلالاتها السلبية لأن الفوضى

ستكتسح وتغرق وتبلع عن طريق دوامتها المظلمة. ونحن نعلم ما تتمتع به الدوامة من دلالات الرعب والموت لأن الدوامة تأخذ كل ما يصادفها دون

تفرقة أو تمييز، ويزيد من سلبية دلالة الدوامة عندما يصفها بالمظلمة. إذن الفوضى ليست عادية؛ هي ليست فوضى في حالة كمون بل فوضى

وهو لا يغالي لأنه عندما يكتب الازدهارفاروقمتحركة ومن هنا نفهم رعب فهذا بالضرورة يعني أن الاضمحلال والأفول هو ما سيكتبفدوىلبيت

يعني أنفدوىلحرية الإنسانية جمعاء، وعندما تسيطر امرأة مثل الرأسمالية ستسيطر وستعاني البشرية أسوأ أنواع العبودية والاستغلال لأن

.241 السابق، صـ المصدر- 1.241، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ- 2

واحدة من الشخصيات في مسرحية يوم من زماننا وهي بمثابة الراوي* »المؤلف«لأحداث النص. وليس المقصود بها الكاتب »سعد الله ونوس«.

83

إنسانية الإنسان ستلغى وتصبح ذكريات من ماض سحيق وهذا ما لا يمكن ،فاروق أن يرضى به. وبسبب أحداث اليوم المرير يتأزم وضع لفاروق

. الرأس1فيقول: » رأسي عجين رخو من الصور والبذاءات والكلمات « أصبح لينا مثل العجين لكن الكاتب أضاف الصفة رخوا والعجين الجيد لا

يكون رخوا لأنه متى صار كذلك غدا غير صالح. ويكمل ليبين لنا السبب في فساد العجين لأنه مكون من الصور مثل صورة ثريا والبذاءات في

التصرفات والمواقف والكلمات التي لا تمت إلى المنطق بصلة والتي سمعها من المدرسة والجامع والمديرية أي من الشخصيات التي يفترض

أنها تدير المجتمع وهي المسؤولة عن سلامته وتوازنه. ومن هنا نلحظ كيفارتبطت الصور بعضها ببعض لتدعم الفكرة الكلية التي أراد الكاتب إيصالها.

قبلفاروق وفي الصورة الأخيرة تكتمل حكاية هذا اليوم الذي كان بدايته جاهلا ومع نهايته نال الحقيقة التي كان يبحث عنها يقوده حدس غريب

هو نفسه لم يدرك كنهه حتى توصل إلى المعرفة الموجعة، عند ذلك يصف شعوره قائلا: » سقط النقاب عن وجه العالم، فبدا دميما، مشروم

. وهنا تبدو بوضوح ثنائية الخفاء/ الظهور.2الشفتين، يا الله ما أبشع وجهه « أحب العالم المنقب عندما كان كل شيء جميلا ومثاليا. أما وقدفاروق

سقط النقاب عن وجهه وبانت الحقائق أمامه أصبح لا يعرف إن كان يعيش حقيقة في هذا العالم. أخيرا اكتشف أنه يعيش في عالم مغمس بالفساد

والرذيلة، وأن لا مكان له فيه. والصور في النص وصف حي للمكان الذي هو الذي يمثل نموذجا مصغرا عن العالم الكبيرفدوىبطل المسرحية بيت

الخارجي. تطالعنا مجموعة جديدة من الصور منمنمات تاريخية وفي مسرحية

التاجر الذيدلامة. ترد الصورة التالية على لسان تمتاز بالبساطة والوضوح هو الذي سينقذ دمشق من المحنةتيمورلنكقرر أن عقد صفقة ذكية مع

:دلامة وابن مفلحالتي تمر بها، وترد الصورة التالية في حوار بين » ابن مفلح: غدا أرسل الخادم والدابة لحمل البضائع.

دلامة : دعه يأتي قبل الفجر. لا أريد أن تفترسنا العيون. ابن مفلح: هل صرت تبيع بالسر؟.3 دلامة : الوقت صعب يا شيخ «

المؤن لأنه يعلم أن المحنة والوقت العصيب آتيان لا محالةدلامةيحتكر ابنالأمر الذي سيضاعف الأسعار وسيضاعف ربحه. لذا نجده يطلب من

أن يرسل خادمه في الظلام حتى لا ينبه العامة أنه يملك ما يحتاجونهمفلح من القوت. وترد الصورة لتبين خسة هذا الرجل ودناءته فهو لا يريد أن تفترسه العيون، والعيون وظيفتها الرؤية لا الافتراس. لكن العامة التي تعاني الجوع والفقر لا بد أن تفترس مغتصبي حقوقها عندما تضيق بها

الدلالة لتتناسب ومبتغاه فتصبح وظيفة العيون هيدلامةالأحوال. ويزيح العامة دلامةالافتراس الصفة التي تخص الحيوانات الضارية. وهنا يشبه

.241، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 1.246، صـ2الأعمال الكاملة، جـ -2.245، صـالمصدر السابق- 3

84

بالحيوانات الضارية. ويبدو أنهم فيما يخصه ليسوا أكثر من ذلك لأنه لو كان يهابهم حقا لقال تفترسنا العامة لا العيون؛ وكأنه يشير إلى عجزهم عن

الإتيان بفعل حقيقي. وفي خضم المحنة القاهرة التي تمر المدينة بها ورغم اليأس الذي أطبق على قلوب الجميع يبقى هناك أشخاص يؤمنون أن الفجر لا بد أن يطلع من

أمير القلعة: » يحق لي أن أحلم أنآزدار نائب شهاب الدينجديد، يقول 1نظاما جديدا، سيولد من مخاض هذه المحنة « . والمخاض يكون مؤلما جدا

للمرأة وتشعر في لحظات كثيرة أن الموت بات وشيكا جدا وهذا كان حال كانوشهاب الديندمشق التي عانت في تلك الفترة سكرات الموت.

يحلم ويتمنى أن يكون ما تمر به دمشق هو المخاض الذي يسبق الولادة. وما يأتي بعد المخاض هو الطفل الذي يرمز إلى الحياة الجديدة والأمل

بتحققه أن يولد نظامشهاب الدينالجديد، وهذا هو الحلم الذي يرغب جديد يبشر بحياة أفضل ويزرع الأمل والتفاؤل في قلوب الناس.

ويعقب المؤرخ القديم في وصفه لحال أهل دمشق بقوله: » وبدا وكأن . و عندما قال المؤرخ »2الخير مات فيهم، وفاضت الشرور في نفوسهم«

فاضت الشرور في نفوسهم« عنى ضمنيا أن الشر كان موجودا في الأساس لكن تدهور الأوضاع جعله يتزايد في النفوس حتى بات الناس

يشبهون الإناء الذي ينضح بما فيه، لأن هذه الشرور لو لم تكن موجودة منقبل لما ظهرت بذلك الوضوح.

أن تتزوجالتاذلي ابنة الشيخ سعاد وفي ظل الظروف السابقة تقرر وفي ليلة زفافهما تقول له: » معابن خلدون تلميذ شرف الدينمن

القلق الخوف لن تعرف كيف تقطفني، وسنفوت عرسنا.. اهدأ الآن ودعنا نضجت كما تنضج الثمار ومتىسعاد . 3نتأرجح على هذا الحلم العجيب «

نضجت الثمار يحين موعد قطافها، وهذا ما فهمته جيدا لأنها أرادت أن تعيش حتى آخر لحظة من حياتها بسعادة قدر المستطاع تحقيقه، وبزواجها من

لذاشرف الدين تكون قد حققت ذلك. وهي تشعر بقلق شرف الدين تحاول أن تلهيه عن التفكير في مشاكله بكل رقة عندما تخبره أنها نضجت

وأنه حان موعد قطافها وأنه لا يجوز أن يعكرا ليلة زواجهما بالقلق والخوف. وتطلب منه أن يتأرجحا على الحلم الذي أصبح معادلا موضوعيا للأرجوحة

التي تكون عادة مرتبطة بأيام الطفولة وكأن الأحلام هي للطفولة فقط، أو لأن الأرجحة تذكرها بأيام طفولتها السعيدة، ولو كان للحلم مكان في حياتها

لما اختارت الموت مباشرة قبل تسليم القلعة. وقررت أن يكون زواجها مفتاحا لحلم أخير عجيب فمع كل الفوضى والدمار الذي يحيط بالبلاد والعباد

هو حلم في غاية الغرابة. شرف الدين أن ما تعيشه مع سعادترى تشبه المنمنمات نفسها من حيث إنمنمنمات تاريخيةوالصور في

كل منمنمة هي صورة مستقلة بذاتها تشي بآلام أصحابها وآمالهم، وهي جزء من الصورة الكلية أو المنمنمة الكلية التي ترسم صورة متكاملة للوضع

الذي تعاني منه دمشق. .428، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 1. 431 السابق، صـالمصدر- 2.450 السابق، صـالمصدر- 3

85

ترد بضعة صور في ثنايا النص وهي علىأحلام شقية وفي مسرحية معبرا عن امتعاضه منماري يشكو لزوجته فارسقلتها موحية. نرى

. والصورة تبدو للوهلة1: » إنه يخيم علينا، ويبذر النكد بيننا «بشيروجود يخيم على الزوجين، والتخييم أمر إيجابي لأنه يتمفبشيرالأولى حميمية

، لكن عندمافارس وماري يحاول حماية حياة بشيرلغرض الحماية. إذن الذي يبدو أنه بشير رسم الصورة يتضح أنه يحط من شأنفارسيكمل

يبذر بين الزوجين النكد، ومتى كان البذار هو النكد فالمحصول هو الشقاق لأنه سيخسر معيله الوحيد فيفارسوالفراق، وهو الأمر الذي يرعب

استخدم فعلين دلالاتهما إيجابية لكنه بتوظيفهما السابقفارسالحياة. و أزاح الدالين عن معناهما المعتاد ليحملهما دلالات سلبية. وهذه الشخصية

في حديثها المعتاد توظف الأحداث بطريقة ماكرة تخدم مآربها، الأمر الذي علىماريفعله مسبقا في توظيفه للمثل و للمعتقدات الشعبية. فترد

: » أنت تكرهه، وتخاف منه، لأنه جاء كي يرتب ما بقولهافارساتهامات تبقى من حياة أمه، ويخفف قليلا من الشقاء الذي قاست منه. الشقاء الذي

تجرعته ثلاثين سنة وهي صامتة وراضية. أتعرف ماذا قال لي اليوم؟ قال لي.. حين تصعدين إلى السماء يا أمي، ستجدين الملائكة حائرة، تتساءل

كيف نعوض هذه المرأة عن الشقاء الذي تكبدته. وأي فرح يمكن أن يغسل ماري. والصورة الأولى تصف شقاء 2روحها من العذابات التي تحملتها؟ «

ومعاناتها الطويلة واستخدامها للفعل يتجرع يشي أنها لم تحتمل العذاب سعيدة بل كانت مجبرة عليه بشكل أو بآخر. والتجرع عادة يكون للسوائل

وليس للشقاء. واستخدام الفعل في هذا الموضع حمل الصورة دلالات لوقت طويل. والروح لا تغسل عادةماريالشقاء والمعاناة التي تكبدتها

فكيف إن كانت المادة التي ستغسل بها الروح هي الفرح؟! ونلحظ أن وهي الغسل الذي يعيد القذرماري وظف الصورة الأكثر قربا لتفكير بشير

نظيفا وطاهرا من أي دنس. خاصة أنها قضت عمرها تغتسل من الدنس بشير والراحة. لكن برحيل لتشعر ببعض الطهرفارسالذي كان سببه

»تتحسر وتقول: غادة بحياة سعيدة وجميلة فنجد ماري وغادةيضيع حلم ومن جديد تنزاح الدوال عن.3وليس أمامنا إلا أن نبلع قهرنا، نتغذى به.. «

مدلولاتها المعتادة، فالطعام عادة هو الذي يبلع وليس القهر. وبوصف القهر معادل موضوعي للطعام فهو شيء عليهما التعامل معه بشكل يومي لأن

الإنسان لا يستطيع البقاء على قيد الحياة من دون غذاء ويبدو أنه في حالتهما من الصعب العيش دون القهر والألم. هو أمر مفروض لا مفر منه.

وعلى الرغم من قلة الصور، التي وردت في النص، وبساطتها إلا أنها جاءت أحلام شقيةمعبرة عن الجو العام للنص المسرحي الذي حمل عنوان

لأنها جاءت محملة بمدلولات الشقاء والألم الذي حملته شخصيات النص في وتبدأ التغيرات تطرأ على الصور في نصوص ونوس المسرحيةأعماقها.

وتكتسب أبعادا جديدة والمزيد من العمق والكثافة الشعريتين وفي نتعرف إلى مجموعة كبيرة من الصورطقوس الإشارات والتحولات

التي تناثرت في ثنايا النص لتزيد من عمقه وجماله الأدبيين، ولتحدد أبعادا

.257، صـ2الأعمال الكاملة، جـ -1. 257، صـ السابقالمصدر- 2. 297، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ3

86

عميقة في نفسية شخصيات النص وفي تركيبة المجتمع العربي ليس في عبدوزوجها مؤمنة وفي حوار بين الفترة الماضية بل وفي الحاضر أيضا.

كان جسدها » تصف فيها الراقصة التي أحيت حفلة زفافهما، تقول: الله حرا. يكاد يضيق به فناء داركم الواسعة. كان جسدها يتدفق، يتماوج، يمتد، يضحك، ويشهق. كانت حرة كالهواء، ثوبها البراق يود لو يتساقط، ويتركها

ترد الصورة كلية ثم في أجزاء متلاحقة. فهي تصف. 1 «تجمع وتضيء الليل الجسد دفعة واحدة » كان جسدها حرا « ثم تصف الجزئيات على شكل

متتالية؛ فهو يتدفق كالماء ليدل على سلاسته وعذوبته، ويتماوج كالبحر ليدل على طراوته وليونته، ويمتد ليبين السطوة المكانية لهذا الجسد، ثم هو

يضحك ولشدة الضحك يشهق. ولم يكن شخص الراقصة هو المعني بالوصف بل جسدها فقط لأن تعبيراته كانت أجمل وأبلغ وأصدق على ما

يبدو من تعبيرات أي وجه. وصاحبة هذا الجسد لا بد أن تكون حرة وإلا لما ، فهي كانتمؤمنةاستطاع جسدها أن يترك ذلك الانطباع الرائع في نفس

حرة كالهواء الذي لا يستطيع أحد أن يسيطر عليه أو يحبسه والذي هو في الوقت ذاته ملك للجميع. وحتى الثوب البراق الذي كانت ترتديه ود لو يتساقط عنها لأنه وفي جنون تلك اللحظة وجمالها كانت قادرة بنورها الداخلي وحريتها اللامتناهية أن تجمع الليل الممتد وتكثفه في الفسحة

المكانية التي ترقص فيها وتضيء سواده وحلكته. ولا نستطيع أن نتجاهل أن في امتلاك جسدمؤمنةالصورة تعبر أيضا عن الرغبة الكامنة في أعماق

عن فهم السبب الذيعبد الله كهذا الجسد حر متحرر وكامل. عندما يعجز يا رب.. إنك مجروحة، » يقول لها: دفع زوجته إلى الحديث بتلك الطريقة

إذن الزوج .2 «وجرحك عميق. لا شك أن جرحك هو الذي يتحدث من فمك ،مذهول من كلام زوجته الطاهرة الرقيقة التي تحملته وآثامه لوقت طويل

ويبدو أنه ما عاد بوسعها تحمل المزيد لذا يسوغ ما حدث على أنه ناجم عن *. لذا فالذيعزت بيكجرح الكبرياء الذي تسببت به الفضيحة التي أثارها

ينطق بالكلام السابق ليست زوجته بل جرحها الطري الذي لم يندمل بعد لأن فمها لا يمكن أن يتفوه بذلك الكلام لكن الجرح يستطيع بوصف الجرح

عندما يحدث يكون قد وقع الضرر سلفا ولا مجال لرده فالجرح لا يكون والانزياح الذي حدث في الصورة هو الجرح الذي جرحا ما لم ينفتح بمسبب.

يكاد لاعبد الله يتحدث من الفم. وكأنه خطيب يتحدث من على منبر. و يصدق أن هذا الكلام يخرج من فم زوجته. لكن عندما تتلاحق الأحداث يفهم

فيوردة للكلام السابق، تقول للغانية مؤمنةالمتلقي السبب الذي دفع لا شيء يحكى عن ذلك البيت المكلس » وصف البيت الذي عاشت فيه:

ذلك البيت الذي رأت فيه على .3بالشهوات والرياء، يمكن أن يدهشني « مر السنوات مختلف أشكال الكذب والفسق والفجور والنفاق. فوالد

شيخ جليل ظاهريا لكن في الحقيقة هو رجل فاسق داعر أحالمؤمنة منزله إلى وكر للفسق والمجون. وأبلغ ما يمكن أن يقال في وصف ذلك

فالوالد لديه شهوة لا تشبع ولا تستكين، ورغممؤمنةالبيت هو ما قالته ذلك فهو يستتر في ثوب الشيخ الجليل. فالشهوات التي ملأت أعطاف

.508، صـ السابق- المصدر1.508، صـ2 جـالأعمال الكاملة،- 2

* ورد الحديث عنها في )تقمص الشخصية الناطقة(..535-534 صـ،2 جـالأعمال الكاملة،- 3

87

المنزل وامتزجت بالكذب والنفاق بسبب فسق الشيخ شكلت طبقة الطلاء الغانية لم يدهشوردةفي هذا البيت تماما كما يفعل الكلس. وما قالته

لكنه ذكرها بآلام ومواجع قديمة فقط لكن الدهشة كانت آخر مامؤمنة جاهدة ثنيوردةيمكن أن يقال إنها شعرت به في تلك اللحظة. وتحاول

عن رغبتها في الالتحاق بسلك الغواني مرة بالتهديد ومرة بالوعيدمؤمنة إلا اللجوء إلىوردة عن رغبتها فلا يبقى أمام مؤمنةلكن شيئا لا يثني

أتظنين أن حياة الغواني رغد» ، تقول: مؤمنةالمنطق علها تفلح في إقناع ونعيم! إنها حياة مغمسة بالقهر والعفن والخوف. نخاف من يحمينا، ونخاف

وردةومن أدرى بحياة الغواني أكثر من .1 «من يشتهينا، ونخاف من غدنا وردةالتي ذاع سيطها في الشام كلها! فحياة الغواني تحمل من وجهة نظر

طعم القهر والعفن والخوف. الحياة عندها تشبه الخبز الذي يغمس بأطايب الطعام. لكن مع فرق بسيط وهو أن حياة الغواني تغمس بالقهر الذي

تعانين منه بسبب المجتمع ونظرته إليهن، والعفن الناجم عن الممارسات التي يقمن بها في أثناء أدائهن لعملهن، والخوف ممن يشتهيهن لأنه قد

يسبب لهن الأذى. والخوف ممن يحميهن لأنه قد يهجرهن لأجل أخرى أصغر وأكثر جمالا، والخوف الأكبر من المستقبل لأن الزمن هو العدو الأول للغانية

تتكلم منوردةالذي يجعلها مع مرور الوقت عديمة الفائدة. وبوصف منظورها إلى الحياة فهي يجب أن تخاف كل ما ذكرت لأنها امرأة حسية

مادية تعرف أن الجسد يغوي ويثير. وما أن ذبل الجسد أصبحت عاجزة عن أداء وظيفتها، لأنها عاجزة عن إدراك روحها وأن الروح يمكنها أن تغري أكثر

لكن لا يمكن أن تدركهمؤمنةمما قد يفعل الجسد الأمر الذي قد أدركته حلمها هو المفتي الذي ترىمؤمنة. والشخص الوحيد الذي تشاركه وردة

فيه صدى لنفسها وتشعر في أعماقها أنه من الممكن أن يفهم مقصدها، زوجة نقيب أشرافمؤمنةوعندما يسألها عن مبتغاها من هذا التحول من

أريد أن أقطع الأمراس الليفية» الغانية، تقول: ألماسةدمشق إلى الخشنة التي تحفر لحمي، وتقمع جسدي. أمراس مجدولة من الرعب

والحشمة والعفة ومشاعر الدنس والقذارة..من المواعظ والآيات . اللافت في الصورة هو طبيعة2 «والتحذيرات والأمثال ووصايا الأسلاف

وروحها أمراس صنعت من خليط عجيبمؤمنةالأمراس التي تقيد جسد من المشاعر مشاعر الرعب والخوف والقلق؛ رعب من تخطي المسموح،

وخوف دائم من الفضيحة التي جعلت من المرأة كيانا هشا تابعا لكيان أقوى يسيطر ويحكم ويضع القوانين التي تحكمها، وقلق من التفكير وإعمال

العقل لأنها لو حدث وارتكبت تلك الخطيئة ستنفتح بوابات الجحيم على أمراسهامؤمنة/ألماسةمصراعيها. وهذا ما حدث بالفعل عندما قطعت

فانقلبت الشام رأسا على عقب، وتحقق ما تنبأ المفتي بحدوثه عندما قال دمشق وغانيتها الأولى بلا منازع: » إن امرأة لهاألماسة لها قبل أن تصبح

. وتحول3عزمك وقدرتك على الكلام، يمكن أن تفسد سلطنة من النساء « لم يفسد سلطنة من النساء فقط بل أفقد المدينة صوابها وأصابهاألماسة

أحد أعيان المدينة في وصف أوضاعحميد العجلونيبالذهول؛ وكما يقول

.536، صـ السابقالمصدر - 1.554، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2.555- المصدر السابق، صـ 3

88

. تنبع1أسفر الشر عن وجوهه، وبالغ في السفور «» دمشق وأهلها: عندمالمؤمنة الصورة من صلب النص المسرحي فالسفور الأول كان

لإنقاذوردة طلب منها مفتي دمشق أن تحل في السجن محل الغانية سمعة زوجها نقيب أشراف مدينة دمشق، ثم كان سفورها الثاني عندما

الغانية التيألماسةخلعت اسمها وكل ما كان يقيد حريتها وتحولت إلى سلبت لب المدينة وقلبت الأوضاع فيها رأسا على عقب. ونتيجة لتحولها

أعقب سفورها سفورات كثر طالت المدينة بأسرها ولم يقتصر السفور على النساء بل طال الرجال الذين أسفرت أرواحهم عما كانت تخفيه من مشاعر وآلام وآمال وعقد. وأصبح الوضع خارجا عن السيطرة ومخيفا لأولئك الذين

اعتادوا السلام وهدوء النفس والذين لم يفهموا ما حدث إلا بوصفه عملا من أعمال الشيطان وشرا من شروره. وكان من الواجب التحرك للقضاء على

هذا الشر الذي بالغ هذه المرة في إظهار نفسه لأنه عادة ما يكون الشر مستترا تحت أسماء شتى لكن أن يظهر بهذه الجرأة والوقاحة فهذا ما لم

يعتد أهل دمشق عليه. في ليلة زفافها أن تكون حرة كما كانت الراقصةمؤمنةوكما حلمت

نراها هنا وقد حققت الحلم بأن تمتلك الجسد والروح اللتين طالما حلمت سأدع» تقول للمفتي بعد اعترافه بانهياره أمام حبها: بهما منذ زمن طويل

جسدي يتفتح، يتدفق. سأريك كيف يطير الجسد. كيف يتسع ويفيض فيغدو جسدها يتفتح مثل الزهور ويتدفق مثل الماء ويطير حرا كالعصافير .2«بحرا

ثم بعد أن يحقق كل ما سبق يبدأ بالاتساع ليأخذ حيزه المكاني المفترض أن لا شيء يستطيع أن يحده؛ لذا فهو يفيض ويستمر بالاتساع حتى يصبح بحرا

ألماسةلا يمكن أن تأسن ماؤه أو تتبخر. هذا هو الحلم الذي تسعى لتحقيقه فالورد يذبل أما الماس فكلما أصبح أعتق كلما ازدادت قيمته وازداد

أرادت الصفاء المطلق والحريةألماسةنقاؤه وصفاؤه وهذا ما أرادته المطلقة أرادت جسدا لا يحد ولا يقيد أرادت إنسانيتها خارج حدود السيطرة والقوانين أرادت حريتها الكاملة. ولا يخفى على المتلقي شعرية الصور في هذا النص وكثافتها. وجاءت الصور نابضة بالحياة وكثرت الأفعال التي زادت

من حيوية الصور وأعطتها البعد والعمق الذي أراده الكاتب لها. والذي أعطى الكاتب تلك المساحة من الحرية هو أن الصور جاءت على لسان

الشخصيات وهي في حوار أقرب إلى المناجاة منه إلى الحوار أي أنها كانت تتكلم على مشاعرها تجاه وضع معين لذا كانت الشعرية مفهومة بل

وضرورية. بعدا مغايرا، وعلى الرغم من أنها لاملحمة السراب وتأخذ الصور في

إلا أنهاطقوس الإشارات والتحولاتتتمتع بالشعرية التي تسم صور صور كثيفة موحية تؤدي وظيفتها في خدمة النص وغناه الفني. فالملحمة

وخادمه الأمين إلى القرية الهادئة الجميلة لتنتهيالغاويتبدأ بقدوم تعبرزهيةبعاصفة مرعبة ومدمرة أخذت كل ما وقف في طريقها. وها هي

عن شعورها تجاه الغاوي ذلك الشعور الغريب الذي لا تستطيع فهمه شعور بالحب والانجذاب لا فكاك منه، تقول: » كأن مسا أصابنا، أو وشما دبغ

.576، صـ السابق- المصدر 1.588، صـ2الأعمال الكاملة، جـ -2

89

المس وضع طارئ على الإنسان يصيبه لسبب ما، كذلك الوشم .1«أرواحنا لا يخلق معه بل يوضع له بإرادته، أو لسبب خارج عن إرادته. ويبدو أن هذا

أمر خارج عنالغاوي قوله فما أصابها بعد زواجها من زهيةما أرادت سيطرتها ويفوق قدرتها على الفهم لأن حبها له هو أمر غريب وهي عاجزة عن السيطرة عليه أو الفكاك منه، لذا نراها تشبه ما أصابها هي ورفيقتها

بالوشم الذي يدبغ لكنه لا يدبغ الجلد بل الروح. والجلد عندما يدبغ لاكريمة يؤخذ رأيه فهو مجرد قطعة جامدة عاجزة عن الرفض أو الاعتراض عما

يجري معها، ومتى دبغ الجلد فلا مجال لإرجاعه إلى سابق عهده. ومع ذلك فالجلد من الممكن أن يصيبه التلف فيتحلل ويتلاشى أما الروح فهي لا تفنى

في هذه اللحظة تحاول فهم ما جرى معها فيزهيةفناء الجلد أو الجسد. و نوع من المكاشفة مع الذات. وتكمن جمالية الصورة في كثافة الدلالات

وفي صورة التي حملتها على الرغم من البساطة الظاهرية التي تتمتع بها. أيضا تقف لحظة لتتأمل جزءا من حياتها أغفلت التفكيرفضة أخرى نرى أن

لم يبق حجر ولا صخرة، ولا شجرة عبية، ولا» فيه لوقت طويل، تقول: تؤنسن .2 «خرابة، إلا وشهدت عرينا، وتركت وسخها، وعلامتها على جسدينا

عبد الطبيعة التي باتت تراها شاهدا على العلاقة الآثمة بينها وبين فضةالرحمن لأن الحجر والصخر والشجر والخرائب صاروا في نظرها شهودا

على ما جرى بينهما؛ وكأنهم مجموعة من الناس الذين يتهمونها ويقدمون الدلائل على اتهاماتهم عندما تقول: » تركت وسخها، وعلامتها... « وهو

وضع ما عادت قادرة على التعايش معه أو احتماله. فالمكان الذي لجأت إليه يوما لتخفي عريها فيه صار شاهدا على ذاك العري. لأنه وفي لحظة الصحو المفاجئ للإنسان يشعر للوهلة الأولى بالصدمة من هول الحقيقة

ويحتاج إلى بعض الوقت حتى يستعيد توازنه هذا إن استعاده يوما. وتستمر الذي يخبرهافضة عشيق عبد الرحمنالمكاشفات مع الذات لتصل إلى

بمدى حبه واشتياقه: » أحيانا أشعر أن جسدي كله أفواه تناديك. أحتاج .3 «كالمدمن الخرمان أن أذوقك، أن أشمك، أن ألمسك، أن..)ويعانقها(

فهو يرغب في جسدهافضة يعبر بصدق عن مشاعره تجاه عبد الرحمن وليس على قدر كبير من الجمال ويشتاق إليه أما روحها فلا يبدو مهتما بها.

أن يصبح الجسد عبارة عن أفواه تنادي. وهنا لا نتحدث عن نداء الروح بل نداء الشهوة والرغبة نداء الجسد، لأنه يتبع الصورة بقوله: » أحتاج...أن أذوقك... «. ويصبح نداء الأفواه نداء شرها وقبيحا وخاليا من الجمال. وتأتي

الصورة الأخيرة، مظهرة الدمار والخراب الذي ألحقته عاصفة الجديد : » والقتلى متناثرون كالحسرات في كل مكانالزرقاءبالقرية، تقول

ربما كانت هذه هي النتيجة المنطقية لما أصاب أهل القرية لأنه.4« بدأ الناس بداية بالتحسر وما أكثر الحسرات لأن البشريةالغاويوبهروب

الزرقاءمليئة بالآلام والمعاناة والكل لا بد تحسر يوما لسبب أو لآخر. و الحكيمة تعلم أن القتلى من البشر سيكونون كثر لأن التحسر لا يجلب الخير وبدلا من التحسر على ما حدث كان عليهم التفكير والاتعاظ مسبقا قبل أن

يحدث المكروه. . 625، صـ السابقالمصدر- 1.636، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ2.669، صـالمصدر السابق- 3.748، صـ السابقالمصدر- 4

90

تعود الصور شاعرية كثيفة ومتكيفة معبلاد أضيق من الحبوفي النص الذي يبدو بأكمله قصيدة شعرية لملحمة حب استثنائي بين شخصيتين

. وفي حوار بينهما عن أوضاعها في المنزلنبيل وإيفااستثنائيتين هما تخبره عن السبب الذي جعل والدها أعمى، والذي كان سببه والدتها كما أخبرها أباها عندما قال لها: » كانت أصابعها كالملاقط، تستل الضوء من

والاستلال عادة ما يرتبط بالسيف الذي يستل من الغمد لكن .1عيني « المستل هنا هو قدرة الوالد على الرؤية والزوجة بفعل الاستلال تقضي على

كل إمكانية للرؤية عند زوجها الذي كان حلمه أن يرى فن ابنته وإبداعها وحتى يدرك إبداع ابنته لا بد أن يرى لأن موهبتها الرسم. وفعل الاستلال

أعطى صفة القوة والقدرة للوالدة ضد الوالد الذي اتصف بالعجز في تلكاللحظة.

إيفا أن حلمه في أن يكون مع نبيل وعندما يعتقد سيتحقق أخيرا هذه هي المرة الأولى التي تجمعنا خلوة كهذه. أخيرا.. سيكون يقول: » ..

سنعلق رغباتنا في هذا الفضاء الوردي كالزينات الملونة لنا عيدنا واحتفالنا. . لشدة سعادته يرغب أن يعلن حبهما على الملأ كما يعلن عن قدوم2«

الأعياد بتعليق الزينات الملونة لكن الزينات هنا هي أحلامهما وآمالهما في حياة جميلة تشبه الأعياد وفرحته تحتاج إلى الفضاء حتى يسعها ويستوعبها.

