،ﻢﻬﳊﺎﺼﻣﻭ ﻻ .ﻪﺘﲪﺭ ﻪﺋﺎﻨﺛﺃ ﰒ .ﺖﻗﻮﻟﺍ ·...

687
ﻛﺘﺎﺏ: ﺍﻟﻨﺎﺻﺢ ﻭﺍﻷﻧﻴﺲ ﺍﻟﺼﺎﱀ ﺍﳉﻠﻴﺲ ﺍﳌﺆﻟﻒ: ﺯﻛﺮﻳﺎ ﺑﻦ ﺍﳌﻌﺎﰱ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺍﻟﺮﲪﻦ ﺍﷲ ﺑﺴﻢ. ﻣﻘﺪﻣﺔ ﺃﻧﻴﺐ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺗﻮﻛﻠﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﺎﷲ ﺇﻻ ﺗﻮﻓﻴﻘﻲ ﻭﻣﺎ ﺃﻋﻼﻡ ﻣﻦ ﺍﳌﻤﻴﺰﻳﻦ ﻧﻔﻮﺱ ﺃﻭﺩﻋﻪ ﻭﲟﺎ ﺣﻜﻤﺘﻪ، ﻟﻄﺎﺋﻒ ﻭﺑﺪﻳﻊ ﺻﻨﻌﺘﻪ، ﺑﺈﺗﻘﺎﻥ ﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺩﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﳊﻤﺪ ﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﻭﺍﺳﺘﺤﻖ ﺭﺑﻮﺑﻴﺘﻪ، ﻧﻌﻤﺘﻪ، ﻣﻦ ﺃﺳﺒﻎ ﲟﺎ ﻭﺍﻹﺷﺎﺩﺓ ﻭﺍﻟﺸﻜﺮ ﻟﻌﺰﺗﻪ، ﻭﺍﳋﺸﻮﻉ ﻟﻌﻈﻤﺘﻪ، ﺍﳋﻨﻮﻉ ﻜﻠﻒ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﳌﺎ ﺗﺮﺗﺎﺡ ﻭﻋﻘﻮﳍﻢ ﺍﺑﺘﺪﻋﻪ، ﻣﺎ ﳏﺎﺳﻦ ﻣﻴﺎﺩﻳﻦ ﺗﺴﺮﺡ ﺃﻭﻟﻴﺎﺋﻪ ﻗﻠﻮﺏ ﻭﺟﻌﻞ ﺭﲪﺘﻪ، ﻣﻦ ﻭﻧﺸﺮ ﺍﶈﻈﻮ ﻣﻦ ﻋﻨﻪ ﺯﺟﺮﻫﻢ ﻋﻤﺎ ﺍﳌﺒﺎﺣﺎﺕ، ﻣﻦ ﳍﻢ ﺑﺴﻂ ﲟﺎ ﺑﺎﻟﺘﻨﻌﻢ ﻓﺄﻏﻨﺎﻫﻢ ﺍﺧﺘﺮﻋﻪ، ﲟﺎ ﺍﳌﻌﺮﻓﺔ ﺍﺳﺘﻨﺒﺎﻁ ﻣﺎ ﻓﺼﺎﺭ ﺭﺍﺕ، ﻭﺗﺼﺮﻳﻔﻬﻢ، ﻋﺒﺎﺩﻩ، ﺗﺪﺑﲑ ﺃﻓﻌﺎﻟﻪ ﻭﻏﺮﻳﺐ ﺍﺑﺘﺪﺃﻩ، ﻓﻴﻤﺎ ﺍﻟﻐﺮﺽ ﻭﺷﺮﻳﻒ ﺃﻧﺸﺄﻩ، ﻣﺎ ﻟﻄﻴﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺗﺪﺭﻛﻪ ﺇﻟﻪ ﺃﻥ ﻭﺃﺷﻬﺪ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺗﺸﺘﻤﻞ ﺃﻭﻋﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﱵ ﺃﺟﺴﺎﺩﻫﺎ ﺃﻗﻮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﰉ ﳍﺎ ﺃﻗﻮﺍﺗﺎﹰ ﻭﻣﺼﺎﳊﻬﻢ، ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﻢ ﻭﺗﻘﺪﻳﺮ ﻭﺃﻧﻪ ﺳﻮﺍﻩ، ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﻛﻠﻬﺎ ﺍﻟﻨﻌﻢ ﻭﱄﹼ ﺍﷲ، ﺇﻻ ﻫﻮﺍﻩ، ﺇﺗﺒﺎﻉ ﻣﻦ ﻋﺼﻤﻪ ﳌﻦ ﺇﻻ ﺻﻼﺡ ﻭﻻ ﻫﺪﺍﻩ، ﳌﻦ ﺇﻻ ﻓﻼﺡ ﻭﺃﻋﻼﻩ، ﻭﺭﻓﻌﻪ ﻭﺍﺻﻄﻔﺎﻩ، ﺍﺋﺘﻤﻨﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺭﺳﻮﻟﻪ ﻭﺍﺟﺘﺒﺎﻩ، ﺍﺧﺘﺎﺭﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﻧﺒﻴﻪ ﺍﺭﺗﻀﺎﻩ، ﺍﻟﺬﻱ ﻋﺒﺪﻩ ﳏﻤﺪﺍ ﻭﺃﻥ ﺁﻟﻪ ﻭﻋﻠﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﻳﺼﻠﻲ ﺃﻥ ﻭﻧﺴﺄﻟﻪ ﻋﺪﺍﻩ، ﺁﺩﻣﻲ ﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻣﻨﺎﺯﻝ ﺑﺄﻋﻠﻰ ﻭﺃﺑﺎﻧﻪ ﻭﺣﺒﺎﻩ، ﺍﻟﻨﺒﻮﺓ ﲞﺘﻢ ﻭﺧﺼﻪ ﻭﻳﺴﻠ ﻧﻮﺭﻩ ﺇﱃ ﻭﺍﻟﺪﺍﻋﲔ ﻭﺫﺭﺍﻩ، ﻇﻠﻪ ﺇﱃ ﺍﻵﻭﻳﻦ ﻣﻦ ﻭﳚﻌﻠﻨﺎ ﻭﺃﻧﺒﺎﻩ، ﺗﻜﺮﱘ ﺃﰎ ﻭﻳﻜﺮﻣﻪ ﻭﺻﻼﺓ، ﺗﺴﻠﻢ ﺃﺯﻛﻰ ﻭﳐﺎﻟﻔﺘﻪ، ﻋﺼﻴﺎﻧﻪ ﻭﳎﺎﻧﺒﺔ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ، ﻹﻳﺜﺎﺭ ﻭﻳﻮﻓﻘﻨﺎ ﻣﻌﺼﻴﺘﻪ، ﻭﺍﻟﻮﻟﻮﺝ ﻃﺎﻋﺘﻪ، ﻋﻦ ﺍﳋﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﻭﻳﻌﺼﻤﻨﺎ ﻭﻫﺪﺍﻩ، ﺭﲪﺘﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺍﳌﻌﻮﻧﺔ ﻟﻪ، ﻭﺍﻟﺘﻴﺴﲑ ﺑﺬﻟﻚ، ﺍﻹﻧﻌﺎﻡ ﻭﻫﻮ. ﻭﻧﻌﻤﻪ، ﻭﺃﻳﺎﺩﻳﻪ ﻭﺣﻜﻤﻪ، ﺍﷲ ﺧﻠﻖ ﻋﺠﺎﺋﺐ ﻣﻦ ﺃﺷﻴﺎﺀ ﻓﻜﺮﺕ ﺧﻠﺖ، ﻭﺳﻨﺔ ﻣﻀﺖ، ﻣﺪﺓ ﻣﻨﺬ ﻓﺈﻧﲏ ﺑﻌﺪ، ﻣﺎ ﻓﺸﺎ ﻗﺪ ﻭﻣﺎ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ، ﺣﻮﺍﺩﺙ ﻣﻦ ﺷﱴ ﻭﻓﻨﻮﻥ ﻭﺃﺷﺠﺎﻥ، ﻭﻟﻮﻋﺎﺕ ﻭﺃﺣﺰﺍﻥ، ﳘﻮﻡ ﺍﻛﺘﻨﻔﺘﲏ ﻭﻗﺪ ﻭﻧﻘﻤﻪ، ﻭﻣﺜﻼﺗﻪ ﻣﻦ ﺃﻭﱃ ﻫﻮ ﻣﺎ ﻭﺃﻥ ﻭﺍﻟﺘﺒﺎﻋﺪ، ﻭﺍﻟﺘﻘﺎﻃﻊ ﺍﻟﺘﺤﺎﺳﺪ، ﺍﻟﺘﻈﺎﱂ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺇﱃ ﻓﺎﺭﻗﻮﻩ ﻗﺪ ﻟﻠﻤﺠﺎﻧﺴﺔ، ﺍﻷﻧﺲ ﻭﺳﻠﻮﺓ، ﺃﻧﺲ ﻃﻤﻌﺎ ﺟﻠﻴﺲ ﺇﱃ ﺗﻄﻠﻌﺖ ﻭﺍﳋﻠﻮﺓ، ﺑﺎﻟﻮﺣﺪﺓ ﺍﻻﺳﺘﺌﻨﺎﺱ ﻋﻠ ﻰ ﻭﺣﺼﻠﺖ ﻟﻠﻤﻨﺎﻓﺴﺔ، ﺍﻻﺳﺘﻴﺤﺎﺵ ﻳﺴﺘﻔﺎﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﳉﺪ ﻣﻦ ﺃﻧﻮﺍﻋﺎ ﺃﺿﻤﻨﻪ ﻛﺘﺎﺑﺎ ﺃﻧﺸﺊ ﺃﻥ ﻓﻼﺡ ﺟﺎﻫﻞ، ﻏﱯ ﻛﻞ ﻭﺍﺗﻔﻖ ﻋﺎﻗﻞ، ﻟﺐ ﺫﻭ ﻓﺄﻋﻮﺯﱐ ﺃﺛﻨﺎﺋﻪ ﺍﳍﺰﻝ ﻭﻣﻦ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﻌﺘﻤﺪ ﻓﻴﻬﺎ، ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻳﺴﻬﻞ ﺍﻷﻧﻮﺍﻉ ﺍﺧﺘﻼﻑ ﻓﺈﻥ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻳﺴﺘﺮﺍﺡ ﺍﺳﺘﻤﺎﻋﻪ ﻳﺴﺮ ﻣﺎ ﻣﻮﺯﻋﺔ ﳎﺎﻟﺲ ﻭﺃﺟﻌﻠﻪ ﻛﺜﲑﺓ، ﻭﺁﺩﺍﺑﺎﹰ ﻏﺰﻳﺮﺓ ﻋﻠﻮﻣﺎ ﺃﺿﻤﻨﻪ ﻭﺃﻥﺎ، ﺍﻻﺳﺘﻤﺘﺎﻉ ﻭﻳﻮﻓﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻭﻳﻨﺸﻂ ﹰ، ﳏﻈﻮﺭﺍﺎﻟﺲ ﻣﻦ ﻗﺪﺭﺍ ﻭﻻ ﳏﺼﻮﺭﺍ ﺍﻟﻌﺪﺩ ﻣﻦ ﻣﺒﻠﻐﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﺷﺘﺮﻁ ﻭﱂ ﻭﺍﻟﻠﻴﺎﱄ، ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﻃﻮﺍﺭﻕ ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﻋﻠﻰ ﻭﻧﻔﺴﻲ ﺁﺛﺮﺗﻪ، ﻣﺎ ﻭﺑﲔ ﺑﲔ ﺣﺎﻟﺖ ﻭﻓﻈﺎﺋﻌﻪ، ﻭﺃﻫﻮﺍﻟﻪ ﻭﻗﻮﺍﻃﻌﻪ، ﻭﻋﻮﺍﺋﻘﻪ ﻭﻓﺠﺎﺋﻌﻪ، ﻭﺃﺣﺪﺍﺛﻪ ﻭﻣﻮﺍﻧﻌﻪ، ﻓﻴﻪ، ﺍﻟﺸﺮﻭﻉ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻫﺬﺍ ﻧﻔﺴﻲ ﲪﻠﺖ ﺇﻧﲏ ﺍﻧﺘﻬﻴﻨﺎ، ﺣﻴﺚ ﺇﱃ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻣﻨﺎﺯﻋﺔ ﻟﻪ ﻭﻣﺆﺛﺮﺓ ﺑﻪ، ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺃﺻﺤ ﺑﻌﺾ ﺃﻥ ﻓﻴﻪ ﻋﻠﻲ ﺍﻷﻣﺮ ﻭﺳﻬﻞ ﺑﻪ، ﺍﻻﺷﺘﻐﺎﻝ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﺇﻣﻼﺀ ﻋﲏ ﻳﻜﺘﺒﻪ ﺎﺑﻨﺎ.

