· web viewروى الإمام أحمد (3589) بسند جيد عن عبدالله بن مسعود...
TRANSCRIPT
www.alukah.net
www.alukah.net
مواقف ووقفات
سنان زاهد محمد صالح
www.alukah.net
بسم الله الرحمن الرحيم
مواقف ووقفات
الحمد لله رب العالمين، أحمده س��بحانه وتع��الى وأش��كره وأت��وب إلي��ه وأستغفره، وأشهد أن ال إله إال الله وحده ال شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، المبعوث لتشريع الملة وتوجيه الخطاب، وإيض��اح األحك��ام من المب��اح والمن��دوب، والمحظ��ور والمف��روض، وال��واجب واالستحباب، واآلمر بأدائها ب��االلتزام واإليج��اب، فالص��الة والس��الم على
سيد األنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؛ أما بعد:
نتع��رض في حياتن��ا إلى الكث��ير من المواق��ف ال��تي نحكم عليه��ا بغ��ير حقيقته��ا، ونحكم على ظاهره��ا بحكم م��ا، ولكن حكم الش��رع وموق��ف القرآن الكريم منها يكون مختلفا عن حكمنا فيها ورؤيتنا لها؛ لهذا أمرن��ا
الله بحسن الظن، والتبين من حقيقة األمر قبل الحكم عليه.
وهذه أمثلة على بعض هذه المواقف...
الباحث/ سنان زاهد محمد صالحالحسيني
2019 تموز 9
www.alukah.net
الموقف األولمريم العذراء... عندما أنجبت عيسى عليهما السالم:
كان حكم الناس عليها بالزنا!��ا م��ريم لق��د﴿بسم الله الرحمن الرحيم: فأتت به قومها تحمله ق��الوا ي
��انت أمك ا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما ك جئت شيئا فريا [.28، 27﴾ ]مريم: بغي
ولمعرفة الله بخلقه وب��أخالق اليه��ود، أمره��ا أال تكلمهم بكلم��ة واح��دة،وإنما تشير ليكلموا من كان في المهد:
م من كان في﴿بسم الله الرحمن الرحيم: فأشارت إليه قالوا كيف نكلا [.29﴾ ]مريم: المهد صبي
موقف الناس: استنكروا فعلها وجوابها، فكان حكم الله واض��حا حاس��مايكف ويقطع أقوالهم إلى يوم القيامة:
ا﴿ بسم الله الرحمن الرحيم: ه آتاني الكتاب وجعلني نبي ي عبد الل قال إنا * ��اة م��ا دمت حي ك * وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصالة والز��وم ��دت وي ��وم ول الم علي ي ا * والس ارا شقي ا بوالدتي ولم يجعلني جب وبر
ا [.33 - 30﴾ ]مريم: أموت ويوم أبعث حي
www.alukah.net
الموقف الثاني أمنا عائشة... عندما اتهمت بحديث اإلفك، انقس��م الن��اس إلى ف��ريقين
وثالثة أصناف؛ ألن المجتمع اإلسالمي أرقى وأسمى المجتمعات. الص���نف األول: هم المن���افقون وت���واله كب���يرهم )عبدالل���ه بن أبي بن س��لول(، وهم كف��ار في ال��درك األس��فل من الن��ار؛ كم��ا وص��فهم الل��ه
ار ولن تج��د﴿سبحانه وتعالى: فل من الن إن المنافقين في ال��درك األس��[.145﴾ ]النساء: لهم نصيرا
والصنف الثاني: العوام الذين يخوضون مع الخائض��ين دون تمي��يز، وق��دبوه﴿حذرهم الله من ذلك: بة منكم ال تحس�� ذين جاءوا باإلفك عص�� إن ال
ذي ب من اإلثم وال ا لكم بل هو خير لكم لكل ام��رئ منهم م��ا اكتس�� شرى كبره منهم له عذاب عظيم [.11﴾ ]النور: تول
معتموه﴿ والصنف الثالث: الص��فوة من األخي�ار؛ حيث ق�الوا: ل�وال إذ س�� ﴾ ]النور:ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين
م بهذا سبحانك هذا﴿�[،� 12 ولوال إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكل��دا إن كنتم م��ؤمنين * ��ه أب ه أن تع��ودوا لمثل ��ان عظيم * يعظكم الل بهت
ه عليم حكيم ه لكم اآليات والل ن الل [.18 - 16﴾ ]النور: ويبي ؛ أي: إذا ذك��راآلمر بظن الخيرقال ابن كثير: "هذا تأديب آخر بعد األول
، وأالفأولى ينبغي الظن بهم خيراما ال يليق من القول في شأن الخيرة يشعر نفسه سوى ذلك، ثم إن علق بنفسه شيء من ذل��ك وسوس��ة أو خياال، فال ينبغي أن يتكلم به؛ فإن رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم قال: ))إن الله تعالى تجاوز ألمتي عما حدثت به أنفس��ها م��ا لم تق��ل أو
﴿ وق��ال الل��ه تع��الى: تعم��ل((؛ ]أخرج��اه في الص��حيحين[، ��وال إذ ولم بهذا ؛سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكل أي: ما ينبغي لنا أن نتف��وه﴾
��ان عظيم﴿ بهذا الكالم، وال نذكره ألحد ؛سبحانك هذا بهت أي: س��بحان﴾ الله أن يقال هذا الكالم على زوجة ورسوله وحليلة خليله.
��دا﴿ثم قال تعالى: ��ه أب ه أن تع��ودوا لمثل ؛ أي: ينه��اكم الل��هيعظكم الل ﴾ ﴿متوعدا أن يقع منكم ما يشبه هذا أبدا؛ أي: فيما يستقبل؛ فلهذا ق��ال:
؛ أي: إن كنتم تؤمن��ون بالل��ه وش��رعه، وتعظم��ونإن كنتم م��ؤمنين ﴾ رسوله صلى الله عليه وسلم، فأما من كان متص��فا ب��الكفر ف��ذاك حكم
ه لكم اآليات﴿آخر، ثم قال تعالى: ن الل ؛ أي: يوض��ح لكم األحك��امويبي ﴾ ه عليم حكيم﴿الش��رعية والحكم القدري��ة، ؛ أي: عليم بم��ا يص��لحوالل ﴾
عباده، حكيم في شرعه وقدره.ذين آمنوا لهم عذاب﴿ وقوله: ون أن تشيع الفاحشة في ال ذين يحب إن ال
ه يعلم وأنتم ال تعلمون ه��ذا[:�� 19﴾ ]الن��ور: أليم في الدنيا واآلخرة والل
www.alukah.net
تأديب ثالث لمن سمع شيئا من الكالم السيئ، فق��ام بذهن��ه ش��يء من��هوتكلم به"؛ ]انتهى من تفسير ابن كثير، ط: العلمية[.