البشع وعندما يدرك لكن الحلم لا يتحقق ويسحق تحت عجلة الواقع المرير تفقد الحياة معناها لديه لأن الأمل الذي حارب الموتإيفا أنه فقد نبيل

لأجله ذهب فما كان منه إلا الاستسلام لقبضة الموت. وفي وصفه تقول بعد أن دمرتها بشاعة الواقع:إيفاصاحبة المنزل الذي عادت إليه المرأة

» كان ميتا يشبه الجنين، وأحيانا أراه يشبه فلقة القلب، وأحيانا يشبه العناق واللافت في الصورة السابقة هي التشابيه التي تبدو للوهلة الأولى غير .3«

يشبه الجنين و فلقة القلب والعناق، والأمورفنبيلمفهومة أو منطقية، السابقة يجمعها شيء مشترك هو أنها تحتاج لتكتمل إلى اثنين فالجنين

يحتاج إلى رحم أمه، وفلقة القلب تحتاج إلى نصفها الثاني حتى ينبض القلب بالحياة والعناق يحتاج إلى شريك حتى يصبح عناقا. والصورة تشير إلى حبه

وقبل أن يفارق الحياة بلحظات لم ينس أنه فقد جزءا لا يتجزألإيفاالعميق من روحه. ومن جديد نرى أن الصورة جاءت من صلب النص المسرحي

لتزيد غنى النص جماليا وفنيا. نتعرف صورا جديدة واللافت فيها أنها جاءتالأيام المخمورةوفي

على لسان معظم شخصيات النص لتعكس تنوع الشخصيات وغناها. وفي ، تقول: »أطلت أمي وكأنهاسناءوالدتها ليلى فصل الأرق والتطير تصف

صبح جديد... وحين اقتربت مني لاحظت أنها متعبة، وأن الأرق قد ترك امرأة جميلة جدا وابنتها ترى ذلك سناء .4بصمات زرقاء تحت أجفانها «

فيسناءجيدا بل ولشدة جمالها شبهتها بالصبح الجديد وهذا يشي بأهمية التي ترى أن جمال والدتها يتجدد كل يوم مثل الصباح أي أنليلىحياة

المرء لا يمكن أن يعتاد جمالها فتصبح رؤيته أمرا رتيبا. لكن هذا الجمال عكر.39- عن الذاكرة والموت، صـ1.70- المصدر السابق، صـ2.76- المصدر السابق، صـ3.6- الأيام الخمورة، صـ4

91

ليلىفي ذلك اليوم لأن » الأرق قد ترك بصمات...« وفي حين كانت تستطيع القول إن والدتها تعاني من آثار السهر وقلة النوم رسمت صورة

بغاية الجمال والرقة وكأن الأرق مر بالقرب من والدتها وترك بصماته تحت أجفاها الجميلة وبصمات الأرق لا بد زرقاء لأن قلة النوم تترك لونا أزرق

حول العينين. واللون الأزرق مرتبط بالحزن ومن هنا نجد مناسبة الصورة للوضع العام للشخصية التي يبدو أنها تخفي هما كبيرا وحزنا دفينا نتيجة

لحبيب.لمعاناتها وتمزقها بين حبها لأبنائها، وعشقها كانت جزءا من حيرة بلد كامل يعيش أياما مخمورة، يقولسناء وحيرة

الحفيد في وصفها: » جاء السيد دي مارتل، مفوضا ساميا. كان محنكا بلا وازع، وماجنا بلا رادع. خطف عقول القوم، فخلعوا ما بقي من التقاليد والقيم القديمة. وانهمكوا على دين سلطانهم، في البحث عن المباهج

والملذات. كانت الأيام المخمورة، تترنح بالإباحة المفاجئة، والرغبات الذاهلة . والأيام تشبه رجلا مخمورا يترنح والترنح يكون بسبب الخمر لكن هنا1«

ومن جديد تنزاح الدوال عن مدلولاتها لتكون الإباحة المفاجئة، والرغبات الذاهلة هي سبب السكر والترنح. فالبلد تعيش انفتاحا على الغرب وهو انفتاح بلا قيود أو قوانين وبوصف الناس لم تعتد بعد على التغيير فبدو

كالمخمورين وأصبحت أيامهم مخمورة أيضا ورغباتهم التي بقيت مكبوتة لوقت طويل وجدت حريتها لكنها ذاهلة لا تعرف كيف تتصرف بذلك القدر

المخيف من الحرية الذي أعطي لهم من دون سابق إنذار. : » إن البلدلسرحان مكملا لكلام الحفيد حين يقول البوريويأتي كلام

. إذن الحياء هو2يفور.. خلع الناس الحياء، وتفتحوا على الدنيا ومسراتها « أمر نتعلمه وهو ليس واحدة من صفات الإنسان التي تأتي معه بالفطرة لذا هو أشبه بثوب اضطر الإنسان إلى ارتدائه والآن بعد أن جاءت موجة التحرر

تلك ما عاد مضطرا لفعل ما لا يرغب لذلك نراه وقد خلعه وتخلص منه. وبدلا من التقوقع الذي عاشه الإنسان العربي ولوقت طويل نرى البذور

انتشت وتفتحت وانطلقت لتعيش الدنيا الحقيقية لا الدنيا التي يفترض أنتعاش تحت طوق العادات والتقاليد والقيم المتوارثة.

حبيب بيتها لتعيش مع حبيب روحها سناءوفي ظل هذه الظروف تهجر الذي كان قبلها كما يقول: » تخيلي رجلا يصاحبه السأم كظله، ويجر

. هنا يصبح كل من3كالمرض الأصفر شحوب الرغبة والأمل في داخله « الأمل والرغبة لعنة ترافق صاحبها وبدلا من أن تملأه الرغبة والأمل بالطاقة

تجعلانه مريضا منهكا وعاجزا لأنه وصل إلى مرحلة فقدان الأمل بأن يجد غايته في الحياة وهي الحب الذي سيفجر الطاقة في روحه وجسده. ونلحظ

ذكره للون الأصفر اقترن بالمرض والشحوب وفقدان الأمل والعجز وهذا اللون لا بد يرافق كل مريض لم يجد ترياق دائه. وعندما اعتقد أنه من

الممكن أن يكون قد وجد ضالته يكتشف أن زوجته: » كانت خيالا لا تشهق . إذن تلك الزوجة كانت خيالا لا حياة فيه.4فيه عروق، ولا تصخب فيه دماء «

.27- المصدر السابق، صـ1.29- المصدر السابق، صـ2.33- الأيام الخمورة ، صـ3.35- المصدر السابق، صـ4

92

وتكتسب العروق والدماء صفة الإنسانية لأن الإنسان حقيقة هو الذي يشهق يريد زوجة نابضة بالحياة متوقدة وملتهبة كلونفحبيبوهو الذي يصخب

الدم الأحمر القاني الذي يجعل الجسد يضج وينضح بالحياة. لكن وبعد وفاة زوجته يقول: » الآن أذكر جيدا، ذلك الوقت الذي كنت

عائدا فيه من المقبرة. كانت الشمس تتوهج على حافة الأفق، كانفجار من . ومن جديد نرى انزياح الدلالات فيشبه توهج1الشهوات والبرتقال «

الشمس بانفجار من الشهوات والبرتقال وعادة ما يختص الانفجار بالبارود وليس بالشهوات والبرتقال. لكن المبدع ربما أراد الحيوية التي تولدها

الشهوة والنشاط الذي يولده البرتقال فلا بد أن يكون انفجارا ممتعا وربما أراد الدلالات الإيجابية للانفجار لا الدلالات السلبية. لأن انفجارا وقوده

الشهوات والبرتقال لا بد أن يولد طاقة إيجابية كبيرة جدا. وهذا ما أحس به في ذلك اليوم. حبيب

وتختتم أحداث النص المسرحي بقول الأراجوز: » نهر يجري حاملا . طبيعي أن يحمل النهر2الغرائب والخبريات ومسالك الناس المتعثرة «

الغرائب أما أن يحمل الخبريات ومسالك الناس المتعثرة؛ فهذا أمر غريب وربما النهر هو الحياة نفسها التي تحمل أخبار البشر ومسالكهم السوية أو المتعثرة لكنها رغم ذلك لا تقف بل تستمر في المضي قدما غير آبهة لكل

ما يجري، وتصبح الأحداث في زمن ما عبرا وأمثالا لمن يود أن يعتبر ويتعظ. والجديد في هذه الصور هو استخدام ونوس للون في أثناء رسم الصور وهو

أمر لا نجده في النصوص السابقة. تنوعت الصور في نصوص ونوس المسرحية لتتفاعل مع الأحداث ويكون

لها مواقف شجب واستنكار وتحفظ وسعادة حسبما تقتضي اللحظة الشعورية الإنسانية لتلك الشخصيات في خضم الظروف التي تعيشها أو

تعايشها. وبوصف الصورة الفنية دالا تتركز مهمة المتلقي في » ملاحظة الاختزال الذي تمارسه الصورة... فقد يجتزء النص شيئا من العبارة لأسباب جمالية تاركا مهمة التوضيح للسياق والخبرة وميكانزم اللغة... وهو

ما يفسر استقرار الصورة في النص المكتوب بينما يتعين على الباث والمتلقي والرسالة أن يكونوا في مستوى من التوفز والاستعداد لملاحقة

معطيات الصورة التي تديرها الكلمات لحظة البحث عن الأنساق أو . الأمر الذي يبدو بجلاء في اختيار ونوس3القواسم المشتركة بين الدلالات«

لصوره الفنية فقد جاءت الصور من صلب النص المسرحي، ووظفت بفنية عالية زادت من جمال العمل وغناه، ليشعر المتلقي بشاعرية الصورة

وبانسجامها مع رؤيا الكاتب والشخصيات.

المبحث الثالث: تقانة العنوان:

.36- المصدر السابق، صـ1.125 المصدر السابق، صـ-2 - الخطاب الشعري الحداثوي والصورة الفنية )الحداثة وتحليل النص(، عبد الإله الصائغ،3

المركز الثقافي .100، صـ1999، 1 العربي، الدار البيضاء، ط

93

العنوان هو مفتاح النص الأدبي والعتبة الأولى التي من خلالها يتطلع المتلقي إما إلى متابعة عملية القراءة أو إلى التوقف. وتأتي أهميتة بوصفه:

» يشغل منطقة إستراتيجية في عملية تلقي النص؛ فهي المنطقة الأولى بصريا ودلاليا التي يقع فيها حدث التصادم بين القارئ والنص، وبالتالي فإن

الكشف عن أسرار هذه المنطقة الخطابية يقودنا إلى إماطة اللثام عن . فإن حمل المعنى1منطق التشكيل النصي للنص ذاته بنية ودلالة وتداولا «

جانبا يهم المتلقي أو يثير فضوله أو حفيظته، وهذا ربما سيدفعه إلى متابعة عملية القراءة ليكتشف ما يخبئه النص في طياته. ويحمل العنوان هذه الأهمية الكبيرة » من حيث هو مؤشر تعريفي وتحديدي، ينقذ النص من

الغفلة؛ لكونه – أي العنوان- الحد الفاصل بين العدم والوجود، الفناء والامتلاء، فأن يمتلك النص اسما )عنوانا(، هو أن يحوز كينونة، والاسم

. فالنص لن يملك ما2)العنوان( في هذه الحال، هوعلامة هذه الكينونة « يعرف عنه ما لم يحمل عنوانا بصرف النظر عن أهمية هذا العنوان أو

مناسبته لمضمون النص. و» يشكل انتقاء العنوان لدى المبدعين قضية خلافية.. والرأي الأعم لدى المبدعين في اختيار العنوان يكون بعد كتابة

النص والانتهاء منه.. فالكاتب بعد كتابة نصه يختار عنوانه القادر على اختزال . إذن بناء النص الأدبي لن يكتمل ما لم يحمل3نصه في تركيبة أو لفظة «

عنوانا يعرف عن وجوده وكينونته. ومن الممكن اختصار وظائف العنوان فيالنص الأدبي بالتالي:

. إغواء القارئ3. تعيين محتوى النص أو الإيحاء به. 2. التسمية. 1 ». 4وإغراؤه «

تمتاز عناوين نصوص التسعينيات في مسرح ونوس في أنها » تكشف عن تحرك الدرامي نحو الشعري، وإحداث مفارقة على صعيد اشتغالات

"الدال" الدرامي الذي بات متجاوزا للمدلول الواحد، إلى المدلول المتعدد.5أو ما يسمى بـ "تشظي المعنى"، ليغدو دالا حرا في لعبة المعنى الأثيرة «

يتلخص في دال واحد هو مفردة الاغتصابالاغتصاب العنوان الأول من » الغصب: أخذ الشيء ظلما. غصب الشيء يغصبه غصبا، واغتصبه، فهو

غاصب، وغصبه على الشيء قهره، وغصبه منه.. وفي الحديث: أنه غصبها . وتحمل هذه اللفظة في طياتها مدلولات6نفسها: أراد أنه واقعها كرها «

متعددة منها القهر والإكراه والظلم والعدوان، » ويعكس "الاغتصاب" فعلا ،1- شؤون العلامات من التشفير إلى التأويل، د.خالد الحسين، دار التكوين، دمشق، ط1

2008 ،. 101-100 صـ

في نظرية العنوان مغامرة تأويلية في شؤون العتبة النصية، د. خالد حسين، دار- 2، 2007التكوين، دمشق،

.5 صـ (، المؤسسة العربية2000-1970- اللغة الشعرية وتجلياتها في الرواية العربية ) 3

للدراسات والنشر، بيروت، .99، صـ2004، 1 ط

،1- شؤون العلامات من التشفير إلى التأويل، د.خالد حسين، دار التكوين، دمشق، ط 4.47، صـ2008

.427- في نظرية العنوان ، صـ 5- لسان العرب، ابن منظور، مادة )غصب(. 6

94

يتم إنجازه بين قوتين غير متكافئتين من حيث القوة والبطش، ليعكس البربرية في السلوك الإنساني، سواء أتمت ممارسته على صعيد اغتصاب

. فالاغتصاب يبقى في كل1«جماعة لجماعة أخرى، أم على الصعيد الفردي أوجهه فعلا عدوانيا يخلو من كل سمة إنسانية وهذا ما أراد الكاتب التركيز

عليه في النص. وترد مفردة الاغتصاب في مواضع عدة من النص لكن اللافت أنها لا ترد إلا في الحكاية الإسرائيلية، فالحكاية الفلسطينية تخلو

بشكل كامل من وجودها. فالمغتصب هو العدو الصهيوني الذي قام بالفعل، لذا كان ورود اللفظة في حكايته مسوغا فالمغتصب نادرا ما يكون راغبا في

تذكر حادثة اغتصابه أو التكلم عليها، حتى إنه في بعض الأحيان يرغب في تغيير المفردة بالكامل والاستعاضة عنها بلفظة أقل وطأة على السمع،

وربما يعود هذا إلى بشاعة الفعل وفداحته وإلى الألم النفسي الفظيع الذي يسببه. أما المغتصب الذي هو بالتأكيد غير متوازن فلن تعترضه مشكلة في

الحديث عن الفعل الذي ارتكبه؛ لأنه ومن وجهة نظره لم يرتكب ما هو أبراهام منوحينال يأتي على لسان الدكتور خاطئ. والورود الأول للد

فيها أمام عيني زوجها:دلالعن الحفلة التي اغتصبوا إسحق في حديثه مع » الدكتور: وماذا فعلت في الحفلة؟

إسحق : وما أهمية هذه التفاصيل؟.2 الدكتور: هل شاركت في الاغتصاب؟ «

كلمةإسحقوفي حوار طويل اقتطعت منه هذا الحيز اليسير. لا يذكر اغتصاب مطلقا لأنه من وجهة نظره لم يشارك في عملية الاغتصاب بشكل

فعلي كما أنه لا يرى فيما فعله زملاؤه ما هو خاطئ. وهذا كلامه للدكتور في أثناء المعاينة الطبية لكن عندما سأله الدكتور هل شاركت فيأبراهام

الاغتصاب أجاب بالنفي ولم يقل مثلا عن أي اغتصاب تتكلم، أو أي شيء من هذا القبيل. إذن حقيقة الأمر أنه مقتنع أن ما فعله زملاؤه كان اغتصابا

أبراهامولم يكن دفاعا عن الوطن أو خوفا على أمن الوطن. سمى الأشياء بمسمياتها لم يخاتل أو يرائي فما فعله أبناء جلدته بالمرأةمنوحين

كان اغتصابا، وما يفعلونه بأبناء الشعب الفلسطيني عامة هو اغتصاب أيضا. ربما ليس اغتصابا جسديا ولكنه اغتصاب أشد إيلاما وقسوة؛ هو اغتصاب

لأرضهم ولحرياتهم ولحقهم في الحياة والعيش الكريم، وهو في النهاية اغتصاب لإنسانيتهم. والمغتصب لا يعرف حرمة أو حدا يقف عنده،

بالوحشيةراحيل هو ذاته الذي اغتصب دلال الذي اغتصب فجدعونوالبربرية ذاتها. ويشي الحوار التالي بذلك:

» جدعون: اسمعي يا حبوبة، لم تتورطي، ولم تنخدعي..بالنسبة لي هذاهو

الحب.. إنه عنف وسيطرة. راحيل : لماذا لا تقولها؟ إنه الاغتصاب.

جدعون: حين كنا صغارا علمونا أن نحذر الشفقة والحنان، وأن ننتزع ما.459- في نظرية العنوان، صـ 1.111، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2

95

نريده انتزاعا. نعم الاغتصاب. وكلما ازددت ضراوة ازداد تقدير بابا متصالح مع سلوكه بشكل كامل لأن هذا ما تربىجدعون. 1 لي «

الذي يمثلمائيرعليه منذ كان طفلا صغيرا، وكل ما يفعله هو لإرضاء بابا السلطة العليا. فما الخطأ الذي يرتكبه عندما ينفذ ما طلب منه بشكل

الذي اغتصب زوجةمائيرحرفي حتى ودون أن يتساءل أو يفكر! و وأرضه وحريته وفي النهاية حقه في الحياة. هو ذاته الذيإسماعيل

اغتصب حق إسحق في الحياة لأنه خالف أوامره وعراه أمام نفسه دون خوف. إذن المصلحة الشخصية فوق كل شيء وما من قانون أو رادع. و»

الاغتصاب في دلالته: الاحتلال والمواقعة كرها، وكلاهما وجهان لعملة واحدة: . دون الالتفات إلى انتمائه سواء أكان عربيا أم عبريا،2إلغاء المغصوب «

المهم هو )مع( أو)ضد(، أي المهم ألا يجرؤ أحد على الوقوف في وجه الغاصب. ومن هنا نفهم تركيز الكاتب على هذا العنوان دون سواه فهو

يتغلغل في ثنايا النص ويبدو في خدمته، وفي أحيان أخرى يبدو النص فيخدمة العنوان.

يسلط الكاتب الضوء على هذا اليوم. إنه ليسيوم من زمانناوفي يوما عاديا فهو يوم ينتمي إلى الزمن، وليس أي زمن هو زماننا نحن. يوم

يخصنا كجماعة إنسانية. ولو أنه أراد معنى مغايرا لربما كان العنوان » يوم من الزمن « أو » يوم من زمانه «، لكنه أراد توريط المتلقي في هذا اليوم عندما استخدم )نا( الدالة على الفاعلين. الزمن الذي صنعنا أحداثه بأفعالنا

الخاصة وتواطئنا إما بوصفنا أشخاصا وصوليين أو انتهازيين أو ضعاف ومدير المنطقة وشيخ الجامع، أو حياديين مثل فدوىنفوس، مثل الست

الذي وجد نفسه فجأة أمام واقع لم يكن يعلم بوجوده حتى، يقول:فاروق » يا فاطر السماوات والأرض.. أين كان يختبئ هذا الشقاء كله؟ لم يبق

شيء. خراب.. خراب شامل لا يترك لنا خيارا إلا الرحيل.. منذ عدت، وأنا . ولذا فنحن كلنا3أنبش غرائب هذا اليوم، وأشحذ عزيمتي على الرحيل «

معنيون بهذا اليوم وليس مجموعة محددة. نحن متورطون في الحكاية التي تجري أحداثها في زمننا الراهن. الأحداث ربما تجري الآن أو جرت في وقت

مضى لكنها مستمرة حتى يومنا هذا. وإصرار الكاتب على استمرارية الحدث إلى يومنا هذا يشي بتشاؤمه وعدم قدرته على التفاؤل بهذا الواقع البغيض الذي لا يستطيع أن يرى بارقة أمل بإمكانها تغييره، يقول ونوس: » أعرف

أن هذه المسرحية قاتمة، وتثير لدى القراء ردود فعل تتراوح بين الاستهجان والكآبة، ولكن، سأسأل بصراحة: أين الضوء الذي يشعشع في واقعنا

الراهن؟ بل وأكثر من ذلك، أليس الواقع الفعلي أشد قتامة من المسرحية ذاتها؟ إن الأحوال التي وصلت إليها أوطاننا بلغت من الرعب والفظاظة

والرثاثة حدودا تتخطى كل موهبة تخيلية أو إبداعية. إن الخيال ومهما شطح، ، أو من فحش الإنسان4يظل أكثر حياء من فحش الواقع وفجوره «

وفجوره. فالواقع لا يمكن أن يكون بهذا السوء والتردي لولا الإنسان. وتشي بداية المسرحية بطبيعة هذا اليوم، يقول المؤلف: » كان صباحا غائما وباردا

.133- المصدر السابق، صـ 1.460- في نظرية العنوان، صـ 2.246 ، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 3.157، صـ - المصدر السابق4

96

، فالجملة تكثف النص ككل لأن الأحداث في بداية اليوم كانت غائمة1« وضبابية وشيئا فشيئا بدأ الغموض بالتلاشي لينقشع الغمام وتظهر الشمس،

ولكن أية شمس وأية حقيقة! كانت الحقيقة كالصاعقة مؤلمة ومحرقة في ذهول وشرود موحشين. ثم تأتي برودة هذا اليوم بقدوم فاروقتركت

أن ينهي حياته بمشيئته الخالصة » بحركاتفاروق الموت عندما يقرر النافذة جيدا، ويقفل باب المطبخ، ثم يقطع الأنبوبفاروقهادئة يغلق

الذي يصل جرة الغاز بالبوتوغاز، ثم يمضي إلى الجرة الاحتياطية، ويفتحها نجاة. هو كان واثقا من قراره وما زاد شجاعته قرار 2هي الأخرى «بالرحيل معه.

» نجاة : إني أحبك. فاروق: كنت أخاف أن أرحل وحدي.

نجاة : وكيف ترحل وحدك!.3 فاروق: إننا نبتعد عن الخراب والوحشة والفوضى «

غائما في البداية، والموتفاروق فالكذب جعل كل شيء في حياة جعل كل شيء باردا في النهاية. وكلمة يوم جاءت نكرة لتزيد من إبهام هذا

اليوم فهو لا يريد أن يحدد يوما بذاته لأن ما حدث في هذا اليوم يمكن أن يحدث في أي يوم وفي كل يوم. ليغدو اليوم الذي » مقداره من طلوع

شاهدا على زماننا وعلى الدمار والخراب اللذين4الشمس إلى غروبها « لحقا بهذا الزمان بفعل الإنسان وحده. وليكثف الكاتب أحداث زمان كامل

في يوم واحد فقط. يتداخل حقلان هما الفن والتاريخ، الفن نسبةمنمنمات تاريخيةوفي

إلى الدال منمنمات ومفردها منمنمة وهي » صورة دقيقة لتزيين ، شاع في الفن الإسلامي، وهي مشتقة من الجذر : »5المخطوطات «

: التوريش والإغراء... وقيل: تزيين الكلام بالكذب... ونم الحديث: م نمنم: الن نقله. ونم الحديث: إذا ظهر. والنميمة: صوت الكتابة... ونم الشيء: إذا سطعت رائحته... ونمنمت الريح التراب: خطته وتركت عليه أثرا شبه

الكتابة... والنمنمة خطوط متقاربة قصار شبه ما تنمنم الريح دقاق التراب... وكتاب منمنم: منقش. ونمنم الشيء نمنمة أي رقشه وزخرفه...

مة اللمعة من بياض في سواد وسواد في بياض « . فدلالات المنمنمة6الن الإغراء والتزيين والإبانة. ويتداعى إلى الذهن بسبب الصفة )تاريخية( ألفاظ

. وهي دوال تشير إلى تسجيل الأحداث التي7مثل: التاريخ والتأريخ والمؤرخ تجري عبر الزمن. وكما تحتاج المنمنمة إلى الكثير من الدقة والتركيز

والموهبة كذلك تسجيل الأحداث التاريخية يتطلب الكثير من الدقة والتركيز » هي منمنمات حقا. فيها من المنمنماتمنمنمات تاريخية والموهبة. و

.193، صـ2الأعمال الكاملة، جـ - 1.248المصدر السابق، صـ- 2.248 - المصدر السابق، صـ3 - لسان العرب، ابن منظور، مادة )يوم(.4.37، صـ1995، 1- معجم الفن والعمارة، عفيف بهنسي، مكتبة لبنان، بيروت، ط 5- لسان العرب، ابن منظور، مادة )نمنم(. 6- المصدر السابق، مادة )أرخ(. 7

97

العناية الفائقة برسم التفاصيل )الشخوص والأحداث(، وفيها أن الوحدات تتكرر حسب قوانين التماثل والتوازي والتناقض. وفيها أنها هي ما هي، من

حيث أنها تنطوي -بالضرورة- على قدر من التجريد، وفيها -أخيرا- أنك لا تستطيع أن تبلغ المعنى العام للوحة إلا لو تفتح عينياك ووعيك على كل

التفاصيل، وأدركت كافة العلاقات القائمة على الأجزاء، والكل الذي يحتويها . ونص منمنمات تاريخية مبني على واقعة تاريخية حقيقية1ويتجاوزها معا «

هي فترة حصار تيمورلنك لمدينة دمشق، فالمتلقي لا بد أن يتساءل عن السبب الذي دفع الكاتب إلى وصف هذه المنمنمات بالتاريخية وعن طبيعة هذه المنمنمات التي عادة ما تخص الفن لا التاريخ. وبناء النص يبين السبب

الذي دفع الكاتب ليطلق هذا العنوان على نصه المسرحي، يقول: » البنية التأملية لهذا العمل، هي التي جعلتني أتصوره، وكأنه جدارية مؤلفة من عدد

من المنمنمات، وكل منمنمة يتراءى ويتتابع فيها موج من الأحداث والتفاصيل. ولكن رغم أن هذا الشكل يعطي إحساسا بنمو أفقي وبسيط، إلا

أن نظرة متفحصة، تكشف أن الشكل مركب، وأن زوايا النظر فيه متعددة . والمتأمل في النص سيتأكد من دقة الكلام السابق؛ فالنص مؤلف من2«

ثلاث منمنمات معنونة على الشكل التالي: . وهيالشيخ برهان الدين التاذلي أو الهزيمةالمنمنمة الأولى

مؤلفة من ثلاثة عشر تفصيلا )مشهدا(. ولي الدين عبد الرحمن بن خلدون أو محنةالمنمنمة الثانية

. وهي مؤلفة من ثمانية تفاصيل.العلم . وهي مؤلفة من ثلاثةآزدار أمير القلعة أو المجزرةالمنمنمة الثالثة

عشر تفصيلا، أطلق على الثالث عشر: تفصيل أخير. يقدم ونوس في المنمنمات رؤيا أدبية لمرحلة من تاريخنا العربي

القديم؛ مرحلة صعبة ودقيقة تشبه واقعنا الراهن بما يعانيه من تمزقات ونزاعات ومؤامرات داخلية وخارجية هدفها تدميره. وهو في كل منمنمة يسلط الضوء على جانب معين من جوانب الأزمة دون أن يدين أو يحمل

الشخصيات ما لا طاقة لها به. وهو بذلك وكما هو ونوس دوما يضع المتلقي أمام خيارات متعددة إما أن يشارك ويعمل على نفسه حتى يفهم الواقع

ويتأكد من صحة ما يجري، أو يرفض ما عرف ويحاول دحضه بالأدلة الدامغة إن وجدت. وفي كلتا الحالتين يكون الكاتب قد حقق غايته وهي دفع المتلقي

إلى المشاركة والفعل. فالموضوعة التي اختارها ليبني عليها المنمنمات، من الغزو التتري لدمشق، هي موضوعة شائكةابن خلدونموقف

وإشكالية. تطل منمنمات تاريخية على التاريخ من عل لتتأمله في شمول وترى علاقاته وأنظمته من نظرة بانورامية، ثم تدلف إليه في تفصيلاته

الصغيرة لتسلط الضوء على المجتمع المضطرب المشوه الذي يفتقد الرؤية ، الأمر الذي يودي بجميع الأطراف الصالحة3الحكيمة لحركة التاريخ

والفاسدة إلى التهلكة عندما يستبيح جنود تيمورلنك المدينة ويعيثون فيها فسادا. وباجتماع المنمنمات معا تتشكل لدى المتلقي رؤية متكاملة يفهم

.48- قضايا وشهادات، صـ 1.669-668، صـ3- الأعمال الكاملة، جـ 2.243-242- ينظر: قضايا وشهادات، صـ 3

98

منمنماتمن خلالها السبب الذي دفع الكاتب ليعنون النص تحت عنوان .تاريخية ترتبط الأحلام بصفة الشقاء. فلماذا كانت الأحلامأحلام شقيةوفي

شقية ولمن كانت هذه الأحلام؟! » الحلم والحلم: الرؤيا والجمع . أما في هذا1أحلام...والحلم عبارة عما يراه النائم في نومه من الأشياء «

ماريالنص فالحلم كان شخصا من لحم ودم دخل حياة امرأتين بائستين بالمصادفة ليحول الجحيم الذي تعيش فيه كلتيهما إلى جنة مليئةغادةو

بالحب والسعادة والفرح. وليتحقق الحلم الذي انتظرتاه لوقت طويل حتىأخذ اليأس منهما كل مأخذ.

كل منهما لديها معاناتها الخاصة، وفي لحظة لم تكوناغادة وماري إذن وجدت حلم حياتها فقد وجدت ولدهاماريتتوقعانها زارهما طيف الأمل؛

منه، وقررت أن يكون المستأجر الجديد، ولدها فارسالضائع الذي حرمها الذي حرمت منه وقررت أن تشكو له همها وآلامها الطويلة التي حبستها في

قلبها لأنها ظنت ولوقت طويل أن الحديث في أمور كتلك من المحرمات وجدت فيه الحبيب الضائع وشابا يشبهغادةالتي لا يجوز الخوض فيها. و

شقيقها الذي مناها بالآمال العظام ثم تركها وحيدة تتخبط في مشاكلها حلما جميلا لكلتيهما، لكن تحقق الحلم كانبشيروهمومها. لذا كان وجود

ماري امرأة متزوجة من رجل عسكري، وفغادةمحفوفا بالمخاطر محلهبشيرمتزوجة من رجل هو الأنانية بعينها ولن يرضى أن يحل

:بشيروغادة تخطط لزواج ماريببساطة. وفي حوار رقيق بينهما نجد » غادة: أي عرس؟

ماري: عرسكما يا غادة. غادة: أتحلمين يا خالة؟

.2 ماري: يجب أن تحلمي يا غادة « لأنه في غاية الخطورة، فهي امرأة متزوجةماريحلم غادة تستنكر

تصر » يجبماريولديها طفل صغير تحبه، فكيف تحلم بأمر مماثل، لكن أن تحلمي « لأنها تعلم أن الحياة بلا حلم هي الموت عينه فهي لم تحتمل

عذاباتها لسنين طويلة إلا لإيمانها أن حلمها سيتحقق ذات يوم. وهي لا تريد التي تحقق حلمها أخيرا أن تتخلى عنه ببساطة.غادةمن

» غادة: نعم يا خالة ماري.. سأواجه، وسأحلم أيضا. . فالإنسان يواجه في3ماري: هذا هو الكلام. سنواجه، وسنحلم أيضا «

سبيل تحقيق أحلامه ويموت لأجلها أيضا. لكن السعادة التي ظنت كلتاهما أنها وجدتها لم تكن سوى حلما شقيا انتهى بضياع بارقة الأمل الوحيد الذي

غادة المستأجر )الحلم(، تقول بشيرتمثلت بوجود : » كان حلما جميلا وكنت أنتظره.. يا رب.. لماذا تكون الأحلام الجميلة سريعة الزوال؟! أكان

- لسان العرب، مادة )حلم(. 1.275، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2. 276، صـالمصدر السابق- 3

99

لم يبقبشير. وباختفاء 1حقا هنا.. أم أن امرأتين بائستين كانتا تحلمان؟ « لدى المرأتين ما تخسرانه لذا حسمتا أمرهما وقررتا التخلص من السبب

الذي كان وراء الشقاء الذي أصابهما. » ماري: انظري في داخلك، وتأملي كم أنت مقهورة.. ألست مقهورة؟

غادة: نعم.. إني مقهورة.. ولكن. ماري:.. ألا يحق لنا أن نزيح عن أرواحنا هذا الشقاء! ألا يحق لنا أن

.2نحلم؟ « هما حلمتا لتزيحا بعضا من الشقاء الذي تعيشان فيه. لكن في خضم

،لماريالذي كان سلوى ثائر الأمر يذهب الأمل الأخير المتمثل بالطفل . فكتب على تلك الأحلام الشقاءغادةوالسبب الذي من أجله تعيش

كل أمل بحياة والانعتاق.ثائروالتعاسة وتكللت بالموت ليضيع مع فيغادة وماري وتتردد لفظتا الحلم والشقاء في ثنايا النص على لسان

مواضع عدة وهو أمر بديهي بوصف الحلم هو الأساس الذي يقوم النص عليه، والشقاء هو النهاية الفاجعة التي تختتم بها الأحداث. فالطبيعة الخاصة

بشيربالحلم تسيطر على المشاهد التي يظهر فيها ؛ والذي هو تقريبا المعادل الموضوعي للحلم، ويشار إليه في النص مرات عدة على لسان

هو حلم شقي لأنهبشيرعلى أنه الحلم. لكن الحلم نفسه أو غادة وماري هو الآخر نال نصيبه من المعاناة والقهر والشقاء لأنه خاض في علاقة حب

محرمة عندما اشتهى أخته وأحبها رغم معرفته بخطورة الأمر وفداحته، وكانت النهاية المفجعة عندما شعر الوالد أن ابنته مغرمة بشخص ما، وعلى الرغم من جهله بهوية الشخص قرر أن الفتاة يجب أن تموت قبل أن يفتضح

أن يقتلبشيرأمرها وتصبح وصمة عار في جبين عائلتها، لذا كان واجب شقيقته وحبيبته، لكن حبها الشديد له يدفعها إلى قتل نفسها حتى لا يتحمل

هو الآخر بشيروزر الأمر الذي تعرف مسبقا أن لا طاقة له بحمله. إذن محطم وشقي لقي من يؤمن به فحاول جاهدا أن يدخل السعادة والأمل

إلى حياة المرأتين، اللتين ملأتا حياته بهجة وحبورا. لكن الحلم ضاع عندما على أنه لم يمتبشيرأطلق كاظم النار عليه وعلى الرغم من ذلك يصر

في الحوار التالي: » فارس: سنحمله ونلقيه في برميل الزبالة.