Upload: others

Post on 03-Nov-2019

8 views

Category:

Documents


0 download

TRANSCRIPT

  • لناصح: كتاب اجلليس الصاحل واألنيس اا : املؤلف زكري املعاىف بن

    .بسم اهللا الرمحن الرحيم

    مقدمة

    وما توفيقي إال باهللا عليه توكلت وإليه أنيب

    احلمد هللا الذي دل على معرفته بإتقان صنعته، وبديع لطائف حكمته، ومبا أودعه نفوس املميزين من أعالم كلف اخلنوع لعظمته، واخلشوع لعزته، والشكر واإلشادة مبا أسبغ من نعمته، ربوبيته، واستحق على كل م

    ونشر من رمحته، وجعل قلوب أوليائه تسرح يف ميادين حماسن ما ابتدعه، وعقوهلم ترتاح ملا من عليهم من رات، فصار ما استنباط املعرفة مبا اخترعه، فأغناهم بالتنعم مبا بسط هلم من املباحات، عما زجرهم عنه من احملظو

    تدركه العقول من لطيف ما أنشأه، وشريف الغرض فيما ابتدأه، وغريب أفعاله يف تدبري عباده، وتصريفهم، وتقدير منافعهم ومصاحلهم، أقواتاً هلا ترىب على أقوات أجسادها اليت هي أوعية تشتمل عليها، وأشهد أن ال إله

    فالح إال ملن هداه، وال صالح إال ملن عصمه من إتباع هواه، إال اهللا، ويلّ النعم كلها دون من سواه، وأنه الوأن حممداً عبده الذي ارتضاه، ونبيه الذي اختاره واجتباه، ورسوله الذي ائتمنه واصطفاه، ورفعه وأعاله،

    وخصه خبتم النبوة وحباه، وأبانه بأعلى منازل الفضل على كل آدمي عداه، ونسأله أن يصلي عليه وعلى آله م أزكى تسلم وصالة، ويكرمه أمت تكرمي وأنباه، وجيعلنا من اآلوين إىل ظله وذراه، والداعني إىل نوره ويسل

    ا إليثار عبادته، وجمانبة عصيانه وخمالفته، وهداه، ويعصمنا من اخلروج عن طاعته، والولوج يف معصيته، ويوفقن .وهو يل اإلنعام بذلك، والتيسري له، واملعونة عليه من رمحته

    خلت، فكرت يف أشياء من عجائب خلق اهللا وحكمه، وأياديه ونعمه، أ ما بعد، فإنين منذ مدة مضت، وسنةَ ومثالته ونقمه، وقد اكتنفتين مهوم وأحزان، ولوعات وأشجان، وفنون شىت من حوادث الزمان، وما قد فشا

    األنس للمجانسة، قد فارقوه إىل يف الناس من التظامل التحاسد، والتقاطع والتباعد، وأن ما هو أوىل هبم من اً يف أنس وسلوة، االستيحاش للمنافسة، وحصلت على االستئناس بالوحدة واخللوة، مث تطلعت إىل جليس طمعفأعوزين ذو لب عاقل، واتفق يل كل غيب جاهل، فالح يل أن أنشئ كتاباً أضمنه أنواعاً من اجلد الذي يستفاد

    ما يسر استماعه ويستراح إليه، فإن اختالف األنواع يسهل النظر فيها، ويعتمد عليه، ومن اهلزل يف أثنائهوينشط الوقوف عليها، ويوفر االستمتاع هبا، وأن أضمنه علوماً غزيرة وآداباً كثرية، وأجعله جمالس موزعة

    اً من العدد حمصوراً وال قدراً من اجملالس حمظوراً، مث إن طوارق الزمان على األيام والليايل، ومل اشترط فيها مبلغا آثرته، ونفسي على هذه وموانعه، وأحداثه وفجائعه، وعوائقه وقواطعه، وأهواله وفظائعه، حالت بني وبني م

    متعلقة به، ومؤثرة له ومنازعة إليه، إىل حيث انتهينا، مث إنين محلت نفسي يف هذا الوقت على الشروع فيه، .ابنا يكتبه عين إمالء يف الوقت بعد الوقتاالشتغال به، وسهل األمر علي فيه أن بعض أصح

  • وقد صنف يف حنو هذا الكتاب مجاعة من أهل العلم واألدب كتباً على أحناء خمتلفة، فمنهم من جعل مجلة كتابه جامعة لكتب مكتتبة، ومنهم من جعله أبواباً مبوبة، وأفرد أبوابه بفصول مميزة، ومعان خاصة غري ممتزجة، ومسى

    ألفه اجلواهر وبعضهم زاد املسافر وبعضهم الزهرة وبعضهم أنس الوحدة، يف أشباه هلذه بعض هؤالء ما السمات عدة، وعمل أبو العباس حممد بن يزيد النحوي كتابه الذي مساه الكامل، وضمنه أخباراً وقصصاً ال

    ثله به لسعة علمه وقوة إسناد لكثري منها، وأودعه من اشتقاق اللغة وشرحها وبيان أسرارها وفقهها ما يأيت مجلي النحو واإلعراب وغامضها ما يقل وجود من يسد فيه مسده، فهمه، ولطيف فكرته، وصفاء قرحيته، ومن

    إال أن كتابه هذا مقصر عما ومسه به، واختاره من ترمجته، وغري الئق به ما آثره من تسميته، فحطه هبذا عن اهللا ما أبني انتفاء هذا الكتاب عن نسبه، وأشد منافاته كانت حاصلة له، فسبحان - لوال ما صنعه -منزلة وأنشأ الصويل كتاباً مساها األنواع مبوباً أبواباً شىت غري مستوفاة، وأتى فيه بأشياء مستحسنة على ما ضم ! للقبه

    ه، إليه من أمور مستهجنة، وصنف أيضاً كتاباً كأيب قماش مساه النوادر، وهجاه بعض الشعراء مبا كرهت حكايتيما بلغين استغرب ضحكاً، غري أن اجلميل أمجل، والتسلم من أعراض الناس أمثل، وإن كان حني وقف عليه فوصنف قوماً كتباً يف هذا الباب تشتمل على فقر من اآلداب والفوائد منثورة غري مبوبة، وخملوطة غري مقيدة،

    .بفصول متميزة وال أبواب متحيزة الكايف، واألنيس الناصح الشايف وأودعته كثرياً من فنون العلوم واآلداب، وقد مسيت كتايب اجلليس الصاحل

    على غري حصر بفصول وأبواب، وضمنته كثرياً من حماسن الكالم وجواهره، وملحه ونوادره، وذكرت فيه ، ومن أصوالً من العلم أتبعتها شرح ما يتشعب منها، ويتصل هبا حبسب ما حيضر يف احلال، مما يؤمن معه املالل

    ا أتيت به من هذا، علم أن كتابنا أحق بأن يوصف بالكمال واالستيفاء، والتمام واالستقصاء، وقف على موصدق ومسه باجلليس واألنيس، فإن الكتاب إذا حوى ما وصفناه من احلكمة وأنواع الفائدة، كان ملقتنيه

    قيل يف الكتاب ما معناه أنه حاضر والناظر فيه مبنزلة جليس كامل وأنيس فاضل، وصاحب أمني عاقل، وقد نفعه، مأمون ضره، ينشط بنشاطك فينبسط إليك، وميل مباللك فينفض عنك، إن أدنيته دنا، وإن أنأيته نأى، ال

    :يبغيك شراً، وال يفشي عليك سراً، وال ينم عليك، وال يسعى بنميمة إليك، ولذلك قال بعضهم انك األصحابهتلو به إن خ... نعم الصاحب واجلليس كتاب

    وتنال منه حكمة وصواب... ال مفشياً عند القطيعة سره :وقال آخر

    ألباء مأمونون غيباً ومشهدا... لنا جلساء ما منل حديثهم وال نتقي منهم لساناً وال يداً... يفيدوننا من علمهم طرف حكمة

    .يف أبياتكيف يستوحش من : منفرداً هبيت؟ فقالأما تستوحش من مقامك : وذكر عن عبد اهللا بن املبارك أنه سئل

    جيالس النيب صلى اهللا عليه وسلم وأصحابه رضوان اهللا عليهم، وقد كان بعض من كان له يف الدنيا صيت : ومكانة، عاتبين على مالزميت املنزل، وإغبايب زيارته، وإقاليل ما عودته من اإلملام به وغشيان حضرته، وقال يل

    أنا يف منزيل إذا خلوت من جليس يقصد جمالسيت، ويؤثر : ذا من املقالة، فقلت لهأما تستوحش الوحدة وحنو همساجليت، يف أحسن أنس وأمجله، وأعاله وأنبله، ألنين أنظر يف آثار املالئكة واألنبياء، واألئمة والعلماء،

  • ة واألدباء، والكتاب وخواص األعالم احلكماء، وإىل غريهم من اخللفاء والوزراء، وامللوك والعظماء، والفالسفوالبلغاء، والرجاز والشعراء، وكأنين جمالس هلم، ومستأنس هبم، وغري ناء عن حماضرهتم لوقويف على أنبائهم،

    .ونظري فيما انتهى إيل من حكمهم وآرائهم

    وقد جتشمت إمالء هذا الكتاب على ما خلفته ورائي من طول السنني، حصلت فيه من عشر التسعني، مع ا أزال مرمتضاً به، وممتعضاً منه لفساد الزمان وانتكاسه، وعجيب ترادف اهل موم وتكاثف الغموم، ومشاهدة م

    تقلبه وانعكاسه، واختالطه وارتكاسه، ووضعه األعالم الرفعاء، ورفعه الطغام الوضعاء، فقد أحل األراذل حمل اجلاهل، وصري الناقص مكان األفاضل، وأعطى السفيه األخرق حظ النبيه العاقل، وصرف نصيب العامل إىل

    الوافر الكامل، والراجح الفاضل، وقدم على العلم املربز الغفل اخلامل، ولقد قلت يف بعض ما دفعت إليه، :وامتحنت به، حني منعت النصف، ومحلت على اخلسف، حىت انقدت للعنف، وأصبحت عند الغلبة والعسف

    وأمري غري مشتبه... عالم أعوم يف الشبه على ما يب من الوله... أليام معترباً أرى ا

    وحظ غري منتبه... بلحظ غري ذي سنة أكثر من أقل به... أروح وأغتدي غبناً

    :وقلت يف حنو هذا املعىن وألتمس الشراب من السراب... أأقتبس الضياء من الضباب وأرياً من جىن سلع وصاب... أريد من الزمان النذل بذالَ

    سراة الناس يف زمن الكالب... ياقي أرجي أن أالقي الشتيف كثري من حنو هذا من النثر والقريض، وذم الزمان السوء بالصريح والتعريض، وأرجو أن يغري اهللا ما أصبحنا