وجاء في تفسير الوسيط: "ثم وجه سبحانه المؤمنين إلى الطريق الذي﴿ك��ان يجب عليهم أن يس��لكوه في مث��ل ه��ذه األح��وال فق��ال: ل��وال إذ
��را وق��الوا ه��ذا إف��ك هم خي ��ات بأنفس�� سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمن [، و)ل��وال( ح��رف تحض��يض بمع��نى )هال( والم��راد12﴾ ]الن��ور: مبين
ب�)أنفسهم( هنا: إخوانهم في الدين والعقيدة. أي: هال وقت أن سمعتم أيها المؤمن��ون والمؤمن��ات ح��ديث اإلف��ك ه��ذاا حس��نا جميال، وقلتم: ه��ذا ظننتم بأنفسكم؛ أي: بإخوانكم وبأخواتكم ظن الحديث الذي أذاع��ه المن��افقون ك��ذب ش��نيع، وبهت��ان واض��ح ال يص��دقه
عقل أو نقل. وفي التعبير عن إخوانهم وأخواتهم فى الدين ب�)أنفسهم( أس��مى أل��وان الدعوة إلى غرس روح المحبة والمودة واإلخاء الص��ادق بين المؤم��نين،
حتى لكأن الذي يظن السوء بغيره إنما ظنه بنفسه. ويقتضي أال يصدق مؤمن على أخيه قول ع��ائب وال ط��اعن، وفي��ه تنبي��ه على أن المؤمن إذا سمع مقالة سوء فى أخيه أن يبني األم��ر في��ه على ظن الخير، وأن يق��ول بن��اء على ظن��ه: ه��ذا إف��ك م��بين، هك��ذا باللف��ظ الصريح ببراءة أخيه، كما يقول المستيقن المطل��ع على حقيق��ة الح��ال،
هم﴿وهذا من األدب الحسن، ومع��نى : أي: ك��أن يقيس فض��الءبأنفس�� ﴾ المؤمنين والمؤمنات هذا األمر على أنفسهم، فإذا كان ذلك يبعد عليهم، قض��وا بأن��ه فى ح��ق من ه��و خ��ير منهم أبع��د... ولق��د فع��ل المؤمن��ون الصادقون ذلك؛ فها هو ذا أب�و أي��وب خال�د بن زي��د األنص��ارى ق��الت ل��ه امرأته أم أيوب: يا أب��ا أي��وب، أم��ا تس�مع م�ا يقول��ه الن��اس فى عائش��ة رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: ال، والله ما كنت ألفعله، قال: فعائشة والله خ��ير من��ك... وهك��ذا المؤمنون األطه��ار األخي��ار يبن��ون أم��ورهم على حس��ن الظن بالن��اس"؛
انتهى، تفسير الوسيط[.]ا لكم بل هو خير لكم﴿ وقوله تعالى: فيها[� 11﴾ ]النور: ال تحسبوه شرتفصيل كثير:
- قد جاء في التفاسير:1 البغوي: "وقيل: ه��و خط��اب لعائش��ة وألبويه��ا وللن��بي ص��لى الل��ه علي��ه
ا لكم، ؛بل هو خير لكم﴿وسلم ولصفوان؛ يعني: ال تحسبوا اإلفك شر ﴾ ألن الله يأجركم على ذلك ويظهر براءتكم".
��ر﴿وفي الوس��يط: "وقول��ه س��بحانه: ��ل ه��و خي ا لكم ب ر بوه ش�� ال تحس��: تس��لية للن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وألص��حابه المؤم��نينلكم... ﴾
www.alukah.net
الصادقين عم��ا أص��ابهم من هم وغم بس��بب ه��ذا الح��ديث الب��الغ نهاي��ةدركات الكذب والقبح.
أي: ال تظنوا أيها المؤمنون أن حديث اإلفك ه��ذا ه��و ش��ر لكم، ب��ل ه��و خير لكم؛ ألنه كشف عن ق��وي اإليم��ان من ض��عيفه، كم��ا فض��ح حقيق�ة المنافقين وأظهر ما يضمرونه من سوء للن��بي ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم وألهل بيته وللمؤمنين، كم��ا أنكم ق��د نلتم بص��بركم علي��ه وتك��ذيبكم ل��ه
أرفع الدرجات عند الله تعالى". - أن��زل الل��ه ب��ه حكم��ا عظيم��ا إلثب��ات واقع��ة الزن��ا، والحكم على من2
﴿افترى كذبا ولم يأت بشهود بعقاب شديد باإلضافة إلى عذاب اآلخرة: هداء فاجل��دوهم ثم��انين ذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة ش�� وال
قون ��دا وأولئك هم الفاس�� ﴿[،� 4﴾ ]الن��ور: جلدة وال تقبلوا لهم شهادة أبهادة هم فش��� هداء إال أنفس��� ذين يرم���ون أزواجهم ولم يكن لهم ش��� وال
ه لمن الصادقين ه إن ذين﴿���[،� 6﴾ ]الن��ور: أحدهم أربع شهادات بالل إن ال��وا في ال��دنيا واآلخ��رة ولهم ��ات لعن يرمون المحصنات الغ��افالت المؤمن
[.23﴾ ]النور: عذاب عظيم - أنزل الله حكمه بالزناة من المحصنين وغير المحصنين؛ ليكون عقابا3
اني فاجلدوا كل واح��د منهم��ا مائة﴿ رادعا لتطهير المجتمع: انية والز الز ��وم ه والي ��ون بالل ه إن كنتم تؤمن جلدة وال تأخذكم بهما رأف��ة في دين الل��ة أو اني ال ينكح إال زاني اآلخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين * الز���ك على م ذل رك وح���ر ���ة ال ينكحه���ا إال زان أو مش��� اني ركة والز مش���
[.3، 2﴾ ]النور: المؤمنين - أمر الله الناس بكف ألسنتهم عن الخوض ب��األعراض بغ��ير دلي��ل وال4
ذين آمنوا إن﴿ بينة، وكذلك بقية أمور الحياة؛ كقوله جل جالله: ها ال يا أينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم جاءكم فاسق بنبإ فتبي
[.6﴾ ]الحجرات: نادمين - تبرئة وتزكية أمنا عائشة وعرض نبيه صلى الله عليه وسلم إلى ي��وم5
القيامة من ك��ل ك��ذب وفري��ة؛ ألن الل��ه يعلم غيب الس��ماوات واألرض، ويعلم أن هناك من سيخوض بعرض نبيه من الكفار والمنافقين حتى ل��و
لم تقع حادثة اإلفك. - تمييز الك��اذبين ممن ي��دعون اإلس��الم وحب آل بيت الرس��ول ص��لى6
الله عليه وسلم إلى يوم القيامة. - كما جاء بالتفاسير في الفقرة األولى، فه��و أج��ر وث��واب ممت��د ألمن��ا7
عائشة إلى يوم القيامة من الخائض��ين باإلف��ك والس��ب وال يقتص��ر على من خ��اض ب��ه في زمان��ه، وك��ذلك تزكي��ة وأج��ر لك��ل المؤم��نين ال��ذين
ينكرون هذا الفعل ويتأذون منه.