كاظم: نعم.. هذا ما يليق به. ( لست ميتا.. لا.. لم أمت. عيناك غابتا نخيلوهما يحملانه بشير: )

.3ساعة السحر.. « فالحلم يجب أن يبقى، ويجب أن نواجه من أجل تحقيق أحلامنا مهما

كانت الصعوبات الناجمة عنها، ولو كان الثمن باهظا. وربما هو محاولة تحذير من الكاتب وتنبيه أن الأحلام لا يجب أن تدعمها العاطفة وحدها؛ بل يجب أن

يكون للعقل النصيب الأكبر من هذا الأمر حتى تتحقق وتصبح واقعا..298- المصدر السابق، صـ 1.303- المصدر السابق، صـ 2.291، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 3

100

؛ نلحظ أن العنوان محملطقوس الإشارات والتحولات وفي بالدلالات الأمر الذي يدفع المتلقي للمشاركة في العملية الإبداعية

فالغموض الذي يكتنف بعض الطقوس والشعائر غالبا يشد الإنسان ويثير رغبته وفضوله. والعنوان شعري بجدارة من حيث كثافة مدلولاته التي

يكتنفها الغموض. » ولعل الدلالة الأولى التي تقدم نفسها هي صيغة الجمع للكلمات التي تشكل العنوان، ثم تأتي الدلالة الثانية والأهم في استباق النص واستذكاره في آن معا وهي المفارقة بين ما هو طقسي وما هو

. فشعائر الجماعة غالبا ما1متحول، أي بين ما هو ثابت، وما هو متغير « تكون ثابتة لأنها تعبر عن فكر وممارسات تبنتها هذه الجماعة أو تلك. كما أن

» الطقس والشعيرة تكرسان أخلاقيات الجماعة وسلوكياتها في الفضاء السوسيوثقافي، في حين أن "الإشارات والتحولات" ما هي إلا ارتباكات

الصيرورة من تغيرات في ممارسات الجماعة ذاتها، وهكذا يرصد العنوان . فالإشارات تأتي2بعناصره، ما يطرأ على الثابت من تحولات وتغيرات «

متبوعة بالتحولات التي تطرأ على شخصيات النص في طقوس خاصة تكشف زيف المجتمع وهشاشته. والنص قسم إلى قسمين )المكائد( التي

سببت الإشارات، و)المصائر( التي مثلت التحولات التي جاءت نتاجا مباشرا للمكائد. وهذا كله تم في طقوس معينة متناسبة وطبيعة الأحداث. ويمثل

نقيبلعبد اللهالموكب الفضائحي الذي جهزه عزت بيك قائد الدرك، الأشراف » فاتحة التحولات القادمة برمتها ليس لأنه يعري نقيب الأشراف

على ظهر بغلة.. بل لأنه يكشف ستر مدينة دمشق ويفضح السلطات الدينية . ولكل إشارة جاءت،3والاجتماعية والاقتصادية السياسية التي تحكمها «

فعبد اللهطقسها. وقبل الدخول في كل تحول كان هناك طقس سبقه؛ أتم تحوله في السجن وهو يضبط إيقاع الطبلة لزوجته مؤمنة التي كان

عليها التظاهر أنها هي الغانية التي ضبطوها مع النقيب. » مؤمنة :.. أعرف أنك تضبط الإيقاع جيدا..

عبد الله: يا رب.. ماذا تفعلين! أنت مؤمنة! أنت زوجتي! مؤمنة : أنا الآن غانية، قبضوا عليك معها. ساعدني وإلا فسد التدبير كله.

هل كنت تضبط الإيقاع بالطبلة أم بالزهر؟

عبد الله: ) ( بالطبلة.ذليلا مؤمنة: طيب.. عندما تتذكر اللحن اتبعني.

.4 عبد الله: )يتابعها مبهوتا( يا رب.! يا رب.! يا رب.! « تحول من قائد درك مدينة دمشق إلى سجين يدفع ثمنعزت بيك و

الخطأ الذي ارتكبه عندما تجاهل حقيقة أن للمناصب حرمتها بصرف النظر عن الأشخاص المكلفين بها، وجرس نقيب الأشراف في المدينة على ظهر

. ثم وبحيلة شيطانية من المفتي تبين أنوردةالبغلة مع خليلته الغانية . 66- قراءات سيميائية في مسرح سعد الله ونوس، صـ 1.463- في نظرية العنوان، د. خالد الحسين، صـ 2.67 قراءات سيميائية في مسرح سعد الله ونوس، صـ -3.509، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ4

101

. وتكاد الحيلة توديمؤمنةالمرأة التي ضبطت مع النقيب لم تكن إلا زوجته الذي يبقى مصرا أن المرأة التي ضبطت مع النقيب لمعزت بيكبعقل

الغانية كما يبدو في الحوار التالي:وردةتكن إلا (: هات الجلباب يا إبراهيم.2 » دركي)

( جنون.. ورأس أمي هذاوهم يلبسونه جلباب السجن عزت : )جنون.. اختلت

الموازين، وعميت العيون، ودفنت الحقيقة بمؤامرة وتدبير. لمتكن زوجته ولو

. 1 أجمعت السماوات والأرض على ذلك « أتم تحوله بطقس تخلص فيه من كل ملامحه الرجولية عندماالعفصة و

:لعباسحلق شاربه ونتف شعر جسده وتشبه بالنساء غير آبه لأحد، يقول » ما فعلته هو أنني أظهرت مخبري، ولم يبق لدي ما أكتمه أو أخفيه. أردت

أن أقوي أسباب الود بيني وبينك، وأن أعترف دون مداورة أو تستر أني أعشقك. هذا هو العشق الذي جرأني على نفسي وعلى الناس، وهو الذي

. 2يمدني بالشجاعة والحياة « لتهيئهاوردة أتمت طقس تحولها بالتلبيسة التي أعدتها لها مؤمنة و

لدخول كار الغواني، يكتب ونوس في الموضحة الإخراجية مبينا طقس تحول : » تدخل بسمة حاملة ثوب الفتنة وهو ثوب يميزألماسة إلى مؤمنة

شبه عارية. لم يبق عليها إلا بعضألماسةوردة، وترتديه للإغراء. تغدو الملابس الداخلية. أفرد البنات شعرها، ومشطنه، فيما انهمكت وردة .3بتزويقه. حين تصبح جاهزة يلبسنها مع الغناء والرقص ثوب الفتنة «

في منزلها وتخلص منألماسةوالمفتي أتم طقس تحوله عندما زار لألماسةعمامته ومن كل ما يثقل كاهله، وبذلك دخل مرحلة عشق

واعتزال لرغباته الدنيوية كما نجد في الحوار التالي: » ألماسة:.. ودع الموادع الآن، وانزع هذه الأثقال عنك، ألا تريد أن تخف

وتطفو..! المفتي: ماذا أنزع!

ألماسة: هذه العمامة، وهذه الجبة. )يتردد المفتي، فتساعده ألماسةفي خلع ثيابه(

نعم.. اخلعها.. سنحتفل الليلة، وسنبعث الحياة في هذا اللحد.. المفتي: إن أعضائي تذوب، وتسيل. إن قلبي يكاد يفلت من صدري.

هذا هو.4 الفناء. إني أفنى فيك، وإني أولد جديدا في فنائي «

.517، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ1.542 - المصدر السابق، صـ2.538 - المصدر السابق، صـ3.589، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ4

102

والعنوان لم يرد بحرفيته في النص لكنه سيطر على مجريات النص وأحداثه بالمجمل، ولا يكاد يمر مشهد دون أن يتداعى العنوان في ذهن

المتلقي ليذكره أن ما يحدث هو طقوس من الإشارات والتحولات فعلا. يطالعنا العنوان بمدلولات متعددة فالملحمة منملحمة السراب وفي

ه.. وألحم الزرع: صار فيه القمح.. الجذر اللغوي » لحم الشيء: لب والملحمة: الوقعة العظيمة القتل، وقيل: موضع القتال.. والجمع ملاحم

مأخوذ من اشتباك الناس واختلاطهم فيها كاشتباك لحمة الثوب بالسدى.. . والدلالات1والملحمة: القتال في الفتنة.. وألحم في المكان أقام فيه «

السابقة لا تخرج عن المفهوم الاصطلاحي لها فالملحمة » قصيدة سردية، بطولية خارقة للمألوف، وتستند إلى سرد أحداث تمتزج فيها الأوصاف،

والشخصيات، والحوارات والخطب، والنصائح، وتندرج كلها في حكاية تلفها . وفي الملحمة يمتزج الواقعي بالخيالي، والتاريخي2في وحدة واضحة «

بالأسطوري. ومقابل دلالات التماسك والتداخل التي تعطيها معاني الملحمة لدينا الدال الثاني الذي هو السراب من الجذر اللغوي » سرب يسرب

سروبا: خرج. وسرب في الأرض.. ذهب والسارب المتواري.. والسراب الآل.. السراب الذي يكون نصف النهار لاطئا بالأرض، لاصقا بها، كأنه ماء

. فدلالات3جار.. سمي السراب سرابا، لأنه يسرب سروبا أي يجري جريا « السراب هي الخروج والتواري والجريان. إذن العنوان مبني على التضاد

بوصف » الملحمة تكرس المعرفة بالعالم والخبرة به، على عكس السراب . ومن هنا يستشف المتلقي طبيعة هذه4الذي يرسخ معرفة وهمية بالعالم «

الملحمة. وإن كان السراب قواما لشيء ما فما الحال الذي سيكون عليه عبودهذا الشيء؟! بالتأكيد الانهيار والخراب والدمار. وهذا بالتحديد ما جلبه

مع خادمه الشيطاني إلى قريته الجميلة البسيطة. عندما أقنعهم أنهالغاوي يقدم لهم مشروعا مربحا سيزيد من تقدم قريتهم ومن غناهم. وعلى الرغم من أن بعض الأصوات علت في محاولة يائسة لتنبيه أهل القرية من الخطر

القادم إلا أن عاصفة الجديد التي عصفت بعقول أهل القرية أعمتهم عن رؤية الخطر المحدق بهم وما عادوا مهتمين بشيء عدا الربح السريع.

مسوغين لأنفسهم تخليهم عن كل القيم الأصيلة التي ترسخ إنسانيتهم، متذرعين بالحاجة إلى التجديد والتغيير أو بالحاجة إلى اللحاق بركب

: » هناك مسؤوللمحمد القاسم الذي يشرح أديبالحضارة، كما يبين كبير يرعى المشروع، ويقدم له كل الدعم الذي يحتاجه.. وجدتهم يا عم

متحمسين. وهم يعتقدون أن هذا المشروع سيكون جزءا من ملحمة التقدم . وأي تقدم هذا الذي5التي تعيشها بلادنا بعد أن اختارت سياسة الانفتاح «

يبنى على وعود في الهواء، وأي نظام سيأتي من الفوضى العارمة فالتقدم لم يخدعالغاوييبنى على أسس ثابتة ووفق معايير محددة ومدروسة. و :الزرقاءوبسام أهل قريته، بل هم الذين خدعوا أنفسهم، كما يبين حوار

» بسام:الشيطان لا يؤثر إلا على نفوس تهيأت للإصغاء إليه وطاعته، أو إذا - لسان العرب، ابن منظور، مادة )لحم(. 1.264 - المعجم الأدبي، جبور عبد النور، صـ2 - لسان العرب، مادة )سرب(.3.475 - في نظرية العنوان، د. خالد الحسين، صـ4. 648، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ5

103

شئت.. هناك شيطان. إنه هذا النظام-التابع والخادم للسادة الأجانب، الذي امتص ماء الحياة من شعبه، وتهب خيراته، وحول البلاد ملهى للأجانب

.1والأثرياء، وسوقا للتبديد والاستهلاك « بتنفيذه ما كان ليكتب له النجاح لولاالغاوي والمشروع الكبير الذي وعد

تعاضد الجميع من أجل تنفيذه فوجهاء القرية باعوا أبناء قريتهم وأقنعوهم أن المشروع هو الخير بعينه، والمسؤولون في العاصمة قدموا التسهيلات

اللازمة، وهكذا نهض المجمع الذي أذهل أهل القرية وسلب ألبابهم. وبانتهاء مهمته في إلحاق أكبر قدر ممكن من الأذىالغاويبناء المشروع أتم

» أكبرالغاوي والخراب في قريته التي لم يعد إليها إلا لهذا الغرض؛ و وأشمل من كونه إنسانا أوشيطانا، إنه نظام له سننه ومؤسساته ودولته..

إنه النهج التخريبي، من حيث هو أداة مفعولية تستمد قوتها من تعلقها بعالم . ليعيش الناس حالة من الهلع والجنون،2التحدي والخرق والتمرد والسحر«

ملحمة السراب غادر بأموالهم وأحلامهم، ولم يترك لهم إلا فالغاويشاهدا على خيبتهم وضيق أفقهم وجشعهم.

يلحظ المتلقي مفردتين وإن كانتا فيبلاد أضيق من الحب وفي الظاهر لا توحيان بالتناقض لكن في الحقيقة هما كذلك. فالبلاد تعني الامتداد

والسعة وهو لم يقل بلدا ولم يحدد البلاد فجاءت مفردة البلاد نكرة لتزيد من إطلاق المعنى وهذه البلاد وصفها بالضيق ولكن ما الذي لا تتسع له هذه البلاد إنه الحب أرقى المشاعر الإنسانية وأشدها بساطة وتعقيدا فالبلاد لم

. ولم تكتف هذه البلاد بذلكنبيل وإيفاتتسع للحب الصادق الذي ولد بين بل قضت على الحب وقتلت المحبين وهي كذلك منذ القدم منذ عهد إساف

. عند العنوان السابق لا بد أن يتساءل المتلقي عن السبب الذي3ونائلة يجعل بلادا بطولها وعرضها لا تتسع لشيء جميل ورقيق كالحب. ويأتي

الجواب في الحوار التالي: » إيفا : أيعقل أن يكون الحب جريمة! وأن يطاردوننا كاللصوص؟

نبيل: إن الحب فوضى تخيفهم. إيفا : كيف يخافون الحب، وهو أجمل شيء في هذه الحياة؟

نبيل: الأرواح الفقيرة لا تبحث عن الجمال، بل عن النظام. لا تستطيعالعيش إلا إذا رتبت

عالمها في شبكة من المؤسسات والروابط والنظم. الأسرةوالمضاجعة والتناسل

وصلات القرابة والنسب، كلها منظمة ومرتبة بقوانين وسجلات.إن الأرواح الفقيرة

.732 - المصدر السابق، صـ1.51 - قراءات سيميائية في مسرح سعد الله ونوس، صـ2 - إساف ونائلة: وهما في زعم بعضهم إنسانان عملا عملا قبيحا في الكعبة، فمسخا3

حجرين، ووضعا عند الكعبة ليتعظ الناس بهما. فلما طال مكثهما، وعبدت الأصنام، عبدا.249-246معها. ينظر: موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودلالاتها، صـ

104

تخاف الفوضى مهما كانت جميلة، وتفضل النظام مهما كان صارماوبشعا.

إيفا : هل يعتبروننا مجرمين؟ نبيل: إننا خارجان عن النظام.

إيفا : وما هي العقوبة في هذه الحالة؟.1 نبيل: أن نعيش منبوذين ومجللين بالفضيحة «

ومن هنا نفهم السبب الذي جعل هذه البلاد أضيق من أن تتسع للحب والمحبين الذين يرفضون الانصياع لروتين الحياة وجمود التقاليد والعادات.

فتاة في ريعان إيفا ليست علاقة عادية لأنإيفا ونبيلفالعلاقة بين رجل قد دخلنبيلشبابها جميلة موهوبة ورقيقة، لكنها تعاني الوحدة، و

مرحلة الكهولة متزوج ولديه أولاد، ومريض بالسرطان أيامه معدودة. إذنلكل منهما ألمه الخاص لكن لقاءهما معا غير كل شيء:

» نبيل: كان الوقت الذي نلتقي فيه يشبه نزهة خارج المرض والبيت،الذي يتعفن

بالرطوبة، وزفر المشاجرات السامة. إيفا: كان الوقت الذي نلتقي فيه هو زمن نشوان، لا ينغصه عمى الآباء،

وقسوة . 2 الأمهات، وسفاهة الأخوة «

كان الحب ملاذهما من المعاناة والألم والقسوة. كان السبب الذي قاوم إلى الانطلاق في الحياة غيرإيفالأجله الموت وكان السبب الذي دفع نبيل

ولفنها. لكن حصار المجتمع بعاداته وتقاليدهلنبيلآبهة لشيء عدا حبها البالية جعلا من الاستمرار في هذه العلاقة أمرا شبه مستحيل. لذا قرر كل

قررت العودة إلى منزلفإيفامنهما الحفاظ على حبه بطريقته الخاصة قرر أن يموت قربنبيل مجددا. ونبيلطفولتها حيث لن تتمكن من رؤية

لأنه بذهابها لن يبقى سبب ليدفعه إلى الاستمرار. وهكذاإيفامنزل طفولة تقضي البلاد على كل أمل لدى العاشقين على الرغم من اتساعها

وامتدادها. وبالتأكيد ليست البلاد هي المعنية بل الناس الذين يعيشون في هذه البلاد. الناس الذين لم يتغيروا منذ عهد إساف ونائلة على حد تعبير

بطل المسرحية. وهنا تبدو بارقة أمل، لأنه على الرغم من الحصار والقسوة التي يعاني الحب منها يبقى هناك أناس تخاطر وتحب بصدق وقوة ضاربة

بالتقاليد والعادات والقوانين والنظم عرض الحائط. ومما سبق نلحظ كيف كثف الكاتب النص في العنوان وكيف تغلغل العنوان في ثنايا النص فجاء

واحدهما امتدادا للآخر. يركز الكاتب على أيام محددة يصفهاالأيام المخمورة وفي

بالمخمورة ليدفع المتلقي إلى التساؤل حول طبيعة هذه الأيام ولماذا هي مخمورة. وصفة المخمور عادة ما تكون للإنسان الذي أكثر من شرب

.46-45- عن الذاكرة والموت )نصوص(، صـ 1.45-44- عن الذاكرة والموت )نصوص(، صـ2

105

الخمر. والأيام المخمورة هي » انعطافة تنبئ عن زمن غير اعتيادي أو كائن خرج عن سلطان العقل والقيود والمواصفات الاجتماعية، لتنفلت أعنة

. ونوس يتحدث عن مرحلة تاريخية محددة1الرغبة والشهوات المكبوتة « في لبنان، يقولدي مارتلهي فترة حكم المندوب السامي الفرنسي

: » وكانت تلك الأيام المخمورة، تترنح بالإباحة والشهوة. جاء السيدالحفيد دي مارتل، مفوضا ساميا. كان محنكا بلا وازع، وماجنا بلا رادع. خطف عقول

القوم، فخلعوا ما بقي من التقاليد والقيم القديمة. وانهمكوا على دين . والكلام السابق يشي بالكثير2سلطانهم، في البحث عن المنهج والملذات «

ومعه يفهم المتلقي لماذا وصفت تلك الأيام بالمخمورة. إذن الجو العام : » كانتالحفيدللبلاد في تلك المرحلة كان جو انفتاح وتحرر، وكما يقول

الأيام المخمورة تترنح بالإباحة المفاجئة، والرغبات الذاهلة «. ومن هنا ربما على كسر العادات والتقاليد وهربت معسناءنستطيع أن نفهم كيف تجرأت

تاركة أربعة أبناء، ووالدهم عرضة للتساؤل والتقريع منحبيبعشيقها المجتمع. هذا بصرف النظر عن الأسباب الأساسية التي دفعتها إلى الإقدام على هذا الفعل؛ فالأبناء شبوا وما عادوا بحاجة ماسة إليها، وزوجها لا تطيق الحياة معه خاصة أنها منذ كانت طفلة حلمت بحياة مغايرة تماما حياة قائمة

على الحب والتفاهم، لا تلك التي عاشتها معه لوقت طويل وكئيب. لذا وجدت بعد معاناة طويلة أنه بات من حقها هي الأخرى أن تستمتع بما بقي

وحدها منسناء . ولم تكن حبيبلديها من وقت، وتعيش فيه مع حبيبها تأثرت بل أبناؤها كذلك عندما قرروا أن يبدلوا هندام والدهم من اللباس

التقليدي إلى اللباس العصري الذي يتناسب وروح تلك المرحلة. ونجد يصف تلك المرحلة: » يشهد الله إني أحب هذا المندوب السامي..البوري

لقد أبهجنا، ونفخ فينا روحا جديدة. منذ جاء، خلع الناس الحياء وتفتحوا للدنيا ومسراتها. أحيانا أحس أن بيروت تتغير، وتتجدد كل لحظة. حين يتمشى

المرء في ساحة البرج أو على الكورنيش، يشعر أن الهواء المحمل بالعطر والشهوة، يسري في مجاري الصدر حرا ومسكرا. هواء جاء من بلاد بعيدة.

لم تكن القصة الوحيدةسناء. وقصة 3يملأ النفس توقا إلى نشوة غريبة « في النص المسرحي لأننا نجد قصة أخرى هي قصة الصبية التي تقتل زوجها الرجل المرموق في سبيل الشاب الذي تحب. إذن الحياء الذي يتحدث عنه

لم يولد مع الكائن وإنما لبسه هذا الكائن مجبرا لأنه وكما يبدو عندالبوري أول بادرة للتحرر انطلق الناس غير مكترثين إلى شيء عدا مسراتهم

وملذاتهم لتطفوا رغبات اللاشعور مصيبة أصحابها أنفسهم بالذهول.فرغباتهم تطفوا إلى السطح لا تخشى قمعا ولا كبتا.

ومما سبق نرى كيف التزم العنوان بالنص المسرحي من خلال انتشار إضافة إلى الدور الذي4دلالاته لفظيا ودلاليا في الشريط اللغوي للنص.

مارسه كمحفز للمتلقي في الدخول إلى عوالم النص. وهذا يبين أن عنونة النصوص عند ونوس لم تكن من قبيل المصادفة، بل جاءت مدروسة بعناية،

وموجزة ببلاغة منحتها شعريتها وكثافتها. .462- في نظرية العنوان، د. خالد الحسين، صـ1.27- الأيام المخمورة، صـ2.29- الأيام المخمورة، صـ3.86- شؤون العلامات من التشفير إلى التأويل، صـ4

106

المبحث الرابع: التكرار: التكرار ظاهرة مألوفة في الأدب لا بد أن يلحظها المتلقي. وعودة إلى معنى

كلمة التكرار لغويا تبين أن: » الكر: الرجوع، وكرر الشيء، وكرره:أعاده . والتكرار في1مرة بعد أخرى.. والكر الرجوع على الشيء، ومنه التكرار «

الأدب لا يعني فقدان المبدع لقدرته على الخلق، واجترار نفسه، بل يعني أن المبدع يريد من المتلقي أن يركز على فكرة معينة بطرق متعددة. هي

فكرة تلح على ذهن المبدع ولذا نراها تحتال عليه لتظهر بطرق مختلفة هو نفسه أحيانا لا يكون واعيا لها. كما أن المعنى الدلالي للتكرار لا يخرج عن

الرؤية الكلية للنص المسرحي. والتكرار بشكل عام ليس مقصورا على بضعة ألفاظ في الجملة لأنه من الممكن أن تتكرر الجملة ومن الممكن أن

تتكرر فقرات، ويوظف التكرار لتحقيق العلاقة المتبادلة بين العناصر . وتتجلى ظاهرة التكرار عند ونوس في تكرار ألفاظ بعينها،2المكونة للنصأو جمل بعينها.

تكرار الألفاظ: تكرار دال معين في النص له وظيفة دلالية » هي التأكيد على المكرر،

وإبراز قيمته الدلالية، وأهميته، انطلاقا من الموقع الذي يحتله في بناء النص . لأن تكرار اللفظة يمثل بؤرة دلالية مهمة في النص ستدفع المتلقي3«

بالضرورة إلى التساؤل عن السبب الذي دفع الكاتب إلى التأكيد عليها دونسواها.

في مواضع عدة منالاغتصاب يتكرر الدال )السلالم( في مسرحية النص؛ في الموضحات الإخراجية تحديدا. وهذا الدال لا يظهر إلا عندما يتعلق

؛ يظهر الدال فيسفر النبوءات/ المقطع الثالث، ففي بمائيرالحوار عن عمله كضابط أمن فيإسحقالموضحة الإخراجية التي تسبق حديث

قوات الأمن الإسرائيلية، يقول ونوس في الموضحة: » ينمو الضوء تدريجيا . لو اكتفى الكاتب بقوله »4في مكتب مائير، وتظهر كتلة السلالم المخيفة «

وتظهر كتلة السلالم « لما أعارها المتلقي انتباها، لكن عندما أتبعها بالصفة )مخيفة( أصبح الأمر مختلفا لأنها أخذت أبعادا مغايرة. فالكاتب أرادنا أن

نقف عند هذا الدال، وبوصفها، السلام، بالمخيفة ضمنها صفات عدة، فهي ضخمة وغير مستساغة وبشعة. وغالبا ما يستخدم السلم ليساعدنا في

الوصول إلى مكان معين نبتغيه، أي أن الدال يمحل في طياته معنى الإفادة والمساعدة. وربما كتلة السلالم المخيفة ما هي إلا شبكة العلاقات المرعبة

التي ساعدت الحركة الصهيونية في الوصول إلى أرض فلسطين وتحقيق : » أرجو أنإسحقلولدها سارة مبتغاها. ثم تتكرر من جديد في قول الأم

- لسان العرب، مادة )كرر(.1 قراءة النص الشعري لغة وتشكيلا ) نزار قباني نموذجا تطبيقيا ( دراسة لسانية- 2

تطبيقية، د. هايل محمد .101-100، صـ2006، 1 الطالب، دار الينابيع، دمشق، ط

.113، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ3.105- المصدر السابق، صـ4

107

لم يرقإسحق. 1ترقى السلم الذي رفعه لك مائير بما يليق من التفاني « ، الذي أراده في المكانمائيرالسلم بجهده الخاص بل بمساعدة كبيرة من

الذي وصل إليه حاليا. وهذا السلم سيوصله إلى أعلى مراتب المجد في الدولة الصهيونية إن عرف كيف يستغله بالشكل الصحيح، لكن إن عجز عن

الصعود بالشكل المطلوب منه، فهناك نتائج ستترتب على ذلك. ويتضح الأمر عندما يقول ونوس في الموضحةسفر النبوءات/ المقطع الثامنفي

. هو2الإخراجية: » يظهر إسحق وهو يتسلق السلم، ويدخل إلى المكتب «مائيرذاهب لمكتب ليخبره عن رغبته في ترك العمل الذي ما عاد قادرا

إسحق طلبه بعنف وغضب، يقرر مائيرعلى احتماله، وعندما يرفض إلامائيرمواجهة قاتل أبيه بالحقيقة المرة؛ الأمر الذي لا يترك خيارا أمام

إسحق والتخلص منه ومن هواجسه. والسلم الذي يصعده إسحقتصفية أخيرا هو السلم الذي يودي به في النهاية إلى حتفه. وارتباط الدال منذ

، الذي يمثل نموذج الصهيوني الناجح، يفرغه من إيحائهبمائيرالبداية الإيجابي الذي يعطيه؛ ذلك أن الصعود عادة مرتبط بالارتقاء إلى الأفضل. أما

هذا السلم فصعوده هو ارتقاء إلى اللاإنسانية والوحشية المطلقة. التي لايستطيع إنسان سليم العقل أن يحتملها أو أن يتعايش معها.

.يوم من زماننا ومن الدوال التي تتكرر أيضا كلمة )المرحاض( في ويتكرر الدال في مواضع عدة من النص المسرحي. فالفضيحة تبدأ في مراحيض المدرسة كفضيحة سياسية، ثم ما تلبث أن تنتقل إلى الصف

لنكتشف أنها فضيحة أخلاقية، ثم إلى الجامع وبعدها تأخذ أبعادها كافة عند القوادة، ثم لتنتهي بالفاجعةفدوىمدير المنطقة، لتتبلور في منزل الست

الذي يقتل نفسه ليتحرر من المرحاض الكبير الذي هوفاروقفي منزل المدينة التي ابتلعت آماله وأحلامه بواقع جميل وحياة مثالية تشبه صفاء علم

الرياضيات ونقاءه. إذن اكتشفت الكتابات في المراحيض، وهي مكان قضاء الحاجة، الأمر

الذي أثار حفيظة المدير لأنه لم يخطر في باله من قبل أن يراقب مراحيض مدرسته، هو الذي لم يغفل يوما عن الواجبات الملقاة على عاتقه والتي

يلخصها في قوله: » واجبي الفعلي أن أحمي المدرسة من جرثومة . لذا نجده في غاية3السياسة، وأن أربي الطلاب على الولاء والطاعة «

الحنق، فالمراحيض بقيت على حالها مكانا لقضاء الحاجة، لكن الحاجة هنا اختلف مفهومها لأنها أصبحت حاجة للتعبير عن حرية الرأي بكل بساطة

هو الآخر يرى أن المراحيض انتقلت من موقعهافاروقوشفافية. والأستاذ الأساسي إلى المقاعد الدراسية كما يبين في الحوار التالي:

» المدير : هل مررت بالمراحيض؟.4 فاروق: انتقلت المراحيض إلى الصفوف «

فالمراحيض لم يتبدل موقعها بشكل فعلي لكن الفضيحة الأخلاقية التي وهزت كيانه، إضافة إلى استخدام المدير لكلمةفاروقاكتشفها

.142- المصدر السابق، صـ1.156، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2.197- المصدر السابق، صـ 3.194- المصدر السابق، صـ 4

108

)مراحيض( حركت لديه آلية تداعي الأفكار وجعلته يربط بين بشاعةالفضيحة، وقذارة المراحيض العامة.

أن تسوغ فدوى ويرد الدال من جديد في المشهد الرابع عندما تحاول ، وتبين له أن ذلك كان نتيجة للمعاملة المزرية التيلفاروقأسلوب حياتها

تلقتها هي وأهلها من زوجها عندما علم أنها ليست عذراء. ولشدة اشمئزازها من وضاعة زوجها تقيأت لثلاثة أيام، تقول: » ولكن وسط القيء، وفي

المرحاض كانت فدوى تولد.. فدوى أخرى، لا يكاد يربطها بتلك التي ماتت فدوىوهنا يصبح المرحاض شاهدا على ولادة . 1إلا ملامح الوجه والجسد «

الجديدة. وربما كان الإشارة الأولى لتحولها. فعملية التحول، بدأت في المرحاض الصغير مرحاض منزل الزوجية واكتمل نضجها وتطورها في

، كما تحب وتشتهي.فدوىالمرحاض الكبير الذي هو المدينة التي قولبتها، ربما تكرر الدال )مرحاض( مرتين في النص المسرحي ككل، لكنه هيمن

عنللشيخ متوليعلى الجو العام. فالمشهد الثاني يفتتح بحوار طويل من شيخ الجامعفاروقآداب الاستنجاء والدخول إلى الخلاء، وبعد خيبة

تذكر وهو يشعر بالأرض تدور به أنه » كانت تنبعث من فم الشيخ متولي . إذن الدال2رائحة كريهة. رائحة بخر يتصاعد من طعام متعفن ومن غائط «

لم يرد لفظه هنا بشكل حرفي لكن المتلقي يشعر أن المعنى موجود بشكل لم يكن أكثر من ترهاتفاروقأو بآخر، لأن ما تفوه به الشيخ أمام

وتفاهات قذرة تبعث على الغثيان والاشمئزاز كما الفضلات التي تطرح في المرحاض. والتكرار لم يكن من نصيب الألفاظ فقط بل كان للجمل نصيبها

من هذا التكرار. تكرار الجمل:

كانت الألفاظ التي تكررت في النصوص المسرحية نادرة جدا إذا ما قورنت بالجمل، لأنه لم يخل نص من جملة تكررت في مواضع عدة على

مدار النص ككل. وهي ليست جملا من النوع الذي تقوله الشخصيات بحكم العادة بل تلك التي تقال بسبب حادثة ما أو خطب جلل، وهي لا بد مرتبطة

أشد الارتباط بأحداث النص ككل. وتكون هذه الجملة بمثابة » بؤرة دلالية تصبح بقية العناصر اللغوية مجرد ملحقات لتعميق الإحساس، بما تفرزه

العبارة المكررة من دلالة؛ وتكون العبارة المكررة نقطة ارتكاز لتوالد الدلالة في النص وتناميها، وبذلك ترد في صورة عبارة تحكم تماسك النص،

. الأمر الذي نجده بدقة في تكرار جملة » يا إلهي! إلى أي3ووحدة بنائه « سفر النبوءات/ في راحيلحضيض نهوي «! الجملة التي ترددها

، بعد أن يتم اغتصابها من قبلالاغتصاب في نص المقطع الخامس زميل زوجها في العمل بطريقة همجية، تقول: » يا إلهي! إلى أيجدعون

. وهي التي اعتقدت أنه4حضيض نهوي! كيف أمكنك أن تفعل ذلك؟ « سيساعدها على تخطي الأزمة التي تمر بها في علاقتها مع زوجها. لكن ما

أصابها بالذهول والصدمة، وجعلها تقف عاجزة أمامه غيرجدعونفعله .236، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.217 المصدر السابق، صـ-2.114ـ115- قراءة النص الشعري لغة وتشكيلا/ نزار قباني نموذجا تطبيقيا، صـ3.132، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ4

109

قادرة إلا على الاستنكار. فما فعله هو غاية الدناءة فهو سلبها حرية الخيار الذي اعتقدت لوقت طويل أنها تتمتع به. وربما جاءت الصدمة من فكرة

، ضابط مرموق في جهازجدعونمفادها أنه كي يفعل شخص في مكانة الأمن الإسرائيلي، أمرا كهذا فلا بد أن المبادئ والقيم قد انهارت. وفي

في حوار يعزز منجدعونمحاولة يائسة تستجمع قواها وتدخل مع شعورها بالخزي والمهانة:

» راحيل: وأغانيك عن الرشد المسلوب.. جدعون: الحب بالنسبة لي هو الرغبة. وكانت رغبتي عارية.