    منه ممتعضني، وأمسينا معه مرمتضني، ويشفي صدور قوم مؤمنني، ويذهب غيظ قلوب األماثل من العلماء ا يرون من تقدمي األراذل الضالل، واألداين اجلهال، حىت صدروا يف جمالس علم الدين، املربزين، فقد بلغ منهم م

    وقدموا يف حمافل والة أمور املسلمني، وصريوا قضاة وحكاماً ورؤساء وأعالماً، دون ذوي األقدار، وأويل ن فيها، وأتى الشرف واألخطار، وكثري ممن يشار إليهم منهم ال يفهم من كتاب اهللا آية، وإن تعاطي تالوهتا حل

    خبالف ما أنزل اهللا منها، وال كتبوا سنة من سنن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وال دورها، وإن تكلفوا ذكرها أحالوها، وآتو هبا على غري وجهها، وال عرفوا شيئاً من أبواب العربية وتصريفها، وال هلم حظ من

    قد شدا من العلم طرفاً، ونال منه حظاً، عدد يعظمونه الفلسفة وأجزائها، ومع هذه فقد اتفق لبعضهم من فريقويغلون يف تعظيمه وتقدميه على أنفسهم، وإن كان أسوأ حاالً وأخفض عقالً منهم، كما عبد األصنام من هو أعلى منزلة منها باحلياة والقدرة، والعلم واملعرفة، والبطش والقوة، والتصرف واحليلة، وأقدم هؤالء األغمار

    هادة بالزور ملن وصفنا جهله وسقوطه، بإضافتهم إليه من العلم مبا هو أجهل الناس به، وأبعدهم من على الشيلهم إىل بعض ضالالته، وأنسهم بكثري من خساراته، وإن كانت خبالف ما يعذرون فيها من موافقته، معرفته مل

    واستمر هذا الفريق املغرور على فقد صاروا سخرياً مسخوراً منهم، وسخريا مسخرين لتقليد من وصفنا صفته، إتباع حزب الشيطان الذين اغتروا هبم، وبذلوا املناصرة هلم ومماألهتم ومضافرهتم وإعزازهم، ومظاهرهتم

  • وتأييدهم ومؤازرهتم، واستفزهم ما يزخرفونه هلم من كالمهم، وإن كان مسترذالً، وخمطأً ملحناً، عند من أعاله وأباهنم بالعلم والتفقه يف الدين منهم، إذ أكثر ما يأتون به من اهلجر الذي يسميه اهللا من أفاضل العلماء عليهم،

    :قوم اهلاذور، ومبنزلة من قال فيه بعض الشعراء موشك السقطة ذو لب نثر... هذريان هذر هذاءة

    لرياحني، واستنزهلم من عبارهتم ما هو من نوع هجر باعة القميحة السفوفيني، وتنميق هذه أصحاب الفاكهة واوهذيان أهل احلكاية واملخيلني، فلما وصفنا جنحنا إىل الصرب، واستصحبنا، اخلمول رجاء إنعام اهللا باإلعانة

    يف وقيت هذا عند إثبايت ما أثبته من حال ذوي النقص الذي يتقلبون يف دولة، وإن كانوا -والنصر، وذكرت : خرباً حدثنا به حممد بن القاسم األنباري، قال -ع من باطلهم يف بولة، على أهنا سحابة صيف عن قليل تقش

    حدثنا حممد بن عبد الرمحن : حدثنا حممد بن عثمان بن مهدي األبلي، قال: حدثين حممد بن املرزبان، قالمسعت األوزاعي : حدثنا حممد بن شعيب بن سابور، قال: حدثنا محاد بن حممد بن عبد اهللا، قال: السايح، قال

    :اتينشد هذه األبي وأجنَح باألمور من الصوابِ... إذا كان اخلطاء أقل ضراً

    وكان الدهر يرجع بانقالبِ... وكان النِّوك َمْحموداً مذاالً

    وأُغلَق دون ذلك كلُّ بابِ... وعطِّلت املكارُم واملعايل وقُرِّب كل مهتوك احلجابِ... ويوعد كل ذي َحَسب ودينٍ

    املتحرج احملْضِ اللُّباب من... فما أحٌد أضنَّ مبا لديه :وأنشد شيخنا أبو جعفر الطربي رمحه اهللا هذه األبيات، وفيما أنشده بيت آخر وهو

    وولِّي بعضهم فصلَ اخلطابِ... وولّى بعضهم َخْرجاً وحربا .وحذف من اجلملة بيتاً

    .نه إياهوأنا منه هذه الرسالة إىل هذا املوضع، ومبتدئ مبا قصدت إيداعه هذه الكتاب وتضمي ؟

    اجمللس األول

    ا حديث من كذب علي متعمد

    ً حدثنا عبد اهللا بن حممد بن عبد العزيز البغوي يف يوم االثنني لثالث ليل خلون من احملرم سنة سبع عشرة

    أن عبد اهللا بن عمر : حدثين أبو كبشة: حدثين حسان بن عطية، قال: حدثنا األوزاعي، قال: وثالمثائة، قالبلغوا عين ولو آية، وحدثوا عن بين إسرائيل وال حرج، : " رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يقول حدثه، أنه مسع

    .ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من الناي

    التعليق على احلديث

  • أمر ألمته بتبليغ ما أتاهم به من وحي رهبم، " بلغوا عين ولو آية : " قوله عليه السالم: قال القاضي أبو الفرجيسر األمر عليهم فيما يبلغونه، ويلقونه، إىل ما بعدهم ويؤدونه، ليتصل نقل القرآن عنه إىل آخر أمته، ويلزم و

    أوحي إيل هذا القرآن ألنذرنكم به " حجته مجيع من انتهى إليه ممن يأيت بعده، فقد أتاه الوحي مبا أتاه من قوله، نضر اهللا امرءاً مسع مقاليت فوعاها مث أداها كما : " آخر ونظري ما أمر به من التبليغ قوله يف خرب" ومن بلغ

    ولو آية، فإنه أتى على وجه : وقوله" مسعها، فرب حامل فقه غري فقيه، ورب حامل فقه إىل من هو أفقه منه التقليل ليسارع كل امرئ يف تبليغ ما وقع من اآلي إليه، فيتصل بتبليغ اجلميع أو بعضه نقله، ويتكامل

    .واستكمال أداؤهباجتماعه

    اآلية وما فيها من اللغة والنحو

    فأما اآلية ففيها من طريق علم اللغة ثالثة أوجه، ومن جهة صناعة النحو واإلعراب ثالثة أضرب، فأحد الوجوه ، فيها من قبل اللغة أهنا العالمة الفاصلة، والوجه الثاين أهنا ألعجوبة احلاصلة، والوجه الثالث إهنا املثلة الفاصلة

    وهذه األوجه الثالثة إذا ردت إىل أصوهلا متقاربة راجعة يف املعىن إىل طريقة واحدة، ومجلة آحادها متناسبة، فإذا اجعل لكذا وكذا آية، فاملعىن عالمة فاصلة تدل على الشيء حبضورها، وتفقد داللتها بغيبتها، أال ترى إىل : قيل

    إىل آخر القصة فإمنا سأل السائل ربه " آتيك أال تكلم الناس قال رب اجعل يل آية، قال: " قول اهللا جل ثناؤه :أن جيعل له عالمة ملا وعده وبشره به، يف ما جانس هذه مما تضمنه كتاب اهللا عز ذكره، قال الشاعر

    بآية ما حيبون الطعاما... أال بلغ لديك بين متيم :وقال آخر

    ينا هتاديابآية ما جاءت إل... ألكين إليها عمرك اهللا يا فىت .ومثل هذا يف الشعر وسائر الكالم كثري

    وملا كان ذكر اآلية يعين األعجوبة فمنه ما ذكره اهللا عز ذكره يف مواضع من كتابه عند ذكره ما أحله من مبعىن العجب مما حل هبم عندما كان من تكذيبهم " إن يف ذلك آلية وما كان أكثرهم مؤمنني : " النقمة بأعدائه .رسل رهبم

    قد جعل فالن : وأما العبارة باآلية عن العقوبات املنكلة فكثرية يف كالم اخلاصة من أهل اللسان العريب كقوهلمآية، إذا جل به فظيع من املكروه أال ترى أهنم يقولون ملن نزل به شيء من هذا به، أو حصل على صفة مذمومة

    امع هلذه األوجه الثالثة الذي يردها إىل مجلة واحدة، فالن آية منزلة، فأما العقد اجل: يعري هبا ويسب ويوصم هبافهو أن العالمة إمنا قيل هلا لداللتها وفضلها وإبانتها، ووقع الفصل يف القرآن هبا حىت متيزت بعض ألفاظه من

    .غريها، فصارت كل قطعة من ذلك مجلة عل حاهلال وقوعه، فينفصل من الكثري الوجود الذي وأما معىن األعجوبة فإمنا يقع يف التعجب من املستغرب الذي يق

    .خيتلط فيها بعضه ببعض، وال يكون فيه من االختصاص ما يف املوجود الذي قدمنا ذكره

    وأما النكال احلال مبن حل به فإنه يقال له آية، من حيث مسار أمره أعجوبة يعترب ويتعظ هبا، وكان معىن خاصاً ازاة به، فكل واحد من هذه األوجه الثالثة جمانس لصاحبه يف أنه أمارة قوبل به أمر خاص مبا أتاه من وقعت اجمل

  • وعالمة وأعجوبة الختصاصها مبا فيه حجة باهرة، وداللة قاهرة، ومثلة ونقمة ملا فيه من التميز والعجب وفظيع .التنكيل، بأهل الزيغ والتبديل

    ني من الكوفيني والبصريني اختلفوا يف اآلية وأما األضرب الثالثة من قبل النحو وتصريف اإلعراب، فإن النحويهي يف األصل فاعلة وأصلها آيية، وكان ينبغي أن تدغم الياء األوىل يف : ما وزهنا من الفعل، فقال الكسائي

    .آية: الثانية الجتماعهما متحركتني فتصري آية مثل دابة اليت أصلها دابية، فاستثقلوا التشديد فقالواوقال . وزهنا يف األصل فعلة وأصلها أيية، فصارت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها: وقال حنويو البصرة

    : وزهنا من الفعل فعلة وأصلها آية، فاستثقلوا التشديد فأتبعوه ما قبله فصارت الياء األوىل ألفاً كما قالوا: الفراءيف مجعها دواوين ودنانري، وال يقولون ديوان ودينار واألصل فيها دوان ودنار، والدليل على ذلك أهنم يقولون

    دياوين وديانري، وجيمع اآلية آيات على مجع السالمة، وآياً على أهنا من القبيل الذي سبق مجعه واحده فصار بني اجلماعة، وهذا قول رابع ألنه خطأ، والبيان : وقد زعم قوم أن معىن اآلية. توحيده ومجعه اهلاء اليت يف واحده

    ق اآلية مبا بني اخلليل وسيبويه واألخفش فيه من االختالف يف تقدير مدته وتصريفه، واستيعاب عنه أصل اشتقا .بابه يأيت يف كتابنا املسمى البيان املوجز، عن علوم القرآن املعجز إن شاء اهللا عز وجل

    ضيق، ومنه قيل ال: فإن احلرج اصله يف كالم العرب" وحدثوا عن بين إسرائيل وال حرج : " وقوله عليه السالميمان يتأول ما جاء يف القرآن من ذكر احلرج : للطائفة من الشجر امللتف املتضايق حرجة، وكان مقاتل بن سل

    أنه الشك، وهذه يرجع إىل ما وصفناه من معىن الضيق، ألن الشاك يضيق صدره، وخيالف العامل بالشيء املثلج ساحه وتعريه من ازدحام الظنون واعتراض الشكوك اليت صدره مبا علمه يف راحة اليقني، واتساع الصدر وانف