www.alukah.net
��ر﴿ هذا بعض الخير في حادث��ة اإلف��ك ��ل ه��و خي ا لكم ب ر بوه ش�� ال تحس��[، والله أعلم بما خفي منه.11﴾ ]النور: لكم
فهذا كان موقف المنافقين، وموقف المؤمنين، وحكم الله.
www.alukah.net
الموقف الثالثعمار بن ياسر رضي الله عنه:
فضل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على بقية العباد: ( بسند جيد عن عبدالله بن مسعود قال: ))إن3589روى اإلمام أحمد )
الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خ��ير قلوب العب��اد؛ فاص��طفاه لنفس��ه فابتعث��ه برس��الته، ثم نظ��ر في قل��وب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أص�حابه خ��ير قل�وب العب�اد؛ فجعلهم
وزراء نبيه يقاتلون على دينه((. وقال الميموني: قال لي أحمد بن حنبل: "يا أب��ا الحس��ن، إذا رأيت رجال يذكر أحدا من الصحابة بسوء فاتهمه على اإلسالم"؛ ]انتهى من البداي��ة
([.148/ 8والنهاية ) فحب صحابة رسول الله صلى الله علي��ه وس��لم من اإليم��ان، وبغض��هم من النفاق، وخاصة أكابرهم الذين نشروا العلم والدين، وكان من هؤالء الصحب الكرام: عمار بن ياسر رض��ي الل��ه عن��ه وعن أبي��ه وأم��ه، وق��د
عذب هو وأبوه وأمه في الله عذابا شديدا: ( عن عبدالل��ه بن مس��عود ق��ال: ))ك��ان أول من150روى ابن ماج��ه )
أظهر إسالمه س��بعة: رس��ول الل��ه ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم، وأب��و بك��ر، وعمار، وأمه سمية، وصهيب، وبالل، والمقداد، فأما رس��ول الل��ه ص��لى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أب��و بك��ر فمنع��ه الل��ه بقومه، وأم��ا س��ائرهم فأخ��ذهم المش��ركون، وألبس��وهم أدراع الحدي��د،
وصهروهم في الشمس((؛ ]حسنه األلباني في صحيح ابن ماجه[. وعن عمر بن الحكم قال: "كان عم��ار يع��ذب ح��تى ال ي��دري م��ا يق��ول،
ه من بع��د م��ا﴿ وك��ذا ص��هيب، وفيهم ن��زلت: ذين ه��اجروا في الل وال.["41﴾ ]النحل: ظلموا
ا عن��د الن��بي ص��لى3799روى الترمذي ) ( عن حذيفة قال: ))كنا جلوس�� الله عليه وسلم فقال: إني ال أدري ما قدر بقائي فيكم؛ فاقتدوا باللذين من بعدي - وأشار إلى أبي بكر وعمر - واهتدوا بهدي عمار، وما حدثكم
ابن مسعود فصدقوه((؛ ]صححه األلباني في صحيح الترمذي[. (: "والهدي... الس��يرة204/�� 10قال المباركفوري في )تحفة األحوذي،
والطريقة، والمعنى: أي: سيروا سيرته واختاروا طريقته"؛ انتهى. ( عن رج��ل من أص��حاب الن��بي ص��لى الل��ه علي��ه5007روى النس��ائي )
��ا وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ))ملئ عم��ار إيمانإلى مشاشه((؛ ]صححه األلباني في صحيح ابن ماجه[.
www.alukah.net
قال المناوي رحمه الله: "يعني: اختلط اإليم��ان بلحم��ه ودم��ه وعظم��ه، وامتزج بسائر أجزائ��ه امتزاج��ا ال يقب��ل التفرق��ة، فال يض��ره الكف��ر حين
�ه﴿أكرهه عليه كفار مكة بضروب العذاب وفيه ن�زل: �ره وقلب إال من أك [؛ قال في الفتح: وه��ذه الص��فة ال تق��ع106﴾ ]النحل: مطمئن باإليمان
/6إال ممن أجاره الله من الشيطان الرجيم"؛ ]انتهى من فيض الق��دير )4.])
من هذا يتبين فضل الصحابة وعدم إنكار أقوالهم وأفعالهم ومنهم عم��اربن ياسر.
مات ياسر رضي الل��ه عن��ه من ش��دة الع��ذاب، وأغلظت امرأت��ه س��مية رضي الله عنه��ا الق��ول ألبي جه��ل، فطعنه��ا في قبله��ا بحرب��ة في يدي��ه فم��اتت، وهي أول ش��هيدة في اإلس��الم، وش��ددوا الع��ذاب على عم��ار رضي الله عنه بالحر تارة، وبوض��ع الص��خر األحم��ر على ص��دره أخ��رى، وبغطه في الماء حتى كان يفقد وعيه، وقالوا له: ال نترك��ك ح��تى تس��ب
محمدا، أو تقول في الالت والعزى خيرا، فوافقهم على ذلك مكرها. عن أبي عبي��دة بن محم��د بن عم��ار بن ياس��ر عن أبي��ه ق��ال: ))أخ��ذ المشركون عمار بن ياسر رضي الله عنه فلم يتركوه حتى س��ب الن��بي صلى الله عليه وسلم وذك��ر آلهتهم بخ��ير، ثم ترك��وه، فلم��ا أتى رس��ول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما وراءك؟ قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، قال: كيف تجد قلب��ك؟ ق��ال:
﴿، ف��أنزل الل��ه تع��الى: قال: فإن ع��ادوا فعدأجد قلبي مطمئنا باإليمان، ��ه مطمئن باإليم��ان ولكن ه من بعد إيمانه إال من أكره وقلب من كفر بالل
ه ولهم ع��ذاب عظيم ب من الل درا فعليهم غض�� ��الكفر ص�� رح ب ﴾ من ش�� ]رواه الحاكم[.[((؛106]النحل:
قال ابن كثير وغيره: "قال ابن إس��حاق عن س��عيد بن جب��ير ق��ال: قلت لعبدالله بن عباس: أكان المش��ركون يبلغ��ون من أص��حاب رس��ول الل��ه من العذاب ما يع��ذرون ب��ه في ت��رك دينهم؟ ق�ال: نعم والل�ه، إن ك��انواا ليضربون أحدهم ويجيعونه ويعطشونه حتى ما يق��در أن يس��توي جالس�� من شدة الضر الذي نزل به، حتى يعطيهم ما س��ألوه من الفتن��ة، ح��تى يقولوا له: الالت والعزى إلهان من دون الله، فيقول: نعم، افت��داء منهم
من كفر﴿ بما يبلغون من جهدهم، قلت: وفي مثل هذا أنزل الله تعالى: رح ه من بعد إيمانه إال من أكره وقلبه مطمئن باإليمان ولكن من ش�� بالل
ه ولهم ع��ذاب عظيم ب من الل درا فعليهم غض�� ��الكفر ص�� ﴾ ]النح��ل:ب فهؤالء كانوا معذورين بما حصل لهم من اإلهانة والعذاب البلي��غ،[،106
أجارنا الله من ذلك بحوله وقوته".