. 1 راحيل: يا إلهي.. كيف ورطتني الأكاذيب! وإلى أي حضيض هويت! « والسقوط هنا لم يعد يخص الجماعة كلها، فهي لم تقل )نهوي( بل

استخدمت الدال )هويت(، فهي التي سقطت وهي التي جلبت الأمر على نفسها، لأنها سمحت للأكاذيب والكلام المعسول أن يسيطر على عواطفها

بدلا من أن تعمل عقلها وتستدل على الصواب. وتختتم المشهد بالجملة ذاتها، بعد أن تعرف طبيعة عمل زوجها ورفاقه والأساليب التي يتبعونها في سبيل توفير الأمان للشعب اليهودي الصهيوني في فلسطين، وقبل أن يقدم

على اغتصابها مجددا، تقول: » لا تلمسني. ابتعد عني، وحوش.جدعون . ومن جديد تستخدم الدال2إنكم وحوش. يا إلهي! إلى أي حضيض نهوي! «

)نهوي(، فالوصول إلى الحال التي هم عليها الآن، تقصد أبناء شعبها، لا بد يعني أن الوضع أصبح في غاية الخطورة والتدهور، لأن ملامح الإنسانية

بالعجز واليأس المطلقينراحيلأصبحت مفقودة بشكل كامل. وتشعر عندما تعود إلى المنزل وتستمع إلى الجدة تهدهد طفلها بكلام كبير جدا من المؤلم لأذني طفل صغير رقيق أن تستمعا له. وبعد ذلك تصبح الجملة نوعا من الاستنكار على كل الكلام والأحداث غير المنطقية التي تجري كما تصبح

شاهدا على الحضيض الذي ستهوي إليه الدولة الصهيونية يوما وبشكل نهائي. لأن الدولة التي تقوم على أسس كتلك لا بد مصيرها الزوال. وينضم

إلى زوجته في إنكار الواقعة، ويقول مستخدما جملتها ذاتها: » ياإسحق . هو أيضا أحس بالعجز يطبق على3إلهي.. حقا إلى أي حضيض نهوي! «

عالمه الذي يشعر بالتقزز والاشمئزاز منه، وعندما قال )حقا( كان يؤكد بشدة على صحة الجملة التي كان لها مفعول السحر عليه، لأنه وكما يبدو

لم يكن لديه قبلا الكلمات المناسبة التي تعبر عن حاله. فجاءت جملة لتختصر كل ما يحس به من ضياع وتشتت بين واجب مقدس فيراحيل

حماية الوطن، وبين نفس تواقة إلى كل ما هو رقيق وعذب وإنساني. فما كان فيه هو الحضيض الحقيقي الذي ما عاد يعرف كيف السبيل إلى الخلاص

لطبيعة عملهم الحقيقية في جهاز الأمن الإسرائيلي،راحيلمنه. وبمعرفة وبمعرفته الحقيقة وراء موت والده، ما عاد يملك شيئا يخسره وما عاد من الممكن أن يكون هناك وضع أسوأ مما هو فيه، ولا يوجد حضيض أدنى من

الحضيض الذي وجد نفسه مرغما على النزول إليه. وبهذا تكون الجملة الإنذار الأخير لما تبقى من التبعات التي ستترتب على أسلوب الحياة

.133- المصدر السابق، صـ1.135- المصدر السابق، صـ2.147، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ3

110

اللاإنساني الذي يعيشه شعب بأسره. فالتكرار جاء بغرض التحذير من واقع سيغدو العيش فيه لا يطاق ولا يحتمل. وهذه الجملة اختصرت حوارات

كثيرة لو وجدت لفقد النص انسيابيته ووضوحه. النص المسرحي بالجملةالمؤلف يفتتح يوم من زمانناوفي

التالية: » كان صباحا غائما وباردا. كان صباحا ككل صباحات أوائل الشتاء. . لتصبح جملة » وكانت الساعات تدور « لازمة1وكانت الساعات تدور.. «

يرددها المؤلف قبل كل مشهد من المشاهد الخمس في النص. فالوقت يسير وما من قوة تستطيع إيقافه. وربما حملت الجملة في طياتها سخرية

مبطنة من طبيعة البشر؛ لأنه وعلى الرغم من الفضائح والمصائب والأهوال المتتالية التي تمر على البشرية ككل يمضي الزمن بلا توقف غير عابئ.

فاروقالزمن يستمر في التقدم وفي كل اللحظات المؤلمة التي يمر بها يكون الزمن شاهدا على ما حدث وما يحدث وما سيحدث أيضا. والكاتب لا

يريد من المتلقي أن يدخل في حالة من التعاطف أو الإشفاق على شخصية من شخصيات النص بل يريده أن يقف على الحياد أن يشاهد الصورة

الكلية، ويعاينها بدقة ووضوح خاليين من التواطؤ أو عدم الموضوعية في الحكم، أو ربما هي محاولة تحذير للمتلقي من الاستسلام لوضع معين بيأس

فذلك لن يفيده في شيء لأن الساعات تدور والوقت يمضي، ولا يستطيع أحد ردعه أو العودة به إلى الخلف عله يستدرك شيئا مما فاته. ويصر

الكاتب على تكرارها كي ترسخ في ذهن المتلقي فلا يستطيع نسيانها أو تجاهلها. لأنها فيما بعد تصبح كالجرس الذي يقرع عند أول لحظة سهو أو

نسيان. فالساعات تدور والوقت يمضي كما هي الحال دوما. ولو استخدمت الجملة في مواضع أخرى من النص لما تمكنت من نقل رسالة المبدع، ولاكتسبت معنى أقرب إلى التقريرية وبذلك ستفقد شاعريتها وجمالها

الأدبي. والجمل السابقة وردت في النص الواحد مرات عدة. وإلى جانب هذه

الجمل توجد أخرى ربما لم ترد في النص سوى لمرة واحدة لكنها وردت في النصوص الأخرى بضعة مرات. فجملة » والله تمنيت لو أن أمي لم تلدني

على لسانالأيام المخمورة ، وأحلام شقية ترد في كل من نصي 2« في الأيامسونيا في أحلام شقية، وماريشخصيتين نسائيتين هما

المخمورة. وتأتي الجملة في كلتا الحالتين لتعبر عن ألم مفجع ما عاد بالمقدور رده أو استدراكه. لأن ما حدث قد حدث. والجملة محملة بدلالات الألم والقهر من واقع تعيس ما عاد بالإمكان إصلاحه أو التراجع عنه. وفي كلتا الحالتين الشخصيتان عاجزتان لأن الفعل لم يأت منهما بل من طرف

، وهي لمفارس من زوجها ماريخارج عن إرادة كلتيهما. فالمرض أتى بينعدنانتملك أدنى فكرة عن أنه هو مسبب الأمر برمته. أيضا انتحار

أمر لم يكن في حسبانها أن يقدم على فعله. لذا لم يكنسونيايدي بمقدورها السيطرة عليه، أو رده. إذ أنه ما من علاقة لها بقضية انتحاره

مطلقا. والجملة في النصين عبرت عن نوع من الرفض والاستنكار.

.193- المصدر السابق، صـ1.114، والأيام المخمورة،صـ301، صـ2- وردت الجملة في: الأعمال الكاملة، جـ 2

111

والجملة التالية التي تتكرر هي أقرب إلى الفكرة منها إلى الجملة ذلك أن التكرار يتخذ منحى فيه بعض الاختلاف عما سبق لأن التكرار هو لفكرة

يوم من زمانناالسباحة في بحر الحياة. ونجدها في مسرحيات ثلاث: .الأيام المخمورةوملحمة السراب و

، يقول: » أنا لافاروق تأتي الجملة على لسان يوم من زماننا في .1أفهم لماذا تطلبين الموت.. أنت تسبحين في مائك. تكيفت مع التيار «

قد تكيفت مع روح العصر الذي تعيش فيه،فاروقلتبين أن نجاة زوجة ومع القيم والمبادئ التي يفرضها واقع الحياة حسب زعمهم. لذا هو لا يفهم السبب الذي يدفعها إلى طلب الموت. والسباحة في الماء التي يفترض أنها

تحمل معنى إيجابيا حملت في السياق معنى سلبيا كما هو واضح. والأمر عندما يتساءل واحد من كبار رجالاتملحمة السرابذاته نجده في

القرية عن الحال التي ظهروا بها في الملهى: » محمد:.. قل لي يا أديب، هل كنا نشازا في المكان، أو هل بدونا

مضحكين؟ أديب : معاذ الله يا عم.. وعندما يتكرر ترددكم على المكان، ستحسون

أنكم . 2 تسبحون في مائكم «

جرهم إلى التردد على المكان عندما لم يعطهم الجوابأديبيحاول الذي يطمئنهم بشكل كامل. بل اكتفى بإخبارهم أنهم بترددهم المستمر

سيشعرون أن المكان مكانهم وأنهم أصبحوا جزءا منه. وكانت الجملة بمثابة مفتاح لأمانهم الخاص فهم وإن ظهروا في بداية الأمر غير منسجمين

والمكان، فالأمر سيتغير عندما يترددون عليه باستمرار. ومن جديد تظهر فكرة الرغبة في التأقلم مع روح العصر. سواء كانت فكرة التأقلم خطأ أم

صوابا. ومن جديد تأخذ فكرة السباحة دلالات سلبية. تأتي الجملة على لسان الصبية التي كانتالأيام المخمورةوفي

متزوجة من رجل سياسي مرموق لكنه عاجز جنسيا، وهي صبية جميلة تفور حبا ورغبة. فتشاء الأقدار أن يكون لقاؤها بحب حياتها في غير موضعه،

تقول: » وحين التقيت هذا الشاب، وبدأت أسبح في مائه وفتوته..كان ينبغي . فتأخذ الجملة بعدا آخر لأن السباحة كانت3أن أختار.. كان ينبغي أن أقتل «

في بداية الأمر خلاصا من واقع بشع فرضته ظروف معينة، وعند أول بارقة أمل تقتنص الصبية الفرصة، وتختار الحب والرغبة بدلا من الجفاف والقحط؛

لتنجو من الغرق في بحر من اليأس والإحباط الذي دفعها زوجها إليه. لكن سعادتها لا تكتمل لأن النتائج جاءت مخيبة فالشاب لم يكن يتمتع بالجرأة

والشجاعة التي تمتعت بها فكان الإخفاق من نصيبها. ومن جديد يفرغ فعل السباحة من مدلولاته الإيجابية ليتخذ بعدا سلبيا. وليعبر في نهاية الأمر عن

نظرة معينة للكاتب الذي يبدو التفاؤل أمرا بعيد المنال لديه، ولكنه ربما

.245، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 1 .711-710، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2.46-الأيام المخمورة، صـ 3

112

يطرح فكرة أخرى مفادها أن الإنسان يستطيع أن يسبح في الاتجاه الذييشاء لكن عليه أن يكون في النهاية مسؤولا عن خياره أيا كان ما اختار.

وهنا كان للتكرار كما في كل ما سبق، سواء من كلمات أو جمل، معنى التوكيد فالكاتب يؤكد فكرة معينة يريد من المتلقي التركيز عليها أكثر من

سواها. والتكرار مفردات وجملا، تقنية استعملها ونوس الاستعمال المعروفالذي يرمي إلى التأكيد على فكرة، أو حالة، وطلب التركيز من المتلقي.

المبحث الخامس: استعمال العامية: كثيرة هي المقالات والكتب التي تناولت لغة المسرح العربي بالدراسة

. وكان لاستخدام اللغة العامية في المسرح نصيب وافر1والتحليل والنقد مما كتب ونوقش؛ إذ اتخذت تلك النقاشات طابعا سجاليا، لكن دون

الوصول إلى حل شاف لهذه المشكلة » فدعاة الفصحى في المسرح يتهمون دعاة العامية بالتحلل والدعوة إلى التغريب و"الأوربة" والانسلاخ عن

الجذور، ودعاة العامية يتهمون دعاة الفصحى بالتخلف والقوقعة والجمود . لأن دعاة العامية رأوا أنها أشد التصاقا بالجماهير من2والأحادية «

الفصحى، وأكثر قدرة في التعبير عن مشكلاتها وهمومها اليومية. بينما رأى الطرف الآخر أن النص المسرحي لا يمكن أن يرتقي إلى مستوى الأدب ما لم يكتب باللغة الفصحى. وفي هذا الإطار يقول ونوس: » ليست المشكلة

في الفصحى أو العامية، وإنما في بناء المسرحية والمشاكل التي تعالجها. ففي اللحظة التي تكون المشكلة المطروحة فيها حية، ولها

امتدادها في الواقع الذي يعيشه المتفرج، فإن هذا المتفرج يجتاز حاجز اللغة بسهولة ويركز انتباهه ويستوعب كل ما يقال، دون أن يشعر بالبعد أو

بالمسافة بينه وبين القواعد اللغوية التي تضبط حوار هذا أو ذاك من . إذن الأمر لا يتعلق باستخدام الفصحى أو العامية بل بطبيعة3الممثلين «

هذا الاستخدام، وكما يقول ونوس: » إننا نجد أننا قادرون على استخدام مستوى من مستويات الفصحى، يتضمن بشكل أو بآخر طريقة التعبير

. وهذا ما التزم ونوس به في مسرح التسعينيات.4المحكية أو العامية « نقع على صيغ عدة بدت أنها عامية، جاءتالاغتصابفي مسرحية

في حوار مشترك جرى بينهما، تبدؤهمحمد وابنها الفارعةعلى لسان ، وانضم إلىركب رأسهبقولها: » وابني محمد زاد على رأسي الهموم.

، ص1975 ينظر: في النقد المسرحي ، د.محمد غنيمي هلال، دار العودة، بيروت، - 1. وقاموس 77-87

-5، صـ1987 المصطلحات والتعابير الشعبية ، أحمد أبو أسعد، مكتبة لبنان، بيروت، 29.

- تساؤلات حول جماليات العامية والفصحى في المسرح العربي الحديث، د. عبد الله 2خلف العساف، مجلة

. 16، صـ2003، إبريل، 393 البيان، الكويت، العدد. 126-125، صـ3- الأعمال الكاملة، جـ 3.127- المصدر السابق، صـ 4

113

. فتعبير مثل » ركب رأسه « كثيرا ما1الذين يركبون الباصات كل صباح « نستخدمه في لغة الحوار اليومي للدلالة على العناد الشديد. وعادة ما يركب

الإنسان الدواب أو وسائط النقل الحديثة بشكل فعلي، ويتم الركوب لغاية معينة يرجوها المرء نفسه أو يرجوها أحد سواه. بينما لا يستطيع أن يركب

رأسه، إلا أنه عندما يفكر في أمر ما ويضعه نصب عينيه فهو سيفعل كل مايتطلبه لتحقيق الغاية المرجوة. والتعبير السابق مجازي، إلا أنه صحيح لغويا.

مع أبي تهاوشت: » لم تخبرني أنكالفارعةوفي غير موضع تقول . وهنا يتداعى إلى ذهن المتلقي إما التعبير العامي هاش أو هش2قحطان «

أو المرادف الفصيح مثل تناقش أو تشاحن والذي يدل على طبيعة المعنىهو السياق العام للحوار.

لأمه بعد أن ترهقه بحديثها عن خطورةمحمدوفي غير موضع يقول العمل عند الصهاينة، » أتعرفين كم ينفق بعض الأمراء والفرسان العرب

في ملاهي وكازينوهات الغرب؟ أتعرفين كيف يعيش زعماؤنا في المنفى! . والجملة الأخيرة في المقبوس السابق،3 لنا المواجع «دعينا يمه ولا تفتقي

» دعينا يمه ولا تفتقي لنا المواجع «، كثيرا ما تستخدم في حواراتنا اليومية عندما يذكر أحدهم الآخر بأمر يسبب له الألم والضيق وللاستخدام السابق

بعد جمالي فالمرء غالبا ما يحيك غطاء سميكا ليدفن أوجاعه وآلامه فيه من جهة، وليخفيها عن عيون المتطفلين من جهة ثانية. وإن حدث وفتق الغطاء

تحت ضغط ظرف معين غالبا ما يحاول المرء رتقه من جديد. وقد يكون الرتق سهلا، إلا أنه في معظم الأحيان يكون صعبا ومرهقا لذا يفضل ألا

في فتح الحوار مع والدتهمحمديمسه سوء، ومن هنا نفهم عدم رغبة لعلمه مسبقا أنه حوار عقيم لن يودي إلى نتيجة. وقلما نجد كلمات أو

تعبيرات عامية، إن جاز القول، في هذا النص على الرغم من أن طبيعة معظم الشخصيات الفلسطينية تحتمل أن تكون حواراتها أكثر سلاسة

وسهولة بوصفها شخصيات تمثل الشارع الفلسطيني البسيط الذي يحتاجإلى التوجيه الصحيح.

تطالعنا المزيد من التعبيرات والألفاظ التي تبدويوم من زمانناوفي عامية للوهلة الأولى. وكثيرة هي التعبيرات التي جاءت على لسان مدير

المدرسة، وهو أمر ينسجم وطبيعة الشخصية، يقول: » أنا مريض ولا أحتمل . وهي مجموعة المشاكل التي تطفو إلى الأعلى، وتكدر4 «الخضاتهذه

الإنسان. وفي فورة غضبه مما يجري يقول: » هذه المدرسة هي مدجنة . والتعبير السابق بأكمله هو تعبير5 قبل أوانه «وستقصف عمريإبليس،

فصيح إلا أننا نستخدمه بالصيغة ذاتها تقريبا في لغة حوارنا اليومية، وقد أضفى الاستخدام السابق حيوية للموقف ما كانت لتتحقق دون هذه

البساطة والعفوية التي زادت من التصاق الشخصية والحوار على حد سواء ،فاروقبالواقع. وفي غمرة انفعالات المدير وغضبه من فضول الأستاذ

وإصراره على ملاحقة قضية الدعارة التي تحدثت الطالبات عنها بلا حياء أو.178- المصدر السابق، صـ 1.179، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2.179- المصدر السابق، صـ 3.194- المصدر السابق، صـ 4.195- المصدر السابق، صـ 5

114

.1 أم أؤدي الأمانة والواجب «آكل خراءخجل، يقول: » ماذا تراني أفعل! ليس غريبا عنا استخدام المدير لهذا التعبير، لأنه التعبير الأكثر استخداما في لحظات الغضب الشديد. والفعل السابق هو نوع من الاجترار الذي لا معنى

له ذلك أن المادة المجترة هي من الفضلات غير المرغوب فيها والتي لم يعد الجسم بحاجة إليها. لذا فالفعل بمجمله هو هدر للوقت لا طائل منه.

والمدير من وجهة نظره الخاصة لا يمكن أن يفعل أمرا مشينا كهدر الوقت فدوىعلى أمر لا معنى له. وفي غير موضع يأتي التعبير التالي على لسان

ابلعي، تقول: » أدخليه وفاروق أن تدخل نرجسالقوادة وهي تطلب من . وفي لحظة البلع لا يستطيع الإنسان أن يتكلم.2. لا أريد أية ثرثرة «لسانك

أن تبلع لسانها؛ بداية لأن الفعل سيوقفهانرجس تريد من فدوىويبدو أن عن ثرثرتها، ثم إن اللسان هو العضلة التي تمكن الإنسان من النطق ودونها

في تلك اللحظة.فدوىسيفقد هذه القدرة، ويبدو أن هذا أقصى ما تريده والتعبيرات الفصحى القريبة من العامية جاءت في مجملها على لسان

القوادة. ولهذا الأمر دلالاته المتعددة. لأن المدير هنافدوىالمدير والست ليس شخصية استثنائية بل هو أقرب إلى النمطية، وهذه الشخصية طبعت في ذهن المتلقي العربي في مرحلة معينة بصفات محددة لخصها ونوس

بحكم طبيعة عملها كقوادة، لا بد أنفدوىفي هذا النص بصدق وعفوية. وتستخدم مثل هذه التعبيرات.

تزداد الجمل الفصيحة المستخدمة في العاميةأحلام شقيةوفي بشكل ملحوظ، ويضيف الكاتب استخداما آخر هو لغة الأطفال التي تأتي

غادة ابن ثائر، وعلى لسان الصغير ماريزوج فارس على لسان التي ترفض أن يشاركهاماري متوددا إلى زوجته فارس. يقول كاظمو

بحضنك.. ماما لدي علي.. أنا بلدان.. أنا بلدانبلدان حطينيسريرهما: » أنا للطريقة التي يتحدث الأطفال بها، ما هو إلا محاولةفارس. وتقليد 3«

للتلاعب بمشاعر الزوجة التي تحن إلى كل ما يخص الطفولة والأطفال بوصفها حرمت من مشاعر الأمومة بفضل أنانية زوجها. فالدال )بلدان(

دلالته واضحة من السياق العام للحوار أي أنه يشعر بالبرد. والتعبير )حطيني ، وهذا ما4بحضنك( ليس عاميا بالمطلق، فحط في المكان أي نزل فيه

ليست عامية بل تكون كذلك في حالاتفارس. وجمل فارسيطلبه . ماريمحددة تنحصر في حواره الطفولي المبتذل مع

نوعا آخر من الاستخدامات الفصيحة التيكاظمونلحظ في حوار فصيحة إلا أنها تتسم بالوضاعة النابعة كاظمتستخدم في العامية. لأن لغة

: » أي نعم يا ست..غادةمن روح هذه الشخصية وطبيعتها، يقول لزوجته . ودلالات الحوار السابق محملة5، وهاتي بصل «فزينسيت البصل.. يالله..

، والتي تستخدم عادة6بالسخرية فكلمة )ست( التي يعتقد أنها آرامية الأصل.197، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.228- المصدر السابق، صـ2.255- المصدر السابق، صـ 3- لسان العرب، مادة )حطط(.4 .262، صـ 2الأعمال الكاملة ، جـ- 5 - ينظر: قاموس المصطلحات والتعابير الشعبية)معجم لهجي تأصيلي فلكلوري(، أحمد6

أبو سعد، مكتبة 115

للدلالة على الاحترام الشديد للمرأة المتزوجة المخاطبة، جاءت هنا محملة استخدمها ليزيد غيظ زوجته1بالسخرية. وحتى الفزة وهي الوثبة بانزعاج

التي يحاول استفزازها منذ بداية الحوار. وفي غير موضع يعود إلى سخريته التي تكتب رسالة لشقيقها في الغربة، يقول: » إي.. إي..غادةمن

. وعندما ترفض أن تكتب2 مع عبد الناصر « تنقشقولي له هذه المرة لن ذلك يتشاجرا وفي فورة غضبه يقول لها وهو يضربها: » والله سأشفيك من

. وقصد بقوله ابنة الصرماية أن يسبها وفي3 « الصرمايةهذا العناد..يا بنت الوقت ذاته يحط من شأنها ويهينها. والصرماية كلمة مأخوذة من الفارسية

، وهي اليوم تعبير دارج في لغتنا العامية.4)جرمة( وهي نوع من النعال يبدو للوهلة الأولى عاميا يلحظ المتلقيفارس وكاظموفي حوار بين

أن الحوار فصيح لكن سياقه هو الذي أضفى عليه مسحة العامي:؟البطيخ» كاظم: أين هذا

فارس: لعله لم يسمع، سأحضره لك. . نلحظ أن لفظة البطيخ فصيحة5.. عيب.. ابق جالسا «زلمةكاظم: لا يا

إلا أن سياقها أعطاها سمة العامية، والتعبير)زلمة( عامي أيضا وأصل الكلمة6آرامي وتعني الرجل أو الشخص، وفي العربية الزلمة هو العبد.

فتأتي عباراته عامية وربما كان ذلك لأنه طفل، ويمكن ثائرأما الصغير .7 وجعك.. ماما «وجعكللطفل أن يخطئ في لفظ الكلمات، يقول مثلا: »

. حسبهاعملها بالطاقيةوفي غير موضع يقول:» ماما.. ماما.. طرزان . والدال )وجعك( عامية، والتركيب )عملها بالطاقية( عامي بدوره8نونية«

أيضا. وهذا الأمر وارد بوصف الشخصية شخصية طفل صغير. واستخدام الفصحى القريبة من العامية في هذا النص جاء مدروسا ومتقنا، وأضفى

مصداقية للحوار زادت من تأثيره و جماله. يستخدم ونوس العامية علىطقوس الإشارات والتحولاتوفي

مستويين، الأول الألفاظ الفصحى التي نستخدمها في العامية، والثاني الألفاظ الأعجمية التي دخلت لغتنا اليومية لأسباب عدة وأصبحت جزءا لا

يتجزأ من لغة حديثنا اليومي، و» إيراد بعض ألفاظ أجنبية أو عامية في التراكيب الفصيحة لا ينال من اللغة الفصحى، ولا يجعل منها لغة عامية أو أجنبية. فالألفاظ المفردة لا تخلق اللغة ولا تميزها. ذلك أن خاصة كل لغة

تتمثل في قواعد نحوها، أو علم التركيب فيها. وفي ذلك تتجلى قدرة اللغة على التعبير عن المعاني الدقيقة والمشاعر الرفيعة، كما تتجلى خصائصها

.276، صـ1987 لبنان،بيروت،- لسان العرب، مادة )وثب(. 1 .263، صـ 2- الأعمال الكاملة ، جـ2.264 ، صـالمصدر السابق- 3.177- ينظر: قاموس المصطلحات والتعابير الشعبية، صـ4.277، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 5.254-253- ينظر: قاموس المصطلحات والتعابير الشعبية، صـ 6.265 ، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ7.275- المصدر السابق، صـ8

116

. وفي هذا النص نتعرف إلى مفردات جديدة مثل )الطاسة-1الجمالية « الكار- الشراميط- العرصات( وتأتي هذه الألفاظ بشكل عام على لسان الشخصيات التي تنتمي إلى عامة الشعب، من قبضايات وغانيات، وفي

أحيان قليلة تأتي على لسان علية القوم في لحظات الغضب الشديد. وهذا له دلالاته النفسية، فهذه الشخصيات تمتنع عن التلفظ بهذه الكلمات عمدا

لأسباب متعددة منها تربيتها من جهة، والمناصب التي تشغلها تلكالشخصيات من جهة ثانية، والوضع الاجتماعي أيضا. وهوعباس ووردةوفيما يخص الألفاظ الأعجمية فقد جاءت على لسان

عباسواحد من قبضايات المدينة وهو من جماعة المفتي. وما أن يسمع خبر فضيحة نقيب الأشراف ويتأكد من صحته حتى يهرع مع صديقه العفصة

ليزفا البشرى للمفتي ظنا منهما أنهما سيسعدانه بالخبر، وهما يجهلان أن لدى المفتي ضيوفا من وجهاء المدينة، فيضطر المفتي أن يبدي غضبا شديدا

عباسمن فعلتهما حتى يحفظ نفسه أمام الوجهاء، مما يثير حفيظة بقوله:عباس أن يخفف من حده غضبه، فيجيبه العفصةوغضبه، ويحاول

ة الباردة التي سكبها على رأسيالطاس» إني غاضب. لا أستطيع أن أنسى . واللفظة الأعجمية هي الطاسة، وهي وعاء يستخدم لسكب السوائل2«

عادة. والتعبير سكب طاسة باردة على رأسي هو تعبير دارج، ويستخدم عادة عندما يكون المرء منهمكا بأمر ما ثم يحدث طارئ ما فيوقظه من

انهماكه. ، في معرض حديثها مع مؤمنة، لإحدى بناتها: » أين الضيافة ياوردة وتقول

.3 أمام ست الأشراف «تسودي وجهيبسمة؟ هاتي ما يليق.. ولا لهذهوردة. واستخدام 4وكلمة ست استخدمت في العهد العباسي

، ولإظهار الاحترام الذيمؤمنةالمفردة جاء في محاولة منها لكسب ود حتى تستشيط غضبا،مؤمنةسبب زيارة وردة تكنه لها. لكن ما أن تعرف

. والكار هو المهنة5 « داشرر بيتالكاوتقول لها: » وهل تظنين بسلامتك أن أو الصنعة، ولكل مهنة قوانين يجب على المرء تعلمها والالتزام بها،

فالدخول في سلك البغاء له قوانينه الصارمة أيضا ويتطلب مثله مثل أية مهنة أخرى التزاما بالقواعد واحتراما للقوانين، وهو ليس مفتوحا لكل طالب

. لذا عندمالمؤمنة أن توضحه وردةكما يعتقد بعضهم، وهذا ما أرادت مؤمنة التي ما تزال تعتقد أن وردة يتزايد غضب مؤمنةيزداد إصرار

طلشراميتسخر منها فتقول: » ست الأشراف تطلب الدخول في سلك ا . ولفظة الشراميط هي جمع لـ )شرموطة( وهي » اسم المومس أو6«

العاهر بلغتهم، وهي تمارس الدعارة بأجر.. العاهر البغي، وأصلها)سرموزه( . والألفاظ السابقة في معظمها ألفاظ تركية،7وسميت بها لكثرة وطئها «

وهذا بالتأكيد عائد إلى المرحلة التي تجري فيها أحداث النص المسرحي.86، صـ1975- في النقد المسرحي، د. محمد غنيمي هلال، دار العودة، بيروت، 1.488، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ2.532، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 3.276- ينظر: قاموس المصطلحات والتعابير الشعبية، صـ 4.535، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 5.536- المصدر السابق، صـ 6.190- قاموس المصطلحات والتعابير الشعبية، صـ 7

117

وهي القرن التاسع عشر الميلادي؛ أي أنه كان قد مضى على الوجود التركي في الوطن العربي أربعة قرون. وحسب قوانين تطور اللغة وتغيرها

كان لابد لبعض المفردات التركية أن تصبح أساسية في لغة الاستخدام اليومي بفعل الاحتكاك المباشر من جهة ومحاولات التتريك التي كانت تسير

على قدم وساق في تلك المرحلة من جهة ثانية. يتخذ استخدام العامية شكلا جديدا بل ومغايرا.ملحمة السرابوفي

فالألفاظ التي تستخدمها الشخصيات فصيحة بمجملها، لكن التراكيب هي غير الفصيحة. هي تراكيب قريبة على لغتنا الحياتية اليومية، وهذا بالتأكيد نابع من المرحلة الزمنية التي تنتمي إليها أحداث النص المسرحي؛ وهي

العصر الحديث. ومن الطبيعي أن تكون الجمل ليست على ذلك المستوى . والعين1 على ابنتك «وضعت عينهامن الفصاحة. كما في قول بسام: »

في أثناء عملية الإبصار نستخدم لها التركيب التالي » وقع بصرها «. وأيضا . التعبير صحيح قواعديا إلا أنه ركيك2في قول الشيخ عباس: » دارت لي «

من ناحية الفصاحة اللغوية. وفي قول فاطمة نلحظ الأمر ذاته: » ومن داس . والدال )فاضية( عامي والفصيح أن3 للرقص «فاضيةعلى ذنبك... أتراني

تقول متفرغة. والكاتب هنا يلفت نظر المتلقي إلى قضية جديدة هي الاستخدامات غير الفصيحة للألفاظ الفصيحة. لأنها عندما تستخدم في غير

سياقاتها الصحيحة تكتسب صفة العامية، وهذا بالتأكيد نابع، كما ذكرتمسبقا، من سمات المرحلة التي يتحدث الكاتب عنها.

نتعرف إلى مفردات جديدة تتناسب وعنوانالأيام المخمورةوفي النص. لأنها مفردات نابعة من عمق المرحلة والوضع الذي تجري فيه أحداث

يحتفل الأولاد بعيد مولدفصل التمدن والرقيالنص المسرحي. ففي والدهم ويجعلون منه مناسبة يتخلص فيها الوالد من لباس التخلف ويستبدله

حسب رأيهم بلباس التمدن. وفي هذا السياق يجري الحوار التالي:» سلمى: ورمينا سترة العصملي.

سرحان: غير مأسوف على الزمن المولي.سلمى: وهذا ميتان التأخر والتخلف.

سلمى: ورمينا قنباز البشاعة والتنبلة..4 «سرحان: وارتدينا الصدرية ، وفوقها جاكيت...

وردت في الحوار السابق الكلمات التالية) العصملي- الميتان- القنباز- التنبلة- الجاكيت ( والملاحظ أن الألفاظ الأربع تنتمي إلى المرحلة التركية

واللفظ الأخير إلى المرحلة الفرنسية التي تمثل برأيهم التطور والتقدم والتحرر. وكلمة العصملي هي نسبة إلى العثمانيين، وربما تغيرت الثاء إلى

صاد لتسهيل اللفظ. والميتان والقنباز هي ملابس تركية ومثل هذه الكلمات من الطبيعي أن تدخل إلى اللغة الحياتية اليومية بوصفها أصبحت مفروضة.