    تضيقه، وقد زعم بعض أهل االشتقاق أن الذي يتخذه الركب من العيدان واخلشب لرحاهلم يقال هلا حرجوج، :لتضايقه واشتباكه وجيمع حراج، كما قال ذو الرمة

    قالئص أمثال احلراجيج ضمر... فسريا فقد طال الوقوف ومله مكان " هذه أنعام وحرث حرج : " حرج وقرأ بعض املتقدمني: لشيء احملظور املضيق بالتحرمي واملنعومنه قليل ل

    القراءة اجلمهور حجر وحجر وهي كلها لغات معروفة يف احلجر مبعىن احلرام لغتان الضم والكسر، وقد قرئ " حرث حجر أي حرام، وقوله: هبما مجيعاً، وقوله معناه حراماً : ل أهل التأويلقا" ويقولون حجراً حمجوراً : :حمرماً، قال الشاعر

    حجر حرام أال تلك الدهاريس... حنت إىل النخلة القصوى فقلت هلا :وقال آخر

    عوذ بريب منكم وحجر... قالت وفيها محقة وذعر هل " :العقل، واحلجي، ومنه قول اهللا عز وجل: أي استعاذة حترم عليكم ما أخافه من مكروهكم، واحلجر أيضاً

    أي عقل مينعه من السفه واخلرق، ومنه حجر احلاكم على السفيه، هو من التضييق " يف ذلك قسم لذي حجر واملنع والتحرمي، واملصدر منه مفتوح، وروى أن النيب صلى اهللا عليه وسلم قال لألعرايب الذي بال يف املسجد

    ا وسعه اهللا " لقد حتجرت واسعاً " - اللهم ارمحين وحممداً وال ترحم معنا أحداً: " مث مسعه يقول أي ضيقت م .عز ذكره وحظرت ما فسح فيه

    واحلجر ديار مثود، وحجر الكعبة مكسوران، وحجر اسم الرجل مضموم احلاء ساكن اجليم، كما قال عبيد بن

  • :األبرصا... هال على حجر بن أم قطام تبكي ال علين

    عمرو ُحجر وأفلت منها ابن... وهرٌّ تصيد قلوَب الرجال :كما قال طرفة

    جرِّدوا منها وارداً وشقْر... أيها الفتيان يف جملسنا :والكالم شقر باإلسكان مثل محر وصفر، وحجر اليمامة مفتوح قال الشاعر

    صليلُ البيضِ تقرُع بالذِّكورِ... فلوال الريح أمسع من حبجرٍ .الفتح والكسر: وحجر اإلنسان فيه لغتان

    ، صاعقة وصاقعة، وجذبته جذباً وجبذتُه جبذاً، يف نظائر ملا وصفنا كثرية، وأما حاجز ومثل حرٌج وحجر :فموضع معروف، قال األعشى

    رِ... شاقك من قتله أطالهلا فالشطُّ فالقفُّ إىل حاجِوخص بين إسرائيل هبذا ملا مضت فيهم من األعاجيب، كما خص البحر مبا فيه من العجائب، وأرخص يف

    أن يكون خرباً : وال حرج، يتجه فيه تأويالن، إحدامها: م مع اتقاء احلرج بالكذب فيه، وقولهالتحدث عنهذكر بين إسرائيل وكانت فيهم أعاجيب وكان كثٌري من الناس ينبو مسُعه عنها، حمضاً يف معناه ولفظه، كأنه ملا

    ىل دروس احلكمة، وانقطاع مواد فيكون هذا مقطعه ملن عنده علم منها أن حيدث الناس هبا، فرمبا أدى هذا إليس يف حتدثكم مبا : الفائدة، وانسداد طريق إعمال الفكرة، وإغالق أبواب االتعاظ والعربة، وكأنه قال

    .علمتموه من ذلك حرجوال حترجوا بأن تتحدثوا مبا قد تبني لكم الكذب فيه : النهي فكأنه قال: أن يكون املعىن يف هذا: والتأويل الثاين

    له أو غارين أحداً به، فهذا اللفظ على هذا الوجه لفظه لفظ اخلرب وفائدته النهي من جهة املعىن، ولفظ حمققنيوال حرج جاز : وال حترجوا فهو صريح اللفظ بالنهي، فإذا قيل: النهي ال يأيت إال متعلقاً بفعل مستقبل، فإذا قيل

    اخلرب يف بنيته، ومعناه النهي لقصد املخاطب أن يكون خرباً حمضاً معىن ولفظاً، وجاز أن يكون لفظه لفظا يقتضيه املعىن الذي وإرادته، دون صورة اللفظ وصيغته، ونصب احلرج يف هذا املوضع هو الوجه على ميسميه البصريون النفي ويسميه الكوفيون التربئة، وهو على قول اخلليل مبين يضارع املعرب، وعلى قول

    :و رفع وُنوِّن لكان وجهاً قد عرف واستعمل كما قال الشاعرسيبويه معرب يضارع املبين، ول فأنا ابن قيسٍ ال براْح... من صد عن نرياهنا

    ، وال : ال حول وال قوة إال باهللا، للعرب فيه مخسة مذاهب: وقوهلم ال حول وال قوةَ إال باهللا، وال حولَ وال قوةً، وال حولٌ وال قّو .ةحولَ وال قوةٌ، وال حولٌ وال قوةٌ

    هذه قراءة شبيه ونافع وعاصم ومحزة والكسائي يف " فال رفث وال فسوق وال جدال يف احلج : " وقال اهللا تعاىلفال : فال رفثَ وال فسوَق وال جدالَ، وهي قراءة أيب جعفر يزيد بن القعقاع املخزومي، وقرئ : آخرين، وقرئ

    يب عمرو وعدد غريهم، وقد قرأ بعضهم وال جدال وهي قراءة جماهد وابن كثري وأ" رفثٌ وال فسوٌق وال جدال مثل دراك ومناع، رويت هذه القراءة عن عبد اهللا بن أيب إسحاق، واختلف يف علل إعراب هذه القراءات، ويف

  • علة فرق يف اإلعراب بني بعضهما وبعض اختالف يطول شرحه، وليس هذا موضع ذكره، وحنن مستقصو كتابنا املسمى البيان املوجز يف علم القرآن املعجز ويف كتابنا يف القراءات، القول فيه عند انتهائنا إليه من

    .وكتابنا يف عللها وتفصيل وجوههاقد أتت الرواية هبذا اللفظ وما يقاربه من جهات " من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار : " وقوله

    من كذب علي متعمداً ليضل به الناس، وروى أنه : إنه على عمومه، وجاء يف بعض هذه األخبار: كثرية، وقيلورد عند قصة خاصة يف رجل ادعى عند قوم أن النيب صلى اهللا عليه وسلم أرسلهم إليه ليزوجوه، حدثنا عبد

    بن منري، عن : حدثنا حيىي بن عبد احلميد احلماقي، قال: قال: اهللا بن حممد بن عبد العزيز البغوي حدثنا علي إن رسول اهللا صلى اهللا : أتى رجل إىل قوم يف جانب املدينة، فقال: ابن بريدة، عن أبيه، قال صاحل بن حيان، عن

    عليه وسلم أمرين أن أحكم فيكم برأيي يف كذا وكذا، وكان خطب امرأة منهم يف اجلاهلية فأبوا أن يزوجوه، مث أرسل " كذب عدو اهللا " : مث ذهب حىت نزل على املرأة فبعث القوم إىل النيب صلى اهللا عليه وسلم فقال

    ، فانطلق فوجده قد لدغ فمات فحرقه، " إن أنت وجدته حياً فاقتله، وإن وجدته ميتاً فحّرقه : " رجالً فقال "من كذب علي متعمداً فليتبوأ معقده من النار : " فعند ذلك قال النيب صلى اهللا عليه وسلم

    حدثنا زكريا بن : ا إمساعيل بن حيان الواسطي، قالحدثن: حدثنا احلسن بن حممد بن شعبة األنصاري، قالقول رسول اهللا : حدثنا عدي بن مسهر، عن صاحل بن حيان، عن عبد اهللا بن بريدة، عن أبيه، قال: عدي، قال

    " صلى اهللا عليه وسلم كان حي من املدينة على ميل أو ميلني " من كذب علي متعمداً فليتبوأ معقده من النار : إن رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم كساين هذه احللة وأمرين أن أحكم نسائكم : ليه حلة، فقالفأتاهم رجل ع

    فأرسلوا رسوالً إىل النيب صلى اهللا عليه : وأموالكم مبا أرى، وكان قد خطب امرأة منهم فأبوا أن يزوجوه، قال" كذب عدو اهللا : " اهللا عليه وسلموسلم إنك أمرت هذه أن حيكم يف نسائنا وأموالنا مبا يرى، فقال النيب صلى

    اذهب فإن وجدته حياً فاضرب عنقه، وإن وجدته قد مات فأحرق بالنار، وما أراك جتده حياً، : مث قال لرجلمن كذب : " فجاء فوجدته قد لدغته حية أو أفعى فمات، فذلك قول رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم: قال

    حدثنا السري بن مزيد : حدثنا حممد بن هارون أبو حامد احلضرمي، قال" علي متعمداً فليتبوأ معقده من النار أخربين عطاء بن : حدثنا داود بن الزبرقان، قال: حدثنا أبو جعفر حممد بن علي الفزاري، قال: اخلراساين، قال

    علي من كذب: " أتدرون ما تأويل هذا احلديث: السائب، عن عبد اهللا بن الزبري، أنه قال يوماً ألصحابهإين رسول رسول اهللا صلى : رجل عشق امرأة فأتى أهلها مساء، فقال: ؟ قال" متعمداً فليتبوأ معقده من النار

    فأتى : فكان ينتظر بيتوته إىل املساء، قال: اهللا عليه وسلم، بعثين إليكم أن أتضيف يف أي بيوتكم شئت، قال: تانا يزعم أنك أخربته أن يبيت يف أي بيوتنا شاء، فقالإن فالناً أ: رجل منهم النيب صلى اهللا عليه وسلم فقال

    كذب، يا فالن انطلق معه فإن أمكنك اهللا منه فأضرب عنقه وأحرقه بالنار، وال أراك إال قد نعيته، فلما خرج إين قد كنت أمرتك أن تضرب عنقه وأن : أدعوه، فلما جاء قال: الرسول، قال رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم

    بالنار، فإن أمكنك اهللا منه فاضرب عنقه وال حترقه بالنار، فإن ال يعذب بالنار إال رب النار وال أراك إال حترقه : قد كفيته، فجاءت السماء فصبت فخرج ليتوضأ فلسعته أفعى، فلما بلغ ذلك النيب صلى اهللا عليه وسلم قال

    : قده من النار أي تكون لنار مبوأ له،كما قال اهللاهو يف النار، وقوله فليتبوأ أي فليوطن نفسه ويعلم أنه تبوأ مع

  • :أي جعلناها منزالً هلم، قال ابن هرمة" بوأنا بين إسرائيل مبوأ صدق " ا... وبوئت يف صميم معشرها فتمَّ يف قومها ُمبوَُّؤَه

    :وقال بعض بكر بن وائل خياطب الفرزدق إذ أنت حمرم وقّرت لك األحشاُء... لقد بوَّأتك الدّار بكر بن وائل

    من هذا الباب، وكذلك قرأ مجهور " والذين آمنوا وعملوا الصاحلات لنَبوِّئَّنهم من اجلنة غرفاً : " وقول اهللا تعاىللنثوينهم من الثواء، كما : أهل احلجاز والشام والبصرة والكوفة، وقرأ عدد من الكوفيني منهم محزة والكسائي

    :قال احلارث بن حلزة رّب ثاوٍ ميلُّ منه الثُّواُء... نها أْسَماُء آذَنْنَتنا ببي

    :ثوى يثوي وأثوى يثوي، ويروي بيت األعشى على وجهني: ويف تصريف الفعل من هذا لغتان يقال فََحىن وأخلَف من قَُتْيلةَ موِعدا... أثوى وقصر ليلةٌ ليزودا