www.alukah.net
لم يكن في وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يق��دم آلل ياس��ر شيئا، وليس��ت لدي��ه الق��وة ليستخلص��هم من األذى والع��ذاب، فك��ل م��ا يستطيعه صلى الله عليه وسلم هو حثهم على الصبر والثبات، ويذكرهم بما كان من شأن األمم السابقة كأصحاب األخدود، الذين كانت تمش��ط جلودهم بأمشاط الحديد، ويبشرهم الجنة؛ قال صلى الله علي��ه وس��لم:
))صبرا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة((. قال ابن حجر: "قال ابن بطال تبعا البن المنذر: أجم��ع العلم��اء على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القت��ل، أن��ه ال إثم علي��ه إن كفر وقلبه مطمئن باإليمان، وال تبين من��ه زوجت��ه، وال يحكم علي��ه بحكم
الكفر". وقال الطبري: "عن ابن عباس قال: ف��أخبر الل��ه س��بحانه أن��ه من كف��ر من بعد إيمانه، فعليه غضب من الله وله ع��ذاب عظيم، فأم��ا من أك��ره فتكلم به لسانه وخالفه قلبه باإليمان؛ لينجو بذلك من ع��دوه - فال ح��رج
عليه؛ ألن الله سبحانه إنما يأخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم". بع��د أن بين��ا فض��ل الص��حابة وفض��ل عم��ار بن ياس��ر رض��ي الل��ه عن��ه،
واألحاديث الواردة به وبإيمانه يتبين لنا صحة موقفه.وفي هذا موقف الكفار، وموقف عمار، وحكم الله ورسوله:
موقف الكفار: ارتضى الكفار من عمار نيله من الله ورسوله وظنوا أنهكفر.
موقف عمار: ظن عمار أنه أثم؛ لنيله من الل��ه ورس��وله وقلب��ه مطمئنباإليمان.
موقف رسول الله صلى الله عليه وس��لم: ق��ال ل��ه: ))إن ع��ادوا ع��د((،وبشرهم بالجنة.
ثم أنزل به قرآن يتلى، وهو حكم عام وليس خاصا بعمار بن ياسر.
www.alukah.net
الموقف الرابعبالل الحبشي... وصموده أمام جبروت قريش وتعذيبهم له:
أول مؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أوائل الذين أظهرواإسالمهم، وكان ممن عذبوا وألبسوا الحديد ووضعوا في الشمس.
روى ابن سعد عن مجاهد قال: ))أول من أظهر اإلسالم س��بعة: رس��ول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وبالل، وخب��اب، وص��هيب، وعم��ار، وسمية أم عمار، قال: فأما رسول الله ص��لى الل��ه علي��ه وس��لم فمنع��ه عمه، وأما أبو بكر فمنعه قومه، وأخذ اآلخرون فألبسوهم أدراع الحديد، ثم صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ، ف��أعطوهم م��ا سألوا، فجاء كل رجل منهم قومه بأنطاع األدم فيها الماء فألقوهم في��ه، وحملوا بجوانبه إال بالال، فلما كان العش��ي ج��اء أب��و جه��ل فجع��ل يش��تم سمية ويرفث، ثم طعنها فقتلها، فهي أول شهيد استش��هد في اإلس��الم، إال بالال فإنه هانت عليه نفس��ه في الل��ه ح��تى مل��وه، فجعل��وا في عنق��ه حبال، ثم أم�روا ص��بيانهم أن يش�تدوا ب�ه بين أخش�بي مك�ة، فجع�ل بالل
[.176، ص: 3يقول: أحد أحد((؛ ]الطبقات الكبرى البن سعد، ج: روى عامر الشعبي أن م��والي بالل من ب��ني جمح ك�انوا يض��جعونه على بطنه، ويعصرونه، ويقولون له قل: "دين��ك الالت والع��زى"، وك��ان ال��ذي يعذب��ه أمي��ة بن خل��ف، فيخ��رج ب��ه إذا حميت الظه��يرة، فيطرح��ه على ظه��ره في بطح��اء مك��ة، ثم ي��أمر بالص��خرة العظيم��ة على ص��دره، ثم يق��ول: "ال ي��زال على ذل��ك ح��تى يم��وت أو يكف��ر بمحم��د"، في��أبى بالل ويقول: "ربي الله، أحد أحد، ول�و أعلم كلم��ة أحف�ظ لكم منه�ا لقلته��ا"، فمر أبو بكر الصديق بهم، فاشتراه منهم لما أيس��وا أن ي��ردوه عن دين
اإلسالم. وقال ابن كثير: "ولهذا اتفق العلم��اء على أن��ه يج��وز أن ي��والي المك��ره على الكفر؛ إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يس��تقتل، كم��ا ك��ان بالل رض��ي الله عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به األفاعيل، ح��تى أنهم ليض��عون الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر، ويأمرونه أن يشرك بالله، فيأبى عليهم وهو يقول: أحد أحد، ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ
لكم منها لقلتها، رضي الله عنه وأرضاه". روى ابن س��عد عن ع��روة بن الزب��ير ق��ال: "ك��ان بالل بن رب��اح من المستضعفين من المؤمنين، وك�ان يع�ذب حين أس��لم ل�يرجع عن دين�ه، فما أعطاهم قط كلمة مما يريدون، وكان الذي يعذب��ه أمي��ة بن خل��ف"؛
[.175، ص: 3]الطبقات الكبرى البن سعد، ج:
www.alukah.net
روى ابن سعد عن عمير بن إس��حاق ق��ال: "ك��ان بالل إذا اش��تدوا علي�ه في العذاب قال: أح��د أح��د، فيقول�ون ل��ه: ق��ل كم��ا نق��ول، فيق��ول: إن
[.175، ص: 3لساني ال يحسنه"؛ ]الطبقات الكبرى البن سعد، ج: قال الزبير بن العوام: "مر أبو بك��ر الص��ديق يوم��ا ببالل بن رب��اح، وه��و يع��ذب، فق��ال ألمي��ة بن خل��ف: أال تتقي الل��ه في ه��ذا المس��كين، ح��تى متى؟ قال: أنت أفسدته، فأنقذه مما ترى، فقال أبو بكر: أفع��ل، عن��دي غالم أسود أجلد منه وأقوى على دينك أعطيكه به، قال: قد قبلت، قال: ه��و ل��ك، فأعط��اه أب��و بك��ر غالم ذل��ك وأخ��ذ بالال فأعتق��ه"؛ ]س��يرة ابن
[.318، ص: 1هشام، ج: أيهما أفضل: الرخصة أم العزيمة؟
قال ابن بطال: "أجمع العلماء أن من أكره على الكفر فاختار القتل أنهأعظم أجرا عند الله ممن اختار الرخصة".