واللغة دوما في حالة من التغير والتطور، لأنه منذ الجاهلية استخدمت.616، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 1.709 - المصدر السابق، صـ2.719 - المصدر السابق، صـ3.18-17- الأيام المخمورة، صـ 4

118

كلمات غير عربية مأخوذة من لغات الحضارات المجاورة. وفي فصل ، يدور الحوار التالي بين الصبيةالمفاخرة بين الطربوش والقبعة

والأراجوز: » الأراجوز: لأن أبطال الرواية وقورون. والناس الوقورون لا يرتدون إلا

الطرابيش. الصبية : دعني من الوقار والموقرين. الطراطير أليق من هذه

الطرابيش. الأراجوز: ألم ننته من الطراطير! لم نعد فرقة للقفشات الصغيرة

.1والنمر المستهلكة « هنا يتساءل المتلقي عن السبب الذي دفع الصبية للقول إن الطراطير أليق من الطرابيش، على الرغم مما للطربوش من دلالات على المكانة

الاجتماعية المرموقة وما للطراطير من دلالة على المكانة المتدنية. إلا أن . والطرطور هو2الطراطير ليست لباسا مستوردا كما هي حال الطرابيش

قلنسوة توضع على رأس المذنب لتجريسه، بينما يوضع الطربوش على رأس الرجل غالبا لإخفاء عيوبه كما تقول الصبية. وربما كلامها صحيح إلى

حد بعيد، لأن الطربوش أصبح يرمز إلى حقبة من التخلف والرجعية لارتباطه ولوقت طويل بالاحتلال العثماني الرجعي وغير المتمدن. وترد في الحوار السابق كلمة قفشة وهي كلمة عامية يستخدمها أصحاب الفرق الغنائية

الصغيرة الشعبية للإشارة إلى الفقرات التي يؤدونها. في وصف عشيقةسونيا تقول التلقين والتدريبوفي فصل

تلعبالمندوب السامي الفرنسي في بيروت: » وأين نحن منها! هي . 3 «نخشخش بالفرنكات، ونحن بالملايين

والسياق العام للحوار هو الذي يعطيه صبغة عامية. ونلحظ استخدام دالين أجنبيين هما وليدا تلك المرحلة وهما الملايين والفرنكات. فالمليون هو

عدد والفرنكات هي العملة الفرنسية التي كان التعامل بها مفروضا في البلدان الخاضعة لسيطرة الاحتلال الفرنسي. وفي الفصل ذاته يقول

تجعلينني أفرط: » يشهد الله أنك لسونيا البوري . وسأقول لك مختصرا ( كلامك يستحق نخبا يايرفع كأسهومفيدا، لن يصيبك الأذى ما دمت حيا.)

.4.. «كعب أبيضسونيا. يا الله.. )تجعلينني أفرط( نوع من التودد والتحبب.لسونيا البوري في قول

فهو لشدة رغبته بها يشعر أنه سيتناثر أجزاء صغيرة. فاللفظتان السابقتان فصيحتان نحويا إلا أن تركيبهما في السياق هو الذي جعل وقعهما غريبا،

وأعطاهما السمة العامية. أيضا قوله كعب أبيض هو تركيب عامي يقصد به أن يشرب محتوى الكأس بالكامل فلا يبقى إلا أثر بسيط لما حواه الكأس.

بعد أن يسمع رأيه في الحياةالبوري لسرحانوفي موضع آخر يقول

.20- الأيام المخمورة، صـ 1.178-177- ينظر: قاموس المصطلحات والتعابير الشعبية، صـ 2.29- الأيام المخمورة ، صـ 3.29- المصدر السابق، صـ 4

119

.5 «يعبئ المخوكيف يجب أن تعاش: » يشهد الله أنك تقول كلاما من البوريوالتعبير)يعبئ المخ( مجازي، لأن المخ مليء أصلا. وقصد

أثار إعجابه.سرحانالتعبير واضح، أي أن كلام ونلحظ أن الجمل العامية جاءت بمعظمها على لسان الشخصيات التي

تتمتع بالسوية الثقافية المنخفضة، الأمر الذي يتناسب وطبيعة هذه الشخصيات. والنصين اللذين خليا من الألفاظ العامية بشكل كامل تقريبا

ويعود ذلك إلى أنوبلاد أضيق من الحب منمنمات تاريخيةهما نص طبيعة النصين لا تقتضي وجود اللغة العامية؛ فأحداث المنمنمات تجري في

القرن الثامن الهجري، وفي بلاد أضيق من الحب الغالبية العظمة من الشخصيات تتمتع بسوية ثقافية عالية. ومما سبق نجد أن استعمال ونوس للعامية كان محدودا جدا، بل تبين أن جزءا كبيرا من استعمالاته ذات جذور

فصيحة.

الثالث: الفصل الرمز الفنــــي

.30- الأيام المخمورة، صـ 5

120

المبحث الأول: الرمـــــــــــــــز الدينــــــــــي.

اـني: الرمـــــــز ــــــ المبحث الثالتــــــاريخـي.

اـلث: الرمـــــــز ــــــ المبحث الثالأسطوري.

ةـ ــــــ المبحث الرابـــــــع: رمزيالأســــــــماء.

ةـ عن زوايـا غامضـة في النفس البشـرية، عبر الرمز بفعل طبيعته الإيحائيـةـ تركــزت لم تقو اللغة على الوصول إليها. كما أنه » تعبير عن حالــة وجداني في العقل البشري نتيجة هاجس متعلــق باللحظــات الأولى، اللحظــات الــتي

، عنــدما كــانت الطبيعــة هي الهــاجس الأول1كانت تحمل الفراغ المعــرفي «للإنسان البدائي الذي كان يجهل كل شيء عنها وعن ظواهرها.

فتين بكلام والرمز في اللغة: تصويت خفي كالهمس، ويكون بتحريــك الشــفتين، وقيــل: غير مفهوم باللفظ من غير إبانة بصــوت إنمــا هــو إشــارة بالشــ الرمز: إشارة وإيماء بالعينين والحاجبين والشفتين والفم. والرمــز في اللغــة

.2كل ما أشرت إليه بما يبان بلفظ بأي شيء أشرت إليه بيد أو بعين وفي البلاغة: » يستعمل المتكلم الرمز في كلامه فيما يريد طيه عن كافة الناس والإفضاء به إلى بعضهم...فيكون ذلــك قــولا مفهومــا بينهمــا، مرمــوزا

. 3عن غيرهما« وفي الاصطلاح الرمز» ما دل على غــيره دلالــة معــان مجــردة على أمــور حسية، كدلالة الأعداد على الأشياء، ودلالة أمور حسية على معان متصورة...

.15، صـ2008، 1 - هيكلية الرمز في الوجود، فيصل مفلح، دار الينابيع، دمشق، ط1لسان العرب، مادة ) رمز (. -2 ،2 معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، د. أحمد مطلوب، مكتبة لبنان، بيروت، ط-3

. 498، صـ1996121

ويطلق الرمز على حد في سلسلة المجازات يمثل حــدا ممــاثلا في سلســلة .1 «الحقائق

ــق وفي علم النفس الرمز هو:» كــل مــا يعطي معــنى أي كــل جــوهر يطب عليه النشاط المعرفي للتصور.. الرمز إنتاج ثقافي، يندرج في إطــار أنظمــة

.2التعبير والتفسير الخاصة بالجنس البشري« ــابقا ولا يختلف تعريف الرمز الأدبي عما جاء في تعريف مصطلح الرمز س لأنه أدبيا: » الإشارة بكلمة تدل على محســوس أو غــير محســوس، إلى معنى غير محدد بدقة، ومختلف حسب خيال الأديب. وقد يتفاوت القــراء في هم، فيتــبين بعضــهم جانبــا فهمه وإدراك مداه بمقدار ثقــافتهم، ورهافــة حســ

.3منه، وآخرون جانبا ثانيا، أو قد يبرز للعيان فيهتدي إليه المثقف بيسر « إذن ما الرمز إلا وجه من وجوه التعبير الفني، وهو بمــا يمتلــك من طبيعــة غنية وطاقة إيحائية يفتح آفاقا خلاقة أمام المبدع والمتلقي على حــد ســواء.ه والمبدع عنــدما يســتدعي هــذا الرمــز أو ذاك فهــو لا يدخلــه عنــوة في نصــ الإبداعي وإنما يجعله جــزءا من البنــاء الفني للعمــل الإبــداعي ككــل، ويخلــع عليه دلالات معاصرة تتناسب والتجربة التي يرغب الكــاتب في التعبــير عنهــا في عمله ليستطيع بوساطتها الولوج إلى الضمير الإنســاني العــام. ويســتقيةـ كـانت أم أسـطورية أم تاريخيــة بدقــة، ويسـقطها على المبدع رمـوزه ديني الواقع بطريقة جمالية فنية لأن » الرمز ليس تحليلا للواقع بل هو تكثيف لــه

ــل الأدبي.4« . وتتحقق قيمة الرمز في مدى انسجامه مع النسيج الكلي للعم وهذا أمر أدركه ونوس وأفاد منه في توظيف الرمز في نصوصه المســرحية.اـريخي، ـ وينقسم الرمز في نصوص التسعينات إلى: الرمز الديني، والرمز الت

والرمز الأسطوري، ورمزية الأسماء. المبحث الأول: الرمز الديني:

ينتقي ونوس الرموز الــتي يوظفهـا في نصوصــه المســرحية بعنايــة فائقـةةــ منهــا. ويميل إلى استخدام رموز مشتركة بين جميع البشر، وبخاصــة الدينيـوـس على الرمــوز فقد كان لها حضور بارز في نصوصه. وربما جاء تركــيز ون الدينية لما لها من تأثير في وجدان المتلقي العربي الذي اعتاد هــذه الرمــوز

تطالعنا عناوين المشاهد المحملة بالدلالاتالاغتصابوألفها. في مسرحية ةـ « أم ـ سواء أكانت في الحكاية الفلسطينية المعنونة » سفر الأحزان اليومي

ــاح ــة الافتت ــة » ترتيل ــة بداي ــرائيلية المعنون ــة الإس ــفر «في الحكاي ثم » ســع، النبوءات « لتحكي العناوين قصة صراع ضار عنيف.. لكنه جــزء متلاحم مةــ( عميقــة. ويشــتبك بناء تاريخي كامل، يمتد في الماضــي إلى جــذور )توراتي

. وفي ظــل هــذه المواجهــة5بكل معطيات الحاضر، على ضفتيه المتواجهتينـةـ لــدى كــل من الفلســطينيين والإســرائيليين، نتعرف إلى واقع الحياة اليومي

.384- المعجم الشامل للمصطلحات الفلسفية، د. عبد المنعم الحفني، صـ1 - موسوعة علم النفس، رولان دورون وفرنسواز بارو، تر: د. فؤاد شاهين، عويدات 2

.10444، صـ1997، 1للنشر والطباعة، بيروت، ط.124- المعجم الأدبي، جبور عبد النور، صـ 3 ،1984، 3- الرمز والرمزية في الشعر المعاصر، د. محمد فتوح أحمد، دار المعارف، ط 4

.137صـ - ينظر: قضايا وشهادات/سعد الله ونوس/الإنسان، المثقف، المبدع، إشراف: د. عبد5

. 43الرحمن منيف، د. فيصل دراج، صـ122

وكيف يتعايش كل منهما مع حياته الخاصة ومع الآخر، في ظل حــرب دائمــةبينهما. تهدهــدســارة بنحــاس نــرى سفر النبوءات/ المقطــع الثــاني في

في مهــده بالحكايــة التاليــة عن داود عليــه الســلام، تقــول:»دافيدحفيــدها ــال ونظر جوليات داود، فاستخف به لأنه كان غلاما أشقر جميل المنظــر. وقماء ووحش القفــر. وكــان لمــا جوليات لداود.. هلم فاجعل لحمك لطــير الســ نهض جوليات، وازدلف لملاقاة داود، أن داود مد يــده إلى الكتــف وأخــذ منــه حجرا، وقذف بالمقلاع، فأصاب جوليــات، وانغـرز الحجــر في جبهتـه فسـقطــف على ــ ــركض داود ووق ــ ــيف. ف ــ ــد داود س ــ ــه. ولم يكن في ي ــ على وجه

ة ترويهــا الجــدة1الفلسطيني.. وأخذ ســيفه وقطــع بــه رأســه « . هــذه القصــ لحفيــدها الــذي مــازال في المهــد وهــو بالتأكيــد لا يفهمهــا لكنهــا ترويهــا لــه ليعشش كرهه للفلسطينيين في أعماقه منذ نعومة أظافره حتى لا يســتطيع الفكاك من مشاعره في كبره حتى لو حاول. هي تروي له هذا المقطــع منغير عنــدما يبــدأ وعيــه بالتشــكل لن يفهم قصة داود عليه السلام؛ وهــذا الصــ المغزى الحقيقي من القصة، بل كل ما ســيفهمه هــو أن الفلســطيني عــدوه منذ القدم، وقتله واجب مقدس يفرضه الدين والــوطن من جهــة، ومن جهــةهـ وإن فـاقهم الفلسـطينيون ثانية تـزرع الثقـة بالنصـر في نفس الطفـل، لأن

ــة لصــالحهم . وعنــدما يعتــاد2عددا فهم يفوقونهم ذكاء وهذا ما ســيرجح الكف الطفل منذ صغره على كلمات مثــل القتــل وســفك الــدماء وقطــع الــرؤوس فلن يكــون من العســير عليــه مطلقــا أن يقتــل ويــذبح بلا رحمــة لأن تربيتــهــل الــدين تفرض عليه هذا الأمر بل وتعده واجبا مقدسا. وهنا نــرى كيــف يفعــير موضــع في حياة الأفراد بشكل سلبي بعيد عن مضمونه الحقيقي. وفي غ

الرضيع واحدا من مزاميرها المفضلة، تقول:دافيد نراها ترتل على مسامع » تقلد سيفك على فخذك. وبجلالك اقتحم. شعوب تحتك يسقطون. اسمعي يا بنت وانظري. انسي شعبك وبيت أبيك. الملك يشــتهي حســنك، فاســجدي

الصغير أو تذكر نفسها بجبروت داود الملكدافيد تذكر سارةلا تفتأ .3له « وقوته، ربما لأن ذكراه تشعرها بالراحة والطمأنينة من جهة أن الفلسطينيين لن يكونوا قادرين على هزيمتهم مطلقا، وأن تــربي هــذا الطفــل على فكــرة أنه لا يهزم ولا يقهر كما الملك داود وهذا ســيعطيه حــافزا على التقــدم دوناــني الــذي يبــدأ بقولهــا: ق الث شعور بالخوف أو الضعف من جهة ثانية. والشــ »اسمعي يا بنت..« هي بهذا القول تعطي لكل يهودي صهيوني الحق في أن يأخذ أي شيء قد يشتهيه، أو يرغب فيه إن كان من حقــه أم لم يكن. كــذلك الأمر إن أراد صاحبه أم لم يـرد. وهنـا تتـداعى إلى الـذهن قصـة تغريـر داود

هــذا المزمــور في مواضـع عــدة من النص الأمــرسارة. وتردد 4بزوجة أورياـوـس أن يوصــلها هيوني يحــاول ون الذي يشي بآلية ومنهجية في التفكــير الصــ إلى المتلقي العربي كي يساعده على فهم عــدوه الأمــر الــذي قــد يســاعده

سلبيا.سارةمستقبلا في التغلب عليه. ومن جديد يكون توظيف الدين لدى .84، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 1 - ينظر: داود الملك في النهج الصهيوني المعاصر، محمد وحيد خياطة، مجلة المعرفة، 2

. والأسطورة والحقيقة في التوراة، زنزن1983، كانون الثاني،251دمشق، العدد.254-234، صـ1،1996كوسيدوفسكي، تر: د. محمد مخلوف، دار الأهالي، دمشق، ط

.87، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 3.255-254- الأسطورة والحقيقة في التوراة، صـ 4

123

لأن الغرض منه هو القهر والظلم والتجــبر على الخلــق، وهي أمــور ترفضــهاالأديان السماوية.

ــأتي في ـبـي ســفر الخاتمة وي ســعد الله في حــوار بين إرميا ذكــر النةأبراهــام حــول إمكانيــة وجــود شخصــية مثــل أبراهام منوحينو رافضــ

ــل ــدث في ظ ــتي تح ــانية ال ــير الإنس ــات غ هيوني والممارس ــ ــف الص للتعسالاحتلال:

هيونية » سعد الله : إنك تبصر أن الدرب التي يسلكونها خطيرة، وأن الصــالتي يستهدون بها

ــه وشــعبه؟ كــان لســانه يرعــد ــا عن أهل ورطــة. هــل تخلى إرميباللعنات أما قلبه فكان يتفطر حنانا.

الدكتور : ولكن من أصغى إلى إرميا؟.1 سعد الله : سيأتي وقت ويصغون «

ـهـ كــان بــي إرميــا إلا في نهايــة النص لكن الحقيقــة أن ربما لم يأت ذكــر الن منذ البداية؛ وهــو الــذي يطالعنــا فيأبراهام منوحينحاضرا في شخصية

هذه مملكة العصاب والجنون. الرأس كله مريض» بقوله:ترتيلة الافتتاحــه ــحة في ــرأس لا ص ــدم إلى ال ــقيم. من أخمص الق ــه س .2«والقلب بجملت

أبراهام يرثي للحال التي وصل شعبه لها، كما رثى إرميا النــبي شــعبه يومــا،هـ عـرف النتــائج الـتي هـ حـاول مطــولا ردهم عن بغيهم لأن على الرغم من أنــا عليهم، إلا أنهم ــتي من به ــه ال ـرـهم وإجحــافهم بنعم الل ســتترتب على تجب تجاهلوه ورفضوا الإصغاء لنصحه لكن إرميــا لم يستســلم وأصــر على تحــذير أبناء شعبه من مغبة أفعالهم فمــا كــان منهم إلا أن ســجنوه. ويســتمر حــزن

ــه أبراهام ــاء علاج ،لإسحقبالازدياد بسبب الحقائق التي اكتشــفها في أثنهــ لا إنســان يقول: » جعلــوا كــرمي خرابــا ينتحب إلي. قــد خــربت الأرض لأن

ــه « ــه من3يتأمــل في قلب ــأملوا مــا يقومــون ب ــاء شــعبه وت ــو توقــف أبن . فل ممارسات وحشية ولا إنســانية بحــق الفلســطينيين لأدركــوا أنهم لا يزرعــون سوى الحقد والبغضاء، ولن يكون الجنى سوى الــدمار والخــراب كمــا حــدث

حقيقــة مقتــلإسـحقيوما لأورشليم. وتستمر الأحداث بــالتلاحق ليكتشــف حاملا كفنه على يديه، الأمــر الــذي يثــير حنــقمائيروالده، ويذهب لمواجهة

ــه أكــثر من ثمــرةإسحقالأخير وغيظه فيقتل بأعصاب باردة لأنه لا يرى في ، يقـول: » وأبيـد منهمراحيل مـا جـرى من أبراهامفاسدة. وما أن يعرف

صوت الطرب وصوت الفرح. صوت العروس وصوت العروسة صوت الرحىراج « الــذي يرمــز إلى صــحوة شــباب شــعبه،إسحق. وبمقتــل 4ونــور الســ

وتخليها عن طفلها يغيب كل أمل بمستقبل أفضل.راحيلوهجرة يرثي شعبا يرى أنه يسير إلى الجحيم بخطى حثيثة، لأن قادته لاأبراهام

يظلمون الشعب الذي اغتصبوا أرضه عنوة، بل ويظلمــون أبنــاء جلــدتهم منهـ وحتى يحكمـوا ســيطرتهم اليهود الـذين يعيشـون على أرض فلسـطين. لأن على هذه الأرض لا بد أن يخلقــوا وحوشــا ضــارية لا بشــرا وهم بهــذا الفعــلــأل ــانيتهم. ويس ــل تخليهم عن إنس ــوه، بفع ــوادة إلى التش ــدفعونهم بلا ه ي

.165، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.69المصدر السابق، صـ- 2.123المصدر السابق، صـ- 3.162المصدر السابق، صـ- 4

124

ــول سفر الخاتمة في أبراهام سعد عن مصيره في نهاية المطــاف، فيقجن، وأن يعطى رغيفــا منالله : »فأمر صــدقيا أن يــودع إرميــا في دار الســ

ــة. إنهم ــه من المدين الخبز كل يوم من سوق الخبازين، إلى أن ينفد الخبز كل يأتون بلطف، يبتسمون، ويحشرونك في القميص، ثم يمضون بك إلى إحــدى

بــيفأبراهام. وهنا يختلف الاستخدام 1المصحات« يوظف الرمز الــديني)الن ةــ أعمــالهم مســتعينا هــ يــرغب بتحــذيرهم من مغب إرميا( في خدمة شــعبه لأن بحــدث تــوراتي مهم في حيــاة اليهــود وهــو دمــار أورشــليم، وســبي اليهــود،

وتشردهم في الأرض نتيجة لضلالهم ورفضهم للنصيحة الحقة. ولا بد أن يلحظ المتلقي أن الرموز الدينية جاءت في الحكاية الإســرائيلية لا الفلسطينية. وربما الأمر راجع إلى أن الدين اليهودي هو الشيء الوحيد الذي يجمع يهود العالم المنتمين إلى أعراق مختلفة لا يجمــع بينهــا أي شــيء. لــذا يحاول قادتهم، قادة الصهيونية، صهرهم في بوتقة الدين الــذي لا يــرون منــه إلا الجــزء الــذي يخــدم أغراضــهم الاســتعمارية ويحافــظ على تماســكهم

.2وترابطهمـةـ في مســرحية الــتييوم من زماننا ويســتمر اســتخدام الرمــوز الديني

ـهـ قــائم، وآخــر قــائمفاروقيعاني فيها من التمزق بين واقع كــان يعتقــد أن بالفعل وفيه يتحرك كل من يعرفــه ويحبــه، يقــول: » لم يعـد لي زمــان، ولمـةـ وبيت ارع والمديري يعد لي مكان. ما اكتشفته في المدرسة والجــامع والشــ الست فدوى، لم يــترك لي في هــذا العــالم حجــرا صــغيرا أتطــوى فيــه. إني

ابق أحــداث اليــوم الــذيفاروق. يلخص 3وحيد وضائع « في المقبوس الســة قابيــل الــذي قتــل مر فيه. ويبدو أنه تداعى إلى ذهنه في تلك اللحظة قصــ شقيقه بغير حق، ولحقه شعور عارم بالــذنب نتيجــة الخطيئــة الــتي ارتكبهــا. وكان كلما حاول أن يجد مكانا يلجــأ إليــه يتجــدد إحساســه بفداحــة الخطيئــةــة إلى التي ارتكبها ويهيم على وجهه ضــاربا في الأرض حتى يصــل في النهاي

. لكن فــاروق لم يجــد حتى4مكان يلجأ إليــه، ليشــعر ببعض الأمن والطمأنينة جحرا صغيرا يخفف عنه شعوره بالوحدة والغربة والأسى الذي لحق به جراء ما عرفه في ذلك اليوم. وهنا يتخذ التوظيف معــنى مغــايرا لمــا اعتــدنا عليــه

لم يستطع أن يسامح أو يسوغ لنفســه أو أن يســوغ لمن حولــهفاروقلأن هم، على اختلاف أسباب التواطؤ، تجاه الواقع الذي يعيشون فيــه كمــاؤتواط

لو كانوا قطيعا من الماشــية لا حــول لهم ولا قــوة إلا الاســتجابة لرغبــة قائــدالقطيع ولو كان في رغبته هلاكهم.

بعد طقوس الإشارات والتحولات في مسرحيةبوردة وتضيق الدنيا ، وبعد أن تضيع مكانتها لأنألماسةأن يهدر مفتي الشام دم الغواني بسبب

ألماسة خطفت الأضواء منها ومن سواها، ولم يبــق لهــا شــيء تفعلــه ســوىام ــة الأولى بين غانيــات الشــ العيش على الفتات بعد أن كانت صاحبة المكان

متهمة إياها بالمكر ونكران الجميل الذيألماسةبلا منازع، فتأتي إلى منزل قدمته لها، بوصفها كانت معلمتها في الكار، في الحوار التالي:

» ألماسة: لا أنكر هذا الفضل، ولا أعرف ما الذي يغضبك الآن؟.167، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 1 - ينظر: قادة إسرائيل والسلام/ محاولة لدراسة العقلية الصهيونية الإسرائيلية، راشد 2

. 117-103، صـ1974، كانون التاني، 9حسين، الموقف الأدبي، العدد.246، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ -3.8-7 ينظر: الأسطورة والحقيقة في التوراة، صـ -4

125

وردة :.. ولا تعرف ما الذي يغضبني! سرقت عزي، وأطفأت ضوئي، وهاأنت تتسببين

بهدر دمي. ومــع هـذا تتصــنعين بــراءة يوســف، وتســألين لمـاذا أنـا. 1غاضبة! « في تلك اللحظة كانت صادقة تماما كما كان يوســف عليــهألماسة إلا أن

السلام صادقا عندما نفى التهمة الــتي وجهتهــا لــه زوجــة عزيــز مصــر. وهنــا يشعر المتلقي بتجذر قصص الأنبياء في ذاكرتنا مهما كانت ميولنــا واتجاهاتنــا التي نسلكها في الحياة، لأن هناك شــيئا أقــوى متجــذر في أعماقنــا لا بــد أنديد كمــا حــدث مــع طح في لحظــة الغضــب أوالانفعــال الشــ يطفو على الســ

التي وبحكم عملهــا لا بــد أن الــدين وتعاليمــه بعيــدان عن حياتهــا كــلوردةـوـس البعد، لكن التربية لا بد أن تترك أثرها في الشخصية وهو أمر أدركــه ون

وركز عليه عندما أبدع شخصياته. لها. كما كان يوسفوردة بريئة بالفعل من الاتهام الذي وجهته ألماسة و

ـهـ ـوـس لأن بريئا من اتهام زليخة زوجة عزيز مصر. وهنا تكمن دقة ملاحظة ون وفي اللحظة التي اتهمت فيهــا زليخــة يوســف عليــه الســلام كــان بريئــا منة التوراتيــة. هـ تزوجهـا لاحقـا حسـبما تـروي القصــ تهمتها؛ على الـرغم من أن

التي عندما دخلت ســلك الغــواني لم تــدركألماسةكذلك الأمر فيما يخص ، وهــو أمــر لاوردةالمكانــة الــتي ستصــل إليهــا لاحقــا. وهــذا مــا لم تفهمــه

لم يصدمألماسة التي أصبحت مؤمنةنستطيع لومها عليه لأن ما جرى مع فقط بل هز أركان مدينة دمشق بأسرها. وردة

التي امتلأت بالرموز وهذا الأمر راجع إلى عنوانها،ملحمة السراب وفي ــل، » فالملحمة حكاية يمتزج فيها العادي بالخارق، ويختلــط الــواقعي بالمتخي ويتحاور البشر مع الآلهة، ولعل أهم ما يمكن أن تحمله الحكاية، هو الإدهاش

اــلي» بيــع2والنوسان بين تصديق المادة المحكية وتكذيبها « . يرد العنــوان التــل « .3الأراضي في القرية يثير هيجانات وصدامات... وقابيل يقتل أخــاه هابي

ولا أحد يجهل قصة قتل قابيل لشقيقه هابيل نتيجة غيرته منه أولا لأنه حظي بالزوجة الأجمل ولأن الرب قبل قربــان هابيــل وباركـه. وفي ســورة المائــدة

ل من ﴿ يقـول تعالـــى: اــ فتقب اــ قربان ب اــلحق إذ قر أــ ابني آدم ب ــل عليهم نب واتل من الآخر قين. أحدهما ولم يتقب ـهـ من المت ل الل مــا يتقب ك قــال إن قــال لأقتلن

لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخــاف اللــه.4﴾ رب العـالميـن

قتل قابيل لهابيل كان مسوغه الغيرة، وهي غيرة مفهومة فهابيل حظي بكل شيء. رضا ربه والزوجة الجميلة بينما قابيل لم يحظ بشيء، ومــا فعلــه هو أمر لم يحدث من قبل أي أنه الأول الذي ارتكب هذا الإثم. أمــا مــا فعلــه

فلا مسوغ له سوى الطمع والجشع والأنانية لأنه اعتاد أخذ كل شيءمروانــروان الذي ترك التعليم ليتم أمينولم يعتد العطاء الذي كان من نصيب م

تعليمه، وتزوج من الفتاة التي أفسدها شــقيقه المتعلم لأن الأخــير رفض أنــانت ــدرها الأرض ك يتزوجها بوصفها ليست من مقامه، والأموال التي كانت ت

.584، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ1.53- قراءات سيميائية في مسرح سعد الله ونوس، صـ 2.629، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 3.﴾28-27﴿ - سورة المائدة 4

126

ـاـ كــانت الأســباب ليكمــل تعليمــه في المدينــة. مروانأيضا من نصــيب وأي لم يكن مضطرا للقيام بما فعل إلا بدافع المحبة والإنسانية، لكن ذلــكأمين

لم يكن كافيا ليغطي جشع مروان الذي اعتاد الحصــول على كــل مــا يــرغبــا في ــتي لم يتعب يوم دون تعب أو مجهود. لذا نراه راغبا في بيع الأرض ال

هــ لم يجــبر أخــاه علىأمينالاعتناء بهــا أو رعايتهــا، الأمــر الــذي أغضــب لأن شيء يوما، ولم يطالبه بشيء على مدار سنوات طويلة، ويدور بينهما الحوار

التالي: »أمين : لن تبيع شيئا.

مروان: أتنكر أن لي نصف الأرض؟ أمين : قبل أن تتذكر مالك. حاول أن تتذكر ما عليك. منــذ عشــرين ســنة

وأنا أعمل كـأجير، تك أو ــه الأرض. دون أن أســأل عن حصــ وأعطيــك معظم مــا تغل

حصتي. والآن بعد أن تك من الأرض. ألا قطفت ثمرة كدي وشــقائي، تــأتي لتطــالب بحصــ

يـحق لنـا بعد أن توظفت، وصــارت لــك مكانــة ورواتب، أن نســتغل هــذه الأرض كي

نأكل حتى نشبع... .1 الأرض لن تباع مادمت حيا«

لا يشبه فأمينتنزاح القصة الأصلية عن مدلولاتها المعتادة. ومن جديد قاء في هـ لم يحـظ بشـيء ســوى التعب والشـ ةـ لأن ة القرآني هابيل في القصـ الحياة. لأنه فضل أن يكمل شقيقه النجيب تعليمه بإصرار شــديد حتى يكــونهـ لم يحصــل من هــذا هناك شخص متعلم في عائلته يفخر بــه وبنجاحـه إلا أن

الأخ سوى على النكران. نصــيبها منفضة وفي خضــم الأحــداث الــتي تعصــف بأهــل القريــة تنــال

عاصفة الجديد الجنونية، ونجدها تتحسر على الحال التي وصلت إليها بســبب زوجهــا الــذيلياســينطمعها وجشعها ورغباتها الدنيوية اللامتناهيــة، تقــول

يعجب من حالهــا الــتي انقلبت من شــخص مــادي غــارق في الــدنيا ومتاعهــا وملذاتها إلى شخص متطرف في روحانيته وانقطاعه عن الــدنيا: » آه.. تلــكــات، حين كنت أحس أن ـاـم، حين كنت أشــعر أني لا أحصــل إلا على الفت الأي جوعي لا يشبعه كل ما في العالم من طعام، وأن عريي لا يستره كل ما في

. ولا يغيب عن ذهن المتلقي تلك اللحظة التي شــعر فيهـا2العالم من ثياب « آدم وحواء بعريهما وحاولا ستره بورقة الشجر بعــد عصــيانهما لوصــية الــرب

ــالعري فلم تســتطع فضةلهما بألا يقتربا من الشجرة المحرمة. أما شعور ب كل ثياب العــالم أن تســتره ليس لإحساســها بالــذنب ولكن لجشــعها ونهمهــا اللذين كانت تشعر أنه ما من شيء يستطيع أن يكفيها أو أن يســد النقص أو الفراغ الذي كان يملأ روحها وقلبها فالرجل الــذي هــو زوجهــا ليس رجلا بمــا فيه الكفاية، والعشيق الذي اختارته لم يستطع أن يلبي رغبتها في الحصــول على الحياة المترفة التي طالما حلمت بها. لــذا كــانت دومــا جائعــة ومــا من ثياب تستر عريها لأن الجوع والعري اللذين كانت تشعر بهما لم يكونا ماديين

.660-659، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ- 1.712، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 2

127

بل كانا جوعا في روحها وتوقا متوقدا لشيء أكــبر منهــا وأكــبر من أن تصــلإليه.

ولا بد أن يتساءل المتلقي لماذا جاءت التوظيفات الدينية في الأغلب على لسان شخصيات ليست متدينة بالمجمل. ربمــا ليلفت الكــاتب نظــر المتلقي إلى تجذر قصص القــرآن الكــريم في الــذاكرة تلــك القصــص الــتي نســمعها أطفالا ونستمتع بها كبارا ثم تحفــر في ذاكرتنــا على مــر ســنوات طويلــة ولا يمكن نسيانها أو نسيان أننا سمعناها يوما وأثرت فينا إلى الحــد الــذي تظهــرــها في فيه في لحظات لا نتوقعها في الغالب لكنها موجودة وتفصح عن نفس مناسبة أو أخرى. فلماذا لا نتعظ منها، ونتوقف عن تجاهل الحقيقــة وتجاهــل

خبرات من سبقونا.ــيق من الحب وفي إيفا بث الأمـــان في نفس نبيل يحـــاول بلاد أضـ

رير، وطمأنتها، يقــول: » نحن الآن في مكــان آمن. انظـري.. فــوق هـذا الســةـ ومكرهــا « . في روايــة1سنقضم تفاحتنا المحرمــة، ونتكهــرب بنعومــة الحي

العهد القديم حواء هي التي تقنع آدم بالأكل من الشجرة المحرمة وهي التيــع فنبيلتســتمع لوسوســة الأفعى. أمــا في هــذا النص إيفا هــو الــذي يقن

ويحاول طمأنتها هي التي تشعر بالقلق والخوف من المفاجأة لأنها تعبت من يسـتخدم التوظيـفنبيلالانتظار والخـوف الـذي كـان يلاحقهمـا كظلهمـا. و

بشيء من السخرية المبطنة لأنه فقد إيمانــه منــذ زمن بعيــد كمــا يشــير فيـهـ النص. هو يعلم أن ما يفعلانه ليس مسموحا في عرف الدين والمجتمع وأنـهـ ـهـ يعلم جيــدا أن حب بفعلته إنما يرتكب معصية ورغم ذلك يبــدو لا مباليــا لأن

صادق وحقيقي. لــذا هــو لن يتــوانى عن حبهــا من أجــل واقــع مــريضلإيفا وعادات بالية. ويخفي كلام نبيل بتلك الطريقة غضــبا وحزنــا من وعلى واقــع

ضاق بحب صادق ونبيل كالذي جمع بينهما.