    الثي، ولو قيل ثوى من غري تقدمي ويروي أثوى على الوجه الرباعي، ويروي أثوى بلفظ االستفهام على أنه ث .على أن يكون اجلزء األول من البيت خمروماً لكان ذلك صواباً

    ذكر بعض نوادر األخبار

    جمنون بين سعد

    ثلثمائة، قال حدثين حممد بن املرزبان، : حدثنا حممد بن القاسم األنباري إمالًء من حديثه سنة ست وعشرين وملا قدم : حدثين أيب، قال: حدثنا حممد بن حمب املازين، قال: اليشكري، قالحدثنا حممد بن سعيد بن صاحل : قال

    إن باملربد رجالً من بين سعد، جمنوناً سريع اجلواب ال يتكلم إال : سليمان بن علي البصرة والياً عليها قيل لهوخرق ثوبه، وكان أجب األمري، فامتنع فجره وزبره، : بالشعر، فأرسل إليه سليمان بن علي قهرمانه، فقال له

    بن علي، فلما وقف بني يديه قال له اجملنون يستقي على ناقة له فاستاق القهرمان الناقة وأتى هبا سليمان :سليمان، حياك اهللا يا أخا بين سعد، فقال

    يا فاضل األصل عظيم اخلريِ... حّياك رب الناس من أمري

    اهتزاُز والقلب قد طار به... إين أتاين الفاِسُق اجللْواُز :إمنا بعثنا إليك لنشتري ناقتك، فقال: فقال سليمان

    وقد أتى باجلهل واحلماقة... ما قال شيئاً يف شراء الناقه :ما أتى؟ فقال: فقال

    وكان وجهي يف املال وزيين... خّرق سربايل وشّق برديت :أفتعزم على الناقة؟ فقال: فقال

    ألوان أكيسوالبيُع يف بعض ا... أبيعها بعد ما أوكس :كم شراؤها عليك؟ فقال: قال

  • من الدنانري القيام السُّكْه... شراءها عشٌر ببطن مكْه إّني لريحٍ يف الورى معتاد... وال أبيع الدهر أو أزاُد

    :فبكم تبيعها؟ فقال: قال فإنه ناقة صدق مازنه... خذها بعشرٍ وخبمسٍ وازنْه

    :فحطنا، فقال: قال تسألين احلطّ وأنت الوايل... العايل تبارك اهللا العليُّ

    :فنأخذها منك وال نعطيك شيئاً، فقال: قال إن أنَت مل ختش اإلله فافعل... فأين ريب ذو اجلالل األفضل

    :فكم أزنُ لك فيها؟ فقال: قال وال يداين الفقر مين حطّي... واهللا ما ينعشين ما تعطي

    م من قريش الّراسِيا بن الكرا... خذه مبا أحببت يا بن عباسِ :فأمر له سليمان بألف درهم وعشرة أثواب، فقال

    أبو عيال معدم حمتاج... إن رمتين حنوك الفجاج فأنبَت اهللا لديك ريشي... طاوي املعى ضيق املعيشِ شّرفك اهللا هبا يف اآلخرة... شّرفتين منك بألف فاخرة

    كساك ريب حلل اجلناِن... وكسوٍة طاهرٍة حسان

    ليق على اخلربالتع

    ا كلمت قط أعرابياً أعقل منه: فقال سليمان .من يقول إن هذا جمنون؟ م :ضيق املعيش، املعيش مجع معيشة، كما قال رؤبة: قول اإلعرايب

    ومرِّ أعوامٍ نتفن ريشي... أشكو إليك شدة املعيش .ويكون املعيش املوضع واملعاش املصدر، مثل املضرب واملضرب واملقر واملقر

    .قد أهنينا هذا اجمللس إىل هنا لئال يستطال، إذ قد تقدمته خطبةٌ ورسالة، واهللا املستعان: ال القاضي أبو الفرجق

    اجمللس الثاين

    حديث جريج

    حدثنا عبد اهللا بن سليمان أيب داود بن األشعث السجستاين إمالء من حفظه، يف يوم الثالثاء ألربع بقني من ثمائة، حدثين عبد اهللا : أخربين أي، قال: حدثنا العباس بن الوليد بن يزيد، قال: قال شعبان سنة ست عشرة وثل

    بن أيب هريرة رفعه، قال: حدثين مطر، قال: بن شوذب، قال كان رجل يف بين : وال أعلم سنده إال عن احلسن : فنادته فاشتاقت أمه إليه فأتته حىت قامت عند صومعته،: إسرائيل يقال له جريج، وكان صاحب صومعة قال

    أي : وهو قائم يصلي، ف فلما مسع النداء فعرف الصوت أمسك عن القراءة، فقال! أي جريج! أي جريج

  • فمضى يف صالته، مث نادته الثانية ففعل أيضاَ : ريب أعظم علي حقاً من أمي، قال: صاليت أو أمي، مث قال! رباللهم كما مل يرين وجهه فابتله بنظر املومسات : تمثلها، وقالت الثالثة، ففعل أيضاً مثلها ومل يشرف عليها، فقال

    صاحب الصومعة، فرفع : ممن هذا؟ قالت: يف وجهه، فحملت امرأة من أهل القرية من فاحشة فولدت، فقيل هلاهذا صاحب صومعة، وهو يفعل مثل هذا؟ فأمر أهل القرية فأخذوا الفئوس واملساحي، : ذلك إىل امللك، فقالضعوا الفئوس يف الصومعة فضربوا حىت كادت أن : فقالوا: يف صالته فلم يكلمهم، قال حىت أتوه فنادوه وهو

    : أنت يف الصومعة وأنت حتبل النساء؟ فقال: ماذا تريدون؟ مايل ولكم؟ فقالوا: فأشرف عليهم، فقال: متيل، قالصهيب : من أبوك؟ قال: الأنا؟ فنزل فصلى ركعتني ودعا اهللا تعاىل مث جاء إىل الصيب وملا يتكلم فضرب قفاه وق

    : " فقال النيب صلى اهللا عليه وسلم: صاحب الضأن، وكان صهيب رجالً يرعى الغنم يأوي إىل الصومعة، قالوقد روى خرب جريج عن طريق " . والذي نفس حممد بيده، لو دعت اهللا أن يفتنه عن دينه ألفتنه عن دينه

    بل ردوها كما : بنيها لك لبنة من فضة ولبنة من ذهب، فقالن: آخر، وذكر فيه أن الصومعة هدمت وأنه قيل له .كانت

    التعليق على اخلرب

    دعت أمه عليه واستجيب هلا : املومسات هو مجع مومسة وهي البغي الفاجرة، فإن قال قائل: قوله يف اخلرب كيف ا آثر مرضاة اهللا على أمرها، فيه؟ وهو مل يقصد عقوقها، ومل يترك أجابتها هتاوناً هبا، وال استخفافاً حبقها، وإمنجائز أن يكون الكالم يف : وإمتام صالته اليت ابتدأها، إما مؤدياً الفرض فيها، وإما متطوعاً بفعلها، قيل له

    شريعتهم كان جائزاً يف صالته كما كان يف أول اإلسالم مث نسخ ما أبيح منه حبظره، والنهي عنه، على ما اهللا بن مسعود أخرب أنه كان يسلم بعضهم على بعض يف الصالة فريد عليه، وردت األخبار به، وجاء أن عبد

    وأنه ذكر أنه حني قدم من أرض احلبشة سلم على النيب صلى اهللا عليه وسلم وهو يف الصالة فلم يرد عليه، وأنه ن غضب اهللا أعوذ باهللا م: فأخذين ما قرب وما بعد، وقال النيب صلى اهللا عليه وسلم حني فرغ من صالته: قال

    أال تكلموا يف " إن اهللا حيدث من أمره ما شاء، وأنه مم أحدث : وغضب رسوله، سلمت عليك فلم ترد، فقالبأن املضي على - وأن يكون جريج رأى وإن كانت إجابته يف أمه جائزة يف صالته أو غري قاطعة هلا " الصالة

    عليهم إجابة أمهاهتم يف الصالة إذا دعوهنم وإن كانوا الصالة أوىل من إجابتها، وجائزة أن يكون القوم قد فرض يف صالهتم، فترك ذلك جريج لتفريط منه ويف فعله أو العلم به، وقد روى عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه

    ، وهذا حمتمل أن يكون على بعض الوجوه " لو نادين أحد أبوي وأنا يف الصالة فقال يا حممد ألجبته : " قالأو املنسوخة، وجائز أن يكون أراد ألجبته بالتسبيح ليعلم أين قد مسعته أو يف هذه احلال بالتصفيق، املخصوصة

    التسبيح للرجال والتصفيق للنساء، وروى عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال لبعض من ناداه وهو : وقالاستجيبوا : " تسمع قول اهللا عز وجلأمل: إين كنت أصلي فقال: ما منعك أن جتيبين؟ فقال: يصلي فلم جيبه فقال

    إنه مل يقل إال : وروى أن إبراهيم النخعي سئل عمن مشت رجالً يف الصالة، فقال" هللا ولرسوله إذا دعاكم .معروفاً، والقول يف هذا النحو مستقصى فيما ألفناه من كتبنا يف الفقه

    حروف املقاربة

  • هر يف كالم العرب أن يقولوا كادت متيل من غري أن يأتوا بأن، الظا.. حىت كادت أن متيل: وقوله يف هذا اخلربتكاد السموات : " كاد فالن يهلك وكاد يفعل كذا، قال اهللا عز وجل: وكاد هذه من حروف املقاربة، فقال

    ا كادوا يفعلون : " وقال" يتفطرن منه يف نظائر هلذا كثرية، " كانوا يكونون عليه لبدا : " ، وقال" فذحبوها وم :كاد أن يفعل، كما قال الشاعر: وقد تقول العرب

    إذ ثوى حشو ريطة وبرود... كادت النفس أن تفيض عليه :وقال الراجز

    قد كاد من طول البلى أن ميصحا :فكأنه أدخلها يف باب عسى كما أدخل عسى عليها القائل من الشعراء

    يكون وراءه فرٌج قريُب... عسى الكرب الذي أمسيت فيه :خروقال آ

    مبنهمرٍ جون الّرباب سكوبِ... عسى اهللا يغين عن بالد ابن قادر :وقال آخر

    ُر... عسى فرٌج يأيت به اهللا إنه له كل يومٍ يف خليقته أْم، وقد " لعله يتذكر أو خيشى : " ، وقال" لعلكم تفلحون : " ومثل هذا لعل، الباب فيها لعلى القوم، قال اهللا

    :كها يف باب الترجي واملقاربة والتوقع، وذلك قول الشاعرتدخل على باب عسى الشترا لعلك يوماً أن جتاب وترزقا... تتبع خبايا األرض وادع مليكها

    :وقال آخر لعلك أن ترى حجراً يسري... ترفق أيها القمر املنري

    :وقال آخر على ابن أيب ذبان أن يتنّدما... لعلي إن مالت يب الريح ميلةً

    كاد احلائط أن مييل، وضربه حىت كاد أن : مبعىن اإلرادة الشتراكهما يف معىن املقاربة، كقولكوقد تأيت كاد :ميوت، أي أراد أن مييل وأن ميوت، وقال الشاعر يف هذا املعىن

    لو عاد من وصل احلبيبة ما مضى... كادت وكدت وتلك خري إرادة ، فحذف" إن الساعة آتية أكاد أخفيها : " وقد قيل يف قول اهللا أخفيها وأن : مث ابتدأ فقال. أن معناه أكاد أقيمها

    أخفيها لتجزى، لتجزى إخبار بصلة الفعل الذي : الكالم انتهى إىل أكاد، وأنه وقف تام، وأخفيها ابتدأ كأنه قال .هو اإلخفاء