وقال ابن كثير في تفسيره: "واألفض��ل واألولى: أن يثبت المس��لم علىدينه، ولو أفضى إلى قتله".
فاألفضل الصبر والتحم��ل، وأم��ا الرخص��ة فثابت��ة في كت��اب الل��ه تع��الى وسنة رسوله صلى الله علي��ه وس��لم، ق��ال أب��و الحس��ن المب��اركفوري: "وهذا يدل على أنه ينبغي اختي��ار الم��وت والقت��ل دون إظه��ار الش��رك، وهو وصية باألفضل والعزيمة، فإنه يجوز التلفظ بكلمة الكف��ر والش��رك
��ه مطمئن باإليم��ان﴿ عن��د اإلك��راه؛ لقول��ه تع��الى: ��ره وقلب ﴾ إال من أك.["106]النحل:
"إن الله يحب أن تؤتى رخص��ه كم��ا يحب أن ت��ؤتى عزائم��ه"، وفي ك��لخير.
موقف الكفار، موقف بالل، وحكم الشرع: موقف الكفار: عذب الكفار بالل للنيل منه ح��تى أيس��وا من��ه ولم ين��الوا
منه بغيتهم. موقف بالل: ثبت على عقيدة التوحيد واإليم��ان، وأبى أن يعطيهم ش��يئا مما طلبوه، ب��ل ن��ال منهم بثبات��ه وتحدي��ه لهم، وإغ��اظتهم بقول��ه كلم��ة
التوحيد: "أحد أحد".موقف الشرع: في ذلك فقه يتراوح بين العزيمة والرخصة.
www.alukah.net
الموقف الخامسن وموقف اإلمام أحمد بن حنبل:آفتنة خلق القر
إن هذه المحنة التي وقعت وعصفت وعمت بالد المسلمين جميع��ا - لم يص��مد فيه��ا س��وى اإلم��ام أحم��د، وق��د جل��د وع��ذب وألقي في ظلم��ة
السجون. وإن هذه الفتنة كانت في باب العقيدة في صميم األمة، وكان المعتزل��ة وراءها، واستطاع بعض أهل االعتزال؛ مثل: بشر المريس��ي، وأحم��د بن أبي دؤاد وغيرهم��ا خ��داع ثالث��ة خلف��اء عباس��يين متت��اليين: الم��أمون، والمعتصم، والواثق، وجعلهم يتبنون هذه العقيدة الفاسدة المليئة بالبدع
والضالل، ويجبرون الناس عليها بالقوة. وهذه المحنة لم يص��مد فيه��ا س��وى اإلم��ام أحم��د بن حنب��ل، أم��ا ب��اقي العلماء فأغلبهم قد أجاب فيها خوفا أو كرها، ومن صمد أمام الفتنة ولم يجب، م��ات تحت التع��ذيب وفي س��جون المبتدع��ة؛ مث��ل: الب��ويطي، ومحمد بن نوح، ونعيم بن حماد، وكان صمود اإلمام أحمد أعظم فصول هذه المحنة، وسبب القضاء عليها وانتهائها، ولو قدر الله ع��ز وج��ل ولم يصمد اإلمام أحمد في هذه المحنة لضل خلق كثير، ولربما األم��ة كله��ا،
لذلك قال المزني رحمه الله: "عصم الل��ه األم��ة ب��أبي بك��روالله أعلم؛ .يوم الردة، وبأحمد بن حنبل يوم المحنة"
،14ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ]س��نة ثم��ان عش��رة وم��ائتين، ج: ، ط: هجر[:207ص:
"في هذه السنة كتب المأمون إلى نائبه ببغ��داد إس��حاق بن إب��راهيم بن مصعب يأمره أن يمتحن القضاة والمحدثين بالقول بخل��ق الق��رآن، وأن يرسل إليه جماعة منهم إلى الرق��ة، ونس��خة كت��اب الم��أمون إلى نائب��ه مطول��ة ق��د س��ردها ابن جري��ر، ومض��مونها االحتج��اج على أن الق��رآن محدث وليس بقديم، وعنده أن كل مح��دث فه��و مخل��وق، وه��ذا أم��ر ال يوافقه علي��ه كث��ير من المتكلمين وال المح��دثين... والمقص��ود أن كت��اب المأمون لما ورد بغداد قرئ على الناس، وقد عين المأمون جماع��ة من المحدثين ليحضرهم إلي��ه؛ وهم: محم��د بن س��عد ك��اتب الواق��دي، وأب��و مسلم مستملي يزيد بن هارون، ويحيى بن معين، وأبو خيثم��ة زه��ير بن ح��رب، وإس��ماعيل بن داود، وإس��ماعيل بن أبي مس��عود، وأحم��د بن إبراهيم الدورقي، فبعث بهم إلى المأمون إلى الرقة ف��امتحنهم ب��القول بخل��ق الق��رآن، فأج��ابوه إلى ذل��ك وأظه��روا موافقت��ه - وهم ك��ارهون - فردهم إلى بغداد وأمر بإشهار أم��رهم بين الفقه��اء، ففع��ل إس��حاق بن
www.alukah.net
إبراهيم ذلك، وأحضر خلقا من مشايخ الحديث والفقهاء والقضاة وأئم��ة المس��اجد وغ��يرهم، ف��دعاهم إلى ذل��ك عن أم��ر الم��أمون، وذك��ر لهم موافق��ة أولئ��ك المح��دثين ل��ه على ذل��ك، فأج��ابوا بمث��ل ج��واب أولئ��كموافقة لهم، ووقعت بين الناس فتنة عظيمة، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم كتب المأمون كتابا ثانيا إلى إسحاق يس��تدل في��ه على الق��ول بخل��ق الق��رآن بش��به من ال��دالئل ال تحقي��ق تحته��ا وال حاص��ل له��ا ب��ل هي من المتشابهات، وأورد من القرآن آي��ات هي حج��ة علي��ه ال ل��ه، وق��د أورده ابن جرير بطوله، وأمره أن يق��رأ ذل��ك على الن��اس، وأن ي��دعوهم إلي��ه وإلى الق��ول بخل��ق الق��رآن، فأحض��ر إس��حاق بن إب��راهيم جماع��ة من األئمة؛ وهم: أحمد بن حنب��ل، وقتيب��ة، وأب��و حس��ان الزي��ادي، وبش��ر بن الولي��د الكن��دي، وعلي بن أبي مقات��ل، وس��عدويه الواس��طي، وعلي بن الجع��د، وإس��حاق بن أبي إس��رائيل، وابن اله��رش، وابن علي��ة األك��بر، ويحيى بن عبدالحميد العمري، وشيخ آخ��ر من س��اللة عم��ر ك�ان قاض��يا على الرقة، وأبو نصر التمار، وأبو معمر القطيعي، ومحمد بن ح��اتم بن ميم��ون، ومحم��د بن ن��وح الجنديس��ابوري المض��روب، وابن الفرخ��ان، والنضر بن شميل، وابن علي بن عاصم، وأبو العوام البزاز، وأبو شجاع، وعبدالرحمن بن إسحاق وجماعة... ولما انتهت النوبة إلى امتحان أحمد
بن حنبل، فقال له: أتقول إن القرآن مخلوق؟فقال: القرآن كالم الله، ال أزيد على هذا.