المبحث الثاني: الرمز التاريخي: طالما كان التاريخ مستودعا ثريا استلهم منه عــدد من أدبائنــا المعاصــرينعر. موضوعات نصوصهم الأدبية سواء أكانت في الرواية أو المســرح أو الشـــاـريخ في نصــوص عــدة. وفي نصــه ـوـس لأحــداث الت ولا يخفى اســتخدام ون

اتكأ على واحدة من وقائع التاريخ وهي فترةمنمنمات تاريخية المسرحي هـ(.803 لمدينة دمشق سنة) تيمورلنكحصار

ـوـع من الأدب الــذي يطــالب بإعــادة ـةـ » لهــذا الن وتنتمي منمنمــات تاريخي النظر ليس فقط بالقناعات التاريخية السائدة والمستقرة، بل ويطالب أيضــا بمناقشة: المواقف الأخلاقية الــتي يجب أن تتســم بهــا الثقافــة؛ العلاقــة بين المعرفة والسلوك؛ دور الثقافــة والمعرفــة، وهــل يجب أن يكونــا في خدمــةاــس وصــقل أرواحهم؛ العلاقــة بين لطان، أو في زيــادة وعي الن القــوة والســــني ــاذا يع ــال؛ ثم م لطة والم ــراءات الســ ــف وإغ ــوح المشــروع للمثق الطم

. لا بــد أن2المثقف.. هل هو مجرد تقني أم صــاحب وجهــة نظــر وضــمير؟ « يصطدم المتلقي بالقضايا السابقة في أثنـاء قراءتـه لنص المنمنمـات. نظـرا

ــه هي شخصــية عبد الــرحمن ولي الــدين بنأن الشخصية المحورية في

.49 - عن الذاكرة والموت، صـ1، صـ1998 - لوعة الغياب، عبد الرحمن منيف، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 2

29-30.128

وــس مرحلــة محــددة وإشــكالية من حياتــه هي فــترةخلدون الذي اختــار ونوء على هــذهتيمورلنكوجوده في دمشق في أثناء حصار لها ليســلط الضــ

المرحلة من حياته بوصــفه علمــا من أعلام العلم، ورمــزا من رمــوزه. فــابن خلدون ينتمي » إلى بيت من بيــوت الرياســة في الأنــدلس يرجــع إلى عصــراــد على إشــبيلية ســطع نجم الفتح ذاته.. وفي عهد الطوائف واستيلاء بني عب

رــ حــال1الأســرة ورقت إلى مــراتب الرياســة والــوزارة« . ثم مــا لبث أن تغي ملوك الطوائف فارتحلت الأسرة إلى المغرب العربي وهناك غدت نافذة فيــد تلقى ــة وعلم فق ــأ في بيت رياس ــدون نش ـاـم. ولأن ابن خل ــات الحك بلاط العلوم والمعــارف على يــد خــيرة الأســاتذة. واســتطاع أن يكــون الكثــير مناــم والــولاة على تقريبــه منهم التجارب والعلاقات وسطع نجمه، وتنــازع الحك نظرا لمكانته ودهائه. وقد تقلبت ولاءاته من حاكم إلى آخر حســبما اقتضــت مصلحته الشخصية و» حتى في ظل الفوضى السياسية التي سيطرت خلالاـلي فترة معينـة، كـان ابن خلـدون لا يخطئ في اختيــار مواقـع قدميـه، وبالت

. ابن خلــدون كــان رجــل2يســتطيع أن يكــون في جــانب الجهــة المنتصــرة «هـ عـالم اجتمـاع لا يشـق لـه غبــار. فلمـاذا اختـار سياسة محنك إلى جانب أن

هـ من حياة ابن خلدون تحديدا؟!!803ونوس الفترة الزمنية ربما » لتشابه عدد الوقائع والمناخــات الــتي عاشــها ابن خلــدون والفــترةــرـدي والانقســـام واختلاط القيم الزمنيـــة الـــتي نعيشـــها الآن، من حيث التــف ــا يتطلب من مواق ــازي، وم ــر، الغ ــة الآخ ــا في مواجه ــاهيم، وأيض والمف

ــاج3وسلوك، سواء أكانت في الرفض أو القبول « . لأن المراحل الحرجة تحتــترض أن إلى مواقف دقيقة ومدروسة. وهنا يأتي دور المثقف الذي من المف واجبه الأساسي هو تنوير العامة بما يجب عليهم فعله لمواجهــة المحن الــتي

ـوـس رؤيــا متكاملــةمنمنمات تاريخيةتمر بهم. وفي يقــدم ســعد اللــه ون لمرحلة زمنية حرجــة من تاريخنــا العــربي، وقــراءة جديــدة لواحــدة من أهم الشخصيات العربية المثقفة. نرى ابن خلدون في منمنمــات تاريخيــة »ــذه ــوره وســط ه ـاـس، المتفقين والمختلفين. وظه ــة من الن ضــمن مجموع النماذج والمواقف المتعددة والمتباينة تبرز إمكانياته من ناحية، وتبرز حقيقــة

. فالمدينــة تتــأرجح بين راغب في4قناعاته وجوهر مواقفه من ناحية ثانية « تسليمها إلى التتار ورافض لهذا الأمر بشكل قاطع، والناس تائهة لا تدري ما العمل. فلا هم يعرفون إن كانت لديهم القدرة والطاقة للــدفاع عن مــدينتهم في وجه الغازي، ولا هم يعرفــون إن كــان التســليم هــو الحــل لأنهم أصــبحوا

على علم بما فعله التتار من قتل وتدمير في حلب. الشيخ برهــان الــدين في المنمنمة الأولى:ابن خلدون ونتعرف إلى

يخ 8)تفصيل في التاذلي أو الهزيمة ، يقــولالتاذلي( في مــنزل الشــ : »حين تريد أن تسجل الوقائع ينبغي أن تسيطر علىشرف الدينلتلميذه

شــرف. وفي فــورة حمــاس 5الانفعــالات والعواطــف، أو أن تلغيهــا تمامــا« يدور الحوار التالي بين الأستاذ والتلميذ:التاذلي لما يفعله الشيخ الدين

- ابن خلدون- حياته وتراثه الفكري، محمد عبد الله عنان، لجنة التاليف والترجمة1.18، صـ3،1965والنشر، القاهرة، ط

.38،صـ1998- لوعة الغياب، عبد الرحمن منيف، المركز الثقافي العربي، 2.30- المرجع السابق، صـ 3.50المرجع السابق، صـ - 4.359، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 5

129

» شرف الدين: وجود أمثاله يؤكد الثقة بالنصر. ابن خلدون : النصر!

شرف الدين: أتتنبأ بالخسران يا سيدي؟أـ، بـل لنعـاين ونسـجل« . هـل1 ابن خلدون : لا أتنبأ بشيء. ما جئنا لنتنب

ـهـ؟! المدينــة تغــرق في حقا يتطلب الأمر من العالم الحقيقي هــذا الحيــاد كل الغوغاء وهو يريد أن يعاين ويسجل، هل هذا دور المثقف الواعي تجاه وطنه

في ظرف كالذي كان؟!ـاـس علىشرف الــدين وعندما يعبر ــه في أن يحث أســتاذه الن عن رغبت

اــم إلا رجــل يضــربابن خلدونالجهاد يرد : »لا يتحدث عن الجهاد هذه الأي . لكن التلميذ يصر على رأيــه لمــا2في الوهم، أو يريد أن يلبس على الناس«

اــس في الجهــاد والـدفاع عن مــدينتهم، فيجيبــه رآه من رغبة عميقة لــدى النيف أم كي أســجل الأحــداث وأستصــفي الأستاذ: » هل جئت كي أحمــل الســ

.3زبدتها وعبرتهــا؟ حــذرتك مــرارا أن الهــوى والانفعــال يفســدان البصــيرة «ــير للعجب هــو رأي فمــا تواجهــه دمشــق ليس مشــكلةابن خلــدونوالمث

بسيطة بل كارثة مدمرة، وهو يرى أن واجبه هو تدوين الأحداث. وأين العبرة في أن يشــاهد مدينــة تــدمر دون مقاومــة أو رفض من أهلهــا. هــل يجب أنعف حقــا! ولا يكتفي يواجه الإنسان مصــيره بهــذا الكم من الاستســلام والضــ

،التــاذليبالتعبير عن رأيه في هذا الأمر بل ويعبر عن سخريته ونفــوره من . ربمــا4يقول: » لم يكن التاذلي إلا موسوســا وأنــا أنفــر من الموسوســين «

قد غالى بعض الشيء في ما آمن به لكنه مات فــداء لمــا أرادالتاذليكان ـاـس فيهــا أن تحقيقه، ربما موته لم يحرر المدينة لكنه ترك فسحة ليأمــل الن

ـهـشرف الــدينالقادم قد يكون أفضل. وهذا الأمــل انتقــل حقيقــة إلى لأن لمس بنفسه أن الناس لديها رغبة صادقة في الــدفاع والتصــدي. ومن جديــد يحاول الأستاذ تهدئة حماس تلميــذه: » إذا لم تســيطر على فــورة عواطفــك

. عنــدها يبــدو أن صــبر التلميــذ قــد نفــد5فلن تحوز ملكة العالم وشــروطه « ويسأل أستاذه السؤال الجــوهري الــذي كــان يجــول في خــاطره منــذ بدايــة

: » إني أتساءل فقط يا سيدي.. هــل يجــوز أنشرف الدينالنقاش، يقول يسلك العالم إزاء المحن التي تصيب قومه وبلاده مسلك الحيــاد؟ وهــل هــذا

ــه 6من شروط العلم ونزاهتــه؟ « ــاابن خلدون. ويجيب ــه: » ســألتني ي بقولــا شرف الدين عن الحياد، وأقول لك إن ابن خلدون الإنسان ليس محايدا كم تظن، لكنه واقعي، ويعرف قــوانين الأحــداث ومجراهــا. جئت إلى الــدنيا في زمن الاضــمحلال. وكلمــا كــبرت وأمعنت النظــر، مــا وجــدت حــولي إلا آثــار

. حتى وإن كــان الاضــمحلال مستشــريا فهــل يكــون7الاضمحلال وعوارضه « اليأس والاستسلام هما زاد الإنسان وهو ينتظر مصيره المحتــوم حســب رأي

ــيحةابن خلـــدون ــدتهم بالنصـ ــاء جلـ ــل العلم على أبنـ ــل أهـ ــل يبخـ ، وهـ موقف أستاذه منه، لأنه حسبشرف الدينوالمشورة؟! هذا أمر لم يفهم

.362، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 1.392- المصدر السابق، صـ 2.393- المصدر السابق، صـ 3.393- المصدر السابق، صـ 4.394- المصدر السابق، صـ 5.395- المصدر السابق، صـ 6.403- المصدر السابق، صـ 7

130

بل الــتي يعــالجون ما يعرف » كان العلماء دائما يحلمون، ويبحثــون عن الســاــس تصــورات عن مجتمعــات فاضــلة تليــق بها علــل عصــرهم، ويضــعون للن بالإنسان والمجتمــع الإنســاني. ألم يضــع الفــارابي كتــاب )آراء أهــل المدينــة

. صــحيح أن العــالم يجب أن يتمتــع بالحيــاد والموضــوعية فيمــا1الفاضلة(؟ « يكتب. لكن في المحن تقع على عاتقه مهمة التفكــير لإيجــاد الحلــول لا حث الناس على الاستسلام لليأس والقهر بانتظار قدرهم المحتــوم الــذي لا مفــر منه. وحتى عندما تفرغ جعبتهم من إيجــاد أي منفــذ للمشــكلات الــتي تواجــه شعبهم فعليهم أن يتسلحوا بالحلم المبني بالتأكيد على أسس صحيحة وقوية

ــعابن خلدونليجدوا مخرجا مناسبا. ويستمر ــتي تنب في دفاعه عن آرائه ال من وجهة نظره الخاصة والتي لشــدة خصوصــيتها تنفي عنــه التمتــع بالحيــاد والموضوعية الــتي يــدعيهما، يقــول: » هــؤلاء لم يعرفــوا علم العمــران. ولمـةـ. هــؤلاء ـرـات الحتمي ينكشف لهم ما يطرأ عليه من العوارض الذاتية، والتغي لم يفهموا أن كل حادث من الحوادث ذاتــا كــان أو فعلا لا بــد لــه من طبيعــةه في ذاتــه، وفيمــا يعــرض لــه من أحوالــه. إن للعمــران قــوانين ثابتــة تخصــ ومطردة كتلك التي تحكم الفصول في تعاقبها، والليل والنهار في اختلافهما.ــدول يمكن تغييرهــا ــون أن أحــوال ال ــذي جعلهم يتوهم وهــذا الجهــل هــو ال

. لكن المسوغات2بالوعظ والإرشاد، أو يمكن إقامتها على التمني والأحلام « التي يقدمها الأستاذ لا ترضي التلميذ يجدها مسوغات غير منطقية، يقــول: »ــأس. إذا كلما قرأت فصلا من فصول المقدمة شعرت بالانقباض وأدركني الي كانت ظواهر العمران لا تحدث باختيار، وإنما بضرورة الوجود وترتيبه، فمــاذاــخ ــتعداد للتفسـ ــان، والاسـ ــترك لهم إلا لبس الأكفـ اـس؟!... لم تـ ــ يبقى للن

ـةـابن خلدون. لكن 3والانحلال « ـهـ مــا من إمكاني يصــر على رأيــه ويــرى أنهــ لا دور لهم في الحيــاة ســوى أمام العامة إلا الإذعان للتغيرات الكبيرة وكأن

ــاشرف الدينالسير كالقطيع إلى قدره المحتوم. الأمر الذي يثير حنق كميبدو في الحوار التالي:

»شرف الدين: لو أن سيدي يثق بالشعب، ويوليه ما أولى الملوك من النظر والاهتمام!

ابن خلدون : في هذا الغروب الشامل قد تكون قبسة الضوء الوحيدة هي وصف هذا الغروب والشهادة عليه..

شرف الدين: حين تلم بنا الخطوب، ويهدد الخطر وجود الأمة، من المحزن ألا يكون لدى العالم ما يفعله إلا وصف المحنة! ابن خلدون : حين تلم بنا الخطوب، ويهدد الخطر وجود الأمة، من المحزن ألا يكون لدى الأمة من تستنجد به إلا علماء بلا

. 4 قوة أو شوكة «ــا العامة كما يبدو من الحوار لا تثير اهتمام ابن خلدون بل ويتعامــل معه كأشياء لا قيمة لها ولا جدوى من أفعالها. وبدل اســتهتاره بهــا كــان عليــه أن يمارس الدور الموكـل إليــه وإلى كـل مثقـف وعـالم ملــتزم؛ ألا وهـو توجيــه العامة وقيادتها في تلك الظروف المظلمة. فما أهمية العلم والمعرفة إن لم تكن ستوظف في خدمة الإنسانية وسعادتها! أما المحنة فهو يرى أنه مــا من

.404، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 1.405، صـالمصدر السابق- 2.405، صـالمصدر السابق- 3. 407-406، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 4

131

إمكانية لفعل شيء سوى وصفها والشهادة على وقوعهــا. وهــو يرفــع نفســهــداث فوق العامة لأنه وبما يملك من علم ومعرفة سوف يستطيع وصف الأح

ابنبدقة وموضوعية لم يسبقه أحــد إليهــا. وفي أثنــاء الحــوار الســابق كــان يجهز نفسه لملاقاة تيمورلنك محملا بالهدايا التي تليق بمقام الأمــيرخلدون

حسب قوله. فهل » نسوغ لابن خلدون اســتهتاره بالأصــوات المذبوحــة، لأن الزمان الذي يعيش فيــه هــو زمــان الاضــمحلال، وأن البلاد الــتي يعيش فيهــا مغزوة بلا غزو، أهذا هو العلم الذي يريد ابن خلدون من تلميــذه أن يتعلمــه؟

ــارة ابن خلدون. ولو اكتفى 1« تيمورلنك بزي ــه لكــان أمــرا والتقــرب من مفهوما وهو الذي عرف دوما برغبته في التقرب من مراكز القوة والسلطة؛

شــرفلكن أن يقدم له المغرب العربي بتلك البساطة هو الأمر الذي أذهل : الدين

ــك تقــدم لــه يــا » شرف الــدين : أأنــا من يــدلك على دلالتــه ومغــزاه؟! إنسيدي، المخطط الذي

يحتاجه لغزو بلادك. ابن خلدون : إذا كان سيغزو المغرب، فإنه لن يعدم وسيلة...

شرف الدين : ولكن هذا لا يبرر أن تساعده ... أن تتواطـأ معـه... وتقـدمله البلاد عارية،

.2 ومكشوفة، هذه يا سيدي... إن هي إلا خيانة « يحاول التلميذ من خلال حوار منطقي أن يــبين لأســتاذه الخطــأ الــذي هــو

عن عزمــه في تحقيــقابن خلــدونعلى وشك ارتكابه، لكن ذلــك لا يثــني ، بل ويقول لتلميذه: » إنك تخيبني يا شرف الدين. لن تغدوتيمورلنكرغبة

شرف الدين. فهل ما قاله 3عالما إذا ظلت تكبلك التوجسات والوساوس« وساوس؟ وهل تقديم البلاد للغازي على طبق من ذهب هو الأمر المنطقي؟

وســاوس وتوجســات فمــا هي الحقيقــةشرف الـدينإن كان ما يفكر فيه لم يعد حيــادا بــل هــو تواطــؤ وخيانــة. وهــلابن خلدونإذن؟!! وما يدعيه

لطان! شرف الــدينيقتضي العلم أن يبيع الإنسان أهله لأجل الجاه والســــل لا يستطيع أن يتحمل برود أستاذه، فيقول: » هذا العلم البارد الذي يبرر كــه، هــذا العلم وسيلة، ويلتقط مقولاته من خراب أوطانه، ومذابح قومــه وأهلــة دون وســاوس. الذي لا يبالي بالأنين، والذي يحتقر الدموع، ويتورط بالخيان

. فهــل قصــد4هذا العلم يا سيدي، لا نحتاجه، ولا يلهمنا إلا الأسى والخــوف «شرف الدين العلم فقط، أم أنه عنى العلم والعالم؟! هو قصد الاثنين معــا

الح العــام. لأن علم العالم المثقف ومعرفته يجب أن يوظفــا في خدمــة الصــ عن أســتاذه وقبــل رحيلــه يســألهشرف الدينوفي نهاية المطاف ينفصل

السؤال الأخير في الحوار التالي: » شرف الدين: ماذا سيقول التاريخ عنك يا سيدي؟

ــاب الــذي ــه، والكت ـاـريخ إلا العلم الــذي أبدعت ابن خلــدون : لن يــذكر التوضعته. أما هذه

الأحداث والمواقف العــابرة، فلن يــذكرها إلا موســوس مثلــك،ومثل كاتب هذه

.40- قراءات سيميائية في مسرح سعد الله ونوس، صـ 1.416، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2.416- المصدر السابق، صـ 3.417، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ4

132

. 1 الرواية « كماابن خلدون مما سبق يتشكل لدى المتلقي صورة متكاملة لشخصية

الشخصــية الوحيــدة فيابن خلدونوردت في منمنمات تاريخية. ولم يكن نص المنمنمات التي تخاذلت وباعت بلادها فداء لمصالحها. لكن كان التركيز على هــذه الشخصــية نظــرا لشــهرتها، الــتي ملأت الأصــقاع، وموقفهــا غــير

ــا حجم ــانابن خلدونالمفهوم من الغزو التتري. لأن شخصية له ــه ك وثقل من المفترض أن تتبنى موقفا مغايرا تجاه الظروف والأحداث الـتي تمـر بهـا بلادها. و» يصعب تفسير سلوك هذا العالم الكبير بمجرد الطموح السياسي،ــة أو القلق، أو رغبة المغامرة والاكتشاف. إنه شخصية بالغة التعقيد، مزدحم

ــف عــربي بــدوره2بالرموز والاحتمالات« . وربما أراد ونوس أن يذكر كل مثقــف المتكامــلابن خلدونوواجبه تجاه شــعبه وأرضــه. لأن هــو رمــز للمثق

ــقط ــالآخر جعلاه يس ــتخفافه ب ــه واس ــروره بنفس ــة؛ إلا أن غ العلم والمعرف سقطة لا مجال لغفرانها أو نســيانها فالخيانــة غــير مــبررة في ســلوكه، ومن

ـوـس في عب التغاضــي عنهــا. ون تنــاول » برؤيتــهمنمنمــات تاريخيةالصــ المعاصرة، القضايا التي تهم العصر، وهــو إن حافــظ على الأســماء والقبائــل والأماكن في » منمنمات...« فهو يصور لنا واقع العرب كــأي واقــع في هــذهع من دول العـالم الغـربي، كمــا المرحلة. ويصور تيمورلنـك كـأي غــاز متوســ يصور أيضا انهيــار أي مدينــة وســقوطها وانكســارها في ظــل تحــالف عــربي

ـةـ بوصــفها رمــزا لا3ســقيم « ـوـس هــذه الشخصــية التاريخي . وقــد وظــف ونــا ــل لأنن ــا الطوي ــا ليحــدثنا عن تاريخه ــذاتها، ولم يوظفه شخصــية مســتقلة ب نستطيع الاطلاع عليه في كتب التاريخ، بل ليسلط الضوء على جوانب معينة

فيها وهي تلك الجوانب التي تتشابه مع ما يجري في واقعنا الراهن. والأمــر ذاتــه ينطبــق على الحقبــة التاريخيــة الــتي كــان لهــا حضــورها في نصوصه أيضا. إذ نراه يشير في نصــوص عــدة إلى الــزمن الــذي تجــري فيــه

أحلام شقيةأحداث النص المسرحي وهو أمر لا يخلو من الدلالة. في نص ـةـ »من المفــترض أن أحــداث هــذه المســرحية يقول في الموضحة الإخراجي

. وفي4. وهذا التحديد لا يخلو من قيمة أو مغزى«1963تدور في خريف عام هذه المرحلة من تــاريخ ســورية كــان الحكم الحقيقي لأجهــزة الاســتخباراتــتي لا التي كانت تضرب بيد من حديد. وكان لموظفيها سطوتهم ومكانتهم ال

مالــك المــنزل فارس يمكن تجاهلها. ونستشــف ذلــك في حــوار يــدور بين المستأجر الذي يعمل مساعدا:كاظمو

» فارس: أعتقد أن من واجبك أن تتدخل. كاظم : لماذا.. هل تعتقد أنه معاد.. بالمناسبة لم تقل لي.. ما هي

آراؤه؟ وهل لديه ميول سياسية؟ فارس: إن أحواله تثير الشكوك...

.5 كاظم : ألا يتحدث عن الثورة والأوضاع التي تمر بها البلاد؟ «

.418- المصدر السابق، صـ1.64- قراءات سيميائية في مسرح سعد الله ونوس، صـ2 ( إشكاليات وقضايا، المركز2006-1990- الخطاب المسرحي في العالم العربي )3

.138، صـ2007، 1الثقافي العربي،بيروت، الدار البيضاء،ط.253، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 4.281- المصدر السابق، صـ5

133

ـهـ يمتلــك العــالم،كاظم ولا تخفى اللهجة الواثقــة الــتي يتحــدث بهــا وكأنــاه ــكوكه تج ــحة أي من ش ــتطيع إن ثبتت ص ــه. بشــيرويس ــتزع روح أن ين

ــو ويسيطر الجو العام لتلك المرحلة المليء بالقمع والخوف والقهر على الج المختلفــة المليئــةكاظمالعام للنص المسرحي. ويظهر ذلــك في حــوارات

بــدوال القــوة والعنــف والتســلط والقمــع. أي أن الأحــداث تنبــع من الواقــعــاراتوتصـــب فيـــه. الأمـــر الـــذي نجـــده أيضـــا في نص ــوس الإش طق

ــول:والتحولات ــل الذي يحدد ونوس فيه مكان المسرحية وزمانها، يق » لعروري أن أشــير إلى أن المكــان، وهــو في دمشــق، والزمــان، وهــو من الضــ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ليسا إلا مكانا وزمانا اصطلاحيين في

ــاهيم1هذه المسرحية « ــة من القيم والمف . وهو بذلك التحديد يوضح مجموع التي كـانت سـائدة في مرحلــة معينـة، والـتي تســوغ تسلســل الأحـداث في النص. كما يسلط الضوء على مفارقة محزنة وهي مدى التشابه بين ما كــانــدعو يحدث في القرن التاسع عشر، وما يحدث في زماننا الحالي وهو أمــر ي

المتلقي إلى الوقوف والتأمل. إذ يحدد مكان المسرحية وزمانها.الأيام المخمورة كذلك الأمر في نص

فالمكان هو بيروت، والزمان هو فترة تاريخية مليئة بالأحداث » منها وصــولالمفوض السامي الفرنسي دانييل دو مارتيــل إلى ســورية ولبنــان، في عــام

29، ومنها الحرب العالمية الثانية، ومنها حادثــة شــهداء البرلمــان في 1933ـوـس2، إلخ.. «1945أيار . إذن فالتحديد لا يخلو من الدلالات الــتي يبرزهــا ون

وكانت تلك الأيام » :على لسان الشخصيات نفسها، يقول الحفيد في وصفهايد دي مارتــل، مفوضــا ســاميا. كــان محنكــا بلا وازع، المخمــورة.. جــاء الســ

. لأن الأحداث التي تجري، والانفتاح والحرية الــتي تتحــرك3 «وماجنا بلا رادع فيها الشخصيات في فضاء النص عائد بلا شك إلى المرحلة التي تعيش فيها.

ــاريخ محــدد هــو فصــل الملاعب والخــواتموفي ــار29 نتعــرف إلى ت أيفي الحوار التالي: 1945 وكــان عمــرك1945 أيــار 29 في وهي تشخص ليلى( الصبية : )»

سنتين ونصف، استشهد يروان في حاميــة الــدرك، الــتي أبيــدت، وهي أبوك شــامل الســ

تدافع عن البرلمان ضد القوات الفرنسية التي كانت تريد السيطرة عليــه. إيــاك أن

تنسى هذا التاريخ. الولد : لن أنساه يا أمي.

استشهد البطل الشاب..1945 أيار 29 الأراجوز:في . 4 غدوت يتيما «1945 أيار 29 الشاب : في

ـاـريخ وإلا لمــا كــرره ثلاث مــرات ـوـس أيضــا لا يريــد أن ننســى هــذا الت ون متتالية. إذن دوما انطلق ونوس من الواقع ليعود إليه سواء أكــانت المراحــل التي يختار الحديث عنها عائدة إلى التاريخ القريب أو البعيد فهــو ينطلــق في

.253- المصدر السابق، صـ1. 200- قضايا وشهادات، صـ2.27- الأيام المخمورة، صـ3.126- المصدر السابق، صـ4

134

ــذي اختياراته من منطلق معالجة مشكلات الإنسان العربي وهمومه، الأمر الكان الشغل الشاغل للكاتب وهمه الأول والأخير.

المبحث الثالث: الرمز الأسطوري:

ابتدع الإنسان الأساطير تلبية لحاجات تنبع من أعماق نفســه. واتخــذ منهــا وسيلة للسيطرة على دفق التساؤلات الــتي واجهتــه، وطريقــة لحــل الألغــاز التي سيطرت على عقله. وسيكون الحــديث عن مفهــوم الأســطورة مــوجزا لعدم إمكانية الوقوف عند تعريــف محــدد لهــا. فقــد تعــددت التعريفــات عنــد دارسي الأسطورة. بعضهم عرفها بمضمونها بوصفها تحكي » تاريخا مقدســا

. وآخــرون1وتخبر عن حدث وقع في الــزمن الأول، زمن البــدايات العجيب « عرفوها بالمقارنة مع سواها من الأشكال الأدبية السردية الأخــرى كالخرافــةزــ عنهمــا بوصــفها حكايــة مقدســة تحمــل في ةــ. لكنهــا تتمي والحكاية البطولي

. ومنهم من نظــر2مضمونها رسالة موجهة لبني البشر وتــبين حقــائق خالــدة . وسواهم عرفها3إليها بوصفها نظاما سيميائيا. أي أنها لغة من الدرجة الثانية

ـرـ بوظيفتها لأن للأسطورة وظيفة أساسية في الحضارات البدائية فهي » تعب عن المعتقدات والشرائع وتبرز من شأنها، وتصون المبادئ الأخلاقية وتفرضـةـ ـةـ الاحتفــالات الطقســية وتقــدم القواعــد العملي العمــل بهــا، وتكفــل فعالي

ةـ « ـ ــاة اليومي ــؤون الحي ــلة بش ــات4المتص ــف من أهم تعريف ــذا التعري . وه الأسطورة. ذلك أنه يحملنا على التساؤل حول الــدلالات البعيــدة للأســاطير، ودورها وتأثيرها في حياة الفرد والجماعــة. كمــا عــرفت الأســطورة بوصــفها نظاما رمزيا لأن للأســطورة مســتويين أحــدهما ســطحي وهــو الــذي يخبرنــاــيزه ــان في ترم ــزي. والإنس ــنى الرم ــل المع ــق يمث ــر عمي ــة. والآخ بالحكايةــ يحــاول من خلالهــا إعــادة الأسطوري لتجربة معينة يلجأ إلى إنتاج بنيــة أدبيةــ تعمــل على ةــ رمزي إنتاج العالم على مستوى الرمز عن طريق وحدات أدبي

. 5اختزاله ثم تقديمه مجددا إلى الوعيابقة معــا لتعطي المعــنى الحقيقي لمفهــوم وربما تتضافر التعريفــات الســ الأسطورة بوصفها كل ما سبق. ويبقى كل تعريــف منهــا منفــردا قاصــرا عن الإحاطة بالمفهوم بشكل كامل. وبعد هذا العرض الموجز لمفهوم الأسطورة نستطيع الانتقال إلى الرموز الأسطورية التي تناثرت في ثنايا نصوص ونوس

المسرحية.ــتي ســرقدلال على لسان الاغتصاب يرد الحوار التالي في مسرحية ال

ــاقب» : ، تقولإسماعيلالاحتلال فرحتها في الحياة المتمثلة بزوجها مع تعــثر، الفصول وإلى آخر الزمن سيبحث كل منا عن الآخر، ليلملم جسده المبع وينفخ فيه الحياة. وكلمــا تنــاثرت أعضــاؤنا بــدأنا مــع تعــاقب الفصــول رحلــة

. في الحــوار إشــارة واضــحة لأســطورة إيــزيس وحبيبهــا أوزريس6 «جديــدة ،1995ملامح الأسطورة، مرسيا إلياد، تر: حسيب كاسوحة، وزارة الثقافة، دمشق، - 1

.11صـ.15،صـ1997، 1- الأسطورة والمعنى، فراس السواح، دار علاء الدين، دمشق، ط2 - ينظر: موسوعة أساطير العرب في الجاهلية ودلالاتها، د.محمد عجينة، دار الفارابي،3

.67، صـ1994، 1بيروت، ط.29- ملامح الأسطورة، صـ4.20- ينظر: الأسطورة والمعنى، صـ 5.184، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 6

135

الذي قتــل على يــد شـقيقه الإلـه )ســت( الــذي قطـع جسـده إلى أجـزاء ثم بعثرها حتى لا تستطيع إيزيس إيجاد زوجها وحبيبها. إلا أنهــا تــرفض الرضــوخ

. مــع1وتبدأ رحلة البحث عن حبيبها الضائع إلى أن تجــده وتعيــده إلى الحيــاة فارق بسيط أن إيزيس هي التي بحثت عن أجــزاء حبيبهــا وجمعتهــا وأعادتــه

ـاـ عن الآخــر، ليلملم جســده » ، فتقول:دلالإلى الحياة، أما سيبحث كل منــاة ــه الحي ــة لم «المبعــثر، وينفخ في ابق نلحــظ أن الفاعلي . في الحــوار الســ

. وبذلك تكون الأســطورة قــدإسماعيلبل تجاوزتها إلى دلال تقتصر على ــا ــدة تملؤه ــا لتكتســب مــدلولات جدي ــا المتعــارف عليه ــزاحت عن دلالاته ان

وضمندلال،بالفاعلية والقدرة. وتداعي هذه الأسطورة بالتحديد، إلى ذهن السياق الذي جاء على لسانها هو تحد لجبروت الاحتلال الــذي يشــبه )ســت(عب الفلســطيني إله الظلمات وتحد لحلمه المستميت في تحطيم رغبة الشــ

إسماعيل تعلم جيدا أنه ما من إمكانية لعودتها ودلالبالحياة والاستمرار. وــات ــا م ــاء شــعبهما وكلم ــة لأبن ــا ســيكونان أمثول ــددا لكنهم ــاة مج إلى الحي

جديدان يحملان جذوة النضــال،دلال وإسماعيل سيولد دلال وإسماعيلــاة على الأرض مســتمرة، وسيستمر الشعب الفلسطيني بالكفاح طالما الحي

ــف يســتطيعدلالوطالما الفصول تتعاقب. والكلام الذي قالتــه واضــح ومكثقوط فيالمتلقي أن يفهم من خلاله نفسية شـعب كامـل. شـعب يـأبى السـ

ــرف عن ــدو لا يع ــان ع ــرفض الانصــياع لطغي ــأس والاستســلام، وي ــوة الي ه الإنسانية والرحمة شيئا. والموت الذي هو عادة نهايــة للحيــاة الجميلــة يأخــذهــ ومن أجــزاء ر بالحيــاة؛ لأن هنا منحى مغايرا للمــألوف لأن المــوت هنــا يبشــعلة ويســيرون على المناضلين المتناثرة سيخلق مناضلون جدد يحملون الشــ

ليسا نهاية بل بدايــة جديــدة لمناضــلينإسماعيل تعلم أنها ودلالالدرب. و جدد أشداء سيحملون هم تحرير الوطن على كاهلهم حتى يصلوا إلى هدفهم المنشود. وظف ونوس الأسطورة ببساطة وعفوية مناسبة للجو العام للنصبب والتوظيف جاء على لسان امــرأة مثقفــة كــانت معاناتهــا الشخصــية الســ

الأساس في يقظتها.ــك أنملحمة السراب وفي يأخذ التوظيف الأسطوري اتجاها مختلفا. ذل

ـوـس الكاتب يصرح بالأساطير التي يستخدمها بشكل مباشر فيبدو اعتمــاد ون الذي يشكوالخادم لغوته من حوار يرد على لسان فاوستعلى مسرحية

كنت مثــل حســناء.. كلمــا ازدهــر جمالهــا» : ، يقولعبود الغاويحاله إلى تدنى مستوى الرجال الذين تغـويهم وتعاشــرهم. من فاوســت.. ذلـك العـالمــال أخــرق الجريء، الذي يريد كلية المعرفة وكلية المتعة معا، إلى رجل أعم

. إذن الكاتب يتحدث2، ويسوح في الدنيا بحثا عن الغفران «تركبه الوساوس عن شيطان فاوست المدعو مفســتوفيليس، والمقبــوس يشــير بوضــوح إلى

ـوـسغــاوي. لكن هل 3 ما هو إلا مفستوفيليس نفسهالخادمذلك أي أن ون في تلــك الليلــة» في وصــف الغــاوي: الخادميشبه فاوست غوته ؟! يقول

الجليدية، بدوت لي قاسيا كالماس. صلبا كالفولاذ. لم يكن لــديك في رأســك أوهام، ولم يكن في قلبك شفقة أو حنان. كنت تنادي.. وكنت تشع. ولم يكنـدـاء المشــع. لاســيما وأني كنت أجتــاز وقتــا من بوســعي أن أتجاهــل هــذا الن

- ينظر: لغز عشتار/الألوهة المؤنثة وأصل الدين والأسطورة، فراس السواح، دار علاء 1.321-320، صـ2002، 8، ط1،1985الدين، دمشق، ط

.605، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 2.1980 - فاوست، غوته، تر: سهيل أيوب، دار الجداول و الينابيع، 3

136

. ربما هما متشابهان في السمات العامة لكنهما مختلفان1«الضجر والخمولــات ر» الغاويفي الرغبات؛ ذلك أن رغب لا تحمــل في طياتهــا ســوى الشــ

ــانت في2«والأذى والخــراب إلى الآخــرين ـهـ ك ــات فاوســت غوت ــا رغب بينم حصوله على المعرفة المطلقة التي كان تواقــا إليهــا والــتي من أجلهــا أبــرم

ــة الخــادم دلالات مبطنة الغاوي عن شخصــية عقده مع الشيطان. في جملــدما وصــفه لم يقــل )كنت نستشفها من الدوال التي ترد في الحوار، لأنه عن

«. ولا بدوت لي قاسيا كالمــاس. صــلبا كــالفولاذقاسيا كالماس..( بل قال »ــل ــير قاب ــر غ هـ حج ـ ــاس وهي أن ــاس للم مة الأس ــ يخفى على المتلقي الس

فة لأن الخـادم اسـتطاعالغاويللتطويع؛ غير أن عـ بهـذه الصـ حقيقة لا يتمتــاء ورغب. ــا ش ــه كم راب في الغــاوي إن تطويع »لا يمكن ملحمــة الســ

هـ أكـبر وأشـمل من كونـه إنسـانا اختصاره في شخص إنسان أو شـيطان. إنهـ النهج التخريـبي، من وشيطانا، إنه نظام لـه ســننه ومؤسسـاته ودولتـه.. إن حيث هو أداة مفعولية تستمد قوتها من تعلقها بعالم التحدي والخرق والتمرد

ـوـس في هــذا النص لا3والسحر. هذا العالم الــذي يصــيرها أداة فاعلــة « . ون يسلط الضوء على أسطورة فاوست لمجــرد رغبتــه في عــرض ثقافتــه، لكن لينبه المتلقي إلى حركة الواقع التي تجــري من حولــه والــتي تكــاد تفتــك بــه وبكل الأشياء والأمور التي يحبها ويرى فيها تحقيقا لوجــوده الإنســاني، الأمــر

الذي يبدو جليا في الحوار التالي:ادة ـاـبع والخــادم للســ ــام الت ــذا النظ ـهـ ه ــاك شــيطان. إن ام: نعم هن »بســ

الأجانـب، الذي امتص ماء ــانب ــول البلاد ملهى للأجـ ــه، وحـ ــعبه، ونهب خيراتـ ــاة من شـ الحيـ

والأثرياء، وسوقا للتبديد والاستهلاك...