    يته إذا سترته، خفيت الشيء إذا أظهرته وأخف: أكاد أخفيها بفتح اهلمزة مبعىن أظهرها، يقال: وقرأ بعض القراءيعين النباش والنباشة، مسيا بذلك إلظهارمها ما " لعن املختفي واملختفية : " وروى النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه

    :ستر باملواراة واإلخفاء والدفن، ورويت هذه القراءة عن سعيد بن جبري وغريه، ومن هذا املعىن قول الشاعر خيفيان غمرياباركني ... داب شهرين مث شهراً دبيكا

    :وقال آخر

  • وإن تبعثوا احلرب ال نقعد... فإن تكتموا الداء ال خنفه :وقال امرؤ القيس

    خفاهن ودٌق من عشيٍّ جملُب... خفاهن من أنفاقهن كأّنما وخفيت وأخفيت مجيعاً يرجعان إىل أصل واحد، خفيت أي أزلت اإلخفاء وأخفيت أي فعلت اإلخفاء، وحنن

    كلمة من القرآن واملعاين ووجوه التفسري وطريق اإلعراب والتأويل يف مواضعه من كتبنا يف نبني ما يف هذه ال .القرآن إن شاء اهللا

    كيف من قال من أبوك والعاهر ليس بأب ملن : من أبوك؟ فقد يسأل السائل فيقول: وأما قول جريج للصيبأنه جائز أن يكون يف شريعة : أويل أحدمهايف هذا وجهان من الت: أتت به البغي من مائة يف حكم الشريعة؟ قيل

    .هؤالء القوم إحلاق ولد العاهر به إذا محلت أمه به منهأن يكون جريج قال هذه على وجه التمثيل أو كىن به تنزيهاً أللفاظه على جهة التشبيه، فقد : والوجه اآلخر

    وال نسب بينه وبني من ينسب إليه وال تضاف األبوة لفظاً من طريق التجاوز واالستعارة إىل من ليست له والدة فالن أبو األرامل واليتامى إذا كفلهم وبرهم ووصلهم، وقام بتدبري أمورهم وكنفهم كفعل اآلباء : قرابة، فيقال

    .الوالدين ملن ولدوا من البننيهو أب هلم النيب أوىل باملؤمنني من أنفسهم و" وقد روى يف بعض قراءات من رويت عنه القراءة من املتقدمني

    وعرب عن األزواج بأهنن للمؤمنني أمهات توكيداً حلرمتهن وداللة على تأبيد حترمي نكاحهن " وأزواجه أمهاهتم .على غري النيب صلى اهللا عليه وسلم، ويف ذلك استقصاء هذه الباب وما يناسبه ويتصل به طول

    بل : ا تأيت لنفي حضور شيء منتظر متوقع وقيلإهن: هذه مل اجلازمة دخلت عليها ما وقيل" وملا يتكلم : " وقوله .إن تقم أقم، وإما تقم أقم، وهلذا النحو موضع هو أوىل به: هي على طريق مل وإن ضمت إليها ما كما هي يف

    دعت اهللا أن يفتنه عن دينه ألفتنه عن دينه : " وأما قول النيب صلى اهللا عليه وسلم فالذي أحفظ عن ابن " لو ل يف هذا احلديث هكذا أن يفتنه، وقال ألفتنه، ويف تصريف الفعل من الفتنة على تشعب معانيها أيب داود أنه قا

    فتنة يفتنه على وزن فعل يفعل وهذه أعلى اللغتني وأفصحهما، وهبا جاء كتاب : يقال: واختالف وجوهها لغتانخوف من فرعون ومألهم أن على" ، وقوله " ال يفتننكم الشيطان : " اهللا تعاىل يف مجيع القرآن، من ذلك

    مبعىن امتحناه، وأضاف هذه إليه جل ذكره، وقد قرئ أمنا فتناه " وظن داوود أمنا فتناه : " وقوله" يفتنهم " بالتخفيف على توجيه الفعل إىل امللكني، وقال تعاىل إن الذين فتنوا املؤمنني : " وقال" ولكنكم فتنتم أنفسكم :

    .واملؤمنات " .أفتنه يفتنه على أفعل يفعل: ة يف هذه الكلمة هي أقلهما يف كالم العرب وهيواللغة الثاني

    فإن كان ما روى لنا يف هذا احلديث على اللفظ الذي وصفنا حمفوظاً عند رواته ومن أداه إلينا فإنه مما مجع فيه .بني اللغتني

    اجلمع بني اللغتني

    ه يف كتاب اهللا عز ذكره على جتاوز واتصال، وتراح واجلمع بني اللغتني كثري يف كالم العرب، وقد جاء من، ومن املنفصل قوله يف السورة اليت يذكر فيها " فمهل الكافرين أمهلهم : " وانفصال، فمن املتصل قوله

  • باإلدغام، " ومن يشاق إىل اهللا " على إظهار التضعيف، ويف سورة احلشر " ومن يشاقق اهللا ورسوله : " األنفاليمل" ومثله " أمللت الكتاب فأنا أمله، وقوله: على لغة من يقول" ل وليه فل ، من أمليته " فهي متلي عليه :

    :أمليه، وقال الشاعر يف اجلمع بني اللغتني سعيداً فأضحي قد قلى كل مسلم... لئن فتنتين هلي باألمس افتنت

    :ومن اجلمع بني اللغتني قول لبيد لقبائل من هاللعمرياً وا... سقى قومي بين جمد وأسقى

    :وقال آخر هل أن ساقيها سقاك املسقي... يا بن رفيع هل هلا من مغبق

    سقيته أي ناولته ماء لشفته، وأسقيته إذا جعلت له شرباً دائماً، ويقال : وقرن بعضهم بني املعنيني يف اللغتني فقال .اسقيته إذا دعوت له بالسقيا

    :كما قال ذو الرومة فما زلت أبكي عنده وأخاطبه... يت وقفت على ريع ملية ناق

    تكلمين أحجاره ومالعبه... وأسقيه حىت كاد مما أبثه .سقيته فشرب، وأسقيته جعلت له ماء وسقيا: ويقال

    سقيته مثل كسوته واسقيته مثل ألبسته، والستقصاء الكالم يف هذا ويف هاتني اللغتني وهل مها مبعىن : قال اخلليلاختلف نسخ كتاب سيبويه فيه من التفسري والتمييز له، ويف اختالف القراءة مبا أتى واحد أو مبعنيني، ويف ما

    " منه يف مواضيع من القرآن متفق اللفظ أو خمتلفة يف مواضع خمتلفة كقوله بالفتح يف " نسقيكم مما يف بطوهنا : رق بني القراءة يف هذين اسقي يسقي، ويف تفريق من ف: املوضعني على أنه من سقى يسقي بالضم من لغة من قال

    ا أنعاماً : " املوضعني وبينها يف قوله ومجع من مجع يف الفتح والضم طول يتجاوز حد ما قصدناه " ونسقيه مما خلقن .بكتابنا هذا وبيانه يف مواضع من كتبنا يف علوم القرآن

    معىن الفتنة

    فتنته : زنته، ومذهب سيبويه أن من قالوللفتنة وجوه منها الصرف عن الشيء ومنه هذه الكلمة، وأفتنته مثل حوزعم اخلليل : أفتنته أي جعلته فاتناً، يقال وفنت الرجل فهو فاتن، وقال سيبويه: أراد جعلت فيه فتنة، ومن قال

    أنك حيث قلت فتنته وحزنته مل ترد أن تقول جعلته داخالً، ولكنك أردت أن تقول جعلت فيه حزناً وفتنة، : مسعت أبا زيد يقول: ته جعلت فيه كحالً، ودهنته جعلت فيه دهناً، وقال اجلرميفقلت فتنة كما قلت كحل

    كلهم : جريح وجمروح وقتيل ومقتول، وقال سيبويه: حزنين األمر حزناً وحزناً وأنا حزين وحمزون، وهذا مثلحيزنين على : ل قومحيزنين على غري قياس، ويقو: أحزنين األمر فإذا صار إىل يفعل ففيها لغتان، يقول قوم: يقول

    .قياس، وأما القراء فلم يزد يف هذا على أن ذكر يف حزن حيزن وأحزن حيزن لغتنيوقد اختلفت القراءة يف اللفظ هبذه الكلمة يف القرآن، فكان أبو جعفر املدين يقرأ ال حيزنك الدين ، وإنه

    يستمر على هذا يف القرآن كله إال يف ليحزنك، وأيها الرسول ال حيزنك الدين، وإين ليحزنين أن تذهبوا به، و

  • وال حيزهنم الفزع األكرب، فإنه يضم الياء فيه، وأما نافع فعلى عكس هذا املذهب ألنه ضم ما فتحه أبو : قولهجعفر يف هذا الباب وفتح ما ضمه، وكان ابن حميصن يضم ذلك كله، وكان اجلمهور من القراء بعده يفتحون

    ا يتصل له لتفريق من فرق بني بعضه وبني بعض، واالحتجاج فيما اجلميع ويف استقصاء هذه امل عىن وذكر م .اختلف املقرئون فيه مواضع مجة من كتبنا يف علوم القرآن، نأيت على البيان عنه إن شاء اهللا عز وجل

    من نزلت فيه هذه اآلية

    ا عبد اهللا بن الزبري احلميدي، حدثن: حدثنا أبو إمساعيل الترمذي، قال: حدثنا احلسني بن القاسم الكوكيب قالواتل عليهم نبأ الذي : " حدثنا سفيان بن عينة، عن أيب سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس، يف قوله تعاىل: قال

    هو رجل كان يف بين إسرائيل أعطي ثالث دعوات يستجاب له فيهن ما يدعو : قال" آتيناه آياتنا فانسلخ منها ادع اهللا أن جيعلين أمجل امرأة يف بين إسرائيل، فدعا : وكان مسجة دميمة، قالتبه، وكان له امرأة له منها ولد

    اهللا هلا، فلما علمت أن ليس يف بين إسرائيل أمجل منها رغبت عن زوجها وأرادت غريه، فلما رغبت عنه دعا ن صارت أمنا كلبة ليس بنا على هذا صرب أ: اهللا أن جيعلها كلبة نباحة، وذهبت عنه دعوتان، فجاء بنوها وقالوا

    دعا اهللا فعادت كما كانت فذهب نباحة يعرينا الناس هبا، فادع اهللا أن يردها إىل احلال اليت كان عليها أوالً، ف .أشأم من البسوس: فيها الدعوات الثالث فسميت البسوس وقيل

    من البسوس، الناقة اليت املشهور عند أهل السري واألخبار أن البسوس اليت يقال من أجلها أشأم: قال أبو الفرجواتل : " جرى فيما جرى من أمرها حرب داحس والغرباء، واملعروف من قول مجهور أهل التأويل أن قوله

    عىن به بلعم بن باعوراء الذي دعا للجبارين على موسى وبين " عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها صلت، ولكل واحد من هذين الذي مسينامها حديث طويل وقد نزلت يف أمية بن أيب ال: إسرائيل، وقال بعضهم

    .جاء اخلرب الذي وصفنا ما حكينا واهللا أعلمرجل مسج بتسكني امليم : وكانت مسجة بكسر امليم مثل بطرة، وحكى سيبويه عن العرب: ويف هذا اخلرب، قال .مة قد أولعت بهومل يقولوا مسح وإن كانت العا: مسيح كقبيح، قال: فقالوا: مثل مسح، وقال

    عريت فالناً كذا، وأما عريته بكذا فلغة : يعرينا الناس هبا، الفصيح من كالم العرب: وقول الراوي يف هذا اخلربمقصرة عن األوىل يف االشتهار والفصاحة، وإن كانت هي اجلارية على ألسنة العامة، ومن اللغة األوىل قول