يء﴿ فقال له: ما تقول في هذه الرقعة؟ فقال: أق��ول: ��ه ش�� ليس كمثلميع البصير [.11﴾ ]الشورى: وهو الس
فقال رجل من المعتزلة: إنه يق��ول س��ميع ب��أذن بص��ير بعين، فق��ال ل��ه إسحاق: ما أردت بقولك: سميع بصير؟ فقال: أردت منها م��ا أراده الل��ه منها، وهو كما وصف نفسه، وال أزي��د على ذل��ك، فكتب جواب��ات الق��وم
رجال رجال، وبعث بها إلى المأمون. وكان من الحاضرين من أجاب إلى القول بخلق القرآن مصانعة مكرها؛ ألنهم ك��انوا يعزل��ون من ال يجيب عن وظائف��ه، وإن ك��ان ل��ه رزق على بيت المال قطع، وإن كان مفتيا منع من اإلفتاء، وإن ك��ان ش��يخ ح��ديث ردع عن اإلس��ماع واألداء، ووقعت فتن��ة ص��ماء ومحن��ة ش��نعاء وداهي��ة دهي��اء، فال ح��ول وال ق��وة إال بالل��ه العلي العظيم العزي��ز الحكيم، وأم��ر النائب إس��حاق بن إب��راهيم الك��اتب، فكتب عن ك��ل واح��د منهم جواب��ه بعينه، وبعث به إلى المأمون فجاء الجواب بمدح الن��ائب على م��ا فع��ل، وال��رد على ك��ل ف��رد، ف��رد م��ا ق��ال في كت��اب أرس��له، وأم��ر نائب��ه أن يمتحنهم أيضا، فمن أج��اب منهم ش��هر أم��ره في الن��اس، ومن لم يجب منهم إلى القول بخلق الق��رآن، ف��ابعث ب��ه إلى عس��كر أم��ير المؤم��نين
www.alukah.net
مقيدا محتفظا به، حتى يصل إلى أمير المؤمنين ف��يرى في��ه رأي��ه، ومن مذهبه أن يضرب عنق من لم يقل بخل��ق الق��رآن، فعق��د األم��ير ببغ��داد مجلسا آخر، وأحضر أولئك وفيهم إبراهيم بن المهدي وكان صاحبا لبشر بن الولي��د الكن��دي، وق��د نص الم��أمون على قتلهم��ا إن لم يجيب��ا على الفور، فلما امتحنهم إسحاق بن إبراهيم ثانيا بعد قراءة كت��اب الخليف��ة،
��ه مطمئن﴿ أجابوا كلهم مكرهين متأولين قوله تعالى: إال من أكره وقلب إال أربع��ة وهم: أحم��د بن حنب��ل، ومحم��د بن[�� 106﴾ ]النح��ل: باإليمان
نوح، والحسن بن حماد سجادة، وعبيدالله بن عمر القواريري. فقيدهم وأرصدهم ليبعث بهم إلى المأمون ثم اس��تدعى بهم في الي��وم الثاني فامتحنهم، فأجاب سجادة )الحسن بن حماد س��جادة( إلى الق��ول بخل��ق الق��رآن، ف��أطلق قي��ده وأطلق��ه، ثم امتحنهم في الي��وم الث��الث
فأجاب القواريري إلى ذلك، فأطلق قيده أيضا وأطلقه. وأصر أحمد بن حنبل ومحم��د بن ن��وح الجنديس��ابوري على االمتن��اع من ذلك، فأكد قيودهما وجمعهما في الحديد، وبعث بهم��ا إلى الخليف��ة وه��و��ا بإرس��الهما إلي��ه، فس��ارا مقي��دين في بطرس��وس، وكتب معهم��ا كتاب محارة على جمل متعادلين رضي الله عنهما، وجعل اإلمام أحم��د ي��دعو
الله عز وجل أال يجمع بينهما وبين المأمون وأال يرياه وال يراهما. واستجاب الله سبحانه دعاء عبده وولي��ه اإلم��ام أحم��د بن حنب��ل رحم��ه الله، فلم يجتمعوا بالمأمون وردوا إلى بغداد، وسيأتي تمام م��ا وق��ع من األم��ر الفظي��ع في أول والي��ة المعتص��م بن الرش��يد، وتم��ام الكالم على ذلك في ترجمة اإلمام أحمد بن حنبل، عند ذك��ر وفات��ه في س��نة إح��دى
[.217، ص: 14وأربعين ومائتين، وبالله المستعان"؛ ]ج: "ت��ولى الم��أمون الخالف��ة... س��نة ثم��ان وتس��عين ومائ��ة، واس��تمر في الخالفة عشرين سنة وخمس��ة أش��هر، وق��د ك��ان في��ه تش��يع، واع��تزال، وجهل بالسنة الصحيحة... أما كونه على م��ذهب االع��تزال؛ فإن��ه اجتم��ع بجماع��ة منهم بش��ر بن غي��اث المريس��ي، فأخ��ذ عنهم ه��ذا الم��ذهب الباطل، وكان يحب العلم، ولم يكن له بصيرة ناف��ذة في��ه، ف��دخل علي��ه بسبب ذلك الداخل، وراج عنده الباطل، ودعا إلي��ه وحم��ل الن��اس قه��را
[.231، ص: 14عليه، وذلك في آخر أيامه وانقضاء دولته"؛ ]ج: "ولم يتب من ذلك حتى أدركه أجله وانقضى عمل��ه، وه��و على ذل��ك لم يرجع عنه ولم يتب منه... وأوصى أخاه أبا إسحاق المعتصم... أن يعتقد ما كان يعتقده أخوه المأمون في الق��رآن، وأن ي��دعو الن��اس إلى ذل��ك، وأوصاه بعبدالل��ه بن ط��اهر، وإس��حاق بن إب��راهيم، وأحم��د بن أبي داود القاض��ي )وهم من المعتزل��ة(، وق��ال: ش��اوره في أم��ورك كله��ا وال
www.alukah.net
تفارقه... ثم أوصاه بالعلويين خيرا، أن يقبل من محسنهم، ويتج��اوز عنمسيئهم، وأن يواصلهم بصالتهم في كل سنة.