الزرقاء: إن ألاعيب الشيطان معقدة، ولا أستغرب أن تكون إحدى ألاعيبهسلسـلة طويلة

مترابطة الحلقات، تبدأ من مكان بعيد وتنتهي بنا. ولكن إذا كانتالدولة، وهي إحدى

صنـائع الشيطان، هي التـي تفعـل بنا ذلك، فهل تستطيع أن. 4تقاومها؟ «

وعد البلاد والعباد بملحمة التقــدم والتطــور لكن النتيجــة كــانتالغاوي صـدمة حتى لـه. لأن نتـائج الملحمــة أفزعتـه هـو نفسـه قبــل أي أحـد آخـر.

يقــف لحظــة ويتأمــل الــدمار فالحال التي آلـت إليـــها القريــة وناســها جعلته والخراب الذي لحق بالقريـة وأهلها البسطاء الأمــر الــذي يدفعــه إلى خــوض

الحوار التالي مع خادمه المخلص: » عبود: إن أرباحنا الآن ضخمة، وستزداد كثيرا مع ازدهار العمــل، وليس

هناك ما يضطرنا لابتلاع أموال الناس.

الخادم: ماذا دهاك يا ســيدي!.. أنســيت من نحن! أنســيت أننـــا أرصــدةوأسهم وودائع

.605، صـ2 الأعمال الكاملة، جـ-1.51- قراءات سيميائية في مسرح سعد الله ونوس، صـ2.51- المرجع السابق، صـ3.732، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ4

137

وحركة سوق!.. لقد جئنا كي نجـد علاجا للتجدد.. ولم نبلــع أمــوالالناس لحاجة،

. 1 بل لكي نروضهم على الخضوع لجبروت السوق وتقلباته «ـرـاخي والفتــور فيالغــاوي فالخادم يعجب من الضعف الــذي انتــاب والت

همته اللذين لم يعتــدهما فيــه يومــا. لــذا نــراه يــذكره بمكانتــه ووظيفتــه فيــاة. و ــاوي الحي عفالغ ــ ــات من الض ــه لحظ ــانا تنتاب ــة إنس يبقى في النهاي

فقة، لكن بمعونــة المخلص يعــود إلى رشــده وتســتمر عجلــةالخادم والشــ الغاويالحياة بالدوران طاحنة كل ضعيف وجبان ومتخاذل. إذن نتيجة لمكر

ريع من جهــة عب وانصــياعه وراء الكســب الســ ودهائه من جهة، وجهــل الشــ المجيدة الــتي أودت بكــل شــيء فيملحمة السرابثانية، كتبت الحياة لـ

عاصـفة التجديد والهلاك. ــاوي وعلى الطــرف المقابــل ــاء وخادمــه وأتباعهمــا تقــف للغ الزرق

ــذبسام وفاطمةو ــة من في محاولة للتصدي للجنون الذي تفشى في القريـاـني فيالغاويوصول وتابعه الشيطاني. ويتمثل التوظيــف الأســطوري الث والتي تحاول جاهدة أن تنبه أهل قريتها إلىبالزرقاءالملقبة بمريم النص

الدمار الذي ينســج خيوطــه حــولهم، تقــول: » أبصــر عاصــفة رهيبــة تتقــدم. والناس طفل وحيد في العراء. ليس هناك من يحميه وليس هنــاك ملاذ يلجــأ

ــهعبود الغاويإليه. والعاصفة الرهيبة تزمجر وتتقدم... سافر ، ومعــه قرينــع، ــزن إلى المجم ــيء من المخ ــل ش ــاع ك ــباياكم. ب يطاني، وأحلى ص ــ الش

. تســتخدم الزرقــاء في نبوءتهــا2وسافر.. نهب الأراضي والأموال، وســافر «ــوءة ــرعب من نب ــع ال ياق. وينب ــا في الســ ـةـ وتفصــح عن معناه دلالات رمزي

الزرقاء من البساطة والوضوح اللذين تتمتع بهما. ــداءها عن وعي أو عن بداية لا يكترث أهالي القرية لكلامها، أو يتجاهلون ن غير وعي؛ ذلك أن ما تفصح عنه أمر إن تحقق سيودي بكل أمــل في الحيــاة لديهم. لذا يرفضون تصديقها كما رفض قوم زرقاء اليمامــة تصــديق نبوءتهـا.

ــد الــذيالزرقــاءلكن ــد والوعي ــاء قريتهــا رغم التهدي تصــر على تحــذير أبن يكيلونــه لهــا، ومــع شــدة إصــرارها » ترتفــع حــدة الغضــب. يحاصــر الرجــال الزرقــاء. ينشــب خلــف يــده في عنقهــا. يبــدأ الرجــال بضــربها. تســقط على

ــا على3الأرض، فيتكومون فوقها« . وكما قتل قوم جديس زرقاءهم عقوبة لهــة ــالوابمريم الزرقــاءنبوءتها فكان مصــيرهم الهلاك. فعــل أهــل القري ون

المصير نفسه. فضة ولم تكن أسطورتا فاوست والزرقاء هما الوحيدتان في النص فنرى

ــالت نصــيبها من ــد ون ــذهول هي الأخــرى من عاصــفة الجدي ــد أصــابها ال وقاــم.. التحولات والتغيرات التي طرأت على القريــة وأهلهــا تقــول: » تلــك الأي ليتك لا تذكرني بها. آه حين كنت أرغب وأرغب.. حين كانت الرغبات عناقيــد من الأفاعي تتدلى في داخلي، وتصب ســمها في شــراييني.. حين كــان هــذا

هوات وفحيح الأفــاعي « . ربمــا يحيلنــا المقبــوس4البدن يعج بالرغبــات والشـــةـميدوزاوبشكل غير مباشر إلى أسطورة اليونانية التي تتحدث عن الحوري

التي غضبت عليها الآلهة فأحالتها )جرجونة( بشــعة شــعرها ثعــابين ونظرتهــا.743-742، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 1.746-745- المصدر السابق، صـ 2.746 ، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ 3.713- المصدر السابق، صـ 4

138

ــة في فضة. تشعر1تحيل الرجال إلى حجارة بالألم من تلك المرحلة الطويلهوات الــتي لا تنتهي والــتي أحــالت حياتها التي كــانت مليئــة بالرغبــات والشــ حياتها إلى جحيم لا يطاق. فلا هي قادرة على التكيف والعيش في واقعها ولا هي قادرة على التخلي عن رغباتها التي تشبهها بعناقيد من الأفـاعي. لتــنزاح الدوال عن مدلولاتها المعتادة وتكتسب مدلولات جديدة. فالعناقيد عــادة هيهية المغريــة بألوانهــا وأشــكالها ومــذاقها؛ بينمــا عناقيــد العنب الجميلــة الشــ

هي عناقيد بشعة مخيفة وسامة، وأبعد مــا تكــون عن الإغــراء.فضةعناقيد هي عناقيد من الأفاعي المخيفة التي تسمم أعماق فضة وتكاد تودي بها إلى جحيم لا رجعة منه. لكن في لحظــة صــحو موجعــة تســتعيد رشــدها وتحــاول

تغيير حياتها. لم يعتمد الكاتب أسلوبا واحدا في استخدامه للرموز الأسطورية في نصهوء عليــه. بــل اســتخدمها بمــا يتناســب والغــرض الــذي يــود أن يســلط الضــ فاستخدامه لأسطورة فاوست بهذا الوضــوح ربمــا كــان رغبــة منــه ليــبين أنيطان نفســه، وقــد تنعــدم إنســانيته الإنسان قد يكون شــيطانا أكــثر من الشــ عندما يعميه الجشع فلا يعود يتعرف عندها إلى أهل أو أحباب ويصــبح المــال والقوة هما ملاذه الوحيــد وســلواه. واســتخدامه لأســطورة الزرقــاء محاولــةـةـ أن يســتمع البشــر إلى حكمــائهم وألا يرمــوهم بالكــذب لكي ينبه إلى أهمي والخداع. فكم من قوم فنوا لأنهم رفضــوا الاســتماع إلى تحــذيرات أنبيــائهم.

أرادت أن تجنب قومها الدمار والخراب الــذي عصــف بحيــاتهم بلاوالزرقاءرحمة.

أتى استخدام الأسطورة عندما وظف ونوسبلاد أضيق من الحب وفي ليبين أن البلاد لم تتغير منذ عهــدهما. فهي مــا تــزال2أسطورة إساف ونائلة

تحاصــر الحب وتضــطهد المحــبين يــدعمها في ذلــك مجموعــة من العــادات والأعراف البالية. ومع ذلك فالحب مازال يعيش في قلــوب البشــر رغم كــلهــ لــولا الحب لمــا وجــدت الحيــاة. الصعاب والمحن التي يمر المحبين بها. لأن

ساعد كلا منهما على الاستمرار في الحياةإيفا ونبيلوالحب الذي ولد بين ــالآخر كمــا بل ساعد كليهما على حب الحياة نفسها التي منت على أحدهما ب

هو ظاهر في الحوار التالي: »نبيل: كان الوقت الذي نلتقي فيه يشبه نزهة خارج المرض والبيت، الــذي

يتعفن بالرطوبة، وزفر المشاجرات السامة.

إيفا: كان الوقت الذي نلتقي فيه هــو زمن نشــوان، لا ينغصــه عمى الآبــاء،وقسوة

.3 الأمهات، وسفاهة الإخوة «تـين ومن كلمات بسيطة يستشف المتلقي حيـاة كـل من الشخصــيتين. الل استمر الحب ينمو بينهما ويكبر حتى حانت الساعة الــتي رغبــا بالاتحــاد فيهــا

، إعداد: أ.د. إمام عبد الفتاح إمام، مكتبة2 - ينظر: معجم ديانات وأساطير العالم، م1مدبولي، القاهرة، د.ط،

.403 د.ت، صـ إساف ونائلة: وهما في زعم بعضهم إنسانان عملا عملا قبيحا في الكعبة، فمسخا-2

حجرين، ووضعا عند الكعبة ليتعظ الناس بهما. فلما طال مكثهما، وعبدت الأصنام، عبدا.249-246معها. ينظر: موسوعة أساطير العرب عن الجاهلية ودلالاتها، صـ

.45-44- عن الذاكرة والموت)نصوص(، صـ 3139

معا؛ عندها اكتشفا أن البلاد التي شهدت ولادة حبهما هي نفســها البلاد الــتيــان ــه. وفي دورة البحث عن مكـ ــول دون اكتمالـ ــذا الحب وتحـ ــتخنق هـ سـ ــدو ســدا منيعــا يستطيعان فيه إتمام حبهما يصطدمان بقسوة الواقع الذي يب في وجه رغبتهما الصادقة الحقيقية؛ ومن حيث لا يعلمان تشـرق بارقـة أمـل

يعــدهما أن يــؤمن لهمــا العش الآمن الــذي ســيقطفان فيــهقزمتتمثل في ة ثمرة حبهما، لكن قبل أن يتم الأمر يطلب منهما ردا لمعروفه أن يرويا قصــ

حب إساف ونائلة في الحوار التالي: » إيفا : ما حكاية هذين الشخصين؟ أنا لا أعرفهما.

نبيل : نعم جميل أن تروى. القزم: إذن ستساعدانني في روايتها... في الأيام الغابرة.. الغابرة، قبل

أن يولد سيدنا محمد، وينشر نور الهداية. كانت نائلة تعشق . 1 إساف، وكان إساف يعشق نائلة «

ة هــذين العاشــقين ) إســاف وتســتمر الشخصــيات في ســرد أحــداث قصــوق فقطفــا ثمــرة حبهمــا في الكعبــة ونائلــة ( الــذين أضــناهما الوجــد والشــ

وما كــان منــه إلا أن » أطلــق علىهبلالمقدسة الأمر الذي أثار حنق الإله ــول:2إساف ونائلة صواعقه، فتحجر الجسدان « . وهنا يتابع القزم قصــته، يق

» وبالفعل تحول إساف ونائلة إلى إلهين للحب، واستقطبت عبادتهما معظم أهل مكة والجزيرة. وكان عدد الأضاحي التي تقدم لهما أكبر مما يقدم لبقيةـذـين تحــولا بــالجرأة والحب إلى إلهين الآلهة. تلك هي حكاية إساف ونائلة الل

.3للحب «ت ذكر الكاتب الأسطورة بكاملها، على لسان شخصــيات النص الــتي قصــــا ــة نظره ــطورة من وجه ــورة الأس ــعته في ص ــة على المتلقي ووض الحكايــل من ــا ك الخاصة وبلغة سلسة ورقيقة تناسب الحالة الشعورية التي يمر به

. لتترك للمتلقي حرية البحث والتقصي حــول صــحة الأحــداث أوإيفا ونبيلــوى عدمها. ولتبين أن الحب لا يتغير على مر العصور ويبقى هو العاطفة الأق والأكثر رسوخا. ومهما حارب المجتمع الحب وفرض أقصى القيـود والعوائـق التي قد تحول دون تحققه عند ضــعيفي الإرادة، فــالمحب الحقيقي لا بــد أنــه لهــذه العاطفــة يرفض الانصياع وسيدافع عن حبه حتى النهاية لأنه وبفقدان سيفقد معها كل رغبة في الحياة. ويصبح المــوت فـداء للحب هـو ثمن بخس

إذا ما قورن بفقدانه ومتابعة الحياة دون وجوده. ونوس وبشكل مستمر يريد إشراك المتلقي في لعبته المسرحية يريد منه أن يقرأ ويستمتع ويبحث، وأن يفكر مليا في حياته وفي خياراته الــتي ترســم

طبيعة الحياة التي سيعيشها. مما سبق نجد أن الرموز الأسطورية تنوعت في مسرح ونوس. بين رموزــا بابلية و مصرية فرعونية وعربية أصيلة ويونانية. ولم يكن هدف الكاتب منه استعراض ثقافته الموســوعية بــل رغبــة في أن يطلــع المتلقي العــربي على تراثه العريق الغــني وليســتفيد من حكمــة شــعوب ســبقته ووضــعت خلاصــة فكرها وعصارة تجربتها في هــذه الأســاطير. إضــافة إلى الخدمــة المباشــرةــوع ــاتب ط ــى أن الك ـوـس، ولا ننس ــل ون ــطورة لعم ــل أس ــدمها ك ــتي تق ال

.61- المصدر السابق، صـ 1.65- عن الذاكرة والموت)نصوص(، صـ 2.65- المصدر السابق، صـ 3

140

رــ وبــدل هــ غي الأسطورة لعمله مباشرة ولم يســتعملها دومــا بمغزاهــا، بــل إنبشكل أضفى على الأسطورة طابعا ونوسيا.

المبحث الرابع: رمزية الأسماء:

تمثل الأسماء في النص المســرحي دوال على متلقي العمــل معرفــة مدلولاتها، وغالبا ما يكون الاسم معادلا موضوعيا للشخصية أو هو الشخصــية مختزلة في كلمة. ولابد أن تحمل شخصيات العمل ســواء أكــان مســرحيا أم روائيا أسماء تعبر عن كينونة الشخصية التي تمثلهـا. وعـادة مــا تكــون هنــاكــاطر صلة بين سمات الشخصية واسمها وهي حتى وإن أتت الكاتب عفو الخ فهي تكون مطابقة في لاشعوره للسمات التي أسبغها عليها وغالبا ما يتكون الاسم في أثنــاء خلقــه للشخصــية لتكــون الشخصــية واســمها كلا متكــاملا لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر. وفي نصوص ونوس المسرحية تطالعنا الكثير

من الأسماء التي سنتناول معظمها بالبحث والدراسة.ـةـالاغتصاب في مسرحية ـةـ وعربي تطالعنا مجموعتان من الأسماء؛ عبري

تتداخل كما تتداخل حياة الفلسطينيين والصهاينة فوق تراب الأرض المحتلة.ــل فيالفارعةوأولى الأسماء في الحكاية الفلسطينية هو اســم ــتي تمث ، ال

النص رمزا للأرض وللأم الفلســطينية المناضــلة، الــتي لا شــيء يســتطيع أن ينال من قوتها وإيمانها سوى تخاذل أبناء شعبها في أداء واجبهم. وكمــا أن »

ــل أعلاه.. « ــة الجب ــيء أعلاه.. وفارع ــل ش ــرع ك ــإن 1ف ــوالفارعة. ف تعلعب ــ ــاء الشـ ــر كبريـ ــاولات الاحتلال لكسـ ــل محـ ــا على كـ ــا وقوتهـ بكبريائهـ

هي الأم الحنون الـتي تسـمو بحبهـا ليطــالالفارعةالفلسطيني وكرامته. وجر والأرض. وهي على الــرغم من طيبتهــا لا يمكن كــل شــيء البشــر والشــــا ــا في أداء واجبه ــا عن عزمه ــا أو تثنيه ــر إرادته عاب أن تكس ــ ــى الص لأقس

هيالفارعةالمقدس تجاه وطنهــا. وكمــا أن فــرع كــل شــيء أعلاه كــذلك المثل الأعلى لكــل أم فلســطينية تـربي وتعمـل وتناضــل. لتكــون الشخصــية

واسمها كلا واحدا لا يتجزأ. فتمثل الفتاة الفلســطينية قليلــة الخــبرة. وهي في النص الفتــاةدلال أما

ـةـ المدللــة الــتي أحبت اب المناضــل، والــذي شــعرتإســماعيلالثري الشــ بزواجهــا منــه أنهــا امتلكت العــالم. لتنفتح فجــأة عليهــا بوابــات الجحيم على مصراعيها ولتعاني قسوة الواقع، ودون ســابق إنــذار. ولتحرمهــا الحيــاة كــل شيء جميل دفعة واحدة بعد أن اغتصــبت بوحشـية أمـام عيـني زوجهـا على أيدي احتلال لم يعرف التاريخ مثيلا له في الوحشية والقسوة والبربرية. وهنا ـرـة عن الشخصــية لأن الفتــاة الــتي كــانت دلالا قلبــا لا تبقى دلالة الاسم معبــة وقالبا ذات يوم أحالتها عدوانية الاحتلال كتلة من الغضب والحقــد والكراهي

شخصية نامية لأننــادلالالتي لا يمحوها سوى موت يروع الاحتلال. شخصية ــان نتعرف إليها من خلال حواراتها فتاة مدللة في منزل والدها الثري الذي ك بعيدا كل البعد عن قضايا النضال ضد المحتل، وجل ما كان يهمه هو الحفاظ على أعماله وماله بعيدا عن ضوضاء النضال. وعندما أصبحت مــع زوجهــا لم يختلف الوضع لأنه حاول جاهدا حمايتها من حقيقة الحياة الــتي يعيشــها. لكن المحتل جعلها ترى الواقع من أوسع بواباته ورماها مع آلامها وحقدها وحزنهــا وجراحها وحيدة تحاول لملمــة شــتات نفســها. لكن المحنــة لن تكســرها بــل

- لسان العرب، ابن منظور، مادة ) فرع (. 1141

ـهـ ـةـ لأن ستدفعها بقوة هائلة إلى الطرف المقابل. لتغرق في الأعمــال الفدائي ومن وجهة نظرها أن » من صاحب الموت لا تليــق بــه إلا المهمــات الكبــيرة

. وربما تكون المرأة مدللة لكن الكاتب يرينا ما تستطيع قوة الحب فعلــه.1«ديد ــ ــا الشـ ــة، ولكن لحبهـ ةـ أو رغبـ ــ ــال محب ــر في درب النضـ فهي لم تسـ

ورغبتها في الانتقام له من قاتليــه ولتحقــق انتقامهــا تنضــم إلىلإسماعيل : » عليهم أن يقبلوني بحقــدي ويأســي...للفارعةصفوف الفدائيين و تقول

. هــذا الــدرب2يأسي هو قوتي. وهذا العدو لن يوجعه إلا حاقــد ويــائس « لتنهي آلامها بالموت.دلالالوعر سلكته

. حمــل هم3 » معلم متواضع الأصــل والمــال «دلال هو زوج إسماعيل و الوطن على عاتقه وأصر ورفاقــه أن يســلكوا درب النضــال الــوعر واضــعين

. ولا تخفى4نصب أعينهم هدفا واحدا هو أن يعيشوا » أحرارا في وطن حر «بــي الــذي فــداه الــرب بــذبحفإسماعيلالدلالات الدينية للاسم هو اسم الن

دومــا بمــدلولاتإسماعيل . وفي ذهن المتلقي العربي ارتبط الدال 5عظيم إســماعيل يضــحي الاغتصــابمثل الطاعة والالتزام والتضحية. وفي نص

بنفسه وزوجته، فداء للقضية التي آمن بصدقها، بكل طواعيــة، والتزامــا منــهــده إلى المــذبحإسماعيلبالمبادئ التي آمن ورفاقه بها، كما ذهب مــع وال

طوعا ليضحي بنفسه امتثالا لأمر الله، ولأنه آمن بأن الله حق.اب الفلســطيني التائــهمحمد نجــد شخصــية إسماعيل وإلى جانب الشــ

بين واجب يجب أن يلتزم به، وواقع قائم محمــل بالتحــديات والخيبــات الــتيــدى المســلمين تملؤه بالمرارة. أيضا دلالات الاسم دينية ومحملة بالقدسية ل

الذين يسمون به أبنائهم تيمنا بالنبي )ص(. أما الجانب الثاني والذي تمثله الحكايــة الإســرائيلية فقــد اســتقى الكــاتب

ودلالاتأبراهام منوحينأسماء شخصياته من التوراة. فراوي الحكاية هو عــ بـه هذا الاسم كثيرة وهي محفوظــة في وجـدان المتلقي العـربي لمــا يتمت النبي من مكانة رفيعة في كل الديانات السماوية فهو أبو الأنبياء وخليل اللــه الــذي حطم الأصــنام ورفض الانصــياع الأعمى لعقيــدة أبائــه وأجــداده، ودعــا

ـاـس إلى دين التوحيــد. و هــو الآخــر رفض أن يشــيحمنــوحين أبراهــامالنكوت عن هــذا الواقــع. بناظريه عن واقع بشع ومشــوه، وأن يتواطــأ في الســ وحمل على عاتقه تنبيه أبناء جلدته إلى الخطــر المحــدق بهم وإن هم صــمواـدـا أنهم إن اســتمروا في ـهـ علم جي ــا. لأن ــة ورؤيته آذانهم عن ســماع الحقيق

السير على الدرب التي يسلكون لا بد نهايتهم وخيمة جدا. هيونية. فهيسـارة بنحــاس أمــا ــل في النص رمــز الأم الصــ والــتي تمث

مليئــة بالكراهيــةســارة رمــز الأم الفلســطينية. لأن الفارعةمختلفــة عن والحقد وهي أبعد ما تكون عن سارة زوجة إبراهيم عليه الســلام. هي امــرأة باردة ومشاعرها لا تتحــرك إلا في خدمــة العنــف. وحتى الحب الــذي جمعهــا

كان حبا مجدبا لا حياة فيه وعقيما غير قادر على الاستمرار.مائيربحبيبها ــراهيمإسحق أما ولدها فهو يحمل ذات الاسم الذي حمله ابن سارة وإب

دفعت بابنهــا إلى الهاويــة عنــدما أجبرتــه رغم طبيعتــهسارة بنحــاسلكن .183، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ1.183، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ2.173، صـالمصدر السابق - 3. 175 المصدر السابق، صـ- 4﴾.107 -102﴿- سورة الصافات 5

142

الرقيقة على الالتحاق بسلك المخابرات، ثم إلى الموت لأنهــا حملتــه مــا هــوفوق استطاعته.

هيونية فقــد كــان سارة وكما كانت مائير رمز الأم الروحية للحركــة الصــهيونية ــ ــة الص ــادة الحرك ــأبرز ق ــط ب ــا ارتب ــا. الاســم طالم ــروحي له الأب ال مثــل)غولــدا مــائير ومــائير كاهانــا وغــيرهم( وكلهم عرفــوا بكــرههم الشــديد

ـهـمــائيرللعــرب ووحشــيتهم المطلقــة في التعامــل معهم. و ــدو أن الــذي يب احتضن أبناءه بكل محبة؛ تبدو محبته من نوع خاص فهـو يـربى هـؤلاء الأبنــاءــون على سياسة القوة والقسوة والعنف، وأنهم يستطيعون أخذ كل مــا يرغبفاحين والقتلــة به عنوة وأبناؤه هم جيل )الصابرا( الذي لم ينجب ســوى الســـةـ عنــدما لا يتــوانى عن قتــل ربيبــه ومجرمي الحروب. وتظهر أبوتــه الحقيقي

متذرعا بالضرورة من أجل الدولة وأمنها. والحق أنه قتله لأن إسحقإسحقوضعه أمام حقيقته الدنيئة وجها لوجه.

ـةـ ــة لهــا أصــولها الديني ــا أســماء عبري ــة الأســماء في النص فكله أمــا بقيةــ ) راحيــل- جــدعون – موشــي- دافيد (. جــاءت الأســماء من صــلب التوراتي

العمل لتخدم الفكرة العامة للنص. ــرحية ــوم من زماننا وفي مس ــياتي ــا مجموعتــان من الشخص تطالعن

اــ- الأولى استخدمت اسم العلم للتعريف بهــا ككيــان في النص ) فــاروق- ثري أحمــد- فــدوى- نجــاة ( والشخصــيات الأخــرى اســتخدمت اســمها الــوظيفي بمعنى الوظيفة كعمل تمارسه الشخصية في النص )المدير- الشيخ- المذيع-ــماء الأعلام. وأولى مدير المنطقة- الزوج- الأب(. وما يعنينا في النص هو أس

ــقفاروقالشخصيات هي شخصية الأســتاذ المتحمس للعلم والأخلاق والحــذيفاروقوالفضيلة، والدال لابد أن يحيل إلى الخليفة عمر بن الخطاب ال

اشتهر بعدله وسعيه الدؤوب لتطــبيق الحــق بين أبنــاء رعيتــه. ونتيجــة لــذلك »الفاروق: ما فرق بين شيئين. ورجل فاروق: يفــرق مــابينلقب بالفاروق. وــرف علىفاروق. و1الحق والباطل« في النص أراد أن يكتشف الحقيقة ليع

من يقع اللوم في قضية طالبات الثانوية. لتقوده هــذه الفضــيحة إلى كشــفخ يثــير النفــور والاشــمئزاز، وليكتشــف في النقاب عن واقع مــريض ومتفســـهـ فضــل العيش في قوقعتــه النهاية أن الجميع مدان بمن فيهم هو نفســه لأنة وعالمــه الـوردي بــدل أن يــرى العـالم الحقيقي ويتعـرف إليــه حـق الخاصــ

»مــاذا يعـرف هــو عن العــالمالمعرفة وفيما يشبه الحوار الداخلي يتســاءل: اــ، ومــدير ت فــدوى وعــدنان القاضــي، وثري الذي يديره الشيخ متولي، والســ

. هــو لا2المدرسة، وذلك الشاب المشــورب والمــبرقع، وامرأتــه؟ وامرأتــه!« يحاول التملص من مسؤوليته بل يقف وجهـا لوجـه أمـام الأسـباب والـدوافع الــتي خلفت الفوضــى الــتي يعيشــها الآن. ومن هنــا نلحــظ تغلغــل مــدلولات الاســم في ثنايــا الشخصــية وكيــف أنهمــا، الاســم/الشخصــية، كــل متكامــل.