    :النابغةيَّ بأن أخشاك من َعارِو... وعريتين بنو ذبيان رهبتُه هل عل

    :وقال املتلمس أخاً كرمٍ إال بأن يتكرما... يعريين أميِّ رجالٌ وال أرى

    :وقال املقنع الكندي يف اللغة األخرى تدانيت يف أشياء تكسبهم جمدا... يعرين بالدين قومي وإمنا

    أقوال حكيمة عن بعض العلماء واألعراب

  • فوت احلاجة خٌري : مسعت أعرابياً يقول: حدثنا عبد الرمحن عن عمه، قال: الحدثنا حممد بن احلسن بن دريد، ق .محل املنن أثقل من الصرب على العدم: ومسعت آخر يقول: من طلبها من غري أهلها، قال األصمعي

    كما يتوخى : وبلغين أن ابن عباس يقول: النزاهة أشرف من سرور الفائدة، قال: ومسعت آخر يقول: قال .أهل الثقة واألمانة فكذلك ينبغي أن يتوخى باملعروف أهل الوفاء والشكر بالوديعة

    يف هذا املعىن وما يضاهيه وما خيالفه أخبار وكالم لعلنا نأيت به فيما يستقبل من كتابنا : قال القاضي أبو الفرج .هذه إن شاء اهللا

    وأنشدنا ابن دريد، قال أنشدنا أبو حامت ويرفع راية القوم اللئام.. .رأيت الدهر باألحرار يكبو

    فيطلُب وتره عند الكرام... كأنَّ الدهر موتوٌر حقوٌد :وأنشدنا أبو حامت أيضاً: قال

    بأن ال يكسب األموال حرَّا... أظن الدهر أقسم مث برَّا ونقض من قواه ما استمرا... لقد قعد الّزمان بكلِّ حرٍّ

    اجمللس الثالث

    هذا يف سبيل اهللا

    ثلثمائة، قالحدثنا حيىي حدثنا : بن حممد بن صاعد إمالًء يف يوم األحد لست بقني من شعبان سنة ست عشرة وحدثنا محاد بن زيد، عن عاصم، عن أيب وائل، عن عبد اهللا، يعين ابن : حممد بن زياد بن الربيع الزيادي، قال

    بيل اهللا، مث خط خطوطاً مييناً ومشاالً هذا س: " خط لنا رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم خطاً، فقال: مسعود، قالوإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه وال تتبعوا " مث قرأ " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه : مث قال

    .السبل فتفرق بكم عن سبيله " لبليغة وأفصحها، وهذا القول من النيب صلى اهللا عليه وسلم والتمثيل من أبني األقوال ا: قال القاضي أبو الفرج

    وأرصن األمثال البليغة املضروبة الصحيحة وأوضحها، وذلك أنه خط خطاً جعله مثل الصراط يف استقامته إذ ال زيغ فيه وال ميل، مث خط خطوطاً مينة وشأمة آخذه يف غري مسته وجهته، تفرق مبن سلكها واتبعها عن السبيل

    ، وهبذا جاء وحي اهللا وتنزيله يف كتابه الذي ال يأتيه الباطل من اليت هي سبيل اهلدى، والنجاة من مرديات اهلوى" جل ذكره: بني يديه وال من خلفه، قال شرع لكم من الدين ما وصي به نوحاً والذي أوحينا إليك وما :

    ا دلت عليه اآلية اليت" وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين وال تتفرقوا فيه فدل هذا على مثل مإن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً : " تالها رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم يف اخلرب الذي رويناه فقال تعاىل

    يف كثري مما يضاهي " فتقطعوا أمرهم بينهم زمراً كل حزب، مبا لديهم فرحون : " وقال" لست منهم يف شيء " هذا سبيل اهللا " لم يف هذا اخلرب حني خط اخلط وقول النيب صلى اهللا عليه وس. هذا املعىن، والسبيل الطريق

    حيتمل أن يكون إشارة إىل اخلط فذكر، إذ اخلط مذكر، وجائز أن تكون اإلشارة فيه إىل السبيل فذكره إذ العرب تذكر السبيل وتؤنثه، وقد جاء التنزيل باللغتني، على أن منه من يذكر الطريق ومنهم من يؤنثه وكذلك

  • وإن يروا سبيل الرشد ال يتخذوه سبيالً، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه : " جل يف التذكريالصراط، قال عز ووعلى اهللا قصد : " وذكر أهنا يف قراءة أيب بن كعب ال يتخذها ويتخذها بالتأنيث وقال يف التأنيث" سبيالً

    والتأنيث كثٌري موجود يف والتذكري" قل هذه سبيلي أدعو إىل اهللا على بصرية : " ، وقال" السبيل ومنها جائر ويف أشعار العرب وسائر " لوال أنه سبيل آٍت وحتم مقضي " الكتاب والسنة كقول النيب صلى اهللا عليه وسلم

    :كالمها، والتأنيث أكثر، وأنشد أبو عبيدة سيصبح سالكاً تلك السبيال... فال جتزع فكل فىت أناسٍ

    فقد أتت القراءة فيه بالوجهني معاً، أعين التذكري والتأنيث، فكان من "ولتستبني سبيل اجملرمني " وأما قول اهللا قرأ بالتأنيث احلسن وجماهد وعبد اهللا بن كثري وعبد اهللا بن عامر وأبو عمرو بن العالء وأبو املنذر سالم بن

    املدين املنذر، ويعقوب احلضرمي وقرأ ذلك بالتذكري األعمش وعاصم ومحزة والكسائي، وقرأ ذلك أبو جعفرأي لتتبينها يا أيها النيب وتستوضحها، " ولتستبني سبيل اجملرمني " وعبد الرمحن بن هرمز األعرج وشيبة ونافع

    والتاء يف هذه القراءة للمخاطبة وال داللة فيها على تذكري وال تأنيث، والسبيل منصوبة بالفعل، وقد اختلفت وفتحها وختفيفها وتشديدها وفتح الياء من صراطي " وأن هذا صراطي مستقيماً" القراءة أيضاً يف كسر

    وإسكاهنا، فقرأ بكل وجه من هذه الوجوه أئمة من قراء األئمة، فمن قرأ وأن هذا بالفتح والتشديد يف أن وصراطي بإسكان الياء أبو جعفر وأبن هرمز األعرج وشيبة ونافع وعاصم وأبو عمرو، وممن قرأ بكسر إن

    صراطي عبد اهللا األعمش، وطلحة بن مصرف والكسائي على االبتداء، وممن قرأ بفتح وتشديدها وتسكني ياء: اهلمزة وختفيفها وفتح ياء صراطي عبد اهللا بن أيب إسحاق احلضرمي وعبد اهللا بن عامر وقرأ أبو املنذر سالم

    قال . وب احلضرميوأن بالفتح والتشديد وصراطي بفتح الياء، وقرأ وأن بالفتح واإلسكان لياء الصراطي يعقذكره من القراءات يف هذه اآلية صواب عندنا القاضي أبو الفرج وهبذه القراءة أقرأ، وهني وسائر ما قدمنا

    صحيح معناه لدينا، وقد تقرأ به وتراه مستقيماً حسناً يف معناه ولفظه، وترى خمتاري القراءة به مصيبني، .احلول نستعنيولسبيل احلق متبعني، وباهللا ذي الطول والقوة و

    عزل احلجاج بن يوسف عن احلرمني

    حدثين عمران بن عد : وحدثين حممد بن حيىي، قال: حدثنا الزبري بن بكار، قال: حدثنا حممد بن أيب األزهر، قالملا ويل احلجاج بن يوسف احلرمني، بعد قتل عبد اهللا بن : العزيز بن عمر بن عبد الرمحن بن عوف الزهري قال

    ضر إبراهيم بن طلحة بن عبيد اهللا وقربه يف املنزلة فلم يزل على حاله عنده، حىت خرج إىل عبد الزبري استحامللك زائراً له فخرج معه فعادله ال يترك يف بره وإجالله وتعظيمه شيئاً، فلما حضر باب عبد امللك حضر به

    يك يا أمري املؤمنني برجل احلجاز، قدمت عل: معه، فدخل على عبد امللك فلم يبدأ بشيء بعد السالم إال أن قالمل أدع له واهللا فيها نظرياً يف كمال املروءة واألدب والديانة، ومن الستر وحسن املذهب والطاعة والنصيحة،

    إبراهيم بن طلحة بن عبيد اهللا وقد أحضرته بابك لتسهل عليه إذنك وتلقاه ببشرك : مع القرابة ووجوب احلقذكرتنا حقاً واجباً ورمحاً قريباً، يا غالم : انت مذاهبه مثل مذاهبه، فقال عبد امللكوتفعل ما تفعل مبثله ممن ك

    طلحة: ائذن إلبراهيم بن طلحة، فلما دخل عليه قربه حىت أجلسه على فرشه، مث قال له إن أبا حممد ! يا ابن

  • حلق، فال تدعن أذكرنا ما مل نزل نعرفك به من الفضل واألدب وحسن املذهب، مع قرابة الرحم ووجوب اإن أوىل األمور أن تفتتح هبا حوائج وترجى ! يا أمري املؤمنني : حاجة يف خاص أمرك وال عامته إال ذكرهتا، قال

    هبا الزلف ما كان هللا عز وجل رضا، وحلق نبيه صلى اهللا عليه وسلم أداء، ولك فيه وجلماعة املسلمني نصيحة، : يكون البوح هبا إال وأنا خال، فأخلين ترد عليك نصيحيت، قال وإن عندي نصيحة ال أجد بداً من ذكرها وال

    اهللا أمري : قل يا بن طلحة نصيحتك، قال: قم يا حجاج، فلما جاوز الستر قال: نعم، قال: دون أيب حممد؟ قالق إنك عمدت إىل احلجاج مع تغطرسه وتعترسه، وتعجرفه وبعده عن احل: اهللا، قال: املؤمنني أمري املؤمنني، قال

    وركونه إىل الباطل، فوليته احلرمني، وفيهما من فيهما، وهبما من هبما من املهاجرين واألنصار، واملوايل املنتسبة األخيار، أصحاب رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم وأبناء الصحابة، يسومهم اخلسف، ويقودهم بالعسف،

    حق، وال إزاحة باطل، مث وحيكم فيهم بغري السنة، ويطؤهم بطغام أهل الشام، ورعاع ال روية هلم يف إقامة ظننت أن ذلك فيما بينك وبني اهللا ينجيك، وفيما بينك وبني رسول اهللا صلى اهللا عليه وسلم خيلصك إذا جاثاك

    للخصومة يف أمته، أما واهللا ال تنجو إال حبجة تقيمن لك النجاة، فابق على نفسك أو دع، فقد قال رسول اهللا " سلمصلى اهللا عليه و : فاستوى عبد امللك جالساً وكان متكئاً، فقال" كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته :

    ظن بك احلجاج ما مل جيد فيك، ورمبا ظن اخلري بغري -لعمرو اهللا -كذبت ومنت ولؤمت فيما جئت به، قد الستر حلقين الحق من فقمت واهللا ما أبصر طريقاً، فلما خلفت : أهله، قم فأنت الكاذب املائن احلاسد، قال

    احبس هذا، أدخل أبا حممد للحجاج، فلبثت ملياً ال أشك أهنما يف أمري، مث خرج اآلذن : قبله، فقال للحاجبا بني : فقال قم يا ابن طلحة فادخل، فلما كشف يل الستر لقيين احلجاج وأنا داخل وهو خارج فاعتنقين وقبل م

    ضل تواصلهم فجازاك اهللا أفضل ما جزى به أخاً، فواهللا لئن سلمت لك إذا جزى اهللا املتحابني بف: عيين، مث قاليهزأ يب، فلما وصلت إىل عبد امللك : فقلت: ألرفعن ناظرك، وألعلني كعبك، وألتبعن الرجال غبار قدمك، قال