وعلى يديه )أي: المعتصم( جرت فتن��ة اإلم�ام أحم��د بن حنب�ل، وض�رب بين يديه كما سيأتي بسط ذل��ك في ترجم��ة أحم��د عن��د ذك��ر وفات��ه في سنة إحدى وأربعين ومائتين، إن شاء الله وبه الثقة"؛ ]انتهى من البداية
والنهاية[. يقول أ.د. عبدالحليم ع��ويس: "وفعال مض��ت األم��ور في عه��د المعتص��م على غرار عهد المأمون... وس��يق اإلم��ام ثاني��ة مكبال باألص��فاد واألغالل إلى المعتص��م ال��ذي أم��ر ب��أن يوض��ع اإلم��ام في س��جن مظلم ثماني��ة
ل به أي تنكيل. وعشرين شهرا، وأن يهان ويعذب وينك هجري��ة، وأذن الل��ه للغم��ة أن تنقش��ع فم��ات الواث��ق232وأقب��ل ع��ام
بدوره، وولي على أمور المسلمين رجل مسلم عادل هو )المتوكل(. ولقد اقتنع المتوكل منذ توليته بآراء اإلمام أحمد، وأيقن أن القرآن ليس بمخلوق، فما كان من��ه إال أن دع��ا إلي��ه اإلم��ام أحم��د، ومكن��ه من رقب��ة )أحم��د بن أبي داؤد( ذل��ك ال��ذي ك��ان يحث الم��أمون، ثم المعتص��م، ثم الواثق - على إيذاء اإلمام والتنكيل به، بيد أن اإلمام عفا عنه لوجه الل��ه تعالى"؛ ]انتهى من قصة اإلمام أحمد بن حنبل في ال��دفاع عن عقیدت��ه،
/7/�� 1لألس��تاذ ال��دكتور عب��دالحلیم ع��ویس على ش��بكة األلوك��ة في 2019.]
حدث في المحنة... قال أب��و غ��الب بن معاوي��ة: ض��رب أحم��د بن حنب��ل بالسياط في الله، فقام مقام الصديقين في العشر األواخر من رمضان
سنة عشرين ومائتين. قال أحم��د: "لس��ت أب��الي ب��الحبس؛ م��ا ه��و وم��نزلي إال واح��د، وال قتال بالسيف، إنما أخاف فتن��ة الس��وط"، فبإس��ناد عن عبدالل�ه بن أحم�د بن حنبل أنه كان يقول: "كنت كث��يرا أس��مع وال��دي أحم��د بن حنب��ل يق��ول:
رحم الله أبا الهيثم، فقلت: من أبو الهيثم؟ قال: أبو الهيثم الحداد لما مدت يدي إلى العقاب وأخرجت للسياط، إذا أنا بإنسان يجذب ثوبي من ورائي ويق��ول لي: تعرف��ني؟ قلت: ال، ق��ال: أنا أبو الهيثم العيار اللص الطرار، مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني ضربت ثمانية عشر ألف سوط بالتفاريق، وصبرت في ذلك على طاع��ة
الشيطان ألجل الدنيا؛ فاصبر أنت في طاعة الرحمن ألجل الدين.الخالصة:
موقف المخالفين: تبني الفكر المنحرف للمعتزلة وأن الق��رآن مخل��وق،وإجبار الناس عليه ونشر الضالل والفتنة.
net
وموقف من سايروا دعاة الفتنة وأقروا بأن الق��رآن مخل��وق؛ خوف��ا من ع��زالبطش، متأولين موقف عمار بن ياسر رضي الله عن��ه وق��ول الل��ه
��ه مطمئن باإليم��ان﴿وج��ل: ��ره وقلب اللهم[،106﴾ ]النح��ل: إال من أكنعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
موقف اإلمام أحمد بن حنبل: وفقه الله بالصمود في وج��ه ه��ذه الفتن��ة وتصدى لها حتى انتهت على يده؛ فنجت األمة من الضالل، وح��ق الح��ق
على يده. وكان موقف اإلمام أحمد هو الصحيح؛ ألن��ه يخص العقي��دة عام��ة وليس
ا. موقفا شخصي
www.alukah.net
الموقف السادس والي الموصل )بدر الدين لؤل��ؤ( و)العزي��ز بن الناص��ر يوس��ف األي��وبي( أمير حلب ودمشق حفيد صالح الدين األيوبي، الل��ذان تحالف��ا م��ع التت��ار
ضد الدولة العباسية إلسقاطها: أرسل والي الموصل )بدر الدين لؤلؤ( فرق��ة لتش��ارك جيش التت��ار في إسقاط بغداد، وك�ذلك أم��ير حلب ودمش�ق )العزي��ز بن الناص�ر يوس��ف
األيوبي( أرسل فرقة أخرى لتشارك جيش التتار في إسقاط بغداد. كانت هاتان الفرقتان اإلسالميتان هزيلتين، وليس لهما أي قيمة بالنسبة للجيوش التترية، واهتم هوالكو بوضع مراقب��ة لص��يقة على ه��ذه الف��رق اإلسالمية الموجودة داخل الجيش التتري؛ خوفا من الخيانة، وكان عم��ر والي الموصل )بدر الدين لؤلؤ( في حينها على أقل تقدير ثمانين عام��ا، وفي بعض الروايات مائ��ة، وإن )ب��در ال��دين لؤل��ؤ( م��ات بع��دها بش��هور
قليلة.الموقف العام واالستعدادات لكال الطرفين: التتار والخالفة العباسية:
طلب )هوالكو( من وزير للخليفة العباسي المستعصم بالله )مؤيد الدين بن العلقمي الش��يعي( أن يقن��ع الخليف��ة بتخفيض ميزاني��ة الجيش، وأن يقلل من أعداد الجنود، وأن يص��رف أذه��ان الدول�ة عن قض��ايا التس�ليح والح��رب، وتحوي��ل بقي��ة الجيش إلى األعم��ال المدني��ة في مج��االت الزراعة والبناء وغيرها؛ لكيال يثير حفيظة التت��ار، فيظه��ر لهم أن��ه رج��ل سالم وليس رجل حرب، وال يشكل خطرا على التتار، وفعال أقنع الوزير الش��يعي )ابن العلقمي( الخليف��ة ووافق��ه على ذل��ك، وخفض ميزاني��ة الجيش وقلل أعداد الجنود، حتى أصبح الجيش العباسي الذي كان يبل��غ
عدده مائة ألف فارس - أصبح عشرة آالف فارس فقط. وأص��بح الجن��ود في حال��ة مزري��ة من الفق��ر والض��ياع ح��تى إنهم ك��انوا يسألون الناس في األسواق، وأهملت التدريبات العسكرية، وفق��د ق��واد الجيش أي مكان��ة لهم، ولم يع��د ي��ذكر من بينهم من ل��ه الق��درة على
التخطيط واإلدارة والقيادة. أما جانب التتار، فقد استعدوا لهذه الحرب أيما استعداد، وخطط��وا له��ا بدق��ة، وجيش��وا الجي��وش والتحالف��ات، ووظف��وا له��ا خ��يرة ق��ادتهم وجيوشهم وأسلحتهم، وتقدمت الجي��وش التتري��ة نح��و بغ��داد وعليه��ا أن
كم في عمق األراض��ي اإلس��المية ح��تى تص��ل إلى1000تقطع مسافة بالمائ��ة من95بغداد، ومع ذلك فقد قطع القائد التتري )بيج��و( بجيش��ه
كم دون أن تدري الخالفة العباسية عنه شيئا،950الطريق؛ أي: حوالي
www.alukah.net
كم منه��ا، وك��ذلك فع��ل )هوالك��و(50وباغت الخالفة العباسية على بعد شمال غرب بغداد.