لم يستطع أن يتكيف مــع الواقــع ولم يســتطع أن يتجاهــل الحقــائقفاروقت ارع وبيت الســ . ولمفدوىالــتي اكتشــفها في المدرســة والجــامع والشــ

تستطع كل المغريات التي قدمت له أن تنسيه الحقيقة المــرة. لــذا قــرر أن يخط النهاية بيده وينهي وجوده في العــالم الــذي لم يــأت إليــه بإرادتــه لكنــه سيذهب عنه بإرادته الكاملة. هو لم يعد بمقدوره تغيير العالم من حوله لكنه

- لسان العرب، مادة )فرق( 1.241، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ2

143

ـهـ يجــد ســلواه في المــوت فهـو يريــد أن يستطيع أن يرفض العيش فيــه. عليخ متــولي، ومرونــةيمضي » في فضــاء من البيــاض. بعيــدا عن رائحــة الشــ

السيد المدير، وهذه المسوخ التي تتسافد في الوحل والقمامة. بعيدا.. بعيدا . وكل المغريات والمسوغات التي قدمت لــه لم تســتطع أن تجعلــه يحيــد1«

عن الصواب. ـةـ خبرتــه في الحيــاةفاروق عرف الحقيقة وقرر أن يدفع ثمن جهلــة وقل

رافضا أن يحمل أحدا مسؤولية الخطأ الذي وجد أنه اقترفه بكامل إرادته. والكاتب ذكرها باسمها على الرغم ثريا نجد الموجهةفاروق وإلى جانب

من ذكره للمدير بوظيفته التي يشغلها، وربما كان تركيز الكاتب على اسمهاوداء. وليــدفع المتلقي إلى عقــد المقارنــة بين نجم خرية الســ نوعــا من الســ

الموجهــة الــتيثرياالثريا الذي يحمل مدلولات الرفعــة والجمــال والتــألق، و تتألق في مدرستها بلؤمهـا ودناءتهـا. والــدال الـذي من المفـترض أن يحمـل مدلولات إيجابية ينزاح ليحمل في طياته مــدلولات مغـايرة لمـا هــو متعـارف عليه. وكثر الأشخاص الذين نتعرف إليهم في الحياة اليومية ويدهشنا أنهم لا

يمتلكون من صفات اسمهم أي شيء بل هم على النقيض تماما.ـهـ الرجــلالشيخ متــولي ونتعرف في النص أيضا إلى والــذي يفــترض أن

رع وإيمانـا بالعقيــدة الـتي يعتنقهـا. الذي يحفـظ الأخلاق ويصـونها عملا بالشـ هو يريــد من المتلقي أنالشيخ متوليوالكاتب أورد اسم الشخصية كاملا

زــ على وظيفــة الشخصــية )شــيخ الجــامع( واســم يربط الدالين معا وأن يرك فــالولي هــو» يشي بمدلولات متعــددة، متوليالشخصية )متولي(. والدال

بعهــا وراضــيها.. يهــا، أي مت ـدـ.. متول الصديق والنصير.. وتــولى العمــل، أي تقل . فمــا الــذي اتبعــه2«والتولي يكون بمعنى الإعراض ويكون بمعــنى الاتبــاع..

الشيخ متولي وما الــذي أعــرض عنــه؟! أعــرض عن معــنى الــدين الحقيقي، »هل يجــوز أن نصــف القوادة مسوغا تواطؤه في قوله: فدوىواتبع الست

ت فــدوى هذا المؤمن الذي يعمر المساجد بالفاجر الزنيم ... مــا دفعتــه الســ لرفع مآذن هذا الجــامع وتــزيين قبابــه يربــو عمــا دفعــه أي محســن في هــذا

ابق3الحي... ومع هذا تأتي لترميها بالنمائم والشبهات« . وفي المقبوس الســ والتي تكشف تواطؤه. لأنالشيخ متوليتبدو هشاشة الحجج التي يقدمها

بب الــذي يــدفعها إلى شخصية بمنزلته لا بــد أن تتعــرض للمســاءلة عن الســ ، وعنــدها يجب أن يكــون جوابهـافدوىالوقوف في صف قوادة مثل الست

حاضرا، وأية إجابة أفضل، في تلك الحالة، من اللف والدوران حــول القضــيةالأساسية.

ـاـ الشخصــية الوحيــدة الــتي حملت اســما لا يمت لشخصــيتها ولم تكن ثري معــاون مــدير المنطقــة والــذي يحمــل اســمه دلالات أحمدبصلة تــذكر. لأن

إيجابية فالحمد » نقيض الذم... والحمد للثناء... وأحمد الرجل: فعل ما يحمدــا4عليه« . وحوار هذه الشخصية على الرغم من قصره يشي بفســادها. وربم

هم الــذين يجــدون في شخصــه مــامدير المنطقةأشــخاص على شــاكلة لم يحمل من مدلولات اسمه،أحمديحمد عليه. وبذلك لا نستطيع الجزم أن

بل هــو بالفعــل محمــود ولكن من قبــل مــديره المعــروف بفســاده الأخلاقي.247، صـ2الأعمال الكاملة، جـ- 1 - لسان العرب، مادة )ولي(.2.215، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ3 - لسان العرب، مادة )حمد(.4

144

والوظيفي والذي لا يجد أي مــانع في أن تعمــل ابنتــه بائعـة هــوى في مــنزل ؛ مسوغا تواطؤه على أنه تصــرف نــابع من روح العصــر ونــوعفدوىالست

من الانفتاح على الجديد. التي لم يحب شــيئا في العــالم كمــا أحبهــا والــتيفاروق زوجة نجاة أما

دمرت كل أمل لديه وكل رغبة في إصلاح الأمور عندما عرف أنها أيضا تعمل ، وأنها من أحب البنــات إلى قلبهــا. ربمــا فدوىبائعة هوى في منزل الست

كانت نجاتها وخلاصها في معرفة زوجها للسر الذي ضاقت ذرعــا في إخفائــه عنه. أما وقــد عــرف فقــد شــعرت بالارتيــاح، تقــول: » اليــوم حين أخــبروني صـــعقت وتثلجت أطـــرافي. ولكن بعـــد قليـــل هـــدأت أنفاســـي، وشـــعرت بالارتياح... لأني اليوم سأنتهي من تمزقي، وعذاباتي الطويلة. سأودع القلق، ولسعات الندم، وأستريح. أنا الــتي أخطــأت، وتــورطت، وأنــا الــتي ينبغي أن

. وبذلك يكـون موتهـا نوعـا من الخلاص والتكفـير عمـا ارتكبتـه من1تموت «خيانة في حق حبها لزوجها.

الحــوادث الــتي تجــري في النصشعبانيلازم منمنمات تاريخية وفي عب.. كما لوكان شــاهد العيــان الوحيــد على مــا يجــري من أحــداث، و» الشــعب: الصــدع.. وشــعبان اســم للشــهر .. يكون إصلاحا ويكون تفريقا.. والشــ

ـهـ ظهــر بين شــهرين « في النص ظهــر بينشعبان. و2وسمي شــعبان.. لأنـاـني قــرر التراجــع، و شعبانفريقين؛ الأول أراد الوقوف في وجه التتار والث

يشهد الدمار والخراب الذي يحيط بكل ما حوله ولا رغبــة لديــه إلا في إيجــادصدر حنون يشفق على حاله في المحنة المدمرة التي تمر البلاد بها.

اــجرريحانة المجذوب نجد شعبان ومقابل ابنة الحلبي الــتي اشــتراها الت من والدها. ولتفقد الريحانة طيبها بين يدي التاجر البغيض الذي لم يردلامة

فيها إلا جسدا يلبي شهواته حتى لو اضـطر إلى اغتصـابها. وبـذلك يكــون في أسوأ من التتار أنفسهم. ريحانةنظر

الشاب الــذي يــرغب في الحفــاظ علىشرف الدين وتظهر دلالات اسم العلم والدين والأخلاق في أحلك الظروف، وحتى عنــدما يتخلى أســتاذه عنــه وعن وطنـه فـإن ذلـك لا يزيـده إلا إصـرارا على الوقـوف والتصـدي للخطـر

القادم.عادة »سعاد و يء الكثــير، فالســ الــتي تحمــل من مــدلولات اســمها الشــ

خلاف الشقاوة .. والإسعاد المعونة «. فهي الصــبية الــتي كــانت دومــا عونــاــا ــاد، وعون ـاـس على الجه ــرر حث الن لشرفلوالدها الشيخ الجليل عندما ق

في الصبر على الصعاب التي يمر بها، وفي النهاية كانت عونا لنفسهاالدينعندما وضعت حدا لحياتها رافضة أن تسمح للتتار بتلويث شرفها وكرامتها.

ــقية تصــور حيــاة امــرأتين مقهــورتين وعــذاباتهما الروحيــةأحلام ش امرأة مسيحيةماريو، صاحبة المنزلماريوالجسدية. المرأة الأولى هي

يدة مــريم العــذراء. ولا تخفى الدلالات الدينية للاســم فمــاري هــو اســم الســ مع السيدة مريم في الآلام التي وســمت حيــاة كلتيهمــاماريوربما تشترك

لم تعش سوى الألم والعـذاب بسـبب زواجماريعلى اختلاف طبيعة الألم. ــذي حرمهــا بب ال ــا كــان الســ ســقيم وزوج وضــيع. نقــل إليهــا مرضــا مزمن

جارتها: »لغادةالإحساس بأمومتها، ومعه فقدت كل إحساس بالحياة تقول .246، صـ2 - الأعمال الكاملة، جـ1لسان العرب، مادة )شعب(.- 2

145

بعد أن فقــدت ولــدي يــا غــادة.. زادت آلامي حــدة، وصــار وضــعي لا يطــاق. . وعندما عاد الأمــل إلى حياتهــا بقــدوم1وكنت وحيدة.. لا أعرف ماذا أفعل «

فارس سرق بشير فرحتها وأبعده عن حياتهــا تقــول: » ســل عمــري يومــا يوما، وأنا أتردد. وحين جاءتني فرحة صــغيرة، بــددها وأطفأهــا.. اغفـر لي يــا رب.. اغفري لي أيتهــا العــذراء.. ألم أقض حيــاتي كلهــا، وأنــا أديــر لــه الخــد الأيمن! لكن هذه المــرة.. أشــعر بالغضــب والغبن... لا أســتطيع أن أديــر لــه

ــاة 2الخد الأيمن « ــرح لم يكتبماري. فالمرارة والحزن طبعا حي ــأن الف وك ، والفارس بأمر ما هــو فارسوسبب تعاستها وشقائها هوماري لها. وزوج

. وفارس كما تصفه ماري » كان بلا صنعة، ولا يصبر على عمل،3العالم به وفوق هذا.. كان مقامرا، وكانت يده طويلة، وكان لا يعاشر إلا الأوغاد، وكــان

ـهـ لا يشــترك مــع مــدلولات4يدفعني إلى حياة كلها وحل وأكاذيب « . ويبدو أنهــ اسمه إلا في الجانب الساخر، من جهة أنه فارس في الوضاعة والدناءة لأن

ــدىغادةيبدو عالما خبيرا في هذا الأمر. والمرأة الثانية هي المستأجرة لإح كــذلكغادة. و5 والغادة هي الفتاة الناعمة اللينةماري.الحجرات في منزل

ــتزوج من ابن حقا فهي امرأة رقيقة طيبة خذلها شقيقها، وفرض عليها أن تقاءكاظمعمها المســاعد الفــظ المتســلط لتعيش معــه حيــاة يملؤهــا الشــ

اـلي: » كنت جثــة.. كنت أعتقــد أن الحيــاة لن تكــون إلا تصفها في حديثها الت . وفي هــذا الحــديث نراهـا6تكــرارا ســقيما للبلادة والعـذاب وخـواء الـروح «

في حياتهــا. لكن ثائرقانعة راضية بالمصير الــذي كتب لهــا، يصــبرها وجــود هذه الغادة الجميلة والرقيقة اللينة تتحــول إلى امــرأة أخــرى لا يكــاد زوجهــا يتعرف إليها لأنها ودون سابق إنذار تصــبح قويــة تتصــدى لصــلفه وجبروتــه لا

ري المســتأجر الجديــدلبشــيريهمها شيء. ومرد هذا التحول هو حبهــا الســ الذي يذكرها بشقيقها الغائب والذي قلب حياتهـا رأســا على عقب، تقــول: » فجأة .. تبدل كل شيء. أزهرت الدنيا، وتجددت. توهجت الحــواس، ولم تعــد

ــول7الأيام متشابهة.. ولو كنت أعلم، لواجهت العالم كله وانتظرت« . إذن تح كان سببه الحب. الحب الذي يحيــل المســتحيل حقيقــة وتصــبح أعــتىغادة

الصعاب هينة فداء له. ومن جديــد نــرى كم يقلب الحب المــرأة في نصــوصــائرة من ـوـس ويحيــل أرق النســاء وأكــثرهن خنوعــا ورضــا إلى بــراكين ث ون الغضب والحقد تتفجر في وجه كل من يحاول ســلبهن إيــاه. كمــا حــدث مــع

الذي جاء يزف إليها بشرى رحيل المستأجر فتنتابها موجة من كاظمزوجها الغضب تثير حنق زوجها وعندما يسألها عن ســبب غضــبها تجيبــه في الحــوار

التالي: أتريد حقا أن تعرف؟)تواجهه بغضب يائس( » غادة:

كاظم: احذري ولا تجعلي براكيني تتفجر. غادة: أتريد أن تعرف أم لا؟

كاظم: ستجعلين هذه الليلة جحيما..300، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ1.303- المصدر السابق ، صـ2- لسان العرب، مادة )فرس(.3.298، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ4- لسان العرب، مادة )غيد(.5.273، صـ2- الأعمال الكاملة، جـ6.298- المصدر السابق، صـ7

146

ــل ــا بن عمي. لا تجــر وراء الأقاوي ــل الأحــوال ي ــادة: هي الجحيم في ك غواسمعها مني.. أعتقد

ــوح بمــا يعتمــل فيغادة. يأس 1 أني أحبه « وقهرهــا دفعهــا إلى الب روحها دفعة واحدة دون خوف مما قد يفعلــه زوجهــا، لأن الحيــاة دون وجــود

أنكــاظم وقوتهــا يضــطر غادة هي المــوت عينــه. وأمــام جــبروت بشير يتجرع غيظه وغضبه منها لأنه يحبها ولا يستطيع أن يعيش بعيدا عنهــا. ويعــود

عنثــائر ابنهمــا غــادة لتجرع غضبه وألمه للمرة الثانية عندما تقتل كاظمـهـكــاظمطريــق الخطــأ وهي تحــاول أن تقتــل . لكن هــذه المــرة يكظم غل

وحقده خوفا من الفضيحة التي ستودي بسمعته ومركــزه الــوظيفي الجديــد.ــار ــة الع ــه الزائف ــرى حتى يجنب رجولت ــا ج ــتر عم ــفا أن يتس ــطر آس ويض

والفضيحة.ــيق من الحب وفي بلاد . لا بــد أن يلفت انتبــاه المتلقي أن اســميأض

ـةـ الأســماء فقــدإيفاونبيل العلم الوحيدين في النص همــا اســما . أمــا بقيديق- النــادل(، أو جــاءت حســب وظيفــة الشخصــية )ســائق التاكســي- الصــ حسب صفتها )القزم- الأبله- الرجل- الفتاة- المرأة(. وهــذا يــدل أن الكــاتبتـين تتجلى ــ تـين في النص، والل ــ ــيتين المحوري ــيز على الشخصـ ــد التركـ يريـ

. بلاد أضيق من الحبوظيفتهما الأساسية في خدمة العنوان شــاعر مرمــوق دخـل مرحلــة الكهولـة، وهـو مـتزوج ولديـه أولاد؛نبيل

رطان أحب ــة في ريعــان شــبابها.إيفاومــريض بالســ ، وهي رســامة موهوبـةـ والأمــل. ولإيفاوتجلى نبله في محبته نبيل الــتي ملأهــا بالتفــاؤل والمحب

ــة؛ اســتطاع أن الذي يختصر في مدلولات اسمه كل الصفات الإنســانية الحقدر الــدافئ الحنــون الــتي فقــدت الحنــان منــذ زمن بعيــد،لإيفايكــون الصــ

واستطاع بمحبته وصدقه وإنسانيته أن يعيد لهـا التفـاؤل والأمـل بـأن الحيـاةجميلة وتستحق أن تعاش.

» إيفا: أيقظتني من بلادتي اليومية..2 نبيل: نحيت موتي بعيدا «

وهي استطاعت بحبهـا أن تبعـد بـراثن المـوت عنـه وتعيــد لـه الرغبـة فيــه شخصــية إيفاالحياة. والدال ــانت علي إيفا رمز للحياة والتجدد وهذا ما ك

، يقول:نبيلفي النص كما وصفها » كنت أتفسخ قبل أن ألتقي بـك. لم يكن في داخلي إلا المـرارة ونـداءات الموت. وكان كل مـا حـولي بشـعا ومبتـذلا. ولكن.. مـا أن التقيت بـك، حتى استعدت حماستي وإيماني بأن الحياة بهية... حين أتأمل هذه النجــوم، وهـذه

. إذن3السماء الحليبية، وهذه الخضرة المتموجــة، أشــعر أني مــترع بــالحب« هي المعادل الموضوعي للحياة دون وجودها تفقد الحياة كل معنى لها.إيفا

لذا عنــدما تضــيق البلاد بحبهــا لنبيــل يجتاحهـا الحــزن وشــعور مميت بــالعجز والخذلان فتنسحب من الحياة عائــدة إلى بيت طفولتهــا، أو إلى الــدير الــذي قضت فيه طفولتها بعد أن فقدت كل أمل في إمكانيـة إيجـاد مكـان يجمعهـا وحبيبها بعيدا عن قسوة المجتمع وتقاليده. عندها يتخذ نبيل قراره بألا يفارق

.293- المصدر السابق، صـ1.43 - عن الذاكرة والموت، صـ2.41- المصدر السابق، صـ 3

147

ويطلب من المرأة المسؤولة عن رعاية المكــان أن تســمح لــه بالبقــاءإيفاخارج الدير لأنه لا مكان له ليعود إليه، كما يبين الحوار التالي:

» نبيل : انظري.. لن أزعج أحدا.. المرأة : ..أخشى أن تخلق لنا بعض المتاعب.

نبيل : تعالي.. اقتربي.. لن يطول بقائي. ســأموت بين لحظــة وأخــرى.كان

وجودها معي، هو الذي يغذي بارقــة الحيــاة في جســدي المتهالــك.؟تخيلي..

ــد يبدو أني كنت أحبها، وأنتظرها منذ ولادتي. ولكن لم ألتق بها إلا بعأن

. 1 داهمني دائي، الذي سأموت به«ـهـ وبإنســانية تظهر مدلولات الاسمين للمتلقي بوضــوح مــع نهايــة النص لأن

الإحساس بالأمان الذي افتقدتــه منــذ زمن طويــل،لإيفا وصدقه أعاد نبيل رغبــة في مقاومــة المــوت والعــودة إلىلنبيل الصافي أعــادت إيفاوبحب الحياة.

ولا بد أن يلحظ المتلقي أن اختيار الكاتب للأســماء لم يكن عشــوائيا، بــل كــان دقيقــا ومدروســا ليوظــف في خدمــة الشخصــية والنص ككــل. وكــانت الأسماء متنوعة بين عربية وأجنبية متداولــة ليعكس الواقــع الحيــاتي اليــومي

بأدق تفصيلاته التي تبدو للوهلة الأولى غير مهمة أو ثانوية.

.74، صـعن الذاكرة والموت- 1148

الخاتمة: تميزت الكتابة المسرحية عند سعد الله ونوس في نصوص التسعينيات،

عن المراحل السابقة من إبداعه المسرحي، بتبلور الذات الفردية التي وصلت إلى أقصى مراحل تحرر) أناها(. وبرز ذلك بجلاء في اللغة التي

كونت النص المسرحي، والذي حاولت الدراسة أن تقدم إضاءة على أهم المكونات التي أسهمت في وصوله إلى مصاف العالمية. وأبرز النتائج التي

خلصت الدراسة إليها: توظيف الموروث الشعبي بما يتناسب والسياقفي الفصل الأول كان

العام لمجريات الأحداث في النص المسرحي لعبة أجاد ونوس الإمسك بقيادها؛ فلم تحافظ الأمثال في النصوص على بنتيها الشعبية المتعارف

عليها. بل نالها ما نالها من قلب وتحوير وإسقاط لدوال لتحل محلها دوال جديدة تتناسب والرسالة التي يرغب المبدع في إيصالها إلى المتلقي، وتم ذلك بإجادة لغوية، جعلت المتلقي يقف من المثل موقف المحلل والناقد،

دون أن يشعر بغربة عن الأمثال التي اختزنها في ذاكرته وعاش معها لوقتطويل.

واستطاعت الأغنية الشعبية بما تملكه من بعد شاعري أن تنقل مشاعر الشخصيات وإحساساتها وآلامها وآمالها؛ في قالب فني وجمالي متماسك.

فكانت الأغنية في نصه دالا حمل مدلولات مهمة أضفت إلى الشخصيات والأحداث المزيد من المصداقية والشفافية التي زادت من التصاق النصوص

بواقع الحياة. وأظهرت النصوص موضوعية كبيرة في معالجة )موضوعة( المعتقد

الشعبي الذي أظهر الكاتب إيجابياته وسلبياته. إذ تجلى الجانب الإيجابي في توظيف الحلم الذي يعبر عن مكنونات النفس الحقيقية، أما الجانب السلبي

فقد برز في استخدام المعتقدات في السحر وتعطيل فاعلية الإنسان،وإرادته الحرة.

وجاء توظيف النكتة في النص، قليلا لأن المبدع لا يرغب أن يقدم عملا كوميديا، بل يريد أن يرد هذا التوظيف كما يرد في واقع الحياة. ببساطة

وعفوية تنبع من الموقف المسرحي الذي يقتضيه. إذن ونوس لم يدخر جهدالإغناء نصه، بالتوظيفات التراثية التي أسهمت في إيصال رسالته.

وفي الفصل الثاني استطاع ونوس أن يقدم شخصيات جعلت نصوصه نابضة بالحياة. ولم تكن الشخصيات في فترة التسعينيات على سوية واحدة

من جهة عمق الشخصية واكتمالها. إذ برزت الذوات الفردية للشخصياتفي أبعادها كافة وبخاصة في نصوصه الأخيرة.

وزاد من عمق الشخصيات وجمالها توظيفها للصور الفنية التي عبرت عن انفعالاتها وهواجسها، وحملت في ثناياها مواقف شجب واستنكار

وتحفظ وسعادة حسبما تقتضي اللحظة الشعورية الإنسانية لتلكالشخصيات في خضم الظروف التي تعيشها وتعايشها.

149

وامتازت العناوين في النصوص بكثافتها وشعريتها، وتغلغل العنوان في النص المسرحي الونوسي، كما تغلغل النص المسرحي في العنوان. ليصبح

العنوان بنية دالة مستقلة لها اشتغالها الدلالي بأبعادها المختلفة.كرار، سواء أكان على صعيد الكلمات أم الجمل تقليديا، بمعنى وجاء الت

التوكيد، فالكاتب يريد من المتلقي التركيز على فكرة أكثر من سواها. وفي استعمال ونوس للعامية اتضح أمران: الأول أن جزءا كبيرا من تلك

الاستعمالات له جذوره الفصيحة في اللغة. والثاني أنه استخدم ألفاظا أجنبية دخلت اللغة العربية نتيجة لظروف محددة. أي أنه لم يستخدم العامية

الدارجة. وفي الفصل الثالث تنوعت الرموز في نصوصه، بين رموز دينية وتاريخية وأسطورية جاءت متغلغلة في ثنايا النص. لتكون بمثابة الشاهد على لحظة

انعتاق الشخصيات من الأمراس التي تكبل فاعلية وجودها، أو لتكون شاهدا على تخاذلها وضعفها أمام مغريات الواقع. والأمر الذي ينزاح على الأسماء

التي وفي معظم الحالات كثفت الشخصية في كلمة. العمل الأدبي عامة والمسرحي خاصة كل متكامل، لكن ومما سبق نجد أن

اللغة التي يصاغ منها هي التي تجعل منه عملا عاديا أو إبداعا خالصا. وقد فهم ونوس هذه المعادلة فهما عميقا مكنه من الولوج والغوص عميقا في

حياة الإنسان العربي، وحاول ألا يغفل تفصيلا مهما بدا صغيرا من تفصيلات حياته، وهو الذي يقول: » ليس وجودنا هو السؤال الجوهري وإنما نوعية

ذلك الوجود«. في الختام هذا جهد المقل فإن أصبت فبتوفيق من الله وإن جانبني

الصواب فمن نفسي، والذي أرجوه هو أن أكون قد وفقت فيما توصلت إليه في عملي عل أن يكون لبنة متواضعة تنضاف إلى مكتبة الدراسات النقدية

المسرحية والله ولي التوفيق.

والمراجع المصادر ثبت

: المصادر 1). الكريم القرآنجـ (2 ونوس، الله سعد الكاملة، ط 3-2-1الأعمال بيروت، الآداب، دار ،1،

2004.

150

3) ) ( ط دمشق، الأهالي، ونوس، الله سعد ، مسرحية المخمورة ،1الأيام1997.

4) ) ( ط دمشق، الأهالي، ونوس، الله سعد ، نصوص والموت الذاكرة ،1عنط 1996 ،2 ،1997.

.1980فاوست، غوته، تر: سهيل أيوب، دار الجداول والينابيع، (5

: العربية المراجع1) - التأليف لجنة عنان، الله عبد محمد الفكري، وتراثه حياته خلدون ابن

ط القاهرة، والنشر، .1965، 3والترجمة

ط (2 بيروت، المعرفة، دار هلال، هيثم العالم، .2004، 1أساطير

ط (3 دمشق، الدين، علاء دار السواح، فراس والمعنى، .،1997، 1الأسطورةط (4 مصر، نهضة دار إبراهيم، نبيلة الشعبي، الأدب في التعبير ،2أشكال

1974.

دمشق، (5 نصر، مطبعة الأسود، نزار الشامية، الشعبية .1992الأمثال

6) . / / اتحاد الموسى، خليل د ، دراسة المتكاملة المعاصرة العربية القصيدة بنية

دمشق، العرب، . 2003الكتاب

7) - – حسن ونوس الله سعد تطبيقية دراسة المسرح في التراث توظيف

ط دمشق، بترا دار المخلف، .2000، 1علي

8) / / دار ديب، أبو ،كمال الشعر في بنيوية دراسات والتجلي الخفاء جدلية

ط بيروت، للملايين، ط 1979، 1العلم ،4 ،1995.

9) : القادر عبد مأمون إعداد السعافين، إبراهيم والتراث، الغيطاني جمال

القاهرة، مدبولي، مكتبة .1992الصحادي،

10)) ( ، أنموذجا علي الإمام خطب الحربي الخطاب في الفنية الصورة حجاجية

دمشق،. نينوى، دار عمران، علي .2009د

دار (11 مبيض، سعيد محمد الشامية، الديار في الشعبية والأمثال الحكم

قطر، .1986الثقافة،

12) ) ( عبد ، النص وتحليل الحداثة الفنية والصورة الحداثوي الشعري الخطاب

ط البيضاء، الدار العربي، الثقافي المركز الصائغ، .1999، 1الإله

151

13)( العربي العالم في المسرحي وقضايا،( 2006-1990الخطاب إشكاليات

ط البيضاء، الدار بيروت، العربي، الثقافي .2007، 1المركز

14) . المعارف، دار أحمد، فتوح محمد د المعاصر، الشعر في والرمزية الرمز

.1984، 3ط

15) . التكوين، دار الحسين، خالد د التأويل، إلى التشفير من العلامات شؤون

ط .2008، 1دمشق،

16) - - علي ، والنقد والعرض النص لشعرية مقاربات المسرحي المتخيل غواية

ط بيروت، البيضاء، الدار العربي، الثقافي المركز . 1997، 1عواد،

17) / مغرب، مشرق دار اليوسف، أكرم سميائية، دراسة المسرحي الفضاء

ط .1994، 1دمشق،

المجلد (18 الحلبية، والقدود العربي .1الفلكلور ط، د الجبقجي، الرحمن عبد ،

. ت. د19) . خالد د النصية، العتبة شؤون في تأويلية مغامرة العنوان نظرية في

دمشق، التكوين، دار .2007حسين،

20) . بيروت، العودة، دار هلال، غنيمي محمد د المسرحي، النقد .1975في

21) ( التسعينات نصوص ونوس الله سعد مسرح في سميائية قراءات

. ط ( دمشق، الأهالي، دار بصل، إسماعيل محمد د ، .2000، 1نموذجا

22) ) ( دراسة تطبيقيا نموذجا قباني نزار وتشكيلا لغة الشعري النص قراءة

. ط دمشق، الينابيع، دار الطالب، محمد هايل د تطبيقية، .2006، 1لسانية

وشهادات (23 ( قضايا ( ونوس الله .سعد عبد د المبدع، المثقف، الإنسان،

. ط دمشق، كنعان، دار دراج، فيصل د منيف، .2000، 1الرحمن

24)( العربية الرواية في وتجلياتها الشعرية المؤسسة( 2000-1970اللغة ،

ط بيروت، والنشر، للدراسات .2004، 1العربية

25) / دار السواح، فراس والأسطورة، الدين وأصل المؤنثة الألوهة عشتار لغز

ط دمشق، الدين، ط 1985، 1علاء ،2 ،2002.

البيضاء، (26 الدار العربي، الثقافي المركز منيف، الرحمن عبد الغياب، لوعة

1998.

27) ) ( جـ ، المؤلفون العشرين القرن الفارابي، 1مسرح دار محفوظ، عصام ،

ط .2002، 1بيروت،

152

28) . دار الثقافة، دائرة الأسدي، جواد د فينا، الذي والفلسطيني المسرح

ط دمشق، 1الأهالي، 1992،.

ط (29 القاهرة، الثقافة، دار مرسي، علي أحمد الفلكلور، في .1981، 2مقدمة

30) . العربية المؤسسة الطاهر، جواد علي د الأدبي، النقد في مقدمة

ط بيروت، والنشر، .1979، 1للدراسات

31) . دار عجينة، محمد د ودلالاتها، الجاهلية في العرب أساطير موسوعة

ط بيروت، .1994، 1الفارابي،

الأقصى (32 دار السهلي، توفيق الفلسطينية،محمد الشعبية الأمثال موسوعة

. . . ط د ت، والترجمة،د والنشر للدراسات33) . : شاهين، فؤاد د تر بارو، وفرنسواز دورون رولان النفس، علم موسوعة

ط بيروت، والطباعة، للنشر .1997، 1عويدات

34)/) ( / ، والمفاهيم الاصطلاحات الأول المجلد العربية الفلسفية الموسوعة

. : ط العربي، الإنماء معهد زيادة، معن د التحرير .1986، 1رئيس

35) . الدار خمري، حسين د الدال، سيميائية إلى المعنى بنية من النص نظرية

ط بيروت، للعلوم، .2007، 1العربية

ط (36 دمشق، الينابيع، دار مفلح، فيصل الوجود، في الرمز .2008، 1هيكلية

: الأجنبية المراجع1) . : محمد د تر كوسيدوفسكي، زنزن التوراة، في والحقيقة الأسطورة

ط دمشق، الأهالي، دار .1996، 1مخلوف،

2) : الحوار، دار حاتم، صلاح تر فروم، إريش والأحلام، والأساطير الحكايات

ط .1990، 1اللاذقية،

3) : فرانكلين، مؤسسة جبرا، إبراهيم جبرا تر بنتلي، إريك الدرامة، في الحياة

نيويورك، ، .1968بيروت

4) : جورج تر فرويد، سيغموند ، النفسي التحليل في دروس خمسة

ط بيروت، الطليعة، دار ط 1979 1طرابيشي، ط 1981، 2، ،3 ،1986.

5): : . له وقدم راجعة الخليلي، صادق جعفر تر داوسن، و س والدرامية، الدراما

بيروت. عويدات، دار منشورات إسماعيل، غزوان عناد ط د ،2 ،1989.

153

6) : ) ( القاهرة، خشبة، دريني تر ، الابن روجر بسفيلد م المسرحي، الكاتب فن

مصر، النهضة، ط 1978دار باريس، ،2 ،1989.

7) : الثقافة، وزارة كاسوحة، حسيب تر إلياد، مرسيا الأسطورة، ملامح

.1995دمشق،

المعاجم:1.. . . . ط د ت، د القاهرة المعارف، دار منظور، ابن العرب، لسانبيروت،ط .2 للملايين، العلم دار النور، عبد جبور الأدبي، .1979، 1المعجم

ط .3 بيروت، لبنان، مكتبة كيال، منير الشام، أهل أمثال في الكلام درر معجم1 ،1993.

م .4 العالم، وأساطير ديانات . 2معجم . : مكتبة إمام، الفتاح عبد إمام د أ إعداد ،

. . ت د ط، د القاهرة، .مدبولي،

5. ( الفرنسية و والإنجليزية العربية في الفلسفة لمصطلحات الشامل المعجم

. عبد ( د ، واليونانية والعبرية واللاتينية والروسية والإيطالية والألمانية

ط القاهرة، مدبولي، مكتبة الحفني، .2000، 3المنعم

6. . ط بيروت، لبنان، مكتبة يونس، الحميد عبد د الفلكلور، .1983، 1معجم

ط .7 بيروت، لبنان، مكتبة بهنسي، عفيف والعمارة، الفن .1995، 1معجم

8.. » « د ، العرض وفنون المسرح ومصطلحات مفاهيم المسرحي المعجم

. ط بيروت، لبنان، مكتبة حسن، قصاب حنان ود إلياس . 1997، 1ماري

9. . لبنان، مكتبة مطلوب، أحمد د وتطورها، البلاغية المصطلحات معجم

ط .1996، 2بيروت،

10. . الشعب،- دار حمادة، إبراهيم د والمسرحية، الدرامية المصطلحات معجم

1971.

11.) ( ، فلكلوري تأصيلي لهجي معجم الشعبية والتعابير المصطلحات قاموس

لبنان،بيروت، مكتبة سعد، أبو .1987أحمد

الدوريات:

154

الحديث .1 العربي المسرح في والفصحى العامية جماليات حول . تساؤلات د ،

العدد الكويت، البيان، مجلة العساف، خلف الله إبريل، 393عبد ،2003.

الأدبي .2 الموقف مسعود، رشيد المسرحية، الظاهرة العدد جوهر ،86، دمشق، العرب، الكتاب اتحاد .1978حزيران،

المعاصر .3 الصهيوني النهج في الملك مجلة داود خياطة، وحيد محمد ،

العدد دمشق، الثاني، 251المعرفة، كانون ،1983.

4. / الإسرائيلية الصهيونية العقلية لدراسة محاولة والسلام إسرائيل ، قادةالعدد الأدبي، الموقف حسين، الثاني، 9راشد كانون ،1974.

ونوس .5 الله سعد عند أدبيا نصا الحياة المسرحية مجلة صالح، صلاح ، العدد دمشق، 40المسرحية، الثقافة، وزارة ،1994.

155