    : قلت: يا ابن طلحة لعل أحد من الناس شاركك يف نصيحتك؛ قال: أدناين حىت أجلسين جملسي األول، مث قالاً وال أوضح يداً من احلجاج،ولو كنت حمابياً أحداً بديين لكان ال واهللا، وال أعلم أحداً كان أظهر عندي معروف

    قد علمت أنك آثرت اهللا عز وجل، : هو، ولكن آثرت اهللا عز وجل ورسوله صلى اهللا عليه واملسلمني، فقالرمني ملا كرهت من واليته عليهما، ولو أردت الدنيا لكان لك باحلجاج أمل، وقد أزلت احلجاج عن احل

    ا من األمور اليت ال يرحضها إال مثله، وأعلمته أنك استنزلتين له عنهما استصغاراً هلما، ووليته العراقني ملا هنوأعلمته أنك استدعيتين إىل التولية له عليهما استزادة له ليلزمه من ذمامك ما يؤدي به عين إليك أجر

    .فخرجت على هذه اجلملة: غري ذام صحبته مع تقريظه إياك ويدك عنده، قال نصيحتك، فاخرج معه فإنك

    الغسل، ومنه مسيت : الرحض: يرحضها يعين يغسلها، قال القاضي أبو الفرج: قال أبو بكر بن أيب األزهربل األخلية املراحيض، وجاء يف خرب عن عائشة رضي اهللا عنها، ذكرت فيه اخلروج إىل األقضية للحاجة وذلك قأن يتخذ الناس املراحيض، ومن ذلك ما روي عن النيب صلى اهللا عليه وسلم أنه قال وقد سئل عن الطبخ يف

    ومن ذلك الرحضاء يف احلمى وذلك حني يعرق صاحبها، كما قيل فيها : أرحضوها باملاء" قدور املشركني م عر يعرو، وقيل هلا رحضاء إما ألن الثؤباء من التثاؤب، واملطواء من التمطي، والعرواء إذا أعرت، من قوهل

    العرق مؤذن بانصرافها فكأنه أماطها وغسلها، وإما ألن احملموم إذا عرق شبه باملغتسل باملاء، وقول عبد امللك

  • أعلمت احلجاج يف موضعني، كالم غري خارج على طريق الصحة والتحقيق، : إلبراهيم بن طلحة يف هذا اخلربا ال حقيقة له فال يقال وذلك ألن اإلعالم هو إلقاء الشيء الصحيح الذي يقع مبثله العلم للملقى إليه، فأما م

    ال يكون إال حمقاً، واملخرب قد أعلمت أحداً به، ولو كان أخربته مكان أعلمته لكان الكالم مستقيماً، ألن املعلم : زيد فهو حر، فقال له قائل منهممن أعلمين منكم بقدوم : يكون حمقاً ومبطالً، أال ترى أن رجالً لو قال لعبيده

    من أخربين مكان من أعلمين لعتق هذا املخرب، وكذلك لو : قد قدم زيد وهو كاذب، مل يعتق، ولو كان قالأخربه خمرب هبذا منهم بعد أن يقوم العلم له مل يعتق، الستحالة إعالم من قد علم، ولو أخربه لعتق لصحة إخبار

    .املخرب مبا كان قد أخرب به

    مر رضي اهللا عنه يتمثل بشعرع

    جاء عبد الرمحن بن : حدثنا حممد بن احلسني بن دريد، قال أخربنا أبو حامت، عن أيب عبيدة، عن يونس، قال :عوف إىل باب عمر بن اخلطاب فسمعه وهو يتمثل يف بيته

    قضى وطراً منها مجيل بن معمر... وكيف مقامي باملدينة بعدما عبد الرمحن بن عوف، : من بالباب؟ قال! يا يرفأ: يروي كيف ثوائي باملدينة، مث قالو: قال القاضي أبو الفرج

    قال القاضي . إنا إذا خلونا يف منازلنا قلنا ما يقول الناس: نعم قال: أمسعت؟ قال: أدخله، فلما دخل قال: قاليل بن عبد اهللا بن هذا مجيل بن معمر اجلمحي من مسلمة الفتح، قتل على عهد عمر، وليس جبم: أبو الفرج

    .معمر العذري الشاعر

    كلمات مأثورة

    مسعت : حدثنا احلسني بن القاسم الكوكيب، حدثنا حريز بن أمحد بن داؤد، قال مسعت العباس بن املأمون قالثالثة توكل هبا ثالثة، حتامل األيام على ذوي األدوات : قال يل علي بن موسى الرضا: أمري املؤمنني املأمون يقول

    .املة، واستيالء احلرمان على املقدم يف صنعته، ومعادة العوام ألهل املعرفةالك

    من زهد رجال احلديث

    حدثنا موسى بن عبد الرمحن بن مسروق الكندي : حدثين أيب، قال: حدثنا حممد بن قاسم األنباري، قالحج الرشيد ومعه : دريس قالوكان جاراً لعبد اهللا بن إ: قال -حدثنا حممد ابن املنذر الكندي : الكويف، قال

    قل للمحدثني يأتونا حيدثونا، فلم يتخلف عنه من شيوخ : األمني واملأمون فدخل الكوفة فقال أليب يوسفالكوفة إال اثنان عبد اهللا بن إدريس وعيسى بن يونس، فركب األمني واملأمون على عبد اهللا بن إدريس

    افعل، : أتأذن يل أن أعيدها عليك ومن حفظي؟ قال! يا عم: فحدثهما مبائة حديث، فقال املأمون لعبد اهللاا رويت : فأعادها كما مسعها فكان ابن إدريس من أهل احلفظ يقول لو ال أنين أخشى أن ينفلت مين القرآن م

    إىل جنب مسجدك داٌر إن أذنت لنا اشتريناها ! يا عم: العلم، يعجب عبد اهللا من حفظ املأمون، وقال املأمونما يب إىل هذا حاجة قد أجزأ من كان قبلي وهو جيزئين، فنظر إىل قرح يف ذراع : ا املسجد، فقالووسعنا هب

  • ال، قد ظهر يب مثل هذا وبرأ، فأمر : إن معنا متطبني وأدوية، أتأذن يل أن جييئك من يعاجلك؟ قال: الشيخ فقالله املأمون بعشرة آالف درهم، فأىب أن له مبال وجائزة فأىب أن يقبلها وصار إىل عيسى بن يونس فحدثهما، فأمر

    ال وال إهليلجة وال شربة ماء على حديث رسول : يقبلها فظن أنه استقلها، فأمر له بعشرين ألفاً، فقال عيسى .اهللا صلى اهللا عليه وسلم، ولو مألت يل هذا املسجد ذهباً إىل السقف، فانصرفا من عنده

    من الشعر احلكيم

    أنشدين احلسني : حدثنا أبو بكر بن أيب الدنيا، قال: سليمان أبو ذر القراطيسي، قال حدثنا القاسم بن داود بن :بن عبد الرمحن

    عليك فسامح وامزج العسر باليسر... إذا مل تتسامح باألمور تعقدت

    ومل أر للمكروه أشفى من الصرب... فلم أر أوقى للبالء من التقى

    اجمللس الرابع

    إن من الشعر حكما

    ً : أمحد بن إسحق بن هبلول إمالًء يف يوم االثنني خلمس ليال بقني من شعبان سنة ست عشرة وثلثمائة، قالحدثنا

    قال رسول اهللا صلى اهللا : حدثنا أيب، عن أبيه، عن أيب شيبة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالأال كل شيء ما خال اهللا : الشاعرإن من الشعر حكماً، وإن أصدق بيت تكلمت به العرب قول : " عليه وسلم

    "باطل

    مذهب للمؤلف يف الصغري

    هذا البيت الذي حكاه النيب صلى اهللا عليه وسلم عن قائله من الشعراء هو للبيد بن : قال القاضي أبو الفرج :ربيعة، افتتح به كلمة فقال يف أوهلا

    وكل نعيم ال حمالة زائلُ... أال كل شيٍء ما خال اهللا باطل :هوبعد

    دوْيهيةٌ تصفرُّ منها األنامل... وكل أناسٍ سوف تدخل بينهم وكل نعيم ال حمالة زائل، قال كذب، نعيم أهل اجلنة ال : وقد روى أن عثمان رضوان اهللا عليه، ملا مسع قوله

    يزول، وهذا القول من عثمان يدل على أن مذهب القوم يف العموم هو جارٍ يف لغتهم على الشمول عند جترده .واستغراق اجلنس بإطالق لفظهدويهية على التصغري، فمن الناس من يقول هو تصغري معناه التكبري، وجعله : وأما قول لبيد يف البيت اآلخر

    بل هو على تصغريه، وإمنا أريد به أنه إذا كان الصغري منه : مثبتو األضداد يف اللغة من األضداد، وقال بعضهم

  • ألثر فكبريه أعظم وأبلغ، ويل يف هذا مذهب استخرجته بنظري، وما علمت أحداً يبلغ هذه املبلغ، ويؤثر هذه اسبقين إليه وال تقدمين فيه، ولكن اهللا الذي يؤيت احلكمة من يشاء نبهين عليه، وهو أن االسم املصغر يف ذاته

    يتك قبيل العصر أو أت: وقلة أجزائه فاحلجرية الصغرية اليت ليس حجرة كبرية، وأما املتعلق بشيء يسري فكقولكبعيد الفجر، فتبني أن املتقدم من الزمان يف قولك قبيل يسري قليل، واملتأخر منه يف قولك بعيد قصري ليس

    يما قدمناه من باب بطويل، وحنو هذا قديدمية وريئة يف قدام ووراء جيري األمر فيه من جهة األمكنة جمراه ف :األزمنة كما قال الشاعر

    أرى غفالِت العيشِ قَبلَ الّتجارِبِ... واحلْلمِ أنين قديدميةُ الّتجريبِفظن من قال إن التصغري يف هذا الباب تكبري ملا رأى أن القصد من قائلة اإلشعار بأمر عظيم وخطب كبري

    جسيم، ولو تأمل هذا الظان األمر يف هذا لبان له أن الصغري على صغره، فإنه نتج كبرياً وأدى إليه عظيماً يف أو ضرره، وكل واحد من األمرين على حقيقته يف نفسه، وخصوصيته يف جنسه، فالدويهية هنا صغرية نفعه

    :جرت أمراً كبرياً، كما قال ويف الُبُحور تغرُق النُّحوُر... ربَّ كبريٍ َهاجُه صغٌري :وقول القائل من احملدثني

    كم َجرَّ أمراً ُسَبْيُب... ال حتقرنَّ سبيباً ا ذكرته يف هذا وكان بعض من ي تعاطى األدب، ويدأب يف طلب املعاين واستنباط لطيفها مسع مين معىن م

    كيف يكون الصغري كبرياً؟ وإذا جاز : الفصل، بعد أن طعن على من قدمت له احلكاية عنه يف هذا الباب، وقالن معناه بلفظي دون الداء هو الدواء السقم هو الشفاء، وهذا مما عربت ع: هذه جاز منه أن يصح قول من قال

    لفظ املتكلم به، ألنين مل أصمد حلفظه، وألنه كان غري بليغ يف نفسه وال مستقيم يف ترتيبه، فجليت معناه بلفظ .مل آل يف إيضاحه وهتذيبه

    إن الذي أجتبيته يف هذا غري خمالف للقول الثاين الذي قدمت حكايته عن قائله، فكان من : وقال هذا القائلإن الفرق بني قويل وقول من رغبت عن قوله وتسبقين إىل موافقته، أن هذا الذي : لقائل أن قلت لهجوايب هلذا ا

    حكيت قوله، يزعم أن الصغري املذكور إذا جر إىل ضرر فكبريه أبلغ يف الضرر منه، وأنا ذهبت إىل أن هذا دون كميته، وضربت هلذا املخاطب التصغري يؤثر تأثرياً كبرياً من