وظهر جيش التتار فجأة أم��ام أس��وار بغ��داد الش��رقية، ونص��ب مع��دات الحصار الثقيل��ة ح��ول األس��وار، وأح��اطت ك��ذلك جي��وش التت��ار لتحي��ط بالمدينة من الناحية الجنوبية، فارتاع الخليفة لذلك وعقد اجتماع عاج��ل وجمع في�ه كب��ار مستش�اريه وعلى رأس�هم )مؤي�د ال�دين بن العلقمي(، وكان من رأيه مهادنة التتار وإقامة مباحث��ات س��الم، فال م��انع عن��ده من
بعض التنازالت، وكان رأيه هو السالم غير المشروط مع التتار. وبعث رجلين لي��ديرا المفاوض��ات م��ع التت��ار وهم��ا )العلقمي الش��يعي( الذي يكن في قلبه ك��ل الحق��د والغ��ل على الخالف��ة العباس��ية، وأرس��لا م��ع التت��ار، فك��ان معه )متيكا( بطريرك بغداد النصراني المتحالف س��ر الوفد الرسمي الممثل للخالفة اإلسالمية العباسية العريقة للمفاوض��ات م��ع التت��ار ال يض��م إال رجلين فق��ط، ودارت المفاوض��ات الس��رية بينهم
لإلطاحة بالخالفة العباسية. وال يخفى على أح��د الج��رائم والمج��ازر ال��تي فعله��ا التت��ار عن��د دخ��ول
بغداد، وقتل خيرة علمائها، وتدمير مكتباتها واستباحتها. نع��ود لموق��ف والي الموص��ل )ب��در ال��دين لؤل��ؤ( و)العزي��ز بن الناص��ر يوسف األيوبي( أمير حلب ودمشق حفيد صالح ال��دين األي��وبي، الل��ذين
تحالفا مع التتار ضد الدولة العباسية: موقف المؤرخين والتاريخ: الخيانة العظمى ل��دينهم وللخليف��ة والخالف��ة
العباسية، وتعاونهم مع أعداء اإلسالم.موقف والي الموصل ووالي حلب ودمشق:
كانا يعرفان جيدا عدم ق��درة الخليف��ة على إدارة ش��ؤون البالد والعب��اد، وضعف شخصيته واستماعه بل انقياده لتوجيه��ات )ابن العلقمي(، وأن��ه سيتسبب بسقوط الخالفة العباسية، كما يعلمان ما س��يفعله التت��ار عن��د دخولهم بغداد وأخبارهم التي ال تخفى على أحد؛ فاختاروا أهون الشرين بمهادنة التتار، وإرسال فرقتين هزيلتين ال قيمة لهما ليضمنوا ثالثة أمور
مهمة:أوال: الحفاظ على أرواح الناس.
ثانيا: الحفاظ على أعراضهم.ثالثا: الحفاظ على أموالهم وممتلكاتهم.
وكذلك مع��رفتهم بع��دم ق��درتهم على مواجه��ة جي��وش التت��ار الج��رارة،فكان لهم ذلك، فلم يدخل التتار الموصل ولم يستبيحوها.
والقاعدة: أن األشد ي��زال ب��األخف، وبعض��هم يع�بر بقول�ه: يخت��ار أه��ون الش��رين، الض��رر األش��د ي��زال بالض��رر األخ��ف، ي��دفع أعظم الض��ررين
www.alukah.net
إذا تعارض��ت بارتكاب أخفهما، تحتمل أخف المفسدتين لدفع أعظمهما، مفس��دتان روعي أعظمهم��ا ض��ررا بارتك��اب أخفهم��ا، وأق��وال أخ��رى، والقاعدة واح��دة وإن اختل��ف التعب��ير"؛ ]المص��در من مق��ال: الحكم إذا
تعارضت مفسدتان د. سالم جمال الهنداوي، شبكة األلوكة[. "وإذا اضطر اإلنس��ان إلى ش��يء م��ا، وال يس��تطيع تحقيق��ه إال بارتك��اب ضررين أحدهما أعظم من الثاني - فإن عليه أن يرتكب أخفهم��ا ض��ررا، وأحسن من تكلم عن ذل��ك اإلم��ام ع��ز ال��دين بن عبدالس��الم في كتاب��ه )قواعد األحكام في مص��الح األن��ام( وكتاب��ه اآلخ��ر )القواع��د الص��غرى(، واإلم��ام الش��اطبي في الموافق��ات، والق��رافي في الف��روق وغ��يرهم؛
[.9435]إسالم ويب، رقم الفتوى:
www.alukah.net
العبرة مما تقدم من المواقف هناك العديد من المواقف التي ذكرت في القرآن والس��نة، وق��د ذك��رت
بعض هذه المواقف التي تبين مدى االختالف بين الظاهر والواقع. ويعج التاريخ بالعديد من هذه المواقف التي يحكم بها على غير واقعه��ا، ويختلف ظاهرها عن باطنها، وفيها يتب��اين حكم الن��اس، وحكم من ك��ان
بالموقف، وحكم الله والشرع. وفي زمانن��ا ه��ذا يخ��وض الجه��ال في أم��ور ال��دين وأص��حاب األه��واء
والعقول الصغيرة دون دراية، وال علم، وال رأي سديد. فما أحوجنا لالس��تفادة من ه��ذه األمثل��ة؛ لكيال نحكم على الظ��واهر، وال نكون من العوام ال��ذين يخوض��ون م��ع الخائض��ين، ونك��ون م��ع الص��فوة
األخيار، ونوزن المواقف واألمور بميزان الشرع.نسأل الله من فضله ومنته الهداية والتوفيق.
بقلم/ سنان زاهد محمد صالحالحسيني
2019 تموز 9
www.alukah.net
المحتويات
5.................................الموقف األول6................................الموقف الثاني9................................الموقف الثالث12..............................الموقف الرابع
14...........................الموقف الخامس18...........................الموقف السادس
21............العبرة مما تقدم من المواقف